عناصر الموضوع

اليهود في جزيرة العرب

غزوة بني قينقاع

غزوة بني النضير

غزوة بني قريظة

غزوة يهود خيبر

الدروس المستفادة

غزوات الرسول مع اليهود

اليهود في جزيرة العرب

أسباب وجود اليهود في جزيرة العرب

ورد في سبب وجود اليهود في جزيرة العرب عدة أسباب يمكن حصرها في ثلاثة:

  1. سبب أمني.

    حيث انتقلت جماعات من اليهود من الشام إلى شبه الجزيرة العربية، فيما يبدو أنه كان فرارًا من الاضطهاد، وكان انتقالهم يشبه موجات مذعورة، تبحث لنفسها عن شاطئ ومستقر، ولم تتم على دفعة واحدة، كما أنها لم تستقر في مكان واحد.

    وقد ورد في ذلك عدة روايات:

    • أن هجرة اليهود كانت في أواخر عهد موسى عليه السلام أي في القرنين الثاني عشر أو الثالث عشر قبل الميلاد، وذلك أن بني إسرائيل كانت تغير عليهم العماليق1 من أرض الحجاز، وكانت منازل العماليق يثرب والجحفة إلى مكة، فشكت بنو إسرائيل ذلك إلى موسى عليه السلام، فوجه إليهم جيشًا، وأمرهم أن يقتلوهم ولا يبقوا منهم أحدًا، ففعلوا، وتركوا منهم ابن ملك لهم كان غلامًا حسنًا فَرَقُّوا له، ويقال للملك الأرقم بن أبي الأرقم فيما ذكر الزبير، ثم رجعوا إلى الشام وموسى قد مات، فقالت بنو إسرائيل لهم قد عصيتم وخالفتم فلا نؤويكم فقالوا: نرجع إلى البلاد التي غلبنا عليها فنكون بها، فرجعوا إلى يثرب، فاستوطنوها وتناسلوا بها.

      قال أبو حيان: كان بنو النضير من الجيش الذين عصوا موسى في كونهم لم يقتلوا الغلام ابن ملك العماليق تركوه لجماله وعقله، وقال موسى عليه السلام: لا تستحيوا منهم أحدًا، فلما رجعوا إلى الشام وجدوا موسى عليه السلام قد مات، فقال لهم بنو إسرائيل: أنتم عصاة الله، والله ما دخلتم علينا بلادنا، فانصرفوا إلى الحجاز2.

      لكن ضعف السهيلي هذه الرواية حيث قال: ولا أحسب هذا صحيحًا لبعد عمر موسى عليه السلام3.

    • أن هجرتهم إلى الجزيرة كانت بسبب اضطهاد بختنصر 4 لهم وعسفه بهم، وهو ما أكده الطبري في تفسيره، قال رحمه الله: وقد قويت شوكته فحارب مع الترك، وقاد جيشًا جرارًا إلى دمشق، ثم قصد بيت المقدس لمحاربة بني إسرائيل، فصالحه ملكهم، ثم نقض الإسرائيليون عهودهم معه، ولما علم بختنصر بنقضهم عاد إلى بيت المقدس، فأثخن فيهم، وهدم بيت المقدس، وأحرق التوراة، وقتل أولاد الأنبياء، واسترق نساءهم، وسبى ذراريهم، ففر كثير منهم إلى أقطار مختلفة، وفر بنو النضير وبنو قريظة وبنو هدل إلى الحجاز يثرب وغيرها5.

      ورجح السهيلي هذا الرأي، حيث قال عقب إيراده للرأي الأول ورده: «والذي قال غيره -أي: غير أبي الفرج الأصفهاني ممن تعرض لأسباب وجود اليهود في الجزيرة-: إن طائفة من بني إسرائيل لحقت بأرض الحجاز حين دوخ بختنصر البابلي في بلادهم، وجاس خلال ديارهم، فحينئذٍ لحق من لحق منهم بالحجاز كقريظة والنضير، وسكنوا خيبر والمدينة، وهذا معنى ما ذكر الطبري، والله أعلم»6.

    • إن هجرة اليهود كانت في القرن الأول الميلادي بعد تنكيل الرومان بهم سنة ٧٠ م وخراب القدس، وذلك أنهم ظنوا ألن يعاقبهم الله تعالى بتكذيبهم رسله وقتلهم، قال تعالى (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [المائدة: ٧٠ - ٧١].

      قال أبو جعفر: يقول تعالى: وظن هؤلاء الإسرائيليون أن الله أخذ ميثاقهم، وأنه أرسل إليهم رسلًا، وأنهم كانوا كلما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقًا وقتلوا فريقًا، أن لا يكون من الله لهم ابتلاء واختبارٌ بالشدائد من العقوبات بما كانوا يفعلون7.

      وكان قتال الرومان لهم أحد هذه العقوبات التي حلت بهم.

      وقد رجح الدكتور جواد علي، أن هجرة اليهود إلى جزيرة العرب كانت بعد غزو الرومان لهم، حيث قال: أما ما ورد في روايات أهل الأخبار عن هجرة بعض اليهود إلى أطراف يثرب وأعالي الحجاز على أثر ظهور الروم على بلاد الشام وفتكهم بالعبرانيين وتنكيلهم، مما اضطر ذلك بعضهم إلى الفرار إلى تلك الأنحاء البعيدة عن مجالات الروم فإنه يستند إلى أساس تاريخي صحيح8، فالذي نعرفه أن فتح الرومان لفلسطين أدى إلى هجرة عدد كبير من اليهود إلى الخارج، فلا يستبعد أن يكون يهود الحجاز من نسل أولئك المهاجرين9.

  2. سبب ديني.

    وقد دل عليه: ما حكاه ابن النجار أن علماء بني إسرائيل كانوا يجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، وأنه يهاجر إلى بلد فيه نخل وماء بين حرتين، وكانت هذه الصفة تنطبق على أربعة أماكن في الجزيرة مروا بها تقريبًا (تيماء، وخيبر، وفدك، ويثرب) فأقبلوا من الشام يطلبون الصفة، فلما رأوا تيماء وفيها النخل نزلها طائفة منهم، وظن طائفة أنها خيبر فنزلوها، ومضى أشرفهم وأكثرهم، فلما رأوا يثرب سبخة وحرة وفيها النخل قالوا: هذه البلد التي تكون مهاجر النبي عليه الصلاة والسلام.

    قال ابن النجار: «وقال آخرون: بل كان علماؤهم -أي: اليهود- يجدون في التوراة أن نبيًّا يهاجر من العرب إلى بلد فيه نخل بين حرَّتين، فأقبلوا من الشام يطلبون صفة البلد، فنزل طائفة تيماء وتوطنوا نخلًا، ومضى طائفة، فلما رأوا خيبر ظنوا أنها البلدة التي يهاجر إليها، فأقام بعضهم بها، ومضى أكثرهم وأشرفهم، فلما رأوا يثرب سبخةً وحرةً ونخلًا قالوا: هذا البلد الذي يكون له مهاجر النبي إليها، فنزلوه»10.

    لكن كثيرًا من علماء بني إسرائيل كانوا يرون أنها يثرب، لذا يلحظ أن كثيرًا من القبائل الإسرائيلية نزلوا يثرب وآثروا العيش فيها، واتخذوها وطنًا، حتى إذا ظهر النبي المبشر به آمنوا به، فلما ظهر لم يؤمن به إلا عدد قليل منهم، وكان إيمانهم على هيئة فردية وليست جماعية، فكان للمعتقد الديني أثره في استقرارهم في الحجاز.

  3. المصادفة والاختيار.

    حيث ذكرت بعض الروايات أن موسى عليه السلام خرج حاجًّا إلى الكعبة، وفي عودته تخلف بعض اليهود فسكنوا يثرب.

    ومنها ما أورده الصالحي في سيرته قال: «وقال أبو المنذر الشرقي بن القطامي: سمعت حديث تأسيس المدينة من سليمان بن عبد الله بن حنظلة الغسيل، وسمعت أيضًا بعض ذلك من رجل من قريش عن أبي عبيدة بن عبد الله بن عمار بن ياسر، فجمعت حديثهما لكثرة اتفاقه وقلة اختلافه، قالا: «بلغنا أنه لما حج موسى صلوات الله عليه حج معه أناس من بني إسرائيل، فلما كان في انصرافهم أتوا على المدينة، فرأوا موضعها صفة بلد نبي يجدون وصفه في التوراة بأنه خاتم النبيين، فاشتورت طائفة منهم على أن يتخلفوا به، فنزلوا في موضع سوق بني قينقاع، ثم تألفت إليهم أناس من العرب فرجعوا إلى دينهم، فكانوا أول من سكن موضع المدينة»11.

    إلا أن هذه الرواية مرجوحة بما اتفق عليه أكثر المؤرخين، وهو أن قبائل اليهود في الحجاز هم عبرانيون نازحون من جراء الاضطهاد الروماني، في الفترة مابين عامي ٧٠ م - و١٣٥ م، ولم يكونوا عربًا، أي: إنهم هم الناجون من دمار أورشليم على يد تيطوس أو الذين تم إجلاؤهم (بني النضير وقريظة) على يد الإمبراطور هادريان.

    وقد ادعى يهود بني قينقاع أن أصلهم موغل في القدم بيثرب ويعود لزمان موسى في الوجود، كما تدعي الإسرائيليات التي حاول اليهود ترويجها، ونقلها لنا المؤرخون المسلمون، إلا أن قدم تواجدهم لا دليل عليه، فلا يمكن الاستدلال على قدم الوجود اليهودي ما قبل الميلاد فضلًا لزمان موسى عليه السلام؛ لأن اليهود على مر التاريخ لاقوا من الاضطهاد ما لم تلقه أمة أخرى، ولذا فلا يمكن نفي أن اليهود في يثرب قد جاؤوا على فترات متقطعة، ولكن لا يمكن تأكيد بحال من الأحوال فترات ما قبل الميلاد، أما ما بعد الميلاد فالثابت هو نزوح بني النضير وقريظة إلى يثرب.

    وتبقى هذه الادعاءات ادعاءات يهودية محضة، ربما عن قصد ألفوها ونشروها بين المسلمين ليكتسبوا شرعية في المكان الذي استقروا فيه، وبرغم أصالة وعبرية تلك القبائل مثل بني النضير وقريظة وبني قينقاع ويهود خيبر وفدك ووادي القرى، إلا أن هناك من قبائل العرب من اعتنق اليهودية أيضًا، وربما كان تقربًا لليهود.

    والذي يظهر: أن غالبية يهود جزيرة العرب حلوا بها في القرن الأول الميلادي، أي: بعد التدمير الثاني لأورشليم على يد تيطس الروماني، وكان أهم أسباب حلولهم بها هو فرارهم من وجه الرومان حتى يأمنوا من بطشهم وفتكهم بهم.

    أما عدد قبائلهم وبطونهم فكثيرة، وقد أوصلها بعضهم إلى نيف وعشرين فرعًا، منهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وبنو هدل، وبنو عكرمة، وبنو ثعلبة، وبنو محمم، وبنو زعوراء، وبنو القصيص، وغيرهم12، وقد اشتهر من هذه القبائل، بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، وسبب شهرتهم أنهم كانوا ذوي عدد وعدة، ولهم وقائع مع الأوس والخزرج، ثم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته13.

    ثانيًا: أماكن وجودهم:

    تفرق اليهود في الجزيرة العربية، وسكنوا عدة أماكن منها، وكان أشهرها:

    • المدينة المنورة، وسكنها ثلاث قبائل: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة.
    • خيبر.
    • بعض المناطق الأخرى المتفرقة، مثل: فدك وتيماء ووادي القرى، وكانت واحات صغيرة، تقطنها جماعات يهودية محدودة العدد، وبالرغم من قلة المعلومات عنهم، فإن الدلائل تشير إلى التشابه الكبير بين طبيعة حياتهم، وحياة يهود المدينة14.

      وما ورد من وجود لليهود باليمن، فالراجح أنه نتيجة تسرب اليهودية من إسرائيليي الحجاز إليها في القرن الخامس بعد الميلاد15.

      ثالثًا: علاقتهم بالأوس والخزرج:

      ذكر المفسرون أن علاقة اليهود بالأوس والخزرج كانت وطيدة، إذ بنيت على التحالفات فيما بينهم، وبما أنهم كانوا يسكنون مكانًا واحدًا، فمن الطبيعي أن تتولد بينهم علاقات تجمعهم، وقد عكس لنا القرآن الكريم جانبًا من جوانب هذه العلاقة، وهو الجانب السياسي، وما ترتب على هذه العلاقة من نتائج، قال تعالى (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [البقرة: ٨٥].

      قال السدي رحمه الله: كانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، فكانوا يقتتلون في حرب سمير16 فيقاتل بنو قريظة مع حلفائها، النضير وحلفاءها، وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها، فيغلبونهم، فيخربون بيوتهم، ويخرجونهم منها، فإذا أسر الرجل من الفريقين كليهما، جمعوا له حتى يفدوه، فتعيرهم العرب بذلك، ويقولون: كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا: إنا أمرنا أن نفديهم، وحرم علينا قتالهم. قالوا: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحيي أن تستذل حلفاؤنا، فذلك حين عيرهم جل وعز بقوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة: ٨٥]17.

      وقد انعكست هذه العلاقة على الجانب الاقتصادي فيما بينهم، إذ كان اليهود قد سيطروا على أغلب الجوانب الاقتصادية في المدينة، وكان من أهم الأعمال التي اشتغلوا بها التجارة، حتى صار لبعضهم فيها شهرة كبيرة، كذلك اشتغلوا بالزراعة التي كانت المهنة الرئيسة لسكان القرى منهم.

      كما اهتموا أيضًا بالصناعة، ومن أهم الصناعات التي برعوا فيها صناعة الصياغة، واشتهر بها بنو قينقاع وصناعة السيوف والدروع وسائر الآلات الحربية، وكانت لديهم ثروات وأموال، وكانت معظم معاملاتهم مع غيرهم تقوم على المراهنات وتعاطي الربا.

      وقد ترتب على سيطرة اليهود على الجوانب الاقتصادية في المدينة وضواحيها، أن قوي نفوذهم المالي وتحكموا في الأسواق فحشًا واحتكارًا لمصلحتهم ومنفعتهم، فكرههم أغلب الناس لأنانيتهم واشتطاطهم في أخذ الربا وسعيهم للثراء بطرق خبيثة يأنفها العربي ويأباها.

      وقد كانت علاقة اليهود بالأوس والخزرج خاضعةً للمنفعة الشخصية والمكاسب المادية، فكان اليهود يعملون على إثارة الحرب بين الفريقين متى وجدوا في إثارتها فائدة لهم، كما حصل ذلك في كثير من الحروب التي أنهكت الأوس والخزرج؛ لأنهم كانوا يهمهم أن تكون لهم السيطرة المالية على المدينة والسيطرة على صناعة السلاح وجزء كبير من الزراعة ومصادر المياه.

      أما بالنسبة للجانب الديني، فقد كان اليهود يعدون أنفسهم أعلى مكانةً من الأوس والخزرج؛ لأنهم أهل كتاب، أما الأوس والخزرج فكانوا كفارًا، ولذا فقد كان اليهود يترقبون خروج النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتبعوه وتكون لهم السيادة في الأرض، وكانوا يدعون أنه سيكون منهم، وعند بعثته سيتحكمون في غيرهم من الأوس والخزرج دينًا ودنيا18.

غزوة بني قينقاع

حينما استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد هجرته إليها، وأسلم من أسلم من أهلها، وظل اليهود على ديانتهم، وكانوا قوة لا يستهان بها آنذاك، وكانوا شركاء للمسلمين في سكنى المدينة، عقد النبي صلى الله عليه وسلم عهدًا معهم، أبقاهم فيه على صلاتهم وتحالفهم مع الأوس والخزرج، ومنحهم حرية الدين، وأوجب عليهم مشاركة المسلمين في الدفاع عن المدينة إذا ما تعرضت لأذى، كما أوجب على المسلمين معاونتهم أيضًا إذا تحقق ذلك.

ولم يمر على هذا العهد سوى عام ونصف حتى نقضته الطائفة الأولى من اليهود وهو بنو قينقاع19، فكانوا أول من نقض العهد من اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم، فتوجه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ليعاقبهم على فعلهم.

أولًا: زمان الغزوة ومكانها.

أما الزمان: فكانت يوم السبت للنصف من شوال في السنة الثانية من الهجرة، حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يومًا إلى هلال ذي القعدة20.

وأما المكان: فوقعت الغزوة في ديارهم وكانت في طرف المدينة المنورة21، ومنازلهم عند جسر بطحان مما يلي العالية22.

ثانيًا: أسباب الغزوة:

أورد أهل التفسير أن غزوة بني قينقاع كان لها سببان:

الأول: نقضهم للعهد الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أظهروا له الحسد بما فتح الله عليه في بدر، وكشفوا عن أخلاقهم الدنيئة.

قال محمد بن إسحاق رحمه الله: (كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع، ثم قال: يا معشر اليهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم، فقالوا: يا محمد إنك ترى أنا كقومك، لا يغرنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب، فأصبت فيهم فرصة، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس)23.

الثاني: إثارة الفتنة، بالاعتداء على الأعراض وقتل المسلمين: فعن أبي عون قال: كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلبٍ24 لها فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغٍ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديًّا، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع25.

ولا مانع من تحقق السببين معًا، أو أن يكون فعل اليهود بالمرأة إن صح نتيجة لحقدهم على الإسلام والمسلمين.

ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، يحمل لواءه عمه حمزة بن عبد المطلب، وكان أبيض، واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، حتى أتاهم فوجدهم قد تحصنوا بحصنهم، فحاصرهم خمس عشرة ليلة لا يطلع منهم أحد.

وكان عدد اليهود يومئذٍ سبعمائة مقاتل، أربعمائة حاسر26 وثلاثمائة دارع27، مدرعون بدروع الحديد28.

ثالثًا: حديث القرآن عن الغزوة:

لم يكد يستقر النبي صلى الله عليه وسلم بعد عودته من غزوة بدر ظافرًا منتصرًا، حتى كشف يهود بني قينقاع عن نواياهم الخبيثة، وما تضمره قلوبهم من حسد وبغضاء للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فنقضوا العهد الذي وثقه النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم، وليس هذا ببعيد عنهم، فقد كشف القرآن الكريم في مواضع عدة عن مواقفهم الدنيئة التي عكست التعجيز والتشكيك والسخرية واللجاج والدس والتآمر التي اشتهروا بها.

ولما لم يستجب يهود بني قينقاع لدعوة الحق بدخولهم في الإسلام أو مراعاة العهد الذي بينهم وبين المسلمين، فقد اقتضت حكمة التنزيل توجيه الإنذار لهم، أن يحيق بهم مثل ما حاق بأسلافهم من كفار قريش في بدر.

قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [آل عمران ١٢-١٣].

وقد ذكر أئمة التفسير أن هاتين الآيتين نزلتا في يهود بني قينقاع، وذلك لما جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم في سوقهم ووجه إليهم الإنذار لفعلهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما أنزلت هؤلاء الآيات إلا فيهم، أي: في يهود بني قينقاع29.

وفي تلك الغزوة ظهرت موالاة المنافقين لليهود، حيث قام زعيم المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول بمحاولة تخليصهم من خلال شفاعته عند النبي صلى الله عليه وسلم.

روى ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: (حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أُبي ابن سلول، حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي، وكانوا حلفاء الخزرج، قال: فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أحسن في موالي، قال: فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رئي لوجهه ظلل ثم قال: ويحك أرسلني، قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة؟! إني امرؤ أخشى الدوائر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك)30.

من أجل ذلك نهى رب العزة سبحانه وتعالى المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى.

قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ) [المائدة: ٥١-٥٢].

وقد ورد في سبب نزول هاتين الآيتين، ما رواه محمد بن إسحاق بسنده عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: «لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبدالله بن أبي ابن سلول، وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف، لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبدالله بن أبي، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم من حلفهم، وقال: يا رسول الله أتولى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم، قال: ففيه وفي عبدالله بن أبي نزلت هذه القصة من المائدة»31.

وذكر أبو حيان في تفسيره، قال الزهري وغيره: سبب نزولها قصة عبد الله بن أُبيٍّ واستمساكه بحلف يهود، وتبرؤ عبادة بن الصامت من حلفهم عند انقضاء بدر، في قصةٍ فيها طولٌ هذا ملخصها32.

وهذا دليل واضح على مشروعية التبرؤ من اليهود والنصارى، وعدم موالاتهم.

وبعد أن أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة، جعلهم الله تعالى مضرب المثل، وعبرةً لمن خلفهم من اليهود.

فعن ابن عباس رضي الله عنه قال في قوله تعالى (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الحشر: ١٥] يعني: بني قينقاع33.

رابعًا: علاقة قصة غزوة بني قينقاع بموضوع سورة آل عمران:

تدور آيات سورة آل عمران حول ثلاث موضوعات هامة هي:

  • تحديد معنى الدين ومعنى الإسلام.
  • وصف حال المسلمين مع ربهم وموقفهم من تعاليم الدين وتكاليفه.
  • التحذير المستمر من الثقة بغير المسلمين، وتوضيح ما ينجر للمسلمين من الأخطار والمتاعب إذا والوهم ووثقوا بهم في شؤونهم34.

    وقد جاءت الآيات في بني قينقاع تندرج تحت الموضوع الثالث، وهو تحذير المسلمين من اليهود والكافرين، وأنهم مهما بلغت قوتهم وازداد عددهم، لكن قدرة الله تعالى أكبر منهم، فهو يعدهم سبحانه بأنهم سيغلبون، وستكون جهنم مهادهم ومصيرهم، ويدلل سبحانه على تحقق ما وعد به من خلال الواقع الملموس وما حاق بكفار قريش رغم كثرة عددهم وعدتهم في مقابلة قلة عدد المسلمين وعتادهم، كي يكون ذلك آية وعبرة لليهود والكافرين، وأن النصر بيد الله سبحانه وتعالي يكتبه لمن يشاء، وقد وعد به المؤمنين قال تعالي (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [محمد: ٧].

    ثم تستمر السورة في التحذير من غير المسلمين ومن موالاتهم وبخاصة اليهود والنصارى، وأن من يخالف أمر الله فإنه منهم، وقد جعل الحق سبحانه وتعالى موالاة اليهود والنصارى علامة من علامات النفاق، حينما أخبر أن المنافقين وهم من في قلوبهم مرض يتوددون إلى اليهود والنصارى ويتقربون منهم، شكًّا منهم في وعد الله، مع أن وعده سبحانه لا يتخلف، ونافذ ولو بعد حين، وهذه عقيدة المؤمنين.

    خامسًا: نتائج الغزوة:

    كان من أهم نتائج الغزوة:

    1. هزيمة اليهود ونزولهم على أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجلاء من المدينة.
    2. نقض اليهود العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم.
    3. كشف الحقد الدفين الذي انطوت عليه طبائع اليهود ضد المسلمين.
    4. تكشف أمر المنافقين بالدفاع عن اليهود، كما حدث من عبد الله بن أبي بن سلول في دفاعه عن اليهود ومؤازرتهم.
    5. براءة المؤمنين من حلف اليهود: وهو ما ظهر من الموقف الإيماني للصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
    6. إجلاؤهم من المدينة: حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت أن يجليهم، فخرجوا بعد ثلاث، ومضى بهم عبادة حتى بلغوا جبل ذباب35.
    7. الغنائم: عرف عن يهود بني قينقاع الثراء والغنى، وظهر ذلك مما غنمه المسلمون منهم، فقد كانوا صاغةً، ولديهم آلة للصياغة، ووجد المسلمون لديهم سلاحًا كثيرًا، خص النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ببعض منه، قال الواقدي: كان محمد بن مسلمة هو الذي أجلاهم وقبض أموالهم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسي، قوس تدعى الكتوم كسرت بأحد، وقوس تدعى الروحاء، وقوس تدعى البيضاء، وأخذ درعين من سلاحهم، درعًا يقال لها السغدية36 وأخرى فضة، وثلاثة أسياف، سيف قلعي، وسيف يقال له بتار وسيف آخر - لم يسم - وثلاثة أرماح، ووجدوا في حصونهم سلاحًا كثيرًا وآلة للصياغة وكانوا صاغةً37.

    غزوة بني النضير

    يهود بني النضير هم الطائفة الثانية من اليهود الذين سكنوا المدينة، وهم داخلون في العهد الذي أبرمه النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود بطوائفهم الثلاث، وقد أثبتت الحقائق التاريخية أنهم لم يرعوا هذا العهد، بل كانوا يتحينون الفرص لنقضه، حتى إذا سنحت لهم الفرصة بادروا إلى النكوث والعودة فيه.

    فهم أهل خيانة وغدر، ودلت أفعالهم الدنيئة من انتهاكهم لحرمات المسلمين، وإثارتهم للفتن والقلاقل أنهم لا يرجون أمانًا، ولا يطلبون سلامًا.

    وبالرغم مما حاق بأسلافهم من بني قينقاع، إلا أنهم لا يعتبرون، قد أعمى بصائرهم وأبصارهم حقدهم وبغضهم للإسلام والمسلمين.

    أولًا: زمان ومكان الغزوة:

    فأما الزمان: فقد تعددت الروايات في زمنها38، مما أدى إلى اختلاف أهل التفسير والسير والتاريخ في تحديد وقتها إلى أربعة أقوال:

    الأول: أنها كانت بعد بدر بستة أشهر وقبل أحد، روي ذلك عن عروة والزهري وابن إسحاق والبخاري والبيهقي وغيرهم39.

    قال البخاري رحمه الله: قال الزهري عن عروة: «كانت على رأس ستة أشهرٍ من وقعة بدر قبل أحد»40.

    الثاني: أنها كانت في ربيع الأول بعد أحد من السنة الرابعة للهجرة، وهذا رأي ابن إسحاق والمحققين من المؤرخين، قال ابن كثير رحمه الله: «ذكر البيهقي والبخاري قبله خبر بني النضير قبل وقعة أحد، والصواب إيرادها بعد ذلك، كما ذكر ذلك محمد بن إسحاق41 وغيره من أئمة المغازي42، وبرهانه أن الخمر حرمت ليالي حصار بني النضير، وثبت في الصحيح43 أنه اصطبح الخمر جماعة ممن قتل يوم أحد شهيدًا، فدل على أن الخمر كانت إذ ذاك حلالًا، وإنما حرمت بعد ذلك فتبين ما قلناه من أن قصة بني النضير بعد وقعة أحد والله أعلم»44.

    الثالث: أن غزوة بني قينقاع وبني النضير كانتا في زمن واحد، وهذا رأي الحاكم، قال مغلطاي: قال الحاكم: غزوة بني قينقاع وبني النضير واحدة فربما اشتبهتا على من لا يتأمل.

    وقد رد الحافظ ابن حجر على هذا القول بعد أن ذكر أن يهود بني قينقاع أول من نقض العهد فغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم بني النضير، فقال رحمه الله: وأغرب الحاكم فزعم أن إجلاء بني قينقاع وإجلاء بني النضير كان في زمن واحد، ولم يوافق على ذلك لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة، أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق.45

    الرابع: التوقف، وهو ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر، فلم يجزم برأي قاطع، وعلق التسليم برأي ابن إسحاق بثبوت تعلق الغزوة بقصة القتيلين العامريين.

    قال رحمه الله معلقًا على رواية الزهري: فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق من أن سبب غزوة بني النضير طلبه صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الرجلين، لكن وافق ابن إسحاق جل أهل المغازي فالله أعلم، وإذا ثبت أن سبب إجلاء بني النضير ما ذكر من همهم بالغدر به صلى الله عليه وسلم وهو إنما وقع عندما جاء إليهم ليستعين بهم في دية قتيلي عمرو بن أمية، تعين ما قال ابن إسحاق؛ لأن بئر معونة كانت بعد أحد بالاتفاق46.

    والذي تطمئن إليه النفس ما ذهب إليه ابن إسحاق وابن كثير وابن القيم وغيرهم، من أن غزوة بني النضير كانت بعد أحد، لأن إباحة شرب الخمر في أحد، وتحريمه في غزوة بني النضير يؤيد ذلك، ولأن الثقات من أهل المغازي كابن كثير وابن القيم عندما رتبوا الغزوات حسب الزمن وضعوا غزوة بني النضير بعد غزوة أحد، والله أعلم.

    وأكد ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله ورد على أصحاب الرأي الأول بقوله: وزعم محمد بن شهاب الزهري، أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وهذا وهم منه أو غلط عليه، بل الذي لا شك فيه أنها كانت بعد أحد والتي بعد بدر بستة أشهر: هي غزوة بني قينقاع. ثم قال: والصحيح الذي عليه أهل السير: أنها بعد غزوة أحد، وللنبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود أربع غزوات: أولها: غزوة قينقاع بعد بدر، والثانية: غزوة بني النضير بعد أحد، والثالثة: غزوة بني قريظة، بعد الخندق، والرابعة: خيبر، بعد الحديبية47. وإلى هذا القول ذهب ابن العربي48.

    وأما المكان: فوقعت الغزوة في ديار يهود بني النضير، وكان موقعها العوالي في الجنوب الشرقي للمدينة المنورة عند وادي مذينيب -وهو فرع لبطحان- على مسافة ميل أو ميلين منها في أواخر منطقة قربان حاليًّا، وتبعد عن المسجد النبوي مسافة ٤كم تقريبًا، ولم يبق من آثارهم غير بعض أطلال حصن كعب ابن الأشرف49.

    ثانيًا: أسباب الغزوة:

    هناك عدة أسباب حملت النبي صلى الله عليه وسلم على غزو بني النضير وإجلائهم، ومن أهمها:

    الأول: نقض بني النضير عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم والذي يحتم عليهم ألا يؤووا عدوًا للمسلمين، ولم يكتفوا بهذا النقض، بل أرشدوا الأعداء إلى مواطن الضعف في المدينة.

    وقد حصل ذلك في غزوة السويق حيث نذر أبو سفيان بن حرب حين عاد بقافلته إلى مكة، ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو المدينة، فلما خرج في مائتي راكب قاصدًا المدينة قام سيد بني النضير سلام بن مشكم بالوقوف معه وضيافته وأبطن له خبر الناس، ولم تكن مخابرات المدينة غافلة عن ذلك50.

    قال موسى بن عقبة: «كانت بنو النضير قد دسوا إلى قريش وحثوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلوهم على العورة»51.

    الثاني: محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم حينما خرج في نفر من أصحابه إلى ديار بني النضير يستعينهم في دية القتيلين العامريين52.

    وكان سببه ما رواه محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ليستعينهم على دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري53، فلما جاءهم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا محمدًا أقرب منه الآن، فمن رجلٌ يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه؟ فقال عمرو بن جحاش بن كعب: أنا، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، وانصرف عنهم، فأنزل الله عز وجل فيهم (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [المائدة: ١١]54.

    ثالثًا: حديث القرآن عن الغزوة:

    لم يجن اليهود من وراء نقضهم العهد إلا لعنة الله تعالى لهم وطردهم من رحمته، فصارت قلوبهم قاسية تجانبها الرحمة، ويبعد عنها الوفاء.

    قال تعالى في وصفهم: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المائدة: ١٣].

    ورجح الطبري أن هذه الآية نزلت في يهود بني النضير، قال رحمه الله: «والصواب من القول أن الله عنى بهذه الآية يهود بني النضير الذين هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذ أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية العامريين، فأطلعه الله على ما قد هموا به»55.

    وهذا يدل على خبث نواياهم، وسوء طبائعهم، ولأهمية هذه الغزوة فقد خصها الله تعالي بسورة كاملة في القرآن، سماها سورة الحشر.

    روى الطبري بسنده إلى يزيد بن رومان قال: نزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله به من نقمته، وما سلط عليهم به رسوله صلى الله عليه وسلم وما عمل به فيهم56.

    وسمى حبر الأمة عبد الله بن عباس سورة الحشر بسورة بني النضير، فعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: قل سورة النضير57.

    قال الداوودي: كأن ابن عباس كره تسميتها سورة الحشر لئلا يظن أن المراد بالحشر يوم القيامة، أو لكونه مجملًا فكره النسبة إلى غير معلوم58.

    وعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة؟ قال: التوبة هي الفاضحة ما زالت تنزل ومنهم ومنهم حتى ظنوا أنها لن تبقي أحدًا منهم إلا ذكر فيها، قال: قلت: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدرٍ، قال: قلت: سورة الحشر؟ قال: نزلت في بني النضير59.

    وقد تناولت السورة أهم جوانب الغزوة، ففيها إشارة إلى أن الوضع المادي الذي كان عليه بنو النضير من المال والسلاح والحصون كان يوحي إليهم بأنهم في عز ومنعة، فلا يستطيع أحد أن يطاولهم، فضلًا عن أن ينتصر عليهم، كما أن هذا الوضع نفسه يوحي إلى المسلمين بأن الاستيلاء عليهم يحتاج إلى تضحيات جسام، إن لم يكن في حكم المتعذر بالمرة، لكن الله عز وجل وهو القادر على كل شيء، ألقى في قلوبهم الخوف والهلع والجزع، لما خالفوا أمر الله ورسوله، وأعد المسلمون لهم عدتهم.

    قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الحشر: ٢-٤].

    ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم عنادهم وعدم نزولهم على رأيه، وطال حصارهم عمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطة بارعة ليلقي الخوف في قلوبهم وينزلوا على أمره، فأمر بحرق نخيلهم، وقضى بذلك على أسباب تعلقهم بأموالهم وزروعهم، وضعفت حماستهم للقتال، وجزعوا وتصايحوا: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من يفعله، فما بال قطع النخيل وتخريبها؟

    روى الطبري بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير)60.

    وفي روايةٍ قال: (حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فنزلت: ( ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الحشر: ٥])61.

    ثم بين الله عز وجل مال الفيء وصفته وحكمه، وهو ما أخذ من الكفار من مال من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، وجعل الله عز وجل أمر الفيء خاصًّا للنبي صلى الله عليه وسلم فرده على المسلمين في وجوه البر ومصالحهم روى الثعلبي بسنده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصةً، وكان ينفق على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله)62.

    قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الحشر: ٦].

    قال المفسرون: إن بني النضير لما جلوا عن أوطانهم، وتركوا رباعهم وضياعهم، طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخمسها بينهم، كما فعل بغنائم بدر، فأنزل الله تعالى هذه الآية، يبين أنها فيء إذا لم يوجف المسلمون عليه خيلا ولا ركابًا، ولم يقطعوا إليه مسافة، فجعل الله تعالى أموال بني النضير لرسوله خاصة، يفعل فيها ما يشاء، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين، ولم يعط الأنصار شيئا منها، إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم: أبو دجانة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة63.

    ثم أخبر الله عز وجل أن حكم فيء بني النضير لا يقتصر على هذه الواقعة، ولكنه عام في كل ما يفتح بهذه الطريقة، ثم بين وجوه صرفها.

    قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الحشر: ٧].

    ثم كشف الله عز وجل عن العلاقة التي تجمع بين المنافقين واليهود، وذلك من خلال تضامنهم، ووحدة هدفهم في القضاء على الإسلام والمسلمين، وهو ما وقع من المنافقين ووعدهم اليهود بمآزرتهم، ثم خلفهم لهذا الوعد، قال الطبري رحمه الله: ذكر أن الذين نافقوا عبد الله بن أبي ابن سلول، ووديعة ومالك ابنا نوفل، وسويد، وداعس، بعثوا إلى بني النضير حين نزل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للحرب أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا لذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة64.

    قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الحشر: ١١-١٢].

    وفصل الفخر الرازي معنى الأخوة المذكورة وذكر أنها تحتمل وجوها:

    أحدها: الأخوة في الكفر، لأن اليهود والمنافقين كانوا مشتركين في عموم الكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام.

    ثانيها: الأخوة بسبب المصادقة والموالاة والمعاونة.

    ثالثها: الأخوة بسبب ما بينهما من المشاركة في عداوة محمد عليه الصلاة والسلام65، والواقع أن التعبير القرآني يجمع كل ذلك66.

    وبين كتاب الله السر في فشل يهود بني النضير وحلفائهم من المنافقين، وهو أنهم يخشون المخلوق أكثر من الخالق لأنهم لا يعلمون عظمة الله حتى يخشوه حق خشيته، ثم أطلع المسلمين على سياسة اليهود القتالية، وأنهم من جبنهم وهلعهم لا يجرؤون على مواجهة جيش الإسلام بالمبارزة والمقاتلة، فهم يقاتلون إما في حصون أو من وراء جدر محاصرين، وما يدور من تحالفات بين اليهود والمنافقين إنما هو تحالف مصالح وأغراض إن اتفقت حينًا اختلفت أخرى.

    قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الحشر: ١٣-١٤].

    وقد ضرب الله لهم المثل بما حل بيهود بني قينقاع وحاق بهم للاعتبار والعظة.

    قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الحشر: ١٥].

    وشبه الله تعالى موقف المنافقين مع اليهود ووعودهم بنصرتهم، وأنهم لما جد بهم الحصار وأيقنوا بالقتال تخلوا عنهم وأسلموهم للتهلكة، مثلهم بالشيطان، حينما طلب من الإنسان أن يكفر فلما كفر تبرأ منه.

    قال تعالي: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الحشر: ١٦-١٧].

    رابعًا: علاقة قصة غزوة بني النضير بموضوع سورة الحشر:

    تقص آيات سورة الحشر واقعة يهود بني النضير، وقد ورد فيها أغلب آيات السورة، حتى أطلق عليها سورة بني النضير كما تقدم، وقد ذكرت الآيات أهم أركان الغزوة بما ينفع المسلمين في تعاملهم مع أعدائهم من اليهود، وهي:

    1. هزيمة اليهود وانتصار المسلمين.
    2. تأكيد اليهود لمعنى الغدر والخيانة ونقض العهود.
    3. كشف علاقة المنافقين مع اليهود، وذلك من خلال تواطؤ عبد الله بن أبي ابن سلول ومن تبعه من المنافقين مع اليهود.
    4. نكث المنافقين للعهود، وخلفهم للوعد، فبعد أن وعد عبد الله بن أبي ابن سلول اليهود بنصرتهم ومعاضدتهم، أسلمهم ونكث في وعده.
    5. إجلاء يهود بني النضير من المدينة المنورة.
    6. إسلام رجلين من بني النضير، هما: يامين بن عمير بن كعب، وأبو سعد بن وهب، فأحرز النبي صلى الله عليه وسلم أموالهما لهما ولم يقسمها67.
    7. تشريع حكم الفيء في الإسلام.
    8. تكشف طبيعة اليهود التي تتسم بالأذى والفساد، وذلك من خلال تخريبهم لبيوتهم بأيديهم وهم خارجون منها لئلا ينتفع بها من بعدهم من المسلمين.
    9. غنائم المسلمين من الغزوة، وقدرت بخمسين درعًا، وخمسين بيضةً68، وثلاثمائة وأربعين سيفًا، وقد جعلها الله عز وجل خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخمسها، ولم يسهم منها لأحد، ولكنه قسمها بين المهاجرين والأنصار، بعد أن استبقى قسمًا خصصت غلته للكراع69 والسلاح.
    10. هذا بخلاف ما حمله اليهود معهم، حيث حملوا أمتعتهم على ستمائة بعير، ومعهم كميات كبيرة من الذهب والفضة حتى إن سلام بن أبي الحقيق وحده حمل جلد ثور مملوءًا ذهبًا وفضة، بخلاف ما تركوه من النخيل، مما يؤكد ثراء بني النضير وغناهم، وأنهم لم يرعوا تلك النعم التي أنعم الله بها عليهم70.
    11. لؤم اليهود ومكرهم، فبالرغم من عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلهم، فقد خرجوا ومعهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن من خلفهم، حتى لا يشمت بهم المسلمون، فقصد بعضهم خيبر وسار آخرون إلى أذرعات الشام7172.
    12. اغتناء المهاجرين وإعفافهم، حيث صارت لهم أموال من بني النضير، وردهم ما أشركهم فيه إخوانهم من الأنصار من الأموال73.
    13. إيثار الأنصار إخوانهم المهاجرين بالفيء، حيث قبلوا قسمة النبي صلى الله عليه وسلم للفيء على المهاجرين ولم يمتعضوا أو يتضجروا74.

    غزوة بني قريظة

    لم يعتبر يهود بني قريظة75 وهم الطائفة الثالثة والأخيرة من طوائف اليهود الذين سكنوا المدينة، بما حاق بأسلافهم من بني قينقاع والنضير حينما نقضوا العهد، وحنثوا فيه، فالغدر دأب أصيل لا ينفك عنهم والمكر والخداع طبع لا يفارقهم.

    قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة: ١٠٠].

    ولذا وصفهم الخالق سبحانه وتعالى بأخس الصفات، وهي شر ما دب على الأرض.

    قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأنفال: ٥٥-٥٦].

    نزلت هذه الآيات في بني قريظة76.

    قال الطبري: (ﮅ ﮆ ﮇ) يا محمد، يقول: أخذت عهودهم ومواثيقهم أن لا يحاربوك، ولا يظاهروا عليك محاربًا لك، كقريظة ونظرائهم ممن كان بينك وبينهم عهد وعقد77.

    وقد كانت غزوة بني قريظة آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود في المدينة، إذ تطهرت المدينة عقبها من رجسهم وأحقادهم، وأمن المسلمون بعدها على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، بعد القضاء على الخطر الذي كان يهددهم فيها.

    أولًا: زمان الغزوة ومكانها:

    أما الزمان: فمن المعلوم أن غزوة بني قريظة كانت عقب غزوة الخندق، فبعد انتهاء النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق توجه مباشرة صوب بني قريظة، ولقربهما جمعهما بعض المفسرين في وقت واحد فقال: غزوة الأحزاب أو الخندق وبني قريظة78.

    وقد ذهب الجمهور من أهل التفسير والسير والمغازي إلى أن غزوة الأحزاب كانت في شهر شوال من السنة الخامسة79.

    قال ابن كثير: والصحيح قول الجمهور أن أحدًا في شوال سنة ثلاث، وأن الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة والله أعلم80.

    وذهب بعض العلماء إلى أنها كانت في السنة الرابعة منهم: الإمام مالك بن أنس81، وموسى ابن عقبة82، وابن قتيبة83، والبخاري84، وابن حزم85.

    وقد حاول البيهقي رحمه الله الجمع بين القولين فقال بعد أن أورد الأقوال في ذلك: «لا اختلاف بينهم في الحقيقة، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل يوم بدر لسنة ونصف من مقدمه المدينة في شهر رمضان.

    ثم قاتل يوم أحد من السنة القابلة لسنتين ونصف من مقدمه المدينة في شوال.

    ثم قاتل يوم الخندق بعد أُحُد بسنتين على رأس أربع سنين ونصف من مقدمه المدينة.

    فمن قال: سنة أربع، أراد بعد أربع سنين، وقبل بلوغ الخمس.

    ومن قال: سنة خمس، أراد بعد الدخول في السنة الخامسة وقبل انقضائها. والله أعلم»86.

    قال ابن العماد: وجزم ابن ناصر الدين، أنهما -أي: الخندق وبني قريظة- في الخامسة، وهذا هو الصحيح، لأنه توجه صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة في اليوم الذي انصرف فيه من الأحزاب87.

    وعن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع يوم الخندق، ووضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار، فقال: وضعت السلاح فوالله ما وضعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين؟ قال: ها هنا، وأومأ إلي بني قريظة، قالت: فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم)88.

    وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)89.

    وأما المكان: فقد وقعت الغزوة في منازلهم، وكانت تقع في الجنوب الشرقي للمدينة شرقي قباء، حيث يمر وادي مهزور والتي تبعد حوالي ٥ كم عن المسجد النبوي في منطقة لا تزال معروفة قرب سد بطحان90.

    ثانيًا: أسباب الغزوة:

    كانت بنو قريظة تمثل خطرًا وشوكة في ظهر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فهم من ساكني المدينة، وهم أعلم بها من غيرهم ممن لم يسكنها، وحصونهم خلف المسلمين، وفي أقرب وقت يستطيعون محاربة المسلمين وقتالهم، ورغم العهد الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهم لم يراعوه، وسرعان ما نقضوه.

    فعقب انتهاء النبي صلى الله عليه وسلم من أمر بني النضير توجه كعب بن الأشرف إلى كفار مكة، يستقويهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وجعل يمدح دينهم، وهو عبادة الأوثان، ففضحه الله تعالى بقوله: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [النساء: ٥١]91.

    ولم يكتف اليهود بذلك، بل غدروا في أشد الأوقات وأحلك الظروف، حينما تحالفوا مع قريش وغطفان وتآمروا معهم على قتال المسلمين.

    ومن ذلك ما رواه ابن كثير: أن نفرًا من اليهود، منهم كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وسلام بن مشكم، وحيي بن أخطب النضريون، وهوذة بن قيس وأبو عمار من بني وائل، وهم كلهم يهود، خرجوا في نفرٍ من بني النضير ونفرٍ من بني وائل، فأتوا مكة، فدعوا قريشًا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك، فأجابهم أهل مكة إلى ذلك، ثم خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم.

    فخرجت قريش يقودهم أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري على فزارة، والحارث بن عوف المري على بني مرة ومسعود بن رخيلة على أشجع قاصدين المدينة لقتال النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين92.

    ولما وصلت الجموع قرب المدينة وسلط الله عليهم جنوده من الريح والبرد الشديد، انتكسوا على أعقابهم وفرق الله تعالى جموعهم وألقى الرعب في قلوبهم، وعادت قريش وغطفان مهزومين دون تحقيق ما أتوا من أجله، فلم يلبث النبي صلى الله عليه وسلم من عودته من الخندق حتى أمره الله أن يتوجه لهؤلاء الأوغاد ليقضي فيهم بحكمه تعالى، قال مقاتل بن سليمان: «حين هزم المشركين عن الخندق بالريح والملائكة أتى جبريل عليه السلام على فرس، فقال: سر إلى بني قريظة فإن الله عز وجل داقهم لك دق البيض على الصفا93.

    كانت هذه هي الأسباب التي دفعت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى قتالهم.

    ثالثًا: حديث القرآن عن الغزوة:

    تحدث القرآن الكريم عن أهم وقائع غزوة بني قريظة، وخصت سورة الأحزاب بذكرها، قال ابن كثير رحمه الله: غزوة الخندق هي: غزوة الأحزاب، وقد أنزل الله الله تعالى فيها صدر سورة الأحزاب94.

    فقال تعالى مخبرًا عن نعمه وفضله وإحسانه إلى عباده المؤمنين في صرفه أعداءهم، قريش وغطفان والذين بلغ عددهم عشرة ألاف، حينما تألبوا عليهم، ونزل المشركون شرق المدينة قريبًا من أحد، ونزلت طائفة منهم في أعالي المدينة قريبًا منهم، ومن فوقهم يهود بني قريظة وكان عددهم نحوًا من ثمانمائة مقاتل، وكان عدد المسلمين إذ ذاك ثلاثة ألاف، هنالك ارتعدت فرائص المؤمنين ودب الخوف في قلوبهم.

    قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأحزاب: ٩-١١].

    وقد ظهرت هذه النعمة حينما قورنت بالواقع الذي عاشه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام.

    روى الطبري بسنده عن محمد بن كعب القرظي، قال: (قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد، قال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، لحملناه على أعناقنا، قال حذيفة: يا ابن أخي، والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وصلى رسول الله هويا من الليل، ثم التفت إلينا فقال: (من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ؟ يشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يرجع أدخله الله الجنة).

    فما قام أحد، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل، ثم التفت إلينا فقال مثله، فما قام منا رجل، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل، ثم التفت إلينا فقال: (من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع، يشترط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة، أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة).

    فما قام رجل من شدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد؛ فلما لم يقم أحد، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: (يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر، ولا تحدثن شيئًا حتي تأتينا).

    قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء؛ فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤ من جليسه، فقال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا فلان بن فلان؛ ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والخف، واختلفت بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، والله ما يطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل.

    ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أن لا تحدث شيئًا حتى تأتيني، لو شئت لقتلته بسهم.

    قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه؛ فلما رآني أدخلني بين رجليه، وطرح علي طرف المرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه؛ فلما سلم أخبرته الخبر، وسمعت غطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم)95.

    وعن مجاهد في قوله: (ﭵ ﭶ ﭷ) قال: الأحزاب: عيينة بن بدر، وأبو سفيان، وقريظة96.

    ثم صورت الآيات المشهد، ومواقع الأحزاب.

    قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأحزاب: ١٠-١١].

    قال يزيد بن رومان قوله: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) فالذين جاءوهم من فوقهم: قريظة، والذين جاءوهم من أسفل منهم: قريش وغطفان97.

    وفي هذا الوقت العصيب ظهر إيمان المؤمنين ونفاق المنافقين، حيث شك المنافقون في وعد الله، قال قتادة: قال أناس من المنافقين: قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم، وقد حصرنا هاهنا، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا98.

    وانسحب بعضهم من المعركة بحجة أن بيوتهم عورة يخافون عليها السرقة وما هي بعورة، فهم يريدون الفرار من الزحف، ولو دخل الكفار عليهم من كل جهة من جهات المدينة ثم سئلوا الكفر لكفروا سريعًا وما ترددوا، وسيسألهم الله تعالى عن عهدهم الذي نقضوه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عينهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه بأنهم بنو حارثة99.

    كما أخبر القرآن أن فرارهم لن ينجيهم من الموت إذا حل بهم، وأنه لا عاصم لهم من أمر الله، قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأحزاب: ١٢-١٧].

    ثم أخبر سبحانه عن إحاطة علمه بالمعوقين غيرهم ممن شهد الحرب، والمثبطين لعزائمهم بقولهم هلم إلى الإقامة في الظلال والثمار، وهم مع ذلك بخلاء بالمودة والشفقة عليكم، فإذا جاء الخوف رأيتهم يجزعون ويفزعون كالذي اقترب أجله، فإذا ذهب الخوف، ارتفعت أصواتهم لطلب الغنيمة، أما عند البأس فأجبن قوم وأخذلهم للحق، وهم بذلك قد جمعوا الجبن والكذب وقلة الخير.

    قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأحزاب: ١٨-٢٠].

    قال الطبري: يحسب هؤلاء المنافقون الأحزاب، وهم قريش وغطفان، لم ينصرفوا، وإن كانوا قد انصرفوا جبنا وهلعا منهم100.

    فيظنون أنهم قريبون منهم وأن لهم عودة، فإذا عاد الأحزاب ودوا لو أنهم ليسوا معكم في المدينة بل في البادية يسألون عن أخباركم، ولو كانوا بين أظهركم ما قاتلوا معكم إلا قليلًا لجبنهم وذلتهم وقلة يقينهم بالله تعالى، ثم علمهم الله تعالى أن عليهم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته، فقال: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأحزاب: ٢١].

    أي: هلا اقتديتم وتأسيتم بشمائله صلى الله عليه وسلم.

    ثم أخبر الله تعالى عن حال المؤمنين الصادقين حينما نزل بهم البلاء، ورأوا الأحزاب، فما زادهم ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا وتصديقًا بوعد الله تعالى، فقال: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [الأحزاب: ٢٢].

    أي: انقيادًا لأوامره وطاعةً لرسوله صلى الله عليه وسلم.

    قال الطبري: ولما عاين المؤمنون بالله ورسوله جماعات الكفار قالوا تسليمًا منهم لأمر الله، وإيقانا منهم بأن ذلك إنجاز وعده لهم، الذي وعدهم101.

    ثم عدد الله صفات المؤمنين في مقابلة المنافقين الذين نقضوا العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المؤمنين ثبتوا على العهد والميثاق ولم ينكثوا أو يتراجعوا أو يبدلوا.

    قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الأحزاب: ٢٣-٢٤].

    وورد في سبب نزول هذه الآية ما قاله أنس بن مالك رضي الله عنه: نرى هذه الآيات نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه102.

    وأورد الطبري سبب نزولها في أنس بن النضر، فروى بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (غاب أنس بن النضر عن قتال يوم بدر، فقال: غبت عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن أشهدني الله قتالا ليرين الله ما أصنع؛ فلما كان يوم أحد، انكشف المسلمون، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، فمشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أي سعد، إني لأجد ريح الجنة دون أحد، فقال سعد: يا رسول الله، فما استطعت أن أصنع ما صنع، قال أنس بن مالك: فوجدناه بين القتلى، به بضع وثمانون جراحة، بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه، قال أنس: فكنا نتحدث أن هذه الآية نزلت فيه، وفي أصحابه)103.

    ثم أخبر تعالى أنه رد كيد الكافرين بدون قتال، بأن أرسل عليهم الريح والجنود الإلهية.

    قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأحزاب: ٢٥].

    قال الطبري: يقول تعالى ذكره: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) به وبرسوله من قريش وغطفان، بكربهم وغمهم، بفوتهم ما أملوا من الظفر، وخيبتهم مما كانوا طمعوا فيه من الغلبة، لم يصيبوا من المسلمين مالا ولا إسارا ( ﮂ ﮃ ﮄ) بجنود من الملائكة والريح التي بعثها عليهم104.

    وبعث الله تعالى جندًا من الملائكة لتثبيت المؤمنين، قال أنس رضي الله عنه: (كأني أنظر إلي الغبار ساطعًا في زقاق بني غنم، موكب جبريل صلوات الله عليه حين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة)105.

    ودعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فقال: (اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم)106.

    (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ) [الأحزاب: ٢٦].

    قال الطبري: وأنزل الله الذين أعانوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وعنى بذلك بني قريظة107، وقذف في قلوبهم الرعب والخوف، فريقًا تقتلون وتأسرون فريقًا، إشارة إلى حكم سعد بن معاذ فيهم من قتل الرجال وسبي النساء والذرية، ثم أخبر سبحانه عن فضله على المؤمنين بما نالوه من الغنائم نتيجة صبرهم وثباتهم على وعد الله، فقال: ( ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأحزاب: ٢٧].

    أي: جعلها ملكًا لكم من قتلكم لهم، والمراد بالأرض التي لم يطؤوها: خيبر أو مكة أو أرض فارس والروم.

    قال ابن جرير: يجوز أن يكون الجميع مرادًا108.

    وقد حث القرآن الكريم أثناء الغزوة على نبذ الخيانة والبعد عنها، قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ) [الأنفال: ٢٧].

    قال بعض المفسرين: نزلت في أبي لبابة، في الذي كان من أمره وأمر بنى قريظة، قال الزهري: نزلت في أبي لبابة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلى حلقه: إنه الذبح، قال الزهري: فقال أبو لبابة: لا والله، لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى أموت109. وذلك لأنه أفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهم.

    رابعًا: علاقة قصة غزوة بني قريظة بموضوع سورة الأحزاب:

    تناولت سورة الأحزاب عدة موضوعات، من أهمها غزوة الأحزاب التي سميت السورة بها، وغزوة بني قريظة كانت تابعة لغزوة الأحزاب، لأنها كانت عقبها مباشرة بدون فصل بينهما، كما أنهما مشتركتان في الأسباب، وقد عرضت الآيات جانبًا هامًّا من جوانب هذه الغزوة، فذكرت نعم الله على المؤمنين في صرفه أعداءهم منهزمين بدون قتال، وفى كشفه للطائفة المخادعة ممن نطقوا بالشهادتين ظاهرًا دون العمل بها، وهم المنافقون، حتى يحذرهم المؤمنون ولا يركنوا إليهم، كما كشفت الآيات عن ثبات المؤمنين مهما تعرضوا للشدائد والمحن، فإن ذلك لا يثني عزيمتهم ولا يضعف من عقيدتهم، وقد كافأهم الله عز وجل نتيجة صبرهم، فرد أعداءهم خائبين لم ينالوا خيرا، ونصرهم على الفئة الخائنة الباغية، فأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم، وأمنهم فى موطنهم بالقضاء على آخر معاقل اليهود في المدينة.

    خامسًا: نتائج الغزوة:

    1. هزيمة اليهود وانتصار المسلمين عليهم.
    2. تأكيد هوية اليهود، وتثبيت صورتهم في أذهان المسلمين، في غدرهم ونقضهم العهد.
    3. مشروعية جواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عادل أهل للحكم: وذلك في تولية النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ رضي الله عنه الحكم على بني قريظة، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتى على حمارٍ، فلما دنا من المسجد قال للأنصار: (قوموا إلى سيدكم، أو خيركم) فقال: (هؤلاء نزلوا على حكمك) فقال: تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريهم، قال: (قضيت بحكم الله) وربما قال: (بحكم الملك)110.
    4. مشروعية قتل المرأة إذا اشتركت في القتال، أو تعرضت لسب النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (لم يقتل من نسائهم -تعني: بني قريظة- إلا امرأة واحدة، إنها لعندي تحدث، تضحك ظهرًا وبطنًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم بالسيوف، إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة؟ قالت: أنا، قلت: وما شأنك؟ قالت: حدث أحدثته، قالت: فانطلق بها فضربت عنقها، فما أنسى عجبًا منها أنها تضحك ظهرًا وبطنًا وقد علمت أنها تقتل)111. قال الواقدي: كانت قد قتلت خلاد بن سويد، رمت عليه رحى، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وضربت عنقها بخلاد بن سويد112. وقال الخطابي رحمه الله: يقال: إنها كانت شتمت النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحدث الذي أحدثته وفي ذلك دلالة على وجوب قتل من فعل ذلك113.
    5. مشروعية النهي عن قتل الأطفال في الحرب، فعن عطية القرظي، قال: كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت114.
    6. مشروعية الجمع بين الصلوات للضرورة، حيث أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، إلى ما بعد الغروب، بسبب الأحزاب، قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا، شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس)115. وهذا يدل على جواز الجمع جمع تأخير.
    7. تقسيم الغنائم، وكانت غنائم بني قريظة كثيرة بالنسبة لما سبقها، وخصوصًا في الأموال المنقولة، ولذلك كان التوزيع فيها تطبيقًا للنص القرآني (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنفال: ٤١]. قال ابن إسحاق رحمه الله: قَسَمَ أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأَعْلَمَ في ذلك سُهْمَانَ الخيلِ وسُهْمَانَ الرجال، وأخرج منها الخمس -أي: خمس الله ورسوله وذي القربى-، وكان من بعد الخمس في أربعة الأخماس، فكان للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان، ولفارسه سهم، وللراجل -من ليس له فرس- سهم، وكانت الخيل يوم بني قريظة ستا وثلاثين، وكان أول فيء وقع فيه السهمان، وأخرج منهما الخمس، فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت المقاسم، ومضت السنة في المغازي116.
    8. وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه، حيث توفي عقب حكمه في بني قريظة مباشرة نتيجة جرح أصيب به، وقد ظهر من إكرام الله تعالى له ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته، وذلك لحكمه في بني قريظة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الملائكة كانت تحمله)117.
    9. خلو المدينة تمامًا من الوجود اليهودي، الذي كان عنصرًا خطرًا، لديه القدرة على المؤامرة والكيد والمكر.
    10. القضاء على أمل قريش في وجود حليف لها داخل المدينة، فبعد غزوة بني قريظة انتهت محاولاتها للنيل من المسلمين، أو الاعتداء عليهم.

    غزوة يهود خيبر

    سميت خيبر بهذا الاسم نسبة إلى رجل من العماليق نزلها، وهو خيبر بن قانية بن مهلايل، وقال الحموي: أما لفظ خيبر فهو بلسان اليهود: الحصن118.

    وكان فتح خيبر بمنزلة وعد من الله عز وجل لعباده المؤمنين، فبعد عودتهم من الحديبية وبيعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي: بيعة الرضوان، دون أن يحققوا مرادهم وهو زيارة البيت الحرام، أو أن يجنوا غنائم، أراد الله تعالى أن يجازيهم بامتثالهم أمر الله تعالى وأمر رسوله، وما لاقوه من عناء وشدة، وكان الجزاء وافيًا حيث وفى الله تعالى لهم طاعتهم تلك وامتثالهم وصبرهم بجزائين: معنوي ومادي.

    أما المعنوي: فهو إسباغ الرضى الإلهي عليهم، وإنزال السكينة والطمأنينة على قلوبهم، بسبب ما عمله في نفوسهم من الصدق والوفاء، والسمع والطاعة.

    وأما الجزاء المادي: فهو فتح خيبر، وغنائمها وأموالها.

    وكان يهود خيبر من أقوى الطوائف اليهودية في بلاد الحجاز وأكثرهم عددًا وعدة وأمنعهم حصونًا119، وهم على عادة اليهود، استحكم بهم المكر، وغرهم المال والسلاح الذي بأيديهم.

    وحوت حصون خيبر عشرة آلاف مقاتل، كانوا يخرجون كل يوم صفوفًا يستعرضون قوتهم، ويسخرون من قوة المسلمين وهم يرددون: «محمد يغزونا، هيهات! هيهات!»120.

    أولًا: زمان الغزوة ومكانها:

    أما الزمان: فاختلف في تحديد وقتها علي أقوال:

    1. هزيمة اليهود وانتصار المسلمين.
    2. أحدث فتح خيبر دويًّا هائلًا في الجزيرة العربية بين مختلف القبائل، فقد أصيبت قريش بالإحباط إذ فقدت حليفًا طالما تآمر معها ضد المسلمين.
    3. إسراع كثيرٍ من القبائل الموالية لقريش إلى مسالمة المسلمين وموادعتهم، مما ساعد على فتح مكة بعد ذلك، وفتح الباب واسعًا أمام نشر الإسلام في أرجاء الجزيرة بعد أن تعززت مكانة المسلمين في أعين أعدائهم، إلى جانب ما تحقق لهم من خير وتعزيز لوضعهم الاقتصادي.
    4. القتلى من الجانبين، بلغت حصيلة من قتل من اليهود في هذه الغزوة ثلاثة وتسعين، واستشهد من المسلمين نحو خمسة عشر رجلًا137.
    5. مصالحة يهود خيبر، فبعد أن أيقن اليهود بالهلاك، واستولى اليأس عليهم، نتيجة تهاوي حصونهم واحدًا تلو الآخر، طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم الصلح على أن يحقن دماءهم، فقبل الرؤوف الرحيم وصارت أرضهم لله ولرسوله وللمسلمين، فلما أراد النبي إجلاءهم سألوه أن يقرهم على أن يعملوا في الأرض ولهم نصف ما تخرجه الأرض، فقال لهم: (نقركم علي ذلك ما شئنا)138.
    6. محاولة قتله صلى الله عليه وسلم، حيث تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لمحاولة اغتيال رغم عفوه وصفحه عنهم، وذلك على يد امرأة تدعى زينب بنت الحارث، وكانت أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مشوية مسمومة139.
    7. زواجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة صفية، وهي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب، كان أبوها سيدًا من سادات بني النضير، انتقل إلى خيبر لما أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة وكان من ذرية هارون بن عمران140141. وكان لزواجه صلى الله عليه وسلم منها حكمة بالغة، فقد كانت رضي الله عنها بنت سيد يهود خيبر، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم إعزازها وتكريمها وصيانتها من أن تفترش لرجل لا يعرف لها شرفها ونسبها في قومها، كما أن فيه رباط المصاهرة بين النبي واليهود عسى أن يكون هذا ما يخفف من عدائهم للإسلام، والانضواء تحت لوائه، والحد من مكرهم وسعيهم بالفساد، فدل ذلك على حسن أدبه وحنكته السياسية صلى الله عليه وسلم142.
    8. غنائم خيبر، فقد كانت غزوة خيبر من أكثر غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم غنيمة، من حيث الأراضي والنخيل والثياب والأطعمة وغير ذلك، ويدل على كثرتها قول السيدة عائشة رضي الله عنها: (لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر)143.

    الدروس المستفادة

    ١. اليهود أهل غدر وخيانة.

    أظهرت غزوات النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود حقيقةً ثابتةً، وهي: أن اليهود على مر التاريخ والعصور، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا مصدر خطر داهم على الإسلام والمسلمين، فهم قوم خيانة وغدر ونقض للعهود والمواثيق، مهما عوملوا بالحسنى، وذلك سر لعنة الله التي حاقت بهم.

    قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [المائدة: ٧٨].

    وقال أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [النساء: ١٥٥].

    فلا يوثق في وعدهم، ولا أمان لهم.

    ٢. الأخذ بالأسباب.

    إن الأخذ بالأسباب قدر الاستطاعة والإمكان واستفراغ الجهد، هو سبيل النصر.

    قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنفال: ٦٠].

    فبالرغم من قوة اليهود العسكرية والاقتصادية وامتلاكهم الأسباب المادية التي تدفعهم إلى النصر، حتى اعتقدوا أنه لا يستطيع أحد أن يخرجهم من حصونهم لمتانتها وقوتها، في مقابل قلة عتاد المسلمين وعدتهم، لكن حينما أخذ المسلمون بأسباب النصر التي أمروا بها، وفَّى الله تعالى لهم وعده وحقق النصر لهم، قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [محمد: ٧].

    وقال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الحج: ٤٠].

    وقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النور: ٥٥].

    ٣. تربية الأفراد والأمم.

    الثقة بوعد الله عز وجل، وأن النصر من عند الله، وربط الأحداث بفاعلها الحقيقي وهو رب العزة سبحانه، وعدم الاكتفاء بالأسباب المادية، دون اللجوء إلى المسبب سبحانه وتعالى.

    قال عز من قائل: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الأنفال: ١٧].

    ٤. اجتماع أعداء الإسلام على أهل الإسلام.

    فتلك عادة ماضية في كل زمان ومكان، فلا تنقطع عداوتهم، وفي ذلك حكمة بالغة في الرجوع إلى الله، وصدق التوكل عليه، والإنابة والذل وإظهار الحاجة، وبذل الغالي لهذا الدين.

    قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [التوبة:٣٢].

    إلا أن الله عز وجل حامي دينه، وناصر عباده المؤمنين.

    قال ابن القيم رحمه الله: «فمن ظن بأنه لا ينصر رسوله، ولا يتم أمره، ولا يؤيده ويؤيد حزبه، ويعليهم ويظفرهم بأعدائه، ويظهرهم عليهم، وأنه لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يديل الشرك على التوحيد والباطل على الحق إدالة مستقرة، يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالًا لا يقوم بعده أبدًا، فقد ظن بالله ظن السوء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته، فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به، العادلين به، فمن ظن به ذلك فما عرفه، ولا عرف أسماءه، ولا عرف صفاته وكماله»144.

    وعلى مر العصور وتقلب الدهور قول الصادق: (بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر، والتمكين في الأرض) 145.

    لكن الأمر مشروط بشروطه، ومقيد بقيوده: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [محمد: ٧].

    ٥. نصر الله عز وجل لعباده المؤمنين.

    فيمدهم بجيش من عنده ولا يضيعهم، كما أنزل عليهم الملائكة يوم بدر، وأرسل الريح في غزوة الأحزاب، وهذا تحقيق لوعده سبحانه حيث قال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الروم: ٤٧].

    وقال سبحانه: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الحج: ٣٨].

    ٦. جواز قتال من نقض العهد.

    وبوب الإمام النووي به في صحيح الإمام مسلم، فالصلح والمعاهدة والاستئمان بين المسلمين وغيرهم، كل ذلك ينبغي احترامه على المسلمين ما لم ينقض الآخرون العهد أو الصلح أو الأمان، وحينئذٍ يجوز للمسلمين قتالهم إن رأوا المصلحة في ذلك146.

    ٧. جواز هدم حصون الكفار وديارهم في الحرب.

    إذا دعت الضرورة إلى ذلك، كأن يستتر العدو بها ويتخذها وسيلة لإيذاء جيش المؤمنين، فإنه لا مناص من قطع الأشجار، وهدم البناء، على أنه ضرورة من ضرورات القتال147.

    ٨. استطلاع أخبار العدو قبل بدء قتالهم.

    فإنه من إعداد العدة واتخاذ ما يلزم، كما وقع للزبير بن العوام في غزوة بني قريظة148.

    ٩. معاملة المنافقين معاملة المسلمين.

    حيث لم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم لرأس النفاق عبد الله بن أبي ابن سلول، كما مر في غزوة بني قينقاع، وعامله مع ذلك على أنه مسلم، فلم يخفر ذمته، ولم يعامله معاملة المشرك أو المرتد، وأجابه إلى ما أصر وألح عليه وذلك يدل على أن المنافق إنما يعامل في الدنيا من قبل المسلمين على أنه مسلم، وإن كان نفاقه مقطوعًا به.

    وهذا لا ينافي أن يكون المسلمون في حذر دائم من المنافقين، وأن يكونوا في يقظة تامة أمام تصرفاتهم، فذلك من الواجبات البديهية على المسلمين في كل ظرف ووقت.

    ١٠. الولاء والبراء.

    والولاء يعني: مناصرة الله ورسوله والمؤمنين، وإعانتهم والسكنى معهم، والبراء أن يقطع المؤمن صلته بالكفار، ولا يحبهم، ولا يناصرهم، ولا يقيم في أوطانهم إلا لضرورة، والولاء والبراء بذلك يقتضي تحريم التعاون مع الكفار ضد المسلمين، سواء بالنصرة أو المساعدة أو بأي شيء يتقوون به على قتال المسلمين.

    قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [المجادلة: ٢٢].

    كما أن عقيدة الولاء والبراء تحرم على المسلمين أيضًا أن يخذلوا إخوانهم المستضعفين، أو أن يتركوهم يقاتلون وحدهم، دون مناصرتهم وتقديم العون لهم.

    قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأنفال:٧٢].

    ١١. المنح تخرج من رحم المحن.

    فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الظرف القاسي، والصحابة في حصار وجوع، وخوف شديد، إلا أن الله تعالى فرج كربهم، وكتب لهم النصر، وانبثق نور الإسلام ليخرج من هذا الضيق ليجوب أنحاء العالم، (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [إبراهيم: ٢٠].

    ١٢. أن المؤمن لا تزيده الكروب والشدائد إلا إيمانًا ويقينًا.

    بخلاف الذين في قلوبهم مرض، وهذا ما أظهرته غزوة بني قريظة.

    ١٣. الإخلاص في الجهاد.

    لا بد تجريد النية عند الخروج في سبيل الله للجهاد أو غيره، وتقديم طلب رضا الله تعالى ورسوله على ما سواهما من أعراض الدنيا، واجتناب ما فعله من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية، لطلبهم مجرد الغنائم.

    ١٤. حروب النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن للاعتداء والنهب أو التوسع.

    بل كانت فقط من أجل نشر عقيدة سامية تنير الدنيا، والقضاء على كل خبيث يؤذي الناس ويهدد حياتهم.

    ١٥. غزوات الرسول هي أحسن وأرفع الخطط التي يمكن التمثل بها على عصور القتال المتطور.

    من حيث اختيار مكان المواجهة ودقته والتهيئة العامة لصفوف الجيش والشعب قبل بداية الحرب.

    ففي غزوات الرسول تبلورت النظرية الحربية الإسلامية، والتي تعتبر مقومات النصر وليدة إرادة وصبر وثبات أمام الشدائد والحرب النفسية والدعائية التي يشنها العدو، كذلك الالتحام المباشر لأنه يرهب العدو، ويجعله في حالة ارتباك وعدم توازن كما حدث في فتح خيبر.

    ١٦. لابد للحق من قوة تحميه وتدافع عنه.

    وإذا لم يجد الباطل قوة توقفه، استشرى ضرره وشاع خطره، وظن الناس أنه الحق وأن ما عداه باطل، وهذا لا ينافي مبدأ الرحمة الذي شرعه الإسلام، فالرحمة لها موضعها، والشدة كذلك.

    وفي الختام: تمر السنون والأعوام وتظل غزوات النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود خاصةً نبراسًا وهاديًا يضيء لنا الطريق في تعاملنا مع اليهود، وأخذ الحذر منهم مهما أعطوا من المواثيق وإبرام العهود.

    موضوعات ذات صلة:

    غزوة أحد، غزوة الأحزاب، غزوة بدر، غزوة تبوك


    1 قال ابن إسحاق: سموا «العماليق»، نسبة إلي أبيهم: عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، جامع البيان، الطبري ١٢/٥٠٨.

    2 البحر المحيط في التفسير ١٠/.

    3 انظر: الروض الأنف ٤/١٧٢.

    4 بختنصر: بالتشديد، أصله بوخت ومعناه ابن، ونصر اسم صنم، وكان وجد عند الصنم ولم يعرف له أب فنسب إليه، وذكر التاريخ أنه حكم بابل سنة ٥٦١- ٥٠٤ ق.م، وخرب بيت المقدس.

    انظر: القاموس المحيط ص٤٨٣.

    5 جامع البيان، الطبري ١٧/٣٧٣.

    وانظر: تاريخ الرسل والملوك ١/٥٣٨، الروض الأنف، السهيلي ٣/٧٣، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفاء، الكلاعي ١/٩، السيرة النبوية، ابن كثير ٢/٣١٩.

    6 انظر: الروض الأنف ٤/٢٩٠.

    وانظر: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، الصالحي ١/١٢٢، بنو إسرائيل ووعد الآخرة، فوزي أبو زيد ص٧٧ .

    7 جامع البيان، الطبري ١٠/٤٧٨.

    8 تاريخ ابن خلدون ٢/٥٩٤.

    9 المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي ١٢/٩٤.

    وانظر: التفسير الحديث، دروزة ٦/١٦٦، التفسير المنير، الزحيلي ٩/٣٤.

    10 الدرة الثمينة في أخبار المدينة ص ٢٧ .

    11 سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، الصالحي ٣/٢٨١.

    12 المدينة في العصر الجاهلي، محمد الحظراوي ص٧٤ .

    13 مرويات تاريخ يهود المدينة، أكرم السندي ص٢٠ .

    14 انظر: آثار المدينة المنورة، عبدالقدوس الأنصاري ص٦٥ - ٧٦.

    15 انظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي ٣/١٥٠- ٢٧٣.

    16 حرب سمير: كانت في الجاهلية بين الأوس والخزرج.وسمير رجل من بني عمرو بن عوف.

    انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/٥٨٦.

    17 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٣٠٦، البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ١/٤٦٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣١٨.

    18 بنو إسرائيل ووعد الآخرة، فوزي أبو زيد ص٨٠ .

    19 قينقاع: بضم النون وقيل بكسرها وقيل بفتحها، فهي مثلثة النون، والضم أشهر.

    انظر: السيرة الحلبية ٢/٢٨٤.

    20 انظر: دلائل النبوة، البيهقي ٣/١٧٣، عيون الأثر، ابن سيده ١/٣٤٣.

    وقيل: كانت في صفر سنة ثلاث، وجعلها بعضهم بعد غزوة الكدر.

    انظر: إمتاع الأسماع، المقريزي ١/١٢٢، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، الصالحي ٤/١٧٩.

    21 انظر: جوامع السيرة، ابن حزم ص١٢١، المعالم الأثيرة في السنة والسيرة،محمد شراب ص٢٢٨.

    22 انظر: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، السمهودي ١/١٣١.

    23 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٢٢٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٧، السيرة النبوية، ابن هشام ٣/٥٠.

    24 الجَلَب: كل ما يجلب للبيع.

    انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٢٦٨.

    25 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام ٢/٤٨.

    26 الحاسر: هو الذي لا درع عليه ولا مغفر.

    انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ١/٣٨٣.

    27 الدارعٌ: هو من له درعٌ.

    انظر: الدلائل في غريب الحديث، السرقسطي ٢/٨٤٥.

    28 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٤/٨٠، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٢٠٤.

    29 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٢٢٧، مفاتيح الغيب، الرازي ٧/١٥٦، تفسير العز بن عبد السلام ١/٢٥٣، البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٣/٤٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٧، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٤.

    30 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٣٤.

    31 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٣٩٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٣٣.

    32 البحر المحيط في التفسير ٤/٢٩١.

    33 جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٩٣.

    34 التيسير في أحاديث التفسير، محمد المكي ١/٢٠١.

    35 ذباب ذكره الحازمي بكسر أوله وباءين، وقيل: بالضم، جبل أو أكمة بالمدينة يفصل بينها وبين جبل سلع ثنية الوداع، وهو علي يمين الخارج من المدينة السالك ثنية الوداع -الشامية للمتجه إلى تبوك- ويكون جبل سلع على يساره، وموقعه الآن في أول شارع عثمان بن عفان العيون المتفرع من شارع سلطانة، وهو الآن مكسو بالعمائر، ويقع في «حي النصر» بالمدينة.

    انظر: معجم البلدان، ياقوت الحموي ٣/٣، مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، صفي الدين البغدادي ٢/٥٨٣، وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، السمهودي ٣/٤٩، المعالم الأثيرة في السنة والسيرة، محمد شراب ص١٢٠.

    36 السغدية: بسين مهملة وغين معجمة، نسبة الى سغد بلد تعمل فيه الدروع.

    انظر: تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس، الدياربكري ٢/١٨٩، عيون الأثر، ابن سيده ٢/٣٨٦، مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار، أبو مدين الفاسي ص ٣٧٤، تاريخ الإسلام، الذهبي ١/٥١٣.

    37 انظر: مغازي الواقدي ١/١٧٨.

    38 انظر في غزوة بني النضير: مغازي الواقدي ١/٣٥٣، الطبقات الكبري، ابن سعد ٢/٥٧، تاريخ الأمم والملوك، الطبري ٢/٥٥٠، السيرة النبوية، ابن هشام ٣/١٤٢.

    39 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٤/٢٧٦، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٨/٦٠٤.

    40 أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا، كتاب المغازي، باب حديث بني النضير ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين وما أرادوا من الغدر برسول الله، ٥/٨٨.

    41 انظر سيرة ابن هشام ٣/٢١٩.

    42 وقد ذهب إلي ذلك جل أهل المغازي، انظر: مغازي الواقدي ١/٣٦٣، السيرة النبوية، ابن هشام ٣/٣١٩، دلائل النبوة، البيهقي ٣/١٨٠.

    43 جاء ذلك في حديث جابرٍ رضي الله عنه قال: (اصطبح الخمر يوم أحد ناس، ثم قتلوا شهداء). أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة أحد، ٥/٩٥، رقم ٤٠٤٤.

    44 البداية والنهاية ٤/٩.

    45 انظر: فتح الباري ٧/٣٣٢، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية ٢/٣٥٠، تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس ١/٤٠٩.

    46 فتح الباري ٧/٣٣٢.

    47 زاد المعاد ٣/٢٢٣.

    48 أحكام القرآن، ابن العربي ٤/١٧٦٥.

    49 انظر: دلائل النبوة، البيهقي ٣/١٧٦، آثار المدينة المنورة ص٦٥ - ٧٦.

    50 انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري ٢/٢٨٤، تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٤/٧٩.

    51 انظر: عيون الأثر، ابن سيده ٢٧٠، فتح الباري، ابن حجر ٧/٣٣٢.

    52 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٥٨، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، الصلابي ص ٥٤٩.

    53 جاء في قصة قتل العامريين ما رواه المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهم من أهل العلم قالوا: قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فعرض عليه الإسلام ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام، فقال: يا محمد لو بعثت رجالًا من أصحابك إلي أهل نجد فدعوهم إلي الإيمان رجوت أن يستجيبوا لك، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة بن كعب بن الخزرج المعنق ليموت في أربعين رجلًا من المسلمين من خيارهم منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار، وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، ورجال مسمون من خيار المسلمين، فساروا حتى نزلوا بئر معونة -وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم كلا البلدين منها قريب وهي من سليم أقرب- فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل، فلما أتاهم لم ينظر في كتابه إلى أن عدا على الرجل فقتله، ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم، وقالوا: لن نخفر أبا براء وقد عقد لهم عقدًا وجوارًا، فاستصرخ عليهم قبائل بني سليم: عصية، ورعلًا، وذكوانًا، فأجابوه إلى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا أسيافهم ثم قاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم، إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار، فإنهم تركوه فيه رمق، فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق، فكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري، ورجل من الأنصار -أحد بني عمرو بن عوف- فلم ينبئهما بمصاب إخوتهما إلا الطير تحوم على المعسكر، فقال -أي: عمرو ابن أمية-: والله إن لهذه الطير لشأنًا، فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال الأنصاري لعمرو بن أمية: ما ترى؟ قال: أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر، فقال الأنصاري: لكني ما كنت أرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لتخبرني عنه الرجال، ثم قاتل القوم حتى قتل، وأخذ عمرو بن أمية أسيرًا، فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته، واعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه، فخرج عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة، أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا معه في ظل هو فيه، وكان للعامريين عقد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار، فلم يعلم به عمرو بن أمية وقد سألهما حين نزلا: ممن أنتما؟ فقالا: من بني عامر، فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما وهو يرى أنه أصاب بهما ثأره من بني عامر لما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لئن قتلت قتيلين لأدينهما)، وجعل حسان بن ثابت يحرض ربيعة بن عامر على عامر بن الطفيل حتى طعن ربيعة عامرًا.

    أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢٠/٣٥٧.

    قال الهيثمى في مجمع الزوائد ٦/١٢٩: رجاله ثقات إلا ابن إسحاق.

    54 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/١٠١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٦٣.

    55 جامع البيان، الطبري ١٠/١٣٣.

    56 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٦٣، السيرة النبوية، ابن هشام ٢/١٩٢.

    57 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٥/٥١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٥٦.

    والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حديث بني النضير ٥/٨٨، رقم ٤٠٢٩.

    58 فتح الباري، ابن حجر ٧/٣٣٢.

    59 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٠/٣، الدر المنثور، السيوطي ٨/٨٨.

    والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، سورة الحشر ٦/١٤٧، رقم ٤٨٨٢، ومسلم في صحيحه، كتاب التفسير، باب في سورة براءة والأنفال والحشر ٤/٢٣٢٢، رقم ٣٠٣١ واللفظ له .

    60 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٧٢.

    والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حديث بني النضير ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم ٥/٨٨، رقم ٤٠٣٢ ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها ٣/١٣٦٥، رقم ١٧٤٦.

    61 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٧٢، معالم التنزيل، البغوي ٥/٥٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٦٢.

    والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حديث بني النضير ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم ٥/٨٨، رقم ٤٠٢٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها، ٣/١٣٦٥، رقم ١٧٤٦.

    62 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٩/٢٧٢.

    والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب المحن ومن يترس بترس صاحبه، ٤/٣٨، رقم ٢٩٠٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، ٣/١٣٧٦، رقم ١٧٥٧.

    63 التفسير الوسيط، الواحدي ٤/٢٧٢.

    64 جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٨٩.

    65 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٥٠٩.

    66 انظر: السيرة النبوية، ابن كثير ٣/١٤٦.

    67 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٥٩، السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، ابن حبان ١/٢٣٤- ٢٣٧.

    68 البيضة: الخوذة.

    انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ١/١٧٢.

    69 الكراع: اسم لجميع الخيل.

    انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٤/١٦٥ .

    70 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٩/٤٢٣، السيرة الحلبية، أبو الفرج الحلبي ٢/٥٦٦، الروض الأنف، السهينلي ٦/١٦٨.

    71 أذرعات: بلد في أطراف الشام، بجاور أرض البلقاء وعمان.

    انظر: معجم البلدان، الحموي ١/١٣٠.

    72 انظر: التفسير الحديث، دروزة ٧/٣٠٦.

    73 عيون الأثر، ابن سيده ٢/٧٣.

    74 أخرج القصة مختصرة البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب العين الجارية في المنام، ٩/٣٨، رقم ٧٠١٨.

    وأخرجها مطولة الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ٢/٤٩٣، رقم ٣٦٩٦.

    75 قريظة: بضم القاف، وفتح الراء، وسكون التحتية، وبالظاء المعجمة، قال السمعاني: اسم رجل نزل أولاده قلعة حصينة بقرب المدينة، فنسبت إليهم، وقريظة والنضير أخوان من أولاد هارون.

    انظر: الأنساب، السمعاني ١٠/٣٧٩.

    وقيل: إن بني قريظة كانوا يزعمون أنهم من ذرية شعيب نبي الله، قال الحافظ ابن حجر: وهو محتمل.

    انظر: فتح الباري ٧/٤٠٨.

    76 التفسير الوسيط ٣/١٦٣٨.

    77 جامع البيان، الطبري ١٤/٢١.

    78 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢١/٢٥٥.

    79 انظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد ٢/٦٥، شذرات الذهب، ابن العماد ١/١٢٢.

    80 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٨٣.

    81 شذرات الذهب، ابن العماد ١/١٢٢، مرآة الجنان وعبرة اليقظان، اليافعي ١/١٣.

    82 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٨٤، فتح الباري، ابن حجر ٧/٣٩٣.

    83 المعارف ص٧٠ .

    84 انظر: فتح الباري، ابن حجر ٧/٣٩٣.

    85 جوامع السيرة ص١٤٧.

    86 دلائل النبوة ٣/٣٩٥.

    87 انظر: شذرات الذهب، ابن العماد ١/١٢٢، مرآة الجنان وعبرة اليقظان، اليافعي ١/١٣.

    88 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٧٣، معالم التنزيل، البغوي ٣/٦٢٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٠٠.

    والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الغسل بعد الحرب والغبار، ٤/٢١، رقم ٢٨١٣.

    89أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً، ٢/١٥، رقم ٩٤٦.

    90 انظر: معجم البلدان، الحموي ١/٤٤٦.

    91 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٤٦٨، تفسير ابن أبي حاتم ٣/٩٧٦.

    92 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢١٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٨٤.

    93 تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٤٨٥.

    94 السيرة النبوية، ابن كثير ٣/١٧٨.

    95 جامع البيان، الطبري ٢٠/٢١٥.

    96 تفسير مجاهد ص ٥٤٧.

    97 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢١٨، تفسير السمعاني ٤/٢٦٣، الدر المنثور، السيوطي ٦/٥٧٥.

    98 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٢٣، تفسير ابن أبي حاتم ٩/٣١٢٠.

    99 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٥١.

    100 جامع البيان ٢٠/٢٣٤.

    101 المصدر السابق ٢٠/٢٣٦.

    102 أسباب النزول الواحدي صـ ٣٦٧.

    والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (فمنهم من قضى نحبه)، ٦/١١٦، رقم ٤٧٨٣.

    103 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٤٠.

    والحديث أخرجه أحمد في مسنده ٢٠/٣١٨، رقم ١٣٠١٥، بإسناد صحيح .

    104 جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٤٢.

    105 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم، ٥/١١٢، رقم ٤١١٨.

    106 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٩٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٧٠.

    والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، ٤/٤٤، رقم ٢٩٣٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو، ٣/١٣٦٣، رقم ١٧٤٢.

    107 جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٤٣.

    108 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٤٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٤٣- ٣٥٥.

    109 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١٠٩، التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٤٥٣.

    110 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٤٦.

    والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، ٥/١١٢، رقم ٤١٢١، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهل للحكم، ٣/١٣٨٩، رقم ١٧٦٨.

    111 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٤٩.

    والحديث أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب فى قتل النساء، ٣/٥٤، رقم ٢٦٧١.

    112 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٨/٢٨، معالم التنزيل، البغوي ٣/٦٣٠.

    113 معالم السنن ٢/٢٨١.

    114 انظر: معالم التنزيل، البغوي ١/٥٦٨، لباب التأويل، الخازن ١/٣٤٢.

    والحديث أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب فى الغلام يصيب الحد، ٤/١٤١، رقم ٤٤٠٤، والنسائي في سننه، كتاب الطلاق، باب متى يقع طلاق الصبي ٦/١٥٥، رقم ٣٤٣٠ .

    115 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، ٤/٤٣، رقم ٢٩٣١، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي: صلاة العصر، ١/٤٣٦، رقم ٦٢٧.

    116 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٨/٢٩، معالم التنزيل، البغوي ٣/٦٣١.

    117 انظر: التفسير المظهري ٧/٣٢٩.

    والحديث أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب مناقب سعد بن معاذ، ٦/١٧٣، رقم ٣٨٤٩.

    قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

    وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٧/١٠٥١، رقم ٣٣٤٧.

    118 انظر: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، البكري ٢/٥٢٣، معجم البلدان، الحموي ٢/٤٠٩، مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، البغدادي ١/٤٩٤، الروض الأنف، السهيلي ٧/٨٦.

    119 السيرة النبوية، ابن هشام ٢/٣٢٨.

    120 مغازي الواقدي ٢/٦٣٤.

    121 تفسير ابن المنذر ١/٢٤١.

    وانظر: جامع البيان، الطبري ٣/٥٧٧.

    122 انظر: مصنف ابن أبي شيبة، ٧/٣٩٤، رقم ٣٦٨٨٠.

    123 فتح الباري، ابن حجر ٧/٤٦٤.

    124 زاد المعاد ٣/٢٨١.

    125 فتح الباري، ابن حجر ٧/٤٦٤.

    126 انظر: مغازي الواقدي ٢/٦٣٤، السيرة النبوية، ابن هشام ٢/٣٢٨، السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، ابن حبان ١/٣٠٠، جوامع السيرة، ابن حزم ص١٦٧.

    127 معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، البكري ٢/٥٢١، معجم البلدان، الحموي ٢/٤٠٩، وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، السمهودي ٤/٧٤.

    128 التفسير المظهري ٩/٢٦.

    129 انظر: التفسير الحديث، دروزة ٨/٦٠٠.

    130 جامع البيان، الطبري ٢٢/٢١٥.

    131 المصدرالسابق ٢٢/٢٣٠.

    132 المصدر السابق.

    133 المصدر السابق ٢٢/٢٣١.

    134 تفسير العز بن عبد السلام ٣/٢٠٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣٣٩.

    135 جامع البيان، الطبري ١٩/١٧٩.

    136 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، ٥/١٢٢، رقم ٤١٥٠.

    137 السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، أبو شهبة ٢/٤١٧.

    138 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/٢٣٤، لباب التأويل، الخازن ٤/١٦٣.

    والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، ٤/٩٥، رقم ٣١٥٢ .

    139 وحديثها أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، ٥/١٤٠ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، فأهدت له يهودية شاة مصلية سمتها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم فقال: (ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة) فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري، فأرسل إلى اليهودية، (ما حملك على الذي صنعت؟) قالت: إن كنت نبيًّا لم يضرك الذي صنعت، وإن كنت ملكًا أرحت الناس منك، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت، ثم قال في وجعه الذي مات فيه: (ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهري).

    140 انظر: حاشيه الشهاب علي أنوار التنزيل، البيضاوي ٨/٧٩، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، أبو شهبة ٢/٣٨٣.

    141 حديث زواجه صلى الله عليه وسلم بصفية، أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ٥/١٣٥، رقم ٤٢١١، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن، ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، وقد قتل زوجها، وكانت عروسًا، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء حلت، فبني بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صنع حيسًا في نطع صغير، ثم قال لي: (آذن من حولك) فكانت تلك وليمته على صفية، ثم خرجنا إلي المدينة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءةٍ، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب .

    142 السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، أبو شهبة ٢/٣٨٥.

    143 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/٢٣٤.

    والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ٥/١٤٠، رقم ٤٢٤٢.

    144 زاد المعاد ٣/٢٠٥.

    145 أخرجه أحمد في مسنده ٣٥/١٤٦، رقم ٢١٢٢٢.

    146 شرح صحيح مسلم، النووي ١٢/٩٢.

    147 خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ٢/٦٦٤.

    148 التفسير المظهري ٧/٢٩٥.

    وحديثه: عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: كنت يوم الأحزاب، جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء، فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثًا، فلما رجعت قلت: يا أبت رأيتك تختلف؟ قال: أو هل رأيتني يا بني؟ قلت: نعم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم) فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: (فداك أبي وأمي).

    أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب مناقب الزبير بن العوام، ٥/٢١، رقم ٣٧٢٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما، ٤/١٨٧٩، رقم ٢٤١٦.