عناصر الموضوع
العقل
أولًا: المعنى اللغوي
أصل مادة (عقل) تدل على حُبسةٍ في الشيء أو ما يقارب الحبسة. من ذلك العقل، وهو الحابس عن ذميم القول والفعل1.
والعقل أيضًا: نقيض الجهل، يقال: عَقِلَ يعقل عقلًا فهو عاقل، والمعقول: ما تعقله في فؤادك، ويقال: هو ما يُفهم من العقل 2.
وأصل العقل: الإمساك والاستمساك، كعقل البعير بالعقال، وعقل الدواء البطن3.
قال الزبيدي: العقل هو العلم بصفات الأشياء من حسنها وقبحها، وكمالها ونقصانها4.
وهو مأخوذ من عقال الدابة، فكذلك العقل يمنع صاحبه من الكفر والجحود5.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي
عرفه ابن عطية بأنه: الإدراك المانع من الخطأ6.
ويقول الأصفهاني: هو القوة المتهيئة لقبول العلم، ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة عقل 7.
«وقيل: إن العقل هو المدرك للأشياء على ما هي عليه من حقائق المعاني»8.
«وأُسمِيَ العقلُ عقلًا؛ لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير، و ينعقل به عما يضره»9.
فالعقل يميز به الحق والباطل، ويمنع صاحبه من ارتكاب ما يضر.
وردت مادة (عقل) في القرآن الكريم (٤٩) مرة10.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١ |
(ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [البقرة:٧٥] |
الفعل المضارع |
٤٨ |
(ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الأنعام:١٥١] |
وجاء العقل في القرآن الكريم بمعنى الفهم11، قال تعالى: (ﭐﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [العنكبوت: ٤٣].
أي: وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون منه12.
اللب:
اللب لغةً:
«لُبٌّ: لُبُّ كُلِّ شيءٍ: داخلُه، ولُبابُه أيضًا. وكذلك الخالص الخيار من كل شيءٍ»13. «واللُّبُّ: خُلاصة الشيء وقلبُه، ولُبُّ الرجل: ما جعل في قلبه من العقل. وشيءٌ لبابٌ: خالصٌ. ابن جني: هو لباب قومه، وهم لباب قومهم، وهي لباب قومها، ولبيبٌ: عاقلٌ ذو لبٍّ»14. «لبب: الألباب: العقول»15.
اللُّبُّ اصطلاحًا:
«وأطلق هنا على عقل الإنسان؛ لأنه أنفع شيء فيه، ولب الرجل: ما جعل في قلبه من العقل»16، وقيل: «هو ما زكى من العقل، فكل لب عقل وليس كل عقل لُبًّا»17.
الصلة بين العقل واللب:
كل لبيب له عقل حصيف، يعقل به خالص الأمور وأنفعها.
النهي:
النهى لغة:
«نَهَيَ: النون والهاء والياء أصلٌ صحيحٌ يدل على غايةٍ وبلوغٍ»18، و «النُّهية: العقل؛ لأنه ينهى عن قبيح الفعل والجمعُ نُهى»19، وهو «الزجر عن الشيء»20، «وجُعل اسمًا للعقل الذي انتهى من المحسوسات إلى معرفة ما فيه من المعقولات»21.
النُّهَى اصطلاحًا:
ذكر السعدي: «النُّهَى، أي: العقول السليمة والفطر المستقيمة والألباب التي تزجر أصحابها عما لا ينبغي»22.
الصلة بين العقل والنُّهَى:
العقل والنهى مترادفان فبالعقل يُمْنَعُ الشخص عن ارتكاب المعصية، وبالنهى ينزجر وينتهى عن المحرمات والمعاصي.
الحجا:
الحجا لغة:
«الحاء والجيم والحرف المعتل أصلان متقاربان، أحدهما إطافة الشيء بالشيء وملازمته، والآخر القصد والتعمد»23، «الحجا: الستر والعقل»24، «حجا: مفرد، الجمع أحجاء، وأحجية: عقل وفطنة، من ذوي الحجا: ذكيٌ حكيمٌ» 25.
الحجا اصطلاحًا:
«الحجا هو ثبات العقل من قولهم: تَحَجَّى بالمكان إذا أقام فيه»26.
الصلة بين العقل والحجا:
بالعقل يتم الفهم والحفظ، وبالحجة يقوى على الاستنباط وإظهار المعاني.
الذهن:
الذهن لغة:
«الذال والهاء والنون أصل يدل على قوة، وهو الفطنة للشيء والحفظ له» 27.
الذهن اصطلاحًا:
« هو قوة للنفس معدة لاكتساب العلوم، تشمل الحواس الظاهرة والباطنة»28، وقيل: هو «قوة للنفس تشمل الحواس الظاهرة والباطنة معدة لاكتساب العلوم، وهو الاستعداد التام لإدراك العلوم والمعارف بالفكر»29.
الصلة بين الذهن والعقل:
بالعقل والذهن يتم الفهم والحفظ وإدراك العلوم والمعارف، وذلك باشتراك الحواس الظاهرة والباطنة.
الحجر:
الحجر لغة:
«الحاء والجيم والراء أصل واحد مطرد، وهو المنع والإحاطة»30.
الحجر اصطلاحًا:
هو «قوله تعالى لذي حجر أي: عقل ولب، فمن كان ذا عقل ولب علم، قال الحسن: لذي حجر، أي: لذي حلم. وقال أبو مالك: لذي ستر من الناس. وقال الجمهور: الحجر: العقل. قال الفراء: الكل يرجع إلى معنى واحد، لذي عقل ولذي حلم ولذي ستر، الكل بمعنى العقل. والعرب تقول: إنه لذو حجر إذا كان قاهرًا لنفسه ضابطًا لها »31.
الصلة بين العقل والحجر:
صاحب العقل السليم والفطرة السوية يكون ذا حِجْر، حيث يمنع صاحبه ويحجره عن الوقوع في ما لا يحل له، ولا يليق به من القبائح.
إن من أفضل نعم الله على عباده نعمة العقل، فلولا العقل لما عَرَفَ الإنسانُ دين الإسلام والنبوة، والخير والشر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الإسراء: ٧٠].
فاللَّهُ سبحانه وتعالى فضل بني آدم على غيرهم من الجمادات والحيوانات، والنباتات بهذا العقل.
فإذا فقد الإنسان العقل السليم الذي يقوده إلى الخير ويبعده عن الشر، فقد أصبح كالبهيمة التي تأكل وتشرب ولا تعقل شيئًا، بل إنها خيرٌ منه كما في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأعراف: ١٧٩].
قال ابن حزم: وَحَدُّ العقل ينطوي فيه فعل الطاعات والفضائل، واجتناب المعاصي والرذائل، وقد نص الله تعالى في كتابه على أن من عصاه لا يعقل.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الملك: ١٠].
وَحَدُّ الحمق: استعمال المعاصي والرذائل، وهو ضد العقل، ولا واسطة بين الحمق والعقل إلا السخف32.
وأفضل مواهب الله لعباده العقل، ولقد أحسن الذي يقول33:
أفضل قسم الله للمرء عقله
فليس من الخيرات شيء يقاربه
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله
فقد كملت أخلاقه ومآربه
يعيش الفتى في الناس بالعقل إنه
على العقل يجري علمه وتجاربه
يزيد الفتى في الناس جودة عقله
وإن كان محظورًا عليه مكاسبه
قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [النور: ٤٠].
«وقد جُعِلَ للعقل نَظَرٌ وإدراك ورؤية وإبصارٌ، وجعل له أضدادُه من العمى وغيره، قال الله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الأعراف: ١٩٨]»34.
«إنما العاقل من وَحَّدَ الله تعالى وعمل بطاعته، وقال تعالى حكاية عن أهل النار: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الملك: ١٠]35.
«قيل لابن المبارك: ما خير ما أُعطي الرجل؟ قال: غريزة عقل، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أدبٌ حسن، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ صالح يستشيره، قيل: فإن لم يكن؟ قال: صمت طويل، قيل: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل»36.
وفي الصحيحين من حديث النعمان ابن بشير رضي الله عنهما: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)37.
فإذا آمن القلب، آمنت الجوارح بفعل المأمورات وترك المنهيات؛ لأن القلب أمير البدن، وذلك يدل دلالة واضحة على أن القلب ما كان كذلك إلا لأنه محل العقل الذي به الإدراك والفهم.
وقد حشد القرآن الكريم عشرات الآيات القرآنية الداعية إلى استعمال العقل والتفكر والتدبر في آيات الله الكونية، وآيات الله القرآنية، وجعل الله سبحانه وتعالى التفكير فريضة إسلامية فقال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النحل: ٤٤].
وقد خص أصحاب العقول الصافية، والقلوب النيرة أولي الألباب، وأصحاب الفطرة السليمة بهذا التفكر والتدبر، قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران: ١٩٠].
«وخَصَّ اللهُ بالآيات أولي الألباب، وهم أهل العقول؛ لأنهم هم المنتفعون بها، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم»38.
والواجب علينا أن نقوم بالمحافظة عليه؛ كي يبقى سليمًا بعيدًا عن الشبهات التي تتسبب في نقص الإيمان أو انعدامه كلية، كذلك الابتعاد عن تعاطي كل ما يخامر العقل ويؤدي بالإنسان إلى ارتكاب حماقات أو جرائم هو والمجتمع في غنى عنها، عدا ذلك الأضرار الصحية وما ينجم عنها من خسائر وأضرار مادية ومعنوية تعود على الشخص وعائلته وكذلك المجتمع.
لذا فقد حدد الشارع الحكيم أمورًا لابد من الابتعاد عنها للمحافظة على العقل سليمًا منها، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [المائدة: ٩٠].
فالعقل نعمة عظيمة وهبة كبيرة من الله عز وجل، يجب أن نشكر المولى عليها شكرًا عمليًا، وذلك بحفظ العقل مما يكدر صفوه، ويعكر فهمه، ويفسد صلاحه، ويطمس نوره، إنه أمانة يجب حفظها، وعطية يتحتم رعايتها، وذلك بالبعد عن الشبهات، والحذر من الشهوات.
إنَّ حماية العقل وحراسة الفكر واجب فردي، وواجب جماعي، وواجب حكومي.
يجب على الفرد أن يحمي عقله من مهاوي الردى، ودروب الزلل، ومراتع الخلل، يجب على أفراد المجتمع أن يتعاونوا على حراسة العقول، وحماية الأذهان، ورعاية الأفكار، يجب على المسؤولين أن يتقوا الله في عقول رعاياهم، فَيَحُولُوا بينهم وبين ما يُفسِد هذه العقول، ويشوش أذهانهم، ويطمس بصائرهم، من كتب مضللة، وأفكار هدامة، وأفلام ماجنة، ومسلسلات هابطة، وبرامج ساخرة، وأغانٍ محرمة.
اللهم متعنا بعقولنا ما أحييتنا، اللهم عمر قلوبنا وعقولنا بحبك وطاعتك وحب من يحبك، اللهم نَوِّر أبصارنا، وَزَكِّ نفوسنا، واحفظ من الزيغ أفكارنا وعقولنا، اللهم آمين.
لقد اهتم الإسلام بالجانب العقلي بما يتفق مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وقد أحاط العقل بسياج من العناية والرعاية، فالإسلام فتح المجال للعقل للتفكر، والتدبر في آيات الله المسطورة والمنظورة، فلا نكاد نجد سورة من سور القرآن، تخلو من دعوة للتفكر والتدبر في هذا الكون الفسيح، بكل ما فيه من دلائل على قدرة الله سبحانه، قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [ص: ٢٩].
ولكنَّ هذه الدعوة ليست مفتوحة على مصراعيها، بل وُضِعَ لها حدود وقيود، لابد من الأخذ بها تجنبًا للوقوع في الأخطاء، إن العقل يُسَلِّمُ بمحدودية معارفه وانحصارها في عالم الشهادة، أما عالم الغيب فلا سبيل إلى معرفته والإلمام بأسراره وخصائصه إلا بالوحي، ومن هنا أدركت العقول الصحيحة أن الإنسان في حاجة ماسة إلى الوحي الإلهي للوصول إلى المعرفة الصحيحة حول الكون وخالقه والإنسان ودوره في التعمير وخلافة الله في الأرض ومصيره في الآخرة، والإحساس بالحاجة إلى الوحي ليس فيه غمط للعقل والحس ودورهما في المعرفة، ذلك أنَّ الوحي يهدي هذه الوسائل ويصحح مسارها ويرشدها إلى الحقائق التي لا سبيل أن يصل إليها العقل والحس بمفردهما، لا يمكن بحال أن يغني العقل عن النبوة والرسالة، وطالما أن الإنسان مُحاسَبٌ مجازى على أعماله فإن مبعث الرسل للشعوب والأمم وللخليقة أجمعين يعد واجبًا، قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النساء: ١٦٥].
كما يعد الوحي حقيقة لا ينكرها إلا متفلت من ضوابط العقل والحس وثوابت النقل وكُلِّ سبل المعرفة وتحصيل العلم39.
وقد حدد العلماء مجال استعمال العقل بعدد من الضوابط منها:
ولا شك أن احترام الإسلام للعقل وتشجيعه للنظر والفكر لا يقدمه على النصوص الشرعية الصحيحة، خاصة أن العقول متغيرة، وتختلف وتتأثر بمؤثرات كثيرة تجعلها لا تصلح لأن تكون الحكم المطلق في كل الأمور41.
مما سبق نجد أن الله تعالى لم يحجر على العقل، بل أمرنا بالتدبر والتفكر في آلائه سبحانه وتعالى لنزداد يقينًا وإيمانًا بوحدانيته سبحانه وبقدرته على الخلق والإيجاد والرزق والإحياء والإماتة، لكنه لم يترك المجال للعقل على مصراعيه؛ لأن العقل له قدر محدود من الفهم والإدراك خاصة في علوم الغيب التي لا يعلمها إلا الله وحده، بينما الأمور الأخرى التي تتعلق بأمورنا الدنيوية من مصالح مرسلة أو العمل بالقياس والاجتهاد، فسمح للعلماء المتعلمين القادرين على الاستنباط بالقيام بمثل تلك الأمور، كذلك عند تعارض النقل والعقل يقدم النقل على العقل، لأن العقل حدود معرفته وتصوره محدودة.
الله سبحانه وتعالى أكرم الإنسان وخلقه في أحسن صورة، وميزه بالعقل ليتدبر أمره ويتعرف على الكون من حوله، فالله سبحانه وتعالى لم يحجر على عقولنا بل جعل التدبر والتفكر عبادة، فهو سبيلنا للتعرف على موجد الكون بصفاته وقدرته، لكن توجد ضوابط معينة يعمل من خلالها العقل، فلا نستطيع الخوض في ذات الله سبحانه أو تأويل الصفات وتشبيهها وتمثيلها وتكييفها، فالله سبحانه هو أعلم بذاته، وهو أعلم بصفاته فنحن نمررها كما وردت، كذلك الغيبيات العقل لا يستطيع الاطلاع عليها، لذا علينا أن نستعمل عقولنا في النطاق المسموح لنا استعماله فيه بل ونؤجر على استعمالنا لعقولنا، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك على نعمة العقل.
أولًا: دلائل وحدانية الله:
خلق الله تعالى البشر لعبادته سبحانه وتعالى وإفراده وحده بهذه العبادة.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الذاريات: ٥٦].
وأرسل لهم الرسل مبشرين ومنذرين، قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النساء: ١٦٥].
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الشعراء: ٢٨].
«قال مقاتل: إن كنتم تعقلون توحيد الله»42.
«قال موسى: إنه الرب الذي تشاهدون آثاره كل يوم، فيأتي بالشمس من المشرق، ويحركها على مدار غير مدار اليوم الذي قبله، حتى يبلغها إلى المغرب على وجه نافع ينتظم به أمور الكائنات. إن كنتم تعقلون إن كان لكم عقل علمتم ألا جواب لكم فوق ذاك»43.
«هو الذي جعل المشرق مشرقا تطلع منه الكواكب، والمغرب مغربا تغرب فيه الكواكب، ثوابتها وسياراتها، مع هذا النظام الذي سخرها فيه وقدرها، فإن كان هذا الذي يزعم أنه ربكم وإلهكم صادقًا فليعكس الأمر، وليجعل المشرق مغربًا، والمغرب مشرقًا 44.
« (ﮙ ﮚ ﮛ) أي إن كان لكم عقل علمكم أنه لا تمكن معرفته إلا بهذا الطريق»45.
«(ﮙ ﮚ ﮛ) أي: إن كان لكم عقول تعقلون بها ما يقال لكم، وتفهمون بها ما تسمعون مما يعين لكم؛ فلما أخبرهم موسى عليه السلام بالأمر الذي علموا أنه الحق الواضح» 46.
«قال موسى: رب المشرق والمغرب وما بينهما وما يكون فيهما من نور وظلمة، وهذا يستوجب الإيمان به وحده إن كنتم من أهل العقل والتدبر! »47.
وهكذا نجد كيف تتجلى وظيفة العقل في هذه الآية، وهي الاستدلال بمظاهر قدرة الله وعظمته على توحيده وعدم الإشراك به.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [المؤمنون: ٨٠].
« (ﮑ ﮒ)، كنه قدرته وربوبيته و وحدانيته، وأنه لا يجوز أن يكون له شريك من خلقه، وأنه قادر على البعث»48.
«(ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ)، أي: يحيي الموتى ويميت الأحياء. ( ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)، أي: ذهاب الليل ومجيء النهار، (ﮑ ﮒ) أمر الله؟ ويقال: (ﮑ ﮒ) توحيد ربكم فيما ترون من صنعه فتعتبرون؟»49.
١. دلائل الآفاق.
لقد خلق الله الإنسان وميزه عن سائر المخلوقات الأرضية بالعقل، بل وأمره بعدم تعطيل هذا العقل، فأمر المكلفين بعبادة التفكر في خلق الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [آل عمران: ١٩٠-١٩١].
«وإذا عرف بهذا البرهان قصور عقله لم يبق معه إلا الاعتراف بأن الخالق أجل من أن يحيط به وصف الواصفين ومعارف العارفين بل يسلم أن في كل ما خلقه الله تعالى حكمًا بالغة وأسرارًا عظيمة ولا سبيل له إلى معرفتها، فعند هذا يقول: ربنا ما خلقت هذا، أي: المخلوق العجيب باطلًا، أي: بغير حكمة، بل خلقته بحكمة عظيمة، -سبحانك- وهذا إقرار بعجز العقول عن الإحاطة بآثار حكمة الله تعالى في خلق السموات والأرض، أي: إن الخلق إذا تفكروا في هذه الأجسام العظيمة لم يعرفوا منها إلا هذا القدر. وهو أن خالقها ما خلقها باطلًا، بل خلقها لحكم عجيبة وأسرار عظيمة، وإن كانت العقول قاصرة عن معرفتها»50.
« أخبر عن عباده الصالحين بأنهم يتفكرون في خلق السموات والأرض وما أبدع الله فيهما من عجائب مصنوعاته وغرائب مبتدعاته ليدلهم ذلك على كمال قدرة الصانع سبحانه وتعالى ويعلموا أن لهما خالقًا قادرًا مدبرًا حكيمًا؛ لأن عظم آثاره وأفعاله تدل على عظم خالقها سبحانه وتعالى، كما قيل: وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد» 51.
ومما ذكر في القرآن الكريم من آيات دالة على التفكر في الآفاق حيث يقول تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة: ١٦٤].
«هذه الآيات الست الكونية أكبر برهان وأقوى دليل على وجود الله سبحانه وتعالى وعلمه وقدرته ورحمته بعباده، ولذلك هو رب العالمين وإله الأولين والآخرين، ولا رب غيره ولا إله سواه. «والحاصل، أنه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات، وتغلغل فكره في بدائع المبتدعات، وازداد تأمله للصنعة، وما أودع فيها من لطائف البر والحكمة، علم بذلك، أنها خلقت للحق وبالحق، وأنها صحائف آيات، وكتب دلالات، على ما أخبر به الله عن نفسه و وحدانيته، وما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر، وأنها مسخرات، ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها. فتعرف أن العالم العلوي والسفلي كلهم إليه مفتقرون، وإليه صامدون، وأنه الغني بالذات عن جميع المخلوقات، فلا إله إلا الله، ولا رب سواه52.
«(ﭹ ﭺ ﭻ) ينظرون بعيون عقولهم، ويعتبرون فيستدلون بهذه الأشياء على قدرة موجدها وحكمة مبدعها ووحدانية منشئها»53.
« أما قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ) فإنما خص الآيات بهم؛ لأنهم الذين يتمكنون من النظر فيه، والاستدلال به على ما يلزمهم من توحيد ربهم وعدله وحكمه ليقوموا بشكره، وما يلزم عبادته وطاعته»54.
«علمه كيفية الاستدلال على وحدانية الصانع، وردهم إلى التفكر في آياته والنظر في عجائب مصنوعاته وإتقان أفعاله ففي ذلك دليل على وحدانيته إذ لو كان في الوجود صانعان لهذه الأفعال، لاستحال اتفاقهما على أمر واحد، ولامتنع في أفعالهما التساوي في صفة الكمال، فثبت بذاك أن خالق هذا العالم والمدبر له واحد قادر مختار»55.
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الروم: ٢٤].
«(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) يستعملون عقولهم في استنباط أسبابها وكيفية تكونها؛ ليظهر لهم كمال قدرة الصانع وحكمته»56.
«يقول الحق جل جلاله (ﯟ ﯠ) الدالة على باهر قدرته (ﭓ ﭔ ﭕ) »57.
« دلالات واضحة، وبراهين بينة، تدل على الخالق سبحانه.
ويقول تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الجاثية: ٥].
«إن المنصفين من العباد إذا نظروا في هذه الدلائل النظر الصحيح علموا أنها مصنوعة، وأنه لا بد لها من صانع فآمنوا به، وأقروا أنه الإله القادر على كل شيء، ثم إذا أمعنوا النظر ازدادوا إيقانًا وزال عنهم اللبس، فحينئذ استحكم علمهم وعدوا في زمرة العقلاء الذين عقلوا عن الله مراده في أسرار كتابه »58.
«(ﭼ ﭽ ﭾO ﮀ ﮁ ﮂ) (ﮀ ﮁ ﮂ) يعني: هذه دلائل الله، وعلامة وحدانيته »59.
التفكر في خلق الله عبادة، لابد لنا من القيام بها لنزداد إيمانًا مع إيماننا، بل ونصل لدرجة اليقين، كذلك نستشعر عظمة الله سبحانه وقدرته و وحدانيته، فهو إله واحد بلا شريك، مدبر للكون بلا قصور.
٢. دلائل النفس.
لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالنظر والتفكر في أنفسنا، كيف خلقنا الله من العدم فبدأ بخلقنا من الطين، ثم جعل الخلق بعد ذلك من نطفة، ثم خلق النطفة علقة، وخلق العلقة مضغة، ثم خلقها عظامًا، وكساها بعد ذلك لحمًا، ثم تدرج في الخلق وبعد حينٍ أماته، وهذه دلائل قدرته سبحانه على الإيجاد والإماتة، ليختبرنا ماذا سنفعل في هذه الحياة الدنيا.
قال تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [المؤمنون: ١٢-١٥].
« هذا شروع في الاستدلال على انفراد الله تعالى بالخلق وبعظيم القدرة التي لا يشاركه فيها غيره، وعلى أن الإنسان مربوب لله تعالى وحده، والاعتبار بما في خلق الإنسان وغيره من دلائل القدرة ومن عظيم النعمة»60.
« يخبر تعالى عن خلقه الإنسان آدم وذريته وفي ذلك تتجلى مظاهر قدرته وعلمه وحكمته، والتي أوجبت عبادته وطاعته ومحبته وتعظيمه وتقديره»61.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الروم: ٨].
« وهو الدلالة على توحيده وقدرته»62.
«وهذا حث لهم على إعمال الفكر السليم الموصل إلى معرفة الله و وحدانيته بالنظر في أنفسهم وما حولهم من مشاهد الكون»63.
«أي: يعلمون الله بدلائل الأنفس في سائر الأحوال ويتفكرون في خلق السماوات والأرض بدلائل الآفاق»64.
«والمعنى: أن أسباب التفكر حاصلة لهم، وهي أنفسهم لو تفكروا فيها كما ينبغي، لعلموا وحدانية الله، وصدق أنبيائه »65.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [غافر: ٦٧].
«(ﭯ ﭰ) أي: ما في هذه الأحوال العجيبة من القدرة الباهرة الدالة على توحيده وقدرته هو الذي يحيي ويميت، فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، أي: يكونه من غير كلفة ولا معاناة ولا تعب وكل ذلك من كمال قدرته على الإحياء والإماتة وسائر ما ذكر من الأفعال الدالة على قدرته » 66.
«أي: لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته»67.
«دلالة على وجود هذا الخالق الخلق البديع، وعلى انفراده بالإلهية، وعلى أن ما عداه لا يستحق وصف الإلهية، فمن عقل ذلك من الناس فقد اهتدى إلى ما أريد منه، ومن لم يعقل ذلك فهو بمنزلة عديم العقل68.
«دعوة القرآن للتفكر في الأنفس لتفتح مغاليق القلوب لتتدبر هذا الخلق العجيب، فهذا الإنسان بجميع خصائصه وسماته كان كامنًا في تلك النقطة الصغيرة الدقيقة التي لا تراها العين المجردة بعد أن أنستهم الألفة هذا الأمر العجيب»69.
وهكذا نجد أن الله سبحانه وتعالى لم يحجر على عقولنا، بل أمرنا بالنظر والتفكر والتدبر في آيات الله الكونية، وفي أنفسنا لنزداد إيمانًا ويقينًا بوحدانيته سبحانه وتعالى، وبالتالي نزداد خشوعًا وتعظيمًا له سبحانه، أما الذين عطلوا عقولهم وألغوها فهم لا يقلون عن الحيوانات، بالإضافة إلى العقوبة التي تنتظرهم يوم القيامة، لأنهم لو أعملوا عقولهم لاهتدوا، فكل الأنفس قابلة للإيمان والاهتداء وكل شيء بيد الله سبحانه وتعالى. اللهم ألهم نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم آمين.
ثانيًا: الأحكام الشرعية:
القرآن الكريم احترم العقل وأولاه اهتمامًا بالغًا، وسمح له بالتفكر والتدبر في الآيات الكونية المرئية المنظورة، والآيات المسطورة في القرآن الكريم وذم من يعطل عقله عن التفكر والتدبر، لكن في الأحكام الشرعية، فالعقل لا يستطيع أن يحيط بكل شيء علمًا، بعض الأحكام التي شرعت لا يعلم كنهها إلا الله وحده، فلا يستطيع العقل فهم الحكمة المرادة منها، وقد جعلها الله تعالى من الأمور الغيبية، فلا يجوز للعقل الخوض في أمور الغيب، بينما أمور الاجتهاد والقياس والأمور التي في إمكانية العقل القيام بها، فهذا مسموح الخوض فيه، وعند تعارض العقل والنقل يقدم النقل على العقل.
تعرف الأحكام الشرعية بأنها ما يصدر عن الإنسان من الأقوال والأفعال بالنسبة للآخرة، فتبين ما يجب فعله وما يجب تركه، وما يترتب على الفعل والترك من استحقاق الثواب والعقاب في الحياة الأخرى، لذلك فان الأحكام الشرعية تتصف بالشمولية، فهي موقوفة من الله سبحانه وتعالى لتراعي الحياتين كلتيهما، الآخرة والدنيا، أما واضع الأحكام الشرعية فهو الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يوجب ما يشاء بيده الأمر وهو على كل شيء قدير.
الأحكام الشرعية التي تتعلق بالعقيدة ليس للعقل فيها أي دور فلا يسمح بالاجتهاد في أمور العقيدة؛ لأن الدليل فيها قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، فلا مجال لإعمال العقل فيها.
«العقل هو الذي دلنا على وجود الخالق، وصحة رسالة رسوله الذي أيده بالمعجزات، تلك المعجزات التي تدل على صدق نبوة الأنبياء باستعمال الفكر والنظر.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «المعقول الصريح لا يخالف المنقول الصحيح»70.
العقل لن يهتدي إلا بالشرع، والشرع لم يتبين إلا بالعقل، فالعقل كالأس والشرع كالبناء، ولن يغني أس ما لم يكن بناء، ولن يثبت بناء ما لم يكن أس، وأيضًا فالعقل كالبصر والشرع كالشعاع، ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من خارج، ولن يغني الشعاع ما لم يكن بصر.
فلهذا قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [المائدة: ١٥-١٦].
فالعقل لا يهدي إلى تفاصيل الشرعيات والشرع تارة يأتي بتقرير ما استقر عليه العقل، وتارة بتنبيه الغافل وإظهار الدليل حتى يتنبه لحقائق المعرفة، وتارة بتذكير العاقل حتى يتذكر ما فقده، وتارة بالتعليم وذلك في الشرعيات وتفصيل أحوال المعاد، فالشرع نظام الاعتقادات الصحيحة والأفعال المستقيمة والدال على مصالح الدنيا والآخرة، ومن عدل عنه فقد ضل سواء السبيل، وإلى العقل والشرع أشار بالفضل والرحمة بقوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النساء: ٨٣].
«وعنى بالقليل المصطفين الأخيار» 71.
دور العقل في إدراك الغيبيات:
إن أول ركن بني عليه الإسلام، صقل العقول بصقال التوحيد، وتطهيرها من لوث الأوهام، وسعادة الأمم لا تتم إلا بصفاء العقول من كدرات الخرافات وصدأ الأوهام بل إن خرافة قد تقف بالعقل عن الحركة الفكرية، فيسهل عليه قبول كل وهم وتصديق كل ظن، وفوق ذلك ما تجلبه من الأوهام على النفوس من الوحشة وقرب الدهشة، والخوف مما لا يخيف، والفزع مما لا يفزع72.
أما في الغيبيات فإن دور العقل منفي تمامًا، ولهذا لا يقبل حكم العقل على غيبيات، وجعل الشرع موطن التصديق بالغيبيات الإيمان المطلق وليس العقل، ولا غرابة في ذلك، إذ أن جميع الناس يتفقون على أن العقل حادث ومخلوق، ويتغير بتغير المعلومات التي تدخل إليه، وأيضًا يتغير بالقدرة علي الاستفادة من تلك المعلومات، ولا قدرة للمخلوق أن يحيط بالخالق سبحانه، والغيب من اختصاصات الخالق، لذا فلا يدرك الغيب أصلًا، وبعض ما يعلم عنه إنما يكون من خلال النصوص الصحيحة.
دور العقل في الأحكام الشرعية:
والأصل أن العقل لا سلطان له في تغيير الأحكام الثابتة بالكتاب والسنة، هذا إذا افترضنا أصلًا أن هناك تناقضًا بين أحكام الشريعة وما يتوصل إليه العقل السليم، مع أن هذا الافتراض مدفوع، فالعقل السليم ينتهي دائمًا عند مراد الشرع، حتى بالنسبة لأحكام العبادات التي قد لا ينهض العقل لإدراك الحكمة من فرضيتها، فإنه بالعقل يمكن إدراك العديد من الحكم الجليلة التي تتخفى وراء الحكم الشرعي والتي تدرك بالممارسة والتأمل.
وآفة الناس أنهم تركوا المساحة الواسعة التي أفردها الشرع لعقولهم ولم يسعوا إلا للكلام في المناطق التي ملأها الشرع على نحو تفصيلي، وهذا مما يطعن في سلامة نوايا هؤلاء الناس.
وليس للعقل دور في كل العلوم على سواء، فالعلوم ثلاثة أقسام:
ثالثًا: التمييز بين الحق والباطل:
من فضل الله علينا أَنْ مَنَّ علينا بنعمة العقل كي نميز به بين الحق والباطل والصواب والخطأ، وبين ما ينفعنا وما يضرنا فلله الحمد على هذه النعمة، ومن الآيات القرآنية الدالة على ذلك نذكر بعضًا منها.
قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [البقرة: ٧٦].
«عن ابن عباس: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ)، يعني: بما أمركم الله به. فيقول الآخرون: إنما نستهزئ بهم ونضحك»73.
«روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن منافقي أهل الكتاب كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى عليه وسلم قالوا لهم: آمنا بالذي آمنتم به، نشهد أن صاحبكم صادق، وأن قوله حق، ونجده بنعته وصفته في كتابنا، ثم إذا خلا بعضهم إلى بعض قال الرؤساء -كعب بن الأشرف، وكعب بن أسد، ووهب بن يهودا وغيرهم- أتحدثونهم بما فتح الله عليكم في كتابه من نعته وصفته ليحاجوكم به»74.
«(ﰍ ﰎ) متصل بكلامهم من التوبيخ والعتاب، أي: ألا تلاحظون فلا تعقلون هذا الخطأ الفاحش، وهو أن ذلك حجة لهم عليكم، فالمنكر عدم التعقل ابتداء، أو أتفعلون ذلك فلا تعقلون بطلانه مع وضوحه حتى تحتاجون الى التنبيه عليه، فالمنكر حينئذ عدم التعقل بعد الفعل»75.
فهم كانوا يعرفون الحق وينكرونه، من أقوال المفسرين يتبين أن بالعقل يستطيع الإنسان التمييز بين الحق والباطل.
قال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [المائدة: ١٠٣].
« (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) بتحريم ذلك ونسبته إلى الله سبحانه وتعالى، (ﰈ ﰉ ﰊ) أي: الحلال من الحرام والمبيح من المحرم، أو الآمر من الناهي، ولكنهم يقلدون كبارهم، وفيه أن منهم من يعرف بطلان ذلك، ولكن يمنعهم حب الرياسة وتقليد الآباء أن يعترفوا به»76.
فهم يعرفون الحلال والحرام ويميزونه، لكن حبهم لتقليد الآباء هو الذي أعمى بصائرهم عن اتباع الحق.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [يونس: ١٦].
«وأنكم تعلمون صدقي وأمانتي منذ نشأت بينكم إلى حين بعثني الله عز وجل، لا تنتقدون علي شيئا تغمصوني به؛ أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل»77.
«وقل لهم: إنني إنما جئتكم بهذا القرآن بإذن الله ومشيئته، ولو شاء الله أن لا أتلوه عليكم ما تلوته، ولو شاء أن لا يعلمكم به بإرسالي إليكم، لما أرسلني، ولما أدراكم به، ولكنه شاء أن يمن عليكم بهذا العلم لتهتدوا، وتكونوا خلائف في الأرض. فقد عشت فيكم وبينكم سنين طويلة من عمري لم أبلغكم خلالها شيئا، لأن الله لم يكن قد أوحى إلي برسالته، فلما أوحى إلي، وأمرني بأن أبلغكم أوامره فعلت، أليس لكم عقول تميزون بها بين الحق والباطل؟»78.
رابعًا: التدبر في آيات القرآن:
ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم من الآيات التي تبين لنا أن الغرض منها هو التدبر والتأمل، وذلك ليزداد الإيمان بالله وتقوى العقيدة، ونصل إلى مرتبة اليقين بالله تعالى، ولا يعترينا شك في أي شيء مما وصلنا على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه من لدن حكيم خبير، قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الروم: ٢٨].
«(ﮝ ﮞ) أي: يستعملون عقولهم في تدبر الأمور، وتخصيصهم بالذكر مع عموم تفصيل الآيات للكل لأنهم المنتفعون بها»79.
«(ﮝ ﮞ) يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال»80.
«(ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) أي: ومثل هذا التفصيل البديع بضرب الأمثال الكاشفة للمعاني، المقربة لها إلى العقول، إذ تنقل المعقول إلى المحسوس التي هي به ألصق، ولإدراكه أقرب-نفصل حججنا وآياتنا لقوم يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال، واستخراج مغازيها ومراميها للوصول إلى الأغراض التي لأجلها ضربت، ولمثلها استعملت، فيستبين الرشد من الغى، والحق من الباطل، ولأمر ما كثرت الأمثال في جلاء الحقائق، وإيضاح ما أشكل منها على الناظرين»81.
الواجب استعمال العقول في التدبر والتفكر للآيات والأمثال التي يضربها الله لنا كي ننجو من الوقوع في المحظور، والخوف كذلك لا يكون إلا منه سبحانه، فكل شيء بيده، فلم نخاف المخلوقين وهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، فكيف سيقومون بنفعنا أو ضرنا؟! نسأل الله السلامة.
قال تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الأنبياء: ١٠].
«(ﯧ ﯨ) إنكار توبيخي فيه بعث لهم على التدبر في أمر الكتاب والتأمل في أحكامه»82.
«وهذا كالحث على التدبر للقول؛ لأنهم كانوا عقلاء، لأن التدبير من لوازم العقل، فمن لم يتدبر فكأنه خرج عن العقل»83.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [يونس: ١٦].
«(ﮏ ﮐ)أي:أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر، فتعلموا أنه ليس من طوق البشر، بل هو من عند الحكيم العليم الواحد القهار»84.
«فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم، وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب، لجزمتم جزما لا يقبل الريب بصدقه، وأنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ولكن إذا أبيتم إلا التكذيب والعناد، فأنتم لا شك أنكم ظالمون»85.
«أفلا تعقلون أنه ليس من قبلي، أي: أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر فيه، لتعلموا أنه ليس إلا من الله»86.
مما سبق نجد أننا لو تدبرنا كتاب الله وآياته المسطورة والمنظورة بعقولنا وفطرتنا السليمة، كما أمرنا ربنا تبارك وتعالى، واتبعنا التعاليم والمبادئ الموجودة في ديننا الحنيف، لاهتدينا بأمر الله وكنا من الفائزين في الدنيا والآخرة.
خامسًا: آثار المهلكين من الأمم السابقة:
من وسائل تربية الله تعالى للبشر، ذكره القصص لأخذ العبرة والامتثال لحكم الله سبحانه وتعالى، فذكر لنا قصص الأمم الغابرة التي حادت عن منهج الله سبحانه، فبين الله عز وجل سنته فيهم وذلك بالخسف والدمار وإنزال العذاب عليهم، وترك من آثار ديارهم المدمرة للتدبر وليكونوا عبرة لغيرهم.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [يوسف: ١٠٩].
«(ﯓ ﯔ) يعني: يتفكرون ويعتبرون بهم فيؤمنون»87.
« فتتدبروا سنن الله في الغابرين؟ أفلا تعقلون فتؤثروا المتاع الباقي على المتاع القصير؟ »88.
قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الصافات: ١٣٧-١٣٨].
والمعنى تمرون على منازلهم في ذهابكم إلى الشام ورجوعكم منه نهارًا وليلًا أفلا تعقلون ما تشاهدونه في ديارهم من آثار عقوبة الله النازلة بهم، فإن في ذلك عبرة للمعتبرين وموعظة للمتدبرين 89.
«أي: أفلا تعتبرون بهم كيف دمر الله عليهم وتعلمون أن للكافرين أمثالها؟»90.
«(ﮈ ﮉ) يقول: أفليس لكم عقول تتدبرون بها وتتفكرون»91.
«أتشاهدون ذلك فلا تعقلون حتى تعتبروا به وتخافوا أن يصيبكم مثل ما أصابهم»92.
ويظهر من خلال ما نقل من أقوال المفسرين آنفًا أن معنى العقلان في الآيات السابقة يدور حل الاعتبار والاتعاظ بما تضمنه السنن الجارية من دروس في حياة الأفراد والأمم، فلنعتبر مما حدث في الأمم السابقة، وننظر إلى ما آلت إليه الأمم التي حادت عن المنهج السليم، الذي أرسل الله لهم به الرسل للهداية والنجاة من العقاب، وتدبرنا ذلك في أنفسنا بعقولنا وبصائرنا، ترانا ماذا كنا فاعلين؟
فالسعيد من وعظ بغيره، نسأل الله السلامة في الدنيا والآخرة.
سادسًا: حقيقة الحياة الدنيا والحياة الآخرة
في القرآن الكريم العديد من الآيات التي يدعونا الله عز وجل من خلالها للمقارنة بين الدنيا وشقائها، والدار الآخرة بنعيمها والفوز بالجنة، والذي يتدبر الأمر هو الذي يمتلك عقلًا واعيًا، ويحسن المقارنة فيترك متاع الدنيا القليل الزائل ويعمل من أجل النعيم الدائم في الآخرة.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الأنعام: ٣٢].
« (ﮮ ﮯ) أي: أفلا يكون لكم عقول، بها تدركون، أي الدارين أحق بالإيثار»93.
« أفلا تعقلون إن الآخرة خير من الدنيا فيعملون لها»94.
« نصيحة القرآن للعقلاء بأن لا يغتروا بالحياة الدنيا، ويهملوا شأن الآخرة وهي خير للمتقين»95.
في الآية السابقة نلاحظ كيف أن القرآن ينكر على الذين يعقلون كيف لا يتدبرون الآيات، ويشغلون أنفسهم بالدنيا وما فيها من مظاهر اللهو واللعب، ويتركون الإعداد للآخرة التي هي خير وأبقى لمن أخلص في طلبها واستعمل دنياه في تحصيلها.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الأعراف: ١٦٩].
«(ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) لدوامها، وخلوص منافعها ولذاتها عن المضار والآلام، (ﯷ ﯸ) ذلك حتى تتقوا ما أنتم عليه من الكفر والمعاصي، ولا تؤثرون الأدنى الفاني، على الأعلى الباقي»96.
«(ﯷ ﯸ) فيعلموا ذلك، ولا يستبدلوا الأدنى الحقير المؤدي إلى العقاب بالنعيم الكبير المخلد في دار الثواب»97.
«(ﯷ ﯸ) يعني: أفلا يعقل هؤلاء الذين يرضون بعرض الدنيا أن ما في الآخرة خير وأبقى لأنها دار المتقين»98.
«(ﯷ ﯸ) أي: أفلا يكون لكم عقول توازن بين ما ينبغي إيثاره، وما ينبغي الإيثار عليه، وما هو أولى بالسعي إليه، والتقديم له على غيره. فخاصية العقل النظر للعواقب.
وأما من نظر إلى عاجل طفيف منقطع، يفوت نعيمًا عظيمًا باقيًا فأنى له العقل والرأي؟»99.
مما سبق نلاحظ أن القرآن الكريم ذكر أن العاقل هو الذي يقارن بعقله بين الدنيا ومتاعها الزائل، والآخرة ونعيمها الباقي ويختار بعقله السليم ما هو خير له في دنياه وآخرته، و الشقي من يؤثر الدنيا ومتاعها القليل الزائل ويستبدلها بالخلود في الجنة ونعيمها المقيم، يبيع آخرته بعرض ومتاع سقط لا قيمة له، مقارنة بما كان ينتظره في الجنة لو أعد له واهتدى. نسأل الله السداد والتوفيق.
سابعًا: الأمثال القرآنية:
ضرب المثل نوع من أنواع تقريب العلم وفهمه لعقول الناس، وهو وسيلة من الوسائل التعليمية التي نهجها القرآن منها القصص والمثل وغيرها، وذلك لتقريب الصورة للأذهان، والاستفادة من الأحكام والأوامر والنواهي والتدبر والتفكر في آيات الله، والحذر من الوقوع في المعصية، والتعرض لغضب الله والعياذ بالله.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الكهف: ٥٤].
«(ﭑ ﭒ) أي: بَيَّنا (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) أي: ليتذكروا ويتعظوا»100.
«(ﭗ ﭘ ﭙ) من كل خبر يحتاجون إليه مضروب يعتبرون به، ومن جملته ما مر من مثل الرجلين، ومثل الحياة الدنيا، أو من كل نوع من أنواع المعاني البديعة الداعية إلى الإيمان، التي هي، في الغرابة والحسن واستجلاب القلوب، كالمثل المضروب، ليتلقوه بالقبول»101.
«(ﭗ ﭘ ﭙ)ضربناه للناس: تقريبًا لأفهامهم،»102.
«يخبر الله تعالى عن عظمة القرآن، وجلالته، وعمومه، وأنه صرف فيه من كل مثل، أي: من كل طريق موصل إلى العلوم النافعة، والسعادة الأبدية، وكل طريق يعصم من الشر والهلاك، ففيه أمثال الحلال والحرام، وجزاء الأعمال، والترغيب والترهيب، والأخبار الصادقة النافعة للقلوب، اعتقادًا، وطمأنينة، ونورًا، وهذا مما يوجب التسليم لهذا القرآن وتلقيه بالانقياد والطاعة، وعدم المنازعة له في أمر من الأمور»103.
«يقول عز ذكره: ولقد مثلنا في هذا القرآن للناس من كل مثل، ووعظناهم فيه من كل عظة، واحتججنا عليهم فيه بكل حجة ليتذكروا فينيبوا، ويعتبروا فيتعظوا، وينزجروا عما هم عليه مقيمون من الشرك بالله وعبادة الأوثان»104.
وهكذا نرى أن الغاية من ضرب المثل هو تقريب المعنى للأفهام، وتوضيح الصورة لأخذ العبرة، والانقياد والطاعة وزيادة الطمأنينة.
قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [هود: ٢٤].
«(ﮚ ﮛ) أي: بضرب الأمثال وتدبرها»105.
«(ﮚ ﮛ) أي: أفلا تعتبرون وتتعظون؟ والغرض التفريق بين أهل الطاعة والإيمان، وأهل الجحود والعصيان»106.
«(ﮚ ﮛ) تتعظون بضرب الأمثال فترجعون عن غيكم»107.
«(ﮚ ﮛ) أي: تتعظون بضرب الأمثال والتأمل فيها»108، من الآية السابقة نجد أن ضرب المثل كان للتدبر والاتعاظ.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [محمد: ٣].
«(ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) أي: مثل ذلك البيان الواضح، بين الله أمر كلٍّ من الفريقين المؤمنين والكافرين بأوضح بيانٍ وأجلى برهان؛ ليعتبر الناس ويتعظوا»109.
وقال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [العنكبوت: ٤١].
«هذا المثل وغيره من الأمثال التي في القرآن، نضربها للناس تنبيهًا لهم، وتقريبًا لما بعد من أفهامهم»110.
«أي: لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم، لكونها من الطرق الموضحة للعلوم، ولأنها تقرب الأمور المعقولة بالأمور المحسوسة، فيتضح المعنى المطلوب بسببها، فهي مصلحة لعموم الناس»111.
وهكذا نرى كيف ضرب الله تعالى المثل لتقريب الصورة وسهولة الاستيعاب، وأخذ العبرة من الأمثال.
الحمد لله على نعمة العقل التي أنعم الله تعالى بها علينا، فبه عرفنا الله ربنا وبه عبدناه، ونسير كذلك أمرنا في الحياة الدنيا، وبه ميزنا عن سائر خلقه من الطيور والحيوانات، وبه نميز بين الحق والباطل، وبواسطته تعلمنا الحلال من الحرام، وتعلمنا العلوم الشرعية والدنيوية، وبه جاهدنا أنفسنا والشيطان.
أولًا: الهداية:
«إن القرآن هو كتاب العقل، وأنه بأكمله دعوة لتحرير العقل من عقاله، وأنه يدعونا -بعبارات تختلف في أسلوبها وتتحد في معناها- إلى استعمال العقل ووزن كل شيء بميزانه.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الأنبياء: ٦٦-٦٧].
«(ﮫ ﮬ) يعني: أليس لكم عقل تعقلون به أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة؟ »112.
«(ﮫ ﮬ) أن من ليس له ذهن ولا قوة ولا منفعة ولا مضرة أن لا تعبدوه»113.
وقوله: «(ﮫ ﮬ) أي: أليس لكم عقل تعرفون هذا؟»114.
«(ﮫ ﮬ) أي: أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر الغليظ، الذي لا يروج إلا على جاهل ظالم فاجر؟»115.
«(ﮫ ﮬ) أي: ألا تتفكرون فلا تعقلون قبح صنيعكم»116.
«(ﮫ ﮬ) أي: أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر الذي لا يدين به إلا كل جاهل ظالم فاجر»117.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الزمر: ١٨].
« قوله: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) أي: المتصفون بهذه الصفة هم الذين هداهم الله في الدنيا والآخرة،(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) أي: ذوو العقول الصحيحة، والفطر المستقيمة »118.
«وقوله: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) أي: أرشدهم الله إلى الحق. وقوله: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) أي: أولو العقول»119.
«(ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) لدينه، (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) العقول السليمة عن منازعة الوهم والعادة، وفي ذلك دلالة على أن الهداية تحصل بفعل الله وقبول النفس لها»120.
مما سبق نجد أن الله سبحانه وتعالى أكرم الإنسان بالعقل، وبهذا العقل السليم اهتدى لوحدانية الله عز وجل، فأكرمه الله تعالى بالهداية والعلم، مما زاد تقواه وخشيته لله تعالى، وهذا فضل من الله ومنة لذوي العقول السليمة والفطرة الصافية.
ثانيًا: مطابقة العلم للعمل:
من العار أن يكون الإنسان متعلمًا لأمر معين، ويعلمه لغيره، وهو أولى أن يقوم بالعمل بما يعلم، قال صلى الله عليه وسلم مادحًا من تعلم وعلم، أي: من عمل بعلمه، فالإنسان العاقل هو من يقوم بالعمل بما يعمل، عن عثمان رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)121.
«قال الحكماء: العقل رائد الروح، والعلم رائد العقل، وحياة المروءة الصدق، وحياة الروح العفاف، وحياة الحلم العلم، وحياة العلم الفهم، وحياة الفهم العمل، وحياة العمل القبول»122.
و«قال بعض الحكماء: أفضل العقل معرفة الرجل نفسه، وأفضل العلم وقوف الرجل عند علمه»123.
قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [البقرة: ٤٤].
«(ﮭ ﮮ) قيل: إن من وعظ الناس يجتهد أن ينفذ موعظته إلى القلوب، فإذا خالف قوله فعله كان ذلك سبب تنفير القلوب عن قبول موعظته»124.
«العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه، دل على عدم عقله وجهله، خصوصا إذا كان عالما بذلك، قد قامت عليه الحجة»125.
«وقال الحرالي: ولما كان فيهم من أشار على من استهداه بالهداية لاتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يهدوا أنفسهم لما أرشدوا إليه غيرهم، أعلن تعالى عليهم بذلك نظمًا لما تقدم من نقض عهدهم ولبسهم وكتمهم بما ظهر من نقص عقولهم، في أن يظهر طريق الهدى لغيره ولا يتبعه، فأخرجهم بذلك عن حد العقل الذي هو أدنى أحوال المخاطبين، وزاد في تبكيتهم بجملة حالية حاكية تلبسهم بالعلم والحكمة الناهية عما هم عليه» 126.
«وقوله: (ﮭ ﮮ) استفهام عن انتفاء تعقلهم استفهامًا مستعملًا في الإنكار والتوبيخ، نزلوا منزلة من انتفى تعقله فأنكر عليهم ذلك، ووجه المشابهة بين حالهم وحال من لا يعقلون أن من يستمر به التغفل عن نفسه وإهمال التفكر في صلاحها مع مصاحبة شيئين يذكرانه، قارب أن يكون منفيًّا عنه التعقل»127.
وهكذا نجد التقريع والذم لمن لا يعمل بما يعلمه للناس.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الصف: ٢-٣].
«تتناول ذم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق أو مقيد بشرط »128.
« هذا الاستفهام للتقريع والتوبيخ، أي: لم تقولون من الخير ما لا تفعلونه؟»129.
«أي: لم تقولون الخير وتحثون عليه، وربما تمدحتم به وأنتم لا تفعلونه، وتنهون عن الشر، وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون به ومتصفون به. فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل؟ ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة، وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه»130.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الأعراف: ١٧٥-١٧٨].
«قال قتادة: هذا مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى فلم يقبله»131.
«أنه مال إلى الدنيا ورغب فيها وآثرها على الآخرة واتبع هواه، أي: اتبع ما يهواه، وترك العمل بما يقتضيه العلم الذي علمه الله، وهو حطام الدنيا»132.
«وفي هذه الآيات الترغيب في العمل بالعلم، وأن ذلك رفعة من الله لصاحبه، وعصمة من الشيطان، والترهيب من عدم العمل به، وأنه نزول إلى أسفل سافلين، وتسليط للشيطان عليه، وفيه أن اتباع الهوى، وإخلاد العبد إلى الشهوات، يكون سببا للخذلان »133.
«هنا نفيٌ بضرب المثل للمكذبين بآيات الله المنزلة على رسوله الكريم بعد أن أيدها بالأدلة العقلية والكونية، وهو مثل من آتاه الله آياته فكان عالمًا بها قادرًا على بيانها، لكنه لا يعمل بها، بل يأتي عمله مخالفًا لعلمه. لذا سلبه الله ما آتاه»134.
فالعمل المبارك المقبول هو ما كان عن علم، كذلك العمل الطيب المبارك هو الذي ينفع صاحبه ويعمل به، فيكون حجة له لا عليه، ويرفع الله درجاته في الجنة.
ثالثًا: الامتناع عن المعاصي:
السعيد الذي منحه الله تعالى عقلًا سليمًا وقلبًا عامرًا بالتقوى والإيمان، فهو يكون بعيدًا كل البعد عن المعاصي؛ لأن قلبه مضاء بنور الإيمان، وعقله النير وفطرته السليمة يصد بهما كل خطرات الشيطان، كذلك نفسه التي بين جنبيه تكون مطمئنة، تدعوه للعمل الصالح والطاعة والسلوك القويم الذي يرضي الله تعالى عنه، فلا يسلك سبل الشيطان الملتوية، بل يبتعد عن كل ما يغضب الله تعالى، اللهم ألهم نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم آمين.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الأنعام: ١٥١].
(ﰁ ﰂ) أي: لكي تنتفعوا بعقولكم135.
«(ﰁ ﰂ) أي: تستعملون عقولكم التي تعقل نفوسكم وتحبسها عن مباشرة القبائح المذكورة»136.
«وقوله: (ﰁ ﰂ) رجاء أن يعقلوا، أي: يصيروا ذوي عقول؛ لأن ملابسة بعض هذه المحرمات ينبئ عن خساسة عقل، بحيث ينزل ملابسوها منزلة من لا يعقل، فلذلك رجي أن يعقلوا»137.
«ذلكم وصاكم به الله، وأرشدكم، لتعقلوا الخير والمنفعة في فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، إذ هو مما تدركه العقول، وفي هذا تعريض بأن ما هم عليه لا يعقل له معنى، ولا تظهر له فائدة عند ذوى العقول الراجحة»138.
«لعلكم تعقلون عن الله أوامره ونواهيه، أي: ليعدكم لأن تعقلوا الخير والمصلحة في فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه»139.
قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الزخرف: ٢١-٢٧].
أنا أتبرأ مما تعبدون إلا من الله عز وجل، ويجوز أن يكون (ﮋ) بمعنى لكن، فيكون المعنى: لكن الذي فطرني فإنه سيهديني، أي: سيرشدني لدينه ويوفقني لطاعته140.
«يعني: بريء من معبودكم، إلا الذي خلقني، فإني لا أتبرأ منه، (ﮎ ﮏ) يعني: يثبتني على دين الإسلام»141.
«قال ذلك ثقة بالله وتنبيهًا لقومه أن الهداية من ربه»142.
«لكن الذي فطرني هو معبودي الهادي المـنجي من العذاب، وفي هذا استدعاءٌ لهم، وترغيبٌ في طاعة الله، وتطميع في رحمته»143.
فصاحب العقل السليم والفطرة السليمة، يمنع نفسه من ارتكاب المعاصي والوقوع في المحرمات، وذلك لأن العقل معناه: الكف والحبس، فهو يحبس صاحبه ويكفه عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى.
رابعًا: البعد عن التقليد المذموم:
أرسل الله تعالى الرسل لهداية الناس والأخذ بأيديهم من الظلمات إلى النور وهداية قلوبهم بنور الإيمان، بعد ما كانت مظلمة بظلمة الكفر، واتباعهم لتقاليد الآباء الكفرية والشركية التي هي بعيدة كل البعد عن شريعة الإسلام، ولكن بعضهم رفضوا الانقياد لمنهج الله القويم، فكان عقابهم جهنم وبئس المصير، فخسروا الدنيا والآخرة، وشبههم الله تعالى بالأنعام بل هم أضل سبيلًا؛ لتعطيلهم عقولهم عن الفهم والإدراك، وصمهم لآذانهم، وطمس أبصارهم عن نور الهداية والإيمان.
إن البشرية قد بلغت رشدها فأصبحت تقاد بالعقل وحده، ولم يعد ينفع معها مجرد الخوارق والقوارع الملجئة أو شبه الملجئة، فجاء الإسلام دينًا منطقيًّا، رفع من قيمة العقل،، ثم هو بعد ذلك يذم التقليد وينعي على المقلدين لآبائهم وأحبارهم ورهبانهم144.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة: ١٧٠-١٧١].
«(ﭣ ﭤ ﭥ) يعني لا يعلمون شيئا من أمر الدين، لفظه عام ومعناه خاص، وذلك أنهم كانوا يعقلون أمر الدنيا (ﭦ ﭧ) أي: إلى الصواب»145.
فقال الضحاك عن ابن عباس: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) يعني: كفار قريش من بني عبد الدار، قالوا: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) من عبادة الأصنام. فقال الله: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) من التوحيد ومعرفه الرحمن (ﭦ ﭧ) للحجة البالغة لا يعقلون شيئًا من أمر الدين ولا يهتدون، معنى الآية في أحد الأقوال: ومثل الذين كفروا في قلة عقلهم وفهمهم عن الله عز وجل وعن رسوله وسوء قبولهم عنهما كمثل المنعوق به من البهائم، التي لا تفقه من الأمر والنهي غير الصوت، فكذلك الكافر في قلة فهمه وسوء تفكره، الكافر ليس له من دعائه الآلهة وعبادته الأوثان إلا العناء والبلاء، ولا ينتفع منها بشيء فهم لا يعقلون146.
«يقول تعالى ذكره لهؤلاء الكفار: فكيف أيها الناس تتبعون ما وجدتم عليه آباءكم فتتركون ما يأمركم به ربكم، وآباؤكم لا يعقلون من أمر الله شيئًا، ولا هم مصيبون حقًّا، ولا مدركون رشدًا؟ وإنما يتبع المتبع ذا المعرفة بالشيء المستعمل له في نفسه، فأما الجاهل فلا يتبعه -فيما هو به جاهل- إلا من لا عقل له ولا تمييز»147.
«معناه أيتبعون آباءهم وإن كانوا جهالًا فيتابعوهم بغير حجة؟ فكأنه نهاهم عن التقليد وأمرهم بالتمسك بالحجة»148.
«وفي هذا دلالة على ذم التقليد، وهو قبول الشيء بلا دليل ولا حجة. وحكى ابن عطية أن الإجماع منعقد على إبطاله في العقائد. وفي الآية دليل على أن ما كان عليه آباؤهم هو مخالف لما أنزل الله، فاتباع أبنائهم لآبائهم تقليد في ضلال. وفي هذا دليل على أن دين الله هو اتباع ما أنزل الله، لأنهم لم يؤمروا إلا به»149.
وهكذا نجد كيف أن الله تعالى ذم المقلدين للآباء أو الرؤساء الجهال، والمعرضين عن اتباع منهج الله تعالى وتعاليمه.
قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الزخرف: ٢١-٢٣].
«وفي هذا دليل على إبطال التقليد، لذمه إياهم على تقليد آبائهم وتركهم النظر فيما دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم»150.
«أي: لم يأتوا بحجة عقلية أو نقلية بل اعترفوا بأن لا سند لهم سوى تقليد آبائهم الجهلة مثلهم»151.
«وهذا من أعظم الأدلة الدالة على بطلان التقليد وقبحه، فإن هؤلاء المقلدة في الإسلام إنما يعملون بقول أسلافهم، ويتبعون آثارهم، ويقتدون بهم، فإذا رام الداعي إلى الحق أن يخرجهم من ضلالة، أو يدفعهم عن بدعة قد تمسكوا بها وورثوها عن أسلافهم بغير دليل نَيِّر، ولا حجة واضحة، بل بمجرد قال وقيل لشبهة داحضة، وحجة زائفة، ومقالة باطلة، قالوا بما قاله المترفون من هذه الملل: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون»152.
«أي: لم يأتوا بحجة عقلية، أو نقلية، بل اعترفوا بتقليد آبائهم الجهلة، وقالوا: إنا وجدنا آباءنا على حالة عظيمة تقصد، وإنا مهتدون على أعمالهم، وكذلك، أي: والأمر كما ذكر من عجزهم عن الحجة وتمسكهم بالتقليد»153.
«وهذا الاحتجاج من هؤلاء المشركين الضالين، بتقليدهم لآبائهم الضالين، ليس المقصود به اتباع الحق والهدى، وإنما هو تعصب محض، يراد به نصرة ما معهم من الباطل»154.
« هذا الكلام مسوقًا مساق الذم لهم إذ لم يقارنوا بين ما جاءهم به الرسول وبين ما تلقوه من آبائهم، فإن شأن العاقل أن يميز ما يلقى إليه من الاختلاف ويعرضه على معيار الحق»155.
«ليست لهم حجة عقلية ولا حجة نقلية تبرر لهم أفعالهم، وإنما السبب الحقيقي أنهم يقلدون آباءهم تقليد الأعمى مع التعصب الشديد ولو كانوا على باطل»156.
« وهذا دليل على إبطال التقليد في العقائد والأصول، لأن الله ذمهم على تقليد آبائهم، وتركهم النظر فيما دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم»157.
«قال سبحانه عن أهل النار: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الملك: ١٠].
فقد كانت لديهم عقول وأسماع لزمتهم بها الحجة عند الله تعالى»158.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [لقمان: ٢١].
« بين أن مجادلتهم مع كونها من غير علم فهي في غاية القبح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم إلى كلام الله، وهم يأخذون بكلام آبائهم، وبين كلام الله وكلام العلماء بون عظيم، فكيف ما بين كلام الله وكلام الجهال؟!»159.
«(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) أي: وإذا قيل لهؤلاء المجادلين في توحيد الله: اتبعوا ما أنزل الله على رسوله من الشرائع المطهرة، لم يكن لهم حجة إلا اتباع الآباء الأقدمين فيما اعتقدوه من دين. وهذا في غاية القبح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى كلام الله الهادي إلى الحق والخير، وهم يأخذون بكلام آبائهم. وهذا منع صريح من التقليد في أصول العقيدة، لذا وبخهم الله على سوء مقالتهم»160.
«فهذا هو سندهم الوحيد، وهذا هو دليلهم العجيب! التقليد الجامد المتحجر الذي لا يقوم على علم ولا يعتمد على تفكير. التقليد الذي يريد الإسلام أن يحررهم منه، وأن يطلق عقولهم لتتدبر ويشيع فيها اليقظة والحركة والنور، فيأبوا هم الانطلاق من إسار الماضي المنحرف، ويتمسكوا بالأغلال والقيود.
إن الإسلام حرية في الضمير، وحركة في الشعور، وتَطَلُّعٌ إلى النور، ومنهج جديد للحياة، طليق من إسار التقليد والجمود. ومع ذلك كان يأباه ذلك الفريق من الناس، ويدفعون عن أرواحهم هداه، ويجادلون في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير» 161.
وإذا دعوا إلى اتباع وحي الله رجعوا إلى التقليد المحض بغير حجة فسلكوا طريق الآباء، فكان القائل منهم يقول: هم يتبعون دين آبائهم ولو كان مصيرهم إلى السعير 162.
خامسًا: إدراك الحكمة من الأحكام الشرعية:
لقد مَنَّ الله علينا بنعمة العقل، لنهتدي به خلال رحلة الحياة، فعن طريقه نعبد الله تعالى على بصيرة، حيث نتدبر الأحكام الشرعية، نتعلمها ونفهمها ونتفقه ما بها من أوامر ونواهٍ، فبإدراكنا الحكمة يزداد اليقين، ويقوى الإيمان، وتتسع مدارك العقول كلما استنار الإنسان بعلم الله تعالى وهدايته لنا.
«إن الآيات التشريعية التي تبين فضل الله على الناس في تشريع الأحكام لهم كثيرة تكفل القسم المدني من القرآن بها، وجاءت وفق مبادئ الإسلام العظيم في التيسير ورفع الحرج وغيرها، مما ميز طبيعة التشريع الإسلامي عن غيره، وهنا فنحن أمام مجموعة من الآيات المتحدثة عن حكمة تحريم الخمر والميسر، وعن مشروعية النفقة والصدقة، وعن أهمية سنة الزواج، وهي أمور قليلة إن قورنت بمجموع ما تحدث عنه القرآن في مسائل التشريع، لكن طلب التفكير فيها ربما لأمور خفية قد لا تدرك بمجرد العقل أو السمع، فلا بد من إعمال الفكر فيها»163.
«القرآن العظيم جاء بهدايات كاملة تامة، تفي بحاجات جميع البشر في كل زمان ومكان؛ لأن الذي أنزله هو العليم بكل شيءٍ، خالق البشرية والخبير بما يصلحها ويفسدها، وما ينفعها ويضرها، فإذا شرع أمرًا جاء في أعلى درجات الحكمة والخبرة، قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الملك: ١٤].
ويزداد الوضوح عند التأمل في أحوال الأنظمة والقوانين البشرية التي يظهر عجزها عن معالجة المشكلات البشرية، ومسايرة الأوضاع والأزمنة والأحوال، مما يضطر أصحابها إلى الاستمرار في التعديل والزيادة والنقص، فيلغون غدًا ما وضعوه اليوم؛ لأن الإنسان محل النقص والخطأ، والجهل لأعماق النفس البشرية، والجهل بما يحدث غدًا في أوضاع الإنسان وأحواله وفيما يصلح البشرية في كل عصر ومصر»164.
قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [البقرة: ٢٤٢].
«أي: لكي تعقلوا ما بينت لكم من الفرائض والأحكام وما فيه صلاحكم وصلاح دينكم»165.
«ولما بين تعالى هذه الأحكام العظيمة المشتملة على الحكمة والرحمة امتن بها على عباده فقال: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ)، أي: حدوده، وحلاله وحرامه والأحكام النافعة لكم، لعلكم تعقلونها فتعرفونها وتعرفون المقصود منها، فإن من عرف ذلك أوجب له العمل بها»166.
«فكذلك أبين لكم سائر الأحكام في آياتي التي أنزلتها على نبيي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب، لتعقلوا- أيها المؤمنون بي وبرسولي- حدودي، فتفهموا اللازم لكم من فرائضي، وتعرفوا بذلك ما فيه صلاح دينكم ودنياكم، وعاجلكم وآجلكم، فتعملوا به ليصلح ذات بينكم، وتنالوا به الجزيل من ثوابي في معادكم»167.
«وعد بأنه سيبين لعباده من الدلائل والأحكام ما يحتاجون إليه معاشًا ومعادًا. لعلكم تفهمونها فتستعملون العقل فيها»168.
«أي: مثل هذا التبيين الذي سبق من الأحكام، يبين لكم في المستقبل ما بقي من الأحكام التي يكلفها العباد. لعلكم تعقلون ما يراد منكم من التزام الشرائع والوقوف عندها، لأن التبيين للأشياء مما يتضح للعقل بأول إدراك، بخلاف الأشياء المغيبات والمجملات، فإن العقل يرتبك فيها، ولا يكاد يحصل منها على طائل»169.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الأنعام: ١٥١].
«أي: لكي تعقلوا فوائد هذه التكاليف في الدين والدنيا»170.
«أي: ليعدكم لأن تعقلوا الخير والمصلحة في فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه»171.
«أي: وصاكم الله بذلك لما فيه من إعدادكم، وباعث الرجاء في أنفسكم لأن تعقلوا ما فيه الخير والمنفعة في ترك ما نهى عنه وفعل ما أمر به، فإن ذلك مما تدركه العقول الصحيحة بأدنى تأمل، وفيه دليل على الحسن الذاتي وإدراك العقول له بنظرها، وإذا هي عقلت ذلك كان عاقلا لها ومانعا من المخالفة. وفيه تعريض بأن ما هم عليه من الشرك وتحريم السوائب وغيرها، مما لا تعقل له فائدة، ولا تظهر للأنظار الصحيحة فيه مصلحة»172.
قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [النور: ٦١].
«فأنزل سبحانه لهم في كل وقت شرعًا يليق بذلك الزمان على لسان رسول من رسله عليهم الصلاة والسلام، جعل ذلك الشرع يطابق العقل السوي، والنور الضوي، والمنهل الروي، والسبب القوي، من تمسك به هدي ولم يزغ، حد فيه سبحانه حدودًا، وأقام فيه زواجر، لتظهر حكمته، ويتضح علمه وقدرته، فصارت شرائع متفقة الأصول، مختلفة الفروع، بحسب الأزمنة، إشارة إلى أن الفاعل في تغيير الأحكام بحسب الأزمان واحد مختار، وامتحانًا للعباد، تمييزًا لأهل الصلاح منهم من أهل الفساد»173.
«أي: ما في تضاعيفها من الشرائع والأحكام، وتعملون بموجبها، وتحوزون بذلك سعادة الدارين»174.
«تعليل لذلك التبيين برجاء تعقل آيات الله سبحانه وفهم معانيها»175.
«(ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) الدالات على أحكامه الشرعية وحكمها، (ﯯ ﯰ) عنه فتفهمونها، وتعقلونها بقلوبكم، ولتكونوا من أهل العقول والألباب الرزينة، فإن معرفة أحكامه الشرعية على وجهها، يزيد في العقل، وينمو به اللب، لكون معانيها أجل المعاني، وآدابها أجل الآداب، ولأن الجزاء من جنس العمل، فكما استعمل عقله للعقل عن ربه، وللتفكر في آياته التي دعاه إليها، زاده من ذلك»176.
«وكذلك يبين الله للناس آياته وحكمه لعلهم يدركون المنهج الإلهي، ولعلهم يعقلون ما في هذه الآيات والحجج»177.
نجد أنه من الحكمة التدبر في الآيات والأحكام الشرعية، ونوقن بأن الله تعالى حد الحدود ووضع القيود، والفرائض والسنن لحكمة، بعضها أعلمنا بها، وبعضها أخفى سرها ولا يعلمها إلا هو سبحانه لغاية يريدها هو.
سادسًا: عدم اتباع الشيطان:
العاقل من ائتمر بأوامر الله عز وجل، حيث نهانا عن اتباع الشيطان؛ لأنه عدو لنا، ولا يريد لنا إلا الغواية والضلالة، لذا علينا أن نكون دائمًا يقظين، وعقولنا وقلوبنا متنبهة؛ لئلا يوقعنا في شركه، ونحن في غفلة فنخسر دنيانا وأخرانا، نسأل الله السلامة.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يس: ٦٠-٦٢].
«أي: لا تطيعوا الشيطان في معصية الله»178.
«قد رأيتم آثار الهالكين قبلكم بطاعة الشيطان، أفلم تعقلوا ذلك؟!»179.
«قوله عز وجل: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) أي: ألم آمركم وأوصيكم يا بني آدم (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) يعني: لا تطيعوه فيما يوسوس ويزين لكم من معصية الله (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) أي: ظاهر العداوة،(ﮃ ﮄ) أي: أطيعوني ووحدوني (ﮆ ﮇ ﮈ) أي: لا صراط أقوم منه قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) أي: خلقًا كثيرًا (ﮐ ﮑ ﮒ) يعني: ما أتاكم من هلاك الأمم الخالية بطاعة إبليس»180.
هذا تقريع من الله للكفرة من بني آدم، الذين أطاعوا الشيطان وهو عدو لهم مبين، وعصوا الرحمن وهو الذي خلقهم ورزقهم؛ واتبعتم الشيطان فيما أمركم به، أفما كان لكم عقل في مخالفة ربكم فيما أمركم به من عبادته وحده لا شريك له، وعدولكم إلى اتباع الشيطان؟! 181.
ألم أوصكم يا بني آدم أن لا تطيعوا الشيطان فيما يوسوس به إليكم من المعاصي، لأنه لكم عدو مبين واضح العداوة، ولقد أضل الشيطان منكم يا بني آدم أممًا كثيرة، أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم (ﮐ ﮑ ﮒ) أنها لضلالهم، أو أفلم تكونوا تعقلون شيئًا أصلًا، فلذلك كفرتم ككفرهم واستحققتم العذاب مثلهم182.
«رجوع إلى بيان معاداة الشيطان مع ظهور عداوته ووضوح إضلاله لمن له أدنى عقل ورأي»183.
«فالشيطان يأمر البعض بترك عبادة الله وبعبادة غيره فهو تولية، فإن لم يقدر يأمره بعبادة الله لأمر غير الله من رئاسة وجاه وغيرهما فهو صد، وهو يفضي إلى التولية؛ لأن مقصوده لو حصل لترك الله وأقبل على ذلك الغير فتحصل التولية»184.
«(ﮐ ﮑ ﮒ) عداوة الشيطان لكم»185.
«(ﮐ ﮑ ﮒ) أيها المشركون، إذ أطعتم الشيطان في عبادة غير الله، أنه لا ينبغي لكم أن تطيعوا عدوكم وعدو الله، وتعبدوا غير الله»186.
«(ﮐ ﮑ ﮒ) استفهام تقريع على تركهم الانتفاع بالعقل»187.
«(ﮐ ﮑ ﮒ) عداوته وتعلموا أن الواجب طاعة الله»188.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [البقرة: ١٦٨-١٦٩].
فهذا نهي عن اتباع وحي الباطل والشر، لأنه من إغواء الشيطان،ثم بين كيفية عداوته وفنون شره وإفساده فقال: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) أي: إنما يوسوس الشيطان ويتسلط عليكم، كأنه آمر مطاع بأن تفعلوا ما يسوؤكم في دنياكم وآخرتكم، وأن تجترحوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والتصرف في الأكوان بدون اتخاذ الأسباب قد ضلوا ضلالًا بعيدًا واتبعوا أمر الشيطان، ومثلهم من اتخذ رأي الرؤساء حجة في الدين من غير أن يكون بيانًا أو تبليغًا لما جاء عن الله، فهؤلاء قد أعرضوا عن سنن الله، وأهملوا نعمة العقل، واتخذوا من دون الله الأنداد، قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الأعراف: ١٨٦].
(ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) أي: ويأمركم أن تقولوا على الله في دينه ما لا تعلمون علم اليقين أنه شرعه لكم من عقائد وشعائر دينية، أو تحليل ما الأصل فيه التحريم، أو تحريم ما الأصل فيه الإباحة، ففي كل ذلك اعتداء على حق الربوبية بالتشريع، وهذا أقبح ما يأمر به الشيطان، فإنه الأصل في إفساد العقائد وتحريف الشرائع189، أي: لا تطيعوه. وهذا التوبيخ يدخل فيه التوبيخ عن جميع أنواع الكفر والمعاصي؛ لأنها كلها طاعة للشيطان وعبادة له، فحذرتكم منه غاية التحذير، وأنذرتكم عن طاعته، وأخبرتكم بما يدعوكم إليه.
(ﮐ ﮑ ﮒ) أي: فلا كان لكم عقل يأمركم بموالاة ربكم ووليكم الحق، ويزجركم عن اتخاذ أعدى الأعداء لكم وليا، فلو كان لكم عقل صحيح لما فعلتم ذلك، فإذا أطعتم الشيطان وعاديتم الرحمن وكذبتم بلقائه ووردتم القيامة دار الجزاء وحق عليكم القول بالعذاب190.
«وفرع عليه توبيخهم بقلة العقول بقوله: (ﮐ ﮑ ﮒ)، فالاستفهام إنكاري عن عدم كونهم يعقلون، أي: يدركون، إذ لو كانوا يعقلون لتفطنوا إلى إيقاع الشيطان بهم في مهاوي الهلاك. وزيادة فعل الكون للإيماء إلى أن العقل لم يتكون فيهم ولا هم كائنون به»191.
«ألا تطيعوه، والمراد: عبادة غير الله من الآلهة الباطلة، مما زين به الشيطان وأمر به، فهو لكم (ﮀ ﮁ) بين العداوة، (ﮃ ﮄ) وحدوني وأطيعوني، أي: ألم أعهد إليكم بترك عبادة الشيطان، وبعبادتي. (ﮆ ﮇ ﮈ) أي: طريق معتدل قويم، وهو دين الإسلام، أفلم تكونوا تعقلون عداوة الشيطان وإضلاله لكم؟!»192.
«لقد عهدت إليكم يا بنى آدم عهدًا مؤكدا على ألسنة رسلي، أن لا تعبدوا الشيطان وأن لا تستمعوا لوسوسته، وأن لا تتبعوا خطواته، لأنه لكم عدو ظاهر العداوة، بحيث لا تخفى عداوته على أحد من العقلاء»193.
وهكذا نجد أن النجاة في مخالفة الشيطان، ولا يكون ذلك إلا باستعمال العقل السليم الذي يعرف الله ويخشاه ويهتدي بهدي محمد صلى الله عليه وسلم.
سابعًا: الأدب والتوقير للرسول الكريم والعلماء:
لقد أرسل الله تعالى لنا الرسل لتنير عقولنا وقلوبنا بنور الهداية والإيمان، لذا علينا اتباعهم بالحسنى واحترامهم وتوقيرهم كما أمرنا ربنا سبحانه وتعالى، لأننا عن طريقه صلى الله عليه وسلم وصلنا القرآن، وتعرفنا على منهج الهداية والإيمان والشريعة الصحيحة السليمة، وعرفنا كيف نصد الشيطان ونستمر في طريق الهدى والتقوى، وكيفية التعامل مع الآخرين من أهل وأقارب وجيران.
أما الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أخل كثير من الناس بواجبهم تجاهه، بل هم يرون الغارات تشن وبشكل مستمر ومبرمج من اليهود والنصارى ومن لا أخلاق له، ولا يحركون ساكنًا، فقد دأب أعداء الله يملؤون الصحف والمنتديات الإلكترونية والكتب المدرسية الغربية بسمومهم وهجومهم الموبوء وإساءاتهم المتكررة، ولا زالوا منذ البعثة إلى يومنا هذا يتعاونون على الإثم والعدوان على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. وقد كشف الله سبحانه حقيقتهم في القرآن الكريم، وفضح حقدهم الدفين في الصد عن شريعة خاتم الأنبياء والمرسلين.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الحجرات: ٢].
(ﮣ ﮤ ﮥ) أي: إذا نطق ونطقتم، ولا تجهروا له بالقول إذا كلمتموه؛ لأن رتبة النبوة والرسالة يجب أن توقر وتجل، ولا يكون الكلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم كالكلام مع غيره، وكره العلماء رفع الصوت عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبحضرة العالم، وفي المساجد194.
«أمرهم أن يبجلوه ويفخموه ويعظموه، ولا يرفعوا أصواتهم عنده، ولا ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا فيقول: يا محمد. بل يقولون: يا رسول الله، يا نبي الله»195.
«(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) يحتمل أن المراد حقيقة رفع الصوت؛ لأن ذلك يدل على قلة الاحتشام وترك الاحترام؛ لأن خفض الصوت وعدم رفعه من لوازم التعظيم والتوقير»196.
«هذه آداب أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام»197.
«يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي عند مخاطبتكم له، ولا تجهروا بمناداته كما يجهر بعضكم لبعض، وميزوه في خطابه كما تميز عن غيره في اصطفائه لحمل رسالة ربه، ووجوب الإيمان به، ومحبته وطاعته والاقتداء به؛ خشية أن تبطل أعمالكم وأنتم لا تشعرون ولا تحسون بذلك»198.
«وفي هذا ما فيه من الحث على توقير العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وتعظيم الأتقياء والصلحاء؛ أسوة بتوقير سيد الأنبياء»199.
« فأمرهم الله بتوقيره، وأن يدعوه بالنبوة والرسالة والكلام اللين، وكره العلماء رفع الصوت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وبحضرة العالم وفي المساجد، وحرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتًا كحرمته حيًّا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه»200.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الحجرات: ٤].
«وصفهم بالجهل وقلة العقل»201.
(ﯱ ﯲ ﯳ) إذ العقل يقتضي حسن الأدب ومراعاة الحشمة، سيما لمن كان بهذا المنصب. لكان الصبر خيرًا لهم من الاستعجال لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم الرسول الموجبين للثناء والثواب202.
والكتاب العزيز مملوء بدعوة العقلاء إلى الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه الرحمة، وهو المثل، والهادي البشير، والسراج المنير، كيف لا وهو صلى الله عليه وسلم القدوة الكاملة والأسوة الحسنة لكل من كان يرجو الله واليوم الآخر؟!
قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الأحزاب: ٢١].
شرح الله صدره، ووضع وزره، ورفع ذكره، وأوجب طاعته، وحرم خيانته، وما تخلف ركب الأمة اليوم إلا يوم أن تخلفت عن الأدب معه صلى الله عليه وسلم، وما تجرع أفراد الأمة مرارات البعد عن جمال الحياة وطيب معانيها إلا يوم أن بعدت نفوسهم عن سيرته الرائعة وعن هديه، فصاروا يركضون وراء كل من أوتى ظاهرًا من الحياة الدنيا، يخلعون عليه لباس العظمة والبهاء باسمه وقوله وشخصه زعمًا وزورًا! فكم من صفيق وجه صفقوا له، وكتبوا عنه الأسفار، وتناقلوا أقواله! وكم من سفيهٍ نصبوه إمامًا يقتدى به، فأضحى الذي أملوه سرابًا بقيعةٍ وأضغاث أحلام! فالبعد عن سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم والاهتداء بغيره هو مستنقع الجهل وهوة الضلال وحياة الشقاء، وطاعته هداية وسعادة وفوز203.
يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت رسول الله تتجهموه بالكلام، وتغلظون له في الخطاب، ولا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضًا: يا محمد، يا محمد، يا نبي الله، يا نبي الله، يا رسول الله. نهاهم الله أن ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا وأمرهم أن يشرفوه ويعظموه، ويدعوه إذا دعوه باسم النبوة204.
«فذمهم الله بعدم العقل؛ حيث لم يعقلوا عن الله الأدب مع رسوله واحترامه، كما أن من العقل وعلامته استعمال الأدب»205.
الآثار المترتبة على إهمال العقل
زودنا الله سبحانه وتعالى بالعقل، كي نعبده حق العبادة ونميز به بين الحق والباطل، وبين ما ينفعنا وما يضرنا، ولم يتركنا هملًا كالحيوانات، ولم يعط أحدًا منا عذرًا حين يعطل عقله، بل منع من تناول أي نوع من الأطعمة أو الأشربة التي تجعل العقل في غيبوبة عن العالم الذي حوله، أو تؤدي إلى ضرر في عقله أو صحته، فيمتنع عن العبادة، لكن بعض الأشخاص لم يستعملوا عقولهم في التفكر والتدبر في الآيات الكونية كما أمرنا الله تعالى، بل كانوا كالأنعام بل هم أضل سبيلًا بتقليدهم لآبائهم أو لكبرائهم في الكفر.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الأنفال: ٢٢].
إن شر ما دب على الأرض من خلق الله عند الله، الذين يصمون عن الحق لئلا يستمعوه، فيعتبروا به ويتعظوا به، وينكصون عنه إن نطقوا به، الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه، فيستعملوا بهما أبدانهم»206.
«وهذا مطابق لقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [البقرة: ١٧١].
إلا أنه زاد في هذا وصف العمى وكل هذه الأوصاف كناية عن انتفاء قبولهم للإيمان وإعراضهم عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وظاهر هذه الأخبار العموم207.
«إن شر الناس عند الله الصم عن الهدى البكم، يعني: الخرس الذين لا يتكلمون بخير، الذين لا يعقلون الإيمان»208.
«سماهم دواب لقلة انتفاعهم بعقولهم»209.
«قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الفرقان: ٤٤].
«أي: ما هم إلا كالأنعام، جعلهم كالأنعام؛ لأنهم لم يدركوا طريق الحق، ولم ينتفعوا بما ميزهم الله به عن البهائم من عقولهم وأسماعهم وأبصارهم»210.
«أي: لا ينتفعون بما يعقلون»211.
«لم يخلق للأنعام قلوبًا تعقل بها ولا ألسنة تنطق بها، وأعطى ذلك لهؤلاء ثم لم ينتفعوا بما جعل لهم من العقول والقلوب والألسنة والأسماع والأبصار فهم أضل من البهائم، فإن من لا يهتدي إلى الرشد وإلى الطريق مع الدليل له، أضل وأسوأ حالًا ممن لا يهتدي حيث لا دليل معه»212.
«سماع قبول أو يفكرون فيما تقول فيعقلونه، أي أهم بمنزلة من لا يعقل ولا يسمع، وقيل: المعنى أنهم لما لم ينتفعوا بما يسمعون فكأنهم لم يسمعوا»213.
«ليس المراد أنهم لا يعقلون بل إنهم لا ينتفعون بذلك العقل»214.
كذلك من عطل عقله عن العمل، سيكون تابعًا لغيره ومقلدًا له، وقد نهانا الله تعالى عن الاتباع إلا لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن كان متبعًا لجاهل أو كافر فماذا سيكون مصيره؟ سيكون من أهل الضلالة والجهالة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [البقرة: ١٧٠].
«أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أمروا باتباع ما أنزل الله على رسوله، رغبوا عن ذلك واكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس، وأشدهم ضلالًا وهذه شبهة لرد الحق واهية، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هدوا لرشدهم، وحسن قصدهم، لكان الحق هو القصد، ومن جعل الحق قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبين له الحق قطعًا، واتبعه إن كان منصفًا»215.
«الآية تضمنت النهي عن التقليد؛ لأن الله تعالى أنكر عليهم متابعة آبائهم، وأمر بمتابعة العقل والهدى»216.
«أيتبعون ما ألفوا عليه آباءهم في تقاليدهم وعاداتهم، ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا من الحق في أمور العقائد والعبادات، بل ولو تجردوا من أي دليل منطقي، وحادوا عن الصواب، وهذا يدل على ذم التقليد بدون دليل»217.
«ومثل الذين كفروا فيما هم فيه من الغي والضلال، والجهل وتقليد الآباء والرؤساء، كمثل الدواب السارحة التي لا تفقه شيئا مما يقال لها، فإذا نعق فيها راعيها فإنها تسمع صوته، ولكنها لا تفقه ما يقول ولا تفهمه، فهم صم عن سماع الحق، وبكم لا يتفوهون به، وعمي عن رؤية طريقه ومسلكه، لا يعقلون شيئا ولا يفهمون»218.
وهكذا بناء على تفسير العلماء للآية نرى حال من يقلد الآخرين دون تعقل وتمييز بين الحق والباطل، ويعطل عقله وحواسه عن الفهم والإدراك، كيف يكون كالدواب التي لا تعقل، نسأل الله الهداية.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [المائدة: ١٠٤].
«أيتبعون آباءهم وإن كان آباؤهم جهالا، فنهاهم الله عن التقليد، وأمرهم بالتمسك بالحق وبالحجة»219.
«يكفينا ما وجدنا عليه آباءنا من الدين والمنهاج أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا من الدين ولا يهتدون له، أيتبعونهم في خطئهم»220.
«يعني قد اكتفينا بما أخذنا عنهم من الدين ونحن لهم تبع، ولا يصح الاقتداء إلا بالعالم المهتدي الذي يبني قوله على الحجة والبرهان والدليل، وأن آباءهم ما كانوا كذلك فيصح اقتداؤهم بهم»221.
«تتبعون آباءكم وتقتدون بهم، وإن كنتم تعلمون أن آباءكم لا يعلمون شيئًا في أمر الدين ولا يهتدون، وإن جنتكم بأهدى مما كان عليه آباؤكم؛ يسفههم في أحلامهم في تقليدهم آباءهم، وإن ظهر عندهم أنهم على ضلال وباطل»222.
«ولكنهم يقلدون كبارهم وفيه أن منهم من يعرف بطلان ذلك ولكن يمنعهم حب الرياسة وتقليد الآباء أن يعترفوا بها»223.
وينتج عن إهمال العقل عدم إعماله آثارٌ سيئة، منها:
١. عبادة غير الله تعالى.
فصاحب العقل السليم والفطرة السليمة لا يصرف عبادته إلا لله الواحد سبحانه224.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الأنبياء: ٦٢-٦٧].
قص الله سبحانه علينا كيف أن قوم إبراهيم عليه السلام كانوا يعبدون الأصنام ثم قام بدعوتهم لعبادة الله وحده ولما لم يستجيبوا له قام بتكسير تلك الأصنام وبعد ذلك قامت بينهم مشادة فاتهموه بتكسيرها، قال إبراهيم موبخا لهم ومعلنا بشركهم على رؤوس الأشهاد، ومبينًا عدم استحقاق آلهتهم للعبادة، فلا نفع ولا دفع، ما أضلكم وأخسر صفقتكم، وما أخسركم، أنتم وما عبدتم من دون الله، إن كنتم تعقلون عرفتم هذه الحال، فلما عدمتم العقل، وارتكبتم الجهل والضلال على بصيرة، صارت البهائم، أحسن حالًا منكم225.
«قبحا لكم وللآلهة التي تعبدون من دون الله، أفلا تعقلون قبح ما تفعلون من عبادتكم ما لا يضر ولا ينفع، فتتركوا عبادته، وتعبدوا الله الذي فطر السماوات والأرض، والذي بيده النفع والضر»226.
٢. افتراء الكذب على الله.
نجد أن المشركين يشرعون في الدين من البدع والضلالات ما لم يشرعه الله تعالى، بينما من أعمل عقله فلا يتبع إلا ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية.
قال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [المائدة: ١٠٣].
«(ﰈ ﰉ ﰊ) أراد بالأكثر الاتباع يعني: أن الاتباع لا تعقل أن هذا كذب وافتراء من الرؤساء على الله عز وجل»227.
«وصفهم الله سبحانه بأنهم ما قالوا ذلك إلا افتراء على الله وكذبًا، لا لشرع شرعه الله لهم ولا لعقل دلهم عليه، وسبحان الله العظيم ما أرك عقول هؤلاء وأضعفها! يفعلون هذه الأفاعيل التي هي محض الرقاعة ونفس الحمق، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا وهذه أفعال آبائهم وسننهم التي سنوها لهم، وصدق الله سبحانه حيث يقول: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ) أي: ولو كانوا جهلة ضالين»228.
«وصفهم الله سبحانه بأنهم ما قالوا ذلك إلا افتراء على الله وكذبًا لا لشرع شرعه الله لهم، ولا لعقل دلهم الله عليه، وسبحان الله العظيم ما أرك عقول هؤلاء وأضعفها! يفعلون هذه الأفاعيل التي هي محض الرقاعة ونفس الحمق، وهذا شأن علمائهم ورؤسائهم وكبرائهم»229.
٣. تقليد الآباء السادة في ضلالهم.
بينما العاقل يعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فلا يتبع إلا الدين الصحيح دين الإسلام.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [البقرة: ١٧٠].
«فكيف أيها الناس تتبعون ما وجدتم عليه آباءكم فتتركون ما يأمركم به ربكم، وآباؤكم لا يعقلون من أمر الله شيئًا، ولا هم مصيبون حقًا، ولا مدركون رشدًا؟ وإنما يتبع المتبع ذا المعرفة بالشيء المستعمل له في نفسه، فأما الجاهل فلا يتبعه فيما هو به جاهل إلا من لا عقل له ولا تمييز230.
«أيتبعون آباءهم وإن كانوا جهالًا فيتابعوهم بغير حجة؟ فكأنه نهاهم عن التقليد وأمرهم بالتمسك بالحجة»231.
«فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس، وأشدهم ضلالًا وهذه شبهة لرد الحق واهية، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم»232.
«رد عليهم، وبيان لبطلان الاعتماد في الدين على مجرد تقليد الآباء»233.
٤. تحريف كلام الله.
فهم بعد ما عقلوه وفهموه، يؤولونه تبعًا لأهوائهم لكن المسلم العاقل لا يحرف ولا يؤول بل يتبع ما أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من قرآن أو سنة.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [البقرة: ٧٥].
« في ذلك قولان:
أحدهما: أنهم علماء اليهود والذين يحرفونه التوراة فيجعلون الحلال حرامًا والحرام حلالًا اتباعًا لأهوائهم وإعانة لراشيهم، وهذا قول مجاهد والسدي.
والثاني: أنهم الذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره وحرفوا القول في إخبارهم لقومهم، وهذا قول الربيع بن أنس وابن إسحاق»234.
«ومعنى الآية الكريمة: أفتطمعون- أيها المؤمنون- بعد أن وصفت لكم من حال اليهود ما وصفت من جحود ونكران، أن يدخلوا في الإسلام. والحال أنه كان فريق من علمائهم وأحبارهم يسمعون كلام الله ثم يميلونه عن وجهه الصحيح من بعد ما فهموه، وهم يعلمون أنهم كاذبون بهذا التحريف على الله تعالى، أو يعلمون ما يستحقه محرفه من الخزي والعذاب الأليم»235.
«والمراد من التحريف أنهم عمدوا إلى ما سمعوه من التوراة، فجعلوا حلاله حرامًا أو نحو ذلك مما فيه موافقة لأهوائهم، كتحريفهم صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسقاط الحدود عن أشرافهم، أو سمعوا كلام الله لموسى فزادوا فيه ونقصوا، وهذا إخبار عن إصرارهم على الكفر وإنكار على من طمع في إيمانهم وحالهم هذه الحال: أي ولهم سلف حرفوا كلام الله وغيروا شرائعه وهم مقتدون بهم متبعون سبيلهم»236.
٥. الاستهزاء بدين الله تعالى وشعائره.
قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [المائدة: ٥٧-٥٨].
«الكفار، إذا سمعوا الأذان استهزؤوا به. وإذا رأوهم ركعا وسجدا ضحكوا واستهزؤوا بذلك. ذلك الاستهزاء بأنهم قوم لا يعقلون يعني: لا يعلمون ثوابه»237.
«قال الكلبي: كان إذا أذن المؤذن وقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا، وكانوا يضحكون إذا ركع المسلمون وسجدوا وقالوا في حق الأذان: لقد ابتدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم، فمن أين لك صياح مثل صياح العير؟ فما أقبحه من صوت، وما أسمجه من أمر، وقيل: إنهم كانوا إذا أذن المؤذن للصلاة تضاحكوا فيما بينهم وتغامزوا على طريق السخف والمجون، تجهيلا لأهلها، وتنفيرا للناس عنها وعن الداعي إليها. وقيل: إنهم كانوا يرون المنادي إليها بمنزلة اللاعب الهازئ بفعلها، جهلا منهم بمنزلتها»238.
وكذلك ما كان عليه المشركون والكفار المخالفون للمسلمين، من قدحهم في دين المسلمين، واتخاذهم إياه هزوا ولعبًا، واحتقاره واستصغاره، خصوصًا الصلاة التي هي أظهر شعائر المسلمين، وأجل عباداتهم، إنهم إذا نادوا إليها اتخذوها هزوًا ولعبًا، وذلك لعدم عقلهم ولجهلهم العظيم، وإلا فلو كان لهم عقول لخضعوا لها، ولعلموا أنها أكبر من جميع الفضائل التي تتصف بها النفوس. فكيف تدعي لنفسك دينًا قيمًا، وأنه الدين الحق وما سواه باطل، وترضى بموالاة من اتخذه هزوًا ولعبًا، وسخر به وبأهله، من أهل الجهل والحمق؟!
وهذا فيه من التهييج على عداوتهم ما هو معلوم لكل من له أدنى مفهوم 239.
مما سبق يجب علينا جميعًا أن نحرص على استعمال عقولنا في التقرب إلى الله تعالى، بعبادة التفكر والتدبر في آيات الله تعالى المنظورة والمسطورة، عسى الله تعالى أن ينفعنا بهذه العبادة، ويزداد إيماننا، ولا نترك عقولنا معطلة عن العمل فتصدأ وتتعطل حواسنا، فنضل عن سبيل الله ونتعرض لسخط الله، باتباعنا الشيطان أو نقلد الضالين المعاندين لدين الله.
نسأل الله الهدى والتقى، والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.
موضوعات ذات صلة: |
الآيات الكونية، التدبر، التفكر، الحكمة، الحوار، الغفلة |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/٦٩، مجمل اللغة، ابن فارس، ١/٦١٧.
2 انظر: العين، الفراهيدي، ١/١٥٩، جمهرة اللغة، أبو بكر الأزدي، ٢/٩٣٩، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده المرسي،١/٢٠٥.
3 انظر: المفردات، الأصفهاني، ص٥٧٨.
4 انظر: تاج العروس ٣٠/١٨.
5 انظر: معالم التنزيل، البغوي،١/٨٨.
6 انظر: المحرر الوجيز،١/١٣٧.
7 انظر: المفردات ص٥٧٧.
8 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١/٣٧٠.
9 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥١.
10 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٤٦٨- ٤٦٩.
11 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١١/٤٥٨، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٤/٨٥.
12 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٧٩.
13 المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد،٢/٤٥١.
14 جمهرة اللغة، الأزدي ١/٧٦، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ١٠/٣٦٦، وانظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٧٢٩.
15 تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، أبو حيان الأندلسي،١/٢٧٤.
16 لسان العرب، ابن منظور،١/٧٢٩.
17 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٧٣٣.
18 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٣٥٩.
19 المصدرالسابق.
20 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٨٢٦.
21 الذريعة إلى مكارم الشريعة، الراغب الأصفهاني،١/١٣٧.
22 تيسير الكريم الرحمن، ص٥١٦.
23 مقاييس اللغة، ابن فارس،٢/١٤١.
24 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ١/١٥٩.
25 معجم اللغة العربية المعاصرة، د.أحمد مختار - ١/٤٥١.
26 الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص٨٥.
27 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٢/٣٦٣.
28 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص١٧١.
29 الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري،ص٨٥.
30 مقاييس اللغة، ابن فارس،٢/١٣٨.
31 فتح القدير، الشوكاني، ٥/٥٢٨.
32 انظر: الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص٥٨.
33 روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ابن حبان، ص١٧.
34 الذريعة إلى مكارم الشريعة، الأصفهاني، ص١٣٥.
35 المصدر السابق ص١٣٦.
36 روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ابن حبان، ص١٧.
37 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، فضل من استبرأ لدينه، ١/٢٠، رقم ٥٢، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، ٣/١٢١٩، رقم ١٥٩٩.
38 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٦١.
39 انظر: السنة النبوية وحي من الله محفوظة كالقرآن الكريم، أبو لبابة بن الطاهر حسين، ١/١٤ -١٦.
40 العقل في القرآن والسنة، سالم عبدالجليل، أبحاث ووقائع المؤتمر العام الثاني والعشرين، ص٩.
41 الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ١/٧٠.
42 التفسير البسيط، الواحدي، ١٧/٤٦.
43 التفسير المنير، الزحيلي، ١٩/١٣٧.
44 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/١٣٩.
45 مدارك التنزيل، النسفي، ٢/٥٦٠.
46 جامع البيان، الطبري، ١٩/٣٤٥.
47 التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير، ص٣٦٨.
48 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٢/١٤٤.
49 تفسير السمرقندي، ٢/٤٨٧.
50 مراح لبيد، محمد الجاوي، ١/١٧٦.
51 لباب التأويل، الخازن، ١/٣٣٢.
52 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٨.
53 مدارك التنزيل، النسفي، ١/١٤٨.
54 مفاتيح الغيب، الرازي، ٤/١٧٤.
55 لباب التأويل، الخازن،١/٩٩.
56 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي،٤/٢٠٥.
57 البحر المديد، ابن عجيبة، ٤/٣٣٤.
58 لباب التأويل، الخازن، ٤/١٢٢.
59 تفسير السمرقندي، ٣/٢٧٦.
60 التحرير والتنوير، ابن عاشور،١٨/٢٢.
61 أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ٣/٥٠٧.
62 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٤/٨.
63 التفسير المنير، الزحيلي، ٢١/٥٤.
64 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل، ١٥/٣٨٩.
65 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٢٤٨.
66 لباب التأويل، الخازن، ٤/٨٠.
67 معالم التنزيل، البغوي، ٧/١٥٨.
68 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٤/١٩٦-١٩٧.
69 البناء العقلي في ضوء القرآن الكريم، رسالة ماجستير، ميساء قلجة، ص ٥٥.
70 درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، ٨/٩١، العقل والنقل عند ابن رشد، أبو أحمد جامي علي، ١/٧٨.
71 معارج القدس في مدراج معرفة النفس، أبو حامد الغزالي، ١/٥٩.
72 انظر: مقام العقل في الإسلام، د.محمد عمارة، ص ٤٩.
73 جامع البيان، الطبري،٢/٢٥١.
74 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل، ٢/١٩٧.
75 روح البيان، إسماعيل حقي، ١/١٦٧.
76 أنوار التنزيل، البيضاوي،٢/١٤٦.
77 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٢٥٣.
78 أيسر التفاسير، أسعد حومد، ١/١٣٨١.
79 إرشاد العقل السليم،أبو السعود، ٧/٥٩.
80 أنوار التنزيل، البيضاوي،٤/٢٠٦.
81 تفسير المراغي، ٢١/٤٤.
82 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٦/٥٨.
83 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل، ١٣/٤٥٣.
84 البحر المديد، ابن عجيبة، ٢/٤٥٨.
85 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٥٩.
86 التفسير المنير، الزحيلي، ١١/١٢٧.
87 لباب التأويل، الخازن، ٢/٥٦٠.
88 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/٢٠٣٥.
89 جامع البيان، الطبري، ١٣/٣٨٢.
90 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٣٨.
91 جامع البيان، الطبري،٢١/١٠٥.
92 إرشاد العقل السليم،أبو السعود ٧/٢٠٥.
93 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٥٤.
94 لباب التأويل، الخازن، ٢/١٠٩.
95 أيسر التفاسير، الجزائري، ٢/٥٢.
96 محاسن التأويل، القاسمي، ٤/٣٤٤.
97 البحر المديد، ابن عجيبة، ٢/٢٧٧.
98 لباب التأويل، الخازن،٢/٢٦٥.
99 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٠٧.
100 لباب التأويل، الخازن،٣/١٦٨.
101 البحر المديد، ابن عجيبة، ٣/٢٨٢.
102 أوضح التفاسير، الخطيب، ١/٣٥٩.
103 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٤٨٠.
104 جامع البيان، الطبري، ١٨/٤٨.
105 محاسن التأويل، القاسمي، ٦/٨٦.
106 صفوة التفاسير، محمد علي الصابوني،٢/٩.
107 البحر المديد، ابن عجيبة، ٢/٥٢١.
108 السراج المنير، الشربيني، ٢/٥٢، التفسير المظهري، ٥/٨٠.
109 صفوة التفاسير، الصابوني، ٣/١٩١.
110 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٢٣٦.
111 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٣١.
112 لباب التأويل، الخازن، ٣/٢٢٩.
113 تفسير السمرقندي، ٢/٤٣١.
114 العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، ابن الوزير اليماني، ١/١١٤.
115 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/٣٥١.
116 إرشاد العقل السليم،أبو السعود ٦/٧٦.
117 التفسير المنير، الزحيلي، ١٧/٨٤.
118 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٩٠
119 تفسير السمعاني، ٤/٤٦٤.
120 أنوار التنزيل، البيضاوي، ٥/٣٩.
121 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، رقم ٥٠٢٧، ٦/١٩٢.
122 المجالسة وجواهر العلم، الدينوري، ٤/٣٣٢.
123 المصدر السابق، ٤/٤٩٣.
124 لباب التأويل، الخازن، ١/٤٢.
125 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٥١.
126 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ١/٩٢.
127 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١/٤٧٧.
128 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٨/٧٩.
129 فتح القدير، الشوكاني، ٥/٢٦١.
130 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٥٨.
131 لباب التأويل، الخازن، ٢/٢٧٢.
132 فتح القدير، الشوكاني، ٢/٣٠٢.
133 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٠٨.
134 تيسير التفسير، إبراهيم القطان، ٢/٨٩.
135 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٤/٣١٥.
136 إرشاد العقل السليم،أبو السعود، ٣/١٩٩.
137 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٨ أ/١٦٢.
138 التفسير الواضح، محمد محمود الحجازي، ١/٦٨٢.
139 التفسير المنير، الزحيلي، ٨/٩٨.
140 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٧/٦٢٩.
141 تفسير السمرقندي، ٣/٢٥٥.
142 النكت والعيون، الماوردي، ٥/٢٢٢.
143 الجواهر الحسان، الثعالبي، ٥/١٧٨.
144 انظر: مجلة البحوث الإسلامية، محمد حسين الذهبي، ١/٥٩.
145 لباب التأويل، الخازن، ١/١٠٢.
146 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي، ٢/٤٣.
147 جامع البيان، الطبري، ٣/٣٠٧.
148 تفسير السمرقندي، ١/١١٢.
149 البحر المحيط في التفسير، أبو حيان، ٢/١٠٣.
150 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٦/٧٥.
151 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٨/٤٣.
152 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٦٣٢.
153 مراح لبيد، محمد الجاوي، ٢/٣٨٢.
154 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٦٤.
155 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٥/١٨٧.
156 التفسير الواضح، محمد محمود الحجازي، ٣/٣٨٩.
157 التفسير المنير، الزحيلي، ٢٥/١٣٩.
158 مقام العقل في الإسلام، د.محمد عمارة، ص ٧٦.
159 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل، ١٥/٤٥٥.
160 التفسير المنير، الزحيلي، ٢١/١٦٠.
161 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٥/٢٧٩٣.
162 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية، ٤/٣٥٣.
163 مصطلح التفكر كما جاء في القرآن الكريم، مجلة الشریعة والقانون، د.محمد خازر المجالي، ص ٥٢.
164 عقيدة المسلم في ضوء الكتاب والسنة، القحطاني، ١/٥٠.
165 لباب التأويل، الخازن، ١/١٧٦.
166 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٠٦.
167 جامع البيان، الطبري، ٥/٢٦٦.
168 أنوار التنزيل، البيضاوي، ١/١٤٨.
169 البحر المحيط في التفسير، أبو حيان الأندلسي، ٢/٥٥٥.
170 مراح لبيد، محمد الجاوي، ١/٣٥٤.
171 التفسير المنير، الزحيلي، ٨/٩٨.
172 تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ٨/١٦٦.
173 نظم الدرر، البقاعي، ١٣/٣٢١.
174 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٦/١٩٧.
175 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٦٣.
176 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٧٥.
177 أيسر التفاسير، أسعد حومد، ١/٢٧٣٤.
178 معالم التنزيل، البغوي، ٧/٢٣.
179 زاد المسير، الجوزي، ٣/٥٢٩.
180 لباب التأويل، الخازن، ٤/١١.
181 انظر: تفسير القرآن العظيم، بن كثير، ٦/٥٨٤.
182 انظر: التفسير الوسيط، مجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ٨/٣٨٠.
183 أنوار التنزيل، البيضاوي، ٤/٢٧٢.
184 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٦/٣٠١.
185 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٤٣٣.
186 جامع البيان، الطبري، ٢٠/٥٤٣.
187 مدارك التنزيل، النسفي، ٣/١٠٩.
188 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٥/٤٧.
189 انظر: تفسير المراغي، ٢/٤٤.
190 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٩٨.
191 التحرير والتنوير، ابن عاشور،٢٣/٤٩.
192 التفسير المنير، الزحيلي، ٢٣/٣٥.
193 التفسير الوسيط، طنطاوي، ١٢/٤٥.
194 انظر: البحر المحيط في التفسير، أبو حيان الأندلسي، ٩/٥٠٧.
195 لباب التأويل، الخازن، ٤/١٧٦.
196 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل، ١٧/٥٢٣.
197 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٣٦٤.
198 التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير، ١/٥١٥.
199 أوضح التفاسير، محمد الخطيب، ١/٦٣٣.
200 الجواهر الحسان، الثعالبي، ٥/٢٦٨.
201 لباب التأويل، الخازن، ٤/١٧٧.
202 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٥/١٣٤.
203 انظر: موسوعة الأخلاق، خالد الخراز، ١/١٣٧.
204 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٢/٢٧٧.
205 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٩٩.
206 جامع البيان، الطبري،١٣/٤٥٩.
207 انظر: البحر المحيط في التفسير، أبو حيان، ٥/٣٠٠.
208 تفسير السمرقندي، ٢/١٤.
209 معالم التنزيل، البغوي، ٣/٣٤٣.
210 تفسير القرآن، السمعاني، ٤/٢٢.
211 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٨/٢٩.
212 الأمثال في القرآن، ابن القيم ص٢٠.
213 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٣/٣٦.
214 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٤/٤٦٣.
215 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨١.
216 التفسير البسيط، الواحدي ٣/٤٩٠.
217 التفسير المنير، الزحيلي، ٢/٧٣.
218 المصدر السابق،٢/٧٦.
219 تفسير السمرقندي، ١/٤٢٣.
220 زاد المسير، الجوزي، ١/٥٩٤.
221 لباب التأويل، الخازن، ٢/٨٤.
222 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٣/٦٣٥.
223 أنوار التنزيل، البيضاوي، ٢/١٤٦.
224 البناء العقلي في ضوء القرآن الكريم، ميساء كمال قلجة، ص ١٣١.
225 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٢٦.
226 جامع البيان، الطبري، ١٨/٤٦٤.
227 لباب التأويل، الخازن، ٢/٨٤.
228 فتح القدير، الشوكاني، ٢/٩٤.
229 فتح البيان، صديق خان، ٤/٦٦.
230 انظر: جامع البيان، الطبري، ٣/٣٠٨.
231 تفسير السمرقندي، ١/١١٢.
232 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨١.
233 التفسير الوسيط، طنطاوي، ١/٣٤٦.
234 النكت والعيون، الماوردي، ١/١٤٨.
235 التفسير الوسيط، طنطاوي، ١/١٧٩.
236 فتح القدير، الشوكاني، ١/١٢٠.
237 تفسير السمرقندي، ١/٤٠١.
238 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٦/٢٢٤.
239 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٣٧.