عناصر الموضوع
البكاء
أولًا: المعنى اللغوي :
الباء والكاف والواو والهمزة أصلان: أحدهما سيلان الدمع، والآخر نقصان الشيء وقلته1.
فالأول: بكى يبكي بكًا وبكاءً،فهو باك، والجمع بكاة وبكي، فالبكاء بالمد سيلان الدمع عن حزن وعويل، يقال إذا كان الصوت أغلب كالرغاء والثغاء وسائر هذه الأبنية الموضوعة للصوت، وبالقصر يقال إذا كان الحزن أغلب2.
وقيل: هو بالقصر خروج الدمع فقط، وبالمد خروج الدمع مع الصوت.
قال الشاعر3:
بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل
والأصل الآخر: قولهم للناقة القليلة اللبن هي بكيئةٌ، ومنه قول الشاعر4:
يقال محبسها أدنى لمرتعها ولو تعادى ببكءٍ كل محلوب
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الراغب: «البكاء بالمد سيلان الدمع عن حزن وعويل».5
وقال السمعاني: «والبكاء حالة تعتري الإنسان من الهم وضيق القلب مع جريان الدمع على الخد»6.
و الملاحظ أن هذه التعريفات عرفت البكاء بحالته الأكثر انتشارًا، وإلا فهناك بكاء لم ينشأ عن غم أو حزن؛ كبكاء الخشية من الله، وبكاء الفرح، وهو ما تنبه له ابن عاشور، فقال: «البكاء انفعال باطني ناشئ عن حزن أو عن خوف أو عن شوق»7.
وردت مادة (بكي) في القرآن الكريم (٧) مرات8.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٢ |
(ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الدخان:٢٩] |
الفعل المضارع |
٤ |
(ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الإسراء:١٠٩] |
اسم الفاعل |
١ |
(ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [مريم:٥٨] |
وجاء البكاء في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي، وهو: سيلان الدمع عن حزن وغيره9.
الخشوع:
الخشوع لغة:
خضع وذل وخاف، والخشوع: الخضوع والسكون والتذلل والخوف.
الخشوع اصطلاحًا:
إقبال المرء بقلبه على الله في دعائه وصلاته؛ خوفًا وانقيادًا، مع خضوع الجوارح والأعضاء10.
الصلة بين الخشوع والبكاء:
البكاء أثر من آثار الخشوع، والخشوع محله القلب.
الضحك:
الضحك لغة:
يقال ضحك يضحك ضحكًا وضحكًا وضحكًا وضحكًا أربع لغاتٍ، ومن ذلك الضحك وهو دليل الانكشاف والبروز 11.
الضحك اصطلاحًا:
«انبساط الوجه وتكشر الأسنان من سرور النفس» 12.
الصلة بين الضحك والبكاء:
الضحك ضد البكاء.
ذكر الحق سبحانه وتعالى- في معرض إثبات كمال قدرته وانفراده بالخلق والإيجاد في سورة النجم - «جملة من عجائب صنع الله في خلقه، ولاسيما ما في خلق الإنسان وتكوينه من أسرار ظاهرة و باطنة، لم يصل الإنسان نفسه حتى الآن إلى تحديدها، واستكناه حقيقتها» 13.
فقال تعالى: (ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [النجم:٤٣].
أولًا: نسبة الإضحاك والإبكاء لله عز وجل:
نسب الله تعالى لنفسه القدرة على الإضحاك والإبكاء بصيغة القصر الدالة على مطلق اختصاصه تعالى بهذا الفعل، ونفي إسناده لغيره، فقال: «(ﰘ ﰙ).
كما أن الفعلين (ﰚ ﰛ)، لا مفعول لهما في هذا الموضع؛ لأنهما سيقا لبيان قدرة الله، لا لبيان المقدور، فلا حاجة إلى المفعول14.
وقد اختلف أهل التأويل في بيان من المقصود بالإضحاك والإبكاء:
فقال مقاتل: أضحك أهل الجنة، وأبكى أهل النار15.
وقال التستري: أضحك المطيع بالرحمة، وأهلك العاصي بالسخط، وأضحك قلوب العارفين بنور معرفته، وأبكى قلوب أعدائه بظلمات سخطه 16.
وقيل: أضحك بالوعد، وأبكى بالوعيد17.
وقال الضحاك: أضحك الأرض بالنبات، وأبكى السماء بالمطر18.
والراجح من الأقوال أن الله تعالى أضحك الناس وأبكاهم؛ قال السمعاني:» والأصح من الأقاويل أنه أضحك الخلق وأبكاهم «19.
لكن، إذا كان فعل الإضحاك والإبكاء موجها للإنسان، فما المراد بذلك؟
اختلف المفسرون أيضًا في تعيين المراد بذلك، وهذا جماع أقوالهم:
قال الهواري: «خلق الضحك والبكاء»20.
وقال الماتريدي: «قوله عز وجل: (ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) يخرج على وجهين:
أحدهما: على الكناية والاستعارة؛ جعل الضحك كناية عن السرور، والبكاء كناية عن الحزن؛ وكذا العرف في الناس أنه إذا اشتد بهم السرور ضحكوا، وإذا اشتد بهم الحزن بكوا.
والثاني: على حقيقة الضحك والبكاء، فهو على وجهين:
أحدهما: أي أنشأهم بحيث يضحكون، ويبكون.
والثاني: يخلق منهم فعل الضحك والبكاء؛ فهو أشبه التأويلين عندنا»21.
وقال مكي بن أبي طالب القيسي: أضحك من شاء في الدنيا بأن سره، وأبكى من شاء بأن غمه22.
وقال القرطبي: «قضى أسباب الضحك والبكاء»23.
وقال الزمخشري:« (ﰚ ﰛ )، خلق قوتي الضحك والبكاء»24.
و أرى أن حمل قوله تعالى: (ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ) على حقيقة الضحك والبكاء أولى؛ لأن حمل الألفاظ على حقيقتها أولى من صرفها إلى المجاز؛ ولذلك قال ابن حيان: «الظاهر حقيقة الضحك والبكاء»25.
وقال الماتريدي- بعد أن ذكر المعنى الحقيقي للإضحاك والإبكاء-: « فهو أشبه التأويلين عندنا»26،
ثم إن باقي المعاني تؤول إليه؛ لأن الضحك والبكاء من القوى والاستعدادات الغريزية التي فطر الله عليها الإنسان؛ وجعلها مقترنة بأسبابها وبواعثها من السرور والحزن؛ ولذلك قال الطاهر ابن عاشور:» وإسناد الإضحاك والإبكاء إلى الله تعالى؛ لأنه خالق قوتي الضحك والبكاء في الإنسان، وذلك خلق عجيب؛ ولأنه خالق طبائع الموجودات، التي تجلب أسباب الضحك والبكاء من سرور وحزن» 27.
ثانيا: البكاء نعمة ومنة كبرى على جنس الإنسان:
البكاء نعمة من النعم الكبرى التي امتن بها سبحانه على جنس البشر، واختصهم بها دون سائر مخلوقاته الأخرى، وهي آية معجزة دالة على انفراده سبحانه وتعالى بالإيجاد والقهر، وقد دل على إعجاز صفة البكاء في تكوين الإنسان، أن العلم لا يستطيع تعليله وفهم كيفية وقوعه، و لا تعيين مختلف المتغيرات المؤثرة في إنشائه وإحداثه.
قال الامام الرازي: «اختار هذين الوصفين للذكر والأنثى؛ لأنهما أمران لا يعللان، فلا يقدر أحد من الطبيعيين أن يبدي في اختصاص الإنسان بالضحك والبكاء وجها وسببا، وإذا لم يعلل بأمر، ولا بد له من موجد فهو الله تعالى، بخلاف الصحة والسقم فإنهم يقولون: سببهما اختلال المزاج وخروجه عن الاعتدال، ويدلك على هذا أنهم إذا ذكروا في الضحك أمرا له الضحك، قالوا: قوة التعجب، وهو في غاية البطلان؛ لأن الإنسان ربما يبهت عند رؤية الأمور العجيبة ولا يضحك، وقيل: قوة الفرح، وليس كذلك؛ لأن الإنسان يفرح كثيرا، ولا يضحك، والحزين الذي عند غاية الحزن يضحكه المضحك، وكذلك الأمر في البكاء، وإن قيل لأكثرهم علما بالأمور التي يدعيها الطبيعيون إن خروج الدمع من العين عند أمور مخصوصة لماذا ؟ لا يقدر على تعليل صحيح»28.
وقد بين سيد قطب كثيرًا من حقائق الإعجاز في خلق الإنسان كائنا ضاحكا باكيا، بأسلوب بليغ وعبارة رشيقة فقال: «أضحك وأبكى.. فأودع هذا الإنسان خاصية الضحك وخاصية البكاء؛ وهما سر من أسرار التكوين البشري لا يدري أحد كيف هما، ولا كيف تقعان في هذا الجهاز المركب المعقد، الذي لا يقل تركيبه وتعقيده النفسي عن تركيبه وتعقيده العضوي، والذي تتداخل المؤثرات النفسية والمؤثرات العضوية فيه، وتتشابكان، وتتفاعلان في إحداث الضحك، وإحداث البكاء.
وأضحك وأبكى.. فأنشأ للإنسان دواعي الضحك ودواعي البكاء، وجعله - وفق أسرار معقدة فيه - يضحك لهذا ويبكي لهذا، وقد يضحك غدا مما أبكاه اليوم، ويبكي اليوم مما أضحكه بالأمس، في غير جنون و لا ذهول؛ إنما هي الحالات النفسية المتقلبة، والموازين والدواعي والدوافع والاعتبارات التي لا تثبت في شعوره على حال!
وأضحك وأبكى.. فجعل في اللحظة الواحدة ضاحكين وباكين، كل حسب المؤثرات الواقعة عليه، وقد يضحك فريق مما يبكي منه فريق؛ لأن وقعه على هؤلاء غير وقعه على أولئك.. وهو هو في ذاته؛ ولكنه بملابساته بعيد من بعيد!
وأضحك وأبكى.. من الأمر الواحد صاحبه نفسه، يضحك اليوم من الأمر ثم تواجهه عاقبته غدا أو جرائره فإذا هو باك، يتمنى أن لم يكن، وأن لم يكن ضحك، وكم من ضاحك في الدنيا باك في الآخرة حيث لا ينفع البكاء !
هذه الصور والظلال والمشاعر والأحوال.. وغيرها كثير، تنبثق من خلال النص القصير، وتتراءى للحس والشعور، وتظل حشود منها تنبثق من خلاله؛كلما زاد رصيد النفس من التجارب؛ وكلما تجددت عوامل الضحك و البكاء في النفوس؛ وهذا هو الإعجاز في صورة من صوره الكثيرة في هذا القرآن»29.
فقد بين هذا النص أن قدرة الضحك و البكاء، من الخصائص المودعة في الإنسان، وهي سر من أسرار التكوين؛ إذ لا تعقل ماهيتهما و لا كيفية وقوعهما،كما لا يفهم سببهما ودواعيهما؛ إذ كيف يضحك قومٌ مما يبكي منه آخرون؟ وكيف يبكي الواحد اليوم ما كان أضحكه بالأمس القريب؟ وصدق الحق سبحانه وتعالى: (ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الذاريات:٢١].
سبق القول إن البكاء عملية معقدة تتفاعل في إحداثها عوامل داخلية عضوية ونفسية وفطرية، وأخرى خارجية وفق سنة الله تعالى في ربط الأسباب بمسبباتها.
وإن تتبع جميع الأسباب التي تثير البكاء وتحمل عليه شأنه أن يحيد بنا عن صلب هذا البحث المخصص للمفهوم في القرآن، ولذلك سأقتصر على الأسباب الواردة في السياقات القرآنية المتضمنة للبكاء بلفظه أو بمعناه:
أولًا: البكاء لسماع آيات الله والتأثر بمواعظه:
يعد البكاء لسماع آيات الله تعالى من أعظم أوصاف أنبياء الله تعالى وعباده المتقين، ولذلك مدحهم الله به في مواضع من كتابه العزيز، منها:
قوله عز وجل: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [مريم:٥٨].
فقد ذكر الله أن هؤلاء المنعم عليهم من النبيين إذا تتلى عليهم آيات الله خروا سجدًا وبكيًا، استكانة لله، وتذللًا وخضوعًا لأمره وانقيادًا.
والمراد بآيات الرحمن في هذا السياق: «أدلة الله وحججه التي أنزلها عليهم في كتبه»30.
قوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الإسراء:١٠٦-١٠٨].
وقد وردت هذه الآيات في سياق محاجة الكفار المكذبين بالقرآن، و المطالبين بالآيات المعجزة، يأمر الله فيها نبيه عليه الصلاة والسلام بأن يقول لهم:» آمنوا بهذا القرآن - الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، لم يأتوا به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا - أو لا تؤمنوا به، فإن إيمانكم به لن يزيد في خزائن رحمة الله، ولا ترككم الإيمان به ينقص ذلك، وإن تكفروا به، فإن الذين أوتوا العلم بالله وآياته -من قبل نزوله من مؤمني أهل الكتابين- إذا يتلى عليهم هذا القرآن يخرون تعظيما له وتكريما، وعلما منهم بأنه من عند الله، لأذقانهم سجدا بالأرض» 31.
وقد ذكر مجاهد أن المراد بالذين (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل الله على محمد قالوا سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولًا32.
وذكر مقاتل أنها نزلت في مؤمني أهل التوراة عبد الله بن سلام وأصحابه33.
أما المتلو فهو القرآن الكريم لدلالة السياق عليه.
وهو الذي رجحه ابن جرير الطبري فقال: «وإنما قلنا: عني بقوله: (ﭳ ﭴ ﭵ) القرآن، لأنه في سياق ذكر القرآن لم يجر لغيره من الكتب ذكر، فيصرف الكلام إليه، ولذلك جعلت الهاء التي في قوله: (ﭱ ﭲ) من ذكر القرآن؛ لأن الكلام بذكره جرى قبله، وذلك قوله: (ﭜ ﭝ) وما بعده في سياق الخبر عنه؛ فلذلك وجبت صحة ما قلنا، إذا لم يأت بخلاف ما قلنا فيه حجة يجب التسليم لها»34.
فهؤلاء الذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين من قبل نزول الفرقان، تلين قلوبهم لسماع القرآن، ويخرون على وجوههم سجدا وبكيا، وهو «مشهد مصور لحالة شعورية غامرة، يرسم تأثير هذا القرآن في القلوب المتفتحة لاستقبال فيضه؛ العارفة بطبيعته وقيمته؛ بسبب ما أوتيت من العلم قبله»35، خلافًا لمن يقابل آيات الله بالإستهزاء والصدود، كأولئك المخاطبين بقوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [النجم:٥٩-٦٢].
إن هذه الآيات لما سمعها أهل الصفة بكوا حتى أخضلوا؛ فعن أبي هريرة قال: لما نزلت (ﮛ ﮜ ﮝ) الآية، بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينهم بكى معهم، وبكينا لبكائه، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يلج النار من بكى من خشية الله تعالى، ولا يدخل الجنة مصر على معصية، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون، ثم يستغفرون، فيغفر لهم)36.
وبهذا يتبين أن البكاء لسماع القرآن سمة العلماء وأمارة الشوق والمحبة، وحري بكل سالك إلى الله تعالى أن يجتهد في تحصيل وبلوغ هذه المنزلة.
ثانيًا: البكاء لمعرفة الحق:
ما أعظم فرح القلب سرورا بمعرفة الحق، وما أشد هذا الفرح إذا فاضت العين بالدمع تعبيرا عن تأثرها العميق بهذا الحق.
هذا مقام طائفة من النصارى حكى القرآن أحوالهم، فقال عز وجل: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [المائدة:٨٢٩٨٣].
وقد قال بعض المفسرين: إنها نزلت في النجاشي وأصحابه؛ لما كان جعفر وأصحابه رضوان الله عليهم يتلون عليهم بعض ما أنزل من القرآن على النبي عليه الصلاة والسلام؛ جعلت دموعهم تفيض بسبب ما عرفوا من الحق37.
وقال غيرهم: إنها نزلت في الوفد من العلماء والقساوسة الذين بعثهم النجاشي إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينظرون إليه ويسألونه، فلما لقوه فقرأ عليهم ما أنزل إليه، بكوا وأسفوا، فأنزل الله فيهم (ﯨ ﯩ ﯪ) إلى آخر الآية38.
وقال آخرون: بل هذه صفة قوم كانوا على شريعة عيسى من أهل الإيمان، فلما بعث الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم آمنوا به39.
والآيات تحمل على عمومها؛ فتشمل كل من علم الحق من النصارى، فزاده ما نزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم إيمانا وتصديقا.
ولذلك قال ابن جرير الطبري: «والصواب في ذلك من القول عندي: أن الله تعالى وصف صفة قوم قالوا: (ﯠ ﯡ)، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم يجدهم أقرب الناس ودادًا لأهل الإيمان بالله ورسوله، ولم يسم لنا أسماءهم؛ وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحاب النجاشي، ويجوز أن يكون أريد به قومٌ كانوا على شريعة عيسى، فأدركهم الإسلام فأسلموا لما سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق، ولم يستكبروا عنه»40.
وقد وصف القرآن الكريم أعين هذه الطائفة بأنها تفيض من الدمع، أي تمتلئ بالدمع حتى يسيل من جوانبها.
وذكر الإمام الرازي أن قوله تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) فيه وجهان:
الأول: المراد أن أعينهم تمتلئ من الدمع حتى تفيض، لأن الفيض أن يمتلئ الإناء وغيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه.
الثاني: أن يكون المراد المبالغة في وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها 41.
وسبب هذا البكاء العميق تأثرهم بالحق الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، وتطابقه مع ما أوتوه من العلم، وتيقنهم من صدقه عليه الصلاة والسلام.
قال أبو زهرة: «معناه أن سبب البكاء هو ما عرفوه من الحق، وهذا يدل على أمرين: أولهما: أنه تحقق لديهم ما وجدوه من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم . ثانيهما: أنهم كانوا لنفاذ بصائرهم، وعظم مداركهم يحسون بأنهم كانوا في ضلال فعرفوا الطريق، وكانوا في ظلام فاستناروا وكانوا في حيرة فاطمأنوا»42.
إن هذه الطائفة من النصارى استحقت التنويه والإشادة بحالها الخاشعة وهي لم تعلم إلا بعض الحق،كما هو واضح من حرف التبعيض المقرون بالحق (ﭞ ﭟ)، فكيف لو عرفوا الحق كله ؟
وهذا يبين مبلغ هؤلاء القساوسة والرهبان من الخشية والرهبة، واستعدادهم لتلقي الحق والانخراط مع أنصاره وأتباعه: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ).
ثالثًا: البكاء لفوات الخير وتحسرا عليه:
مشهد آخر من مشاهد البكاء يقصه القرآن الكريم عن نفر من المومنين43، جاؤوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام يسألونه نفقة تعينهم على الخروج إلى الجهاد وقتال العدو مع المومنين، لكنهم صادفوا شحة في الرواحل، ونقصا في النفقات، لم يستطع النبي عليه الصلاة والسلام - معها- أن يوفر لهم ما يطلبون من الحملان، فعذرهم في الخروج، وسامحهم في التخلف لهذا السبب.
ولكنهم من فرط حبهم للجهاد، وصدق رغبتهم في الخروج للقتال، لم يستسيغوا التخلف، ولم يطيقوا التأخر عن صفوف النافرين لقتال العدو، وإذ لم يجدوا حيلة ولا اهتدوا إلى سبيلٍ للجهاد، فقد تولوا وأعينهم تفيض من الدمع، حزنا على حالهم، وتحسرا على ما فاتهم من فضل الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
قال الحق تبارك وتعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [التوبة:٩٢].
إن مشهد التخلف عن صفوف الزاحفين إلى ذروة سنام الإسلام يفلق الأكباد ويقطع الأحشاء، ولو كان لعذر وضرورة، وهذا ما جعل هذه الطائفة المؤمنة المأذون لها بالقعود تعود إلى ديارها، والحزن يعتصر قلبها، ويفيض الدمع من أعينها، «وإنها لصورة مؤثرة للرغبة الصحيحة في الجهاد، والألم الصادق للحرمان من نعمة أدائه»44.
ولذلك سمي هؤلاء النفر من المومنين (البكاؤون)45، واستحقوا أن يخصوا بالذكر رغم أنهم مندرجون مع أصحاب الأعذار- لاسيما الذين لا يجدون ما ينفقون- المذكورين في قوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [التوبة:٩١].
« لأنهم بالغوا في تحصيل ما يخرجون به إلى الجهاد حتى أفضى بهم الحال إلى المسألة، والحاجة لبذل ماء وجوههم في طلب ما يحملهم إلى الجهاد، والاستعانة به حتى يجاهدوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يفوتهم أجره»46.
قال المراغي: «وهؤلاء -وإن دخلوا في عموم الذين لا يجدون ما ينفقون للجهاد لفقدهم الرواحل- قد خصوا بالذكر اعتناء بشأنهم، وجعلهم كأنهم قسم مستقل»47.
وفي ذلك تنويه بصدق البكائين وإخلاصهم وعلو مكانتهم عند الله.
رابعًا: البكاء بسبب نزول المصائب وتتالي الأحزان:
من أسباب البكاء الواردة في القرآن الكريم الحزن الشديد على فقد حبيب من الأحبة، وهذا كان حال نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام؛ فقد فجع بفقد ولده يوسف عليه السلام، وظل يندبه لسنين طويلة، ثم تتالت عليه الأحزان بفقد ابنه الآخر، فثوى إلى معزل، واستأنف البكاء والتفجع حتى ابيضت عيناه.
قال الله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [يوسف:٨٤]. والأسف أشد الحزن.
قال البقاعي: «(ﯡ) أي يا أشد حزني، والألف بدل عن ياء الإضافة، لتدل على بلوغ الأسف إلى ما لا حد له»48.
وهذا الحزن الشديد الطويل تسبب في ابيضاض عيني يعقوب عليه السلام، أي في إصابتها بالعمى، لأن الحزن الدائم يوجب البكاء الدائم وهو يوجب العمى؛ وإنما كان البكاء الدائم يوجب العمى؛ لأنه يورث كدورة في سوداء العين.
قال الزمخشري: «إذا كثر الاستعبار محقت العبرة سواد العين، وقلبته إلى بياض كدر»49، لأن توالي إحساس الحزن على الدماغ يفضي إلى تعطيل عمل عصب الإبصار50.
وهذا العمى حقيقي- كما قرره جمهور المفسرين- وليس مجرد امتلاء العين بالماء، لغلبة البكاء فتصير كأنها ابيضت من بياض ذلك الماء، لأن الله عز وجل حكى عن يوسف أنه قال لإخوته: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [يوسف:٩٣].
وقال تعالى كذلك: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [يوسف:٩٦].
و ورد (ﭔ) مقابلا (ﭓ) في آيات القرآن الكريم، ومنه قول الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [فاطر:١٩].
قال ابن جرير: «وقوله:(ﭘ ﭙ) رجع وعاد مبصرًا بعينيه، بعد ما قد عمي»51.
وقال ابن كثير: «وكان قد عمي من كثرة البكاء»52.
وقال ابن عاشور: «وعندي أن ابيضاض العينين كناية عن عدم الإبصار»53.
ولا يتعارض هذا مع القول بعصمة الأنبياء، واستحالة اتصافهم بما ينفر، أو يمنع من التبليغ؛ لأن بياض عيني يعقوب حصل بعد التبليغ؛ و لم يكن أصليا في خلقته؛بل عرض له، وهو من البلاء الذي يشتد على الأنبياء؛ لرفعة قدرهم، وعلو شأنهم عند الله تعالى، والله تعالى أعلم.
وابيضاض عيني يعقوب عليه السلام ليس بسبب الحزن، ولكن بسبب توالي البكاء، فقوله (ﯦ ﯧ) تعليل بالأصل الذي نشأ منه البكاء وهو الحزن54.
ويستفاد من قصة يعقوب وحزنه على ولده يوسف، جواز التأسف والبكاء عند النوائب؛ فإن الكف عن ذلك مما لا يدخل تحت التكليف؛ فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد، ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم، وقال: (إن العين تدمع، و القلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)55.
خامسًا: بكاء الحسرة والندم ونزول العذاب:
توعد الله المنافقين بالبكاء المرير يوم القيامة، حسرة على تضييع حدود الله، وندامة على اتخاذ آياته هزؤا، ومعاقبة لهم على تخلفهم عن رسول الله، وفرحهم بخذلان المؤمنين.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [التوبة:٨١-٨٢].
عن ابن عباس قال: «الدنيا قليل، فليضحكوا فيها ما شاءوا (ﮍ ﮎ) فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله، استأنفوا بكاء لا ينقطع أبدا»56.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في قوله تعالى: (ﮋ ﮌ)، قال: «يضحكوا قليلًا في الدنيا، وليبكوا كثيرًا في الآخرة في نار جهنم، جزاء ما كانوا يكسبون»57.
فالآيات القرآنية السابقة إذن متضمنة إخبارًا بحقيقة ضحك وبكاء المنافقين، فإنهم مهما ضحكوا وتمتعوا في هذه الدنيا، فإن ذلك يعد قليلًا، بالنظر إلى ما ينتظرهم من عذاب الآخرة، وما يعقبه من حسرة وبكاء دائم، لأن الدنيا «دار قلعة وزوال وانزعاج وارتحال»58، أما الآخرة فهي دار قرار ومقام وخلود.
وقد أخرج هذا الإخبار من الله تعالى بما سيؤول إليه حال المنافقين على صيغة الأمر، للدلالة على أنه حتم واجب.
قال رشيد رضا: «وإنما كان الأمر في الآية بمعنى الخبر؛ لأنه إنذار بالجزاء لا تكليف، وقد قيل في فائدة هذا التعبير عن الخبر بالإنشاء أنه يدل على أنه حتم لا يحتمل الصدق والكذب كما هو شأن الخبر لذاته في احتمالهما، لأن الأصل في الأمر أن يكون للإيجاب وهو حتم؛ ويمكن أن يقال: إن الأمر بما ذكر يتضمن الإخبار بسببه؛ فيكون مؤكدا للخبر ببناء الحكم عليه، ويقابله التعبير عن الأمر بصيغة الخبر للتفاؤل بمضمونه كأنه وقع بالفعل»59.
ويستفاد من هذا الوعيد الموجه للمنافقين أنهم لن يطيب لهم فيها عيش بعد أن هتك الوحي أستارهم، وكشف عوارهم، وأمر الرسول والمؤمنون بمعاملتهم بما يقتضيه نفاقهم، وعدم الاعتداد بما يظهرون من إسلامهم، وأن فرحهم عاقبته الحزن والكآبة، والخيبة والندامة، في الدنيا ويوم القيامة60.
في سياق هذا الوعيد أيضًا نفهم بعض الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي يأمر فيها بالإكثار من البكاء والتقليل من الفرح، كقوله عليه الصلاة والسلام:(لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا)61.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: ما النجاة ؟ قال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)62.
سادسًا: البكاء بسبب الكذب والمخادعة:
قال الله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [يوسف:١٦].
هذا كان شأن أبناء يعقوب لما ألقوا أخاهم يوسف في غيابات الجب، جاءوا أباهم باكين أو متباكين، ومعهم قميصه مضمخا بالدماء؛ ليوهموه أنهم صادقون في نسبة افتراسه للذئب؛ ولأنهم كاذبون، فقد «جاءوا في ظلمة العشاء ليكونوا أجرأ على الاعتذار بالكذب»63.
والعشاء محل الظلمة، وهو ستر للانفعالات التي توجد على الوجوه من الاضطراب؛ ومن مناقضة كذب ألسنتهم؛ لأنهم لن يخبروا الأب بالواقع الذي حدث؛ بل بحديث مختلق، وقد تخدعهم حركاتهم، ويفضحهم تلجلجهم، وتنكشف سيماهم الكاذبة أمام أبيهم؛ فقالوا: الليل أخفى للوجه من النهار، وأستر للفضائح؛ وحين ندخل على أبينا عشاء؛ فلن تكشفنا انفعالاتنا؛ وبذلك اختاروا الظرف الزمني الذي يتوارون فيه من أحداثهم 64.
وإذا كان البكاء انفعالًا غريزيًا يسيل معه الدمع من العينين عند ورود باعثه على القلب، فقد أطلق هنا على البكاء المصطنع وهو التباكي، « وإنما اصطنعوا البكاء تمويها على أبيهم لئلا يظن بهم أنهم اغتالوا يوسف عليه السلام، ولعلهم كانت لهم مقدرة على البكاء مع عدم وجدان موجبه، وفي الناس عجائب من التمويه والكيد»65.
ويستفاد من تباكي إخوة يوسف أمام أبيهم يعقوب عليه السلام أن بكاء المرء لا يدل على صدق مقاله؛ لاحتمال أن يكون تصنعا66.
عدد ابن قيم الجوزية في كتابه (زاد المعاد)أنواع البكاء، وحصرها في عشرة أنواع:
أحدها: بكاء الرحمة والرقة.
والثاني: بكاء الخوف والخشية.
والثالث: بكاء المحبة والشوق.
والرابع: بكاء الفرح والسرور.
والخامس: بكاء الجزع من ورود المؤلم وعدم احتماله.
والسادس: بكاء الحزن.
والسابع: بكاء الخور والضعف.
والثامن: بكاء النفاق، وهو أن تدمع العين، والقلب قاسٍ.
والتاسع: البكاء المستعار والمستأجر عليه؛ كبكاء النائحة بالأجرة، فإنها- كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه-: «تبيع عَبْرَتَها، وتبكي شجو غيرها ».
والعاشر: بكاء الموافقة، وهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر ورد عليهم، فيبكي معهم، ولا يدري لأي شيء يبكون؛ ولكن يراهم يبكون، فيبكي67.
ترى ما أنواع البكاء الواردة في القرآن الكريم ؟
تبين من المبحث السابق أن أسباب البكاء في القرآن الكريم متعددة، و لا يخفى أن كل سبب من هذه الأسباب يرتبط به نوع أو أكثر من أنواع البكاء، فإذا كان سبب البكاء- على سبيل التمثيل- تأثرًا بسماع القرآن ومواعظه كان البكاء بكاء خشية أو خشوع أو فرح... وإذا كان السبب حزنا، كان البكاء من جنسه، إما بكاء حسرة وندم، أو بكاء تألم وكرب...
وعمومًا يمكن تقسيم أنواع البكاء الواردة في القرآن الكريم باعتبارات متعددة:
أولًا: باعتبار السبب الباعث عليه:
يمكن ترتيب البكاء الوارد في القرآن الكريم باعتبار السبب الباعث عليه والجالب له إلى الأنواع الآتية:
١. بكاء الفرح.
البكاء الناشئ عن سرور القلب وبهجة النفس وانشراح الصدر.
٢. بكاء الخشوع والإنابة.
وهو بكاء الأنبياء والرسل والصالحين والمهديين والمجتبين.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [مريم:٥٨].
و هو أيضًا بكاء الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الإسراء:١٠٧-١٠٨].
٣. بكاء معرفة الحق.
وهو بكاء العارفين بالله تعالى، العالمين بأمره، المسارعين إلى مغفرته ورضوانه حينما تتجلى لهم الحقائق، وتلوح لهم البصائر.
و يأتي الموقف الذي حكاه الله تعالى عن بعض قساوسة ورهبان النصارى صورة مجلية لهذا النوع من البكاء، إذ لما سمعوا بينات القرآن وبصائره تتلى عليهم، فاضت أعينهم فرحًا وانشراحًا وحبورًا.
قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [المائدة:٨٢-٨٣].
٤. بكاء الحزن.
حينما تشتد الأحزان على القلب وتتوالى عليه المصائب وتنزل به الكروب، يفيض الدمع، ويبكي المحزون والمكروب،ويتخذ هذا النوع من البكاء صورا في القرآن الكريم منها:
- بكاء الحزن على فقد محبوب.
وأدق مثال له بكاء يعقوب عليه السلام على فقد فلذة كبده يوسف عليه السلام، فقد بكاه حتى شرق بماء دمعه،وشحب وجهه، وتقرحت أجفانه.
قال تعالى حكاية لشأنه: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [يوسف:٨٤].
ويمكن عد هذا البكاء أيضًا بكاء شوقٍ وحنينٍ للقاء المحبوب.
- بكاء الحزن على فوات مرغوب.
وأغلى مرغوب للمؤمن تحصيل الطاعات وعمل الصالحات، فإذا فاته شيئ من ذلك -لعجزه عنه مع حبه واشتياقه إليه- لم يجد ما يعبر به عن هذا الفوات إلا بإسبال العبرة و إذراء الدمعة، كما صنع البكاؤون لما فاتهم شرف الخروج مع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الجهاد، قال عز وجل: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [التوبة:٩٢].
٥. بكاء الحسرة والندم على التفريط في جنب الله.
وهذا بكاء المنافقين المستهزئين بالحق، والمعرضين عن سبيل الله، يكثر بكاؤهم ويطول يوم القيامة، كما كثر فرحهم وتخلفهم في الدنيا،قال الحق سبحانه وتعالى منذرا ومخبرا بمصيرهم: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [التوبة:٨٢].
٦. البكاء المصطنع.
وهو بكاء مفتعل، لم يصدر على السجية، ولم يبعث عليه باعث مقبول من فرح أو حزن، وإنما هو دمعة مختلقة، وعبرة مصطنعة، غايتها التضليل والخداع، وإخفاء الحقيقة؛كما هو حال بكاء إخوة يوسف، وقد أضاعوا أخاهم، وجاؤوا على قميصه بدم كذب، قال الله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [يوسف:١٦].
٧. بكاء السماء والأرض.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الدخان:٢٩].
نفت هذه الآية أن تكون السماء والأرض بكت على قوم فرعون، فاقتضى أن للسماء والأرض بكاء.
واختلف المتأولون في معنى ذلك، فحمله قوم على الحقيقة، وقالوا: إن الرجل المؤمن إذا مات بكى عليه من الأرض موضع عبادته أربعين صباحًا، وبكى عليه من السماء موضع صعود عمله، ولم يكن في قوم فرعون من هذه حاله.
وممن ذهب إلى هذا القول: علي بن أبي طالب، وابن عباس، ومجاهد، وابن جبير68.
وقال ابن عطية: «والمعنى الجيد في الآية أنها استعارة باهية فصيحة تتضمن تحقير أمرهم،وأنهم لم يتغير عن هلاكهم شيء، وهذا نحو قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [إبراهيم:٤٦]»69.
ورجح القرطبي: القول الذي يحمل بكاء السماء والأرض على الحقيقة، إذ لا استحالة في ذلك، وكما أن السماوات والأرض تسبح وتسمع وتتكلم... فهي كذلك تبكي، مع ما جاء من الخبر في ذلك70.
فإذا كان الأمر كذلك، لم نحتج إلى تكلف كيفية هذا البكاء، كما فعله بعض المفسرين، لأن ذلك يتوقف على الخبر الصحيح المرفوع.
ويتحصل لنا من هذه الآية أن الدموع رحمة لا يستحقها إلا المطيعون والمخبتون، ولو صدرت من السماء والأرض.
ثانيًا: باعتبار القصد:
يقسم البكاء باعتبار قصد الباكي إلى قسمين:
١. البكاء الممدوح.
وهو البكاء المحمود المشروع الذي يكون قصد صاحبه مشروعا وحسنا، «كالبكاء من خشية الله تعالى، وخوفا منه، وطمعا في رحمته، أو البكاء من سماع القرآن وما فيه بعد تدبره وتأمله، أو البكاء لمعنى إنساني نبيل؛ كما فعل سيد البشر صلى الله عليه وسلم حين مات ابنه إبراهيم»71.
٢. البكاء المذموم.
وهو ما كان قصد صاحبه سيئا ومنكرا، مثل «بكاء التصنع وما فيه، سواء أكان ذلك لإثبات صدق قول أم دعوى أم ما إلى ذلك، كما فعل إخوة يوسف، فهذا من البكاء المذموم؛ لأنه لا يكاد يدل على صدق الإنسان في فعله أو فعاله»72.
ثالثًا: باعتبار الموافقة أو المخالفة للشرع:
ينقسم البكاء باعتبار الموافقة والمخالفة إلى:
١. بكاء موافق.
وهو ما كان الباعث عليه أمرا فطريا مقبولا، وكان القصد منه محمودا، و صدر عن صاحبه موافقا لشرع الله، ومنسجما مع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
٢. بكاء مخالف.
وهو البكاء الذي اختل فيه شرط إما في سببه، أو في قصد صاحبه، أو في كيفية وقوعه، ويدخل في ذلك البكاء النابع من تسخط النعمة، وعدم الرضا بالمقدور، أو كان قصد صاحبه إبطال الحق، وخداع الناظرين إليه، أو كان بكاء مقرونا بالعويل والصياح المنكر كما يفعله «جهال العوام والمبتدعة الطغام من الزعيق والزئير، ومن النهاق الذي يشبه نهاق الحمير»73.
فوائد البكاء كثيرة، واستقصاؤها جميعا ليس من مقاصد هذا البحث، وحسبي أن أورد نماذج منها، مرتبة في محورين هما:
أول: كيفية حدوث البكاء وفوائده الجسدية:
تتكون الدموع من ثلاثة مكونات:
- الزيت.
- الماء.
- المخاط.
كما تحتوي الدموع على مواد معروفة باسم الأجسام المضادة التي تحمي من العدوى.
تصنع الدموع من قبل جهاز من الغدد والقنوات الخاصة تتوضع حول العينين،يعرف باسم الجهاز الدمعي.
توجد الغدد الدمعية، أو الغدد المنتجة للدمع:
- تحت عظم الحاجب خلف الجفن العلوي.
- عند حواف تجويف العين.
- في الجفون.
تنتقل الدموع من الغدد الدمعية إلى سطح العينين عبر قنوات صغيرة، كما أن هناك دورًا للجفون في الحفاظ على رطوبة العينين بنشر الدموع على امتداد العينين.
تصرف الدموع من العينين عبر ثقوب صغيرة جدًا اسمها النقاط الدمعية، وتعرف تلك الثقوب الصغيرة جدًا أيضًا باسم قنوات الدمع؛ وهي تتوضع عند الجفنين العلوي والسفلي، وتدخل الدموع من النقاط إلى أنابيب صغيرة اسمها النفيقات، توجد تلك الأنابيب عند الزاوية الداخلية للجفنين، ومن هناك، تعبر الدموع إلى كيس الدمع؛ يقع كيس الدمع بجوار الزاوية الداخلية للعينين (الموق)؛ بين العينين والأنف. عندما تطرف العين، تجبر الحركة كيسي الدمع على الانضغاط؛ وهذا يعصر الدموع لخارج كيسي الدمع، ويحركها بعيدًا عن العينين، ولداخل القناة الأنفية الدمعية.
تصرف القناة الأنفية الدمعية الدمع إلى مؤخرة الأنف، وتعرف القناة الأنفية الدمعية والقنوات الدمعية أيضًا باسم قنوات الدمع74.
بعد هذا السرد الفيزيولوجي التشريحي، نجمل بعض الفوائد الصحية العضوية للدموع فيما يأتي:
- تساعد الدموع على مرونة حركة الجفون العلوية والسفلية.
- تساعد أيضًا على حمايتها كأداة لتطهيرها بصورة مستمرة.
- تساعد على حمايتها من الإصابة بالجفاف.
- كما تساعد على طرد أي مواد مهيجة للعين، مثل الفلفل والدخان أو مواد صلبة كالأتربة.
- وتقوم عن طريق الغدة الدمعية بإدرار الدموع، وطرد هذه الأجسام الغريبة، لتعود إلى شفافيتها وتنظيفها.
- كما تقوم الدموع على شفافية القرنية وحمايتها من الجفاف.
- تساعد على وضوح الرؤية وقوة الابصار ودقتها.
- تخلص الجسم من المواد الكيماوية المتعلقة بالضغط النفسي75.
ثانيًا: الفوائد النفسية و الروحية للبكاء:
الفوائد الروحية المعدودة في هذا المطلب مستندة إلى نصوص شرعية من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهي غيض من فيض، غايته التمثيل الباعث على الامتثال وسلوك هدي الشرع في البكاء:
١. البكاء دليل الصدق والإخلاص.
أوضح مثال لذلك دموع البكائين المشار إليهم آنفًا التي فاضت شوقا للجهاد في سبيل الله، وتحسرا على فوات الطاعة.
٢. البكاء من سمات الخاشعين، ومن علامات الخائفين.
ولقد حكى الله تعالى عن أنبيائه عليهم الصلاة و السلام أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن، خشعت قلوبهم، واهتزت جوارحهم، فخروا على أذقانهم ساجدين لعظمة الله، باكين من خوفه تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [مريم:٥٨].
وكذلك يفعل المنعم عليهم من العلماء، والصالحين، والعارفين: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الإسراء:١٠٧-١٠٩].
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي حتى يسمع لصوته أزيز؛ فعن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه، قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء)76.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: «لَأَنْ أَدْمَعَ دمعةً من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينارٍ»77.
٣. البكاء دليل المعرفة و التبصر.
يتبوأ النبي عليه الصلاة والسلام مقامًا عليًا في المعرفة بالله والتبصر بحقائق الآخرة، ولذلك تعددت صور بكائه الشاهدة على هذا المقام السني،ومن ذلك حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرأ علي) قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل ؟ قال: (فإني أحب أن أسمعه من غيري) فقرأت عليه سورة النساء، حتى بلغت: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النساء:٤١].
قال: (أمسك)، فإذا عيناه تذرفان)78.
وإنما بكىصلى الله عليه وسلم عند هذا «لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه، والإيمان به وسؤاله الشفاعة لهم ليريحهم من طول الموقف وأهواله؛ وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن »79.
وعن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: (لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا)، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين80.
وإنما بكى النبي عليه الصلاة والسلام؛ لاطلاعه على ما ينتظر أمته من منازل الآخرة و أهوالها.
وسبق ذكر أحوال الرهبان والقساوسة، ومسارعتهم إلى الإنابة والخضوع لأمر الله، وقد دل فيض الدمع وسكب العبرات على امتلاء قلوبهم بالمعرفة، واستبصارهم للحقائق الإيمانية التي يتنكر لها كثير من عميان البصائر.
٤. البكاء دليل الرحمة والرقة في قلب المومن.
إذا كانت الرحمة رقةً طبع الله تعالى قلوب عباده المومنين عليها، فإن البكاء أحد مظاهرها الخارجية.
ولذلك ثبت من حديث أسامة بن زيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه ابن ابنته وهو في الموت؛ ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمةٌ جعلها الله تعالى في قلوب عباده؛ وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)81.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [إبراهيم:٣٦].
وقول عيسى عليه السلام (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [المائدة:١١٨].
فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى؛ فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال - وهو أعلم - فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك)82.
٥. البكاء من سمات الشاكرين.
يعد البكاء الصادر من المؤمن شكرا عمليا؛ لأنه جمع رقة القلب، وعمل الجارحة، وهذا أبلغ الشكر وأعظمه؛ ولذلك حرم الله تعالى على النار عينا بكت من خشية الله؛ لأنها أدت شكر المنعم بفيض الدمع، وقد يفصح الدمع عما لا يستطيع القول كشفه وبيانه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد ربه ويبكي حتى تخضل لحيته، إقرارًا بالعبودية الخالصة بين يدي الله تعالى، وشكرًا له عز وجل على جزيل العطاء وجميل الامتنان.
فعن عبيد بن عمير رحمه الله، أنه قال لعائشة رضي الله عنها: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فسكتت ثم قالت: (لما كانت ليلة من الليالي، قال: يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي، قلت: والله إني أحب قربك، وأحب ما يسرك. قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي، حتى بل حجره ! قالت: وكان جالسًا فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته ! قالت: ثم بكى حتى بَلَ الأرض! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي،وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟!، قال: أفلا أكون عبدًا شكورا ؟!، لقد أنزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ! (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [آل عمران:١٩٠])83.
٦. البكاء طريق موصل إلى محبة الله ورضوانه.
من الأشياء التي توصل إلى محبة الله تعالى، وتكسب رضوانه عبراتٌ تسكب من خشية الله، فعن أبي أمامة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة من دموع خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله)84.
٧. البكاء من طرق الفوز بظل عرش الرحمن.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعةٌ يظلهم الله: رجلٌ ذكر الله ففاضت عيناه)85.
٨. البكاء من خشية الله منجاة من النار.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان نار جهنم)86.
وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)87.
موضوعات ذات صلة:
الحزن، الغم، الفرح
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢٨٥/١.
2 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ١٤١.
3 البيت لكعب بن مالك كما رجحه ابن بري، انظر: لسان العرب ١/٤٧٥.
4 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٢٨٦، والبيت في ديوان سلامة بن جندل السعدي، ص٦.
5 المفردات ص١٤١.
6 تفسير القرآن، السمعاني ٢/٣٣٣
7 التحرير والتنوير١٥/٢٣٥، وقارنه بالتعريف الوارد في روضة النعيم ٣/٨٣٣:»إراقة الدموع من أثر الخوف من الله أو للتعبير عن حزن في الفؤاد».
8 ١ انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبدالباقي ص ١٣٣.
9 ٢ انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٢٨٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروز آبادي ٢/٢٦٨، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٤١، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي ٢/٢٢٢-٢٢٣.
10 ١ المفردات للأصفهاني ص٢٨٣، الفروق اللغوية العسكري ص٢٤٨، التعريفات للجرجاني ص٩٨.
11 ٢ لسان العرب، ابن منظور،١٠/ ٤٥٩، مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/ ٣٩٣.
12 ٣ المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٥٠١.
13 التيسير في أحاديث التفسير، المكي الناصري ٦/ ١١٩.
14 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/١٩.
15 تفسير مقاتل ٣/ ٢٩٤.
16 تفسير التستري، ص١٥٧.
17 تفسير القرآن، السمعاني ٥/ ٣٠١.
18 زاد المسير ابن الجوزي ٨/٨٣.
19 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٥/٣٠١.
20 تفسير كتاب الله العزيز، الهواري ٤/٢٤٧.التفسير المظهري، محمد ثناء الله المظهري ٩/١٣١.
21 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٤/٦١٤ .
22 تفسير الهداية، مكي بن أبي طالب، ص ٧١٧٣.
23 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/١٠٣.
24 الكشاف، الزمخشري ٤/٤٢٨.
25 البحر المحيط، أبو حيان، ٨/١٦٥.
26 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٤/٦١٤.
27 التحرير والتنوير ٢٧/١٤٣.
28 مفاتيح الغيب ٢٩/٢٠.
29 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٤١٥-٣٤١٦.
30 جامع البيان، الطبري ١٨/٢١٤.
31 جامع البيان، الطبري ١٧ /٥٧٧.
32 انظر: المصدر السابق ١٧/٥٧٨.
33 تفسير مقاتل ٢/٢٧٦.
34 جامع البيان، الطبري ١٧/٥٧٨-٥٧٩.
35 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٥٤.
36 أخرجه الترمذي في الجامع، رقم ١٦٣٣، ورقم ٢٣١١، والنسائي في السنن الصغرى، رقم٣١٠٧- ٣١٠٨.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
37 جامع البيان، الطبري ٨/٥٩٤.
38 انظر: المصدر السابق ٨/٥٩٤، وتفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٤/١١٨٤.
39 انظر: جامع البيان ٨/٥٩٧.
40 المصدر السابق.
41 مفاتيح الغيب ١٢/٧٢.
42 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٥/٢٣٢٨.
43 لمعرفة اختلاف العلماء في تعين أسماء البكائين.
انظر: تفسير ابن جرير الطبري ١٤/٤٢١ وما بعدها.
44 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٦٨٥.
45 انظر: سيرة ابن هشام ٤/٣٩٩ .
46 البحر المحيط ٥/٨٨.
47 تفسير المراغي ١٠/١٨٣.
48 نظم الدرر، البقاعي ٤/٨٩.
49 الزمخشري ٢/٤٦٨.
50 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٤٣.
51 جامع البيان١٣/٣٣٢.
52 تفسير ابن كثير٤/٤٠٩.
53 التحرير والتنوير١٣/٤٣.
54 البحر المحيط، أبو حيان ٥/٣٣٣.
55 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٣٠٢.
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:»إنا بك لمحزونون»،رقم ١٣٠٣، عن أنس بن مالك.
56 تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٦/١٨٥٥.
57 تفسير الصنعاني ١/٢٤٨.
58 نظم الدرر، البقاعي ٣/٣٦٩.
59 تفسير المنار ١٠/٤٩٨.
60 تفسير المنار ١٠/٤٩١-٤٩٢.
61 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم « لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا»، رقم ٦٤٨٥- ٦٤٨٦، وأخرجه أيضًا في كتاب التفسير، باب (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)، رقم٤٦٢١، من حديث أنس بن مالك و أبي هريرة. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله، رقم ٢٣٥٩.
62 أخرجه الترمذي في سننه، ٤/ ٦٠٥.
وقال حديث حسن، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ٢٧٤١.
63 تفسير القرآن، السمعاني ٣/١٤.
64 انظر: تفسير الشعراوي ١١/٦٨٨٢.
65 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٣٦.
66 أحكام القرآن، ابن العربي ٣/٣٨-٣٩.
67 زاد المعاد ١/١٨٤.
68 «عن سعيد بن جبير، قال: أتى ابن عباس رجلٌ، فقال: يا ابن عباس، أرأيت قول الله تبارك وتعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)، فهل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ قال: نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، بكى عليه وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير، قال: فلم تبك عليهم السماء والأرض».
أخرجه الصنعاني في تفسيره ٢/٢٠٨، والطبري في تفسيره ٢٢/٣٤،وابن أبي حاتم في تفسيره١٠/ ٣٢٨٨-٣٢٨٩.
69 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٦٥.
70 الجامع لأحكام القرآن ١٦/١٤٢.
71 انظر: نضرة النعيم ٣/٨٣٤.
72 المصدر السابق.
73 انظر: هذا المعنى في الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٣٦٦.
74 موسوعة الملك عبد الله بن عبد العزيز العربية للمحتوى الصحيح.
75 أسرار الدموع، محمد السقا عيد، ص ١٠، مقال منشور في مجلة حراء العدد: ٣٥ مارس، أبريل ٢٠١٣.
76 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب البكاء فى الصلاة، رقم ٩٠٤، والنسائي في الصغرى، كتاب الصلاة، باب البكاء فى الصلاة، رقم ١٢١٤.
وصححه الشيخ الألباني في « صحيح الترغيب «رقم ٥٤٤ .
77 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ٢ /٢٥٣.
78 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)، رقم ٤٥٨٢، ومسلم في صحيحه، باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظ للاستماع والبكاء عند القراءة والتدبر، رقم ٨٠٠.
79 شرح صحيح البخاري ابن بطال ١٠/٢٧٩.
80 سبق تخريجه.
81 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:»يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه» إذا كان النوح من سنته، رقم ١٢٨٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، رقم ٩٢٣ ، من حديث أسامة بن زيد، .
82 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم، رقم ٢٠٢.
83 أخرجه ابن حبان في صحيحه ٢ / ٣٨٦ .
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب ٢/٨٨، رقم ١٤٦٨، والسلسلة الصحيحة، رقم ٦٨.
84 أخرجه الترمذي في سننه،كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله، رقم ١٦٦٩.
وقال: هذا حديث حسن غريب.
وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي رقم ١٣٦٣ .
85 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب البكاء من خشية الله، رقم ٦٤٧٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم ١٠٣١.
86 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل البكاء من خشية الله، رقم ١٦٣٣. والنسائي في السنن كتاب الجهاد، فضل من عمل في سبيل الله على قدمه، رقم ٣١٠٨.
وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، رقم ٧٧٧٨.
87 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله، رقم ١٦٣٩.
وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن زريق.
وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة ٦ / ٣٨٠ رقم٢٦٧٣.
لا يمكنك إضافة تعليق فارغ.