عناصر الموضوع
الظّـلم
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «الظلم مشتق من ظلم يظلم مظلمة بفتح اللام وكسرها، وأصله وضع الشيء في غير موضعه»1.
وقيل: هو الجور ومجاوزة الحد والميل عن القصد، والظّلمة: المانعون أهل الحقوق حقوقهم2.
ومن المجاز (ظلم الأرض) إذا حفرها في غير موضع حفرها، و(ظلم البعير) إذا نحره من غير داء، و(ظلم الوادي ظلمًا) إذا بلغ الماء منه موضعًا لم يكن بلغه قبل، ولا ناله فيما خلا.
و(الظلمة) ذهاب النور، ومن المجاز أيضًا (شعرٌ مظلم) أي حالك شديد السواد، و(نبتٌ مظلم) يضرب إلى السواد من خضرته3.
فالظلم: الميل عن القصد، ووضع الشيء في غير موضعه الذي يختص به، سواء بزيادة أو نقص، أو بعدول عن وقته وزمانه، حسيًّا كان أو معنويًّا4.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عبّر المفسرون عن الظلم في القرآن بمعانٍ متعددة: منها جعل العبادة في غير موضعها اللائق بها، يعني جعلها لغير الله سبحانه، أو التوجه بالعبادة لغير الله سبحانه، ومنها معاملة العباد بغير ما أنزل الله سبحانه، وعدم إعطائهم حقوقهم أو غير ذلك، وإذا تبيّن لك هذا فيمكن الوقوف على تعريف عام يشمل ما سبق هو أن الظلم يعني: الميل عن الصواب ووضع الشيء في غير موضعه الذي يختص به سواء بزيادة أو نقص أو بعدول عن وقته وزمانه حسيًّا كان أو معنويًّا بقصد أو بدون قصد5، فمن حاد عن طريق الحق لابد وأن يكون قلبه حالكًا شديد السواد، وقد ذهب نور الإيمان منه؛ لأنه خالف شرع الله سبحانه، وفعل غير ما أراد الله عز وجل. فالمعنى اللغوي والاصطلاحي متفقان تمامًا.
وردت مادة (ظ ل م) في القرآن (٣١٥) مرة، يخص موضوع البحث منها (٢٨٩) مرة6.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٦٥ |
(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [هود:١٠١] |
الفعل المضارع |
٤٥ |
(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [يونس:٤٤] |
المصدر |
٢٠ |
(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [لقمان:١٣] |
اسم الفاعل |
١٣٥ |
(ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الأنبياء:٨٧] |
صيغة المبالغة |
٧ |
(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [إبراهيم:٣٤] |
اسم المفعول |
١ |
(ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الإسراء:٣٣] |
أفعل التفضيل |
١٦ |
(ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النجم:٥٢] |
وورد الظلم في القرآن بمعناه اللغوي، وهو: وضع الشىء فى غير موضعه المختصّ به، إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه، ويستعمل في الذنب الكبير؛ كالشرك، والذنب الصغير؛ كصغائر الذنوب7.
البغي:
البغي لغة:
مصدر بغى يبغي بغيًّا، إذا تعدى وظلم8.
البغي اصطلاحًا:
طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أم لم يتجاوزه9.
الصلة بين الظلم والبغي:
يلاحظ هنا أن القاسم المشترك بين الظلم والبغي هو تجاوز الحد، لكن الظلم دائمًا مذموم، أما البغي فقد يكون محمودًا، وقد يكون مذمومًا، وغالب الاستعمال القرآني لهذه المفردة على النوع الثاني، وهو المعنى القريب من معنى الظلم10.
الطغيان:
الطغيان لغة:
تجاوز الحدّ في العصيان 11.
الطغيان اصطلاحًا:
قال القرطبي: «الطغيان تجاوز الحد في الظلم والغلو فيه؛ وذلك أن الظلم منه صغيرة ومنه كبيرة، فمن تجاوز منزلة الصغيرة فقد طغى»12.
الصلة بين الظلم والطغيان:
أن الظّلم ضررٌ لا يستحق ولا يعقب عوضًا سواء كان من سلطان أو حاكم أو غيرهما، وأصله نقصان الحق، أما الطغيان فهو مجاوزة الحد في المكروه مع غلبة وقهر13.
الجور:
الجور لغة:
الجيم والواو والرّاء أصلٌ واحدٌ، وهو الميل عن الطّريق 14.
الجور اصطلاحًا:
قال السيوطي: الجور: الخروج عن الوسط بزيادة أو نقصان15، وقال بعضهم: الجائر من الناس هو الذي يمنع من التزام ما يأمر به الشرع16.
الصلة بين الظّلم والجور:
الجور خلاف الاستقامة في الحكم، تقول: جار الحاكم في حكمه والسّلطان في سيرته إذا فارق الاستقامة في ذلك، والظّلم ضرر لا يستحق، ولا يعقب عوضًا، سواء كان من سلطان أو حاكم أو غيرهما، وأصل الظّلم نقصان الحق، والجور العدول عن الحق، و نقيض الظّلم الإنصاف، وهو إعطاء الحق على التّمام، ونقيض الجور العدل، وهو العدول بالفعل إلى الحق17.
نزّه الله سبحانه نفسه عن الظلم في العديد من الآيات القرآنية-المكي منها والمدني-، ونفى أن يظلم سبحانه أحدًا، فكل ما نسب إلى الله سبحانه فهو خير، وإيجاد الله سبحانه للعقوبة على الذنب الذي يقترفه الإنسان لا يعدّ ظلمًا له، بل ذلك عدلٌ منه سبحانه، وقد تبرأ الله عن الظلم بأكثر من صيغة، ومن هذه الصيغ قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) وردت في خمسة مواضع من القرآن الكريم، ثلاث منها مكية، واثنتان مدنيتان، ومن هذه المواضع قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأنفال: ٥١].
قال الإمام القاسمي عند تفسيره لها: «ذلك إشارة إلى ما ذكر من الضرب والعذاب بما قدّمت أيديكم، أي: ما كسبتم من الكفر والمعاصي، وأن الله ليس بظلام للعبيد، أي: بأن يأخذهم بلا جرم، فإن قيل ما سر التعبير بـ(ظلام) بالمبالغة مع أن نفي نفس الظلم أبلغ من نفي كثرته، ونفي الكثرة لا ينفي أصله، بل ربما يشعر بوجوده، وبرجوع النفي للقيد.
وأجيب بأجوبة:
منها: أنه نفي لأصل الظلم وكثرته، باعتبار آحاد من ظلم، كأنه قيل: ظالمٌ لفلان ولفلان وهلم جرًّا، فلما جمع هؤلاء عدل إلى (ظلام) لذلك، أي لكثرة الكمية فيه.
ومنها: أنه إذا انتفى الظلم الكثير انتفى الظلم القليل، لأن من يظلم، يظلم للانتفاع بالظلم، فإذا ترك كثيره مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضرر كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركًا.
ومنها: أن (ظلامًا) للنسب أي لا ينسب إليه الظلم أصلًا.
ومنها: أن كل صفة له تعالى في أكمل المراتب، فلو كان تعالى ظالمًا، كان ظلامًا، فنفى اللازم لنفي الملزوم.
ومنها: أن العذاب من العظم بحيث لولا الاستحقاق لكان المعذّب بمثله ظلامًا بليغ الظلم متفاقمه.
فالمراد تنزيهه تعالى، وهو جدير بالمبالغة.
وأيضًا لو عذّب تعالى عبيده بدون استحقاق وسبب لكان ظلمًا عظيمًا لصدوره عن العدل الرحيم. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول: (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا)»1819.
يتبين مما سبق أن جميع الأجوبة السابقة تتناسب مع السر وراء التعبير بـ(ظلَّام) بالمبالغة.
ومن الصيغ التي ورد فيها نفي الظلم عن الله سبحانه في القرآن الكريم: قوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) حيث إنها وردت في ثلاثة مواضع، ومن الأمثلة ما ورد عند قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [غافر: ٣١].
قال الطبري: «وما أهلك الله هذه الأحزاب من هذه الأمم ظلمًا منه بغير جرمٍ اجترموه بينهم وبينه؛ لأنه لا يريد ظلم عباده ولا يشاؤه، ولكنه أهلكهم بإجرامهم وكفرهم وخلافهم أمره»20.
كما ورد نفي الظلم عن الله سبحانه في القرآن الكريم بصيغة (وما ظلمهم الله) قال الزحيلي عند تفسيره لقوله تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [النحل: ٣٣].
«أي: إن ما وقع بهم من العذاب لم يكن بظلم من الله؛ لأنه تعالى أعذر إليهم وأقام حججه عليهم بإرسال رسله، وإنزال كتبه، ولكن ظلموا أنفسهم بمخالفة الرسل والتكذيب بما جاءوا به، فعوقبوا وجوزوا بسوء عملهم، وأحاط بهم العذاب الأليم بما كانوا به يستهزءون أي يسخرون من الرسل حيث توعدوهم بعقاب الله»21.
وورد نفي الظلم عن الله سبحانه في القرآن الكريم بصيغة (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم، وقال الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [التوبة: ٧٠].
«وقوله: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) يقول جل ثناؤه: فما أهلك الله هذه الأمم التي ذكر أنه أهلكها إلا بإجرامها وظلمها أنفسها، واستحقاقها من الله عظيم العقاب، لا ظلمًا من الله لهم، ولا وضعًا منه جل ثناؤه عقوبة من غير من هو لها أهل؛ لأن الله حكيم لا خلل في تدبيره، ولا خطأ في تقديره، ولكن القوم الذين أهلكهم ظلموا أنفسهم بمعصية الله وتكذيبهم رسله، حتى أسخطوا عليهم ربهم فحقت عليهم كلمة العذاب فعذبوا»22.
يتضح من الأمثلة السابقة أن الله سبحانه قد نفى الظلم عن نفسه بأكثر من صيغة، وهذا يدل على أن الله سبحانه عدلٌ لا يظلم أحدًا من مخلوقاته.
قال ابن القيم: «وقد اتفق أهل الأرض والسماوات على أن الله عدلٌ لا يظلم أحدًا حتى أعداءه المشركين الجاحدين لصفات كماله، فإنهم مقرون له بالعدل، ومنزهون له عن الظلم، حتى إنهم ليدخلون النار وهم معترفون بعدله كما قال تعالى: (ﯷ ﯸ) [الملك: ١١].
وقال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الأنعام: ١٣٠].
فهو سبحانه قد حرّم الظلم على نفسه، وأخبر أنه لا يهلك القرى بظلم وأهلها غافلون»23.
كرّم الله سبحانه الإنسان على كثير من مخلوقاته، فقال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الإسراء: ٧٠].
وخلقه سبحانه في أحسن صورة.
قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [التين: ٤].
وميّزه بالعقل، وهداه إلى اختيار طريق الخير أو الشر.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الإنسان: ٣].
كما يمتاز الإنسان عن غيره من المخلوقات بالطبيعة الهادية له إلى الخير والتوحيد، فهو مؤمن بالله بطبيعته التي خلق عليها، وعهد الله سبحانه إليه قبل أن يخلق بشرًا سويًّا.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ١٧٢].
فاتجاهه وميوله الداخلية تتجه إلى الإيمان والتوحيد بالله عز وجل.
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الروم: ٣٠].
ورغم كل هذا فقد ذكر الله سبحانه في القرآن الكريم طبائع ذميمة تتنافى مع طبيعة الإنسان التي فطر الله الناس عليها، والتي منها الظلم الذي أكد القرآن الكريم وجوده في الطبيعة الإنسانية.
قال تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [إبراهيم: ٣٤].
يقول الطبري: «إن الإنسان الذي بدّل نعمة الله كفرًا لظلوم، أي: لشاكر غير من أنعم عليه، فهو بذلك من فعله واضع الشكر في غير موضعه، وذلك أن الله هو الذي أنعم عليه بما أنعم، واستحق عليه إخلاص العبادة له فعبد غيره، وجعل له أندادًا ليضل عن سبيله، وذلك ظلمه»24.
وقال السعدي في تفسيره للآية نفسها: «أي: هذه طبيعة الإنسان من حيث هو ظالم متجرئ على المعاصي مقصّر في حقوق ربه، كفارٌ لنعم الله لا يشكرها ولا يعترف بها إلا من هداه الله فشكر نعمه وعرف حق ربه وقام به»25.
كما ورد في القرآن الكريم سبع آيات ختمت فاصلتها بقوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ).
وقال السعدي عند تفسيره لأحد هذه الفواصل القرآنية: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [العنكبوت: ٤٠].
أي: «وما ينبغي ولا يليق به تعالى أن يظلمهم لكمال عدله، وغناه التام عن جميع الخلق (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) منعوها حقها التي هي بصدده، فإنها مخلوقة لعبادة الله وحده، فهؤلاء وضعوها في غير موضعها، وأشغلوها بالشهوات والمعاصي فضروها غاية الضرر من حيث ظنوا أنهم ينفعوها»26.
يتبين مما سبق: أن الظلم طبيعة في النفس البشرية، قد يظهر ويترعرع إذا وجد بيئة شيطانية ملائمة له، وقد ينقلب هذا الظلم إلى عدل إذا حدث العكس، وهو وجود بيئة إيمانية تطبق تعاليم الإسلام، وتسير على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم، وحاكم يعين المظلوم على استرداد حقه من الظالم، وقد أكد ذلك أبو بكر رضي الله عنه بقوله: «ألا إن القوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق، والضعيف عندي قوي حتى آخذ له الحق»27.
ويقول ابن خلدون في هذا السياق: «إن الطبيعة البشرية قد فطرت على الظلم والعدوان، فيحاول كلٌ أن يعتدي على أخيه، وأن ينتزع منه ما في يده، فيقع التنازع المفضي إلى المقاتلة والهرج وسفك الدماء؛ ولذلك استحال بقاء الجماعة فوضى دون حاكمٍ يدفع بعضهم عن بعض، واحتاجوا من أجل ذلك إلى الوازع، وهو واحدٌ منهم يكون له عليهم الغلبة والسلطان واليد القاهرة حتى لا يصل أحدٌ إلى غيره بعدوان»28.
حذّر الشارع من الظلم ونهى عنه أشد النهي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)29 .
وقال عز وجل في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا) 30.
وللظلم أنواع كثيرة في واقع الناس، وحقيقتها تعود إلى نوعين:
الأول: ظلم النفس:
فالإنسان يظلم نفسه، ويضع الأمور في غير موضعها، وله صور كثيرة، منها:
١. ظلم الشرك.
فالشرك بالله أشد الظلم وأخطره؛ لأنه تجاوز للحد مع الله تعالى، إذ أمر الله الإنسان بتوحيده، لكن المشرك يتخذ معه شريكًا، وفي ذلك إرجاع الفضل لغير صاحبه، ولأنه يؤدي بصاحبه إلى الخلود في جهنم إن مات على الشرك، فيكون قد ظلم نفسه وأوردها المهالك؛ لذلك ابتدأ لقمان الحكيم وصاياه لابنه بعدم الشرك بالله؛ لأنه رأس كل فتنة.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [لقمان: ١٣].
يقوم الشرك على مجرد التعقب للهوى، وتغليب المصلحة الفانية على الأخرى الباقية، ولا يقوم على أي دليل مقنع، وهو ظلم للنفس وللآخرين معًا، كما أنه انتقاص لحق الله سبحانه في التوحيد، وعدم تنزيهه عن مشابهة الخلق في حاجتهم إلى الشريك والمعين، لذلك توعّد الله سبحانه هؤلاء بشديد العقاب في الدنيا والآخرة.
فقال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥١].
فالشرك أعظم أنواع الظلم، ولهذا كان جزاء صاحبه أن يخلد في النار يوم القيامة، كما قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المائدة: ٧٢].
ومن الشرك: التقرّب إلى الموتى وأصحاب القبور من الأولياء والصالحين وغيرهم، وذلك بدعائهم والاستغاثة بهم، والذبح والنذر لهم، والطواف بقبورهم، والحلف بهم تعظيمًا لهم، واعتقاد النفع والضر فيهم، وأن لهم تصرفًا في هذا الكون، وقدرة على الدفع والرفع والضر والنفع والعطاء والمنع.
قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الرعد: ١٦]31.
٢. ظلم الكفر.
الكفر ظلمٌ أكبر يخرج من الملة، ويوجب الخلود في النار، ويحبط جميع الأعمال، ولا يغفره الله سبحانه إلا بالتوبة.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ) [البقرة: ٢٥٤].
٣. ظلم النفاق.
النفاق الأكبر مخرج من الملة، وهو الذي يتعلق بالاعتقاد؛ كأن يبطن الكفر ويظهر الإيمان، أو أن يأتي الشخص بمكفّرٍ من المكفرات كاستهزائه بالشريعة أو استهزائه بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو استهزائه بالصحابة رضي الله عنهم، فهذا نفاق أكبر يخرج صاحبه من دين الإسلام وإن صلى وصام، وزعم أنه مسلم.
ومما يؤكد هذا النوع قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [التوبة: ٦٥-٦٦].
وقال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [المنافقون: ١]32.
٤. ظلم التعدي على حدود الله، واقتراف الكبائر.
قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [البقرة: ٢٢٩].
ومن ذلك: الصد عن مساجد الله سبحانه أن يذكر فيها اسمه.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [البقرة: ١١٤].
ومن ذلك أيضًا كتم الشهادة.
قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة: ١٤٠].
وكذلك الكذب على الله تعالى.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأنعام: ١٤٤].
ومعناه: اختلاق القول على الله تعالى، وتقوّل الأقوال عنه بإيرادها ابتداءً، أو بالتبديل والتحريف فيها33.
الثاني: ظلم الغير:
وله صور كثيرة ومتنوعة، وهي منتشرة بصورة كبيرة في مجتمعاتنا، وقد عرض القرآن الكريم لنماذج متعددة، وبيان ذلك فيما يأتي:
١. ظلم العباد بعضهم لبعض.
ويندرج تحته عدة أمور، منها:
الغيبة والنميمة والسباب والشتم والاحتقار والتنابز بالألقاب والاستهزاء والقذف ونحو ذلك مما تناولته سورة الحجرات.
وشهادة الزور، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر.. ألا وقول الزور)34.
وقتل النفس بغير حق، كما قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الإسراء: ٣٣].
أخذ أرض الغير أو شيء منها بغير وجه حق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين)35.
وأكل أموال الناس بالباطل، كما قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النساء: ٢٩].
والتعامل بالربا، كما قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النساء: ١٦٠-١٦١].
والغش في المعاملات، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا)36.
ومماطلة من له حق عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مطل الغنى ظلم)3738.
٢. الظلم الواقع بين الأرحام.
عقوق الوالدين: يعدّ عقوق الوالدين من صور الظلم الاجتماعي، وقد أمر الإسلام بالإحسان إلى الوالدين، فقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الإسراء: ٢٣].
لكن هناك من يخالف شرع الله ويعقّ والديه، وقد ظهر العقوق بأشكال متنوعة، منها: أن يسبّ الرجل والديه، وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه)، قيل: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: (يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)39.
ومن صوره: منع النفقة عن الآباء، رغم حاجة الآباء إلى النفقة مع قدرة الأبناء، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم قال، قال صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك)40.
ومنه: ميل الوالد لبعض أولاده، ويكون ذلك بعدم العدل بينهم في الهدية والعطية؛ وبالتالي فإن هذا يؤدي إلى العقوق، وكراهية بعضهم لبعض، ودافع للعداوة بين الإخوة.
وقد روي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها، فالتوى بها سنة، ثم بدا له، فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي وأنا غلام فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: إن أم هذا بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، فقال: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال: فلا تشهدني إذًا فإني لا أشهد على جور)41.
وأكل حقوق النساء في الميراث، فقد جاء الإسلام ليبطل ما فيه ظلم وجور من توريث الأبناء دون البنات في الجاهلية، وحدد لكل مستحق من التركة حقه.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [النساء: ١١].
والمتأمل في الواقع يجد أن أكثر ذلك الظلم يقع على الأخوات من أقرب الناس إليهن، وهم إخوتهن، وكثيرًا ما نسمع ونرى من المشاكل التي أدت إلى قطع الأرحام والعداوات بين الأقارب، والتي كان سببها تعطيل قسمة الفرائض والجور فيها، وقسمتها على غير ما أمر الله سبحانه.
ومنه أيضًا قطيعة الرحم، وقد فشى في مجتمعات المسلمين، ومن أخطرها من لا يعرف الناس قرابته بصلة، ولا بمال ولا بأي شيء، تمضي الشهور وربما الأعوام وما قام بزيارتهم، ولا تودد إليهم بصلة أو هدية، ولا دفع عنهم حاجة أو أذية، بل ربما أساء إليهم بالقول أو الفعل أو بهما معًا، وقد قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [محمد: ٢٢].
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع)4243.
والحاصل أن الظلم الاجتماعي له صورٌ متعددة ذكرنا بعضًا منها، والواجب على المسلم أن يحاسب نفسه، ويتأمل تعاملاته مع أقربائه وجيرانه وزملائه، ويجب أن يعلم أن حبه لأحد لا يقتضي الغلو والمبالغة فيه وعدم نصحه، كما أن بغضه أو عدم ارتياحه لأحدٍ لا يسوّغ له ظلمه، أو التعدي عليه، أو ترك ما يجب له من التكريم والصلة، وهذا هو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، وأمر به الشرع، قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ) [الأنعام: ١٥٢]، وقال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المائدة: ٨].
للظلم أسباب كثيرة ومتعددة، تؤدي إليه، وتوقع الإنسان به، وبيان هذه الأسباب متمثلة في المطالب الآتية:
أولًا: الكفر:
إن الكفر بنعم الله سبحانه وجحودها من أبرز أسباب الظلم، وقد أكد ذلك القرآن الكريم.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ) [البقرة: ٢٥٤].
قال الطبري في تفسيرها: «فإنه يعني تعالى ذكره بذلك والجاحدون لله المكذبون به وبرسله هم الظالمون، يقول: هم الواضعون جحودهم في غير موضعه، والفاعلون غير ما لهم فعله، والقائلون ما ليس لهم قوله»44.
وقد قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ) ولم يقل: والظالمون هم الكافرون؛ لأن معنى الآية أن كل كافر ظالم، وليس كل ظالم كافرًا.
ولو قال: (الظالمون هم الكافرون) لكان قد حكم على كل ظالم -وهو من يضع الشيء في غير موضعه- بالكفر45.
ثانيًا: اتباع الهوى واتباع الظن:
الظلم ليس وليد نفسه، بل له منابع وأسباب، ومن هذه الأسباب: تسلّط الأهواء والغرائز على الظالمين حكامًا أو محكومين، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الروم: ٢٩].
ومعنى الآية: أن أولئك الظالمين اتبعوا أهواءهم جهلًا منهم لحق الله عليهم، فأشركوا الآلهة والأوثان في عبادته، ولو قلّبوا وجوه الرأي، واستعملوا الفكر والتدبر لربما ردهم ذلك إلى معرفة الحق، ووصلوا إلى الرشد، ولكن أنى لهم ذلك46.
ثالثًا: الاستكبار والترف:
من الناس من ينعم الله سبحانه عليه بالنعم الكثيرة، ولكنه لا يدرك قدرها، فيستخدمها في غير ما خلقت له، ومثال ذلك: نعمة الصحة والمال، فيتكبّر ويتجبّر، قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [العلق: ٦- ٧].
ومعنى ذلك: أن أمر هذا الإنسان عجيب، فإنه متى أحس من نفسه قدرة وثروة خرج من الحد الذي يجب أن يكون عليه، واستكبر عن الخشوع لربه، وتطاول بأذى الناس، وعدّ نفسه فوقهم جميعًا، وقد كان من حقه أن يكون وإياهم أعضاء أسرة واحدة، يتعاونون في السراء والضراء، ويحب الخير لهم كما يحبه لنفسه47.
ومن الأمثلة التي ساقها القرآن الكريم عن أولئك الذين طغوا بسبب النعم: قصة النمرود بن كنعان، الذي أعطاه الله الملك ثم بعد ذلك ادعى الربوبية.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة: ٢٥٨].
وكذلك فرعون الذي آتاه الله الملك والسلطان فكان ذلك سببًا لادعاء الربوبية.
قال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النازعات: ١٧-٢٤].
رابعًا: الحسد:
إن الحسد من الأسباب المؤدية إلى الظلم، فهو الذي أخرج إبليس -لعنه الله- من رحمة ربه، حيث حسد آدم على مكانته عند ربه، فامتنع عن السجود تكبرًا وعصيانًا لأمر الله سبحانه عندما أمر الملائكة بالسجود لآدم، فسجدوا إلا إبليس استكبر.
وقال الله عنه: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [ص: ٧٦].
وبالحسد سفك أول دم حرام على وجه الأرض، حيث حسد ابن آدم قابيل أخاه هابيل؛ لأن الله سبحانه تقبّل قربان هابيل الذي قدمه؛ لأنه طيب، ومن نفس طيبة، أما قابيل فلم يقبل منه؛ لأنه أسوأ حالة، ولم يجد بها إلا مكرهًا، وكانت علامة القبول نزول نار فتحرق المقبول، وتترك الذي لم يقبل، فحسد قابيل أخاه فقتله، فأصبح من الخاسرين، وكان عليه وعلى الشيطان كفلٌ من يقتل ظلمًا إلى يوم القيامة48.
خامسًا: الولاء للأعداء:
حذر القرآن الكريم من موالاة الظالمين ومساندتهم بأي صورة كانت.
فقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [هود: ١١٣].
ومعنى الآية: أنه يجب عليكم أيها المؤمنون ألا تستندوا إلى الذين ظلموا، وهم المشركون وغيرهم، فتجعلوهم ركنًا لكم تعتمدون عليه، فتقرونهم على ظلمهم، وتوالوهم في شئونكم الحربية وأعمالكم الدينية، فإن الظالمين بعضهم أولياء بعض، وخلاصة ذلك لا تستعينوا بالظلمة، فتكونوا كأنكم رضيتم على أعمالهم، فإن فعلتم ذلك أصابتكم النار التي هي جزاء الظالمين، بسبب ركونكم إليهم، والاغترار بهم، والاعتماد عليهم، والركون إلى الظلم وأهله ظلم49.
كما أكد القرآن على عدم موالاة الكافرين، فقال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [التوبة: ٢٣].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم بطانة وأصدقاء، تفشون إليهم أسراركم، وتطلعونهم على عورة الإسلام وأهله، وتؤثرون المكث بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ)، يقول: إن اختاروا الكفر بالله، على التصديق به والإقرار بتوحيده (ﭴ ﭵ ﭶ) يقول: ومن يتخذهم منكم بطانة من دون المؤمنين، ويؤثر المقام معهم على الهجرة إلى رسول الله ودار الإسلام (ﭷ ﭸ ﭹ) يقول: فالذين يفعلون ذلك منكم، هم الذين خالفوا أمر الله، فوضعوا الولاية في غير موضعها، وعصوا الله في أمره» 50.
كما حذّر القرآن الكريم من موالاة اليهود والنصارى؛ لأن في موالاتهم نصرة لهم على الدين وأهله، قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [المائدة: ٥١].
سادسًا: ترك التوبة:
إن من يفعل المعاصي ويستمر في فعلها دون الرجوع إلى الله سبحانه والإنابة إليه، يستمرئ هذه المعاصي، ويزيد فيها حتى تصبح ديدنه، فلا زاجر له ولا رادع، ويكون قد ظلم نفسه وغيره؛ لأن التوبة تعتبر رادعًا للظالم عن ظلمه، وقد حذّر القرآن الكريم من عدم التوبة للعاصي، ووسم من يفعل ذلك بالظلم، فقال تعالى: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [الحجرات: ١١].
ومعنى ذلك: أن من لم يتب من شروره ومعاصيه فهو ظالم؛ لأنه ظلم الناس بالاعتداء عليهم، وظلم نفسه بأنه رضي لها عقوبة الآخرة مع التمكن من الإقلاع عن ذلك، فكان ظلمه شديدًا جدًّا؛ لذلك جيء له بصيغة قصر الظالمين عليهم، كأنه لا ظالم غيرهم، لعدم الاعتداد بالظالمين الآخرين في مقابلة هؤلاء على سبيل المبالغة ليزدجروا51.
فالتوبة واجبة من كل ذنب، وكل من تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله سبحانه يقبل توبته، قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [المائدة: ٣٩].
وقد وردت هذه الفاصلة القرآنية بعد الحديث عن عقوبة السارق، وبيّنت أن من تاب من بعد سرقته، وأناب إلى الله سبحانه، ورجع عن فعلته، ورد أموال الناس، وأصلح نفسه، وزكاها بأعمال التقوى والبر، وكانت توبته بنية صادقة، مع العزم على ترك العود، فإن الله يقبل توبته، فلا يعذبه في الآخرة52.
سابعًا: اتباع الشهوات:
إن حرمات الله سبحانه هي جميع ما حرّم الله سبحانه من حقوق الخالق وحقوق المخلوقين من أشخاص وأزمان وأمكنة، وقد حذّرنا الله سبحانه في أكثر من آية من انتهاك حرماته والتعدي عليها، وجعل ذلك من أكبر الكبائر، واعتبر كل من ينتهك حرمات الله سبحانه ظالمًا، قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [البقرة: ٢٢٩].
قال الطبري في تفسيرها: «يعني تعالى ذكره تلك معالم فصوله بين ما أحل لكم وما حرم عليكم أيها الناس، فلا تعتدوا ما أحل لكم من الأمور التي بينها وفصّلها لكم من الحلال إلى ما حرم عليكم، فتتجاوزوا طاعته إلى معصيته»53.
ومما يؤدي إلى انتهاك حرمات الله سبحانه اتباع الشهوات قال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [النساء: ٢٧].
فمتّبعو الشهوات هم الفسقة الذين يدورون مع شهوات أنفسهم وينهمكون فيها، فكأنها أمرتهم باتباعها فامتثلوا أمرها، فلا يبالون بما قطعوا من وشائج الأرحام، ولا بما أزالوا من أواصر القرابة، فليس مقصدهم إلا التمتع باللذة، أما اللذين يفعلون ما يأمر به الدين فليس غرضهم إلا امتثال أوامره، لا اتباع شهواتهم، ولا الجري وراء لذاتهم54، لذا لابد من تقوى الله سبحانه والابتعاد عن انتهاك حرماته؛ لأن ذلك من أسباب الظلم المؤدية إلى نار جهنم.
سبل الوقاية من الظلم وطرق العلاج
أولًا: سبل الوقاية من الظلم:
إن الوقاية من الظلم لها سبل متعددة، تؤدي إلى تحقق هذه الوقاية، فإن أخذنا بها اتقينا الظلم، ومن هذه السبل ما يأتي:
١. إشاعة العدل في كل شيء.
يعدّ العدل من العوامل الرئيسة والآداب السامية التي تؤدي إلى الوقاية من الظلم والطغيان، وذلك بنشر العدل بين الناس وعدم التفريق بينهم، فالمظلوم أو المقهور إن لم يستطع نيل حقه بالطرق المشروعة فقد يعلن عن غضبه بقيامه برد الظلم بمثله، ومن هنا ينتشر الظلم المضاد، لذلك كان أمر الله سبحانه بالعدل صريحًا.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النحل: ٩٠].
وقال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المائدة: ٨].
قال ابن كثير: «فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغضة الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم بل الزموا العدل على أي حال»55.
٢. صيانة الروابط الاجتماعية من عوامل البغضاء والشحناء.
تحتل الروابط الاجتماعية مكانة مهمة في الإسلام، ولهذا سعى الإسلام إلى العمل على صيانتها، ومعالجة العوامل التي تهدد تماسكها وترابطها، وتقود إلى الشقاق والمنازعات والعداوة والبغضاء، ومن أهم هذه العوامل التي تؤثر سلبًا في العلاقات الاجتماعية: الإشاعة، وهي بث الأخبار بقصد الإفساد بشكل مباشر أو غير مباشر، ولهذا وضع الإسلام منهاجًا خاصًّا لتلقي الأخبار، وذلك لأن الشائعات تفسد بين القلوب، وتحدث الفوضى، وقد تكون سببًا في حدوث كوارث ونكبات في المجتمع بين أفراده.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الحجرات: ٦].
قال الشوكاني: «والمراد من التبين التعرف والتفحص والتبصر في الأمر الواقع، والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر»56.
٣. التحكم في الغضب الذي يدفع الناس إلى الظلم.
وجّه الإسلام إلى عدم الغضب، والبعد عن أسبابه، لما له من آثار سلبية على علاقة الناس بعضهم ببعض، ولما يسببه من شحناء وبغض قد يكون سببًا في انتشار الظلم في المجتمع، قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [آل عمران: ١٣٤].
فمن أجاب داعي الغيظ وتوجه بعزيمة إلى الانتقام لا يقف عند حد الاعتدال، ولا يكتفي بالحق، بل يتجاوزه إلى البغي، ومن ثم كان من التقوى كظمه57.
٤. الإنكار على الظالم ومنعه من الظلم.
إذا كان الظلم سببًا في هلاك الأمة، فمن الواجب شرعًا الإنكار على الظالم، ومنعه من الظلم، وعدم السكوت عن ظلمه.
عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة: ١٠٥]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا ظالمًا فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)58.
أي: إذا لم تمنعوه من ظلمه مع القدرة على منعه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه، ومن الواضح أن الظالم يجب منعه من الظلم والإنكار عليه، ويشمل ذلك الحاكم وغيره من الظلمة.
٥. عدم الركون إلى الظالمين.
وهذا سبيل من سبل الوقاية من الوقوع في الظلم، أو شيوعه وانتشاره، وما يترتب على ذلك من العقاب أو الهلاك بالأمة، وهو عدم الركون إلى الذين ظلموا بأي نوع من أنواع الركون إليهم، حتى يعجزوا أو يضعفوا عن ارتكاب الظلم، لا سيما الحكام الظلمة؛ لأنهم لا يرتكبون المظالم إلا بأعوانهم، وبسكوت أهل الحق عنهم، أو بركونهم إليهم.
قال تعالى محذِّرًا من الركون إلى الذين ظلموا: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [هود: ١١٣].
ومعنى الآية: لا تميلوا إلى قول هؤلاء الذين كفروا بالله فتقبلوا منهم، وترضوا أعمالهم، فتمسكم النار بفعلكم ذلك59.
وقال الزمخشري: «والنهي متناول للانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم في مجالسهم، وزيارتهم ومهادنتهم والرضا بأعمالهم والتشبه بهم، والتزيي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم»60.
٦. عدم إعانة الظالم على ظلمه.
إن أعوان الظالم هم ظلمة مثله، فلا يجوز إعانة الظالم؛ لأنه إذا كان الركون بجميع أشكاله وأنواعه لا يجوز، فما يكون فيه إعانة للظالم أولى أن لا يجوز، والواقع أن الحاكم الظالم إنما يتمكن من ظلمه بمعاونة أعوانه وأتباعه، وليس بنفسه فقط، فالمعاونة له بأي شكل من أشكالها لا تجوز، لأنها تقوية له ومساعدة له لتنفيذ ظلمه، ولهذا إذا نزل العذاب بالحاكم الظالم نزل بأعوانه أيضًا، لأنهم مثله ظالمون، كما حصل لفرعون وأعوانه.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [القصص: ٤٠].
أي جمعنا فرعون وجنوده من القبط فألقيناهم جميعًا في البحر61.
ثانيًا: طرق علاج الظلم:
إن علاج الظلم له طرق ووسائل متعددة، تؤدي إلى علاجه، فإن أخذنا بها فقد عالجنا هذا المرض العضال، ومن هذه الطرق والوسائل ما يأتي:
١. معايشة القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وذلك لأن القرآن أسهب في الحديث عن الظلم والظالمين، وبيّن جرائمهم وعواقب هذه الجرائم، وكذلك سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، وحسبنا أن الرسل والرسالات كانت من أجل رفع الظلم عن المظلومين، أو مداوة الظالمين أو تخويفهم عاقبة ظلمهم، وإقامة الحجة عليهم.
قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الأحقاف: ١٢].
وقوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الحج: ٤٥].
معنى ذلك: أن كثيرًا من أهل القرى أهلكناهم بكفرهم بالله وتكذيبهم رسله، ثم أنشأنا بعد إهلاكهم أممًا أخرى سواهم62.
٢. التوبة النصوح.
وذلك بالإقلاع الفوري عن الظلم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [التحريم: ٨].
وقد أمر الله سبحانه بالتوبة النصوح في هذه الآية، ووعد عليها بتكفير السيئات ودخول الجنات، والفوز والفلاح حين يسعى المؤمنون يوم القيامة بنور إيمانهم، ويمشون بضيائه ويتمتعون بروحه وراحته، والمراد بها: التوبة العامة الشاملة للذنوب كلها التي عقدها العبد لله، لا يريد بها إلا وجهه والقرب منه، ويستمر عليها في جميع أحواله63.
وشروط التوبة أربعة:
- الإقلاع عن الذنب.
- الندم على ما مضى.
- العزم على ألا يعود إليه.
- رد الحقوق إلى أهلها64.
٣. التذكير بعواقب وآثار الظلم وأخذ العبرة والعظة.
إن تذكير الظالمين بعواقب وآثار الظلم قد يؤدي إلى رجوعهم عن ظلمهم، وقد حث القرآن الكريم على ذلك بقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأعراف: ١٦٤].
ومعنى الآية: أن الله سبحانه أمر بني إسرائيل أن يعظّموه ويحترموه ولا يصيدوا يوم السبت صيدًا فابتلاهم الله وامتحنهم، وانقسموا في ذلك ثلاث فرق، معظمهم اعتدوا وتجرؤوا على مخالفة أمر الله تعالى، وفرقة أنكرت عليهم ونهتهم عن ذلك، وفرقة اكتفت بإنكار أولئك عليهم، ونهيهم لهم، وقالوا لهم: لا فائدة في وعظ من اقتحم محارم الله، ولم يصغ للنصيحة، بل استمر في اعتدائه وطغيانه، فإنه لا بد أن يعاقبهم الله إما بإهلاك أو عذاب شديد، فقال الواعظون: نعظهم وننهاهم لنعذر فيهم، ولعلهم يتركون ما هم فيه من المعصية، فلا نيأس من هدايتهم، فربما أثر فيهم هذا الوعظ واللوم، وهذا هو المقصود الأعظم من إنكار المنكر، ليكون معذرة، وإقامة حجة على المأمور المنهي، ولعل الله أن يهديه فيعمل بمقتضى ذلك الأمر والنهي65.
٤.تربية ملكة المراقبة لله في السر والعلن.
قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الرحمن: ٤٦].
والمراد: أن الذي يخاف ربه، ويقوم على أوامره فيترك ما نهى عنه، ويفعل ما يؤمر، له جنتان من ذهب، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات، والأخرى على فعل الطاعات66.
ويؤكد ذلك قوله تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [النازعات: ٤٠- ٤١].
٥. الدعاء.
وهو أهم علاجٍ في رفع الظلم، وهو الباب الواسع الذي لا يقفل، فلا بد للمظلوم أن يلتجئ إلى الله بالدعاء والدعوة على الظالم؛ إذ ليس بينها وبين الله سبحانه حجاب، وقد وعد الله سبحانه له بنصرها عاجلًا أو آجلًا.
قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [القمر: ١٠].
يقول ابن كثير في تفسير الآية: «أي إني ضعيف عن هؤلاء وعن مقاومتهم فانتصر أنت لدينك»67.
فالدعاء سلاح يقصم به الله ظهر المتجبّرين، ويزلزل به عروش المتعالين، وينسف به صولة المتطاولين، ولكن إذا تأخرت إجابة دعوة المظلوم فما هي إلا فرصة متاحة للظالم لكي يراجع نفسه، ويحاسبها على فعلته هذه، حتى يعيد للمظلوم حقه، ويعتذر إليه عما بدر منه، ويتوب إلى الله من هذا العمل.
إن للظلم آثارًا وعواقب تعصف بالمجتمع، وتجلب له ما يسؤوه في جميع الميادين، وتظهر تلك الآثار السلبية من خلال ما يأتي:
أولًا: ذهاب الأمن.
حيث إن الظالم يعيش ليله ونهاره بخوف وقلق دائم خوفًا من انتقام المظلومين، فيعمل على تأمين نفسه خوفًا من بطشهم، وهو جاهل بأن العدل هو الذي يجلب الأمن لا الظلم، وقد أكد ذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام: ٨٢].
وقد جاء لفظ (بظلم) نكرة في سياق النفي بـ(لم) وفي ذلك دلالة على أنها تعم جميع أنواع الظلم، فكل من كان مبتعدًا عن الظلم فله نصيب من هذه العاقبة، وهي الأمن والاهتداء، فإذا كان العبد ممن يخلط ظلمًا بصلاحٍ وعدلٍ، كان الأمن عنده في داخله، أو في مجتمعه بقدر انتفاء الظلم، ولهذا كلما كثرت الكبائر والخبث ومخالفة دين الله سبحانه، كلما انتزع الأمن من العباد68.
ثانيًا: الجدب والقحط.
وهذا ما بيّنته سورة النحل عند قوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النحل: ١١٢].
يقول الزحيلي: «ذكر الله صفة قرية للعبرة، كانت بأهلها آمنة من العدو، مطمئنة لا يزعجها خوف، يأتيها رزقها الوافر رغدًا: أي: هنيئًا سهلًا واسعًا من سائر البلاد، فكفر أهلها بنعم الله، (أي: جحدوا) بها، فعمهم الله بالخوف والجوع، وبدلوا بأمنهم خوفًا، وبغناهم فقرًا، وبسرورهم ألمًا وحزنًا، وذاقوا مرارة العيش بعد سعته بسبب أفعالهم المنكرة، وجاءهم رسولٌ من جنسهم فكذبوه فيما أخبرهم به، مع أنه رسولٌ إليهم، مبلّغ عن ربه بأن يعبدوه ويطيعوه، ويشكروه على النعمة، وتمادوا في كفرهم وعنادهم، فعذّبوا بعذاب الاستئصال الشامل حال كونهم ظالمين أنفسهم بالكفر وتكذيب الرسل، متلبسين بالظلم وهو الكفر والمعاصي، وما ظلمهم الله أبدًا»69.
ثالثًا: الحرمان من الهداية والفلاح واستحقاق اللعنة.
بيّن القرآن أن الظالمين لا يفلحون في الدنيا ولا في الآخرة، ولا تتخلّف سنة الله عنهم، قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [آل عمران: ٨٦].
ومعنى الآية: أن الله سبحانه لا يرشد للصواب، ويوفق للإيمان قومًا جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد تصديقهم إياه، وإقرارهم بما جاء به من عند ربه، وبعد أن أقروا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى خلقه حقًّا، وجاءهم الحجج من عند الله والدلائل بصحة ذلك، والله لا يوفق للحق والصواب كل الظلمة، الذين بدّلوا الحق إلى الباطل، فاختاروا الكفر على الإيمان70.
رابعًا: تحريم الطيبات.
إن حياة الظالمين تنقلب من السعة والطمأنينة، والأمن إلى الضيق والخوف، والهلع والجزع والقلق، ولم يحدث هذا إلا بسبب ظلمهم، وقد بيّن القرآن الكريم نماذج للاعتبار.
ومن ذلك: ما حصل مع اليهود حيث قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النساء: ١٦٠- ١٦١].
والمعنى: أنه بسبب ظلمهم استحقوا تحريم طيبات كانت محللة لهم ولمن قبلهم، عقوبة وتربية لهم، لعلهم يرجعون عن ظلمهم، وأبهم الظلم الذي كان سببًا في العقوبة ليعلم أن أي نوعٍ فيه يكون سببًا للعقاب في الدنيا قبل الآخرة، والعقاب إما دنيوي: كالتكاليف الشاقة زمن التشريع، والجزاء الوارد في الكتب على الجرائم كالحد والتعزير، وما اقتضته السنن التي سنها الله في نظم الاجتماع من كون الظلم سببًا لضعف الأمم وفساد عمرانها، واستيلاء الأمم الأخرى عليها، وعذاب أخروي من العذاب في النار71.
خامسًا: خراب البيوت.
إن الله سبحانه يخرّب بيوت الظالمين وديارهم بسبب ظلمهم.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [النمل: ٥٠-٥٢].
فبسبب ظلمهم أنفسهم أنزل الله العذاب بهم، فأصبحت مساكنهم خالية، وفي هذا العقاب عبرة وموعظة لأناسٍ أهل معرفة وعلم، يعلمون بسنة الله في خلقه، وبأن النتائج مرتبطة بالأسباب، فالويل كل الويل لمن كفر بالله وكذب رسله، ولم يقلع عن طغيانه وعناده وكفره72.
ومن خراب البيوت أيضًا: أن يسلّط الله سبحانه على الظالمين من يظلمهم.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الأنعام: ١٢٩].
ومعنى ذلك: أن الله يسلّط بعضهم على بعض، يسلّط ظالمًا على ظالمٍ سابق فيهلكه ويذلّه، وهذا تهديد للظالم إذا لم يمتنع عن ظلمه بأن يسلّط الله عليه ظالمًا آخر، ويدخل في هذه الآية جميع من يظلم نفسه أو يظلم الناس73.
سادسًا: سقوط دولة الظلم.
قصّ القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم العديد من قصص الأمم السابقة التي خالفت أنبياءها، فظلمتهم وظلمت نفسها، فما كان من الله سبحانه إلا أن انتقم منهم، وأهلكهم بسبب أفعالهم.
قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [هود: ١٠٠-١٠٢]
ومن النماذج القرآنية التي تدلّل على ذلك: ما حصل لقوم نوح وعادٍ وثمود وقوم لوط وشعيب وفرعون وجنوده، وغير ذلك من النماذج التي بيّنت أن دولة الظلم إلى زوال، وسنعرض لبعض هذه النماذج بشيء من البيان، وهي كما يأتي:
- قوم نوح عليه السلام.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [القمر: ٩-١٥].
ذكر الله سبحانه حال المكذّبين لرسوله، وأن الآيات لا تنفع فيهم ولا تجدي عنهم شيئًا، ونوحٍ عليه السلام هو أول رسول بعثه الله سبحانه إلى قوم يعبدون الأصنام، فدعاهم إلى توحيد الله سبحانه وعبادته، فلم يزدهم هذا الدعاء إلا عنادًا واستكبارًا، وقدحًا في نبيهم، وانصرفوا عما جاء به، واعتبروه جهلًا وضلالًا لا يصدر إلا عن المجانين، وعنّفه قومه وزجروه وآذوه، وهذا حال جميع الرسل مع أقوامهم، فعند ذلك دعا نوح عليه السلام ربه: (ﭱ ﭲ ﭳ) فأجاب الله سؤاله، وانتصر له من قومه، حيث التقى ماء السماء الذي كان ينزل بشكل خارق للعادة مع الماء المتفجر عيونًا من الأرض، ونجى الله نوحًا عليه السلام ومن آمن معه، ومن حملهم معه من أصناف المخلوقات برعايته سبحانه، ولقد ترك الله سبحانه قصة نوح عليه السلام مع قومه آية، يتذكر بها المتذكرون على أن من عصى الرسل وعاندهم أهلكه الله بعذاب شديد74.
- قوم لوط عليه السلام.
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [العنكبوت: ٢٨-٣٥].
بيّن القرآن الكريم ما حصل مع هؤلاء القوم الذين خالفوا السنن الإلهية، فكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، فأنكر عليهم نبيهم لوط عليه السلام ذلك موبخًا لهم: أتفعلون تلك الفعلة التي بلغت الغاية في القبح والفحش، ما عملها أحد قبلكم في أي زمان، بل هي من مبتدعاتكم في الفساد، فأنتم فيها أسوة وقدوة فتبوءون بإثمها وإثم من اتبعكم فيها إلى يوم القيامة.
وكل ذلك لأن ما اجترحوه من السيئات مخالف لمقتضيات الفطرة، فلما جاء عذاب الله سبحانه أمطر عليهم حجارة من طين متحجر، يرسل بعضه إثر بعض، ليرجموا رجم الزناة، وهذا يتناسب مع فعلتهم التي فعلوها، فالجزاء من جنس العمل، وهذه الحجارة يستحقها هؤلاء بسبب ظلمهم ومخالفتهم لفطرة الله التي فطر الناس عليها75.
- قصة صالح عليه السلام.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الأعراف: ٧٣-٧٨].
أرسل الله سبحانه صالحًا عليه السلام إلى ثمود، ومعه حجة واضحة على صدق نبوته، وهي ناقة الله سبحانه التي خلقها لتكون علامة على صدق رسالة صالح عليه السلام، وهي حجة على قومه إن حفظوها وأطلقوا لها رعيها وسقياها حفظوا، وإن غدروا بها أهلكوا، ولذا قال: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) أي: بضرب ولا بطرد ولا بشيء من الأذى إكرامًا لآية الله سبحانه، ولو أصابها سوء سيأخذكم عذاب أليم في الدارين، لجرأتكم على آيات الله، فرفضوا الانصياع لصالح عليه السلام، (ﮎ ﮏ) أي نحروها، واستكبروا عن امتثال أوامره، وهو عبادته وحده، وعدم مس الناقة بسوء، وزادوا في الاستهزاء، وطلبوا من صالح عليه السلام أن يأتيهم بما وعدهم من العذاب جزاء عقر الناقة، فأخذتهم الصيحة التي يحصل منها الزلزلة الشديدة، فأصبحوا في دارهم جاثمين، ساقطين على وجوههم، هامدين لا يتحركون، ميتين بسبب ما فعلوه من قتل الناقة، وهذه الصيحة والزلزلة التي حدثت لهم من آثار الريح المرسلة التي كانت رحمة، فانقلبت عذابًا، وهكذا يكون جزاء الظالمين76.
إن الظلم ينعكس على نفس الظالم، حيث إنه يسبّب له ولأتباعه العديد من العقوبات الأخروية، ومن هذه العقوبات ما يأتي:
١. الكرب والهوان عند سكرات الموت.
فقد بيّن الله سبحانه صورة الظالمين، وما يحل بهم عند سكرات الموت من كرب وهوان.
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأنعام: ٩٣].
يقول السعدي: «لما ذم الله الظالمين ذكر ما أعد لهم من العقوبة في حال الاحتضار ويوم القيامة، فقال: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) أي شدائده وأهواله الفظيعة وكربه الشنيعة لرأيت أمرًا هائلًا، وحالة لا يقدر الواصف أن يصفها (ﯛ ﯜ ﯝ) أي لأولئك الظالمين المحتضرين بالضرب والعذاب، يقولون لهم عند منازعة أرواحهم، وقلقها وتعصيها للخروج من الأبدان (ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) أي العذاب الشديد الذي يهينكم ويذلكم، والجزاء من جنس العمل»77.
٢. المهانة والذلة يوم القيامة.
قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [سبأ: ٣١].
والمعنى: لو ترى أيها الرسول فظاعة حالهم يوم القيامة، وما هم فيه من مهانة وذلة، يحاور بعضهم بعضًا، ويتلاومون على ما كان بينهم من سوء الأعمال، والسبب الذي أوقعهم في هذا النكال والوبال، لرأيت العجب العاجب، والمنظر المخزي للظالمين وأتباعهم78.
٣. العذاب المستمر المقيم بلا انقطاع ولا توقف.
وقد تحدث القرآن الكريم عن هذا العذاب في قوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الشورى: ٤٥].
قال السعدي: «أي في سوائه ووسطه منغمرين لا يخرجون منه أبدًا»79.
٤. منع الافتداء من العذاب.
وقد بيّن الله سبحانه ذلك بقوله: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الزمر: ٤٧- ٤٨].
والمعنى: أن هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم لو أن لهم ما في الدنيا من أموالها وزينتها (ﯱ ﯲ) مضاعفًا ليقبل ذلك منهم عوضًا من أنفسهم، لفدوا بذلك كله أنفسهم عوضًا من عذاب الله الذي أعده لهم، ولم يكونوا قبل ذلك يحتسبون أنه أعده لهم80.
٥. تمني الرجوع إلى الدنيا من شدة العذاب.
قال تعالى: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [الشورى: ٤٤].
والمعنى: أن هؤلاء الظالمين لما رأوا منظر العذاب فظيعًا صعبًا شنيعًا أظهروا الندم العظيم، والحزن على ما سلف منهم (ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) أي: هل لنا من طريق أو حيلة إلى رجوعنا إلى الدنيا، فنعمل غير الذي كنا نعمل، وهذا طلب للأمر المحال الذي لا يمكن حدوثه81.
٦. اقتطاع حق المظلوم من الظالم.
إن الله سبحانه يقتص للمظلوم من الظالم يوم القيامة، وقد أكد ذلك ما ورد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها من قبل أن يؤخذ من حسناته، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه)82 .
يقول ابن حجر: «يقتص للمظلوم من الظالم حتى يأخذ منه بقدر حقه، وهذا متفق عليه»83.
موضوعات ذات صلة:
الاستكبار، الإنصاف، البخس، الطغيان، العدل، العفو
- قوم نوح عليه السلام.
1 مقاييس اللغة ٣/٤٦٩.
2 انظر: الصحاح، الجوهري ٥/١٩٧٧، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٣٧٣.
3 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٣٣/٣٢.
4 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ٣٢٥.
5 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/١٨٣.
6 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٤٣٤-٤٣٩، المعجم المفهرس الشامل، عبدالله جلغوم، ص٧٢٩-٧٣٥.
7 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٣٢٦-٣٢٧، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٤٢٦-٤٢٨، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٣/٥٤٠-٥٤٤.
8 لسان العرب، ابن منظور ١٤/٧٧
9 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ١٣٦.
10 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٢٧٤.
11 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٤١٢.
12 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٢٤٥.
13 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ٢٣٠.
14 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٤٩٢.
15 مقاليد العلوم في الحدود والرسوم، السيوطي ص ٢٠٧.
16 انظر: الموسوعة القرآنية، إبراهيم الإبياري ٨/١١٦.
17 انظر: معجم الفروق اللغوية، العسكري ٤٩٣.
18 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب تحريم الظلم، رقم ٢٥٧٧، ٤/١٩٩٤.
19 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٥/٣٠٩.
20 جامع البيان ٢١/٣٧٩.
21 التفسير المنير، الزحيلي ١٤/١٣٦.
22 جامع البيان، الطبري ١٤/٣٤٦.
23 مختصر الصواعق المرسلة ص٢٣١.
24 جامع البيان ١٧/١٦.
25 تيسير الكريم الرحمن ص٤٢٦.
26 المصدر السابق ٦٣١.
27 أخرجه البيهقي في سننه، جماع أبواب تفريق ما أخذ من أربعة أخماس الفيء، باب ما يكون للوالي، رقم ١٣٠٠٩، ٦/٥٧٤.
28 تاريخ ابن خلدون ١/٢٣٥.
29 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب تحريم الظلم، رقم ٢٥٧٨، ٤/١٩٩٦.
30 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب تحريم الظلم، رقم ٢٥٧٧، ٤/١٩٩٤.
31 انظر: بيان حقيقة التوحيد، صالح الفوزان ص٤٥.
32 انظر: المصدر السابق ص٢٥.
33 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٦/٩٧٤.
34 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب ما جاء في الكبائر، رقم ٨٧، ١/٩١.
35 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا، رقم ١٦١٠، ٣/١٢٣٠.
36 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من غشنا فليس منا، رقم ١٠١، ١/٩٩.
37 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحوالات، باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة، رقم ٢٢٨٧، ٣/٩٤.
38 انظر: مفاتح الغيب، الرازي ١/٢٢٦.
39 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب لا يسب الرجل والديه، رقم ٥٩٧٣، ٨/٣.
40 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب مال الرجل من مال والده، رقم ٢٢٩٢، ٢/٧٦٩.
وصححه الألباني صحيح وضعيف سنن ابن ماجة ٥/٢٩١، رقم٢٢٩١.
41 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفرائض، باب العدل بين الأولاد في العطاء، رقم ١٦٢٣،٣/١٢٤٣.
42 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب إثم القاطع، رقم ٥٩٨٤، ٨/٥.
43 انظر: منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام، حمود الرحيلي ٢/٧٣٢.
44 جامع البيان، الطبري ٥/٣٨٤.
45 انظر: الوسيط، الزحيلي ١/١٤٥.
46 انظر: تفسير المراغي ٢١/٤٤.
47 انظر: المصدر السابق ٣٠/٢٠٢.
48 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٢٠٦.
49 انظر: تفسير المراغي ١٢/٩٣.
50 جامع البيان ١٤/١٧٥.
51 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٢٥٠.
52 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٦/١٨٣.
53 جامع البيان، الطبري ٤/٥٨٣.
54 انظر: تفسير المراغي ٥/١٤.
55 تفسير القرآن العظيم ٢/٤٣٣.
56 فتح القدير ٥/٧١.
57 انظر: تفسير المراغي ٤/٧١.
58 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة المائدة، رقم ٣٠٥٧، ٥/٢٥٦.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
59 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٥٠٠.
60 الكشاف ٣/٤٣٥.
61 انظر: تفسير المراغي ٢٠/٦١.
وانظر: السنن الإلهية، د. عبد الكريم زيدان، ص١٢٠.
62 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٥٤٣.
63 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٧٤.
64 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٨/٢٧٧.
65 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٣٠٦. ص
66 انظر: المصدر السابق ص ٨٣١.
67 تفسير القرآن العظيم ٧/٤٧٦.
68 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧ ٣٣٣.
69 التفسير المنير ١٤/٢٥١.
70 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٥٧٦.
71 انظر: تفسير المراغي ٦/١٧.
72 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٩/٣٢٠.
73 انظر: المصدر السابق ٨/٤٦.
74 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٣٥.
75 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٥/١٢٥.
76 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٥/١٢٥.
77 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٦٤.
78 انظر: تفسير المراغي ٢٢/٨٥
79 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٦١.
80 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٣٠٢.
81 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٦١.
82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة، رقم ٦٥٣٤، ٨/١١١.
83 فتح الباري ٨/١١١.
لا يمكنك إضافة تعليق فارغ.