عناصر الموضوع
العلاقات الاجتماعية
أولًا: المعنى اللغوي:
يقال: عَلِق المرأة عَلْقًا وعَلَاقة، وتعلق بها، وعلق بها، وهو الحب اللازم للقلب1.
«والعلاقة، بالكسر: هي علاقة القوس والسوط ونحوهما، وبالفتح: علاقة المحبة والخصومة ونحوهما، فالمفتوح يستعمل في الأمور الذهنية، والمكسور في الأمور الخارجية»2.
وقال الجرجاني: «العلاقة: بكسر العين، يستعمل في المحسوسات، وبالفتح، في المعاني، وفي الصحاح: العلاقة، بالكسر: علاقة القوس والسوط، ونحوهما، وبالفتح، علاقة الخصومة والمحبة، ونحوهما»3.
فالعلاقات «بالفتح» هي: الصلات التي تربط كل فرد من أفراد الأسرة، وكل أسرة بأسرة، وكل بلد ببلد.
وأصل مادة (جمع) تدل على تضام الشيء، يقال: جمعت الشيء جمعًا4.
والمجتمع: جماعة من الناس تربطها روابط ومصالح مشتركة وعادات وتقاليد وقوانين واحدة5.
وعلم الاجتماع: علم يبحث في نشوء الجماعات الإنسانية ونموها وطبيعتها وقوانينها ونظمها.
ويقال: هذا الباب جماع هذه الأبواب الجامع لها الشامل لما فيها، وفلان جماع لبني فلان يأوون إليه ويعتمدون على رأيه، والجماع كل ما اجتمع وانضم بعضه إلى بعض، وجماع الجسد الرأس، وجماع الثريا ما اجتمع من كواكبها6.
وسميت الجمعة جمعة؛ لاجتماع الناس فيها، أو لما جمع فيها من الخير7.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الاجتماعي: هو الرجل المزاول للحياة الاجتماعية، كثير المخالطة للناس8.
وبناءً على ذلك يمكن تعريف العلاقات الاجتماعية اصطلاحًا: بأنها الروابط والآثار المتبادلة بين الأفراد في المجتمع، والتي تنشأ نتيجة اجتماعهم وتبادل مشاعرهم واحتكاكهم ببعضهم بعضًا، ومن تفاعلهم في بوتقة المجتمع.
الصلات الاجتماعية:
الصلات لغةً:
«وصل» الواو والصاد واللام: أصلٌ واحدٌ يدل على ضم شيءٍ إلى شيءٍ حتى يعلقه. ووصلته به وصلًا، والوصل: ضد الهجران9.
الصلات اصطلاحًا:
وَصْلُ الآخرين، بأداء حقوقهم الدينية والدنيوية كاملةً10.
الصلة بين الصلات والعلاقات الاجتماعية:
الصلات الاجتماعية لا تكون إلا خيرًا، وأما العلاقات الاجتماعية فقد تكون خيرًا وقد تكون شرًّا.
الروابط الاجتماعية:
الروابط الاجتماعية لغةً:
الراء والباء والطاء أصلٌ واحدٌ يدل على شدٍّ وثبات، وربطت الشيء أربطه، وأربطه ربطًا إذا شددته11.
الروابط الاجتماعية اصطلاحًا:
هي العلاقات والروابط بين الناس والتي تقوم على أساس التناصح والتكافل، والتراحم والتعاون، لتقوية بنية الأمة12.
الصلة بين الروابط الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية:
الروابط الاجتماعية فيها قوة وتماسك، وأما العلاقات الاجتماعية فلا يشترط فيها ذلك.
الصداقة:
الصداقة لغة:
الصداقة: صدق الاعتقاد في المودة، وذلك مختص بالإنسان، وقوله: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الشعراء ١٠١].
إشارة إلى قوله: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الزخرف ٦٧]13.
الصداقة اصطلاحًا:
قوة المودة مأخوذة من الشيء الصدق وهو الصلب القوي، وقال أبو علي رحمه الله: الصداقة اتفاق القلوب على المودة، ولهذا لا يقال: إن الله صديق المؤمن كما يقال: إنه حبيبه وخليله14.
الصلة بين الصداقة والعلاقات الاجتماعية:
الصداقة لا تقوم إلا على المحبة والمودة، وأما العلاقات الاجتماعية فلا يشترط فيها ذلك.
الهجران:
الهجران لغةً:
الهجر: المصارمة والقطع، يقال: هجر صاحبه هجرًا وهجرانًا، ومنه هجرة المهاجرين، لأنهم هجروا قبائلهم وعشائرهم15.
الهجران اصطلاحًا:
الابتعاد والنأي بالنفس عن الآخرين 16.
الصلة بين الهجران والعلاقات الاجتماعية:
الهجران يعني قطع العلاقات، والعلاقات الاجتماعية تعني وصلها.
إن ديننا الحنيف دين كمال وشمول، جاء بما فيه خير وصلاح البشرية جمعاء، ولا أدل على ذلك من اهتمام الإسلام بالعلاقات التي تكون المجتمع الواحد المتماسك والدولة المتماسكة؛ بدءًا من الأسرة، وانتهاءً بالأمة كلها، فقد جاء الإسلام بالعلاقات التي تربط الأسرة ببعضها، وتربط المجتمع ببعضه؛ حيث أمر الإسلام ببر الوالدين، وصلة الرحم، وحسن الجوار، وبذل الإحسان، والعطف على المحتاج، والمؤاخاة بين المسلمين، وغير ذلك مما فيه صلاح الدنيا والآخرة.
وعند غياب الدين نجد أن المشكلات تنبع، والخلافات تزداد، والأحقاد تنتشر، والخصومات تطفو على السطح، وكل إنسان ضد الثاني ضمن الأسرة الواحدة، بين الزوجين وبين الشريكين وبين الأخوين وبين الحيين وبين المدينتين.
هذا قانون العداوة والبغضاء، كما قال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [المائدة: ١٤].
أولًا: الأسرة نواة المجتمع:
تعتبر الأسرة نواة المجتمع وركيزته الأساسية، فهو يصلح بصلاحها وتماسكها، ويفسد بتفككها وانحلالها. لذا اهتم الإسلام ببنائها على أسس متينة، تكفل قوتها واستمراريتها، لأداء دورها الفعال في تربية الأجيال وإعدادهم ليكونوا أعضاء صالحين نافعين لدينهم ووطنهم ومجتمعهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النساء: ١].
أي: أيها الناس، احذروا ربكم في أن تخالفوه فيما أمركم وفيما نهاكم، فيحل بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به؛ فإنه المتوحد بخلق جميع الأنام من شخص واحد، معرفًا عباده كيف كان مبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة، ومنبههم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة، وأن بعضهم من بعض، وأن حق بعضهم على بعض واجب وجوب حق الأخ على أخيه، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة، وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم بعضًا -وإنْ بَعُدَ التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم- مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب الأدنى، وعاطفًا بذلك بعضهم على بعض، ليتناصفوا ولا يتظالموا، وليبذل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف على ما ألزمه الله له17.
وقال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الفرقان: ٥٤].
أي: خلق الإنسان من نطفة ضعيفة، فسواه وعدله، وجعله كامل الخلقة، ذكرًا أو أنثى، كما يشاء، فجعله نسبًا وصهرًا، فهو في ابتداء أمره ولد نسيب، ثم يتزوج فيصير صهرًا، ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات، وكل ذلك من ماء مهين18.
ثانيًا: العلاقة الزوجية:
إن العلاقات الزوجية في الإسلام متينة ومهمة؛ لأنها تبنى على ميثاق أخذه الله عز وجل على الرجال والنساء، كما أخذته النساء على الرجال.
فإن الله تعالى قال: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النساء: ٢١].
أي: إن المرأة قد أخذت هذا الميثاق الغليظ على هذا الرجل، وهذا الميثاق الغليظ تجب المحافظة عليه، وحينئذٍ فإن للعلاقات الزوجية شروطها وآدابها؛ لتكون هذه العلاقة وثيقة ومتينة، وذلك حينما يكون الزواج بتراضٍ، ويا حبذا لو كان بنظر إلى المخطوبة! وهكذا تَوافرٌ الصفات التي دعا إليها الإسلام، وحينئذٍ تبنى العلاقات الزوجية على المودة والرحمة، كما قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الروم: ٢١].
وقال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأعراف: ١٨٩].
أي: ومن آياته الدالة على قدرته ورحمته أن خلق النساء لكم من جنس الرجال، وجعل بَدْءَ خلق المرأة من جسد الرجل، ليتحقق الوفاق ويكتمل الأنس، وجعل بين الجنسين المودة -أي: المحبة- والرحمة -أي: الشفقة- ليتعاون الجنسان على أعباء الحياة، وتدوم الأسرة على أقوى أساس وأتم نظام، ويتم السكن والاطمئنان والراحة والهدوء، فإن الرجل يمسك المرأة ويتعلق بها إما لمحبته لها، أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما وغير ذلك 19.
وقال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأعراف: ١٨٩].
أي: هو الذي خلقكم أيها الرجال والنساء، المنتشرون في الأرض على كثرتكم وتفرقكم من أبيكم آدم أبي البشر صلى الله عليه وسلم، وخلق من آدم زوجته حواء لأجل أن يسكن إليها؛ لأنها إذا كانت منه حصل بينهما من المناسبة والموافقة ما يقتضي سكون أحدهما إلى الآخر، فانقاد كل منهما إلى صاحبه بزمام الشهوة20.
وقال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [النحل: ٧٢].
يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده، حيث جعل لهم أزواجا ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم أولادًا تقر بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب، والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد أن يحصوها21.
ومن أجل تحقيق السكن والمودة بين الزوجين أمر الله النساء أن يلتزمن البيوت ليتفرغن لوظيفتهن الأسمى ألا وهي رعاية الزوج والأولاد، فقال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الأحزاب: ٣٣].
أي: والزمن بيوتكن، ولا تخرجن منها إلا لحاجة، ولا تظهرن محاسنكن، كما كان يفعل نساء الجاهلية الأولى في الأزمنة السابقة على الإسلام، وهو خطاب للنساء المؤمنات في كل عصر22.
وقد جعل الإسلام للمرأة حقوقا على الزوج كما للزوج على المرأة حقوقًا، فقال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [البقرة: ٢٢٨].
أي: لهن من حقوق الزوجية على الرجال بمثل ما للرجال عليهن، فيحسن عشرتها بما هو معروف من عادة الناس أنهم يفعلونه لنسائهم، وهي كذلك، تحسن عشرة زوجها بما هو معروف من عادة النساء أنهن يفعلنه لأزواجهن من طاعة، وتزين، وتحبب ونحو ذلك، وللرجال عليهن منزلة ليست لهن، وهي قيامه عليها في الإنفاق، وكونه من أهل الجهاد والعقل والقوة، وله من الميراث أكثر مما لها، وكونه يجب عليها امتثال أمره، والوقوف عند رضاه23.
ومن حسن العشرة أن يصبر الزوج على زوجه، وأن لا يظلمها فيأكل مالها، أو يطلقها لأتفه الأسباب، كما قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النساء: ١٩].
هنا أمر من المولى عز وجل للرجال بأن يحسنوا معاشرة زوجاتهم من خلال المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، وبين تعالى أن إجبار الزوج نفسه على معاشرتها وإمساكها والإحسان إليها -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة، وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك، وربما رزق منها ولدًا صالحًا نفع والديه في الدنيا والآخرة، وهذا كله مع الإمكان في الإمساك وعدم المحذور، فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم24.
فحين تفقد المودة وتفقد الرحمة بين الزوجين وتتعسر الحياة فهنا يأتي دور الحكمين، كما قال عز وجل: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النساء: ٣٥].
أي: وإن خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة فابعثوا برجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق، فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب، فإن لم يستطع أحدهما ذلك، أقنعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق، ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلا عنه.
فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما25.
وقال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [النساء: ١٣٠].
أي: وإن يتفرقا أي الزوج والمرأة بالطلاق، بأن لم يتفق الصلح بينهما، فاختارا الفرقة يغن الله كلا منهما، أي: يجعله مستغنيًا عن الآخر من غناه وجوده وقدرته، وفيه زجر لهما عن المفارقة رغمًا لصاحبه، وتسلية لهما بعد الطلاق26.
ثالثًا: العلاقة مع الأقارب:
إن من العلاقات الاجتماعية صلة الرحم، والمراد بصلة الرحم: القرابة غير الوالدين، ولهم حقٌّ كبير أيضًا في الإسلام، ولذلك فإن الله تعالى لعن الذين يقطعون الرحم، فقال: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [محمد: ٢٢-٢٣].
أولو الأرحام: هم أصحاب القرابة، جمع رحم، وأصله رحم المرأة الذي هو موضع تكوين الولد من بطنها، ويسمى به الأقارب؛ لأنهم في الغالب من رحم واحد، وفي اصطلاح علماء الفرائض: هم الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب وهم عشرة أصناف: الخال والخالة، والجد للأم، وولد البنت، وولد الأخت، وبنت الأخ، وبنت العم، والعمة، والعم27.
ولقد حث المولى عز وجل عباده المؤمنين على النفقة على الأقارب والمساكين وجعل ذلك سببًا في مغفرة الذنوب، فقال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النور: ٢٢].
أي: لا يحلف أهل الفضل في الدين وأصحاب الغنى واليسار على منع إعطاء أقاربهم من الفقراء والمهاجرين ما كانوا يعطونهم إياه من الإحسان لذنب فعلوه، وليعفوا عما كان منهم من جرم، وليصفحوا عما بدر منهم من إساءة، وليعودوا إلى ما كانوا عليه من الإنعام والإحسان؛ ألا تحبون أيها المؤمنون أن يغفر الله لكم على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم؟
قال أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه: «والله لا أنفق على مسطحٍ شيئًا أبدًا بعد ما قال لعائشة، فأنزل الله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) إلى قوله (ﮓ ﮔ) فقال أبو بكرٍ: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطحٍ الذي كان يجري عليه»2829.
كما حث المولى عز وجل المؤمنين على الوصية للأقارب الفقراء، وجعل ذلك من أوصاف المتقين، فقال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [البقرة: ١٨٠].
ففي هذه الآية شرع الله شريعة فيها صلاح الأسرة وحفظ كيانها وهى شريعة الوصية، فعلى من ظهرت أمامه أمارات الموت وعلم أنه ميت لا محالة، وكان ذا مال يعتد به أن يجعل من ماله نصيبًا لأقاربه غير الوارثين وليراع في ذلك ما يحسن ويقبل في عرف العقلاء، فلا يعطى الغني ويدع الفقير، بل يؤثر ذوى الحاجة ولا يسوي إلا بين المتساوين في الفاقة، وكان ذلك الفرض حقًّا واجبًا على من آثر التقوى واتبع أوامر الدين30.
ولقد أمر الله بإعطاء ذي القربى الحق الذي أوجبه عليهم بسبب القرابة والرحم في أكثر من آية، كما قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الإسراء: ٢٦].
وقال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النحل: ٩٠].
وقال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الروم: ٣٨].
وقال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النحل: ٩٠].
إن الإنسان كائن اجتماعي لا يمكن عزله عن الآخرين، فقد نشأت بينه وبين أفراد المجتمع علاقات مختلفة نتيجة التفاعل، وتبدأ علاقة الفرد بأسرته أولًا ثم المجتمع الذي يحيط به ثم نطاق القبيلة، وكلما اتسع نطاق المجتمع تنوعت وزادت علاقاته الاجتماعية، وبهذا يمكن القول بأن وظيفة العلاقات العامة وجدت مع وجود الإنسان نفسه.
ولقد حث القرآن الكريم على مراعاة العلاقة مع المجتمع باعتبار أن تماسك المجتمع وتوحده سبيل للقوة والعزة والمنعة، فقال تعالى مبينًا أوصاف المؤمنين الحقيقية: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ١٧٧].
في هذه الآية تنبيه عظيم للمسلم الذي يقصر إسلامه على الصلاة ولا يبالي بعدها ما ترك من واجبات وما ارتكب من منهيات، فبين تعالى لهم الطاعة الحق في دعوى الإيمان والإسلام والإحسان بأنه من التزم أركان الإيمان وأداء الفرائض -وعلى وجه الخصوص فريضتي الصلاة والزكاة وهما من أعظم أركان الإسلام- وأنفق المال في سبيل الله مع حبه له وضنه به على من لا يرجو منه جزاء ولا مدحًا ولا ثناء؛ كالأقارب والمساكين وأبناء السبيل والسائلين من ذوي الخصاصة والمسغبة، وفي تحرير الأرقاء وفكاك الأسر مع أدامة الصلاة على الوجه الأكمل في أدائها وأدى زكاة ماله على المستحقين لها، ومن صفاتهم الوفاء بالعهود والصبر في أصعب الظروف وأشد الأحوال.
وهذا هو مبدأ الإحسان وهو مراقبة الله تعالى والنظر إليه وهو يزاول عبادته، ومن هنا قرر تعالى أن هؤلاء هم الصادقون في دعوى الإيمان والإسلام، وهم المتقون بحق غَضَبَ اللهِ وأليمَ عذابه، جعلنا الله منهم، فقال تعالى مشيرًا لهم بلام البعد وكاف الخطاب لبعد مكانتهم وارتفاع درجاتهم31.
أولًا: العلاقة مع الجيران:
حقُّ الجيران حقٌّ فرضه الإسلام، فجاء الأمر الصريح بالإحسان إلى الجار، واقتران حقِّهِ بتوحيد الله عز وجل وعدم الشرك به، وهذا من أقوى الأدلة على اهتمام الإسلام بحقوق الجار وتعظيم شأنه، كما قال سبحانه وتعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [النساء: ٣٦].
قرن تعالى عبادته بالإحسان بالوالدين في غير موضع من كتابه الكريم؛ لما لهما على الابن من فضل يعجزه وفاؤه فقال هنا: واعبدوا الله وحده ولا تجعلوا معه شريكًا في الألوهية والعبادة، وأحسنوا إلى الوالدين إحسانًا لا تقصير فيه، وإلى أقربائكم وإلى اليتامى، والذين افتقروا بسبب عجزهم أو ذهاب الكوارث بأموالهم، وبالجار القريب النسب والجار الأجنبي والرفيق لك في عمل أو طريق أو جلوس، والمسافر المحتاج الذى لا قرار له في بلد معين، وبما ملكتم من الأرقاء فتيانًا وفتيات، إن الله لا يحب من كان متعاليًا على الناس، لا تأخذه بهم رحمة، كثير التمدح بنفسه32.
وقد أوصى جبريل الأمين الرسول الكريم صلوات الله تعالى وسلامه عليهما بالجار حتى ظن النبي أنه سيورثه؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه)33.
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره) 34.
وعن أبي شريحٍ العدوي، قال: سمعت أذناي، وأبصرت عيناي، حين تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)35.
وعن أبي شريحٍ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن) قيل: من يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جاره بوائقه)36.
ثانيًا: العلاقة مع الضيوف:
ومن العلاقات الاجتماعية في القرآن العلاقة مع الضيوف، فقد جعل الإسلام آدابًا للزيارة ودخول البيوت ينبغي على المسلمين التخلق بها منها قوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأحزاب: ٥٣].
أي: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله إذا دعيتم إلى وليمة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم فلا تدخلوا البيت إلا إذا علمتم أن الطعام قد تم نضجه، وانتهى إعداده، إذ قبل ذلك يكون أهل البيت في شغل عنكم، وقد يلبسن ثياب البذلة والعمل، فلا يحسن أن تروهن وهن على هذه الحال، إلى أنه ربما بدا من إحداهن ما لا يحل النظر إليه، ولكن إذا دعاكم الرسول صلى الله عليه وسلم فادخلوا البيت الذي أذن لكم بدخوله، فإذا أكلتم الطعام الذي دعيتم إلى أكله فتفرقوا واخرجوا ولا تمكثوا فيه لتتبادلوا ألوان الحديث وفنونه المختلفة؛ فإن ذلك اللبث والاستئناس والدخول على هذا الوجه كان يؤذى النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يمنعه من قضاء بعض حاجه، إلى ما فيه من تضييق المنزل على أهله، لكنه كان يستحيي من إخراجكم ومنعكم مما يؤذيه، والله لم يترك الحق وأمركم بالخروج، وفى هذا إيماء إلى أن اللبث يحرم على المدعو إلى طعام بعد أن يطعم إذا كان في ذلك أذى لرب البيت، ولو كان البيت غير بيت النبي صلى الله عليه وسلم فالتثقيل مذموم في كل مكان، محتقر لدى كل إنسان37.
هذه الآية وإن كانت تتعلق بدخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم خاصة إلا أنها من الآداب العامة التي ينبغي على المسلمين التحلي بها لما فيها من الخير والتيسير على المسلمين.
كما ينبغي على الضيف أن يتأدب بآداب دخول البيوت، فلا يدخل إلا بعد السلام والاستئذان والاستئناس من صاحب الدار.
قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور: ٢٧].
يرشد الباري عباده المؤمنين، أن لا يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم بغير استئذان، فإن في ذلك عدة مفاسد: منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن سهل بن سعدٍ، قال: (اطلع رجلٌ من جحرٍ في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرًى يحك به رأسه، فقال: (لو أعلم أنك تنظر، لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)38.
فبسبب الإخلال به، يقع البصر على العورات التي داخل البيوت، فإن البيت للإنسان في ستر عورة ما وراءه، بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده، ومنها: أن ذلك يوجب الريبة من الداخل، ويتهم بالشر سرقة أو غيرها، لأن الدخول خفية يدل على الشر، ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم حتى يستأذنوا، وسمي الاستئذان استئناسًا؛ لأن به يحصل الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة، وتسلموا على أهلها39.
ومن الآداب الإسلامية التي أمر الله بها عباده المؤمنين بأن يتحلوا عند دخول البيوت غض البصر، فلا يقف أمام باب البيت عند الاستئذان، ولا ينظر إلى عورات البيت عند الدخول.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النور: ٣٠].
أي: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويكفوها عن النظر إلى الأجنبيات غير المحارم، ويحفظوا فروجهم من كل منكر كالنظر واللمس والزنى، وقد قدم تحريم النظر على حفظ الفروج التي هي المقصود الأساسي من الكلام ليعلم الناس جميعًا ما للنظر من خطر وأثر، وأنه رسول الشهوة، وبريد الزنى، وبذرة الفسق والفجور، وخص المؤمنين بالذكر؛ لأنهم الممتثلون المنتفعون بهذا. ذلك أزكى لهم وأطهر، وأبعد عن الشك وأنفى للريبة، وأبقى للنفس طاهرة زكية بعيدة عن الخطر40.
ثالثًا: العلاقة التجانسية:
لا شك أن صفة التجانس والانسجام بين الناس هو وسيلة للتقارب وزيادة المحبة بين الناس، وعامل مساعد في توثيق العلاقات الاجتماعية بين الناس.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النور: ٢٦].
أي: النساء الزواني الخبيثات للخبيثين من الرجال، والخبيثون الزناة من الرجال للخبيثات من النساء؛ لأن اللائق بكل واحد ما يشابهه في الأقوال والأفعال، ولأن التشابه في الأخلاق والتجانس في الطبائع من مقومات الألفة ودوام العشرة. وعلى هذا يكون المراد بالخبيثات والطيبات النساء، أي: شأن الخبائث من النساء يتزوجن الخبائث من الرجال، وشأن أهل الطيب من النساء يتزوجن الطيبين من الرجال، ويجوز أن يكون المراد من الخبيثات الكلمات التي هي القذف الواقع من أهل الإفك، والمعنى: الخبيثات من قول أهل الإفك للخبيثين من الرجال، وبالعكس: والطيبات من قول منكري الإفك للطيبين من الرجال وبالعكس41.
وقال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [التكوير: ٧].
أي: الأرواح قرنت بأجسادها، أو إذا النفوس صنفت: كل نفس مع من يشاكلها من أجناسها42.
ولقد خلق الله عز وجل الأرواح وجعلها كالجنود المجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، كما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (الأرواح جنودٌ مجندةٌ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) 43.
فرق الإيمان بالله، بين المؤمنين والمشركين، وجعل ولاء المؤمن للمؤمنين عامة، أيا كان لونهم وجنسهم، وأيا كانت درجة القرابة في النسب بينهم وبينه، على حين قطع ولاءه لأهله، وأقرب المقربين إليه إذا لم يكونوا من المؤمنين بالله وبرسول الله.
أولًا: الأخوة الإيمانية:
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الحجرات: ١٠].
هذا عقدٌ عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان، في مشرق الأرض ومغربها، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون ما يحبون لأنفسهم، ويكرهون له ما يكرهون لأنفسهم، ولهذا جاء الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بحقوق الأخوة الإيمانية.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا) ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ (بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرامٌ، دمه، وماله، وعرضه)44.
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) وشبك بين أصابعه)45.
ولقد أمر الله ورسوله، بالقيام بحقوق المؤمنين، بعضهم لبعض، وبما به يحصل التآلف والتوادد، والتواصل بينهم، كل هذا تأييد لحقوق بعضهم على بعض، فمن ذلك، إذا وقع الاقتتال بينهم -الموجب لتفرق القلوب وتباغضها وتدابرها- فليصلح المؤمنون بين إخوانهم، وليسعوا فيما به يزول شنآنهم.
ثم أمر بالتقوى عموما، ورتب على القيام بحقوق المؤمنين وبتقوى الله الرحمة، وإذا حصلت الرحمة، حصل خير الدنيا والآخرة، ودل ذلك على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين، من أعظم حواجب الرحمة 46.
ولقد حث المولى عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم على الرحمة وعدم الغلظة في تعامله مع الآخرين؛ مبينا أن الفظاظة وغلظة القلب من أكبر العوامل على نفرة الناس من حوله فقال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [آل عمران: ١٥٩].
أي: فبرحمة مِنَ الله لك ولأصحابك -أيها النبي- مَنَّ الله عليك فكنت رفيقًا بهم، ولو كنت سيئ الخلق قاسي القلب لانصرف أصحابك من حولك، فلا تؤاخذهم بما كان منهم في غزوة أحد، واسأل الله أن يغفر لهم، وشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى مشورة، فإذا عزمت على أمر من الأمور -بعد الاستشارة- فامضه معتمدًا على الله وحده، إن الله يحب المتوكلين عليه47.
وفي مقابل الحث على الأخوة والرحمة التي تفضي إلى تماسك المجتمع وقوته حذر المولى عز وجل من تقديم محبة القرابة وزخارف الدنيا ومتاعها الزائل على محبة الله ورسوله والجهاد في سبيل الله؛ فقال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)[التوبة: ٢٣-٢٤]
يحذر المولى عز وجل المؤمنين إلى ما قد يدخل عليهم من مشاعر القرابة نحو أهليهم الذين خلفوهم وراءهم من المشركين، تلك المشاعر التي قد تبلغ حد الجور على حق المسلمين على المسلم، من إخاء وموالاة، فجاء النهي واقعًا على الولاء والإيثار، وتغليب مصلحتهم على مصالح المؤمنين، ولم يتضمن النهى عن المشاعر والأحاسيس؛ لأن ذلك أمر لا تحتمله النفوس، وإن كانت تحتمله بعض النفوس، فإن ذلك لم يكن إلا عن مشقة ومعاناة وحرج، الأمر الذي برئت منه الشريعة الإسلامية السمحاء، ولقد وضع الله المسلمين في مواجهة التجربة والاختبار لإيمانهم، واختيار ما يحبون وما يؤثرون.
فالإيمان في جانب والآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال والديار في جانب آخر، وعلى المؤمن أن يختار بين الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله، وبين أهله، وماله ودياره.
فإذا آثر الإيمان على الولد والأهل والمال والموطن، كان على الصفة التي يتحقق بها الإيمان الذي يقبله الله منه، ويرضاه له، وإن كان العكس، وآثر الولد والأهل والمال والموطن، على الإيمان بالله ورسوله والولاء للمؤمنين، والجهاد في سبيل الله، فهو أقرب إلى الجبهة المعادية للإسلام، منه إلى الجبهة الموالية له، جاء في الصحيح عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه: (جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجلٍ أحب قومًا ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)48 49.
وحذر المولى عز وجل من الفرقة آمرًا المؤمنين بالوحدة والتمسك بالدين فقال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [آل عمران: ١٠٣].
أي: وتمسكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم، ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم. واذكروا نعمة جليلة أنعم الله بها عليكم: إذ كنتم -أيها المؤمنون- قبل الإسلام أعداء، فجمع الله قلوبكم على محبته ومحبة رسوله، وألقى في قلوبكم محبة بعضكم لبعض، فأصبحتم بفضله إخوانا متحابين، وكنتم على حافة نار جهنم، فهداكم الله بالإسلام ونجاكم من النار. وكما بَيَّنَ الله لكم معالم الإيمان الصحيح، فكذلك يُبَيِّنُ لكم كل ما فيه صلاحكم؛ لتهتدوا إلى سبيل الرشاد، وتسلكوها، فلا تضلوا عنها50.
وقال الله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأنعام: ١٥٩].
أي: إن الذين فرقوا الدين الحق الواحد بالعقائد الزائفة والتشريعات الباطلة، وصاروا بسبب ذلك أحزابًا، تحسبهم جميعًا وقلوبهم مختلفة، لست مؤاخذًا بتفرقهم وعصيانهم ولا تملك هدايتهم، فما عليك إلا البلاغ، والله - وحده - هو الذى يملك أمرهم بالهداية والجزاء، ثم يخبرهم يوم القيامة بما كانوا يفعلونه في الدنيا ويجازيهم عليه51.
كما نهى الله عن السخرية والهمز واللمز بالمؤمنين والتنابز بالألقاب، فقال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [الحجرات: ١١].
كما حذر من سوء الظن والتجسس والغيبة؛ لأنها من الكبائر التي حرمها الله سبحانه وتعالى وتتنافى مع الأخوة الإيمانية، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الحجرات: ١٢].
ثانيًا: العلاقة مع غير المسلمين:
أرست الشريعة الإسلامية قواعد التعامل مع غير المسلمين على أساس العقيدة والأخلاق والحق والعدل والوفاء، وأقامت القاعدة العامة في مركز أهل الذمة والمستأمنين الأجانب في الدولة بما يترتب عليها من حقوق في حرية التعبد وعدم الإكراه في الدين، وفي رعاية العهد والوفاء بالمواثيق، وفي عصمة الدم والعرض، وفي الحماية والدفاع عن المحرمات، وفي سائر الحقوق الاجتماعية.
وإذا أردنا أن نجمل تعليمات الإسلام في معاملة المخالفين له -في ضوء ما يحل وما يحرم- فحسبنا آيتان من كتاب الله، جديرتان أن تكونا دستورًا جامعًا في هذا الشأن، وهما قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الممتحنة: ٨-٩].
أي: لا يمنعكم الله من البر والإحسان وفعل الخير إلى الكفار الذين سالموكم ولم يقاتلوكم في الدين كالنساء والضعفة منهم، كصلة الرحم، ونفع الجار، والضيافة، ولم يخرجوكم من دياركم، ولا يمنعكم أيضا من أن تعدلوا فيما بينكم وبينهم، بأداء ما لهم من الحق، كالوفاء لهم بالوعد، وأداء الأمانة، وإيفاء أثمان المشتريات كاملة غير منقوصة، إن الله يحب العادلين، ويرضى عنهم، ويمقت الظالمين ويعاقبهم.
ثم حدد الله تعالى موضع النهي في المعاملات، فقال: إنما ينهاكم الله عن موالاة هؤلاء الذين عادوكم، وهم صناديد الكفر من قريش وأشباههم ممن هم حرب على المسلمين، وعاونوا الذين قاتلوكم وأخرجوكم على ذلك، وهم سائر أهل مكة ومن دخل معهم في عهدهم، ينهاكم الله عن اتخاذهم أولياء وأنصارًا لكم، ويأمركم بمعاداتهم. ثم أكد الوعيد على موالاتهم، فأبان أن من يتولهم ويناصرهم، فأولئك الذين ظلموا أنفسهم، لأنهم تولوا من يستحق العداوة، لكونه عدوًّا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكتابه52.
فالآية الأولى لم ترغب في العدل والإقساط فحسب إلى غير المسلمين الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين، ولم يخرجوهم من ديارهم -أي: أولئك الذين لا حرب ولا عداوة بينهم وبين المسلمين- بل رغبت الآية في برهم والإحسان إليهم، والبر كلمة جامعة لمعاني الخير والتوسع فيه، فهو أمر فوق العدل، وهي الكلمة التي يعبر بها المسلمون عن أوجب الحقوق البشرية عليهم، وذلك هو «بر الوالدين».
والآية تنفي ما كان عالقًا بالأذهان -وما يزال- أن المخالف في الدين لا يستحق برًّا ولا قسطًا، ولا مودة ولا حسن عشرة. فبين الله تعالى أنه لا ينهى المؤمنين عن ذلك مع كل المخالفين لهم، بل مع المحاربين لهم، العادين عليهم.
وينقسم غير المسلمين الذين يعيشون في بلاد المسلمين إلى أهل ذمة ومستأمنين:
تعريف عقد الذمة: الذمة في اللغة العهد، وهو الأمان والضمان والكفالة.
وعند الفقهاء: هو التزام تقرير الكفار في ديارنا وحمايتهم والدفاع عنهم ببذل الجزية والاستسلام من جهتهم، ولا يعقدها إلا الإمام أو نائبه؛ لأنها من المصالح العظمى التي تحتاج إلى نظر واجتهاد، وهذا لا يتأتى لغير الإمام أو نائبه53.
وهؤلاء بالتعبير الحديث «مواطنون» في الدولة الإسلامية، أجمع المسلمون منذ العصر الأول إلى اليوم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، إلا ما هو من شؤون الدين والعقيدة، فإن الإسلام يتركهم وما يدينون.
والمستأمن: هو الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان دون نية الاستيطان بها والإقامة فيها بصفة مستمرة، بل يكون قصده إقامة مدة معلومة، لا تزيد على سنة، فإن تجاوزها، وقصد الإقامة بصفة دائمة، فإنه يتحول إلى ذمي 54.
وإذا كان الإسلام لا ينهى عن البر والإقساط إلى مخالفيه من أي دين، ولو كانوا وثنين مشركين -كمشركي العرب الذين نزلت في شأنهم الآيتان السالفتان- فإن الإسلام ينظر نظرة خاصة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، سواء أكانوا في دار الإسلام أم خارجها.
فالقرآن لا يناديهم إلا بـ «يا أهل الكتاب» و«يا أيها الذين أوتوا الكتاب» يشير بهذا إلى أنهم في الأصل أهل دين سماوي، فبينهم وبين المسلمين رحم وقربى، تتمثل في أصول الدين الواحد الذي بعث الله به أنبياءه جميعا: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الشورى: ١٣].
وإذا جادل المسلمون أهل الكتاب فليتجنبوا المراء الذي يوغر الصدور، ويثير العداوات، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [العنكبوت: ٤٦].
إن إقامة حكم الله في الأرض مطالب به كل المسلمين، وهذا يتطلب أن تقوم الخلافة لله عز وجل في الأرض، وأن يكون هناك من يرعى هذا الأمر من أمور المسلمين، وهذا الحاكم الذي يقوم بهذا الأمر له حق وعليه حق، أما الحق الذي عليه فهو أن يحكم هؤلاء الناس بحكم الله عز وجل، بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى المسلمين أمر يقابل هذا الأمر، فعليهم الطاعة لهذا الحاكم في حدود طاعة الله تعالى، فإذا لم تكن هناك طاعة لله في طاعته، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [النساء: ٥٨-٥٩].
فالآية في كل أمانة فعلى كل مؤتمن على شيء أن يحفظه ويرعاه حتى يؤديه إلى صاحبه، والآية تتناول حكام المسلمين أولًا فعليهم أن يحكموا بالقسط، وهو ضد الجور ومعناه: إيصال الحقوق إلى مستحقيها من أفراد الرعايا، والله يريد من أمة الإسلام -حكامًا ومحكومين- بأداء الأمانات والحكم بالعدل وأنه شيء حسن، وهو كذلك إذ قوام الحياة الكريمة هو النهوض بأداء الأمانات والحكم بالعدل.
ثم أمر الله تعالى المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله أولًا، ثم بطاعة ولاة الأمور ثانيًا، والطاعة لأولي الأمر مقيدة بما كان معروفًا للشرع، أما في غير المعروف فلا طاعة في الاختيار لحديث: (لا طاعة في معصيةٍ، إنما الطاعة في المعروف)55.
ثم جاء الخطاب العام للولاة والرعية، عند حصول الخلاف في أمر من أمور الدين والدنيا وجب رد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكما فيه وجب قبوله، حلوًا كان أو مرًّا، وأن الإيمان يستلزم الإذعان لقضاء الله ورسوله، وهو يفيد أن رد الأمور المتنازع فيها إلى غير الشرع قادح في إيمان المؤمن، وأن ذلك الرد والرجوع بالمسائل والقضايا المختلف فيها إلى الكتاب والسنة هو خير حالًا ومآلًا، لما فيه من قطع النزاع والسير بالأمة متحدة متحابة متعاونة56.
ويجب العدل في الأحكام حتى ولو كان المحكوم عليهم من أقرب الناس للحاكم، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [النساء: ١٣٥].
أي: ليكن من أخلاقكم وصفاتكم أيها المؤمنون القيام بالعدل حين شهادتكم، ولو كانت شهادتكم على أنفسكم، أو على والدين لكم أو أقربيكم، فقوموا فيها بالقسط والعدل، وأقيموها على صحتها بأن تقولوا فيها الحق، ولا تميلوا فيها لغني لغناه على فقير، ولا لفقير لفقره على غني، فتجوروا.
فإن الله الذي سوى بين حكم الغني والفقير فيما ألزمكم -أيها الناس- من إقامة الشهادة لكل واحد منهما بالعدل؛ لأنه أولى بهما وأحق منكم، لأنه مالكهما وأولى بهما دونكم، فهو أعلم بما فيه مصلحة كل واحد منهما في ذلك وفي غيره من الأمور كلها منكم، فلذلك أمركم بالتسوية بينهما في الشهادة لهما فلا تتبعوا أهواء أنفسكم في الميل في شهادتكم إذا قمتم بها فتقولوا غير الحق، ولكن قوموا فيه بالقسط، وأدوا الشهادة على ما أمركم الله بأدائها بالعدل لمن شهدتم له وعليه57.
ولقد نفى المولى عز وجل صفة الإيمان عن الذين يرفضون حكم الله فقال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النساء: ٦٥].
إن الناس لا يؤمنون -ابتداء- إلا أن يتحاكموا إلى منهج الله ممثلًا في أحكام الرسول، وباقيًا بعده في مصدريه القرآن والسنة بالبداهة، ولا يكفي أن يتحاكموا إليه -ليحسبوا مؤمنين- بل لا بد من أن يتلقوا حكمه مسلمين راضين، فهذا هو شرط الإيمان وحد الإسلام58.
ومن أجمل مظاهر الحكم في الإسلام هو التزام مبدأ الشورى بين المسلمين حكامًا ومحكومين، كما قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الشورى: ٣٨].
أي: يتشاورون فيما بينهم في الأمور الخاصة والعامة، ولا ينفردون برأي في كل أمر من القضايا العامة، كتولي الحكم وشؤون تدبير الدولة والتخطيط لمصالحها، وإعلان الحرب، وتولية الولاة والحكام والقضاة وغيرهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشاورة لأصحابه، وسلك الصحابة طريقه ومنهجه في عظائم الأمور كتولية الخلافة، وحروب الردة، واستنباط الأحكام الشرعية للقضايا والحوادث المستجدة، وشاور عمر رضي الله عنه الهرمزان حين وفد عليه مسلمًا، ولما طعن عمر جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر، وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، فاتفقوا على تقديم عثمان رضي الله عنه للخلافة الثالثة59.
بل جاء الأمر الإلهي لنبيه بالشورى في قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
أي: أمر الله نبيه بأمر ثالث، وهو أن يشاورهم، وإن المشاورة من بعد ما كان منهم دليل على عفو النبي صلى الله عليه وسلم بعد عفو الله تعالى وغفرانه؛ لأن مما أخطؤوا فيه في الماضي أن النبي صلى الله عليه وسلم شاورهم في أمر الخروج إلى لقاء المشركين في أحد، وأنه كان يميل إلى البقاء حتى يدخلوا المدينة، وشبابهم كان يريد الخروج، فنزل عليه الصلاة والسلام عند رأيهم، ثم كان ما كان منهم من أن طائفتين همتا بأن تفشلا، ثم ما كان من خروج الرماة عن مواقفهم، ولو بقوا في المدينة ما وقع هذا، ولكن الله سبحانه مع ذلك أمره بمشاورتهم للإعلان عن سماحته المطلقة، ولأن المشاورة إن أخطأت فيها النتيجة مرة، فصوابها كثير.
والشورى أصل من أصول الحكم في الإسلام، قد التزمها النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمر كان يمس أمور المسلمين العامة فقد استشار في غزوة بدر قبل وقوعها، واستشار في أسرى بدر، واستشار في أحد، واستشار في غزوة الأحزاب، وكان من نتائج الشورى حفر الخندق والتحصن وراءه، واستشار في القتال يوم الحديبية، والتزم أبو بكر ومن بعده عمر الشورى، وما اضطرب حبل الأمور من بعد إلا عندما منعت أمر الشورى60.
يقصد بالتكافل الاجتماعي أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامة والخاصة، ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية، بحيث يشعر كل فرد فيه أنه إلى جانب الحقوق التي له، وأن عليه واجبات للآخرين، وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة، وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم61.
والتكافل الاجتماعي جزء من عقيدة المسلم والتزامه الديني، وهو نظام أخلاقي يقوم على الحب والإيثار ويقظة الضمير ومراقبة الله عز وجل، ولا يقتصر على حفظ حقوق الإنسان المادية، بل يشمل أيضًا المعنوية؛ وغايته التوفيق بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد.
وقد عني القرآن بالتكافل ليكون نظامًا لتربية روح الفرد وضميره وشخصيته وسلوكه الاجتماعي، وليكون نظامًا لتكوين الأسرة وتنظيمها وتكافلها، ونظامًا للعلاقات الاجتماعية، ومن هنا فإن مدلولات البر والإحسان والصدقة تتضاءل أمام هذا المدلول الشامل للتكافل.
إن المجتمع المسلم هو الذي يطبق فيه الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ونظامًا وخلقًا وسلوكًا، وفقا لما جاء به الكتاب والسنة، واقتداءً بالصورة التي طبق بها الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده.
وعندما يلتزم المجتمع بهذه القاعدة يجد التكافل الاجتماعي مكانه بارزًا في المجتمع بحيث تتحقق فيه جميع مضامينه، ذلك أن الإسلام قد اهتم ببناء المجتمع المتكامل وحشد في سبيل ذلك جملة من النصوص والأحكام لإخراج الصورة التي وصف بها الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك المجتمع، فعن النعمان بن بشيرٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)62.
قال سيد قطب: «جعل الإسلام التكافل في محيط الأسرة هو حجر الأساس في بناء التكافل الاجتماعي العام، وجعل الإرث مظهرًا من مظاهر ذلك التكافل في محيط الأسرة، فوق ما له من وظائف أخرى في النظام الاقتصادي والاجتماعي العام، فإذا عجزت هذه الخطوة أو قصرت عن استيعاب جميع الحالات المحتاجة إلى التكافل جاءت الخطوة التالية في محيط الجماعة المحلية المتعارفة لتكملها وتقويها. فإذا عجزت هذه جاء دور الدولة المسلمة لتتولى كل من قصرت في إعالتهم وكفالتهم الكاملة، جهود الأسرة، وجهود الجماعة المحلية المحدودة، وبذلك لا يلقى العبء كله على عاتق الجهاز العام للدولة»63.
ومن صور التكافل الاجتماعي التي تعرض لها القرآن الكريم:
أولًا: الزكاة والصدقات:
وسميت زكاة لما يكون فيها من رجاء البركة وتزكية النفس وتنميتها بالخيرات، فإنها مأخوذة من الزكاة، وهو النماء والطهارة والبركة.
قال الله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [التوبة: ١٠٣]64.
والزكاة فريضة إلزامية فرضها الله على المسلم دينًا، وجعل للدولة الحق في أخذها منه قهرًا إذا هو امتنع عن أدائها.
وتظهر الزكاة التي هي أحد أركان الإسلام وفريضته الاجتماعية أول صور التكافل الاجتماعي في الإسلام، وهي فريضة على كل مسلم، وهي حق مقدر بتقدير الشارع الحكيم في المال بشروط معينة، وهي تدل على معنى أخص من الصدقة التي لا تتحدد بمال معين أو قدر بذاته.
الصدقة متروكة لاختيار الأفراد في قدرها، وفي من توجه إليه من المحتاجين، وذلك على خلاف الزكاة التي فرضها الله في أنواع المال التي حددها الشارع، وبين نصاب كل نوع، ومقدار الزكاة فيه.«أين المرجع لهذا الكلام؟»
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ١٧٧].
وقال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [المائدة: ٢].
تخاطب الآيات السابقة في وضوح لا لبس فيه أصحاب الأموال ممن أعطاهم الله شيئا سعة في الرزق، وتذكرهم بأن لهم إخوانًا من الأقارب واليتامى والمساكين والسائلين وفي الرقاب كل أولئك بحاجة ماسة إلى مد يد العون لهم ليعيشوا حياة ناعمة في ظلال الإسلام الوارفة، وتشير الآيات إلى أن أصحاب الأموال إذا فعلوا ذلك فهم يحققون دعوة الإسلام التي جاء بها لتحقيق التكافل العام بين جميع أفراد الأمة وأبناء المجتمع؛ ليعيش الجميع حياة آمنة هادئة ينعمون فيها بالأمن والرخاء والتعاون الصادق في ظل العقيدة الإسلامية السمحة65.
ولهذا اعتبر القرآن الكريم المؤمنين أخوة ينبغي التراحم والتكافل فيما بينهم فقال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الحجرات: ١٠].
وبين المولى عز وجل أن هذه الأموال تؤخذ من الأغنياء ممن لديهم فضل زاد كما قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [البقرة: ٢١٩].
وحدد الشارع الكريم مقادير الزكاة وشروطها والأصناف التي تنفق فيها، باعتبار الزكاة ركن من أركان الإسلام ومظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم، والذي يسوده الحب والوئام والتناصح والتكافل.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة: ٢١٥].
كما حذر المولى عز وجل من الإمساك عن النفقة في سبيل الله وجعل ذلك سببا في الهلاك فقال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة: ١٩٥].
ولقد توعد الله عز وجل الذين يكنزون الذهب والفضة ويبخلون بأموالهم ولا يؤدون حق الله فيها بالعذاب الأليم في الآخرة، فقال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [آل عمران: ١٨٠].
وقال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [التوبة: ٣٤].
أي: ولا يظن الذين يبخلون، أي: يمنعون ما عندهم مما آتاهم الله من فضله من المال والجاه والعلم وغير ذلك مما منحهم الله وأحسن إليهم به، وأمرهم ببذل ما لا يضرهم منه لعباده، فبخلوا بذلك وأمسكوه وضنوا به على عباد الله، وظنوا أنه خير لهم، بل هو شر لهم، في دينهم ودنياهم، وعاجلهم وآجلهم، وسيجعل ما بخلوا به طوقا في أعناقهم، يعذبون به، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من آتاه الله مالًا فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - ثم يقول أنا مالك أنا كنزك. ثم تلا: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ)) الآية66.
فهؤلاء حسبوا أن بخلهم نافعهم ومجد عليهم، فانقلب عليهم الأمر، وصار من أعظم مضارهم وسبب عقابهم؛ لأنه هو تعالى مالك الملك، وترد جميع الأملاك إلى مالكها، وينقلب العباد من الدنيا ما معهم درهم ولا دينار ولا غير ذلك من المال67.
ثانيًا: التوزيع العادل للثروات:
يؤكد القرآن الكريم أن الناس متساوون في حق الكفاية والعدل، ولكنهم ليسوا متساوين في العلم والمعرفة والقدرات التي تترتب على ذلك، وبمعنى آخر يؤكد القرآن تكافؤ الفرص لجميع أفراد المجتمع، وحق كل فرد في حد أدنى من المعيشة يتمثل في الضروريات التي لابد من توفرها له وفقًا لتطور مستويات المعيشة ونفقاتها، وكذلك حقه في أن يشكو الظلم وأن يحصل على العدالة التي تناسب شكواه.
وبالرغم من هذه الحقوق المختلفة التي يتساوى فيها الجميع، فإن الناس لا يتساوون في العلم والمعرفة والقدرات والمهارات والمواهب، وهم لذلك طبقات يجب التمييز بينها، لعل في هذا التمييز ما يحفز على التسابق في سبيل استغلال موارد الطبيعة وكشف أسرار الكون وفهم القواعد التي تحكم هذه الأسرار، وبذلك يكون التسابق طريق العلم والمعرفة والعمل الجاد والوصول بذلك إلى مجتمع الرفاهية الشاملة المتكاملة عندما تكون دعائمه الأخوة والتقوى والبر والتعاون والعدل.
لذلك جاء القرآن كتاب دين وأخلاق وبيانٍ لكل شيء، ثم من خلال هذا الإطار العام الذي يتصف بالقيم الأخلاقية الحميدة تضمن الأسس والمبادئ العامة التي يجب أن يقوم عليها بقاء المجتمع سياسيًا واقتصاديًا، ذلك أن القرآن تضمن نصوصًا كثيرة تشير إلى حرية الفرد، وإلى جعل المشورة والعدل والكفاية دعائم الحكم، وإلى انتظام علاقات الناس على أساس الأخوة الصادقة والتعاون والبر المتبادل، منع المنافع العامة من أن تكون ملكًا لشخص واحد وجعلها ملكًا للدولة وحدها أمر لا شك فيه، إذ ورد في معنى الحديث عن ابن عباسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون شركاء في ثلاثٍ: في الماء، والكلأ، والنار)68، وهذا من قبيل التمثيل للأمور التي لا يجوز احتكارها، إذ أن حاجة جماهير الناس إليها سواء، فلا يصح تمكين يد واحدة من الاستيلاء عليها.
إن مشكلة المشاكل في عالمنا اليوم هو غياب أي توزيع عادل للثروات، وتـركز الثروات عند فئة قليلة من الناس في حين تعيش الأغلبية في فقر مدقع، وبذلك يزداد الغني غنىً والفقير فقرًا!!
ويشجع النظام الرأسمالي على تكوين الطبقات المتباعدة بين أفراد المجتمع، فنرى فئات من المجتمع تنام على مليارات الدولارات، في حين أنه توجد فئات أخرى -وهي الغالبة- تعيش إما بقدر الكفاية أو تحت خط الفقر.
ويحذر القرآن الكريم الذين يجمعون الأموال الطائلة ولا ينفقون منها ما يجب عليهم فيها من واجبات مالية بعذاب أليم، يقول تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [التوبة: ٣٤].
كما ينهى القرآن الكريم عن أكل أموال الناس بالباطل.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النساء: ٢٩].
وقال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [البقرة: ١٨٨].
فالثراء إن لم يكن بطريق مشروع كالتجارة أو الصناعة أو العمل المنتج فهذا أكل لأموال الناس بالباطل، وهو ما يعبر عنه في عصرنا بـ(الثراء غير المشروع) أو الثراء غير القانوني الناتج عن غسيل الأموال، أو الاستيلاء على أموال الآخرين بالغصب والاستيلاء على ممتلكات الناس دون حق.
وفي مقابل تحذير القرآن الكريم من تراكم الثروات دون وجه شرعي أو أكل أموال الناس بالباطل يدعو الأغنياء والموسرين إلى دفع جزء من أموالهم للفقراء والمحتاجين والمساكين، وذلك من خلال الزكاة والخراج والصدقات والكفارات والنذور وغيرها من وجوه الإنفاق الواجب أو المندوب.
كما قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الذاريات: ١٩].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ١٧٧].
وأمر القرآن المجيد بالإنفاق كي لا تتراكم الثروات بيد مجموعة قليلة من الأغنياء.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الحشر: ٧].
كما حذر القرآن المبذرين للأموال، يقول تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الإسراء: ٢٧].
فالإنسان مسؤول عن اكتسابه للأموال كما أنه مسؤول عن طريقة إنفاقه لها، وتزداد المسؤولية عندما يكون الإنسان مسؤولًا عن بيت مال المسلمين؛ لأن هذا المال هو حق لكل المسلمين، ويجب صرفه في الوجوه الشرعية، ووفق تعاليم الشرع والدين.
ثالثًا: حقوق الضعفاء:
موضوع الضعفاء والمستضعفين في القرآن الكريم، ورد ذكره في القرآن أكثر من ثلاثين مرة باللفظ أما بالمعنى فالآيات أكثر من ذلك.
وقد تحدث القرآن الكريم في آيات كثيرة عن بعض صفات الإنسان التي تبين مظاهر الضعف البشري، وتحدثت آيات عن صور من الضعف تعتري بعض الخلق كسنة فطرية تجري عليهم دون اختيار، وهي بحاجة إلى رعاية واهتمام خاص بهم، كضعف الطفولة، والأنوثة، والشيخوخة.
وتحدثت أيضًا عن نوع آخر من أنواع الضعف البشري، هو الضعف بسبب الفقر أو المرض، وقد حث القرآن الكريم على دفع أسبابه، وحث المسلمين على القيام بواجب التكافل والتعاون.
ولم يكتف بالحث على الإنفاق الطوعي، ولم يترك أمر هؤلاء الضعفاء لحاكم ولا لمتسلط ولا لطامع ولا لصاحب هوى، بل فرض لهم فريضة تولى الله تعالى بيان أصناف مستحقيها وتفصيلهم، لتقطع تلك الآيات المطامع ويعرف كل ذي حق حقه.
وإن الناظر في كتاب الله الكريم والمتعمق فيه يرى وبكل وضوح مدى اهتمام المولى عز وجل بالفقراء والمساكين والمحتاجين، فقد أعطى هؤلاء الفقراء والضعفاء والمساكين من أرامل وأيتام عظيم العناية وشديد الاهتمام، حيث نجد أن الله تعالى قد ذكرهم في كثير من سور القرآن الكريم، وما ذلك إلا لعلو منزلتهم عنده سبحانه وتعالى، وحتى يلفت أنظار المسلمين إليهم فلا يتساهلون في أمورهم ويبخسوا حقوقهم، وخصوصًا قاصر الجناح ومن لم يوجد له مطالب منهم.
إن من أهم ألوان الحفاظ على الكرامة الإنسانية في الإسلام الحفاظ على حق الضعفاء، فإن كان للقوي جسد يحميه ويد يبطش بها فليس للضعيف ذلك، بل له دين قويم يستحق بسببه أن نحفظ له كرامته مهما بلغ ضعفه.
والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ووصايا الخلفاء الراشدين كلها مليئة بالوصية بالضعفاء.
فكلنا نولد ضعفاء نحتاج إعانة الآخرين واهتمامهم ورعايتهم، ثم يرزقنا الله القوة ويمنحنا إياها لنقوم برد الجميل وشكر النعمة فنؤدي نفس الدور الذي قام به غيرنا معنا، فنعين الآخرين من الضعفاء ونهتم بهم ونرعاهم، ثم نرد مرة أخرى إلى الضعف لنحتاج مرة أخرى إلى إعانة الآخرين واهتمامهم ورعايتهم.
وقد يطرأ علينا الضعف أثناء مراحل قوتنا لأسباب قد تكون طارئة ووقتية مآلها إلى الزوال بعد فترة، كحال ابن السبيل، والرجل الذي ضل طريقه في أرض الضلال، ومن لزمه دين، وقد تطول فترات الضعف لتبقى شهورًا وأعوامًا، كحال من ابتلي بالمرض العضال، وحال من ابتلي بإعاقة جسدية أو ذهنية مزمنة، وحال الأرملة الثكلى واليتيم، إلى آخره، وكل هؤلاء الضعفاء يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام حفظا لكرامتهم كل حسب حاله وحسب ما يعينه ويحفظ له هذه الكرامة التي هي ماء حياة المسلم.
١. حقوق الأيتام.
ولقد اهتم الإسلام باليتيم اهتمامًا بالغًا، من ناحية تربيته ومعاملته والحرص على أمواله وضمان معيشته، حتى ينشأ عضوًا بارزًا في المجتمع، ويقوم بمسؤولياته على أحسن وجه.
فمن اهتمام القرآن الكريم بشأن اليتيم: عدم قهره، والحط من كرامته، والغض من شأنه.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ)[الماعون: ١-٢]
كما أمر الله سبحانه وتعالى بالمحافظة على أموال اليتيم وعدم الاقتراب منها إلا بالتي هي أحسن.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام: ١٥٢].
أي: هل عرفت الذي يكذب بالبعث والجزاء؟ فذلك الذي يدفع اليتيم بعنف ويرده بزجر وخشونة69.
ومن مظاهر العناية التي أولاها الإسلام للأيتام حفظ أموالهم والسعي في تنميتها والابتعاد عن كل تصرف ضار بها.
قال تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ٢٢٠].
«ويسألونك -أيها النبي- عن اليتامى الذين مات آباؤهم وهم دون سن البلوغ كيف يتصرفون معهم في معاشهم وأموالهم؟ قل لهم: إصلاحكم لهم خير، فافعلوا الأنفع لهم دائمًا، وإن تخالطوهم في سائر شؤون المعاش فهم إخوانكم في الدين، وعلى الأخ أن يرعى مصلحة أخيه، والله يعلم المضيع لأموال اليتامى من الحريص على إصلاحها. ولو شاء الله لضيق وشق عليكم بتحريم المخالطة، إن الله عزيز في ملكه، حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه»70.
كما نهى عن أكل أموال اليتيم ظلمًا، قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء: ١٠].
إن الذين يعتدون على أموال اليتامى فيأخذونها بغير حق إنما يأكلون نارًا تتأجج في بطونهم يوم القيامة، وسيدخلون نارا يقاسون حرها71.
ومن اهتمام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بشأن اليتيم أنه رغب في كفالته، والاهتمام برعايته، وبشر الأوصياء أنهم سيكونون معه بالجنة. عن سهلٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئًا)72.
ورعاية اليتيم وكفالته واجبة في الأصل على ذوي الأرحام والأقرباء، ويجب على المسلمين أن يتعاونوا فيما بينهم لإقامة دور لرعاية الأيتام، لتشرف المؤسسات الإسلامية على تربيتهم والإنفاق عليهم، ويكون ذلك أبعد لهم عن الانحراف والتشرد والضياع، وتساهم كفالة اليتيم في بناء مجتمعٍ سليم خالٍ من الحقد والكراهية تسوده روح المحبة والود.
٢. رعاية المنكوبين والمكروبين.
حثت الشريعة الإسلامية على إغاثة المنكوب والتفريج عن المكروب.
قال الله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة: ٢٨٠].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربةً فرج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة)73.
ولا شك أن المجتمع المسلم حين يتربى على هذه المعاني فإن أفراده ينطلقون في مضمار التعاون الكامل والتكافل الشامل والإيثار الكريم، ويأخذون بيد من أصابته مصيبة في ماله ونفسه.
٣. الفقراء والمساكين.
قد استفاض كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الاهتمام بالفقراء والمساكين، والفرق بينهما أن الفقراء هم الذين لا شيء لهم أصلا والمساكين هم الذين لهم شيء لا يقوم بهم.
ولقد ذكرهم الله تبارك وتعالى عند بيان أصناف المستحقين للزكاة وللصدقات، فقال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة: ٦٠].
فكان الفقراء والمساكين هم أُولى الفئات المستحقة للزكاة وللصدقات.
٤. الوالدان عند الكبر.
وهم طائفة خاصة من المسنين يجب إفرادها لعظيم قدرها ولضرورة التنبيه عليها، قال الله تبارك وتعالى: ( ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الإسراء: ٢٣].
٥. يتامى النساء خاصة.
وقد قال الله تبارك وتعالى في حقهن وفي التحذير من عدم إيتائهن ما كتب لهن: (ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [النساء: ١٢٧].
٦. الأسرى.
ويكفينا قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الإنسان: ٨].
وهنا لابد أن نوصي بالاهتمام بعوائل الأسرى في كل مكان وخاصة في أرض الرباط أرض الجهاد والفداء أرض فلسطين الحبيبة، الذين يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والذين ضحوا بحريتهم من أجل عقيدتهم ووطنهم، فنقدم لهم كل عون ومساعدة ورعاية لهم ولأسرهم وتفقدهم في المناسبات، والعمل الجاد على فك أسرهم وأسرى المسلمين في كل مكان.
٧. الغارمون.
والغارم هو: المدين دينًا يستحق به الزكاة وليس دينًا للترفه، أو ليكون مصدرًا للثراء «إذا استدان إنسان مبلغا مضطرا إليه؛ لبناء بيت لسكناه، أو لشراء ملابس مناسبة، أو لمن تلزمه نفقته؛ كأبيه ولأولاده أو زوجته، أو سيارة يكد عليها لينفق من كسبه منها على نفسه، ومن تلزمه نفقته مثلًا، وليس عنده ما يسدد به الدين استحق أن يعطى من مال الزكاة ما يستعين به على قضاء دينه، أما إذا كانت استدانته لشراء أرض تكون مصدر ثراء له، أو لشراء سيارة ليكون من أهل السعة أو الترف، فلا يستحق أن يعطى من الزكاة»74.
قال الله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮫ) [التوبة: ٦٠].
٨. ابن السبيل.
هو من كان في سفر وضاق به الحال وغدا بلا مال، وإن كان في الأصل ربما من أهل اليسار، ولكنه صار بحالته الجديدة من أهل الصدقات، ومن الضعفاء المستحقين للمساعدة والمعونة.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة: ٢١٥]75.
٩. السائلون.
والسائل يحمل ضعفًا بين جنباته بما جعل به يده هي السفلى، فإن كان فقيرًا فضعفه واضح، وإن كان غنيًا فيما يظهر لك فلعل لديه ما ألجأه إلى ذلك، فلا تزيدن عليه بعد ذل السؤال ذلا آخر من الانتهار، ولذلك يكفينا في حق السائل قول الله تبارك وتعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الضحى: ١٠].
وكان من خصاله صلى الله عليه وسلم أنه لا يرد سائلا، ولعل الحديث المروي في الصحيحين من أبلغ ما يضرب مثلًا لهذه الحالة عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال رجلٌ: لأتصدقن بصدقةٍ، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارقٍ، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارقٍ فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقةٍ، فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانيةٍ، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانيةٍ، فقال: اللهم لك الحمد، على زانيةٍ؟ لأتصدقن بصدقةٍ، فخرج بصدقته، فوضعها في يدي غنيٍ، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غنيٍ، فقال: اللهم لك الحمد، على سارقٍ وعلى زانيةٍ وعلى غنيٍ، فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارقٍ فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله)76.
شغلت مشكلة الانحراف عن السلوك السوي علماء الاجتماع منذ فترات طويلة خاصة أن الانحراف يشكل ظاهرة اجتماعية خطيرة تخرج بالفرد أو الأفراد المنحرفين عن معايير المجتمع وقيمه.
والجريمة في حقيقة أمرها لا تعدو إلا أن تكون شكلًا من أشكال الانحراف عن السلوك السوي إلا أن القانون الجنائي وضع لها طابع الجريمة أو السلوك الانحرافي أو السلوك غير المشروع وذلك لمخالفتها لنص معين في القانون الجنائي السائد في المجتمع.
وقد أصبحت ظاهرة الانحراف والجريمة في الفترة الأخيرة التي تحول فيها المجتمع الدولي إلى قرية صغيرة بسبب انتشار وسائل الاتصال والتقدم التكنولوجي السريع ظاهرة خطيرة جديرة بالرصد والدراسة والتحليل خاصة إذا ما تعلق الانحراف بالأحداث الذين يشكلون عماد المستقبل للمجتمع.
إن مجتمعا تكثر فيه الأمراض الاجتماعية؛ كالعنف والجريمة والإدمان والانحرافات الجنسية واستغلال الطفولة، سيكون هو حتمًا مريضًا، وبحاجة إلى إعادة تنظيم من خلال تفعيل الرعاية الاجتماعية، وتأمين الاحتياجات الخاصة بالفرد وبالمجتمع؛ تأمينًا لحالات الاكتفاء والإشباع.
الطبقية:
تباينت المواقف البشرية من هذه الظاهرة الإنسانية، فذهبت الماركسية إلى إنكار مفهوم الطبقات على مستوى التنظير، ودعت إلى إلغاء الفوارق بين الناس على مستوى التطبيق، واعتبرت أن هذا التفاوت يستدعي صراعًا على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع، وقررت أن «الصراع الطبقي» هو الحاكم والمتحكم في علاقات الإنسان على المستويات كافة؛ ومن ثم رأت أن «الصراع الطبقي» صراع حتمي في المجتمعات، ويفضي في النهاية إلى زوال الطبقات من تلك المجتمعات، وسيادة طبقة واحدة هي طبقة العمال.
والرأسمالية تعاملت مع هذه الظاهرة من منظور آخر، فهي من جانب أقرت هذا التفاوت على مستوى التنظير، وعملت على ترسيخه على مستوى التطبيق، فأطلقت للأفراد حرياتهم دون قيد أو شرط، وجعلتهم المالكين الوحيدين لما يكتسبون، ولا حق فيه لغيرهم. ومنعت الدولة من القيام بأي تدخل في سلوك الأفراد، واعتبرت أن سيطرة القوي على الضعيف والغني على الفقير هو القانون الذي يحكم المجتمعات والعلاقات بين الناس.
وأما نظام الإسلام الاقتصادي والاجتماعي: فهو العدل الوسط بين النظامين السابقين، أو بتعبير أدق: هو نظام قائم بذاته، له فكره الاجتماعي الخاص به، فهو يعترف بقيمة الإنسان، كما يعترف بحقوق المجتمع، فيقيم توازنًا بينهما، بل إنه جعل الفرد للجماعة، والجماعة للفرد من طريق التضامن العام بين الأفراد، فهو إذن ليس فرديًا فقط يؤدي إلى الرأسمالية، وليس جماعيًا يؤدي إلى الماركسية، وإنما يمنح الفرد قدرًا من الحرية بحيث لا يطغى على كيان الآخرين، ويمنح المجتمع أو الدولة التي تمثله سلطة واسعة في تنظيم الروابط الاجتماعية والاقتصادية على أساس من الحب المتبادل بين الفرد والجماعة، لا على أساس الحقد وإيجاد العداوات بين الناس77.
موقف القرآن من ظاهرة التفاوت الطبقي:
المتأمل في القرآن الكريم يقف على العديد من الآيات القرآنية، التي ألمحت إلى ظاهرة التفاوت الطبقي بين الناس؛ من ذلك قوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النساء: ٣٢].
أي: ألزموا الطاعة، وتمسكوا بأهداب القناعة؛ ولا تطمحوا بأعينكم إلى ما خص الله تعالى به غيركم؛ فهو جل شأنه مالك الملك؛ يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء؛ بيده الخير كله وهو حث على عدم الحقد والحسد78.
وقال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [النحل: ٧١].
فمنكم غني وفقير ومالك ومملوك، أي: فجعلكم متفاوتين فيه فوسع على بعض عباده وبسط حتى جعل له من الرزق ما يكفي ألوفًا مؤلفة من بني آدم، وضيقه على بعض عباده وقتر حتى صار لا يجد القوت إلا بسؤال الناس والتكفف لهم، وكثر لواحد وقلل على واحد، وذلك لحكمة بالغة تقصر عقول العباد عن تعقلها والاطلاع على حقيقة أسبابها.
وكما جعل التفاوت بين عباده في المال جعله بينهم في العقل والعلم والفهم والجهل وقوة البدن وضعفه والحسن والقبح والصحة والسقم وغير ذلك من الأحوال79.
وقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الإسراء: ٢١].
وقال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الزخرف: ٣٢].
فهذه الآيات ونحوها تقرر حقيقة واقعة وهي: أن الله سبحانه قد فضل الناس بعضهم على بعض بشتى أنواع التفضيل، والقرآن الكريم حين يقرر ظاهرة التفاوت بين الناس إنما يفعلها لحكمة وهي الامتحان والاختبار، كما قال تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ) [الأنعام: ١٦٥].
أي: ورفع بعضكم فوق بعض درجات في العلم، والعمل، والغنى والفقر، ليبلوكم جميعا، كل بما عنده، فيختبر الغني، هل يؤدي زكاة ماله؟ هل يتصدق بالفضل من ماله؟ هل يعطف على الفقير والمحتاج والمسكين أم هو نهم جشع صلد صلب كالحجر؟ نعم ويبلو الفقير هل يصبر ويرضى أم يشكو ويكفر؟
وإذا كان الله سبحانه قد رفع بعضنا فوق بعض، فما علينا إلا العمل والجد والصبر والرضا بقضاء الله وقدره، واعتقاد أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وعلى الجملة فهذا علاج نفسي لسل السخائم والتحاسد80.
ومن الحكم لهذا التفاوت هو إعمار الأرض، ولا يمكن أن تستقيم الحياة إلا بهذا التفاوت؛ وذلك أن التفاوت ضروري لتنوع الأدوار المطلوبة لعمارة هذه الأرض، كما قال تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [هود: ٦١].
أي: طلب منكم عمارتها، وهذا يتطلب أمرين اثنين: أن يبقي الناس الأمر الصالح على صلاحه، أو يزيدوه صلاحًا. وهكذا نفهم معنى استعمار الأرض، ومن عظمة الحق سبحانه وتعالى أنه تجلى على الخلق بصفات من صفاته، فالقوي يعين الضعيف، والحق سبحانه له مطلق القوة، ويهب الخلق من حكمته حكمة، ومن قبضه قبضًا، ومن بسطه بسطًا، ومن غناه غنىً؛ ولكن الصفات الحسنى كلها ذاتية فيه وموهوبة منه لنا، والدليل على ذلك أن القوي فينا يصير إلى ضعف، والغني منا قد يصيبه الفقر؛ حتى لا نفهم أن هذه الصفات ذاتية فينا، وأن الحق سبحانه وتعالى قد أعطانا من صفاته قدرة لنفعل.
ومن أعطاه الله تعالى قدرة ليفعل؛ عليه أن يلاحظ أنه انتفع بفعل من سبقه، فإن أكل اليوم تمرًا على سبيل المثال فعليه أن يتذكر أن الذي زرع له النخلة هو من سبقه، فليزرع من يأكل البلح الآن نخلة لتفيده بعد سبع سنين وهو الزمن اللازم لتطرح النخلة بلحًا وليستفيد بها من يأتي من بعده81.
ولو كان جميع الناس نسخًا مكررة ما أمكن أن تقوم الحياة في هذه الأرض على النحو المطلوب، ولبقيت أعمال كثيرة لا نجد لها من يقوم بها.
ومع أن القرآن قد أقر هذه الظاهرة الإنسانية -ظاهرة التفاوت بين الناس- إلا أنه سعى للحد قدر المستطاع من هذا التفاوت، وهذا بيان ذلك:
على مستوى التفاوت الاقتصادي بين الناس، طلب من الغني الإنفاق على الفقير، ومد يد العون له، كما قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [المنافقون: ١٠].
بالمقابل، طلب من الفقير أن لا يتمنى ما فضل الله به غيره من الناس، كما قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النساء: ٣٢].
ومدح المتعففين من الفقراء، فقال: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة: ٢٧٣].
وعلى مستوى التفاوت الفكري، طلب القرآن من العالم أن يظهر علمه، ولا يكتمه عن الناس، وتوعد من يفعل ذلك أشد الوعيد.
قال سبحانه: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة: ١٥٩].
وبالمقابل، حض القرآن غير المتعلم على طلب العلم، وميز بين العالم وغير العالم، ما يفيد مدح الأول وذم الثاني، كما قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الزمر: ٩].
فغير العالم مطالب بأن يتعلم ولا ينبغي أن يبقى جاهلًا.
وينبغي ألا يفهم من قوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الزخرف: ٣٢].
استعلاء طبقة على طبقة، أو استعلاء فرد على فرد، كلا! إن كل البشر مسخر بعضهم لبعض، ودولاب الحياة يدور بالجميع، ويسخر بعضهم لبعض في كل وضع، وفي كل ظرف، فالله فاضل بينهم فجعل بعضهم أفضل من بعض في الدنيا بالرزق والرياسة والقوة والحرية والعقل والعلم.
ثم ذكر العلة لرفع درجات بعضهم على بعض وهي ليستخدم بعضهم بعضًا فيستخدم الغني الفقير، والرئيس المرؤوس والقوي الضعيف، والحر العبد، والعاقل من دونه في العقل والعالم الجاهل وهذا في غالب أحوال أهل الدنيا، وبه تتم مصالحهم وينتظم معاشهم، ويصل كل واحد منهم إلى مطلوبه.
فإن كل صناعة دنيوية يحسنها قوم دون آخرين فجعل البعض محتاجًا إلى البعض لتحصل المواساة بينهم في متاع الدنيا ويحتاج هذا إلى هذا ويصنع هذا لهذا ويعطي هذا هذا82.
والقرآن إذ يقرر هذا التفاوت بين البشر لا يدعو إلى ترسيخ هذا التفاوت وتنظيمه، بل غاية ما في الأمر أنه يقرر الحقائق الخالدة المركوزة في فطرة هذا الوجود؛ الثابتة ثبات السماوات والأرض ونواميسها التي لا تختل ولا تتزعزع.
فالقرآن الكريم كما يقول سيد قطب: «يرسي القواعد الأساسية والحقائق الكلية التي لا تضطرب ولا تتغير؛ ولا تؤثر فيها تطورات الحياة، واختلاف النظم، وتعدد المذاهب، وتنوع البيئات، فهناك سنن للحياة ثابتة، تتحرك الحياة في مجالها؛ ولكنها لا تخرج عن إطارها، والذين تشغلهم الظواهر المتغيرة عن تدبر الحقائق الثابتة، لا يفطنون لهذا القانون الإلهي، الذي يجمع بين الثبات والتغير، في صلب الحياة وفي أطوار الحياة؛ ويحسبون أن التطور والتغير، يتناول حقائق الأشياء كما يتناول أشكالها، ويزعمون أن التطور المستمر يمتنع معه أن تكون هناك قواعد ثابتة لأمر من الأمور؛ وينكرون أن يكون هناك قانون ثابت غير قانون التطور المستمر، فهذا هو القانون الوحيد الذي يؤمنون بثباته! فأما نحن أصحاب العقيدة الإسلامية فنرى في واقع الحياة مصداق ما يقرره الله من وجود الثبات والتغير متلازمين في كل زاوية من زوايا الكون، وفي كل جانب من جوانب الحياة. وأقرب ما بين أيدينا من هذا التلازم ثبات التفاوت في الرزق بين الناس، وتغير نسب التفاوت وأسبابه في النظم والمجتمعات»83.
الخلاصة: مما تقدم يتبين أن القرآن الكريم أقر ظاهرة التفاوت بين الناس، واعتبر ذلك من المقتضيات الملازمة لاستمرار هذه الحياة، ودعا في الوقت نفسه إلى تقليل هذه التفاوت قدر المستطاع، لكنه لم يسع إلى إلغائه؛ لأن في ذلك إلغاء لسنة من سنن الحياة، ما يعني التناقض بين ما قرره القرآن وبين السنن التي أقام الله عليها هذا الكون.
الجرائم المجتمعية:
إن المجتمع المريض الذي يحول دون إشباع حاجات أفراده والذي يفيض بأنواع الحرمان والإحباطات والصراعات، والذي يشعر فيه الفرد بنقص الأمن وبعدم الأمان، وإن التنافس الشديد بين الناس وعدم المساواة والاضطهاد والاستغلال، يضاف إلى ذلك وسائل الإعلام غير الموجهة التي تؤثر تأثيرا سيئًا على أخلاقيات أفراد المجتمع، وغيرها من الأسباب قد يدفع بالعديد إلى ممارسة بعض أنواع السلوك الممنوع أو المرفوض اجتماعيًا، ومن هذه الجرائم المجتمعية:
١. القتل.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الإسراء: ٣٣].
وهذا شامل لكل نفس حرم الله قتلها من صغير وكبير وذكر وأنثى وحر وعبد ومسلم وكافر له عهد، إلا بالحق كالنفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة والباغي في حال بغيه إذا لم يندفع إلا بالقتل، ومن قتل مظلوما بغير حق فقد جعل الله لوليه وهو أقرب عصباته وورثته إليه حجة ظاهرة على القصاص من القاتل، وجعلنا له أيضا تسلطا قدريا على ذلك، وذلك حين تجتمع الشروط الموجبة للقصاص كالعمد العدوان والمكافأة، فلا يسرف الولي في القتل إنه كان منصورا والإسراف مجاوزة الحد إما أن يمثل بالقاتل أو يقتله بغير ما قتل به أو يقتل غير القاتل.
وفي هذه الآية دليل إلى أن الحق في القتل للولي فلا يقتص إلا بإذنه وإن عفا سقط القصاص، وأن ولي المقتول يعينه الله على القاتل ومن أعانه حتى يتمكن من قتله84.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [المائدة: ٣٣-٣٤].
وهذا بيان من الله عز ذكره عن حكم الفساد في الأرض، وهو ما يعرف بحد الحرابة، أعلم عباده ما الذي يستحقه المفسد في الأرض من العقوبة والنكال، فبين تبارك وتعالى أنه لا جزاء له في الدنيا إلا القتل، والصلب، وقطع اليد والرجل من خلاف، أو النفي من الأرض، خزيا لهم، وأما في الآخرة إن لم يتب في الدنيا، فعذاب عظيم85.
وقال تعالى مبينًا حرمة قتل النفس المؤمنة: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء: ٩٢].
ولا يحق لمؤمن الاعتداء على أخيه المؤمن وقتله بغير حق، إلا أن يقع منه ذلك على وجه الخطأ الذي لا عمد فيه، ومن وقع منه ذلك الخطأ فعليه عتق رقبة مؤمنة، وتسليم دية مقدرة إلى أوليائه، إلا أن يتصدقوا بها عليه ويعفوا عنه، فإن كان المقتول من قوم كفار أعداء للمؤمنين، وهو مؤمن بالله تعالى، وبما أنزل من الحق على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فعلى قاتله عتق رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم عهد وميثاق، فعلى قاتله دية تسلم إلى أوليائه وعتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد القدرة على عتق رقبة مؤمنة، فعليه صيام شهرين متتابعين؛ ليتوب الله تعالى عليه. وكان الله تعالى عليما بحقيقة شأن عباده، حكيمًا فيما شرعه لهم86.
٢. السرقة.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [المائدة: ٣٨-٣٩].
ومعنى الآيات: فيما فرض عليكم أو يتلى عليكم حكم السارق والسارقة، فمن سرق من ذكر أو أنثى، (ﭡ) يا ولاة الأمور (ﭢ) أي: من الرسغ كما أوضحت السنة النبوية، (ﭣ) لهما على سرقتهما وما كسبت أيديهما، ولانتهاك حرمة مال الآخرين، لأن السرقة قد تجر إلى الدفاع عن المال وإلى القتل، وتنكيلًا وإهانةً وتحقيرًا لهما من الله؛ لأن فعلهما خسيس ودنيء يستوجب الإذلال، والزجر عن العودة للسرقة، وإيقاع عبرة لغيرهما، والله قوي غالب في تنفيذ أوامره، حكيم في تدبيره وصنعه وتشريعه، لا يشرع إلا ما فيه الحكمة والمصلحة، واختيار الأنسب للجريمة87.
وقال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [البقرة: ١٨٨].
نهانا الله أن نأكل أموال بعضنا بالباطل وبدون وجه حق، ونهانا أن نلقى بالأموال إلى الحكام مستعينين في ذلك بالدفاع الباطل، والرشوة التي تعطى لبعض أصحاب النفوس القذرة الحقيرة من الحكام ليصل صاحبها إلى غرضه، ولا شك أن كثرة التقاضي بالباطل وشيوع الرشوة في الأمة مقبرة لها بل خطرها على الأمة أشد من اليهود، وكيف يجوز لمسلم أن يأكل مال أخيه المسلم بالإثم والزور والبهتان والرشوة، وهو يعلم أنه حرام ولا يأكل في بطنه إلا النار، واعتبروا أيها الحكام والقضاة والمتخاصمون بقول الرسول الأمين للمتخاصمين: أن زينب بنت أم سلمة، أخبرته: أن أمها أم سلمة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سمع خصومةً بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: (إنما أنا بشرٌ، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعضٍ، فأحسب أنه صدق، فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلمٍ، فإنما هي قطعةٌ من النار، فليأخذها أو فليتركها) 88.89.
٣. الزنا.
وقال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النور: ٢].
إن عقوبة الزناة الأبكار غير المتزوجين هي الجلد مائة لكل من الزاني والزانية في دار الإسلام أيا كان، ولا يحملنكم العطف والرأفة على ترك هذا الحد فهو حكم الله تعالى، والواجب تنفيذه، والغيرة على حرمات الله، ما دمتم مؤمنين مصدقين بالله وبالآخرة التي يجري فيها الحساب والجزاء، وهذا حث شديد على تطبيق حدود الله وتنفيذها، وتكون إقامة الحد علانية أمام فئة من الناس المؤمنين، تحقيقا للزجر والردع، وبعدا عن التورط في الفاحشة، وتقريعا وتوبيخا لمن تدنس بها.
والطائفة التي تشهد على إقامة الحد: أقلها واحد. وقيل: اثنان فأكثر. وقال قتادة: أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، أي: نفر من المسلمين، ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالًا90.
٤. شرب الخمر.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة: ٢١٩].
السؤال عن الخمر والميسر هو بلا شك عن الحل والتحريم لا عن الحقيقة والذات، فإنهم يعرفونهما بلا شك، وكان الأغنياء وذوو المقدرة فيهم منغمسين فيهما، ولذلك كان الجواب مشيرا إلى عدم رضا الشارع عنهما أو مشيرا إلى تحريمهما، لأن ما غلبت مضرته على منفعته-كما هو حكم الإسلام-يكون حراما، ولا يكون حلالا، وقد صرح سبحانه وتعالى بذلك، فكان يحق على المؤمن النقي النفس، الذي خلص من أدران الهوى أن يكتفي بذلك ويجتنبهما، وكذلك فعل خواص المؤمنين، والعلية من أصحاب الرسول الأمين كأبي بكر وعمر وغيرهما من السابقين المقربين، ولقد كان عمر رضي الله عنه يحس بأن شرب الخمر لا يسوغ في الإسلام، ولذا كان يدعو الله قائلا: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا. خصوصًا بعد أن نزلت الآيات التي تشير إلى التحريم، ولا تصرح به.
ولماذا كان السؤال عن الخمر والميسر، وممن كان السؤال؟ إن السؤال بلا ريب من المؤمنين، ولم يكن من غيرهم، لأنهم رأوا الخمر تذهب الرشد، وتضعف العقل، وتجعل المرء يقع فيما لا يحسن، فما كان المؤمنون الأولون وقد أرهف الإيمان قلوبهم وزكت أرواحهم، وطهرت نفوسهم ليرضوا عن الخمر، وإن لم يصرح القرآن بالتحريم، ولذلك كثر سؤالهم عنها، ليكون القطع في أمرها91.
وقال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء: ٤٣].
أي: لا تدخلوا فيها، والحال أنكم سكارى من الخمر إذ كانت يومئذ حلالًا غير حرام، حتى تكون عقولكم تامة تميزون بها الخطأ من الصواب فتعلموا ما تقولون في صلاتكم92.
ثم كان التحريم النهائي بقوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة: ٩١].
والحكمة في تحريم الخمر بالتدريج: أن الناس كانوا مفتونين بها حتى إنها لو حرمت في أول الإسلام لكان تحريمها صارفًا لكثير من المدمنين لها عن الإسلام، بل عن النظر الصحيح المؤدي إلى الاهتداء به، لأنهم حينئذ ينظرون إليه بعين السخط فيرونه بغير صورته الجميلة، فكان من لطف الله وبالغ حكمته أن ذكرها في سورة البقرة بما يدل على تحريمها دلالة ظنية فيها مجال للاجتهاد، ليتركها من لم تتمكن فتنتها من نفسه، وذكرها في سورة النساء بما يقتضي تحريمها في الأوقات القريبة من وقت الصلاة، إذ نهى عن قرب الصلاة في حال السكر، فلم يبق للمصر على شربها إلا الاغتباق بعد صلاة العشاء وضرره قليل، وكذا الصبوح من بعد صلاة الفجر لمن لا عمل له ولا يخشى أن يمتد سكره إلى وقت الظهر، وقليل ما هم، وكان شيخنا يرى أن آية النساء نزلت قبل آية البقرة، ثم تركهم الله تعالى على هذه الحال زمنا قوي فيه الدين، ورسخ اليقين، وكثرت الوقائع التي ظهر لهم بها إثم الخمر وضررها93.
ثالثًا: علاج الانحراف المجتمعي:
لقد تعامل الإسلام مع مشكلة الانحراف المجتمعي بنظرة واقعية؛ فما اعتبره خطرًا-كالتفاوت في المستوى المعيشي المادي وآثاره ونتائجه- عالجه ولم يتهاون إزاءه.
ومن طرق الوقاية من الانحراف وعلاجه التي أشار إليها القرآن الكريم:
موضوعات ذات صلة: |
الاجتماع، الأخوة، الأسرة، الصحبة |
1 انظر: إيضاح شواهد الإيضاح، القيسي ١/٤١٧.
2 الكليات، الكفوي ص ٦٥٣.
3 التعريفات ص ١٥٥.
4 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٤٧٩.
5 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر ١/٣٩٦
6 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/١٣٥.
7 انظر: كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، أبو بكر الحصني ص ١٤١.
8 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/١٣٥.
9 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١١٥، مجمل اللغة، بن فارس ص ٩٢٧
10 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤١٦.
11 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٤٧٨، جمهرة اللغة، ابن دريد ص٣١٥
12 انظر: المصادر السابقة.
13 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٨٠.
14 الفروق اللغوية، العسكري ص١٢١.
15 انظر: إيضاح شواهد الإيضاح، القيسي ١/٢٦١.
16 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٧١.
17 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٥١٢، ٥١٣.
18 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١١٧.
19 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢١/٦٩، ٧٠.
20 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣١١.
21 انظر: المصدر السابق ص ٤٤٤.
22 انظر: التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير ١/٤٢٢.
23 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/٢٧٢.
24 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني ١/٢٨٣.
25 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٧٧.
26 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٣/٣٦٥.
27 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١٠/١٠٢.
28 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهم بعضًا، ٣/١٧٦، رقم ٢٦٦١، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، ٤/٢١٢٩، رقم ٢٧٧٠.
29 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني ٢/٣٠٥.
30 انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ص ٤٠.
31 انظر: أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري ١/١٥٣.
32 انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ص ١١٤.
33 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الآدب، باب الوصاة بالجار، ٨/١٠، رقم ٦٠١٥، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب الوصية بالجار، ٤/٢٠٢٥، رقم ٢٦٢٤.
34 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء، ٧/٢٦، رقم ٥١٨٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار، ١/٦٨، رقم ٤٧.
35 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ٨/١١، رقم ٦٠١٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار، ١/٦٨، رقم ٤٧.
36 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه، ٨/١٠، رقم ٦٠١٦.
37 تفسير المراغي ٢٢/٢٩.
38 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب الاستئذان من أجل البصر، ٨/٥٤، رقم ٦٢٤١.
39 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٦٥.
40 انظر: التفسير الواضح، محمد الحجازي ٢/٦٧٤.
41 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٨/١٩٦.
42 انظر: أوضح التفاسير، محمد الخطيب ١/٧٣٥.
43 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب الأرواح جنود مجندة، ٤/١٣٤، رقم ٣٣٣٦، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب الأرواح جنود مجندة، ٤/٢٠٣١، رقم ٢٦٣٨.
44 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم، ٤/١٩٨٦ رقم ٢٥٦٤.
45 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب، باب نصر المظلوم، ٣/١٢٩ رقم ٢٤٤٦، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين، ٤/١٩٩٩ رقم ٢٥٨٥.
46 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٠٠.
47 انظر: التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير ١/٧١.
48 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب علامة حب الله عز وجل، ٨/٣٩ رقم ٦١٦٩، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب المرء مع من أحب، ٤/٢٠٣٤ رقم ٢٦٤٠.
49 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٥/٧٢١- ٧٢٥
50 انظر: التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير ١/٦٣
51 انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ص ٢٠٢
52 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٨/١٣٥،١٣٦
53 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي، ٨/٥٨٧٩، فقه السنة، سيد سابق ٢/٦٦٢
54 انظر: فقه السنة، سيد سابق ٢/٦٩٧
55 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في قبول خبر الواحد، ٩/٨٨، رقم ٧٢٥٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء، ٣/١٤٦٩، رقم ١٨٤٠.
56 انظر: أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري ١/٤٩٧، ٤٩٨
57 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٣٠١، ٣٠٢
58 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٦٨٧
59 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٥/٨١، ٨٢
60 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١٤٧٦
61 انظر: مقال التكافل الاجتماعي في الإسلام، عادل الصعدي، موقع الإسلام اليوم.
62 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم، ٤/١٩٩٩، رقم ٢٥٨٦.
63 في ظلال القرآن ١/٥٨٧.
64 انظر: فقه السنة، سيد سابق ١/٣٢٧.
65 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢/٩٧.
66 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، ٢/١٠٦، رقم ١٤٠٣.
67 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٥٨.
68 أخرجه أبو داود في سننه، أبواب الإجارة، باب في منع الماء، ٣/٢٧٨، رقم ٣٤٧٧، وابن ماجه في سننه، كتاب الرهون، باب المسلمون شركاء في ثلاث، ٢/٨٢٦، رقم ٢٤٧٢. صححه الألباني في إرواء الغليل، ٦/٧، رقم ١٥٥٢.
69 انظر: أوضح التفاسير ١/٧٦٣.
70 التفسير الميسر ١/٣٥.
71 المصدر السابق: ١/٧٨.
72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب اللعان، ٧/٥٣، رقم ٥٣٠٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب الإحسان للأرملة، ٤/٢٢٨٧، رقم ٢٩٨٣.
73 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، ٣/١٢٨، رقم ٢٤٤٢، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، ٤/١٩٩٦، رقم ٢٥٨٠.
74 فتاوى اللجنة الدائمة ١ المجموعة الأولى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ١٠/٨.
75 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٦.
76 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم، ٢/١١٠، رقم ١٤٢١، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ثبوت أجر المتصدق، ٢/٧٠٩، رقم ١٠٢٢.
77 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي ٦/٤٥٧٤ وما بعده، المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها: د.غالب بن علي عواجي ٢/٧٢٧.
78 انظر: أوضح التفاسير، محمد الخطيب ١/٩٨.
79 انظر: فتح البيان، صديق خان ٧/٢٧٩.
80 انظر: التفسير الواضح، محمد الحجازي ١/٦٩٢.
81 انظر: التفسير الواضح، محمد الحجازي ١/٦٩٢.
82 انظر: تفسير الشعراوي ١١/٦٥٣٠، ٦٥٣١.
83 انظر: فتح البيان، صديق خان ١٢/٣٤٩، ٣٥٠.
84 في ظلال القرآن ٥/٣١٨٨، ٣١٨٩.
85 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٥٧.
86 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٢٤٣.
87 انظر: التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير ١/٩٣.
88 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي ١/٤٥٩.
89 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب، باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه، ٣/١٣١، رقم ٢٤٥٨، ومسلم في صحيحه، ٣، كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر،/١٣٣٧، رقم ١٧١٣.
90 انظر: التفسير الواضح، محمد الحجازي ١/١١١.
91 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي ٢/١٧٢٨.
92 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٢/٦٩٧
93 انظر: أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري ١/٤٨٣
94 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٧/٤٢، ٤٣.