عناصر الموضوع
العلن
أولًا: المعنى اللغوي:
تدل مادة (علن) على إظهار الشيء والإشارة إليه وظهوره.
والعلان والمعالنة والإعلان بمعنى المجاهرة.
ويقال: علن الأمر يعلن علونًا ويعلن وعلن يعلن علنًا وعلانية فيهما، إذا شاع وظهر.
والإعلان: إظهار الشيء1.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يخرج المعنى الاصطلاحي للعلن عن المعنى اللغوي، فقد عرفها المناوي بقوله: «العلانية: ضد السر، وأكثر ما يقال في المعاني دون الأعيان»2.
وفي بعض المعاجم الحديثة: الإعلان هو: «إظهار الشيء بالنشر عنه في الصحف ونحوها، والعلانية خلاف السر، ويوصف به فيقال: رجل علانية ظاهر أمره، وجمعها علانون»3.
وردت مادة (علن) في القرآن الكريم (١٦) مرة4.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٢ |
(ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [نوح:٩] |
الفعل المضارع |
١٠ |
(ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [إبراهيم:٣٨] |
المصدر |
٤ |
(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة:٢٧٤] |
وجاء العلن في القرآن بمعناه اللغوي، وهو: الإظهار والمجاهرة ضد الإخفاء والإسرار5.
الجهر:
الجهر لغة:
جهرت الشيء إذا كشفته، وجهرته واجتهرته أي رأيته بلا حجاب بيني وبينه، والجهر العلانية وفي الحديث (وكان عمر رجلًا مجهرًا)6 أي صاحب جهرٍ ورفع لصوته، والجهر هو ما ظهر.
والجهر أيضًا: رفع الصوت يقال جهر بالقراءة إذا رفع صوته بها7.
الجهر اصطلاحًا:
هو «رفع الصوت بحيث يسمع نفسه ومن جاوره»8.
الصلة بين الجهر والعلن:
أن العلانية أعم من الجهر، ولا يقتضي الإعلان رفع الصوت به، والجهر يقتضي رفع الصوت به9.
الإخفاء:
الإخفاء لغة:
الستر والكتمان، يقال: خفيت الشيء أخفيه: كتمته، وأخفيت الشيء: سترته وكتمته، ويقابله الإبداء والإعلان، والإخفاء: تغييب الشيء، وأن لا يجعل عليه علامة يهتدى إليه من جهتها، وهو من الأضداد10.
والإخفاء اصطلاحًا هو:
الستر ويقابله الإبداء والإعلان، والإخفاء تغييب الشيء، وأن لا يجعل عليه علامة يهتدى إليه من جهتها11.
الصلة بين الإخفاء والعلن:
أن الإخفاء ضد العلانية.
السر:
السر لغة هو:
ما يكتم في النفس من الحديث، وهو خلاف الإعلان، والجمع الأسرار، يقال: سررته: كتمته، كما يطلق على: ما يظهر؛ لأنه من الأضداد، يقال: سررته: أعلنته، والوجهان جميعا في تفسير قوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يونس: ٥٤].
الأول: كتموها، والثاني: أظهروها بدليل قوله تعالى: (ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ) [الأنعام: ٢٧]؛ ولأن دار الآخرة ليست دار تجلد وتصبر�.
السر اصطلاحًا هو:
اسم لما يكتم ويخفى في القلوب من العقائد والنيات والأقوال والأعمال وغيرها12.
الصلة بين السر والعلن:
أن السر ضد العلانية.
بالنظر إلى آيات الكتاب العزيز التي تناولت العلن والسر، نجد أن أكثرها قدم فيها السر على العلن، والإخفاء على الإبداء، وهذا التقديم لحكمٍ سامية، ومعانٍ عالية استنبط منها المفسرون ما أفاء الله به عليهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة: ٧٧].
وقال تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [آل عمران: ٢٩].
وهنا نجد أن المولى سبحانه وتعالى قدم فيه الإخفاء على الإبداء على عكس ما وقع في قوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله إذ لم يتعلق بإشعار أن المحاسبة بما يخفونه أولى منها بما يبدونه غرض بل الأمر بالعكس وأما ههنا فقد تعلق بإشعار كون تعلق علمه تعالى بما يسرونه أولى منه بما يعلنونه غرض مهم مع كونهما على السوية كيف لا وعلمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول الصورة بل وجود كل شيء في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى وفي هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأشياء البارزة والكامنة13.
وقال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [هود: ٥].
وقد روي في سبب نزول الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو المنطق حسن السياق للحديث يظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة ويضمر في قلبه ما يضادها.
وقال ابن شداد: إنها نزلت في بعض المنافقين كان إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كيلا يراه النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه إنما كان يصنع ما يصنع لأنه لو رآه النبي صلى الله عليه وسلم لم يمكنه التخلف عن حضور مجلسه والمصاحبة معه وربما يؤدى ذلك إلى ظهور ما في قلبه من الكفر والنفاق.
وقيل: «كان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخى ستره ويحني ظهره »، فهنا تفيد الآية أنه يستوي بالنسبة إلى علمه المحيط سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه وإنما قدم السر على العلن نعيا عليهم من أول الأمر ما صنعوا وإيذانًا بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه وتحقيقًا للمساواة بين العلمين على أبلغ وجه فكأن علمه بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه 14.
وقال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [النحل: ٢٣].
وقال جل شأنه: (ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [يس: ٧٦].
ففي هذه الآية نجد أن تقديم السر على العلن إما للمبالغة في بيان شمول علمه تعالى لجميع المعلومات، كأن علمه تعالى بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه مع استوائهما في الحقيقة، فإن علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شيء في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى، وفي هذا المعنى لا يختلف الحال بين الاشياء البارزة والكامنة، وإما لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن، إذ ما من شئ يعلن إلا وهو أو مباديه مضمر في القلب قبل ذلك فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية حقيقة15.
وقال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل: ١٩].
وقال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[الممتحنة: ١ ].
وقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [التغابن: ٤].
وحكمة تقديم السر على العلن أنها بمثابة النعي عليهم من أول الأمر ما صنعوا وإيذانا بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه وتحقيقا للمساواة بين العلمين على أبلغ وجه فكأن علمه سبحانه بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه وحاصل المعنى يستوي بالنسبة إلى علمه المحيط سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه سبحانه ما عسى أن يظهروه16.
أما الآيات التي قدم فيها الإبداء على الإخفاء، أو العلن على السر، فهي آيات قليلة.
ومن ذلك قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [البقرة: ٣٣].
وهنا حيث كان واردا بصدد الخطاب مع الملائكة عليهم السلام المنزه مقامهم عن اقتضاء التأكيد والمبالغة في الإخبار بإحاطة علمه تعالى بالظاهر والباطن لم يسلك فيه ذلك المسلك -وهو تقديم الخفاء على العلن- مع أنه وقع الغنية عنه بما قبله من قوله عز و جل إني أعلم غيب السموات والأرض ويجوز أن يكون ذلك باعتبار أن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شيء يعلن إلا وهو أو مباديه قبل ذلك مضمر في القلب فتعلق علمه سبحانه بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية17.
وقال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [المائدة: ٩٩].
وقال جل شأنه: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النور: ٢٩].
ثانيًا: حكمة المقابلة بين العلن والسر والإخفاء والإكنان:
المتتبع لآيات القرآن الكريم التي تحدثت عن العلن والسر، أو الإخفاء والإكنان يجد فيها مقابلة بليغة بين هذه الألفاظ، وما ذلك إلا صورة بليغة من صور بلاغة الكتاب العزيز.
ومن هذه الصور ما يلي:
١. المقابلة بين التعريض والإكنان في خطبة النساء.
أباح الله سبحانه وتعالى للرجال التعريض بالخطبة للمعتدة من وفاة خلال فترة العدة، وكذا الإكنان بمعنى إخفاء الرغبة في الزواج في نفس الرجل فقال جل شأنه (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ) [البقرة: ٢٣٥].
وللبيضاوي كلام طيب في معنى الآية وما فيها من بلاغة أوجزه على هذا النحو:
قال ما ملخصه: «إن التعريض والتلويح إيهام المقصود بما لم يوضع له حقيقة ولا مجازا، والكناية هي الدلالة على الشيء بذكر لوازمه وروادفه، والمراد بالنساء المعتدات للوفاة، وتعريض خطبتها أن يقول لها: إنك جميلة أو نافقة ومن غرضي أن أتزوج ونحو ذلك.
(ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) أو أضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه تصريحا ولا تعريضًا.
(ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) ولا تصبرون على السكوت عنهن وعن الرغبة فيهن، وفيه نوع توبيخ.
(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) استدراك على محذوف دل عليه ستذكرونهن أي فاذكروهن ولكن لا تواعدهن نكاحا أو جماعا عبر بالسر عن الوطء؛ لأنه مما يسر ثم عن العقد لأنه سبب فيه وقيل معناه: لا تواعدوهن في السر على أن المعنى بالمواعدة في السر المواعدة بما يستهجن.
(ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا والمستثنى منه محذوف أي: لا تواعدوهن مواعدة إلا مواعدة معروفة أو إلا مواعدة بقول معروف»18.
٢. العلاقة بين السر وما أخفى منه.
قال الله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [طه: ٧].
قال العكبري: قوله تعالى «وأخفى» يجوز أن يكون فعلا ومفعوله محذوف: أي وأخفى السر عن الخلق، ويجوز أن يكون اسما: أي وأخفى منه19.
وأشار الزجاج إلى أن من صور حذف المفعول في القرآن الكريم قول الله تعالى (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [طه: ٧].
والمعنى: «فإنه يعلم السر وأخفى، أي أخفى سره، كقوله (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الجن: ٢٦ ].
وقيل: «بل تقديره: بل أخفى من السر، فحذف الجار والمجرور، كقوله الله أكبر، أي أكبر من كل شيء20.
قال الرازي: «ذهب أبو حيان إلى أنه رضي الله تعالى عنه اعتبر في الآية حذف أحد المتقابلين اكتفاءا بالآخرة وكلامه رضي الله تعالى عنه محتمل لذلك ويحتمل أنه ذكر العلانية في بيان المعنى لأن من علم السر علم العلانية من باب أولى، ويحتمل أن ذلك لأنه ما من علانية إلا وهي غيب بالنسبة إلى بعض الأشخاص؛ فيكون قد أشار رضي الله تعالى عنه ببيان المعنى وذكر السر والعلانية فيه إلى أن المراد بغائبة في الآية ما يشملها وهو ما اتصف بالغيبة أعم من أن تكون مطلقة أو إضافية»21.
٣. المقابلة بين السر والجهر.
قال الله تعالى (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأنعام: ٣ ].
تفيد وحدانية الله تعالى.
قال الزمخشري فيها: «فإن قلت: كيف موقع قوله (ﭹ ﭺ ﭻ).
قلت: إن أراد المتوحد بالإلهية كان تقريرًا له، لأن الذي استوى في علمه السر والعلانية، هو الله وحده»22.
يمكن تقسيم العلن إلى أنواع متعددة باعتبارات مختلفة بيانها بإيجاز على النحو التالي:
أولًا: العلن المحمود والعلن المذموم:
يمكن تقسم العلن إلى نوعين: علن محمود، وعلن مذموم.
فالعلن المحمود هو الذي حث القرآن الكريم عليه، وامتدحته السنة النبوية المطهرة، وهو كل علن يحقق منفعة للأمة المسلمة، أو يدفع عنها ضررًا، أو يهدي ضالا أو يرشد حيرانًا.
وهذا النوع يشمل: الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، ودعوة غير المسلمين إلى الدخول في دين الإسلام، والجهر بالعبادات البدنية كالصلاة وقراءة القرآن والذكر، والتكبير في الأعياد ونحوها، والعبادات البدنية والمالية كالحج، والعبادات المالية كالزكاة والصدقة إذا خلتا من الرياء وقصد بها حث الناس على تنفيذ فرائض الله تعالى.
ويشمل هذا النوع من العلن أيضًا إعلان التظلم لنيل المظلوم حقه من الظالم، وتحذير الناس منه قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النساء: ١٤٨].
وإعلان أعمال الخير المختلفة ليتأسى الناس فيها بفاعل الخير وباذل المعروف.
والعلن المذموم هو الذي يضر بعقيدة المسلم وعبادته، كموالاة الكفار ومجاراتهم في غيهم وضلالهم، وكذا العلن الذي ينشر الفاحشة والرذيلة في المجتمع، كالجهر بالمعاصي القولية والفعلية.
والتي حذر القرآن الكريم منها في قول الله تعالى (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [النور: ١٩].
ويشمل العلن المذموم كذلك قيام أحد الزوجين بإفشاء الأسرار الزوجية، حيث يتنافى ذلك مع مكارم الأخلاق، ومع وصف الله تعالى للحياة الزوجية بقوله تعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ) [البقرة: ١٨٧].
ومن العلن المذموم أيضًا إفشاء الأسرار الحربية، نظرًا لما يجلبه ذلك من خطر على الأمة الإسلامية، وفتح مجال لأعدائها للنيل منها.
وسيأتي بسط الكلام في صور العلن المحمود والمذموم وبيان منافع الأول ومضار الثاني، فيما يأتي.
ثانيًا: العلن الخاص والعلن العام:
يمكن تقسيم العلن باعتبار الشخص إلى قسمين: علن شخصي، وعلن عام، فالعلن الخاص أو الشخصي هو ما يختص بالفرد نفسه فيما يتعلق بشئونه هو مثل قضاء حوائجه ومصالحه المختلفة، بحيث يحق له أن يظهرها أو يخفيها، وذلك كأسراره الخاصة، أو أسراره الزوجية، أو عباداته وطاعاته المختلفة التي لا يطلع عليها الناس، كقيام الليل وقراءة القرآن والأذكار.
والعلن العام هو ما يتعلق بعموم جماعة بعينها أو دولة معينة، أو الأمة بأسرها، وذلك كأمور العمل في المهن أو الوظائف المختلفة، حيث يحظر على الشخص الذي يعمل في جهة معينة أن يجهر أو يفشي أسرار عمله للغير، لا سيما إذا كان عمله في مكان ذي أهمية كبيرة.
وهذا يشمل على سبيل المثال: الأسرار العسكرية، والسياسية الخاصة بالدول، ويشمل أسرار العمل في الدوائر المختلفة حكومية كانت أو خاصة، ويشمل أسرار المهنة كما في بعض المهن الحرفية الدقيقة التي يكلف صاحبها بأن لا يفشي أسرارها للمنافسين.
وسيأتي تفصيل الكلام عن العلن الخاص بالمرء والعلن العام وما يقبل منه وما لايقبل.
استواء السر والعلن في علم الله
الله سبحانه وتعالى عالم بكل شيء خفي أو ظهر، بان أو استتر، يعلم ما كان وما هو كائن وما سوف يكون وما لم يكن، ولو كان كيف كان سيكون، والسر والجهر في علم الله تعالى سواء، وقد تواترت الآيات الكريمة المصرحة بذلك.
والناظر في الآيات القرآنية التي تحدثت عن السر والجهر وما يتعلق بهما يجد أنها تتحدث عن:
أولًا: استواء السر والجهر في علم الله تعالى:
وذلك مذكور بلفظ صريح في قول الله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الرعد: ٩-١٠].
والآية صريحة الدلالة على أن الله تعالى يستوي عنده السر والعلن، فمن أسر القول أو أظهره، لا يقدم شيئا ولا يؤخر في علم الله تعالى، وهو ما ذهب إليه جمهور المفسرين من السلف وغيرهم23.
قال ابن الجوزي نقلا عن ابن الأنباري: «ناب سواء عن «مستو» والمعنى مستو منكم من أسر القول أي أخفاه وكتمه ومن جهر به أعلنه وأظهره والمعنى أن السر والجهر سواء عنده»24.
ومما روي عن السلف في ذلك ما يلي:
وسبب نزول الآيتين -هذه والتي قبلها - كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن عامر بن الطفيل وأربد بن قيس - وهو أخو لبيد بن ربيعة الشاعر لأمه - أقبلا يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من أصحابه يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك فقال: دعه فإن يرد الله به خيرًا يهده، فأقبل حتى قام عليه قال: يا محمد مالي إن أسلمت؟ قال: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، قال: تجعل لي الأمر بعدك قال: لا ليس ذلك إلي إنما ذاك إلى الله تعالى يجعله حيث شاء، قال: أسلم على أن لك المدر ولي الوبر، يعني: لك ولاية القرى ولي ولاية البوادي قال: لا، قال فماذا تجعل لي قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها، قال: أو ليس ذلك إلي اليوم وكان أوصى إلى أربد إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف.
فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه، فدار أربد خلفه عليه السلام ليضربه فاخترط من سيفه شبرًا ثم حبسه الله فلم يقدر على سله؛ وجعل عامر يومئ إليه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع بسيفه فقال: اللهم اكفنيهما بما شئت، فارسل الله على أربد صاعقة في يوم صائف صاحي فأحرقته، وولى عامر هاربًا فقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد، والله لأملأن عليك الأرض رجالًا ألفًا أشعر وألفًا أمرد، فقال عليه السلام: يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة يريد الأوس والخرزج، فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم إليه سلاحه وخرج، وهو يقول: واللات لئن اصحر محمد إلي وصاحبه، يعني: ملك الموت لأنفذنهما برمحى.
فلما رأى الله ذلك منه أرسل ملكًا فلطمه بجناحه فأذراه بالتراب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت عظيمة، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية، ثم مات على ظهر فرسه، فأنزل الله تعالى في هذه القصة قوله: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) حتى بلغ (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الرعد: ١٣-١٤]28.
ثانيًا: التصريح بعلم السر والعلن:
وذلك في مواضع كثيرة هي منها:
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الأنعام: ٣].
وقال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [هود: ٥].
والاستغشاء بالثياب بمعنى التغطية، حملها بعض المفسرين على المجاز، وحملها بعضهم على الحقيقة، بمعنى التغطية بالثياب أو الاستغشاء بها في البيوت حين النوم، أو أن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه لئلا يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم29.
وعلى كلٍ فقد جاءت جملة (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) مستأنفة لبيان أنه لا فائدة لهم في الاستخفاء لأن الله سبحانه يعلم ما يسرونه في أنفسهم أو في ذات بينهم وما يظهرونه فالظاهر والباطن عنده سواء والسر والجهر سيان وجملة (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) تعليل لما قبلها وتقرير له وذات الصدور هي الضمائر التي تشتمل عليها الصدور وقيل هي القلوب والمعنى: إنه عليم بجميع الضمائر أو عليم بالقلوب وأحوالها في الإسرار والإظهار فلا يخفى عليه شيء من ذلك30.
وقال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل: ١٩].
والمعنى: والله يعلم ما تسرون «في قلوبكم» وما تعلنون «بالقول ويقال ما تخفون من أعمالكم» وما تعلنون أي: تظهرون منها فالسر والعلانية عنده سواء31.
وقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [التغابن: ٤].
وقدم السر على العلن ليكون بمثابة النعي عليهم من أول الأمر ما صنعوا وإيذانا بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه وتحقيقا للمساواة بين العلمين على أبلغ وجه؛ فكأن علمه سبحانه بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه وحاصل المعنى يستوي بالنسبة إلى علمه المحيط سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه سبحانه ما عسى أن يظهروه32.
وقال تعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الملك: ١٣- ١٤].
والمعنى: إن أخفيتم كلامكم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم أو جهرتم به «إنه عليم بذات الصدور» يعني بما في القلوب من الخير والشر.
وذلك أن جماعة من الكفار كانوا يتشاورون فيما بينهم فقال بعضهم لبعض لا تجهروا بأصواتكم فإن رب محمد صلى الله عليه وسلم يسمع فيخبره قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم قل لهم يا محمد (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ)؛ فإنه يعلم به؛ ثم أخبر بما هو أخفى من هاتين الحالتين فقال: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) يعني: فكيف لا يعلم قول السر ثم قال عز وجل (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) يعني: ألا يعلم السر من خلق السر يعني هو خلق السر في قلوب العباد فكيف لا يعلم بما في قلوب العباد33.
ثالثًا: التصريح بعلم السر فقط، والعلن معلوم بالتبعية.
وذلك في قول الله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الفرقان: ٦]؛ والمعنى «قل يا محمد أنزل هذا القرآن الذي يعلم السر، فهو عالم الغيب، فلا يحتاج إلى معلم، وذكر «السر» دون الجهر؛ لأنه من علم السر فهو في الجهر أعلم»34.
وقيل: «وخص السر للإشارة إلى انطواء ما أنزله سبحانه على أسرار بديعة لا تبلغ إليها عقول البشر»35.
رابعًا: التصريح بعلم درجات السر أو الخفاء.
حيث تجد بعض الآيات ورد فيها لفظ السر فقط، وبعضها ورد فيها التعبير بالسر والخفاء، أو بمعنى آخر درجات السر، كالسر والنجوى وذلك واضح في المواضع التالية:
قال جل شأنه: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [التوبة: ٧٨].
والمعنى: ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم يكفي يتجرؤن على النفاق الذي الأصل فيه الاستسرار والتناجي فيما بينهم مع علمهم بأنه تعالى يعلم ذلك من حالهم كما يعلم الظاهر، وأنه يعاقب عليه كما يعاقب على الظاهر36.
وقال الله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [طه: ٧].
وفي معنى السر وأخفى في هذه الآية ست تأويلات:
أحدها: أن «السر» ما حدث به العبد غيره في السر «وأخفى» ما أضمره في نفسه، ولم يحدث به غيره.
قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
الثاني: أن السر ما أضمره العبد في نفسه. وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد في نفسه.
قاله قتادة وسعيد بن جبير رضوان الله عليهم.
الثالث: يعلم أسرار عباده، وأخفى سر نفسه عن خلقه، قاله ابن زيد.
الرابع: أن السر ما أسره الناس، وأخفى: الوسوسة، قاله مجاهد رضي الله عنه.
الخامس: أن السر ما أسره من علمه وعمله السالف، وأخفى: وما يعلمه من عمله المستأنف. قاله الكلبي.
السادس: السر: العزيمة، وما هو أخفى: هو الهم الذي دون العزيمة37.
روى سفيان الثوري بسنده عن أبي داود عن الضحاك في قوله يعلم السر وأخفى قال «السر ما حدثت به نفسك واخفى ما لم تحدثك به» 38.
وقال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [إبراهيم: ٣٨].
وهذه الآية جاءت في معرض قصة الخليل إبراهيم عليه السلام، وذلك حين طلب من الله تيسير المنافع لأولاده وتسهيلها عليهم، ذكر أنه لا يعلم عواقب الأحوال ونهايات الأمور في المستقبل، وأنه تعالى هو العالم بها المحيط بأسرارها، فقال: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ) والمعنى: أنك أعلم بأحوالنا ومصالحنا ومفاسدنا منا، قيل: (ﮡ ﮢ)من الوجد بسبب حصول الفرقة بيني وبين إسمعيل، (ﮣ ﮤﮥ) من البكاء، وقيل: (ﮡ ﮢ) من الحزن المتمكن في القلب (ﮣ ﮤﮥ) يريد ما جرى بينه وبين هاجر حيث قالت له عند الوداع إلى من تكلنا؟ فقال إلى الله أكلكم، قالت آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم قالت: إذًا لا نخشى39.
قال الرازي في قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) «وفيه قولان:
أحدهما: أنه كلام الله عز وجل تصديقًا لإبراهيم عليه السلام كقوله: (ﯼ ﯽ) [النمل: ٣٤].
والثاني: أنه من كلام إبراهيم عليه السلام يعني وما يخفي على الذي هو عالم الغيب من شيء في كل مكان؛ ولفظ «من» يفيد الاستغراق كأنه قيل: وما يخفى عليه شيء ما»40.
وقال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الزخرف: ٨٠].
والمراد بذلك ما أضمروه في قلوبهم وما تناجوا به بينهم 41.
وقد روي أن هذا نزل في ثلاثة نفر كانوا بين الكعبة وأستارها؛ فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا ؟ وقال الثاني: إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع. وقال الثالث: إن كان يسمع إذا أعلنتم فهو يسمع إذا أسررتم، وهو مروي عن ابن مسعود 42.
خامسًا: التصريح بالعلم المطلق:
قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)43 [الأنبياء: ٤].
والمراد كما يتلخص من كلام بعض المفسرين أن «القول» عام يشمل السر والجهر فكأن في العلم به العلم بالسر وزيادة فكأن آكد في بيان الاطلاع على نجواهم من أن يقول: (ﮇ ﮈ) كما أن قوله تعالى: (ﮇ ﮈ) آكد من أن يقول يعلم سرهم فإن قلت فلم ترك الآكد في سورة الفرقان في قوله: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الفرقان: ٦ ].
قلت: ليس بواجب أن يجيء بالآكد في قوله في كل موضع، ولكن يجيء بالتوكيد مرة وبالآكد مرة أخرى44.
وقال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الملك: ١٤].
وهذه الآية نزلت عقيب آية (ﭑ ﭒ) وقد سبق الكلام عنها، وجاء قوله: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) ألا يعلم السر من خلق السر يعني هو خلق السر في قلوب العباد فكيف لا يعلم بما في قلوب العباد45.
سادسًا: التصريح بعلم الغيب والشهادة:
ورد في القرآن الكريم في حوالي عشرة مواضع علم الله تعالى بالغيب والشهادة46، ولم أذكر هذه الآيات في صلب البحث، منعا للإطالة بل أكتفي بذكر مواضعها في بعض الآيات، أو مواضعها إجمالًا.
فقول الله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼﯽ) الوارد في مواضع عدة، فسر الغيب والشهادة فيه بأنها السر والعلانية، كما أخرجه ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس في قوله عالم الغيب والشهادة قال: السر والعلانية47.
وقد ذكر تفسير الغيب والشهادة بالسر والعلانية عند جمع من المفسرين منهم الطبري، والنسفي، والسلمي وقد حكاه عن سهل التستري، والرازي، والسمعاني في آيات المؤمنون والزمر والحشر. والقرطبي في سورة الجمعة، وابن عجيبة في المؤمنون والزمر والحشر48.
أما السمرقندي فقد فسر الغيب والشهادة أو حكى تفسيرهما بأن المراد بهما السر والعلن في آيات الأنعام والرعد والمؤمنون والسجدة والزمر والحشر؛ كما هو مذكور في هذه المواضع من كتبه49.
ولذلك ذكر فقهاء الحنفية50 والشافعية51 والحنابلة52 أن التغليظ في اليمين هو أن يحلف القاضي المتهم بلفظ نحو «والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، الطالب الغالب، المدرك المهلك، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية، الكبير المتعال» ونحو ذلك من الألفاظ يزيد عليها أو ينقص منها، غير أن جميعها تتفق على أن التغليظ يتضمن «عالم الغيب والشهادة» و«السر والعلانية».
أما المالكية فقد ذكروا في التغليظ في يمين اللعان، والقسامة لفظ «عالم الغيب والشهادة» ولم يذكروا ألفاظ مثل السر والعلن53.
العلن المحمود مبسوط في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، ومن تلك الصور:
أولًا: الدعوة إلى الله تعالى:
الدعوة إلى الله تعالى أمر ضروري لنشر الدين، والدعوة تتطلب كلامًا معلنًا يجهر به الداعي حتى تؤثر دعوته وتؤتي ثمارها، وقد وردت نصوص في القرآن الكريم تحث على ذلك، وتبين دعوة بعض الأنبياء إلى أقوامهم، وقد عبر القرآن عن الدعوة إلى الله تعالى بأساليب مختلفة، أبرزها على النحو التالي:
١. الدعوة إلى الله تعالى على جهة العموم بدون إشارة إلى السر والجهر.
وذلك نجده واضحًا في آيات مثل قول الله تعالى (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يوسف: ١٠٨ ].
وذكر ابن عجيبة في إشاراته حول الآية الكريمة أن العبد لا يصلح أن يكون داعيًا إلى الله حتى يكون على بصيرة من ربه، بحيث لا يبقى فيه تقليد بحت، ولا يختلجه شك ولا هم، والدعاة إلى الله على ثلاث مراتب: فمنهم من يدعو على بصيرة الإسلام؛ وهم الدعاة إلى معرفة أحكام الله وشرائعه، ومنهم من يدعو على بصيرة الإيمان، وهم الدعاة إلى معرفة صفات الله تعالى وكمالاته، ومعرفة ما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز على طريق البرهان الواضح، ومنهم من يدعو إلى الله على بصيرة الإحسان، وهم الدعاة إلى معرفة الذات العلية على نعت الشهود والعيان، من طريق الذوق والوجدان؛ وهم العارفون بالله وهذه -أي: المرتبة الثالثة- الدعوة الحقيقية والبصيرة النافذة، وأهل هذا المقام هم اهل التربية النبوية، فدعوة هؤلاء أكثر نفعًا، وأنجح تأثيرًا؛ في زمن يسير؛ يهدي الله على أيديهم الجم الغفير54.
وقوله جل شأنه: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النحل: ١٢٥].
والمراد الدعوة إلى دين ربك وطاعته عز وجل (ﮪ) أي: بالنبوة والقرآن (ﮫ ﮬ) أي: عظهم بالقرآن (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) أي: حاججهم وناظرهم بالحجة والبيان، أو باللين، وفي الآية دليل أن المناظرة والمجادلة في العلم جائزة إذا قصد بها إظهار الحق55.
وهذه الآية تضمنت أصول الدعوة إلى الله تعالى باعتبار حال المدعو، كما ذكره الإمام الرازي حيث قال: «اعلم أنه تعالى أمر رسوله أن يدعو الناس بأحد هذه الطرق الثلاثة وهي الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالطريق الأحسن، وقد ذكر الله تعالى هذا الجدل في آية أخرى فقال: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [العنكبوت: ٤٦].
ولما ذكر الله تعالى هذه الطرق الثلاثة وعطف بعضها على بعض، وجب أن تكون طرقًا متغايرة متباينة»56.
ثم قال: «فظهر بهذا التقسيم انحصار الحجج في هذه الأقسام الثلاثة:
أولها: الحجة القطعية المفيدة للعقائد اليقينية، وذلك هو المسمى بالحكمة، وهذه أشرف الدرجات وأعلى المقامات، وهي التي قال الله في صفتها: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ) [البقرة: ٢٦٩].
وثانيها: الأمارات الظنية والدلائل الإقناعية وهي الموعظة الحسنة.
وثالثها: الدلائل التي يكون المقصود من ذكرها إلزام الخصوم وإفحامهم، وذلك هو الجدل»57.
قلت: والمعروف أن الدعوة والمناظرة لا يكونان إلا علنًا، وكل ما دار من مناظرات بين الأنبياء عليهم السلام وأقوامهم وخصومهم إنما كان بطريق الجهر لا بطريق الخفاء.
وقول الله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الحج: ٦٧].
والمراد بالدعوة إلى الله تعالى هنا -كما ذكره جمهور المفسرين- الدعوة إلى دينه وإلى توحيده عز وجل، وأن الخطاب فيها للنبي عليه الصلاة والسلام وأمر أن لا يخص بالدعاء أمة دون أخرى، فكلهم أمته صلى الله عليه وسلم58.
وقوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [فصلت: ٣٣].
وهنا نلحظ أن الدعوة اقترنت بالعمل الصالح، وجرى خلاف في المقصود في الآية على ثلاثة أقوال:
أولها: وهو قول الحسن أنها عامة لجميع المؤمنين.
وثانيها: وهو قول ابن سيرين أن المقصود بها النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوته الناس إلى توحيد الله عز وجل.
وثالثها: وهو قول السيدة عائشة أنها نزلت في المؤذنين59.
قلت: ولا مانع من دخول كل الدعاة في الآية الكريمة، كما ذكره الرازي أن الحق المقطوع به أن كل من دعا إلى الله بطريق من الطرق فهو داخل فيه، والدعوة إلى الله مراتب:
فالمرتبة الأولى: دعوة الأنبياء عليهم السلام.
والثانية: دعوة العلماء.
والثالثة: دعوة المؤذنين60.
ثم ذكر رحمه الله هذه المراتب بأن جعل دعوة الأنبياء عليهم السلام راجحة على دعوة غيرهم، وأن العلماء فإنهم يبنون دعوتهم على دعوة الأنبياء، وأن المؤذنين يدخلون في هذا الباب دخولًا ضعيفًا، أما دخولهم فيه فلأن ذكر كلمات الأذان دعوة إلى الصلاة، فكان ذلك داخلًا تحت الدعاء إلى الله، وأما كون هذه المرتبة ضعيفة فلأن الظاهر من حال المؤذن أنه لا يحيط بمعاني تلك الكلمات وبتقدير أن يكون محيطًا بها إلا أنه لا يريد بذكرها تلك المعاني الشريفة61.
٢. دعوة الأنبياء إلى الله تعالى ومحاوراتهم لأقوامهم بين السرية والجهرية.
تضمن القرآن الكريم العشرات من مواضع دعوة الأنبياء أقوامهم إلى الله تعالى، وما دار بينهم وبين أقوامهم من حوار ومناظرة، وجدال، ولم ينص القرآن على الجهر بذلك في أكثر المواضع، إلا أن الذي يفهم من سياق الآيات أن تلك الدعوة غلب عليها طابع الجهر.
وإذا ذهبنا نتتبع هذه المواضع تفصيلا لطال بنا المقام في هذا الجانب، ولكن يكفي أن نشير إلى أشهر مواطن الدعوة إلى الله تعالى على لسان الأنبياء والرسل عليهم السلام إجمالا على هذا النحو:
٣. جهر سيدنا نوح عليه السلام بالدعوة نموذجًا.
وهذا ما صرحت به آيات سورة نوح عليه السلام (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [نوح: ٥-٩].
ويلحظ في الآيات الكريمة مواطن عدة وأساليب مختلفة قام بها نبي الله نوح عليه السلام في الدعوة تعطي معنى العلن والجهر، فدعوة الليل والنهار فيها سر وعلن، وتغطية وجوههم وسد آذانهم إنما يفيد العلنية في الدعوة، والجهر بالدعوة واضح ومصرح به.
روي عن ابن عباس في قوله: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) أي: بأعلى صوته62، وروي عن مجاهد قال: الجهار الكلام المعلن به63.
وذكر الطبري أن قوله: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) يقول: صرخت لهم، وصحت بالذي أمرتني به من الإنذار، وأورد رواية عن مجاهد: (ﯶ ﯷ) يقول: صحت بهم64.
وذكر الألوسي أن المراد بالآيات: دعوتهم مرة بعد مرة وكرة غب كرة على وجوه متخالفة وأساليب متفاوتة وهو تعميم لوجوه الدعوة بعد تعميم الأوقات، وقوله: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) يشعر بمسبوقية الجهر بالسر وهو الأليق بمن همه الإجابة لأنه أقرب إليها لما فيه من اللطف بالمدعو فثم لتفاوت الوجوه؛ وإن الجهار أشد من الإسرار والجمع بينهما أغلظ من الإفراد.
وحكى عن بعض الأجلة من العلماء أنه ليس في النظم الجليل ما يقتضي أن الدعوة الأولى كانت سرا فقط فكأنه أخذ ذلك من المقابلة ومن تقديم قوله: (ﯗ) وذكرهم بعنوان «قومه» وقوله: (ﯞ) فإن القرب ملائم له وجوز كون: (ﯯ) على معناها الحقيقي وهو التراخي الزماني لكنه باعتبار مبدأ كل من الإسرار والجهار ومنتهاه وباعتبار منتهى الجمع بينهما لئلا ينافي عموم الأوقات السابق65.
٤. جهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة.
اتفق العلماء على أن مرحلة جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة كان بموجب قول الله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الحجر: ٩٤]66، وأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالجهر بالدعوة بعد أن كانت في السر، وكذلك قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الشعراء: ٢١٤].
وكان الامتثال لذلك بأن قام عليه الصلاة والسلام بجمع قريش على الصفا ونادى عليهم بطنا بطنا وشعبا شعبا ودعاهم إلى الله تعالى، فمنهم من استجاب ومنهم من أعرض67.
أخرج البخاري بسنده عن ابن عباسٍ رضى الله عنهما قال: لما نزلت: (ﭿ ﮀ ﮁ) صعد النبى صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: (يا بنى فهرٍ، يا بنى عدىٍ) لبطون قريشٍ حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهبٍ وقريشٌ فقال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادى تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقى). قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال (فإنى نذيرٌ لكم بين يدى عذابٍ شديدٍ). فقال أبو لهبٍ تبًا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا فنزلت (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [المسد: ١-٢].68.
وأخرج مسلم بسنده عن قبيصة بن المخارق وزهير بن عمرٍو قالا: لما نزلت: (ﭿ ﮀ ﮁ) قال: انطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى رضمةٍ من جبلٍ فعلا أعلاها حجرًا ثم نادى: (يا بنى عبد منافاه إنى نذيرٌ إنما مثلى ومثلكم كمثل رجلٍ رأى العدو فانطلق يربأ أهله فخشى أن يسبقوه فجعل يهتف يا صباحاه)69.
والحديث صريح الدلالة في أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرخ جهارًا داعيًا قومه ومحذرًا لهم.
ثانيًا: الإنفاق في سبيل الله تعالى:
الإنفاق في سبيل الله تعالى، ينقسم إلى قسمين: الإنفاق الواجب، وهو الزكاة، والإنفاق التطوع وهو الصدقة، وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير صراحة إلى موضوع الجهر بالنفقة أو السر بها، وذلك في قول الله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [البقرة: ٢٧١]. 70.
وللمفسرين كلام طيب ولطائف تفسيرية بليغة في هذه الآية الكريمة:
ومن تلك اللطائف: الموازنة بين الإخفاء والإظهار في الصدقات:
من جوانب أفضلية إخفاء الصدقة ما يلي:
الأول: أن الإخفاء يجعل الصدقة أبعد عن الرياء والسمعة، والمتحدث بصدقته لا شك أنه يطلب السمعة، والمعطي في ملأ من الناس يطلب الرياء، والإخفاء والسكوت هو المخلص منهما، وقد بالغ قوم في قصد الإخفاء، واجتهدوا أن لا يعرفهم الآخذ، فكان بعضهم يلقيه في يد أعمى، وبعضهم يلقيه في طريق الفقير، وفي موضع جلوسه حيث يراه ولا يرى المعطي، وبعضهم كان يشده في أثواب الفقير وهو نائم، وبعضهم كان يوصل إلى يد الفقير على يد غيره، والمقصود عن الكل الاحتراز عن الرياء والسمعة والمنة، لأن الفقير إذا عرف المعطي فقد حصل الرياء والمنة معًا وليس في معرفة المتوسط الرياء.
الثاني: أن المتصدق إذا أخفى صدقته لم يحصل له بين الناس شهرة ومدح وتعظيم، فكان ذلك يشق على النفس، فوجب أن يكون ذلك أكثر ثوابًا.
الثالث: ورود العديد من الأحاديث الدالة على فضل إخفاء الصدقة، منها حديث: (سبعةٌ يظلهم الله فى ظله، يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشابٌ نشأ فى عبادة ربه، ورجلٌ قلبه معلقٌ فى المساجد، ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجلٌ طلبته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه)71.
الرابع: أن إظهار الصدقة يوجب إلحاق الضرر بالآخذ من وجوه، والإخفاء لا يتضمن ذلك، فوجب أن يكون الإخفاء أولى، ومن وجوه الضرر المترتبة على الإظهار:
ولهذا تجد حكمة في قول الله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) وهي: الإشارة إلى تفضيل صدقة السر على العلانية، والمعنى: أن الله عالم بالسر والعلانية وأنتم إنما تريدون بالصدقة طلب مرضاته، فقد حصل مقصودكم في السر، فما معنى الإبداء، فكأنهم ندبوا بهذا الكلام إلى الإخفاء ليكون أبعد من الرياء73.
ومن جوانب أفضلية الإظهار ما يلي:
الأول: أن الإنسان إذا علم أنه إذا أظهرها، صار ذلك سببًا لاقتداء الخلق به في إعطاء الصدقات، فينتفع الفقراء بها فلا يمتنع، والحال هذه أن يكون الإظهار أفضل.
هذا وقد حكى بعض المفسرين اتفاق العلماء على أن: إخفاء صدقة التطوع أفضل من إظهارها، وأن الخلاف جارٍ في الزكاة المفروضة74على نحو ما سيأتي ذكره في موضعه.
وما أجمل ما ذكره ابن العربي: أنه ليس في تفضيل صدقة العلانية على السر، ولا تفضيل صدقة السر على العلانية حديث صحيح ولكنه الاجماع الثابت، فأما صدقة النفل فالقرآن ورد مصرحًا، أن الحال في الصدقة تختلف بحال المعطي لها، والمعطى إياها والناس الشاهدين لها.
أما المعطي فله فيها فائدة إظهار السنة وثواب القدوة؛ وهذا لمن قويت حاله وحسنت نيته وأمن على نفسه الرياء، وأما من ضعف عن هذه المرتبة فالسر له أفضل، وأما المعطى إياها فإن السر له أسلم من احتقار الناس له،أو نسبته إلى أنه أخذها مع الغنى عنها وترك التعفف، وأما حال الناس فالسر عنهم أفضل من العلانية لهم، من جهة أنهم ربما طعنوا على المعطي لها بالرياء وعلى الآخذ لها بالاستغناء، ولهم فيها تحريك القلوب إلى الصدقة، لكن هذا اليوم قليل75.
ثالثًا: إقامة الحدود:
شرع الله تعالى الحدود جزاء للجرائم التي يرتكبها البعض في حق الله تعالى، وفي حق المجتمع، كجرائم الردة والسرقة، والحرابة،والزنا، والقذف، وشرب الخمر، ونبه سبحانه وتعالى على أن يكون تنفيذ هذه العقوبات علنًا حتى تكون رادعًا لمن تسول له نفسه أن يقدم على جريمة في حق غيره.
قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النور: ٢].
وقد اتفق الفقهاء على ضرورة الجهر بإقامة الحدود، كما هو مبسوط في مواضعه من كتب الفقه، وإن كان الحكم يختلف عند بعضهم من الوجوب إلى السنية إلى الاستحباب 76.
قال الكاساني: «ينبغي أن تقام الحدود كلها في ملأ من الناس لقوله تبارك وتعالى -عز اسمه-: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) والنص وإن ورد في حد الزنا لكن النص الوارد فيه يكون واردا في سائر الحدود دلالة»77.
الحكمة من حضور طائفة من المؤمنين إقامة الحد:
ذكر الكاساني حكمًا تشريعية مختلفة من إقامة الحدود علنا هي:
وذكر السمرقندي أن في حضور الطائفة ثلاث فوائد:
الأولى: أنهم يعتبرون بذلك ويبلغ الشاهد الغائب.
والثانية: أن الإمام إذا إحتاج إلى الإعانة أعانوه.
والثالثة: لكي يستحي المضروب فيكون زجرا له من العود إلى مثل ذلك الفعل79.
ومن حكمة حضور الطائفة: أن حضور الطائفة ليس بقصد الفضيحة، إنما ذلك لِيُدْعَى الله تعالى لهما بالتوبة والرحمة، وهو مروي عن نصر بن علقمة80.
وقد جرى خلاف في الطائفة المرادة في الآية من حيث العدد، وحاصل ما في المسألة الأقوال التالية:
القول الأول: أن الطائفة معناها رجل واحد فما فوق، حيث إن العرب تسمي الواحد طائفة، وعليه فيكفي في شهود الحد رجل واحد وهو أقل ما يطلق عليه طائفة، وهذا مروي عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن البصري، وعامر الشعبي81.
القول الثاني: أن الطائفة المراد بها رجل واحد، وهو مروي عن إبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سلمة82.
القول الثالث: أن أقل الطائفة اثنان، وهو مروي عن عكرمة وعطاء83، ومشهور مذهب مالك 84.
القول الرابع: أن أقل الطائفة ثلاثة، وهو مروي عن قتادة وابن شهاب الزهري85.
القول الخامس: أن أقل الطائفة أربعة رجال، وهو مروي عن أنس بن مالك، وابن أبي زيد86، وهو الأظهر من مذهب مالك87 والشافعي88. وحجتهم أنه لا يكون شهادة في الزنا دون أربعة شهداء فصاعدًا 89.
القول السادس: أن الطائفة عشرة رجال، وهو مروي عن الحسن90.
وما أجمل ما قاله الماوردي في تفسير الطائفة: «أما الطائفة فقد ورد القرآن بها في مواضع يختلف المراد بها من الأعداد لاختلاف ما اقترن بها من الأحكام، والمراد بقوله تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) وقوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)[النساء: ١٠٢].
أقلها ثلاثة: لأن المأمور فيها أن يصلي بجماعة وأن تحرسه جماعة فكانت الطائفة عبارة عن الجماعة، وأقل الجمع في الإطلاق ثلاث وإنما يعبر عن الاثنين بلفظ الجمع بدليل لا بمطلق العبارة وظاهرها.
وقال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجرات: ٩ ].
فحمل على الفريقين والقبيلتين من الناس، وقال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النور: ٢].
فحمل على الأربعة في الآيات لتعلقه بالزنا ولا يثبت بأقل من أربعة، وقال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)[التوبة: ١٢٢].
فحمل على الواحد لأن الإنذار يقع به فكان ذكر الطائفة في هذا الموضع يختلف حملا على ما يليق بها»91.
قلت: المقصود من العلنية تحقيق مصالح شرعية من الزجر والردع، والاشتهار -أي: التشهير- والدعاء للمحدود، ونحو ذلك مما سبق ذكره، ولهذا يذكر بعض فقهاء القانون المعاصرين: أن علانية تنفيذ الحد ضرورية عملا بالآية الكريمة، وأن كثيرا من القوانين الوضعية الأوربية والعربية تتفق مع ما قرره القرآن من اشتراط العلانية في تنفيذ عقوبة الإعدام خاصة، وأما في حد الزنا فإنه كلما كان الحد رجمًا فالمفروض أن عدد الرماة غير محدود وأنه يجب أن يكون من الكثرة بحيث يقضى على المرجوم بسرعة، أما فى الجلد فيكفى فى إقامة الحد شخص واحد92.
رابعًا: العبادات:
العبادات كما هو معروف تشمل صنوفا مختلفة، فمنها البدنية فقط كالصلاة والصيام، ومنها المالية فقط كالزكاة، ومنها ما يجمع بين البدنية والمالية كالحج، ويدخل في العبادات الذكر من تسبيح وتكبير وتحميد وتهليل ودعاء واستغفار وقراءة القرآن، وكل هذه العبادات يؤديها الإنسان سرًا وجهرًا.
قال الغزالي رحمه الله: «كل عمل لا يمكن إسراره كالحج والجهاد والجمعة فالأفضل المبادرة إليه وإظهار الرغبة فيه للتحريض بشرط أن لا يكون فيه شوائب الرياء، وأما ما يمكن إسراره كالصدقة والصلاة فإن كان إظهار الصدقة يؤذي المتصدق عليه ويرغب الناس في الصدقة فالسر أفضل؛ لأن الإيذاء حرام، فإن لم يكن فيه إيذاء فقد اختلف الناس في الأفضل» 93.
وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى ذلك، ونصت السنة النبوية على الجهر بعبادات بعينها نظرًا لما للجهر من أثر في العبادة وتعظيم لها، وأورد هنا طرفا من جوانب العلن المحمود في العبادات على النحو التالي:
١. العلن في الصلاة.
الصلاة في اللغة: الدعاء، وفي الشرع: أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة94.
وتنقسم الصلاة من حيث السرية والجهرية إلى قسمين: صلوات سرية وهي الظهر والعصر، والركعة الأخيرة من المغرب، والركعتين الأخيرتين من العشاء، وصلوات جهرية: وهي الفجر والركعتين الأوليين من المغرب ومثلهما من العشاء، وصلاة الجمعة، وما عدا الصلوات الخمس فيه صلوات سرية وجهرية كما هو معروف في مواضعه من كتب الفقه.
ولما كانت الصلاة مشتملة على أقوال كالقراءة والتسبيح والتكبير والتشهد، فإن من هذه الأقوال ما يجهر فيه ومنها ما يسر به، فقراءة الفاتحة والسورة والتكبيرات مما يجهر به الإمام في الجهرية، ويجهر به المنفرد في الجهرية كذلك، وما عدا ذلك يسر به.
ويقسم بعض الفقهاء الجهر والسر إلى درجات أربعة: أدنى الجهر وأعلى الجهر، وأدنى السر وأعلى السر.
فأدنى الجهر: هو أن يسمع نفسه ومن يليه،وأعلى الجهر لا حد له، أو هو أقواه أو المبالغة فيه جدًا.
وأدنى السر أن يحرك لسانه بالقراءة، وأعلاه أن يسمع نفسه فقط95.
والآية الوحيدة في القرآن التي ورد فيها ذكر الجهر في الصلاة والمخافتة بها هي قول الله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الإسراء: ١١٠].
ومن لطيف ما يتعلق بها عن الصاحبين رضي الله عنهما ما رواه محمد بن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته، وأن عمر كان يرفع صوته، فقيل لأبي بكر: لم تصنع هذا؟ قال: أناجي ربي، عز وجل، وقد علم حاجتي. فقيل: أحسنت. وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان96 قيل أحسنت. فلما نزلت: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) قيل لأبي بكر: ارفع شيئًا، وقيل لعمر: اخفض شيئًا97.
وقد اختلف المفسرون والفقهاء في المقصود بالصلاة في الآية هل القراءة أم الدعاء على رأيين:
الرأي الأول: أن المقصود بالصلاة فيها الدعاء، وهو رأي كثير من السلف، فأكثرهم يحملون الآية على الدعاء وليس على قراءة القرآن، حيث روي ذلك عن ابن عباس، وعائشة، وعروة بن الزبير، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومكحول، وعطاء رضوان الله عليهم98.
والآثار المروية عن هؤلاء الصحابة والتابعين كثيرة في كتب السنة والتفسير، لا يتسع المقام لسردها.
الرأي الثاني: أن المقصود بها القراءة في الصلاة.
وبناء عليه جرى الخلاف في بعض مسائل القراءة في الصلاة كجهر الإمام بالبسملة في القراءة، حيث وصل الخلاف فيها إلى سبعة أقوال، ولكن أشهرها ثلاثة أوردها ببعض أدلتها على هذا النحو:
القول الأول: أن الإمام يجهر بالبسملة في الصلاة استحبابًا.
وهو للشافعية وبعض المالكية وبعض الحنابلة، وروي عن جمع من الصحابة والتابعين وتابعيهم99.
واستدلوا بما يلي:
القول الثاني: أنه يسن للإمام الإسرار بالبسملة أي: إخفائها في الصلاة.
وهو مذهب الحنفية والمالكية في الفرض، وجمهور الحنابلة، ورأي للإباضية، وروي عن بعض الصحابة والتابعين104.
واستدلوا بما يلي:
القول الثالث: أن الإسرار بها والجهر سواء.
وهو قول عند الحنابلة، وروي عن ابن أبي ليلى والحكم108.
وهؤلاء نظروا إلى أدلة المثبتين للجهر والمثبتين للسر، فأزالوا ما بينهما من التعارض وجعلوا الأمر بالخيار.
أما بقية الأقوال الأخرى فهي:
القول الرابع: أن الإمام يجهر بها مطلقا في الصلوات الجهرية والسرية. وهو مروي عن بعض أهل البيت109.
القول الخامس: أن الجهر بالبسملة واجب في الجهرية «الصبح وأوائل المغرب والعشاء»، وهو مذهب الإمامية110.
القول السادس: أن البسملة لا يسر بها ولا يجهر في الصلاة مطلقا، فلا تقرأ.
وقد حكاه الشوكاني عن بعض العلماء وهم النافين لكونها من القرآن مطلقا 111.
القول السابع: أنه يجهر بها في حالات معينة على تفصيل في تلك الحالات:
وسبب الخلاف في المسألة كما ذكره بعض العلماء أمران:
الأمر الأول: تعارض الآثار الواردة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.
الأمر الثاني: الخلاف الواقع في البسملة هل هي آية من الفاتحة أم لا113.
الرأي المختار: بعدما تقدم ذكره من الأقوال في الجهر بالبسملة أو الإسرار بها يمكن اختيار القول الثالث وهو: أن الجهر بها والإسرار سواء، وذلك جمعا بين الأدلة وإعمالا لأدلة المثبتين للجهر والنافين له، حيث إن أدلة الفريقين كثيرة من الأحاديث والآثار عن الصحابة والتابعين114.
أما بقية مسائل الجهر الأخرى في الصلاة فهي على النحو التالي إجمالا:
٢. العلن في الصيام.
يشير الإمام الغزالي إلى أن الإسرار للأعمال فيه فائدة الإخلاص والنجاة من الرياء، وفي الإظهار فائدة الإقتداء وترغيب الناس في الخير ولكن فيه آفة الرياء، وروى عن الحسن قوله:« قد علم المسلمون أن السر أحرز العملين».
ولكن في الإظهار أيضا فائدة، والإظهار قسمان:
أحدهما: في نفس العمل.
والآخر: التحدث بما عمل.
القسم الأول إظهار نفس العمل؛ كالصدقة في الملأ لترغيب الناس فيها، وقال- أي الغزالي- إن سائر الأعمال تجري هذا المجرى من الصلاة والصيام والحج والغزو وغيرها123.
والصيام عبادة بدنية تشتمل على فرض ونفل كما هو معروف، غير أنه يعد من العبادات التي فيها سر بين العبد وربه جل وعلا، وقد افترضه الله تعالى على الأمة بهذه الآيات البينات من سورة البقرة. (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ) [البقرة: ١٨٣ - ١٨٥].
وورد في السنة النبوية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنةٌ، وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحدٌ، أو قاتله فليقل: إنى امرؤٌ صائمٌ، والذى نفس محمدٍ بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)124.
وعبارة: (فإنه لي وأنا أجزي به) فيها كلام طيب للمفسرين وغيرهم.
قال بعض المفسرين: «إنما اختص الصوم بأنه له، وإن كان كل العبادات له، لأمرين باين الصوم بهما سائر العبادات: أحدهما: أن الصوم منع من ملاذ النفس وشهواتها، ما لا يمنع منه سائر العبادات، والثاني: أن الصوم سر بين العبد وربه لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصًا به، وما سواه من العبادات ظاهر، ربما فعله تصنعًا ورياء، فلهذا صار أخص بالصوم من غيره125.
ومما يحرم على المرء فعله الجهر بالفطر في نهار رمضان إذا لم يكن لديه عذر شرعي يبيح له الفطر، لما في ذلك من انتهاك لحرمة الشهر الكريم، وهذا يستوجب الوعظ والتذكير إن كان ممن يقبل ذلك أو كان ظاهر الصلاح، أما إذا لم يكن كذلك فيعزر كما ذكره بعض فقهاء المالكية126.
قال الدسوقي: «من تعاطى المفطر ظاهرًا فيوعظ إن كان ظاهر الصلاح وإلا عزر»127.
إما إن كان ممن لا يقبل الوعظ أو جهر بفسقه بالفطر فينبغي أن يعزر كما فعله سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالنجاشي الشاعر حين شرب الخمر في رمضان وجهر بفسقه وفطره.
فقد روي أن عليا ضرب النجاشى الحارثى الشاعر وشرب الخمر فى رمضان فضربه ثمانين جلدة ثم حبسه وأخرجه من الغد فجلده عشرين وقال: إنما جلدتك هذه العشرين لجرأتك على الله وإفطارك فى رمضان128.
وإذا وجدت ضرورة تدعو شخصًا للفطر، كما لو رأى هلال شوال وحده، أو حاضت امرأة أو نفست في نهار رمضان فأفطرت فالأولى أن لا يجهرون بفطرهم أمام الناس مراعاة لحرمة اليوم.
ففي حاشية قليوبي على المنهاج «ويندب إخفاء الفطر عند من جهل عذر المفطر»129.
وقال الشرواني: «ومتى رأى شوالا وحده لزمه الفطر فإن شهد ثم أفطر لم يعزر وإن ردت شهادته وإلا بأن أفطر ثم شهد برؤيته سقطت شهادته وعزر وحقه إذا أفطر أن يخفيه أي: الإفطار والظاهر أنه على وجه الندب»130.
٣. العلن في الزكاة.
الزكاة عبادة مالية، فيها حق لله تعالى، وحق للفقير أو المستحقين للزكاة، وهي من العبادات التي تشتمل على تكافل وتراحم، وتعاون، وتتعلق بالأموال الظاهرة كالماشية والزروع والثمار ونحوها، والخفية كالأموال النقدية والحلي ونحوهما، وقد جرى خلاف في أفضلية العلن في الزكاة المفروضة أو الخفاء على قولين:
يرى بعض المفسرين أن قول الله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ)[البقرة: ٢٧١].
يشمل صدقة التطوع والزكاة، وعليه فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أن إظهار الزكاة أفضل، وهو مروي عن ابن عباس وغيره، واختاره أبو يعلى من الحنابلة131.
ومما يؤيد هذا القول ما يلي:
القول الثاني: أن إخفاء الزكاة أفضل، وهو مروي عن الحسن، وقتادة، ويزيد بن أبي حبيب133.
ويؤيده ما يلي:
قلت: وكلا القولين له وجهه، غير أنه ينبغي أن يخلو الأمر في الحالتين من الرياء، إذ الرياء يحبط ثواب الأعمال كما هو معروف.
٤. العلن في الحج والعمرة.
تقدم ذكر كلام الغزالي بأن كل عمل لا يمكن إسراره كالحج والجهاد والجمعة فالأفضل المبادرة إليه وإظهار الرغبة فيه للتحريض بشرط أن لا يكون فيه شوائب الرياء135.
والحج والعمرة من العبادات التي لا تخفى إذ هي سفر وارتحال ذهابا وإيابًا، وما يؤديه الحاج من مناسك يطلع عليه الغادي والرائح، وكل هذا مما لا يمكن إخفاؤه، فالجهر به أمر لا ينفك عنه.
ويشتمل الحج والعمرة على التلبية، وهي مما يجهر به الرجال باتفاق العلماء136، أما النساء فلا يجهرن بها137.
فمما يؤيد رفع الصوت بالتلبية للرجال ما أخرجه مسلم عن ابن عباسٍ قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة فمررنا بوادٍ فقال: (أيُّ وادٍ هذا؟)، فقالوا: وادي الأزرق، فقال: (كأني أنظر إلى موسى صلى الله عليه وسلم فذكر من لونه وشعره شيئًا لم يحفظه داود واضعًا إصبعيه فى أذنيه له جؤارٌ إلى الله بالتلبية مارًّا بهذا الوادي)، قال: ثم سرنا حتى أتينا على ثنيةٍ فقال: (أيُّ ثنيةٍ هذه؟)، قالوا: هرشى أو لفتٌ، فقال: (كأني أنظر إلى يونس على ناقةٍ حمراء عليه جبة صوفٍ خطام ناقته ليفٌ خلبةٌ مارًّا بهذا الوادي ملبيًا)138.
وما أخرجه مالك بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال)139.
ويستدل كذلك من المعقول بأن الحج عبادة لها تحريم فيكون لها نطق كالصلاة140.
وأما عدم رفع صوت المرأة بالتلبية فقد حكى ابن عبد البر إجماع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها وإنما عليها أن تسمع نفسها141.
وهذا ما عليه جمهور الفقهاء وفقهاء السلف كما حكاه ابن قدامه عن عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي والحنابلة، وحُكي عن سليمان بن يسار قوله: السنة عندهم أن المرأة لا ترفع صوتها بالإهلال وإنما كره لها رفع الصوت مخافة الفتنة بها ولهذا لا يسن لها أذان ولا إقامة والمسنون لها في التنبيه في الصلاة التصفيق دون التسبيح142.
٥. العلن في الذكر والدعاء.
ذكر الله تعالى ودعاؤه من العبادات، فالذكر يتضمن التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار ونحو ذلك، والدعاء يتضمن طلب الحوائج العامة والخاصة، من المغفرة والرحمة، ومنافع الدنيا والآخرة، والآيات التي تناولت الذكر والدعاء في القرآن كثيرة، وقد تنوع فيها الخطاب بين الجهر تارة والإخفاء تارة أخرى.
ففي شأن الذكر قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأعراف: ٢٠٥].
روي عن ابن جريج، قوله: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) قال: يؤمر بالتضرع في الدعاء والاستكانة، ويكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء143.
وروي عن ابن زيد، في قوله: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الأعراف: ٢٠٥].
لا يجهر بذلك 144.
قال الجصاص: «الذكر على وجهين:
أحدهما: الفكر في عظمة الله وجلاله ودلائل قدرته وآياته وهذا أفضل الأذكار إذ به يستحق الثواب على سائر الأذكار سواه وبه يتوصل إليه.
والذكر الآخر: القول، وقد يكون ذلك الذكر دعاء، وقد يكون ثناء على الله تعالى، ويكون قراءة للقرآن، ويكون دعاء للناس إلى الله.
وجائز أن يكون المراد الذكرين جميعا من الفكر والقول فيكون قوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) هو الفكر في دلائل الله وآياته وقوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) فيه نص على الذكر باللسان وهذا الذكر يجوز أن يريد به قراءة القرآن وجائز أن يريد الدعاء فيكون الأفضل في الدعاء الإخفاء»145.
ويرى الزمخشري: أن الخطاب عام في الأذكار من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك146.
وهذه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعم جميع أمته وهو أمر من الله عز وجل بذكره وتسبيحه وتقديسه والثناء عليه بمحامده والجمهور على أن الذكر لا يكون في النفس ولا يراعى إلا بحركة اللسان147.
وقال تعالى: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [مريم: ٢ - ٣ ].
وفي إخفاء النداء من نبي الله زكريا عليه السلام لطائف ومعان سامية:
منها: ما ذكره ابن العربي من أن هذا يناسب قوله: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)، وأن خفاءه لوجهين: أحدهما: أنه كان ليلا، والثاني: لأنه ذكر في دعائه أحوالا تفتقر إلى الإخفاء، كقوله: {وإني خفت الموالي من ورائي}، وهذا مما يكتم ولا يجهر به148.
ومنها: ما ذكره الرازي وهو أن رفع الصوت مشعر بالقوة والجلادة وإخفاء الصوت مشعر بالضعف والانكسار وعمدة الدعاء الإنكسار والتبري عن حول النفس وقوتها والاعتماد على فضل الله تعالى وإحسانه149.
هذا وقد تقدم القول بأن المقصود بقوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الإسراء: ١١٠].
هو الدعاء عند كثير من فقهاء السلف.
وقد ورد الأمر بالدعاء في آيات كثيرة في كتاب الله تعالى بعضها مطلق، وبعضها مأمور فيه بالتضرع والخفية، قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ١٨٦].
وقيل: إن سبب نزولها أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه ؟ فنزلت الآية150.
وقال عز من قائل: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الأعراف: ٥٥].
ذكر السمرقندي والسمعاني أن المقصود بالتضرع والخفية الخفض والسكون، ويقال: «خفية» يعني: اعتقدوا عبادته في أنفسكم لأن الدعاء معناه: العبادة، وقيل: المقصود علانية وسرا، وقيل: المقصود أن يكون السر مع الجهر في الدعاء بحيث يدعو باللسان وسره معه، وقيل: هذا أمر بالدعاء في الأحوال كلها 151.
ومن أحكام الآية ما ذكره ابن العربي من أن الأصل في الأعمال الفرضية الجهر، والأصل في الأعمال النفلية السر؛ وذلك لما يتطرق إلى النفل من الرياء والتظاهر بها في الدنيا، والتفاخر على الأصحاب بالأعمال، وجبلت قلوب الخلق بالميل إلى أهل الطاعة، وقد جعل الباري سبحانه في العبادات ذكرا جهرا وذكرا سرا، بحكمة بالغة أنشأها بها ورتبها عليها؛ وذلك لما عليه قلوب الخلق من الاختلاف بين الحالين.
ثم قال: «أما الذكر بالقراءة في الصلاة فانقسم حاله إلى سر وجهر، وأما الدعاء فلم يشرع منه شيء جهرا؛ لا في حالة القيام ولا في حالة الركوع، ولا في حالة السجود؛ لكن اختلف العلماء في قول قارئ الفاتحة: «آمين» هل يسر بها أم يجهر» 152.
خامسًا: إعلان أعمال الخير:
أعمال الخير متنوعة تشمل صنوفا كثيرة من الطاعات والقربات أقوالا وأفعالا، وذلك مثل: النفقة، والعون، وبذل النصيحة، وإماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك.
وقد ذكر حجة الإسلام الغزالي كلاما طيبا في الرخصة في قصد إظهار الطاعات المختلفة ونحوها، فقال رحمه الله ما ملخصه: «اعلم أن في الإسرار للأعمال فائدة الإخلاص والنجاة من الرياء وفي الإظهار فائدة الإقتداء وترغيب الناس في الخير ولكن فيه آفة الرياء، وفي الإظهار أيضا فائدة ولذلك أثنى الله تعالى على السر والعلانية فقال: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة: ٢٧١].
والإظهار قسمان:
أحدهما: في نفس العمل.
والآخر: التحدث بما عمل.
فالقسم الأول إظهار نفس العمل كالصدقة في الملأ لترغيب الناس فيها، وتجري سائر الأعمال هذا المجرى من الصلاة والصيام والحج والغزو وغيرها 153.
وقد وردت آيات قرآنية تحث على أعمال الخير القولية والفعلية، وورد في السنة النبوية طائفة من الأحاديث تحث على فعل الخير، وتمتدح فاعليه، لاسيما إذا كان بإخلاص وابتغاء وجه الله تعالى.
والناظر في الآيات الكريمة التي تتحدث عن أعمال الخير يجد أنها على أنحاء ثلاثة:
الأول: وصف أقوام بعينهم بفعل الخيرات:
ومن هذا القبيل في كتاب الله تعالى: قوله تعالى في وصف بعض أهل الكتاب: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [آل عمران: ١١٤].
وهذا وصف لطائفة من أهل الكتاب بإنهم يبتدرون فعل الخيرات قبل موافاة المنية لهم، أو يبادرون إلى الطاعات والأعمال الصالحة، أو يعملون الطاعات وهم غير متثاقلين أو متباطئين، وذلك بعد إقرارهم بالله ربًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا 154.
ومن دقائق الآية الكريمة أنها أتت عامة في أهل الكتاب، إلا أنها لا اختصاص فيها للنصاري؛ لأنها مذكورة بعد قول الله تعالى:(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران: ١١٠ ].
وما بعدها من الآيات وفيها: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١١٢].
وهذه الصفات لليهود، وعليه فتناولها لليهود أقوى من تناولها للنصارى155.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الأنبياء: ٧٣].
وقوله جل شأنه: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأنبياء: ٩٠].
وقوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [المؤمنون: ٦١ ].
وهذه المواضع السابقة جاءت كلها على سبيل المدح لفاعل الخيرات والمبادر إليها، وأن فعل الخيرات ينشأ عنه رضوان الله تعالى وصلاح الحال، ولم تشر الآيات إلى تخصيص فعل الخير فيها بالسر أو العلن.
الثاني: الأمر بفعل الخير:
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [آل عمران: ١٠٤].
وقال جل شأنه: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الحج: ٧٧].
وهاتان الآيتان فيها الدعوة لفعل الخير على جهة العموم، وذلك يشمل السر والعلن.
الثالث: الأمر بالمسارعة أو المسابقة في الخيرات:
قال تعالى: (ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [المائدة: ٤٨].
وأيًا كان نوع القربة أو الطاعة التي يسهم بها المؤمن في فعل الخيرات فإنها لابد أن تكون النية فيها خالصة لوجه الله تعالى، سواء فعل الخير علنا أو سرًا، وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين يتسابقون في الخيرات، سرًا وجهرًا.
ومن ذلك مسارعة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الخير ببذل نفسه وماله وأهله في سبيل الله تعالى في رحلة الهجرة، كما هو معروف في السيرة النبوية، والإسرار بالكثير من ذلك نظرًا لطبيعة الحال حينئذٍ.
ومنه مسارعة سيدنا عثمان رضي الله عنه في الخيرات مرارا في المدينة المنورة من شراء بئر رومة من اليهودي ووقفها لنفع المسلمين،وتجهيز جيش العسرة، وغيرها من المواقف، وهذه أمور وقعت علنًا أمام الجميع.
ومنه تسابق سيدنا أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في فعل الخيرات، فقد روى الإمام أحمد بسنده عن زرٍ عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بين أبي بكرٍ وعمر وعبد الله يصلي فافتتح النساء فسحلها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يقرأ القرآن غضًا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبدٍ) ثم تقدم يسأل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول :(سل تعطه سل تعطه سل تعطه) فقال فيما سأل: اللهم إني أسألك إيمانًا لا يرتد ونعيمًا لا ينفد ومرافقة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد قال فأتى عمر رضي الله تعالى عنه عبد الله ليبشره فوجد أبا بكرٍ رضوان الله عليه قد سبقه فقال: إن فعلت لقد كنت سباقًا بالخير156.
وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي فقال: (سل تعطه يا ابن أم عبدٍ)، فابتدر أبو بكرٍ وعمر قال عمر: ما بادرني أبو بكرٍ إلى شيءٍ إلا سبقني إليه أبو بكرٍ، فسألاه عن قوله فقال: من دعائي الذي لا أكاد أدع اللهم إني أسألك نعيمًا لا يبيد وقرة عينٍ لا تنفد ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم محمدٍ فى أعلى الجنة جنة الخلد157. فتسابق الصديق وعمر رضوان الله عليهما في فعل الخيرات أمر مشهور.
سادسًا: إعلان التظلم:
الظلم محرم في جميع الشرائع السماوية، والمظلوم دعوته عند الله تعالى مستجابة، كما هو ثابت في السنة النبوية، وقد نهى الله تعالى في كتابه العزيز عن الجهر بالسوء من الأقوال إلا للمظلوم فقال جل شأنه: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النساء: ١٤٨].
وقد اختلف القراء في الآية وبناء على اختلافهم في القراءة اختلفوا في تأويلها، فأكثر قراء الأمصار قرؤوها بضم الظاء: (ﭙ ﭚ ﭛ)، وقرأ بعضهم: «إلا من ظَلم»، بفتح «الظاء»158.
والذين قرؤوا بالضم وهم الجمهور اختلفوا في تأويله على أقوال:
القول الأول: أنه لا يحب الله تعالى ذكره أن يجهر أحدنا بالدعاء على أحد، وذلك عندهم هو: «الجهر بالسوء إلا من ظلم»، يقول: إلا من ظلم فيدعو على ظالمه، فإن الله جل ثناؤه لا يكره له ذلك، لأنه قد رخص له في ذلك، وهذا مروي عن ابن عباس159.
القول الثاني: أن المراد بها الرجل ينزل بالرجل فلا يقريه، فينال من الذي لم يقره.وهو قول مجاهد وأبي نجيح160.
فقد روي عن مجاهد: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ)، قال: هو الرجل ينزل بالرجل فلا يحسن إليه، فقد رخص الله له أن يقول فيه161.
القول الثالث: أن المعنى: إلا من ظلم فانتصر من ظالمه، فإن الله قد أذن له في ذلك. وهو مروي عن السدي162.
وبناء على ما سبق فـإن كلمة: «من»، على هذه الأقوال التي ذكرناها، سوى قول ابن عباس، تكون في موضع نصب على انقطاعه من الأول، والعرب من شأنها أن تنصب ما بعد«إلا» في الاستثناء المنقطع.
ويكون معنى الكلام على ذلك: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول، ولكن من ظلم فلا حرج عليه أن يخبر بما نِيل منه، أو ينتصر ممن ظلمه. أما الذين قرؤوا بالفتح «ظلم» فـتأولوه: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول، إلا من ظلم فلا بأس أن يجهر له بالسوء من القول.
فقد روي عن ابن زيد: كان أبي يقرأ: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ)، قال ابن زيد: يقول: إلا من أقام على ذلك النفاق، فيجهر له بالسوء حتى ينزع. قال: وهذه مثل: (ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰋ ﰒ)، أن تسميه بالفسق (ﰉ ﰊ)، بعد إذ كان مؤمنًا (ﰌ ﰍ ﰎ)، من ذلك العمل الذي قيل له (ﰏ ﰐ ﰑ)، [الحجرات: ١١] قال: هو شرٌ ممن قال ذلك.
وتكون: «من» على هذا التأويل نصبٌ لتعلقه بـ«الجهر»، وتأويل الكلام، على قول قائل هذا القول: لا يحب الله أن يجهر أحد لأحد من المنافقين بالسوء من القول، إلا من ظلم منهم فأقام على نفاقه، فإنه لا بأس بالجهر له بالسوء من القول.
قال الطبري: «وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ: «إلا من ظلم» بضم «الظاء»، لإجماع الحجة من القرأة وأهل التأويل على صحتها، وشذوذ قراءة من قرأ ذلك بالفتح؛ فإذ كان ذلك أولى القراءتين بالصواب، فالصواب في تأويل ذلك: لا يحب الله، أيها الناس، أن يجهر أحدٌ لأحد بالسوء من القول «إلا من ظلم»، بمعنى: إلا من ظلم، فلا حرج عليه أن يخبر بما أسيء عليه، وإذا كان ذلك معناه، دخل فيه إخبار من لم يقر، أو أسيء قراه، أو نيل بظلم، في نفسه أو ماله، أو يخبر غيره من سائر الناس بما أصابه ونيل منه، وكذلك دعاؤه على من ناله بظلم: أن ينصره الله عليه، لأن في دعائه عليه إعلامًا منه لمن سمع دعاءه عليه بالسوء له»163.
أولًا: إعلان الكفر:
إعلان الكفر له صور متعددة، أولها: إعلان الكفار عداوتهم للرسول وكفرهم بدين الله عز وجل ومعارضتهم لدعوة النبي عليه الصلاة والسلام، والثانية: إعلان المسلم الكفر إكراهًا واضطرارًا،، والثالثة: إعلان الكفار مظاهر دينهم والجهر بها.
١. إعلان الكفار عداوتهم للرسول وكفرهم بدينه.
بين الله سبحانه وتعالى أنه مطلع على سر الكفار جهرهم، يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، ولا يخفى عليه شيء من أمرهم، قال تعالى (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [النمل: ٧٤].
والمراد بما يخفونه من عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم والحقد عليه، وما يعلنون من الطعن فيه واللمز164.
ونهى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم عن طاعة الكفار والمنافقين في قوله جل شأنه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأحزاب: ١].
قال بعض المفسرين: «(ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) مستعملان في طلب الاستمرار على ما هو ملازم له من تقوى الله، فأشعر ذلك أن تشريعا عظيما سيلقى إليه لا يخلو من حرج عليه فيه وعلى بعض أمته، وأنه سيلقى مطاعن الكافرين والمنافقين، وفائدة هذا الأمر والنهي التشهير لهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل أقوالهم لييأسوا من ذلك لأنهم كانوا يدبرون مع المشركين المكايد ويظهرون أنهم ينصحون النبيء صلى الله عليه وسلم ويلحون عليه بالطلبات نصحا تظاهرا بالإسلام.
والمراد بالكافرين المجاهرون بالكفر لأنه قوبل بالمنافقين، فيجوز أن يكونوا المشركين كما هو غالب إطلاق هذا الوصف في القرآن»165.
وفي موضع آخر يقول المولى عز وجل: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الفرقان: ٥٢].
وهي صريحة في النهي عن طاعة الكفار ووجوب مجاهدتهم.
٢. إعلان المسلم الكفر إكراهًا واضطرارًا.
لم يختلف أحد من الفقهاء أنه يجوز إعلان الكفر أو الجهر به إذا ألجئ المرء إلى ذلك كما في قصة عمار بن ياسر وما نزل بشأنها في سورة النحل، ولا يترتب على الكفر إكراها أي أثر شرعي من نحو فراق الزوج، ومنع الإرث ونحو ذلك من الأحكام، لأن الإكراه لا أثر له في ذلك ما دام القلب مطمئنا بالإيمان166.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النحل: ١٠٦].
قال الإمام الشافعي: «فلو أن رجلا أسره العدو، فأكره على الكفر لم تبن منه امرأته، ولم يحكم عليه بشيء من حكم المرتد قد أكره بعض من أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على الكفر، فقاله؛ ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له ما عذب به فنزلت هذه الآية، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم باجتناب زوجته، ولا بشيء مما على المرتد»167.
وقال ابن العربي: «هذه الآية نزلت في المرتدين، وقد تقدم ذكر بعض من أحكام الردة في سورة المائدة، وبينا أن الكفر بالله كبيرة محبطة للعمل، سواء تقدمها إيمان أو لم يتقدم، والكافر أو المرتد هو الذي جرى بالكفر لسانه، مخبرا عما انشرح به من الكفر صدره، فعليه من الله الغضب، وله العذاب الأليم، إلا من أكره، وهي: المسألة الثانية: فذكر استثناء من تكلم بالكفر بلسانه عن إكراه، ولم يعقد على ذلك قلبه، فإنه خارج عن هذا الحكم، معذور في الدنيا، مغفور في الأخرى» 168.
هذا ولم يقل أحد بوجوب التلفظ بكلمة الكفر أو إظهاره عند الإكراه عليه، بل الأمر لا يعدو كونه رخصة من شاء أخذ بها ومن شاء ثبت على موقفه حتى لو قتل.
قال الرازي: «أجمعوا على أنه لا يجب عليه التكلم بكلمة الكفر»169.
وقال الجصاص نقلًا عن أصحابه الحنفية: «من أكره على الكفر فلم يفعل حتى قتل أنه أفضل ممن أظهر الكفر، وقد أخذ المشركون خبيب بن عدي فلم يعط التقية حتى قتل فكان عند المسلمين أفضل من عمار بن ياسر حين أعطى التقية وأظهر الكفر، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (كيف وجدت قلبك؟) قال: مطمئنًا بالإيمان فقال صلى الله عليه وسلم: (وإن عادوا فعد)، وكان ذلك على وجه الترخيص»170.
والأدلة على ذلك ما يلي:
الدليل الأول: ما تواتر ذكره في السيرة النبوية والسنة المطهرة من أن سيدنا بلال بن رباح صبر على ذلك العذاب، وكان يقول: «أحد أحد»، ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس ما صنعت بل عظمه عليه، فدل ذلك على أنه لا يجب التكلم بكلمة الكفر.
الدليل الثاني: ما روى عبد الرزاق عن معمرٍ، قال: سمعت أن مسيلمة أخذ رجلين من أهل الإسلام، فقال لأحدهما: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟، قال: نعم، وكان مسيلمة لا ينكر أن محمدًا رسول الله، ويقول: هو نبيٌ، وأنا نبيٌ، قال: فقال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟، قال: نعم، قال: أتشهد أن مسيلمة رسول الله؟، قال: نعم، فتركه، ثم جيء بالآخر، فقال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟، قال: نعم، قال: أتشهد أن مسيلمة رسول الله؟، فقال: إني أصم، فقال: أسمعوه، فقال: مثل مقالته الأولى، فقال: إذا ذكروا لك محمدًا سمعت، وإذا ذكروا لك مسيلمة، قلت: إني أصم! اضربوا عنقه، قال: فضربوا عنقه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أما هذا فقد مضى على يقينٍ، وأما الآخر فأخذ بالرخصة)171.
وجه الاستدلال بهذا الخبر من وجهين كما ذكرهما الرازي:
الأول: أنه سمى التلفظ بكلمة الكفر رخصة.
والثاني: أنه عظم حال من أمسك عنه حتى قتل172.
الدليل الثالث من المعقول: أن بذل النفس في تقرير الحق أشق، فوجب أن يكون أكثر ثوابًا.
الدليل الرابع من المعقول أيضًا: أن الذي أمسك عن كلمة الكفر طهر قلبه ولسانه عن الكفر، أما الذي تلفظ بها فهب أن قلبه طاهر عنه إلا أن لسانه في الظاهر قد تلطخ بتلك الكلمة الخبيثة، فوجب أن يكون حال الأول أفضل173.
٣. إعلان الكفار شعائر دينهم ومظاهر كفرهم.
اتفق الفقهاء على إقرار أهل الكتاب وغيرهم بديار الإسلام مقابل الجزية، وانقيادهم لحكم الإسلام في غير العبادات من حقـوق الآدميين في المعاملات وغرامة المتلفات، وكذا ما يعتقدون تحريمه، كالزنا والسرقة دون ما لا يعتقدون تحريمه، كشرب الخمر ونكاح المجوس ونحو ذلك174.
ونقل عن غير واحد من فقهاء السلف وغيرهم أنه لا ينبغي للكفار أو أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن يظهروا شعائرهم بديار المسلمين، كمثل ضرب الناقوس، أو إظهار عبادة المسيح أو العزير، والآثار والنصوص الواردة في ذلك كثيرة، أورد منها:
ما روي عن عكرمة قال: قيل لابن عباسٍ رضي الله عنه: أللعجم أن يحدثوا في أمصار المسلمين بناءً أو بيعةً؟ فقال: «أما مصرٍ مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بناءً، أو قال: بيعةً، ولا يضربوا فيه ناقوسًا، ولا يشربوا فيه خمرًا، ولا يتخذوا فيه خنزيرًا، أو يدخلوا فيه، وأما مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ العجم يفتحه الله على العرب ونزلوا، يعني على حكمهم فللعجم ما في عهدهم، وللعجم على العرب أن يوفوا بعهدهم، ولا يكلفوهم فوق طاقتهم»175.
وقد استدل به ابن القيم في في غير موضع من كتابه أحكام أهل الذمة، وذكر أنه المروي عن الإمام أحمد بن حنبل حين استفتاه الخليفة المتوكل لما ألزم أهل الكتاب بالشروط التي وضعها سيدنا عمر بن الخطاب176.
ما روي عن ميمون بن مهران قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أن يمنع النصارى في الشام أن يضربوا ناقوسًا، ولا يرفعوا صليبهم فوق كنائسهم177.
ومن نصوص الفقهاء ما قاله الشافعي: «واشترط عليهم ألا يسمعوا المسلمين شركهم، ولا يسمعوهم ضرب ناقوس، فإن فعلوا ذلك عزروا» 178.
وقال ابن القيم: «وقد أبطل الله تعالى الأذان ناقوس النصارى، وبوق اليهود، فإنه -أي: الأذان- دعوةٌ إلى الله تعالى وتوحيده، وعبوديته، ورفع الصوت به إعلاءٌ لكلمة الإسلام، وإظهار لدعوة الحق، وإخماد لدعوة الكفر»179.
وقال المواق: «ويمنع من إظهار معتقده في المسيح أو غيره، مما لا ضررفيه على المسلمين، لا ما فيه ضرر عليهم، كتغيير معتـقدهم، فينتقض عهـده بإظهاره»180.
وقال في فتح العلي المالك: «يجب على من بسط الله تعالى يده بالحكم وولاه أمـر المسلمين وأهل الذمة أن يمنعهم من كل ذكر، إذ فيه تعظيم لأعداء الله تعالى ورسوله والمسلمين، وإظهار لشوكتهم وتقوية لهم على المسلمين، وأن يلزمهم بإظهار كل ما فيه مذلةٌ لهم وإخفاء أفراحهم وأعيادهم وجنائزهم وعقائدهم وسائر أمور دينهم، وأجره في ذلك على الله والمسلم الذي يقصد تعظيم غير المسلمين، إن كان لغرضٍ دنيويٍ فهو آثم فاسق تجب عليه التوبة فورا، وإن كان لرفع دينهم فهو مرتد يسـتتاب ثلاثا، فإن تاب وإلا قتل»181.
وفي مغني المحتاج: «ويمنع الكافر من إسماع المسلمين قولا شركا، كقولهم: الله ثالث ثلاثة، واعتقادهم في عزير والمسيح، ومن إظهار خمر وخنزير وناقوس وعيد، ومن إظهار قراءتهم التوراة والإنجيل، ولو في كنائسهم، لما في ذلك من المفاسد وإظهار شعائر الكفر، فإن أظهروا شيئا من ذلك عزروا»182.
وقال البهوتي: «ويمنعون من إظهار منكر كنكاح المحارم، ومن إظهار ضرب ناقوس، ورفع صوتهم بكتابهم أو صوتهم على ميت، وإظهار عيد وصليب»183.
وبناء على ما سبق، فإنه لا ينبغي أن يمكن الكفار من إظهار شعائر كفرهم أمام المسلمين وفي ديار المسلمين التي تسري عليهم فيها أحكام الإسلام، وينبغي أن يسعى ولاة الأمر في بلاد المسلمين إلى منع ذلك.
ثانيًا: إعلان موالاة الكافرين:
نهى الله سبحانه وتعالى في غير موضع من القرآن عن موالاة الكافرين أو اتخاذهم أولياء من دون المؤمنين، نظرًا لعلو مكانة المسلم على غير المسلم، واستثنى من ذلك حالات معينة.
ففي موطن النهي عن اتخاذ الكفار أولياء إلا في حالة التقية.
قال الله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [آل عمران: ٢٨].
والتقاة فسرت بتفسيرين كما ذكرهما ابن العربي: أحدهما: إلا أن تخافوا منهم، فإن خفتم منهم فساعدوهم ووالوهم وقولوا ما يصرف عنكم من شرهم وأذاهم بظاهر منكم لا باعتقاد؛ يبين ذلك قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) على ما يأتي بيانه إن شاء الله، والثاني: أن المراد به إلا أن يكون بينكم وبينه قرابة فصلوها بالعطية184.
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ)، قال: «نهى الله سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفار أو يتخذوهم وليجةً من دون المؤمنين، إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين، فيظهرون لهم اللطف، ويخالفونهم في الدين، وذلك قوله: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ)185.
وروي عن مجاهد في قوله: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ) إلا مصانعةً في الدنيا ومخالقة186187.
وعليه فلا يجوز اتخاذ الكفار أولياء أو إظهار موالاتاهم إلا في حالة التقية، كما قال الجصاص: «قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ) إلا أن تكون بينه وبينه قرابة فيصله لذلك فجعل التقية صلة لقرابة الكافر وقد اقتضت الآية جواز إظهار الكفر عند التقية، وهو نظير قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النحل: ١٠].
وإعطاء التقية في مثل ذلك إنما هو رخصة من الله تعالى وليس بواجب بل ترك التقية أفضل»188.
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول الآية أقوالا فروي عن ابن عباس رضي الله عنه: كان الحجاج بن عمرو بن أبي الحقيق وقيس بن زيد يظنون بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود لا يفتنونكم عن دينكم، فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم فنزلت.
وقال مقاتل: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره وكانوا يظهرون المودة لكفار مكة.
وفي موطن آخر بين سبحانه وتعالى أن اتخاذ الكفار أولياء من دون المؤمنين لا يحقق للمسلم عزة ولا ارتفاعًا، فإن العزة تبتغى فيما عند الله تعالى فقال جل شأنه: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [النساء: ١٣٩ ].
وجاء النهي عن اتخاذ الكفار أولياء في موضع آخر صريحًا فقال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [النساء: ١٤٤].
ثالثًا: إعلان المعاصي:
أمر الله تعالى عباده بطاعته، ونهاهم عن معصيته، ورتب على فعل المعاصي إثما تختلف درجته بحسب درجة المعصية، والمعصية آثارها على المرء وخيمة في الدنيا والآخرة، بحسب درجتها، ومما حذر منه الشرع في المعصية الجهر بالمعصية، فهذا إثم آخر يكتسبه المرء بالإضافة إلى فعل المعصية نفسها.
وقد حذرت السنة النبوية من المجاهرة بالمعصية لما في ذلك من تجرؤ على شرع الله تعالى، وإفساح لمجال انتشار المعاصي وذيوعها بين الناس، فقد روى البخاري بسنده عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتى معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) 189.
ورواه مسلم بلفظ منصوص فيه على «الإجهار» فقد أخرج بسنده عن زهير بن حرب وغيره بلفظ: (كل أمتى معافاةٌ إلا المجاهرين وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملًا ثم يصبح قد ستره ربه فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه فيبيت يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه). قال زهيرٌ: (وإن من الهجار)190، والمراد بالمعافاة في الحديث في لفظ: «معافى» «معافاة»: دفاع الله تعالى عن العبد يوم القيامة، أو العفو عن ذنبه والمؤاخذة به، ولفظ: الجهار من أجهر «وجهر»، ولفظ: الهجار هي لغة من الإهجار وهو الفحش والكلام الذي لا ينبغي191.
ويستحق المجاهر بالمعاصي أن يعامل بالأمور الآتية:
أمرنا الله تعالى باجتناب كثير من الظن، وبين لنا تعالى في سورة الحجرات أن بعض الظن إثم فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الحجرات: ١٢ ].
فهل المجاهر بالمعصية يجوز أن يساء الظن به أم لا ؟ ذكر بعض المفسرين أن أهل السوء والفسق المجاهرون بذلك لنا أن نظن فيهم مثل الذي يظهر منهم192.
وقال بعض العلماء: «سوء ظن بالمسلمين، وهو ليس بجائز ودفع أن ذلك عند الخصوص وأما على وجه العموم فجائز، أقول: سوء الظن المحرم إما بمجرد الوهم أو الشك، وأما المجاهرون وكذا الذين دل على سوء حالهم الدليل، ولو ظنا غالبا فليس بمحرم بل من قبيل البغض في الله المأمور به»193.
ذكر بعض العلماء أنه يجب على الإمام إذا رأى قومًا يجاهرون بالعصيان بحيث اشتهروا بذلك، أن يشهر أمرهم بين الناس تنكيلا بهم، وحتى يحذرهم الناس، قال المهلب فيما نقله عنه ابن بطال: «إخراج أهل الريب والمعاصي من دورهم بعد المعرفة بهم واجب على الإمام من أجل تأذي من جاورهم، ومن أجل مجاهرتهم بالعصيان، وإذا لم يعرفوا بأعيانهم فلا يلزم البحث عن أمرهم؛ لأنه من التجسس الذى نهى الله عنه، وليس للسلطان أن يرفع ستر اختفائهم حتى يعلنوا إعلانًا يعرفون به لقوله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى: (كل عبادى معافون إلا المجاهرين) 194 فحينئذ يجب على السلطان تعييره والنكال به، كما صنع عمر بأخت أبى بكر حين ناحت» 195.
إذا فعل امرؤ معصية في حق آخر وستره الله تعالى، ولكن جهر بها بعد ذلك، فحينئذ ينبغي أن يؤاخذ به، ولا يعفى عنه، كما لو ضربه أو قذفه أو سرق ماله ونحو ذلك، فإن العاصي إذا أقر بذلك أو أعلنه أمام الناس فينبغي أن يعاقبه الحاكم بما يناسب جرمه في حق غيره، كما قال الشيخ إسماعيل حقي: «المجاهرون بالمعاصي لا يعافون بل يؤخذون في الدنيا إن كانت مما يتعلق بالحدود وأما في الآخرة فمطلقًا» 196.
المعروف في الشرع أنه لا يجوز للإنسان أن يخطب على خطبة أخيه حتى يذر الخاطب الأول مخطوبته، فقد ورد في السنة عن ابن عمر -رضى الله عنهما- كان يقول: (نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعضٍ، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب)197.
ولكن ذكر بعض العلماء أنه إذا كان الخاطب الأول فاسقًا أو عاصيًا، أو مجاهرا بمعصيته فإنه لا حرمة في أن يخطب على خطبته من هو أفضل منه وأصلح198، فالمعصية الظاهرة أو المجاهرة بها أسقطت حق صاحبها في هذا الأمر.
رابعًا: الفواحش القولية والفعلية:
حرم الله تعالى الفواحش بكل أنواعها، خفية كانت أو ظاهرة، قولية أو فعلية، فقال تعالى في معرض ذكر بعض المعاصي المحرم اتيانها: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنعام: ١٥١].
وقال جل شأنه مبينًا تحريم الفواحش الظاهرة والباطنة: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأعراف: ٣٣].
فتضمنت الآية الأولى نهيا صريحا عن إتيان تلك المحرمات، وفيما يخص الفواحش جاء النهي صريحا عن الاقتراب منها، وتضمنت الآية الثانية خبرًا في صورة النهي عن إتيان الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وذكر المفسرون تأويلات عدة في المقصود بما ظهر منها وما بطن في الموضعين، فذكر الماوردي على سبيل المثال خمسة وجوه في آية الأنعام، ووجهان في آية الأعراف199، وذكر ابن الجوزي ستة وجوه في آية الأعراف200.
ونظرا لاشتراك بعض هذه الأقوال فقد تحصل لدي ثمانية أقوال من كلا الموضعين على النحو التالي:
القول الأول: أن المراد بما ظهر منها الزنا علنا، وما بطن الزنا سرًّا. وهو مروي عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير.
قال الطبري: «(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) يعني: الزنا (ﮅ ﮆ) يعني: العلانية، (ﮈ ﮉ) في السر وكانوا يتكرمون عن الزنا في العلانية، ويفعلونه في السر201.
القول الثاني: أن (ﮅ ﮆ) نكاح الأمهات، (ﮈ ﮉ) الزنا. وهذا رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما وبه قال علي بن الحسين.
القول الثالث: أن (ﮅ ﮆ) نكاح الأبناء نساء الآباء والجمع بين الأختين وأن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها، (ﮈ ﮉ) الزنا، وهو مروي عن ابن عباس أيضا.
القول الرابع: أن (ﮅ ﮆ) الزنا، (ﮈ ﮉ) العزل. قاله القاضي شريح.
القول الخامس: أن (ﮅ ﮆ) طواف الجاهلية عراة، (ﮈ ﮉ) الزنا. قاله مجاهد.
القول السادس: أن (ﮅ ﮆ) منها شرب الخمر، (ﮈ ﮉ) الزنا. وهو قول الضحاك.
القول السابع: أن (ﮅ ﮆ ﯱ): نكاح ذوات الحوانيت، (ﮈ ﮉ): ذوات الاستسرار، قاله ابن عباس، والحسن البصري، والسدي.
القول الثامن: أنه عام في جميع المعاصي وهذا قول قتادة، ثم في (ﮅ ﮆ ﯱ ﮈ ﮉ) قولان:
أحدهما: أن الظاهر العلانية والباطن السر قاله أبو سليمان الدمشقي.
والثاني: أن (ﮅ ﮆ) أفعال الجوارح والباطن اعتقاد القلوب قاله الماوردي202.
وعلى جهة الإجمال فإن الفواحش يحرم إتيانها سرا أو جهرًا، ويحرم الجهر بها أمام الناس إذا ابتلي المرء بإتيانها، وما أجمل ما ذكره ابن العربي على جهة العموم في تفسيرها بقوله: «إن كل فاحشة ظاهرة للأعين، أو ظاهرة بالأدلة، كما ورد النص فيه أو وقع الإجماع عليه، أو قام الدليل الجلي به، فينطلق عليها اسم الظاهرة، والباطنة كل ما خفي عن الأعين، ويقصد به الاستتار عن الخلق؛ أو خفي بالدليل؛ كتحريم نكاح المتعة والنبيذ على أحد القولين ونحو ذلك في الصنفين؛ فإن النبيذ وإن كان مختلفا فيه فإن تحريمه جلي في الدليل، قوي في التأويل»203.
وفي الحديث الصحيح عن عمرو بن مرة عن أبي وائلٍ عن عبد الله رضى الله عنه قال: قلت أنت سمعت هذا من عبد الله قال: نعم، ورفعه قال: (لا أحد أغير من الله، فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، فلذلك مدح نفسه)204.
وفي موطن ثالث في قصة الإفك تجد الوعيد الشديد في انتظار من يحب إشاعة الفواحش والجهر بها بين المؤمنين نظرًا لما يترتب على إشاعتها من فساد في المجتمع، فقال جل وعلا: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [النور: ١٩].
والآية نزلت في واقعة الإفك المعروفة التي نال فيها المنافقون من السيدة عائشة رضي الله عنها، وكان غرضهم الخبيث التشهير بها فأنزل الله تعالى براءتها من فوق سبع سماوات في آيات تتلى إلى يوم القيامة.
والمقصود بحب إشاعة الفاحشة: حب ظهور الزنا وإذاعته كما ذكره غير واحد من المفسرين205.
والمقصود في الآية كما ذكره بعض المفسرين أن الله سبحانه لما بين ما على أهل الإفك وما على من سمع منهم، وما ينبغي أن يتمسكوا به من آداب الدين أتبعه بقوله: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك في هذا الذم كما شارك فيه من فعله ومن لم ينكره، وليعلم أن أهل الأفك كما عليهم العقوبة فيما أظهروه، فكذلك يستحقون العقاب بما أسروه من محبة إشاعة الفاحشة في المؤمنين، وذلك يدل على وجوب سلامة القلب للمؤمنين كوجوب كف الجوارح والقول عما يضربهم 206.
ولو رجعنا إلى السنة النبوية لوجدنا الكثير من النصوص التي تبين ضرورة حماية المجتمع من نشر الفاحشة بالقول والفعل، وتبين لزوم سلامة المسلم من لسان غيره ويده، وتحذر من تتبع عورات الناس وإفضاح أمورهم، وكشف سرائرهم، ومن ذلك:
ما رواه الشيخان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)207.
وما روي عن ابن عمر قال: (صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوتٍ رفيعٍ فقال: (يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو فى جوف رحله) قال: ونظر ابن عمر يومًا إلى البيت أو إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمةً عند الله منك)208.
رأينا كيف أن هذه الآية الكريمة نزلت في واقعة معينة، وهي واقعة الإفك، وكيف أن إشاعة الفواحش في العرب قديما كانت تقتصر غالبا على إشاعة الزنا، وشرب الخمر، ولعب الميسر ونحوها، ويمكن القول إن الآية وإن كانت واردة في واقعة خاصة إلا أنه يمكن تعميم حكمها على كل الفواحش القولية والفعلية، وذلك لأن المجتمع المسلم يتأذى من كل ما يشينه قولا وعملا، سواء أكان في النفس أم في العرض أم في غير ذلك.
وفي العصر الحاضر تعددت وسائل نشر الفواحش وإشاعاتها في المجتمعات المختلفة، وتفنن أعداء الأمة من الخارج، وبعض أتباعهم من الداخل في العمل على نشر الفواحش بشتى الطرق والوسائل، من إنتاج أعمال يسمونها فنية «كالأفلام والمسرحيات والمسلسلات» التي تقدم عريًا وفحشًا، وتبث سموما من الفجور والإباحية في المجتمع، وتقتحم على الناس بيوتها في أجهزة الإعلام المختلفة.
ووجدت الصحف والمجلات والجرائد المختلفة التي تنشر صورا فاضحة، أو دعايات فجة تشتمل على إساءات واضحة، تؤذي السمع والبصر، بل وتخصصت بعض هذه الوسائل في الإباحية، وما يسمونها في بعض الصحف أو الجرائد «صفحة الحوادث» يتفشى في كتابها ومحرريها -إلا من رحم ربي- مرض حب التضخيم من الحادثة ونشر تفاصيل الجريمة على العرض أو على النفس وصفا يسيء لمشاعر القارئ والمشاهد، وصفا تشعر معه وأنت تقرأ الواقعة كما لو أن المحرر أو كاتب الخبر كان مع المجرم حين تنفيذ جريمته، وهذا لا يصب في مصلحة المجتمع بقدر ما يضره.
ومع تطور التقنية ووسائل الاتصال والمواقع الإليكترونية «شبكة الإنترنت» يبتلى المجتمع بوجود المئات من المواقع الإباحية المفتوحة على شبكات التواصل الإجتماعية «الفيس بوك» ونحوها، وعلى الشبكة العنكبوتية «الإنترنت»، ويتم تبادل معلومات وعناوين هذه المواقع، أو إرسالها إلى عناوين أناس معينين أو مجهولين، مما نشر الفساد والفحش في المجتمعات الغربية، وبعض المحتمعات الإسلامية بصورة لا ينكر وجودها أحد.
وكل ما سبق ذكره يؤدي إلى الإضرار بالمجتمع في جوانب مختلفة أخلاقيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديًا، حيث يفسد أجيالا من أبناء الأمة، ويولد عندهم حب الرذيلة، وإلف المعصية، وينشر الجريمة، ويسهل الطرق إلى ارتكاب الفاحشة.
وهذا كله يحتاج إلى وقفة حاسمة من المجتمع المسلم عامة، ومن القائمين على أمور المسلمين خاصة في المجتمعات الإسلامية، وقفة تحمي المجتمع من هذه الموبقات، وتطهره من هذه الشرور، تضع نصب أعينها هذه الآيات الكريمة التي تنهى عن نشر الفواحش، وتحذر من الاقتراب منها أو إتيان أبوابها.
قال الجصاص: «أبان الله بهذه الآية وجوب حسن الاعتقاد في المؤمنين ومحبة الخير والصلاح لهم فأخبر فيها بوعيد من أحب إظهار الفاحشة والقذف والقول القبيح للمؤمنين وجعل ذلك من الكبائر التي يستحق عليها العقاب وذلك يدل على وجوب سلامة القلب للمؤمنين كوجوب كف الجوارح والقول عما يضر بهم»209.
وقال الرازي: «لا شك أن ظاهر قوله: (ﯳ ﯴ ﯵ) [النور: ١٩].
يفيد العموم وأنه يتناول كل من كان بهذه الصفة، ولا شك أن هذه الآية نزلت في قذف عائشة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فوجب إجراؤها على ظاهرها في العموم، ومما يدل على أنه لا يجوز تخصيصها بقذفة عائشة قوله تعالى في: (ﭒ ﭓ) فإنه صيغة جمع ولو أراد عائشة وحدها لم يجز ذلك، والذين خصصوه بقذفة عائشة منهم من حمله على عبدالله بن أبي، لأنه هو الذي سعى في إشاعة الفاحشة»210.
خامسًا: الأسرار الزوجية:
العلاقة بين الزوجين لها قدسيتها ومكانتها في الإسلام، وتتمتع بخاصية السرية والكتمان، ومراعاة الأدب والحياء ونحو ذلك من الأخلاقيات الإسلامية، ولهذا كلف الزوجان بالحفاظ على هذه العلاقة وعدم كشف أسرارها للغير إلا للضرورة القصوى من نحو التنازع في القضاء أو العلاج.
وقد ورد في السنة التحذير من إفشاء الزوجين أسرار الزوجية لاسيما ما يتعلق بالمعاشرة، فقد روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفضى إليه ثم ينشر سرها)211.
وأخرج أبو داود والطبراني من حديث طويل عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي أقبل على الرجال فقال: (هل منكم الرجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟)، قالوا: نعم، قال: (ثم يجلس بعد ذلك فيقول: فعلت كذا فعلت كذا)، قال: فسكتوا، قال: فأقبل على النساء فقال: (هل منكن من تحدث؟)، فسكتن، فجثت فتاةٌ -قال مؤملٌ فى حديثه فتاةٌ كعابٌ- على إحدى ركبتيها وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها، ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله إنهم ليتحدثون وإنهن ليتحدثنه، فقال: (هل تدرون ما مثل ذلك؟)، فقال: (إنما ذلك مثل شيطانةٍ لقيت شيطانًا فى السكة فقضى منها حاجته والناس ينظرون إليه)212.
وفي رواية لأحمد عن أسماء بنت يزيدٍ: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعودٌ عنده فقال: (لعل رجلًا يقول ما يفعل بأهله ولعل امرأةً تخبر بما فعلت مع زوجها؟)، فأرم القوم فقلت: إي والله يا رسول الله إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون، قال: (فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل الشيطان لقي شيطانةً فى طريقٍ فغشيها والناس ينظرون)213.
والحديث يدل على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع وذلك لأن كون الفاعل لذلك بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينهما الراجعة إلى الوطء ومقدماته، وهذا التحريم هو في نشر أمور الاستمتاع ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع وإفشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقاع، وأما مجرد ذكر نفس الجماع فإن لم يكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة ومن التكلم بما لا يعني ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه فإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة فلا كراهة في ذكره، وذلك نحو أن تنكر المرأة نكاح الزوج لها وتدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك214.
قال النووي: «وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه، لأنه خلاف المروءة وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة؛ بأن ينكر عليه إعراضه عنها، أو تدعي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره كما قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأفعله أنا وهذه)، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: (أعرستم الليلة)215.
قال المناوي: «والقصد بالحديث التحذير من ذلك وبيان أنه من أمهات المحرمات الدالة على الدناءة وسفساف الأخلاق»216.
هذا وإفشاء الأسرار الزوجية يترتب عليه آثار سيئة في العلاقة الزوجية، وكذا على نفوس المستمعين لهذه الأسرار، لا يتسع المقام لسرده، وهو يوقع صاحبه في مخالفة الشرع، سواء أكان زوجًا أو زوجه، حيث نص القرآن الكريم على مؤاخذة المرء بكل ما يلفظ من قول، فقال تعالى:(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [ق: ١٨].
سادسًا: الأخبار الحربية:
الحرب مشروعة في الإسلام لنشر دين الله عز وجل بعد إنذار غير المسلمين بالدخول في الإسلام أو دفع الجزية، ومشروعة للدفاع عن الأوطان والأنفس كما هو معروف، والحرب لها وضعها الخاص من الترتيب والكتمان وحسن التخطيط، مما يتطلب من المجاهدين وغيرهم المحافظة على أسرارها، وعدم إفشاء أمورها حتى لا يصل الخبر للعدو فيكيد ويحتاط.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على ذلك، ويحذرهم قولًا وعملًا من إشاعة أخبار الجهاد حفاظًا على سلامة الأمة، وتجنبًا لكيد أعدائها، ولهذا ورد في السنة ما ينص على أن الحرب خدعة، وهو يدل على كتمان الأسرار الحربية، فقد روي الشيخان عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحرب خدعةٌ)217.
قال النووي: «اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل»218.
قال ابن حجر: وأصل الخدع إظهار أمر واضمار خلافه وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار وأن من لم يتيقظ لذلك لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه قال النووي: واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن الا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز قال ابن العربي: الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة ولهذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث وهو كقوله: (الحج عرفة)219.
وتناول الفقهاء حكم الجاسوس الذي يفشي أسرار جيش المسلمين لعدوهم، وهو لا يخلو من أن يكون غير مسلم كالحربي أو الذمي، أو مسلم، فإن كان الجاسوس حربيًا فهو مباح الدم يقتل على أي حال بالإجماع220.
قال النووي في شرح مسلم: «اعلم أن الجاسوس إن كان كافرا حربيا فإنه يقتل بإجماع، وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي: يصير ناقضا للعهد فإن رأى استرقاقه أرقه ويجوز قتله»221.
أما إن كان الجاسوس ذميا أو مستأمنًا أو مسلمًا، فقد اختلف الفقهاء في قتله حيث ذكر ابن بطال وغيره أقوالا عدة للعلماء:
القول الأول: أنه يوجع عقوبة ويحبس حبسًا طويلا. وهذا قول أبي حنيفة والأوزاعي222.
القول الثاني: أنه ليس فيه شيء مقدر، وإنما يرجع في أمره إلى اجتهاد الإمام. وهو قول مالك223.
القول الثالث: إنه يعفى عنه إذا كان ذو هيئة ومكانة، وإن لم يكن كذلك فإنه يعذره الإمام.وهو للشافعي224.
ودليله في العفو قصة حاطب بن أبي بلتعة حينما أرسل يخبر قريشًا بشأن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث عفا عنه النبي.
والحديث بتمامه كما في الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود، قال: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخٍ، فإن بها ظعينةً ومعها كتابٌ، فخذوه منها)، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتابٍ، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناسٍ من المشركين من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا حاطب، ما هذا؟)، قال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرأً ملصقًا في قريشٍ، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ بمكة، يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد صدقكم)، قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: (إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدرٍ فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم)225.
ودليله في التعزير عموم حديث: (لا يحل دم امرىءٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاثٍ: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك الجماعة)226.
القول الرابع: أنه يقتل، وهو قول ابن القاسم وسحنون وابن وهب المالكية، غير أن ابن وهب قيد القتل بحالة إذا لم يتب227، والحنابلة228.
فعند المالكية سئل مالك عن الجاسوس من المسلمين يؤخذ وقد كاتب الروم وأخبرهم خبر المسلمين فقال: ما سمعت فيه بشيء وأرى فيه اجتهاد الإمام وقال ابن القاسم: أرى أن تضرب عنقه»229.
وعند الحنابلة: يجوز قتل الجاسوس المسلم، والمفرق لجماعة المسلمين، والداعي إلى غير كتاب الله وسنة نبيه، وغير ذلك مما لا يندفع إلا بالقتل230.
والقائلون بالقتل استدلوا بما روي في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عينٌ من المشركين وهو فى سفرٍ، فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اطلبوه واقتلوه). فقتله، فَنَفَّلَهُ وسَلَبَهُ)231.
والدليل على قتل الجاسوس المسلم استئذان سيدنا عمر النبي صلى الله عليه وسلم في قتل حاطب، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر عمر على إرادة القتل لولا المانع وبين المانع هو كون حاطب شهد بدرًا، وهذا منتفٍ في غير حاطب فلو كان الإسلام مانعًا من قتله لما علل بأخص منه232.
وقتل الجاسوس عند القائلين به هو قتل تعزير، فالأمر في قتله متروك للإمام فمتى ما رآى أن المصلحة في قتله فعل ذلك233.
القول الخامس: أنه ينظر لفعله، فإن كان نادرًا، أي: تجسس مرة واحدة أو أخبر المشركين عن المسلمين مرة واحدة، ولم يكن من أهل الطعن على الإسلام، فإنه ينكل به، وإن كان معتادًا منه هذا الفعل، فإنه يقتل.
وهو قول عبد العزيز بن الماجشون من علماء المالكية234، واختاره بعض الحنابلة235236.
وفي العصر الحاضر تختلف عقوبة الجاسوس من دولة لأخرى حسب درجة الجرم، وحسب درجة خطورة وأهمية المعلومات التي قدمها للعدو، وحسب حالة الجاسوس من كونه من أبناء الدولة أو أجنبيًا.
وفي جميع الحالات فإن نشر الأسرار العسكرية، أو الإدلاء بمعلومات تتعلق بالأمن القومي للأوطان إلى الجهات المعادية، أو حتى غير المعادية في بعض الأحيان عمل لا يقره الإسلام، ومما ينبغي الحذر منه والتشديد في أمره من قبل ولاة الأمر.
موضوعات ذات صلة: |
الإنفاق، الدعوة، السر، الكتمان |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/١١١، لسان العرب، ابن منظور ١٣/٣٨٨.
2 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٥٢٥.
3 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية٢/٦٢٥.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٤٨١، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب العين ص٧٩١.
5 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٤/٩٦.
6 أخرجه وأحمد في مسنده، رقم ١٨٩٢٦، ٤/٣٢٢ ، وأبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في استخلاف أبي بكر رضي الله عنه، رقم ٤٦٦٢.
وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
7 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/١٤٩، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٤٧١.
8 معجم لغة الفقهاء، قلعجي ص١٦٨.
9 الفروق اللغوية، العسكري ص٢٨٧.
10 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٣٥٤، مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٢٠٢، لسان العرب، ابن منظور ١٤/٢٣٤، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٤٢، تاج العروس، الزبيدي ٣٧/٥٦٤.
11 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٨٩، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٤٢، الكليات، الكفوي ص ٥١٤.
12 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٠٤، لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٦٣، المصباح المنير، الفيومي ص٢٧٣، تاج العروس، الزبيدي ١٢/٧.
13 انظر: المفردات ص ٤٠٤، الكشاف، الزمخشري ٤/٧٣٦.
14 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/١٨٦.
15 المصدر السابق ٤/١٨٦.
16 المصدر السابق ٧/١٨٠.
17 روح المعاني، الألوسي ١١/٢٠٩.
18 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/١٨٦.
19 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٥٢٩ بتصرف.
20 إملاء ما من به الرحمن، أبو البقاء العكبري ٢/١١٩.
21 معاني القرآن، الزجاج ١/١٠٢.
22 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/١٨.
23 الكشاف ٢/٧.
24 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٣٦٨، تفسير السمرقندي ٢/٢١٩، تفسير السمعاني ٣/٨٠، معالم التنزيل، البغوي ٤/٢٩٩، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٣٠٩، لباب التأويل، الخازن ٤/٧، الدر المنثور، السيوطي ٤/٦١٠.
25 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٣٠٩.
26 انظر: جامع البيان، الطبري رقم ٢٠٢٠٦، ١٦/٣٦٨، تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٢٢٨، الدر المنثور، السيوطي ٤/٦١٠.
27 انظر: جامع البيان، الطبري رقم ٢٠٢٠٨، ١٦/٣٦٨، تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٢٢٨.
28 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٣٦٨، تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٢٢٨، الدر المنثور، السيوطي ٤/٦١٠.
29 تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٢٢٨.
30 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٢٣٣، تفسير السمرقندي ٢/١٣٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٠٥، فتح القدير، الشوكاني ٢/٦٩٦.
31 فتح القدير، الشوكاني ٢/٦٩٦.
32 تفسير السمرقندي ٢/٢٦٩.
33 روح المعاني، الألوسي ١١/٢٠٩.
34 تفسير السمرقندي ٣/٤٥٣.
35 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٤.
36 فتح القدير، الشوكاني ٤/٩٠.
37 مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/١١١.
38 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/٣٩٤، جامع البيان، الطبري ١٨/٢٧٢ و٢٧٣، مفاتيح الغيب، الرازي ٢/١٦.
39 تفسير الثوري ص١٩٢.
40 مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/١٠٧.
41 المصدر السابق.
42 معالم التنزيل، البغوي ٤/٧٨.
43 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/١١٩.
44 قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص (قال ربي يعلم) على معنى الخبر، وقرأ الباقون (قل ربي أعلم) على معنى الأمر، وصحح بعض العلماء القراءتين، وقال إنهما بمنزلة الآيتين، وفيهما من الفائدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر وأنه قال كما أمر.
انظر: السبعة في القراءات، ابن مجاهد ص٤٢٨، حجة القراءات، ابن زنجلة ص٤٦٥.
45 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١/٣١١٨، السراج المنير، الشربيني ٢/٣٩٨.
46 تفسير السمرقندي ٣/٤٥٣.
47 المواضع هي: الأنعام ٧٣، التوبة ٩٤ التوبة ١٠٥، الرعد ٩، المؤمنون ٩٢، السجدة ٦، الزمر ٤٦، الحشر ٢٢ الجمعة ٨، التغابن ١٨.
48 انظر: تفسير ابن أبي حاتم رقم ١٢١٧٣، ٧/٢٢٢٨، الدر المنثور، السيوطي ٣/٢٩٩.
49 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٢١٩، النكت والعيون، الماوردي ٥/١٣٠، ٦/٢٧، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٢٨، حقائق التفسير، السلمي ٢/٣٢١، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٥١٥، تفسير القرآن السمعاني ٣/٤٨٨ و ٤/٢٧٢، و ٥/٤٠٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/٤٥، البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٥٧، ٦/٤٠٦ ٠ ٨/٢٧، الدر المنثور، السيوطي ٣/٢٩٩، ٤/٦١٠، ٨/١٢٣ وكلها عن ابن عباس.
50 انظر: تفسير السمرقندي ١/٤٧٩، ٢/٢١٩، ٢/٤٨٨، ٣/٣١، ٣/٤١٠.
51 انظر: المبسوط، السرخسي ١٦/٢٢٦، حاشية ابن عابدين ٥/٥٥٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣٥٤.
52 انظر: المجموع، النووي ٢٠/٢١٧، فتح الوهاب، زكريا الأنصاري ٢/٤٠٢.
53 انظر: المغني، ابن قدامة ١٢/١١٣، شرح منتهى الإرادات، البهوتي ٣/١٠٤.
54 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣٥٤، شرح منح الجليل، محمد عليش ٣/٥٥٧، التاج والإكليل، المواق ٦/٢٧٠.
55 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٣/٤٢٣.
56 تفسير السمرقندي ٢/٢٩٦.
57 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٢٨٨.
58 المصدر السابق.
59 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٤٦٩، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٢٥٢، معالم التنزيل، البغوي ٦/٢٢٨.
60 انظر: معاني القرآن، النحاس ٦/٢٦٧، تفسير السمرقندي ٣/٢١٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٥٦٨.
61 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٥٦٨.
62 انظر: المصدر السابق ٢٧/٥٦٨.
63 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٨/٢٣٠.
64 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٦٣٢.
65 جامع البيان، الطبري ٢٣/٦٣٢.
66 روح المعاني، الألوسي ٢٩/٧٢.
67 سمع أعرابي رجلًا يقرأ قول الله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ) فسجد، فقيل له في ذلك فقال: سجدت لفصاحة هذا الكلام.
انظر: أعلام النبوة، الماوردي ص٢٧٥، السيرة الحلبية، برهان الدين الحلبي ١/٤٧٥.
68 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٤٠٤، تفسير السمرقندي ٢/٥٦٩، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٣٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٦٧، أعلام النبوة، الماوردي ص٢٧٥، السيرة الحلبية، الحلبي ١/٤٥٧، الخصائص الكبرى، السيوطي ١/٢٠٣.
69 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير باب وأنذر عشيرتك الأقربين، رقم ٤٧٧٠.
70 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التفسير باب في قوله وأنذر عشيرتك الأقربين، رقم ٥٢٧.
71 اختلف في قراءة: (فنعما هي) فقرأ نافع في غير رواية ورش وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل: (فنعما) بكسر النون وسكون (فنعما) بكسر النون والعين وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (فنعما) بفتح النون وكسر العين وكلهم شدد الميم. انظر: السبعة في القراءات، ابن مجاهد ص١٩٠، الحجة في القراءات، ابن زنجلة ص١٤٦.
72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، رقم ٦٦٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة، رقم ٢٤٢٧.
73 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٧/٦١.
74 انظر: المصدر السابق ٧/٦٢.
75 انظر: معاني القرآن، النحاس ١/٣٠١، زاد المسير، ابن الجوزي ١/٣٢٦.
76 أحكام القرآن، ابن العربي ١/٤٧٢.
77 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٧/٦١، حاشية الدسوقي، محمد عرفة الدسوقي ٤/٣٢٠، نهاية المحتاج، الرملي ٧/٤٣٢، المغني، ابن قدامة ١٠/١٣٣، شرح منهتى الإرادات، البهوتي ٣/٣٤٠.
78 بدائع الصنائع، الكاساني ٧/٦١.
79 المصدر السابق ٧/٦١.
80 تفسير السمرقندي ٢/٤٩٥.
81 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٩، الدر المنثور، السيوطي ٦/١٢٦.
82 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٩٣، معاني القرآن، النحاس ٤/٤٩٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٦٦، الدر المنثور، السيوطي ٦/١٢٦.
83 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٩٤، الدر المنثور، السيوطي ٦/١٢٦..
84 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٦٦.
85 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٦٦، مواهب الجليل، للحطاب ٨/٣٩٩.
86 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٩٥، الدر المنثور، السيوطي ٦/١٢٦.
87 انظر: المصادر السابقة.
88انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٦٦، حاشية الدسوقي ٤/٣٢٠.
89انظر: الدر المنثور، السيوطي ٦/١٢٦، الحاوي الكبير، الماوردي ٢/٤٦٤، مغني المحتاج، الشربيني ٤/١٥٢.
90الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٦٦، الدر المنثور، السيوطي ٦/١٢٦.
91 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٩٥، الدر المنثور، السيوطي ٦/١٢٦.
92 الحاوي الكبير، الماوردي ٢/٤٦٤-٤٦٥.
93 انظر: التشريع الجنائي في الإسلام، عبدالقادر عودة ٢/٤٣٤ و٤٨٥.
94 إحياء علوم الدين، الغزالي ٣/٣١٧.
95 نهاية المحتاج، الرملي ١/٣٥٩.
96 انظر: حاشية ابن عابدين ١/٥٣٤،٥٣، الهداية، مرغيناني ١/٥٤، مواهب الجليل، الحطاب ٢/٢٢٣، حاشية الدسوقي ٢/٢٤٣.
97 وسن يوسن وسنًا فهو وسنٌ ووسنان وميسانٌ والأنثى وسنةٌ ووسنى وميسانٌ، ورجل وسنان ونعسان بمعنى واحد والسنة نعاسٌ يبدأ في الرأس فإذا صار إلى القلب فهو نوم، والوسن أول النوم، وفي الحديث: (وتوقظ الوسنان) أي: النائم الذي ليس بمستغرقٍ في نومه.
انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٣/٤٤٩.
98 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، رقم ١٣٣١، والترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب قراءة الليل، رقم ٤٤٧. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وصححه النووي في خلاصة الأحكام ١/٣٩١.
وانظر: جامع البيان، الطبري ١٥/١٢٤ حيث انفرد بإخراجه عن محمد بن سيرين مرسلا كما ذكره الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الكشاف، ٢/٢٩٥.
99 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٥٨٣، معاني القرآن، النحاس ٤/٢٠٦-٢٠٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٢٩.
100 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/١٦، الذخيرة، القرافي ٢/١٧٦، المجموع، النووي ٣/٣٤١، مغني المحتاج، الشربيني ١/١٥٧.
101 أحكام البسملة، الرازي ص٦٨.
102 أخرجه الدارقطني في سننه، رقم ١٢، ١/٣٠٥، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة والجهر بها واختلاف الروايات في ذلك، وفيه أبو الطاهرأحمد بن عيسى، وهو ضعيف الحديث كما ذكره الغساني في تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني ص١٠٠.
103 أخرجه الدارقطني في سننه، رقم ١٤، ١/٣٠٥، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة والجهر بها واختلاف الروايات في ذلك.وقال: إسناده صحيح ورواته كلهم ثقات.
104 انظر: أحكام البسملة، الرازي ص٧٣.
105 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/٦١، حاشية ابن عابدين ١/٤٩٠، الذخيرة، القرافي ٢/١٧٦، التاج والإكليل، المواق ١/٥٤٤، كشاف القناع، البهوتي ١/٣٣٥.
106 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٩٦، المجموع، النووي ٣/٣٤٣.
107 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، رقم ٢٥٩٩، كتاب الصلاة، باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم.
وله شاهد عند البخاري بلفظ: عن أنسٍ أن النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمر رضى الله عنهما كانوا يفتتحون الصلاة بـ(الحمد لله رب العالمين). أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما يقول بعد التكبير، رقم ٧٤٣.
108 المجموع ٣/٣٤٣.
109 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/٦١، الإنصاف، المرداوي ٢/٣٧، نيل الأوطار، الشوكاني ١/٢١٨.
110 نيل الأوطار، الشوكاني ٢/٢١٨.
111 انظر: نيل الأوطار، الشوكاني ٢/٢١٨، النيل وشفاء العليل،أطفيش ١/١٣٥.
112 انظر: نيل الأوطار، الشوكاني ٢/٢١٨.
113 انظر: الإنصاف، المرداوي ٢/٣٧.
114 انظر: مسائل مختارة من فقه العبادات، ص١٦٥-١٦٩.
115 انظر: المبسوط، السرخسي ١/١٥، المجموع، النووي ٣/٢٤٢-٢٤٣، مفاتيح الغيب، الرازي ١/٢١٩.
116 انظر: البحر الرائق، ابن نجيم ١/٣١٩، الشرح الكبير، الدردير ١/٣٩٩، الحاوي الكبير، الماوردي ٢/٩٦، المغني، ابن قدامة ١/٥٤٢، الفقه على المذاهب الأربعة، الجزيري ١/٢٨٩.
117 انظر: الشرح الكبير، الدردير ١/٣٩٩، الفقه على المذاهب الأربعة، الجزيري ١/٢٨٩.
118 انظر: مواهب الجليل، الحطاب ٢/٣٧٤.
119 انظر: البحر الرائق، ابن نجيم ١/٣١٩.
120 انظر: كشاف القناع، البهوتي ١/٣٤٣.
121 انظر: البحر الرائق، ابن نجيم ١/٣١٩، الفقه على المذاهب الأربعة، الجزيري ١/٣١٩.
122 انظر: مواهب الجليل، الحطاب ٢/٣٧٤.
123 انظر: المغني، ابن قدامة ١/٣٢٨، الفقه على المذاهب الأربعة، الجزيري ١/٣١٩..
124 انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي ٣/٣١٧.
125 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصيام، باب هل يقول إني صائم إذا شتم، رقم ١٩٠٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام باب فضل الصيام، رقم ٢٧٦٢.
126 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٢٣٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٧٤.
127 انظر: حاشية الدسوقي ١/٥١٢.
128 انظر: المصدر السابق.
129 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه رقم ١٧٠٤٢، ٩/٢٣١، كتاب الأشربة، باب الشراب في رمضان وحلق الرأس، والبيهقى في السنن الكبرى، رقم ١٨٠٠١، ٨/٣٢١ عن أبي مروان عن أبيه.
130 انظر: حاشية قليوبي على المنهاج ٢/٨٣.
131 انظر: حواشي الشرواني والعبادي على تحفة المحتاج ٣/٤٥٠.
132 انظر: معاني القرآن، النحاس ١/٣٠١، مفاتيح الغيب، الرازي ٧/٦٢، زاد المسير، ابن الجوزي ١/٣٢٦.
133 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٧/٦٢.
134 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٧/٦٣، زاد المسير، ابن الجوزي ١/٣٢٦.
135 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٧/٦٢.
136 انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي ٣/٣١٧.
137 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٢/١٤٥، الذخيرة، القرافي ٣/٢١٨، الخرشي على مختصر خليل ٢/٣٢٥، الحاوي الكبير، الماوردي ٤/٨٨، نهاية المحتاج، الرملي ١/٤٨١، كشاف القناع، البهوتي ٢/٤١٩.
138 انظر: مجمع الأنهر، شيخي زاده ١/٤٢١، الذخيرة، القرافي ٣/٢٣٣، المغني، ابن قدامة ٣/٣١٧، كشاف القناع، البهوتي ٢/٤٨٨.
139 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، رقم ٤٣٩.
140 أخرجه مالك في الموطأ رقم ٧٣٦، ١/٣٣٤ عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه.
وصححه ابن الملقن في البدر المنير ٦/١٥٢.
141 الذخيرة، القرافي ٣/٢١٨.
142 إجماعات ابن عبد البر في مسائل العبادات، عبد الله البوصي ٢/٨٧٢.
143 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٣٥٤.
144 انظر: المصدر السابق ١٣/٣٥٤.
145 أحكام القرآن، الجصاص ٣/٢٢٢.
146 الكشاف ٢/١٨١.
147 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٥٦٦.
148 أحكام القرآن، ابن العربي ٥/٣٤١.
149 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي٠ ٢١/٥٢١.
150 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٣٠٨، لباب النقول في أسباب النزول، السيوطي ص١٧.
151 انظر: تفسير السمرقندي ١/٥٨٣، تفسير السمعاني ٢/١١٣.
152 أحكام القرآن، ابن العربي ٤/٦.
153 انظر: إحياء علوم الدين ٣/٣١٧.
154 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/١٣٠، تفسير السمرقندي ١٢٦٥، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٣٠٨.
155 انظر: دقائق التفسير، ابن تيمية ١/٣١٣.
156 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٤٣٤٠، ١/٤٥٤.
قال الهيثمى في مجمع الزوائد ٩/٤٧٠: فيه عاصم بن أبى النجود، وهو على ضعفه حسن الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح، ورجال الطبرانى غير فرات ابن محبوب وهو ثقة.
157 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٣٦٦٢، ٦/١٧٨.
وعلق عليه المحقق بأنه صحيح لغيره وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه.
158 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٢٤٣، معاني القرآن، النحاس ٢/٣٢٥، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٥١.
159 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٢٤٣، معاني القرآن، النحاس ٢/٣٢٥.
160 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٣٤٦ معاني القرآن، النحاس ٢/٣٢٥.
161 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٣٤٩.
162 انظر: المصدر السابق ٩/٣٤٨.
163 جامع البيان ٩/٣٤٩ بتصرف.
164 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/١٠٤.
165 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٢٥١.
166 انظر: أحكام القرآن، الشافعي ١/١٧٧، جامع البيان، الطبري ١٧/٣٠٣، أحكام القرآن، الجصاص ٢/٢٩٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/١٨٠، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٢٧٨.
167 أحكام القرآن، الشافعي ١/١٧٧.
168 أحكام القرآن، ابن العربي ٥/٢٠٦.
169 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٢٧٨.
170 أحكام القرآن، الجصاص ٢/٢٩٠.
171 تفسير الصنعاني ٢/٣٦٢.
172 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٢٧٨ بتصرف يسير.
173 المصدر السابق ٢٠/٢٧٨ بتصرف يسير.
174 انظر: بداية المجتهد، ابن رشد ٢/٣٧٨، تبيين الحقائق، الزيلعي ٤/١٥٧.
175 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ١٠٠٠٢، ٦/٦٠، كتاب أهل الكتابين، باب هدم كنائسهم وهل يضربون بناقوس، وابن أبي شيبة، رقم ٣٣٦٥٣، ١٢/٣٤٢-٣٤٣ في كتاب السير، باب ما قالوا في هدم البيع والكنائس وبيوت النار.
وضعفه الألباني في إرواء الغليل ٥/١٠٤.
176 أحكام أهل الذمة، ابن القيم ٣/١١٨١، ٣/١١٩٥.
177 أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم ١٠٠٠٤، ٦/٦١ كتاب أهل الكتابين، باب هدم كنائسهم وهل يضربون بناقوس ورقم ١٩٢٣٥، ١٠/٣٢١ كتاب أهل الكتابين، باب هل تهدم كنائسهم وما يمنعوا، وإسناده صحيح.
178 الأم، الشافعي ٤/٢٠٦.
179 أحكام أهل الذمة، ابن القيم ٣/١٢٣٩.
180 جواهر الإكليل، تلآبي الأزهري ١/٢٦٨.
181 فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك، الشيخ عليش ١/٣٩٣، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني ٣/١٤٨.
182 مغني المحتاج، الشربيني ١/٣٩٣.
183 كشاف القناع، البهوتي ٣/١٣٣.
184 أحكام القرآن، ابن العربي ٢/٥٦.
185 جامع البيان، الطبري ٦٨٥٣، ٦/٣١٣.
186 خالق الناس يخالقهم مخالقة: عاشرهم على أخلاقهم، مثل: (تخلق) أي: تصنع وتجمل وتحسن.
انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٠/٨٥.
187 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٣١٣.
188 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٢/٢٩٠.
189 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ستر المؤمن على نفسه، رقم ٦٠٦٩.
190 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه، رقم ٧٦٧٦.
191 انظر: شرح صحيح مسلم، النووي ١٨/١١٩، فتح الباري، ابن حجر ١٠٤٨٦، الديباج على صحيح مسلم، السيوطي ٦/٢٩٥.
192 لباب التأويل، الخازن ٦/٢٨٨.
193 بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية، الخادمي ٣/٤٥٩.
194 سبق تخريجه.
195 شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٨/٢٨٨.
196 روح البيان، إسماعيل حقي ٤/١٠٤.
197 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح باب لا يخطب على خطبة أخيه، حتى ينكح أو يدع، رقم ٥١٤٢.
198 وهو المذهب عند المالكية كما في: الذخيرة، القرافي ٤/١٩٨ كفاية الطالب الرباني، ابن خلف المنوفي ٢/٦٥.
199 النكت والعيون ٢/١٨٦ ٢/٢١٩.
200 زاد المسير ٢/١٩٠-١٩١.
201 جامع البيان ١/٣٨٩.
202 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٣/١٩٠-١٩١.
203 أحكام القرآن، ابن العربي ٤/٤.
204 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة الأنعام، باب (ولا تقربوا الفواحش)، رقم ٤٦٣٧، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش، رقم ٢٧٦٠.
205 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/١٣٤، تفسير ابن أبي حاتم ٨/٢٥٥٠، زاد المسير، ابن الجوزي ٦/٢٢، معالم التنزيل، البغوي ٦/٢٥، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/١٤٨، أحكام القرآن، الجصاص ٥/١٦٣.
206 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/١٤٨.
207 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب المسلم من سلم المسلمون من لسان ويده، رقم ١٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام وأى أموره أفضل، رقم ٧٠١.
208 أخرجه أحمد في مسنده رقم ١٩٧٩١، ٤/٢٢٠، وأبو داود في سننه، كتاب، باب في الغيبة، رقم ٤٨٨٢.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٧/١٢٤٨، رقم ٣٤٢٠.
209 أحكام القرآن، الجصاص ٥/١٦٣.
210 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٣٤٨.
211 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب تحريم إفشاء سر المرأة، رقم ٣٦١٥.
212 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابة أهله، رقم ٢١٧٦.
. وضعه الألباني في ضعيف أبي داود ٢/٢٢٥.
213 أخرجه أحمد في مسنده، ٦/٤٥٦، رقم ٢٧٦٢٤، ورواية أحمد فيها شهر بن حوشب وهو على ضعفه حديثه حسن كما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٤/٥٤٠، وأخرجه الطبراني رقم ٢٠٤٣٥ في الكبير ٢٤/١٢٦.
214 عون المعبود، المباركفوري ٦/١٥٨.
215 شرح صحيح مسلم ١٠/٨-٩ بتصرف يسير.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأفعله أنا وهذه) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحيض باب نسخ «الماء من الماء» ووجوب الغسل بالتقاء الختانين، رقم ٨١٣.
وقوله صلى الله عليه وسلم (أعرستم الليلة) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العقيقة،باب تسمية المولود غداة يولد، لمن لم يعق عنه، وتحنيكه، رقم ٥٤٧٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته، رقم ٥٧٣٧.
216 فيض القدير،المناوي ٤/٤١٦.
217 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب الحرب خدعة، رقم ٣٠٢٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب الخداع في الحرب، رقم ٤٦٣٨.
218 شرح صحيح مسلم، النووي ١٢/٤٥.
219 فتح الباري، ابن حجر ٦/١٥٨.
220 انظر: شرح صحيح مسلم، النووي ١٢/٦٧، فتح الباري، ابن حجر ٦/١٦٩.
221 شرح صحيح مسلم، النووي ١٢/٦٧.
222 انظر: المبسوط، السرخسي ١٠/١٤٥، البحر الرائق، ابن نجيم ٥/١٤٥.
223 انظر: شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٥/٢١٣، التاج والإكليل، المواق ٣/٣٥٧.
224 المجموع، النووي ١٩/٣٤٢.
225 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب الجاسوس، رقم ٣٠٠٧، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدرٍ رضى الله عنهم وقصة حاطب بن أبى بلتعة، رقم ٦٥٥٧.
226 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب قوله تعالى: (أن النفس بالنفس)، رقم ٦٨٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ما يباح به دم المسلم، رقم ١٦٧٦.
227 انظر: الذخيرة، القرافي ٣/٤٠٠، مواهب الجليل، الحطاب ٤/٥٥٣، الخرشي على مختصر خليل ٣/١١٩، شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٥/٢١٣.
228 انظر: الطرق الحكمية للسياسة الشرعية، ابن القيم ص٩٤، كشاف القناع، البهوتي ٣/٣٥٠.
229 انظر: التاج والإكليل، المواق ٣/٣٥٧.
230 انظر: حاشية الروض المربع، ابن قاسم النجدي ٧/٣٤٨.
231 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب الحربى إذا دخل دار الإسلام بغير أمانٍ، رقم ٣٠٥١.
والاستدلال به على القتل في شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٥/٢١٣.
232 فتح الباري، ابن حجر ٨/٦٣٥.
233 انظر: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية، سعود العتيبي ١/٢٠٩.
234 شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٥/٢١٣.
235 الاختيارات الفقهية، البعلي ١/٦٠١.
236 انظر: شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٥/٢١٣، فتح الباري، ابن حجر ٦/١٤٣، ٨/٦٣٥، عون المعبود، المباركفوري ٧/٢٢٦.