عناصر الموضوع

مفهوم العهد

العهد في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أساليب القرآن في تعظيم العهود

أنواع العهد في القرآن

مجالات العهد في القرآن

الوفاء بالعهد

العهد

مفهوم العهد

أولًا: المعنى اللغوي:

أصل مادة (عهد) تدل على الاحتفاظ بالشيء وإحداث العهد به1.

والعهد: الوصية، والأمان، والموثق، والذمة، ومنه قيل للحربي يدخل بالأمان: ذو عهد ومعاهد، وقد عهدت إليه، أي: أوصيته، والمعهود: الذي عُهِد وعُرِف، وعهدته بمكان كذا، أي: لقيته وعهدي به قريب2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

تنوعت المعاني الاصطلاحية للعهد لتنوع العهود واختلاف أنواعها، ولذلك ذكر العلماء مجموعة من التعريفات الاصطلاحية، شرعية كانت أم عرفية، نذكر بعضًا منها3:

  1. بصيغة الاستفهام التوبيخي: قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [يس: ٦٠].
  2. بصيغة الاستفهام الإنكاري: قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ)[البقرة: ٨٠]. وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)[التوبة: ٧].
  3. بمعنى النفي: قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [التوبة: ١١١].

    نلاحظ مما سبق أن الاستفهام بأنواعه أحد الأساليب البلاغية التي عُرِضت فيها قضية العهد توبيخًا وإنكارًا ونفيًا.

    ٤. الترهيب والترغيب والوعد والوعيد.

    من أبرز الأساليب القرآنية في عرض قضية العهد، أسلوب الترهيب والترغيب، والوعد والوعيد، بل إن أغلب الآيات التي وردت في هذا المجال لا تخلو من أحد هذين الأسلوبين، وسأذكر هنا بعض الأمثلة التي توضح كيف عرض القرآن الكريم هذا الأسلوب:

    قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [التوبة: ١١١].

    هذه الآية تَمْثِيلٌ قُصِدَ به الترغيب في الجهاد، عبر فيه تعالى عن بذل المؤمنين أنفسهم وأموالهم وإثابتهم بالجنة، كرمًا وفضلًا وإحسانًا، عبر عن ذلك بالشراء والمعارضة، فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عبيده المطيعين له، قال الحسن البصري وقتادة: «بايعهم -والله- فأغلى ثمنهم»17.

    ففي هذه الآية يعرض القضية عرضًا يهز نفس المؤمن هزًا، ويشوقها إلى وعد الله وترغيبه.

    وفي سورة (المؤمنون) توضيح لصفات المؤمنين، وماذا أعد الله لهم من جزاء.

    قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ) [المؤمنون: ١].

    من صفاتهم: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)[المؤمنون: ٨].

    ويكون جزاؤهم: ( ﮋﮌ [ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [المؤمنون: ١٠-١١].

    ففي هذه الآيات ترغيب للالتحاق بصفوف المؤمنين لنيل رضى الرحمن عَزَّ وجَلَّ.

    وفي سورة البقرة قصة بني إسرائيل، وكيف نقضوا العهود، وكيف كان جزاؤهم مقابل هذا النقض.

    قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ * ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)[البقرة: ٨٥-٨٦].

    وفي موضع آخر يتضح الوعيد المخيف لمن استبدل وباع ما عاهد الله عليه بثمن بخس.

    قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [آل عمران: ٧٧].

    وهناك آيات جمعت بين الوعد والوعيد فمنها قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)[المائدة: ١٢].

    يبين الله تعالى في هذه الآية جزاء الوفاء بالعهود، وعاقبة الكفر والعصيان.

    أنواع العهد في القرآن

    من خلال استقراء الآيات القرآنية التي وردت في العهد وجدت أن الالتزام بالعهد تارة يكون مع الله تعالى، وتارة بين البشر، فمن أهم تلك العهود والمواثيق ما يلي:

    أولًا: العهود مع الله:

    لقد أخذ الله عز وجل عهودًا عظيمة وكثيرة على بني آدم حيث حَمَّلَهُم الأمانةَ التي عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال، وكان أول هذه العهود الذي أخذه الله تبارك وتعالى على ابن آدم وهو في صلب آدم عليه السلام.

    قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ١٧٢].

    فقد أخذ الله العهد على عباده جميعًا، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا؛ لأنه ربهم وخالقهم، قال الشوكاني في تفسير هذه الآية: «والمعنى أن الله سبحانه لما خلق آدم مسح ظهره فاستخرج منه ذريته وأخذ عليهم العهد، وهؤلاء هم عالم الذر، وهذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه ولا المصير إلى غيره لثبوته مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وموقوفًا على غيره من الصحابة»18.

    ومن الآيات الدالة على العهود مع الله تعالى، قوله سبحانه وتعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الحديد: ٨].

    قال الطبري: «عنى بذلك: وقد أخذ منكم ربكم ميثاقكم في صلب آدم بأن الله ربكم لا إله لكم سواه، وهو قول مجاهد 19.

    وقال القرطبي: «وقد أخذ منكم ربكم الميثاق والعهد وأنتم في ظهر أبيكم آدم عليه السلام بأن الله عز وجل ربكم لا إله لكم سواه20.

    ومن الآيات الدالة على ذلك أيضًا، قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)[البقرة: ٢٧].

    قال الماوردي في تفسيره لهذه الآية: «إن العهد هو الذي أخذه الله على بني آدم حين أخرجهم من صلب أبيهم آدم عليه السلام»21.

    ومن الآيات الدالة على ذلك، قوله سبحانه وتعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [المائدة: ٧].

    فنعمة الله عز وجل هي الإسلام والنصر على الأعداء، ومضافًا إليه سائر نعمه عز وجل التي لا تعد ولا تحصى، والعهد والميثاق الذي أخذه عليهم هو أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، فكل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وما وقع من مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قطع على نفسه عهدًا يجب أن يلتزم به ولا يحيد عنه، وعليه أن يعمل بالأحكام والشرائع التي فرضها الله تعالى عليه، وأن يعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم 22.

    [انظر: الميثاق: ميثاق الله مع الخلق]

    ثانيًا: العهود مع الناس:

    العهود التي تقع بين الناس، هي التي تكون بين الإنسان وبين أخيه المسلم، وبين المسلمين وبين الكفار وغير ذلك من العهود المعروفة، فقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد، فقال عز وجل: (ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الإسراء: ٣٤].

    يعني: أن الوفاء بالعهد مسؤول عنه الإنسان يوم القيامة، يسأل عن عهده هل وفى به أم لا؟، وقال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النحل: ٩١].

    يعني: ولا تخلفوا العهد.

    العهود مع الناس لها صور شتى، وجميع هذه الصور نردها إلى قول الحق تبارك وتعالى: (ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ) [الإسراء: ٣٤].

    من هذه الصور:

    ١. سداد الدين.

    الدين هو عهد بين الدائن والمدين، فلا بد من الوفاء بهذا العهد، ولقد اهتم الإسلام بالدين؛ لأن أمره عظيم، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على قضاء الدين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها، أتلفه الله)23.

    ٢. عقد النكاح.

    عقد النكاح عهد، قال صلى الله عليه وسلم: (أحق الشروط أن توفوا به، ما استحللتم به الفروج)24.

    قال الخطابي: «الشروط في النكاح مختلفة؛ فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقًا، وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث، ومنها ما لا يوفى به اتفاقًا، كسؤال طلاق أختها ومنها ما اختلف فيه، كاشتراط أن لا يتزوج عليها، أو لا يتسرى، أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله»25.

    فلابد للمسلم أن يؤدي ما التزم من الشروط على عقد الزواج؛ لأنه استحل بها الفرج؛ فأيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر، ليس في نفسه أن يؤديها حقها؛ فقد خدعها، ووقع تحت طائلة العقاب.

    ٣. حق الجار.

    من العهود حقوق الجار؛ فإنها حقوق يلتزم بها الجار لجاره فطرة ودينًا وخلقًا؛ يقول الله تبارك وتعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [النساء: ٣٦].

    فالإسلام حريص على أن يفي كل جار لجاره بالأمان من ظلمه؛ فلا تُستباح محارمه، ولا يُنال عِرْضُه، ولا يُستحل مالُه، ولا يَناله أيُّ صنف من أصناف الأذى.

    ٤. الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة.

    الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة، وغير ذلك من المعاملات المالية ما دامت مشروعة، يقول تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [المائدة: ١].

    سواء كانت هذه العقود مبرمة بين المسلم والمسلم، أو المسلم وغير المسلم26.

    ٥. الوفاء بالعهود بين الدول.

    لقد دلت السنة النبوية على احترام العهود، فقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على احترام الأحلاف المعقودة في الجاهلية، وقال صلى الله عليه وسلم مؤكدًا على ضرورة الوفاء بأحلاف الجاهلية: (أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده -يعني الإسلام- إلا شدة)27.

    وظل تاريخ الإسلام منذ فجر عهده، وعلى مر مراحله التاريخية، صفحة بيضاء نقية، لم يدنس بخيانة، ولا غدر، ولا نقض عهد، بدون وجود ناقض من العدو28.

    قال النووي: «واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب وكيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل»29.

    [انظر: الميثاق: الميثاق بين الدول]

    مجالات العهد في القرآن

    يمتد العهد إلى جميع ميادين حياة الإنسان وواقعه، لإصلاح حياة الناس وبدون العهد والوفاء به تفسد حياة الناس وتضطرب، والناظر للآيات القرآنية التي جاءت بالعهود يتضح له أن العهود جاءت في مجالات عديدة، منها: العقيدة، العبادات، الأخلاق، العلاقات مع غير المسلمين، المعاملات، الجهاد في سبيل الله.

    أولًا: العقيدة:

    من أهم مجالات استعمال مصطلح العهد مجال العقيدة، والمتتبع للآيات التي ورد فيها لفظ العهد يلحظ هذا الجانب بوضوح، وبعد استقراء الآيات التي ورد فيها هذا المصطلح في الجانب العقدي ينحصر الحديث فيه عن الإيمان بالله وكتبه ورسله والإيمان بالشرائع المنزلة.

    ١. الإيمان بالله.

    يعتبر الإيمان بالله تعالى الأساس الذي تتفرع عنه جميع جوانب العقيدة الأخرى، ونجد أن آيات العهد التي تتعلق بالإيمان بالله تعالى تربط بين الإيمان والعهد ربطًا قويًّا، وأن السبب الرئيس في نقض العهود والمواثيق هو عدم الإيمان أو ضعفه، ودليل ذلك قوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة: ١٠٠].

    وقد وردت آيات كثيرة تتضمن لفظ العهد وتشتمل على وجوب الإيمان بالله عز وجل إما بشكل صريح أو ضمني، ففي أول آية في القرآن الكريم يرد فيها لفظ العهد نجد الحكم من الله تعالى على من نقض العهد بالكفر، فلا إيمان إلا بالالتزام بعهد الله تعالى.

    يقول تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ¬ ﯝ ﯞ)[البقرة: ٢٧-٢٨].

    فنقض العهد كفر، والالتزام به إيمان كما يتضح من هاتين الآيتين.

    ومن الآيات التي تربط بين نقض العهد والكفر، قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ)[النساء: ١٥٥].

    ومن الآيات التي تدعو إلى الإيمان بالله عز وجل وتُنَبِّهُ إلى ما أخذه الله على البشر من عهد، ومشنعة30 على أولئك الذين لم يحترموا عهودهم فلم يحققوا الإيمان في أنفسهم.

    قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ£ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘﯙ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأعراف: ١٠١-١٠٢].

    وكما بدأت آيات العهد في القرآن الكريم31 في مجال الإيمان نجد ختامها أيضًا في المجال نفسه، فآخر آية ذكر فيها لفظ العهد وردت في سورة المعارج، مبينة وصف المؤمنين، قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [المعارج: ٣٢].

    ٢. الإيمان بالكتب المنزلة.

    الإيمان بالكتب المنزلة هو الركن الثالث من أركان الإيمان بالله عز وجل، وقد جاء مصطلح العهد في مجال الدعوة إلى الإيمان بكتب الله المنـزلة على رسله، وقد تعددت الأساليب التي ورد فيها هذا المصطلح، يتضح ذلك من خلال الأمثلة:

    قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ* ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)[البقرة: ٤٠-٤١].

    في هذه الآية يدعو الحق سبحانه وتعالى بني إسرائيل للوفاء بالعهد الذي عاهدوه عليه، ومن العهود التي أخذها الله عز وجل من بني إسرائيل: الإيمان بالتوراة، وفي التوراة وجوب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والكتاب المنـزل عليه، هذا هو مقتضى العهد الذي بينهم وبين الله جل وعلا، وإيمان بالمُنَزَّل، وعدم كفر وابتعاد عن الرشوة بالتوراة، وتحقيق ذلك تحقيق للتقوى (ﮏ ﮐ)32.

    ٣. الإيمان بالرسل والأنبياء.

    جاء مصطلح العهد في مجال وجوب الإيمان بأنبياء الله ورسله، وذلك في عدة آيات في كتاب الله، فالعهد الذي أخذ على بني إسرائيل وذكر في القرآن مرات عديدة كان يتضمن وجوب الإيمان برسل الله سبحانه، وبالأخص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

    قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ³ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [البقرة: ١٠٠-١٠١].

    فالرسول صلى الله عليه وسلم هو المصدق لما معهم، والذي معهم هو التوراة، وفي التوراة وجوب الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وقد أعطوا العهد وأُخِذَ عليهم الميثاق بالإيمان بها وما فيها.

    قال الزمخشري: «واليهود موسومون بالغدر ونقض العهود، وكم أخذ الله الميثاق منهم ومن آبائهم فنقضوا، وكم عاهدوا رسول الله فلم يفوا الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرةٍ وهم لا يتقون»33.

    وحين جاء اليهودَ وأحبارهم رسولُ من عند الله، وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة، طرح فريق كبير منهم تعاليم التوراة التي تشهد بصدقه وراء ظهورهم، حتى لكأنهم يجهلون أنها من عند الله، واتبعوا ما قصته واختلقته الشياطين من السحر والأوهام والمفتريات على عهد سليمان عليه السلام ومن هذه المفتريات والأكاذيب زعمهم أن سليمان عليه السلام كان ساحرًا، وما تم له ملكه العريض، ولا ظهرت على يديه المعجزات الباهرة من تسخير الجن والريح إلا بهذا34.

    وفي الآية التالية يرد الله تعالى على من ادعى أن الله عهد إليهم ألا يؤمنوا لرسول، حتى يكون من معجزاته أن تنزل نار من السماء تأكلها النار.

    قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ` ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)[آل عمران: ١٨٣-١٨٤].

    رد الله تعالى على الذين استخدموا عهد الله ذريعة للتكذيب بالرسل فكشف الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا ديدنهم وسنة فيمن كان قبلهم، يرثها المتأخر عن المتقدم ويورثها السابق للاحق، فلقد أخذ الله الميثاق على بني إسرائيل بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا يتم الإيمان به إلا أن يصاحب ذلك دعوة الناس إلى الإيمان به وبيان أنه على الحق، مستدلين على ذلك بما معهم من التوراة والإنجيل، مما لم يكن عند غيرهم من الأمم الوثنية التي كانت تنظر إلى اليهود والنصارى نظرة تقدير واحترام لدينهم الذي يتميزون به عن غيرهم35.

    ثانيًا: العبادات:

    لقد أمر الله تعالى عباده في كثير من الآيات القرآنية بالعبادة والالتزام بها، منها ما هو مجمل كقوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النساء: ٣٦].

    وقال تعالى: ( ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الذاريات: ٥٦].

    ومنها مفصلًا كقوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [البقرة: ٤٣].

    ولقد جاءت الآيات القرآنية الخاصة بالعهود في جانب العبادات لتؤكد على العلاقة القوية بين العهود والعبادات التي شرعها الله تعالى، ومن أوسع المجالات التي استعمل فيها لفظ العهد، مجال الأمر بالعبادة في فروعها المتنوعة.

    بعد أن يأمر الحق عز وجل عباده بالإيمان بما أنـزل وينهاهم عن كتمان الحق، وكل ذلك من العهد الذي أخذه عليهم.

    قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة: ٤٠].

    يأمرهم بالعبادة بقوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [البقرة: ٤٣].

    وذلك من الوفاء بالعهد الذي طالبهم به، وخوفهم عاقبة التفريط فيه.

    وفي موضع آخر: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ) [التوبة: ١١١-١١٢].

    يأتي وصف المؤمنين الذين يفون ببيعهم -وهو عهد مع الله- يشتمل على عدة أنواع من العبادة تؤهل صاحبها لنيل رضاء الله والحصول على الجنة، وفاءً بعهد الله ووعده36.

    وفي موضع آخر والآيات تعدد صفات المؤمنين نلاحظ أنه جاء بعد آية العهد مباشرة أن من صفاتهم المحافظة على الصلاة.

    قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ S ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [المؤمنون: ٨-٩].

    وكأن هذه إشارة إلى أن الصلاة من العهد فهم يراعونها بالمحافظة عليها، ومثل ذلك جاءت آية العهد في سورة المعارج حيث تلتها - بعد آية - آية المحافظة على الصلاة.

    قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ¾ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰÃ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [المعارج: ٣٢-٣٤].

    ثالثًا: الأخلاق:

    جاء العهد في القرآن الكريم في مجال الالتزام بالأخلاق النبيلة والسلوك الحسن، فكل الآيات التي جاءت مبينة نقض العهد من قِبَلِ مَنْ أُخِذَ منهم، تدل على اتصاف أولئك بأسوأ الأخلاق وأقبحها.

    قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ) [البقرة: ١٠٠].

    وقال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ)[آل عمران: ٧٧].

    وقال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃT ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الأنفال: ٥٥-٥٦].

    وفي المقابل يصف القرآن الذين يوفون بالعهد بأحسن الصفات ومكارم الأخلاق.

    قال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ١٧٧].

    وقال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [آل عمران: ٧٦].

    وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ * ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأحزاب: ٢٣-٢٤].

    رابعًا: العلاقات مع غير المسلمين:

    جاء الإسلام ليقوي العلاقة بين الأفراد والجماعات والأمم والدول بعضها مع بعض، ويحدد إطارها وسياستها، وبهذا توثقت بالعهود والمواثيق، لتكون عاملًا من عوامل النصر وانتشار الإسلام في كل الدول المعروفة وشرع الإسلام للحاكم المسلم أن يعقد العهود والمواثيق والاتفاقيات في السلم والحرب مع الدول الأخرى بما يحقق مصالح الدولة الإسلامية، ويضمن لها استقرارها ونفوذها وسلامتها وقد أوجب الله تعالى الوفاء بتلك العهود والمواثيق وإتمامها وعدم نقضها، واعتبر نقضها خيانةً وغدرًا وخداعًا37.

    قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃT ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐa ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأحزاب: ٥٥-٥٧].

    توضح هذه الآيات أنه إذا حصل عهد بين دولة الإسلام وأي دولة أخرى وقامت الدول الأخرى بنقض هذا العهد، فهم عندئذ أضل من الدواب وجزاؤهم شديد وعقابهم أليم، ليكونوا عبرة لغيرهم ونكالًا للآخرين.

    وفي المقابل إن بلغ الدولةَ المسلمةَ أن قومًا ممن عاهدوا يريدون الخيانة ويخططون لها، فلا يجوز للمسلمين أن ينقضوا العهد فجأة وبدون سابق إنذار، ما لم يكن هناك من البراهين الظاهرة على مباشرتهم لنقض عهودهم، وإنما لا بد من نبذ العهد وإعلامهم بفسحة قبل حربهم ومناجزتهم احترامًا للعهود.

    قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الأنفال: ٥٨].

    قال ابن عاشور في هذه الآية: «وإنما رتب نبذ العهد على خوف الخيانة دون وقوعها؛ لأن شؤون المعاملات السياسية والحربية تجري على حسب الظنون ومخائل الأحوال، ولا ينتظر تحقق وقوع الأمر المظنون لأنه إذا تريث ولاة الأمور في ذلك يكونون قد عَرَّضوا الأمة للخطر، أو للتورط في غفلة وضياع مصلحة، ولا تدار سياسة الأمة بما يدار به القضاء في الحقوق؛ لأن الحقوق إذا فاتت كانت بليتها على واحد، وأمكن تدارك فائتها، ومصالح الأمة إذا فاتت تمكن منها عدوها، فلذلك علق نبذ العهد بتوقع خيانة المعاهدين من الأعداء38.

    ومما يدلل على أن الدولة المسلمة تحترم العهد قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأنفال: ٧٢].

    والمعنى: وإن طلب منكم هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا النصرة على أعدائكم في الدين، فيجب عليكم أن تنصروهم، لأنهم إخوانكم في العقيدة، بشرط ألا يكون بينكم وبين هؤلاء الأعداء عهد ومهادنة، فإنكم في هذه الحالة يحظر عليكم نصرة هؤلاء المؤمنين الذين لم يهاجروا؛ لأن في نصرتهم- على من بينكم وبينهم عهد- نقضا لهذا العهد، فالوفاء بالعهد أولى وأداء حق الميثاق أحرى وأجدى39.

    خامسًا: المعاملات:

    لقد جاء العهد في القرآن الكريم في إطار تنظيم التعامل بين الناس لتحل الثقة والأمانة مكان والخوف والخيانة، ولكي يتضح هذا الكلام نورد بعض الأمثلة:

    قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)[آل عمران: ٧٦].

    فقد جاءت هذه الآية بعد أن ذكر لنا سبحانه واقع أهل الكتاب من حيث التعامل معهم.

    قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [آل عمران: ٧٥].

    وهذا دليل قوي على أن التعامل والتقايض نوع من العهود يجب الوفاء به، وأي خلل في ذلك فهو خيانة ونقض للعهود، وهذا ما أكد عليه قوله تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ)[المائدة: ١].

    ومن المعاملات التي عمل القرآن الكريم على تنظيمها بين الناس، ولها ارتباط وثيق بالعهد ما يلي:

    ١. الزواج والطلاق.

    الزواج والطلاق نمط من أنماط التعامل البشري يحتاج إلى ضمانة قوية تضفي على طرفي العقد الود والوئام بعيدًا عن أي محاولة للمكر والخداع، ونلمس قوة هذا العقد وأهميته في ميزان الإسلام من خلال هذه الآيات، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ *ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء: ٢٠ - ٢١].

    ففي هاتين الآيتين يتضح اهتمام القرآن في تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة عند الزواج وعند الطلاق.

    ٢. الكيل والميزان.

    يجمع الله عز وجل بين الإيفاء بالكيل والميزان وبين الوفاء بالعهد مما يؤكد على العلاقة القوية بين العهود والوفاء بالكيل والميزان.

    قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الأنعام: ١٥٢]

    ٣. الأمر بالعدل والنهي عن البغي.

    بعدما ذكر الحق تبارك وتعالى العدل أعقبه بالأمر بالوفاء بالعهد، والتعامل بين الناس إن لم يصاحبه العدل كان بغيًا وعدوانًا.

    قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ\ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)[النحل: ٩٠-٩١].

    ٤. الأمانة.

    تعتبر الأمانة من أهم أشكال التعامل وأخطرها، ومن هنا نجد العناية بها، فنلاحظ الجمع بينها وبين رعاية العهد في موضعين من القرآن، مع أن الآيات السابقة لهذه الآية في الموضعين واللاحقة كذلك، كل آية منها استقلت في موضوع واحد، بينما جُمِعَا في آية واحدة، وهذا لم يأت عبثًا، وحاشا لله عن ذلك، وإنما للرابط القوي بين معناهما فالأمانة عهد والعهد أمانة.

    قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ) [المؤمنون: ٨]40.

    سادسًا: الجهاد في سبيل الله:

    وَرَدَ العهد في مجال الحث على الجهاد في سبيل الله، وبيانًا لعظم شأنه وعلو مقامه، وأن التخلف يوم الزحف نقض لعهد الله وانتهاك لحرماته.

    فقد جاء قوله: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [التوبة: ١١١].

    بعد قوله: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [التوبة: ١١١].

    والتعبير هنا بالاشتراء كناية لجامع ما بينهما من الإيجاب والقبول، يؤكده التصريح بالعهد من الله جل وعلا41.

    وفي موضع آخر ينعى الله على المنافقين سوء فعلتهم يوم الأحزاب وفرارهم عن الجهاد في سبيل الله، مع أنهم قد أعطوا عهودهم ومواثيقهم ألا يفروا.

    قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الأحزاب: ١٥].

    ولكنهم خانوا وغدروا وبئس ما فعلوه.

    وفي المقابل يمدح الله تعالى المؤمنين لصدقهم ولوفائهم بعهودهم وثباتهم في ساحة الجهاد، وكانت أرواحهم ثمنًا للوفاء بعهودهم.

    قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأحزاب: ٢٣].

    فهاتان صورتان متقابلتان: صورة المؤمنين بوفائهم وصدقهم مع الله، وصورة المنافقين بغدرهم وخيانتهم وسوء فعلتهم

    وهكذا يبدو شأن الجهاد في سبيل الله عظيمًا، كيف لا وقد أخذ العهد على المؤمنين بأدائه والقيام به إلى يوم القيامة! وإن تخلوا عن ذلك ضرب الله عليهم الذلة في الدنيا وعاقبهم في الآخرة.

    الوفاء بالعهد

    الوفاء فضيلة من فضائل الإسلام العظيمة، والتي حث عليها الإسلام وجعلها دليلًا على الصدق والشجاعة والصبر، ولا يتصف بها إلا عظيم، ولقد جعل الله لكل عهد جزاءً ولكل فعل أثرًا، والخوف والرجاء من صفات النفس البشرية، فهناك نفس تنقاد مع الوعد وأخرى تخشى الوعيد، والمؤمن يعيش دائمًا بين الرجاء والخوف.

    أولًا: حكم الوفاء بالعهد.

    نقض العهد كبيرة من كبائر الذنوب: وقد أمر الله المؤمنين بالوفاء بالعهود، وحرم عليهم نقضها فقال: (ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الإسراء: ٣٤].

    وقال: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [المائدة: ١].

    وتوجد الكثير من الأدلة في الكتاب والسنة التي تأمر بوجوب الوفاء بالعهد وتحرم نقضه، قال ابن عطية: «وكل عهد جائز بين المسلمين فنقضه لا يحل»42.

    وقد عد بعض العلماء نقض العهود من الكبائر، ومنهم الذهبي، فقد عدها كبيرة من الكبائر حيث قال: «الكبيرة الخامسة والأربعون: الغدر وعدم الوفاء بالعهد»43.

    وفيما يلي بعض الأدلة من الكتاب والسنة التي توضح حكم الوفاء بالعهد.

    قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة: ٤٠].

    وقال تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [المائدة: ١].

    وقال تعالى: (ﭰ ﭱ) [الأنعام: ١٥٢].

    وقال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [التوبة: ٤].

    وقال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النحل: ٩١].

    وقال تعالى: ( ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الرعد: ٢٠].

    وقال تعالى: (ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الإسراء: ٣٤].

    وقال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الأحزاب: ١٥].

    من خلال الآيات السابقة يتضح حكم العهود، فالآيات صريحة الدلالة على وجوب الوفاء وحرمة الغدر والخيانة، وجميع الآيات التي ورد فيها لفظ العهد تدل على ذلك المنطوق أو بالمفهوم.

    وردت أحاديث كثيرة في وجوب الوفاء بالعهد وإثم من نقض ميثاقه أو غدر بما عاهد عليه، نذكر بعضًا منها:

    روى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها)44.

    وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أخفر45 مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل)46.

    وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى يمضي أمده، أو ينبذ إليهم على سواء) 47.

    وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الغادر ينصب الله له لواء يوم القيامة، فيقال: ألا هذه غدرة فلان)48.

    ووجوب الوفاء بالعهد أمر واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان، ونقضها محرم بصريح الكتاب والسنة.

    [انظر الميثاق: حكم الوفاء بالميثاق]

    ثانيًا: آثار الوفاء بالعهد:

    باستقراء الآيات التي تحدثت عن العهد، نلاحظ الآثار التي رتبها الله عز وجل على الالتزام بالعهد، فمن هذه الآثار:

    ١. التقوى.

    من الثمرات التي تعود على الفرد من خُلُقِ الوفاء ومن الالتزام به التقوى، حيث إن الوفاء يورث في القلب التقوى.

    وقد نبه القرآن الكريم إلى هذه الثمرة العظيمة، حيث ذكر الله عز وجل عدة صفات كريمة شريفة يختمها بذكر عاقبة المتصفين بتلك الصفات، ونجد أن الوفاء بالعهد بعد الوعد من صفات المتقين الصادقين.

    قال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ١٧٧].

    وقال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة: ٦٣].

    ٢. الإيمان.

    الوفاء بالعهد هو الذي يحقق الإيمان، والموفون بعهدهم هم المؤمنون، ففي في سورة «المؤمنون» عندما سردت السورة صفات المؤمنين جاء قول الله عنهم: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [المؤمنون: ٨].

    فرعاية العهد والأمانة من صفات المؤمنين الصادقين، والتخلي عن تلك الصفة إخلال بهذا الوصف وقدح بالموصوف، ورعاية العهد هنا تشمل العهد العام والخاص، فكل ما صدق عليه لفظ العهد فرعايته من الإيمان.

    وفي موضع آخر يأتي الخطاب بأسلوب الاستفهام الذي يوقظ الحس ويثير المشاعر، قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الحديد: ٨].

    في هذه الآية يتردد لفظ الإيمان ثلاث مرات بصيغ مختلفة في آيه واحدة « لا تؤمنون لتؤمنوا مؤمنين، وهذا يؤكد أن المؤمنين من أهم صفاتهم الوفاء بالعهود والمواثيق.

    ٣. محبة الله.

    أعلن الله تعالى في كتابه العزيز محبته للمتقين الموفين لعهودهم.

    قال تعالى: ( ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [آل عمران: ٧٦].

    (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [التوبة: ٤].

    قال أبو السعود: «الآيات السابقة تشعر بأن التقوى ملاك الأمر، عام للوفاء بالعهود والمواثيق وغيره، وجالبة لمحبة الله تعالى»49.

    قال الزمخشري: « من وفى بعهده مع الله واتقى ربه ينال محبة الله تعالى»50.

    وبهذا تكون محبة الله ثمرة من ثمار الوفاء بالعهد وأثرًا من آثار الالتزام به، ونعم الثمرة لتلك الشجرة، وطوبى لعبد ظفر بمحبة الله ورضوانه، لقد جمعت له السعادة من طرفيها، وفاز فوزًا لا يشقى بعده أبدًا.

    ٤. تكفير السيئات و سبب لدخول الجنة.

    الوفاء بالعهود يكفر الله به السيئات والذنوب، ويوجب دخول الجنة ونعيمها الدائم، وهذا ما يؤكده قول الحق تبارك وتعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [البقرة: ٤٠].

    قال الطبري: «وعهده إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة»51.

    وفي سورة المائدة ذكر الله سبحانه أنه أخذ الميثاق والعهد من بني إسرائيل، ثم بين الجزاء على الوفاء به.

    قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ.ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [المائدة: ١٢].

    وفي موضع آخر لما ذكر الله صفات أولي الألباب، بين عاقبتهم: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ\ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜm ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الرعد: ٢٢-٢٤].

    ويبين الله تعالى في مواضع أخرى بأن هذا النعيم الذي يلاقيه الأوفياء نعيم دائم مخلدون فيه فبعد أن ذكر الله صفات المؤمنين في سورة «المؤمنون» ومنها أنهم: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) ذكر مآلهم فقال: (ﮊ ﮋﮌ [ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [المؤمنون: ١٠-١١].

    [انظر: الميثاق: آثار الوفاء بالميثاق]

    ثالثًا: آثار نقض العهد:

    إذا كان للوفاء بالعهد آثارٌ إيجابية تودي بصاحبها للفوز، فإن نقض العهد يترك آثارًا سلبية تودي بصاحبها إلى الخسران، وإذا كانت الآثار الإيجابية حافزة وداعية المسلم للالتزام والوفاء، فإن الآثار السلبية أشد إنذارًا وتحذيرًا وتخويفًا، وهذه الآثار منها ما يكون في الدنيا، وأعظمها ما سيكون في الآخرة، من هذة الآثار:

    ١. الكفر والفسوق.

    قرن الله عز وجل بين الكفر ونقض العهد في كثير من الآيات القرآنية، ولا شك بأن الذي ينقض عهده مع الله فقد كفر، لا سيما وأن الله قد أخذ الميثاق على جميع البشر وهم في عالم الذر، ومن هنا جاء نفي الإيمان عن الناقضين لعهودهم، زجرًا وتهديدًا لهم.

    ففي الآية التالية ينفي الله تعالى الإيمان عن الناقضين لعهودهم: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة: ١٠٠].

    قال الطبري في تفسير هذه الآية: «ولذلك وجهان من التأويل: أحدهما: أن يكون الكلام دلالة على الزيادة والتكثير في عدد المكذبين الناقضين عهد الله، على عدد الفريق، فيكون الكلام حينئذ معناه: أوكلما عاهدت اليهود من بني إسرائيل رَبَّها عهدًا نقض فريق منهم ذلك العهد؟ لا ما ينقض ذلك فريق منهم، ولكن الذي ينقض ذلك فيكفر بالله أكثرهم، لا القليل منهم، فهذا أحد وجهيه52.

    وبنفس المعنى في الآية السابقة في سورة النساء، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [النساء: ١٥٥].

    هذا الإيمان القليل هو تصديقهم ببعض الأنبياء والكتب وهو إيمان قليل؛ لأنه تصديق غير متمكن، ولأنه لو كان تصديقًا حقيقيًّا لدعاهم إلى الإيمان بالجميع؛ لأن الأنبياء يصدق بعضهم بعضًا، والكتب تدعو إلى ذلك، ولذلك فهو إيمان كلا إيمان53.

    ويأتي الفسوق بمعنى الكفر كما في قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران: ١١٠].

    والآيات التي جاءت مبينة فسق من نقض العهد وردت بمعنى الكفر، وذلك تأكيد لما سبق من بيان كفر من تخلى عن العهد، ففي أول آية جاء فيها لفظ العهد والميثاق، حكم الله على الناقضين بالفسق فقال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤu ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ) [البقرة: ٢٦-٢٧].

    وعندما ذكر الله ما أخذه على النبيين من عهد وميثاق، حيث طلب من الأمم الإقرار والتصديق، فلما تولوا نعتهم بالفسق.

    قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ)[آل عمران: ٨٢].

    وبهذا تؤكد لنا هذه الآيات شناعة فعل الناقضين لعهودهم، وسوء جريرتهم، لخروجهم عن أمر الله وميثاقه.

    ٢. الخسران.

    من الآثار المترتبة على نقض العهد الخسران في الدنيا والآخرة، ويتضح ذلك من خلال قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة: ٢٧].

    وفي موضع آخر من نفس السورة يؤكد الله لنا أن عاقبة ناقضي العهود والمواثيق الخسران.

    قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸIﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ) [البقرة: ٦٣-٦٤].

    فإذا كانت خسارة الدنيا يفر منها الإنسان، وتترك آثارها على حياته ومستقبله، فكيف بخسران الدنيا والآخرة؟

    قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الزمر: ١٥].

    قال ابن حجر: «كان عاقبة نقض قريش العهد مع خزاعة حلفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أن غزاهم المسلمون، حتى فتحوا مكة، واضطروا إلى طلب الأمان، وصاروا بعد العزة والقوة في غاية الوهن، إلى أن دخلوا في الإسلام، وأكثرهم لذلك كاره»54

    ٣. القتل والتشريد.

    من الآثار المترتبة على نقض العهد في الدنيا القتل والتشريد، ولقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم إن لقي هؤلاء الخائنين ناقضي العهود وتمكن منهم، أن يعاقبهم عقوبة قاسية تتعدى آثارها هؤلاء المجرمين إلى ما يقف خلفهم وبتربص بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الدوائر، يكون من آثارها تشريد أولئك المتربصين وتفريق كلمتهم وتشتيت شملهم.

    قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأنفال: ٥٦-٥٧].

    وهذا ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما ظفر ببني قريظة، تنفيذًا لأمر الله من فوق سبع سماوات 55.

    ٤. اللعن وقسوة القلوب.

    من الآثار الناتجة عن نقض العهود اللعن وقسوة القلب؛ فعندما نقض بنو إسرائيل عهودهم كانت العاقبة شديدة والأثر أليم، فقد لعنهم الله وجعل قلوبهم قاسية، وتبعًا لذلك ضلوا وانحرفوا عن سواء السبيل.

    قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [المائدة: ١٣].

    وفي موضع آخر يبين الله أن اللعن جزاء لناقضي العهود قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ) [الرعد: ٢٥].

    أي: أولئك الموصوفون بتلك الصفات الذميمة والتي منها نقض العهود والمواثيق، لهم من الله تعالى اللعنة والطرد من رحمته، ولهم فوق ذلك، الدار السيئة وهي جهنم56.

    هذه الآيات بيان من الله للمصير الذي ينتظر الناكثين لعهودهم الناقضين لمواثيقهم، وهو إنذار وتحذير للمؤمنين بل وللناس أجمعين.

    ٥. الموقف المخزي يوم القيامة.

    قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [آل عمران: ٧٧].

    تجسد هذه الآية ما يلحق بالذين يشرون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا بخسًا زهيدًا كيف يكون حالهم يوم القيامة، فلا يكون لهم خلاق ولا حجة ولا نصيب ولا قوام57، وأشد من ذلك أن الله لا يكلمهم كلامًا يسرهم، ولا ينظر إليهم نظر رحمة وعطف، بل ولا يزكيهم ويطهرهم من ذنوبهم وسيئاتهم في موقف ينتظر كل إنسان رحمة الله وعفوه ومغفرته، ونهايتهم في العذاب الأليم58.

    ٦. الجناية على النفس.

    نقض العهود تعود جنايتها على النفس.

    قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الفتح: ١٠].

    فالناقض لعهده يجني على نفسه ويوبقها، وهذه الآثار هو سببها، وهو حطبها ووقودها.

    [انظر: الميثاق: نقض الميثاق سبب للإفساد في الأرض والعقاب في الآخرة]


1 مقاييس اللغة ، ابن فارس ٤/١٦٧.

2 انظر: الصحاح، الجوهري ٢/٥١٥، مختار الصحاح، الرازي ص ٢٢٠، المصباح المنير، الفيومي ٢/٤٣٥.

3 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/١٤٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٢٤٦، المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٤٦٣.

4 التعريفات، الجرجاني ص ١٥٩.

5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٤٩٢.

6 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص٣٤١-٣٤٢.

7 مقاييس اللغة ٦/٨٥.

8 بصائر ذوي التمييز ٥/١٥٨.

9 الفروق اللغوية، العسكري ص ٥٧.

10 مقاييس اللغة ٦/١٢٥.

11 انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد ٥، ٢/٩٢٥.

12 الفروق اللغوية، العسكري ص ٥٧.

13 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٨٦، لسان العرب، ابن منظور ٣/٣٦٣.

14 التعريفات، الجرجاني ص ١٥٥.

15 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٣/٢٦٨.

16 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٢/١٤٩.

17 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١١/٥٣.

18 فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٩٩.

19 جامع البيان ٢٣/١٧٢.

20 الجامع لأحكام القرآن ١٧/٢٣٨.

21 النكت والعيون، ١/٨٩.

22 انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي ٢/٣٦١.

23 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستقراض، باب من أخذ أموال الناس يريد إتلافها، رقم ٢٣٨٧، ٣/١١٥.

24 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في المهر، رقم ٢٧٢١، ٣/١٩٠.

25 فتح الباري، ابن حجر، ٩/٢١٨.

26 انظر: الأخلاق الإسلامية، مرسي ص ٢١٨.

27 أخرجه الترمذي في سننه،: كتاب أبواب السير، باب ما جاء في الحلف، رقم ١٥٨٥، ٤/١٤٦.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٠٠، رقم ٢٥٥٣.

28 انظر: الوفاء بالعهود والمواثيق في الشريعة الاسلامية، الحجيلي ص ٣٣٧.

29 انظر: شرح النووي على مسلم ١٢/٤٥.

30 الشناعة: الفظاعة، شنع، ككرم، فهو شنيع وشنع وأشنع، والتشنيع: تكثير الشناعة، والتشمير، والانكماش، والجد في السير،كالتشنع.

انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ٧٣٥.

31 من حيث ترتيب المصحف وليس حسب النزول.

32 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/٩٤.

33 الكشاف ١/٢٢٧.

34 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١/٢٣٨.

35 انظر: المصدر السابق ٤/١٨٧.

36 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٨٩.

37 انظر: العهد والميثاق في القرآن، ناصر العمر ص ١٨٦.

38 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٥٢.

39 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٦/١٦٨.

40 انظر: العهد والميثاق في القرآن، ناصر العمر ص ١٠٨.

41 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٩/٢١.

42 المحرر الوجيز، ١/١١٣.

43 الكبائر، ١/١٦٨.

44 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم ٣٤، ١/١٦.

45 أخفر: بمعنى نقض عهده. انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٢٠٣.

46 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجزية، باب إثم من عاهد ثم غدر، رقم ٣١٧٩، ٤/١٠٢.

47 أخرجه الترمذي في سننه،: أبواب السير، باب ما جاء في الغدر، رقم ١٥٨٠، ٤/١٤٣.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

48 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب تحريم الغدر، رقم ١٠، ٣/١٣٦٠.

49 إرشاد العقل السليم ٢/٥١.

50 الكشاف ١/٣٧٥.

51 جامع البيان ١/٥٥٧.

52 جامع البيان ٢/٤٠٢.

53 انظر: المصدر السابق ٩/٣٦٣

54 فتح الباري، ٦/٢٨٥.

55 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/٢١.

56 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٧/٤٧٤.

57 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٧٢٥.

58 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٥٩.