عناصر الموضوع
ذكر سليمان عليه السلام في القرآن
مواقف من سيرة سليمان عليه السلام
سليمان عليه السلام
اسمه ونسبه:
سليمان بن داوود بن إيشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن تخشون بن عمينا آداب بن إرم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم 1.
ذلك ما يذكره المؤرخون من نسب سليمان عليه السلام، أما في كتاب الله فقد جاءت آيات تدل على أنه ابن لداوود عليه السلام وهي:
الآية الأولى: قوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)[سبأ: ١٣].
والخطاب هنا سليمان عليه السلام 2؛ إذ الآل في اللغة يستعمل فيمن يختص بالإنسان اختصاصًا ذاتيًّا إمّا بقرابة قريبة، أو بموالاة3. ففي هذه الآية دلالة على أنه من أهله وقرابته.
والآية الثانية: قوله تعالى: (ﭼ ﭽﭾﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ) [ص: ٣٠].
فالمعنى أن الله تعالى وهب لداوود سليمان ابنًا 4، وكثيراً ما يذكر الله تعالى الأبناء بلفظ الهبة ، كما قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)[الشورى: ٤٩] .
وقال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)[مريم: ٥].
وقال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ)[مريم: ٤٩].
وقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنبياء: ٩٠].
ولا يتعارض هذا مع ما ورد في سورة الأنعام من قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽﭾ) [الأنعام: ٨٤].
وسواء أرجعنا الضمير إلى نوح عليه السلام أم إلى إبراهيم عليه السلام فلا تنافي بين كونه ابناً لداوود عليه السلام، وأما نوح عليه السلام فكل من جاء بعده فهو من ذريته كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [الصافات: ٧٧] ، وأما إبراهيم عليه السلام فهو جد لداوود كما رأينا في نسبه فهو من ذريته.
الآية الثالثة: قوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ) [النمل: ١٦].
فالأصل أن الولد يرث أباه؛ قال السعدي: «أي: ورث علمه ونبوته فانضم علم أبيه إلى علمه، فلعله تعلم من أبيه ما عنده من العلم مع ما كان عليه من العلم وقت أبيه»5.
فظهر من مجموع دلالات هذه الآيات الثلاث أن سليمان عليه السلام ابن لداوود عليه السلام.
زمانه:
إن الناظر في سياق الآيات القرآنية التي تتحدث عن سليمان عليه السلام يجد أن السياق لا يخرج عن أحد ثلاثة أمور:
الأول: أن يكون ذكره مقترناً بأبيه داوود عليه السلام، ومن هذا الاقتران ما يدل دلالة قطعية على اجتماعهما في مكان واحد وزمن واحد ، قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأنبياء: ٧٨].
فحكمهما في قضية واحدة في مكان واحد دليل على وجودهما في زمن واحد 6.
الثاني: أن يذكر سليمان عليه السلام بعد ذكر أبيه داوود، ومثال ذلك ورود قصته بعد قصة أبيه في سورة ص.
الثالث: أن يذكر سليمان عليه السلام منفردا، كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [البقرة: ١٠٢].
ومن مجموع ما سبق يظهر لنا جليًّا أن سليمان عليه السلام عاش مدة من الزمن في حياة أبيه داوود عليه السلام، وبلغ من العمر ما يؤهله لأن يحضر مجلس قضاء والده، ويستدرك عليه بعض أحكامه، وبعد وفاة والده ورثه في الملك والنبوة، واستقل بذلك، قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ) [النمل: ١٦] ، وما يهمنا هنا أن الوراثة لا تكون إلا بعد موت المورث7، أما ماهية هذه الوراثة فسنذكره عند الكلام عن فضائله عليه السلام.
ذكر سليمان عليه السلام في القرآن
ورد ذكر سليمان عليه السلام في القرآن الكريم (١٧) مرة، في (٧) سور.
وأما قصته عليه السلام فقد وردت في السور الآتية:
السورة |
الآيات |
البقرة |
١٠٢ |
الأنبياء |
٧٨-٨٢ |
النمل |
١٥-٤٤ |
سبأ |
١٢-١٤ |
ص |
٣٠-٤٠ |
حبا الله تعالى نبيه سليمان عليه السلام بفضائل جليلة، منها:
١. العلم.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [النمل: ١٥].
وهو علم مخصوص غير النبوة؛منطق الطير والدواب، ومعرفة القضاء.
قال الطبري: «وذلك علم كلام الطير والدواب، وغير ذلك مما خصهم الله بعلمه»8.
وقال السمعاني:« علم القضاء وعلم منطق الطير ومنطق الدواب » 9.
٢. وراثة النبوة.
قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ) [النمل: ١٦].
ولكن يا ترى ما هو هذا الميراث الذي ورثه هذا النبي الكريم ؟
إن هذا الميراث قد ذكره المفسرون عند كلامهم على هذه الآية، وفي ذلك يقول ابن جرير الطبري: «يقول تعالى ذكره: (ﭯ ﭰ) [النمل: ١٦] أباه داوود العلم الذي كان آتاه الله في حياته، والملك الذي كان خصه به على سائر قومه، فجعله له بعد أبيه داوود دون سائر ولد أبيه»10.
فالوراثة إذن وراثة للعلم والملك؛ ولكن لم لا يكون ورث مع ذلك مال أبيه، مع أنه المتبادر إلى الأذهان من لفظ الوراثة والميراث؟
يجيب على ذلك الإمام ابن كثير ذلك بقوله: «وليس المراد وراثة المال؛ إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داوود، فإنه قد كان لداوود مائة امرأة، ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة؛ فإن الأنبياء لا تورث أموالهم، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)11»12.
ومما يؤكد هذا ويؤيده أنه قد ورد الاستعمال القرآني للوراثة في وراثة العلم والدين دون المال في غير ما آية من كتاب الله تعالى منها:
قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ)[الأعراف: ١٦٩].
وقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)[فاطر: ٣٢].
وقوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)[الشورى: ١٤].
فظهر مما تقدم أن سليمان عليه السلام ورث علم أبيه ونبوته وملكه.
٣. تعليم منطق الطير.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النمل: ١٦].
يقول ابن كثير: «أخبر سليمان بنعم الله عليه، فيما وهبه له من الملك التام، والتمكين العظيم، حتى إنه سخر له الإنس والجن والطير، وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضا، وهذا شيء لم يعطه أحد من البشر -فيما علمناه -مما أخبر الله به ورسوله»13.
٤. الشكر.
وقد ذكر الله تعالى شكر هذا النبي في ثلاث آيات:
الأولى: قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النمل: ١٩].
قال الألوسي: «أي اجعلني أزع شكر نعمتك أي أكفه وأرتبطه لا ينفلت عني وهو مجاز عن ملازمة الشكر والمداومة عليه فكأنه قيل: رب اجعلني مداوماً على شكر نعمتك»14.
وهنا كان شكره عليه السلام على سماع قول النملة، وفهم خطابها.
الثانية: قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النمل: ١٦].
قال الزمخشري: «قوله: إنّ هذا لهو الفضل المبين قول وارد على سبيل الشكر والمحمدة»15.
فشكر ربه سبحانه على ما وهب له من علم وما آتاه الله من الملك.
الثالثة: قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [النمل: ٤٠].
قال الطبري: «هذا البصر والتمكن والملك والسلطان الذي أنا فيه حتى حمل إلي عرش هذه في قدر ارتداد الطرف من مأرب إلى الشام، من فضل ربي الذي أفضله علي وعطائه الذي جاد به علي ليختبرني ويمتحنني، أأشكر ذلك من فعله علي، أم أكفر نعمته علي بترك الشكر له؟» 16.
وفي هذا الموضع كان شكره على نعمة التسخير والتمكن من إحضار العرش بين يديه في زمن يسير جدًّا.
٥. الفهم.
قال تعالى: (ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الأنبياء: ٧٩].
والفهم أخص من العلم17.
قال الزبيدي: «فإن العلم مطلق الإدراك، وأما الفهم فهو سرعة انتقال النفس من الأمور الخارجية إلى غيرها»18.
وفهم سليمان عليه السلام إمّا إنه قد جعل الله له من فضل قوّة الفهم ما أدرك به ما يعرض له من القضايا، وإمّا بأن ألقى ذلك في روعه إلهامًا، أو بأن يوحى إليه بوحي خاص19.
وظهرت عليه هذه الصفة في زمان أبيه، وقد ذكر في القرآن الكريم ما يدل على ذلك في قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الأنبياء: ٧٨، ٧٩].
فيذكر ربنا سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين قضية حدثت في زمان داوود عليه السلام، يلخصها العلامة السعدي بقوله: «إذ تحاكم إليهما صاحب حرث، نفشت فيه غنم القوم الآخرين، أي: رعت ليلاً فأكلت ما في أشجاره، ورعت زرعه، فقضى فيه داوود عليه السلام ، بأن الغنم تكون لصاحب الحرث، نظراً إلى تفريط أصحابها، فعاقبهم بهذه العقوبة، وحكم فيها سليمان بحكم موافق للصواب، بأن أصحاب الغنم يدفعون غنمهم إلى صاحب الحرث فينتفع بدرها وصوفها ويقومون على بستان صاحب الحرث، حتى يعود إلى حاله الأولى، فإذا عاد إلى حاله، ترادَّا ورجع كل منهما بما له، وكان هذا من كمال فهمه وفطنته عليه السلام»20.
٦. الأوبة.
قال تعالى: (ﭼ ﭽﭾﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ) [ص: ٣٠].
قال السعدي: «أي: رجّاعًا إلى الله في جميع أحواله، بالتأله والإنابة، والمحبة والذكر والدعاء والتضرع، والاجتهاد في مرضاة الله، وتقديمها على كل شيء»21.
وقد ذكر الله هذه الصفة تعليلًا لمدح سليمان عليه السلام بكونه نعم العبد، فكل من كان كثير الرجوع إلى الله ناله حظه من هذا المدح الإلهي.
وفي هذا يقول الرازي: «وهذه الكلمة للتعليل، فهذا يدل على أنه إنما كان نعم العبد لأنه كان أوابا، فيلزم أن كل من كان كثير الرجوع إلى الله تعالى في أكثر الأوقات وفي أكثر المهمات كان موصوفا بأنه نعم العبد وهذا هو الحق الذي لا شبهة فيه»22.
لا بد لكل نبي يرسل إلى قوم أن يؤيده ربه سبحانه ببرهان يظهر به صدقه ويكون عنوان هداية لمن يريد سبحانه أن يهديه سواء السبيل، فيلهمه رشده، وفي السنة ما يدل على ذلك.
فعن أبي هريرة، قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ما من الأنبياء نبيٌّ إلّا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنّما كان الّذي أوتيت وحيًا أوحاه اللّه إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة)23.
وعموم هذا الحديث يدخل فيه نبي الله سليمان عليه السلام؛ فيا ترى ما هو برهان هذا النبي ودليل صدقه على نبوته ؟
لقد وهبه ربه جل في علاه ملكًا خصه فيه بخصائص تدل على نبوته، ولم تكن لغيره من بعده، وهي:
١. تسخير الجن والشياطين.
وقد بين الله سبحانه وتعالى أن من سخر لسليمان عليه السلام نوعان:
النوع الأول: بعض الشياطين الذين هم الكفار من الجن24، وهؤلاء كانوا على قسمين:
القسم الأول: من امتثل أوامر سليمان عليه السلام، فكان بعض هؤلاء الممتثلين يقومون بالغوص في البحار كما قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الأنبياء: ٨٢].
أي: يغوصون في أعماق البحار لاستخراج اللآلئ و الدرر وغير ذلك مما يطلب منهم25.
وصنف آخر منهم لهم عمل غير الغوص الذي هو البناء، قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [ص:٣٧].
فهؤلاء يقومون ببناء المدن والقصور ويخترعون الصنائع العجيبة26.
والقسم الثاني: هم العصاة المتمردون من الشياطين، وهؤلاء يقول الله فيهم: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [ص: ٣٨].
قال ابن كثير: «أي: موثقون في الأغلال والأكبال ممن قد تمرد وعصى وامتنع من العمل وأبى أو قد أساء في صنيعه واعتدى»27.
والذي جعلنا نجزم بأن هؤلاء هم الكفار من الجن دليلان:
الأول: أن الكافر من الجن يسمى شيطانًا28.
والثاني: في قوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ) [الأنبياء: ٨٢].
يقول ابن كثير: «أي: يحرسه الله أن يناله أحد من الشياطين بسوء، بل كل في قبضته وتحت قهره لا يتجاسر أحد منهم على الدنو إليه والقرب منه»29.
فحراسة الله تعالى له عن أن يناله منهم سوء يدل على كفرهم إذ إن من يقدم ذلك يدل على بغضه للرسول ورسالته ، وهذا من المكفرات المعلومة والله أعلم.
النوع الثاني: بعض مؤمني الجن.
قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [سبأ: ١٢].
فبين تعالى أنه سخر بعضاً من مؤمني الجن للعمل بين يدي سليمان عليه السلام، وكانت أعمالهم ما ذكره الله في قوله: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [سبأ: ١٣].
فهم يعملون له ما يلي:
المحاريب: وهي جمع محراب، والمحراب: كل بناء حسن، وأشرف شيء فيه وصدره سواء كان مسجداً أم بيتاً أم مصلى30.
التماثيل: وهي جمع تمثال، والتمثال: (كل ما صوّر على مثل صورة غيره من حيوان وغير حيوان)31.
الجفان: جمع جفنة، وهي: ما يوضع فيه الطعام، ولعظمها شبهها بالجواب التي هي جمع جابية، وهي البركة التي يجبى إليها الماء32.
القدور: ما يطبخ فيها الطعام، ولعظمها كانت ثابتة على الأثافي لا تنزل عنها33.
٢. تسخير الريح.
فقد سخر الله تعالى لسليمان عليه السلام الريح.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنبياء: ٨١].
ووصفها الله تعالى بصفات:
الأولى: أنها ريح عاصفة، بمعنى أنها شديدة الهبوب34.
الثانية: أنها رخاء، قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [ص: ٣٦].
والمعنى: أنها ريح لينة لا تزعزع ولا تعصف35.
فإن قيل: كيف يمكن الجمع بين الوصفين المتناقضين؟
فالجواب: ذكر المفسرون للجمع وجوهًا:
الأول: إن المراد بالعاصفة أنها في قوة العاصفة ولا تعصف.
والثاني: إنها تكون تارة رخاء، وتارة عاصفة على ما يريده سليمان عليه السلام ويشتهيه36.
والظاهر من السياق أنها تكون بحسب ما يريده سليمان عليه السلام ، يقول ابن عاشور: (..وذلك باختلاف الأحوال فإذا أراد الإسراع في السير سارت عاصفة ، وإذا أراد اللين سارت رخاء، والمقام قرينة على أن المراد المواتاة لإرادة سليمان كما دل عليه قوله تعالى: (ﯠ ﯡ) في الآيتين المشعر باختلاف مقصد سليمان منها كما إذا كان هو راكباً في البحر ؛ فإنه يريدها رخاء لئلا تزعجه ، وإذا أصدرت مملكته بضاعة أو اجتلبتها سارت عاصفة ، وهذا بين بالتأمل)37.
الثالثة: أنها تجري حيثما يريد سليمان عليه السلام.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [ص: ٣٦].
أي: إنها تجري حيثما أراد، وهذا يدل على التعميم في الأمكنة التي يريد الذهاب إليها38.
ولكن في الآية الأخرى يقول تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنبياء: ٨١].
فظاهر هذه الآية أن جريها مخصوص بكونه إلى الأرض التي بورك فيها، فكيف الجمع بينهما ؟
يقول العلامة الشنقيطي: «قوله: (ﯣ ﯤ) [ص: ٣٦] يدل على أنها تجري بأمره حيث أراد من أقطار الأرض، وقوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ) [الأنبياء: ٨١]؛ لأن مسكنه فيها وهي الشام، فترده إلى الشام. وعليه فقوله: حيث أصاب في حالة الذهاب. وقوله: إلى الأرض التي باركنا فيها في حالة الإياب إلى محل السكنى ، فانفكت الجهة فزال الإشكال»39.
الرابعة: سرعة جري هذه الريح المسخرة، وهذا ذكره الله تعالى في قوله: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [سبأ: ١٢].
قال الطبري: «وسخرنا لسليمان الريح، غدوها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر، ورواحها من انتصاف النهار إلى الليل مسيرة شهر»40.
وقال ابن كثير: «من تسخير الريح له تحمل بساطه، غدوها شهر ورواحها شهر، قال الحسن البصري: كان يغدو على بساطه من دمشق فينزل بإصطخر يتغذى بها، ويذهب رائحاً من إصطخر فيبيت بكابل، وبين دمشق وإصطخر شهر كامل للمسرع، وبين إصطخر وكابل شهر كامل للمسرع»41.
٣. إسالة النحاس.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [سبأ: ١٢].
قال البيضاوي: «النحاس المذاب أساله له من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع، ولذلك سماه عينًا وكان ذلك باليمن»42.
٤. تعليمه منطق الطير.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النمل: ١٦].
قال ابن كثير: «أخبر سليمان بنعم الله عليه، فيما وهبه له من الملك التام، والتمكين العظيم، حتى إنه سخر له الإنس والجن والطير. وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضا، وهذا شيء لم يعطه أحد من البشر -فيما علمناه -مما أخبر الله به ورسوله»43.
٥. تنوع جنوده.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النمل: ١٧].
فهذه الآية الكريمة تبين أن لسليمان عليه السلام أنواعاً من الجنود، جند من الإنس، وجند من الجن، وجند من الطير.
قال ابن كثير: «وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير يعني: ركب فيهم في أبهة وعظمة كبيرة في الإنس، وكانوا هم الذين يلونه، والجن وهم بعدهم يكونون في المنزلة، والطير ومنزلتها فوق رأسه، فإن كان حرًّا أظلته منه بأجنحتها، وقوله: (ﮋ ﮌ) [النمل: ١٧]. أي: يكف أولهم على آخرهم؛ لئلا يتقدم أحد عن منزلته التي هي مرتبة له»44.
وقد ذكر الله تعالى نموذجًا واحدًا لكل نوع من هذه الجنود:
فمن الطير ذكر سبحانه الهدهد، قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النمل: ٢٠].
ومن الجن العفريت المذكور في قصة الملكة بلقيس، قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النمل: ٣٩].
ومن هذه الآية يتبين لنا بعض صفات هذا العفريت وهي السرعة الفائقة، والقوة والأمانة45.
ومن الإنس: الذي عنده علم من الكتاب، قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [النمل: ٤٠].
وأهم ما يتميز به هذا الجندي من الإنس: العلم ومعرفة اسم الله الأعظم وإجابة الدعاء46.
وقبل أن ننهي الكلام على ملك سليمان عليه السلام وما اختصه الله تعالى به من خصائص نذكر مسألتين لهما به ارتباط:
المسألة الأولى: كم كان عمر سليمان عليه السلام حينما أصبح ملكاً؟
يذكر المؤرخون في ذلك قولين:
الأول: إنه آل إليه الملك، وهو ابن اثنتي عشرة سنة47.
الثاني: كان عمره اثنتين وعشرين سنة48.
المسألة الثانية: إلى أي البلاد وصل ملك سليمان عليه السلام وما هي حدود مملكته؟
فالذي يمكن أن نجزم به أن هذا الملك كان على بني إسرائيل في فلسطين والشام إذ هي الأرض المباركة49، والذي قد كان ورثه عن أبيه، وهذا ظاهر من قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ) [الأنبياء: ٨١].
ووجه الاستدلال: أن حرف الجر (إلى) هنا لانتهاء الغاية في المكان50، ويلزم من ذلك أن يوجد مكان هو ابتداء الجري منه، فتكون فلسطين هي مبدأ الرحلة والشام نهايتها، والفعل المضارع يدل على التجدد والحدوث51، فليس هذه رحلة واحدة بل هي متكررة، ولا يمكن لملك عظيم حازم فضلاً عن نبي مؤيد بالوحي أن تكون رحلاته متجددة في التنزه، بل هي بتفقد الملك أليق وبه ألصق ، فإذا تقرر ما سبق فقد امتاز ملكه عليه السلام بتسخير الريح والجن والشياطين وغير ذلك مما ذكرناه سابقاً، لا بعظم رقعة الأرض.
أما ما يذكر من أنه عليه السلام ملك الأرض كلها، فهذا قول لا دليل عليه، وظاهر قصة سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ يرده؛ إذ كيف يكون تحت ملكه من لا يعرف خبره إلا من هدهد مع سعة مملكة سبأ وعظمها وقربها النسبي، والله أعلم.
مواقف من سيرة سليمان عليه السلام
بعد أن تكلمنا على خصائص ملك سليمان عليه السلام نذكر ثلاثة مواقف من سيرته في النقاط الآتية:
أولًا: قصة سليمان عليه السلام مع النملة:
ركب سليمان عليه السلام في تواضع لله سبحانه وجموع كثيرة من الإنس، وكانوا هم الذين يلونه، والجن بعدهم في المنزلة، أما الطير فتكون فوق رأسه، فإن كان حَرًّا أظلته منه بأجنحتها، وقد جعل لكل صنف من جنده من يكف أولهم على آخرهم؛ لئلا يتقدم أحد عن منزلته التي هي مرتبة له 52.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النمل: ١٧].
ثم انطلق بهذا الجيش العظيم، ولم يبين لنا سبحانه أين مقصدهم ولا جهتهم التي يقصدون ؛ إذ القصة مسوقة لبيان العبرة من قصة النملة فحسب.
واصل الجيش بقيادة نبي الله سليمان سيره حتى مر بمن معه من الجن والإنس والطير على وادي النمل.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النمل: ١٨].
وهذا الوادي قيل: إنه في الطائف، وقيل: إنه بالشام53.
والذي يظهر من إضافة الوادي إلى النمل، أن هذا الوادي كثير النمل حتى كأنه مستحق للنمل دون غيرهم مما يعيش فيه54.
وكما هي عادة النمل في النهار الانتشار لجلب رزقها، وقد جعلن لهن من يحرسهن عن أن يصل إليهن ما يضرهن ؛ إذ الغالب في الوادي أن يكون مسلوكاً كما يظهر من حراسة النملة لقومها، وهنا أحست هذه النملة، فقد أدركت مجيء الجيش، وأنه لسليمان وجنوده وأدركت كثرتهم، وأن عليها وعلى النمل أن يتجنبوا الطريق، ويدخلوا مساكنهم55.
وهنا نادت، فقالت: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [النمل: ١٨].
فجمعت في هذه العبارة الوجيزة أحد عشر جنسًا من صنوف الكلام.
قال الزركشي: «فجمع في هذه اللفظة أحد عشر جنساً من الكلام نادت وكنت ونبهت وسمعت وأمرت وقصت وحذرت وخصت وعمت وأشارت وعذرت؛ فالنداء: (يا) والكناية: (أي)، والتنبيه: (ها)، والتسمية: (النمل)، والأمر: (ادخلوا)، والقصص: (مساكنكم)، والتحذير: (لا يحطمنكم)، والتخصيص: (سليمان)، والتعميم: (جنوده)، والإشارة: (وهم)، والعذر: (لا يشعرون)»56.
فلما سمع نبي الله سليمان هذا النداء تبسم، قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [النمل: ١٩].
فإن قيل: لم تبسم نبي الله سليمان من قولها؟
ذكر المفسرون وجهين في ذلك:
الأول: إنما تبسم سروراً بما ألهمت من حسن حاله وحال جنوده في باب التقوى والشفقة ، وابتهاجاً بما خصه الله تعالى به من إدراك ما هو همس بالنسبة إلى البشر وفهم مرادها منه.
الثاني: أن يكون ذلك تعجباً من حذرها وتحذيرها واهتدائها إلى تدبير مصالحها ومصالح بني نوعها.
ورجح الألوسي الوجه الأول لمناسبته لما بعده من الدعاء الذي سأل فيه ربه أن يوفقه لشكر نعمته57.
وبعد تبسمه عليه السلام قال: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النمل: ١٩].
قال ابن كثير: «أي: ألهمني أن أشكر نعمتك التي مننت بها علي، من تعليمي منطق الطير والحيوان، وعلى والدي بالإسلام لك، والإيمان بك، (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [النمل: ١٩] أي: عملًا تحبه وترضاه، (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النمل: ١٩] أي: إذا توفيتني فألحقني بالصالحين من عبادك، والرفيق الأعلى من أوليائك»58.
وقال أبو السعود: «أي: اجعلني أزع شكر نعمتك عندي واكفّه وأرتبطه بحيث لا ينفلت عنّي حتّى لا أنفكّ عن شكرك أصلًا»59.
ثانيًا: قصة سليمان عليه السلام مع الهدهد:
تبدأ أحداث هذه القصة حينما ذهب سليمان عليه السلام يتفقد الطير؛ ليعرف من هو موجود منها ومن هو غائب، فلم ير الهدهد، فسأل عنه: لماذا لا أرى الهدهد ؟ أهناك شيء يستره مما هو أكبر منه حجماً أم هو غائب؟60.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النمل: ٢٠].
فلما تيقن سليمان عليه السلام من غياب الهدهد، وكان غياباً بلا إذن كما هو ظاهر السياق توعده قائلًا: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [النمل: ٢١].
فأقسم على أن يعذبه عذابًا شديدًا، وكان تعذيبه للطير فيما ذكر نتف ريشه61، أو ليقتلنه أو ليأتينه بسلطان بين وحجة واضحة في عذره 62.
لم يمض على الهدهد زمان طويل في غيبته، بل جاء على وجه السرعة إلى سليمان عليه السلام 63.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ) [النمل: ٢٢]. فعاتبه على مغيبه، فقال معتذراً: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النمل: ٢٢]64.
أي: عندي من العلم علم ما أحطت به على علمك الواسع وعلى درجتك فيه، وابتداء كلامه بذلك لترويجه عنده عليه السلام، وترغيبه في الإصغاء إلى اعتذاره واستمالة قلبه، قال: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [النمل: ٢٢].
أي: القبيلة المعروفة في اليمن بخبر خطير متيقن وشأن كبير 65، فأعلم سليمان ما لم يكن يعلمه، ودفع عن نفسه ما توعده من العذاب والذبح66.
ثم بدأ يفصل ما أجمل فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [النمل: ٢٣].
أي : تتصرف بهم ولا يعترض عليها أحد67.
وقال ابن عاشور: «وتنكير امرأة وهو مفعول أول لـ(وجدت) له حكم المبتدأ فهو كالابتداء بالنكرة إذا أريد بالنكرة التعجب من جنسها كقولهم: بقرة تكلمت، لأن المراد حكاية أمر عجيب عندهم أن تكون امرأة ملكة على قوم، ولذلك لم يقل: وجدتهم تملكهم امرأة»68.
وقال: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [النمل: ٢٣] ؛ أي: وأوتيت من كل شيء يؤتاه الملوك في عاجل الدنيا مما يكون عندهم من العتاد والآلة69.
وقال: (ﭙ ﭚ ﭛ) [النمل: ٢٣]أي: سرير تجلس عليه عظيم هائل مزخرف بالذهب، وأنواع الجواهر واللآلئ70.
ولكن لماذا استعظم الهدهد عرش بلقيس مع ما يشاهده من ملك سليمان؟
قال الألوسي: «واستعظام الهدهد لعرشها مع ما كان يشاهده من ملك سليمان عليه السلام إما بالنسبة إلى حالها أو إلى عروش أمثالها من الملوك، وجوز أن يكون ذلك ، لأنه لم يكن لسليمان عليه السلام مثله وإن كان عظيم الملك فإنه قد يوجد لبعض أمراء الأطراف شيء لا يكون للملك الذي هم تحت طاعته. وأيًّا ما كان فوصفه بذلك بين يديه عليه السلام لما ذكر أولًا من ترغيبه عليه السلام في الإصغاء إلى حديثه، وفيه توجيه لعزيمته عليه السلام نحو تسخيرهاً ولذلك عقبه بما يوجب غزوها من كفرها وكفر قومها»71.
ثم قال: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النمل: ٢٤].
قال أبو السعود: «أي: يعبدونها متجاوزين عبادة الله تعالى، وزين لهم الشيطان أعمالهم التي هي عبادة الشمس ونظائرها من أصناف الكفر والمعاصي، فصدهم بسبب ذلك عن سبيل الحق والصواب ؛ فإن تزيين أعمالهم لا يتصور بدون تقويم طرق كفرهم وضلالهم ، ومن ضرورته نسبة طريق الحق إلى العوج، فهم بسبب ذلك لا يهتدون إليه»72.
ثم قال: (ﭯ ﭰ ﭱ) [النمل: ٢٥].
أي: لا يعرفون سبيل الحق التي هي إخلاص السجود لله وحده دون ما خلق من شيء من الكواكب وغيرها73.
وقال: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النمل: ٢٥].
قال السعدي: «يعلم الخفي الخبيء في أقطار السماوات وأنحاء الأرض، من صغار المخلوقات وبذور النباتات وخفايا الصدور، ويخرج خبء الأرض والسماء بإنزال المطر وإنبات النباتات، ويخرج خبء الأرض عند النفخ في الصور وإخراج الأموات من الأرض ليجازيهم بأعمالهم»74.
وقال: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [النمل: ٢٥] ؛ أي: يعلم ما يخفيه العباد، وما يعلنونه من الأقوال والأفعال75.
وقال: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النمل: ٢٦].
أي: لا تنبغي العبادة والإنابة والذل والحب إلا له ؛ لأنه المألوه لما له من الصفات الكاملة والنعم الموجبة لذلك؛ (ﮃ ﮄ ﮅ) [النمل: ٢٦].
الذي هو سقف المخلوقات ووسع الأرض والسماوات، فهذا الملك عظيم السلطان كبير الشأن هو الذي يذل له ويخضع ويسجد له ويركع، فسلم الهدهد حين ألقى إليه هذا النبأ العظيم وتعجب سليمان كيف خفي عليه76.
وقال الخازن: «والمقصود من هذا الكلام الرد على من يعبد الشمس وغيرها، من دون الله ؛ لأنه لا يستحق العبادة إلا من هو قادر على من في السموات والأرض، عالم بجميع المعلومات، (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النمل: ٢٦] أي: هو المستحق للعبادة والسجود لا غيره»77.
وقد أحسن الهدهد في انتقاله من خبر إلى خبر، وكان سرده لذلك في غاية الترابط.
قال أبو حيان: «وما أحسن انتقالات هذه الأخبار بعد تهدد الهدهد وعلمه بذلك:
أخبر أولًا: باطلاعه على ما لم يطلع عليه سليمان، تحصنا من العقوبة بزينة العلم الذي حصل له، فتشوف السامع إلى علم ذلك.
ثم أخبر ثانيًا: بتعلق ذلك العلم، وهو أنه من سبأ، وأنه أمر متيقن لا شك فيه، فزاد تشوف السامع إلى سماع ذلك النبأ.
ثم أخبر ثالثًا: عن الملك الذي أوتيته امرأة، وكان سليمان عليه السلام قد سأل الله أن يؤتيه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده.
ثم أخبر رابعًا: ما ظاهره الاشتراك بينه وبين هذه المرأة التي ليس من شأنها ولا شأن النساء أن تملك فحول الرجال، وهو قوله: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [النمل: ٢٣] وكان سليمان له بساط قد صنع له، وكان عظيمًا.
ولما لم يتأثر سليمان للإخبار بهذا كله، إذ هو أمر دنيوي، أخبره خامسا: بما يهزه لطلب هذه الملكة، ودعائها إلى الإيمان، وإفراده بالعبادة فقال: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [النمل: ٢٤]»78.
وقال ابن عاشور: «وقد جمع هذا القول الذي ألقي إلى سليمان أصول الجغرافية السياسية من صفة المكان والأديان، وصبغة الدولة وثروتها، ووقع الاهتمام بأخبار مملكة سبأ ؛ لأن ذلك أهم لملك سليمان إذ كانت مجاورة لمملكته يفصل بينهما البحر الأحمر، فأمور هذه المملكة أجدى بعمله»79.
وقال الشنقيطي: «ففي هذا السياق عشر قضايا يدركها الهدهد ويفصح عنها لنبي الله سليمان:
الأولى: إدراكه أنه أحاط بما لم يكن في علم سليمان.
الثانية: معرفته لسبأ بعينها دون غيرها، ومجيئه منها بنبأ يقين لا شك فيه.
الثالثة: معرفته لتولية المرأة عليهم مع إنكاره ذلك عليهم.
الرابعة: إداركه ما أوتيته سبأ من متاع الدنيا من كل شيء.
الخامسة: أن لها عرشًا عظيمًا.
السادسة: إدراكه ما هم عليه من السجود للشمس من دون الله.
السابعة: إدراكه أن هذا شرك بالله تعالى.
الثامنة: أن هذا من تزيين الشيطان لهم أعمالهم.
التاسعة: أن هذا ضلال عن السبيل القويم.
العاشرة: أنهم لا يهتدون» 80.
ولما فرغ الهدهد من كلامه، وأبدى عذره في غيبته، أخر سليمان أمره إلى أن يتبين له صدقه من كذب81، فقال: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النمل: ٢٧].
ولا يتسرع سليمان في تصديقه أو تكذيبه ولا يستخفه النبأ العظيم الذي جاءه به، إنما يأخذ في تجربته، للتأكد من صحته . شأن النبي العادل والملك الحازم82.
فكان اختباره أن يرسل لهم كتاباً مع الهدهد، وينتظر الجواب، فإن جاءه الجواب دل على صدقه وإلا فإنه يكون كاذباً، قال: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [النمل: ٢٨].
أي: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم، ثم تنح عنهم فكن قريباً منهم، فانظر ماذا يردون من الجواب83.
ثالثًا: قصة سليمان عليه السلام مع ملكة سبأ:
امتثل الهدهد أمر سليمان عليه السلام، وحمل الكتاب إلى ملكة سبأ، فوجدها في حال خلوتها، فألقاه إليها وتنحى عنها لينظر ماذا يكون جوابها عنه طاعة لمن أرسله به84.
ففتحت الكتاب، وقرأته وعرفت محتواه85، ثم خرجت من خلوتها إلى أشراف قومها، وأخبرت قومها بالكتاب ومحتواه: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [النمل: ٢٩ - ٣٠].
فهو كتاب مختوم حسن مضمونه وما فيه، ومن عند ملك كريم، ووصل على نهج غير معتاد 86.
فاسم سليمان عنوان الكتاب وخاتمه87، أما مضمونه فهو تسمية الله، ثم نهاهم عن الامتناع عن إجابته؛ فإن ترك الإجابة من العلو والتكبر، وأمرهم المجيء إليه طائعين منقادين 88.
وبعد أن عرفتهم محتوى كتاب نبي الله سليمان عليه السلام، استشارتهم فيم يكون العمل وكيف يكون الرد عليه: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [النمل: ٣٢].
قال الألوسي: «أي: أشيروا عليّ بما عندكم من الرأي والتدبير فيما حدث لي وذكرت لكم خلاصته، وقصدت بما ذكرت استعطافهم وتطييب نفوسهم ليساعدوها ويقوموا معها ، وأكدت ذلك بقولها: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)؛ أي: ما أقطع أمراً من الأمور المتعلقة بالملك إلا بمحضركم وبموجب آرائكم، والإتيان بـ(كان) للإيذان بأنها استمرت على ذلك، أو لم يقع منها غيره في الزمن الماضي فكذا في هذا»89.
فكان جوابهم ما جاء في قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النمل: ٣٣] ؛ أي: نحن ذوو القوة على القتال، والبأس الشديد في الحرب، وأرادوا بالقوة: قوّة الأجساد وقوّة الآلات والعدد، بالبأس: النجدة والشجاعة والبلاء في الحرب، والأمر أيتها الملكة إليك في القتال وفي تركه، فانظري من الرأي ما ترين، فمرينا نأتمر لأمرك90.
فكان ردها: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [النمل: ٣٤] ؛ أي إذا دخلوا بلداً عنوة خربوه، وقصدوا من فيها من الولاة والجنود، والأشراف والكبراء فأهانوهم غاية الهوان، إما بالقتل أو بالأسر؛ كي يستقيم لهم الأمر91.
وهذا القول منها تزييف لما أحست منهم من الميل إلى المقاتلة بادعائهم القوى الذاتية والعرضية، وإشعار بأنها ترى الصلح مخافة أن يتخطى سليمان خططهم فيسرع إلى إفساد ما يصادفه من أموالهم وعماراتهم، ثم أن الحرب سجال لا تدري عاقبتها، فقد تكون الدائرة عليهم 92.
وكان هذا القول منها رحمها الله صائبًا؛ ولهذا صدقها الله تعالى فقال: (ﯼ ﯽ) [النمل: ٣٤] أي: كما قالت هي يفعل الملوك93.
ثم لما قدمت لهم هذه المقدمة، وبينت لهم ما في دخول الملوك إلى أرضهم من المفسدة، أوضحت لهم وجه الرأي عندها، وصرحت لهم بصوابه94 ، قالت: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [النمل: ٣٥].
قال البغوي: «أي: وإني مرسلة إليهم بهدية، والهدية هي العطية على طريق الملاطفة، وذلك أن بلقيس كانت امرأة لبيبة قد سيست وساست، فقالت للملأ من قومها: إني مرسلة إلى سليمان وقومه بهدية أصانعه بها عن ملكي وأختبره بها أملك هو أم نبي؟ فإن يكن ملكا قبل الهدية وانصرف، وإن كان نبيا لم يقبل الهدية، ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه»95.
وأما الهدية فقد ذكروا في تعيينها أقوالا مضطربة متعارضة، وذكروا من حالها ومن حال سليمان حين وصلت إليه الهدية، وكلامه مع رسلها ما الله أعلم به96.
ولعل أقرب ما قيل في ذلك ما ذكره ابن كثير بقوله: «ذكر غير واحد من المفسرين، من السلف وغيرهم: أنها بعثت إليه بهدية عظيمة من ذهب وجواهر ولآلئ وغير ذلك. وقال بعضهم: أرسلت بلبنة من ذهب. والصحيح أنها أرسلت إليه بآنية من ذهب»97.
أخذ رسول الملكة بلقيس الهدية، واتجه بها إلى الشام حيث كان سليمان عليه السلام، فلما وصل إليه كان جوابه ما قصه الله تعالى عنه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [النمل: ٣٦].
قال ابن كثير: «وقال منكرًا عليهم: (ﭕ ﭖ) أي: أتصانعونني بمال لأترككم على شرككم وملككم؟!
(ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) أي: الذي أعطاني الله من الملك والمال والجنود خير مما أنتم فيه.
(ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) أي: أنتم الذين تنقادون للهدايا والتحف، وأما أنا فلا أقبل منكم إلا الإسلام أو السيف»98.
وقال أبو السعود: «(ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ): إضراب عما ذكر من إنكار الإمداد بالمال إلى التوبيخ بفرحهم بهديتهم التي أهدوها إليه عليه الصلاة والسلام فرح افتخار وامتنان واعتداد بها»99.
ثم أردف استنكاره لفعلهم بالتهديد فقال عليه السلام: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النمل: ٣٧].
أي: ارجع أيها الرسول إلى بلقيس وقومها فو الله لنأتينهم بجنود لا طاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها ولنخرجنهم من سبأ أذلة بعدما كانوا فيه من العز والتمكين، وهم أسارى مهانون 100.
رجع رسول الملكة بلقيس، وأخبرها برد سليمان عليه السلام، فتجهزت للمسير إليه
إذ علمت أنه نبي ولا طاقة لها بقتاله، وقبل خروجها أحرزت عرشها، وغلقت عليه أبوابها ووكلت به حراسا ليحفظوه101.
فلما علم سليمان عليه السلام بقدومها إليه، وخروجها من بلدها، وكان في مجلس ملكه قال: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النمل: ٣٨].
أي: قبل أن يأتوني طائعين مستسلمين، فإن قيل: كيف رد الهدية، وطلب إحضار عرشها ؟
فالجواب: أن النبي سليمان أراد بإحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهبه الله له من الملك، وسخر له من الجنود، الذي لم يعطه أحد قبله، ولا يكون لأحد من بعده. وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها؛ لأن هذا خارق عظيم أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه. هذا وقد حجبته بالأغلاق والأقفال والحفظة102.
فأجابه أحد جنوده من الجن: (ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ) [النمل: ٣٩].
فأجابه رئيس من الجن مارد قوي: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مجلسك، وكان يجلس للناس للقضاء والحكومات وللطعام من أول النهار إلى أن تزول الشمس103.
وبين ما فيه من صفات تؤهله ليحظى بشرف خدمة نبيه سليمان عليه السلام، فقال: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النمل: ٣٩] ؛ أي: قوي على حمله، أمين على ما فيه من الجوهر104.
لكن سليمان عليه السلام قال: أريد أعجل من ذلك وأسرع105، ولعله عرف أنها قد باتت قريبة، والوقت لا يحتمل التأخير، وهنا قال آخر: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النمل: ٤٠].
وهذا القائل رجل من الإنس يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطي106: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ) [النمل: ٤٠].
أي: ارفع بصرك وانظر مد بصرك مما تقدر عليه، فإنك لا يكل بصرك إلا وهو حاضر عندك107.
فلما عاين سليمان وملؤه ذلك، ورآه مستقرًّا عنده (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [النمل: ٤٠].
أي: هذا من نعم الله علي (ﮥ) أي: ليختبرني، (ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ).
وقوله: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [النمل: ٤٠].
أي: هو غني عن العباد وعبادتهم، كريم في نفسه، وإن لم يعبده أحد، فإن عظمته ليست مفتقرة إلى أحد108.
ثم أمرهم فقال: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)[النمل: ٤١].
أي: غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته، سواء بالزيادة والنقصان منه أو جعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه أو بتغيير الألوان109.
والسبب في ذلك هو اختبارها: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)[النمل: ٤١].
أي: ننظر أتعرف عرشها بعد تنكيرها فتكون معرفتها سبباً لإيمانها - لأن الإتيان به يكون معجزة دالة على نبوة سليمان عليه السلام- أم لا ؟ 110.
فلما جاءت بلقيس سليمان وقد كان العرش منكراً بين يديه111، (ﯧ ﯨ ﯩﯪ) [النمل: ٤٢].
قال أبو حيان: «أي مثل هذا العرش الذي أنت رأيتيه عرشك الذي تركتيه ببلادك؟ ولم يأت التركيب: أهذا عرشك؟ جاء بأداة التشبيه، لئلا يكون ذلك تلقيناً لها.
ولما رأته على هيئة لا تعرفها فيه، وتميزت فيه أشياء من عرشها، لم تجزم بأنه هو، ولا نفته النفي البالغ، بل أبرزت ذلك في صورة تشبيهية فقالت: (ﯬ ﯭﯮ) [النمل: ٤٢] وذلك من جودة ذهنها، حيث لم تجزم في الصورة المحتملة بأحد الجائزين من كونه إياه أو من كونه ليس إياه، وقابلت تشبيههم بتشبيهها»112.
وعندها قال سليمان عليه السلام: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [النمل: ٤٢].
فهذا من تمام كلامه شكرًا لله على فضلهم عليها، وسبقهم إلى العلم بالله وبالإسلام. ومعناه: وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته، وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها بذلك.
ثم بين الله تعالى سبب كفر هذه المرأة مع ما هي عليه من الفطنة والذكاء؛ فقال: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ) [النمل: ٤٣].
أي: عن الإسلام، وإلا فلها من الذكاء والفطنة ما به تعرف الحق من الباطل ؛ ولكن العقائد الباطلة تذهب بصيرة القلب (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النمل: ٤٣].
فاستمرت على دينهم، وانفراد الواحد عن أهل الدين والعادة المستمرة بأمر يراه بعقله من ضلالهم وخطئهم من أندر ما يكون؛ فلهذا لا يستغرب بقاؤها على الكفر113.
وكان سليمان عليه السلام قد أمر الشياطين قبل قدومها أن يبنوا له قصراً من زجاج أبيض، وأجرى من تحته الماء، ووضع سريره في صدره، فجلس عليه وعكف عليه الطير والجن والإنس، وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظامًا لأمره، وتحققًا لنبوته، وثباتًا على الدين114.
فلما جاءت دعاها لدخول هذا القصر، قال تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ) [النمل: ٤٤].
وعندها حسبت القصر لشدة صفاء الزجاج واتصال الماء بسطحه الأسفل غمرة عظيمة من ماء، فعزمت على خوضها إظهارًا لتمام الاستسلام، وكشفت عن ساقيها؛ لئلا تبتل ثيابها فتحتاج إلى تغييرها.
وهنا بين لها سليمان الحقيقة فقال: إنه قصر مملس، من زجاج ليتصف بشفوفة الماء فيظن أنه لا حائل دونه115.
والغرض أن سليمان عليه السلام اتخذ قصرًا عظيمًا منيفًا من زجاج لهذه الملكة؛ ليريها عظمة سلطانه وتمكنه، فلما رأت ما آتاه الله، تعالى، وجلالة ما هو فيه، وتبصرت في أمره انقادت لأمر الله وعرفت أنه نبي كريم، وملك عظيم، فأسلمت لله عز وجل، وقالت: (ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [النمل: ٤٤].
أي: بما سلف من كفرها وشركها وعبادتها وقومها الشمس من دون الله، وقالت: (ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ) [النمل: ٤٤].
أي: متابعة لدين سليمان في عبادته لله وحده، لا شريك له، الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً116، ووصفته بربوبية العالمين لإظهار معرفتها بألوهيته تعالى وتفرده باستحقاق العبادة وربوبيته لجميع الموجودات التي من جملتها ما كانت تعبده قبل ذلك من الشمس117.
جاء في تفسير بعض الآيات الواردة عن سليمان عليه السلام أقوال تقدح في مقام هذا النبي الكريم، وشبهات تنقص من قدرة نعرض لها في النقاط الآتية:
أولًا: إلقاء الجسد على كرسيه:
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)[ص: ٣٥].
ونحن هنا سنعرض لأقوال المفسرين في هذه الآية، ونبين ما نراه صواباً وبالله المستعان، فيا ترى ما هو الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان عليه السلام؟
ذكر المفسرون في هذا الجسد أقوالًا:
الأول: إن هذا الجسد شيطان تمثل بسليمان عليه السلام وغصبه ملكه118.
الثاني: إنه ولد لسليمان ولد فاجتمعت الشياطين، فقال بعضهم لبعض: إن عاش له ولد، لم ننفكّ من البلاء، فسبيلنا أن نقتل ولده أو نخبله، فعلم سليمان، فأمر السّحاب فحمله، وعدا ابنه في السّحاب خوفاً من الشياطين، فعاتبه الحقّ تعالى على تخوّفه من الشياطين، ومات الولد، فألقي على كرسيه ميتًا جسدًا119.
الثالث: إن الجسد هو سليمان عليه السلام نفسه مرض سليمان مرضاً كالإغماء حتى صار على كرسيه جسداً كأنه بلا روح120.
الرابع: إن الجسد المذكور هو نصف إنسان ولد لسليمان121.
إلا أن القول الأول باطل من أوجه:
الوجه الأول: الاضطراب في سياق رواياته فمن ذلك:
الاختلاف في اسم هذا الشيطان قال الطبري: «ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه جسدًا شيطانًا متمثلًا بإنسان، ذكروا أن اسمه صخر وقيل: إن اسمه آصف وقيل: إن اسمه أصر وقيل: إن اسمه حبقيق»122.
الاختلاف في سبب استيلاء هذا الشيطان على الخاتم على أقوال:
الأول: إن سليمان عليه السلام هو من أعطاه ذلك123.
الثاني: إن الشيطان تمثل بصورة سليمان عليه السلام، وجاء إلى امرأته فأخذ الخاتم124.
الثالث: إن سليمان عليه السلام طلب من هذا الشيطان أن يبين له كيف يفتن الناس؟ فطلب منه الشيطان أن يعطيه خاتمه لكي يعرفه بذلك، فدفعه له فرماه في البحر125.
الرابع: إن الخاتم سقط من سليمان عليه السلام في البحر فتسلط عليه الشيطان126.
الوجه الثاني: إنه ليس في جلوس الجن على الكرسي معنى الإلقاء إلا أن يتكلف.
الوجه الثالث: ما قاله القاضي عياض: «ولا يصح ما نقله الأخباريون من تشبه الشيطان به وتسلطه على ملكه وتصرفه في أمته بالجور، في حكمه ؛ لأن الشياطين لا يسلطون على مثل هذا، وقد عصم الأنبياء من مثله»127.
إذاً تبين مما سبق أن القول المشهور بين المفسرين لا يمكن أن يكون صواباً لما سبق، فالأقوال الأخرى فليس فيها ما هو مرفوع سوى القول بالاستثناء فيتعين أنه الصواب، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال سليمان بن داوود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة، أو تسع وتسعين كلهن، يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله، فرساناً أجمعون)128.
وقد قال بهذا جمع من المفسرين كأبي حيان وأبي السعود وغيرهما 129.
ثانيًا: مسح سوق الخيل وأعناقها:
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [ص: ٣١].
في هذه الآية الكريمة يبين الله تعالى أن سليمان عليه السلام عرض عليه في حال مملكته وسلطانه الخيل الصافنات -وهي التي تقف على ثلاث أرجل وطرف حافر الرابعة- والجياد: السراع130.
وفي عدد هذه الخيل المعروضة قولان للمفسرين:
القول الأول: إنها عشرون فرساً ذات أجنحة131.
القول الثاني: إنها كانت الخيل التي شغلت سليمان عليه الصلاة والسلام عشرين ألف فرس، فعقرها132.
ولكن سياق الآيات يدل على أن القول الثاني هو الأشبه بالصحة، وذلك لأن العرض استمر من العصر إلى غروب الشمس، قال: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)[ص: ٣١].
والعشي يبدأ من العصر، واستمر هذا العرض إلى غروب الشمس كما قال تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ) وهذا وقت طويل يقتضي خيلاً كثيرة، ما يجعل عرضها يستغرق هذا الوقت؛ ولهذا قال الإمام ابن كثير: «وهذا أشبه»133.
وقال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [ص: ٣٢].
والمعنى: آثرت حب الخيل واشتغلت بعرضها حتى فات وقت صلاة العصر، والذي يقطع به أنه لم يتركها عمداً بل نسياناً134.
ثم قال: (ﮙ ﮚﮛ) [ص: ٣٣] أي: ردوا الخيل علي135.
ثم بين سبحانه ما فعل سليمان عليه السلام بهذه الخيل، فقال: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [ص: ٣٣].
وقد ذكر المفسرون هنا أقوالاً هي:
الأول: المراد أنه قطع عراقيبها وأعناقها، وهذا قول أكثر المفسرين136.
الثاني: إن سليمان عليه السلام جعل يمسح عراقيبها وأعناقها بيده شفقة عليها.
الثالث: معناه أنه حبسها في سبيل الله وكوى سوقها وأعناقها بكي الصدقة.
وقد اعترض أصحاب القول الأول على القول الثاني بقولهم: أيّ مناسبة بين شغلها إيّاه عن الصلاة وبين مسح أعرافها حبًّا لها؟!.
ورد الآخرون على القول الأول: بأنه فاسد إذ لا ذنب للحيوان، فكيف وجّه العقوبة إليه وقصد التّشفّي بقتله، وهذا يشبه فعل الجبّارين، لا فعل الأنبياء 137.
والذي يبدو لي أن الصواب هو القول الثاني لما يلي:
أولًا: الأصل في اللغة أن المسح باليد، أما أن يراد به القطع فهو مجاز والحقيقة مقدمة138.
ثانيًا: أنه قول ابن عباس نقله عنه ابن جرير وابن أبي حاتم139.
ثالثًا: ما قاله الطبري: «بأن نبي الله صلى الله عليه وسلم لم يكن إن شاء الله ليعذب حيواناً بالعرقبة، ويهلك مالاً من ماله بغير سبب، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها، ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر إليها»140. والله أعلم.
ثالثًا: قول اليهود: إن سليمان كان ساحرًا:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [البقرة: ١٠٢].
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية قولين:
الأول: قالت اليهود: انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل، يذكر سليمان مع الأنبياء، وإنما كان ساحراً يركب الريح. فأنزل الله عذر سليمان141.
الثاني: إن اليهود سألوا النبي- صلى الله عليه وسلم عن السحر وخاصموه به، فأنزل الله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين إلى آخر الآية142.
إذن فاليهود عليهم لعنة الله يقولون: إن سليمان عليه السلام كان ساحرًا، فكيف ترد شبهتهم هذه؟
ترد هذه الشبهة من وجهين:
الوجه الأول: في قوله: (ﭙ ﭚ ﭛ) [البقرة: ١٠٢] تكذيب لمن زعم ذلك، وعبر عن السحر بالكفر ليدل على أنه كفر، وأن من كان نبيًا كان معصومًا منه143.
قال القرطبي: «قوله تعالى:(ﭙ ﭚ ﭛ) [البقرة: ١٠٢] تبرئة من الله لسليمان، ولم يتقدم في الآية أن أحدًا نسبه إلى الكفر، ولكن اليهود نسبته إلى السحر، ولكن لما كان السحر كفراً صار بمنزلة من نسبه إلى الكفر»144.
الوجه الثاني: أن الله تعالى قد نص في كتابه أن سليمان عليه السلام نبي يوحى إليه.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [النساء: ١٦٣].
وقال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأنعام: ٨٤].
إلى أن قال:(ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الأنعام: ٨٩].
قال تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ)[سبأ: ١٤].
ذكر الله سبحانه وتعالى أنه سخر الجن لنبيه سليمان عليه السلام يستعملهم في أعمال سبق أن ذكرناها، وقبل موته كلفهم بإتمام بيت المقدس، وفي زمان عملهم جاءه الموت.
قال تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)[سبأ: ١٤].
أي: فلما أمضينا قضاءنا على سليمان بالموت فمات145، فأخفى الله سبحانه وتعالى موته عنهم لسببين:
الأول: ليكملوا بناء المسجد الذي بدأ عملهم فيه؛ قال بعض المفسرين: كانت الجن تعمل لسليمان عليه السلام في بناء مسجد بيت المقدس؛ فقرب موت سليمان وقد بقي من العمل بقية، فقبض الله روح سليمان وهو متكئ على عصا، وكانوا يظنون أنه حي، ويجتهدون في العمل146.
الثاني: أن الجن كانوا يدعون علم الغيب بقوله: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ)[سبأ: ١٤].
ولكن ما هو معنى: (ﰈ ﰉ)[سبأ: ١٤]؟
يذكر المفسرون أقوالاً في بيان معناها:
الأول: إن معنى تبين: بان وظهر، فيكون المعنى : تبينت الجن للإنس أنهم لا يعلمون الغيب، بمعنى بان أمرهم وافتضحوا في ادعائهم الغيب.
الثاني: بمعنى علم وأدرك، فيكون معنى الآية علمت الجن وعرفوا أنهم لا يعلمون الغيب، والمقصود من هؤلاء جمهور الجن وعامتهم ،فقد كان رؤساؤهم وكبارهم يوهمونهم أنهم يعلمون الغيب فيصدقونهم147.
ومكث الجن في عملهم الشاق مدة طويلة قيل إنها سنة 148؛ إذ إن أكل الأرضة لعصاه يستغرق وقتًا طويلًا، وهذا يدل عليه قوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ)[سبأ: ١٤].
قال الطبري: «لم يدل الجن على موت سليمان إلا دابة الأرض وهي الأرضة وقعت في عصاه، التي كان متكئا عليها فأكلتها»149.
أما مدة حياته عليه السلام فقد كانت اثنتان وخمسون سنة، ملكه منها أربعون سنة، ذكر ذلك المؤرخون 150.
تدبير سليمان عليه السلام لملكه
كان سليمان عليه السلام ملكاً نبياً ساس مملكته وفق شرع الله تعالى ، وقد أبان الله تعالى معالم سياسة هذا الملك العظيم والنبي الكريم في كتابه تعالى ، ويمكن أن نبين شيئًا من ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: السياسة الداخلية:
ظهرت سياسته في شأن المملكة الداخلي فيما يلي:
١. بناء دور العبادة.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [سبأ: ١٣].
وقد ورد عن أئمة التفسير أن المحاريب هي المساجد، ومما يحسن ذكره هنا أنه عليه السلام جدد بناء المسجد الأقصى ، فعن أبي ذر رضي الله عنه، قال: ( قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: (المسجد الحرام) قال: قلت: ثم أي؟ قال (المسجد الأقصى) قلت: كم كان بينهما؟ قال: (أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله، فإن الفضل فيه)151.
وعن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن سليمان بن داود، لما بنى مسجد بيت المقدس، سأل الله خلالاً ثلاثة: سأل الله حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله حين فرغ، من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه، أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه)152، ويجمع بين الحديثين بأن المراد من بناء سليمان عليه السلام لمسجد بيت المقدس تجديده لا ابتداء بنائه153.
٢. صناعة أوعية الطعام لإطعام الرعية.
قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [سبأ: ١٣]
٣. بناء البيوت والقصور.
قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ) [سبأ: ١٢].
وقد سبق بيان ذلك.
٤. استخراج اللؤلوء والجواهر من البحار.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الأنبياء: ٨٢].
٥. استخدام النحاس.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [سبأ: ١٢].
٦. تخصيص مجلس لفض الخصومات.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النمل: ٣٩]. ويحكم بالقرائن.
٧. تنفيذ العقوبات فيمن يستحقها.
والعصاة من رعيته لهم عقوبات متنوعة من التعذيب أو القتل أو الحبس والتقييد.
قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [النمل: ٢١].
وقال: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [ص: ٣٨].
٨. إقامة العروض العسكرية.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [ص: ٣١].
٩. توزيع الجنود وتصنيفهم.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النمل: ١٧].
وتخصيص حبس أوائلهم بالذكر دون سوق أواخرهم مع أن التلاحق يحصل بذلك أيضاً لأن في ذلك شفقة على الطائفتين، أما الأوائل فمن جهة أن يستريحوا في الجملة بالوقوف عن السير، وأما الأواخر فمن جهة أن لا يجهدوا أنفسهم بسرعة السير154.
١٠. تشجيع الجنود وبث فيهم روح المبادرة للقيام بالمهام.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النمل: ٣٨].
١١. شكر الله تعالى أمام الجنود؛ ليكون قدوة لهم في ذلك.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [النمل: ٤٠].
فلما رآه مستقرًّا عنده جعل يشكر نعمة ربه بعبارة فيها تعليم للناس وهي عرضة للاقتداء بها والاقتباس منها155.
ويتفقد رعيته ليعرف الغائب من الحاضر ويعرف الضعيف وذا الحاجة.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ) [النمل: ٢٠].
أي: تعرف أحوال الطير تعرف الملك لمملكته، حسبما تقتضيه عناية الملك بمملكته، والاهتمام بكل جزء منها لا سيما الضعفاء منها156.
وفيه دلالة على تفقد الإمام أحوال رعيته والمحافظة عليهم157.
قال القرطبي: «في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته، والمحافظة عليهم، فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله، فكيف بعظام الملك، ويرحم الله عمر فإنه كان على سيرته، قال: لو أن سخلة على شاطئ الفرات أخذها الذئب ليسأل عنها عمر. فما ظنك بوال تذهب على يديه البلدان، وتضيع الرعية ويضيع الرعيان»158.
ويلحظ سيد قطب رحمه الله تعالى من هذا التفقد بعضاً من صفات سليمان عليه السلام فيقول: «كما ندرك من افتقاد سليمان لهذا الهدهد سمة من سمات شخصيته: سمة اليقظة والدقة والحزم، فهو لم يغفل عن غيبة جندي من هذا الحشر الضخم من الجن والإنس والطير، الذي يجمع آخره على أوله كي لا يتفرق وينتكث»159.
ويعلم الجميع من سؤال الملك عنه أنه غائب بغير إذن وحينئذ يتعين أن يؤخذ الأمر بالحزم، كي لا تكون فوضى. فالأمر بعد سؤال الملك هذا السؤال لم يعد سرًّا.
وإذا لم يؤخذ بالحزم كان سابقة سيئة لبقية الجند، ومن ثم نجد سليمان الملك الحازم يتهدد الجندي الغائب المخالف: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [النمل: ٢١].
ولكن سليمان ليس ملكًا جبارًا في الأرض، إنما هو نبي. وهو لم يسمع بعد حجة الهدهد الغائب، فلا ينبغي أن يقضي في شأنه قضاء نهائياً قبل أن يسمع منه، ويتبين عذره.. ومن ثم تبرز سمة النبي العادل: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [النمل: ٢١].
أي: حجة قوية توضح عذره، وتنفي المؤاخذة عنه»160.
وهو يعذر من يستحق العذر بعد أن يمتحن صدقه من كذبه، وقوله: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [النمل: ٢١].
أي: بعذر ظاهر161، وفعل سليمان هذا بالهدهد إغلاظًا عن العاصين وعقابًا على إخلاله بنوبته ورتبته162.
قال القاسمي: «وأن في قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النمل: ٢٧].
قبول الوالي عذر رعيته، ودرءه العقوبة عنهم، وامتحان صدقهم فيما اعتذروا به»163.
ويهتم بتنمية الزرع، وتربية الحيوان، ظهر هذا جلياً في حكمه في رعي الغنم للزرع.
قال سيد قطب: «ولكن حكم سليمان تضمن مع العدل البناء والتعمير، وجعل العدل دافعاً إلى البناء والتعمير. وهذا هو العدل الحي الإيجابي في صورته البانية الدافعة. وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء»164.
وهذه الحادثة وإن كانت في زمان أبيه داود عليه السلام، فلأن يكون مثل ذلك في زمان ملكه من باب أولى.
ثانيًا: السياسة الخارجية:
نبين في هذا المطلب شيئاً من سياسته تجاه خارج مملكته، والتي نأخذ منها سلوكه مع مملكة سبأ على سبيل الأنموذج المحتذى، وتمثلت سياسته تجاهها فيما يلي:
موضوعات ذات صلة: |
بنو إسرائيل، الجن، داود عليه السلام، الرياح، الطير |
1 انظر: تاريخ دمشق، ابن عساكر ٢٢/٢٣١، قصص الأنبياء، ابن كثير ٢/٢٨٤.
2 التحرير والتنوير، ابن عاشور٢٢/١٦٣.
3 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٩٨.
4 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٠٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٦٤.
5 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٠٢.
6 انظر: جامع البيان، الطبري١٦/٣٢٢، معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٩٨.
7 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٠/١٦٦.
8 جامع البيان، الطبري ١٨/٢٤.
9 تفسير القرآن، السمعاني ٤/٨١.
10 جامع البيان، الطبري ١٨/٢٤.
11 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نورث ما تركنا صدقة) ٨/١٥٠، ٦٧٣٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نورث ما تركنا فهو صدقة) ٣/١٣٧٩، رقم ١٧٥٨.
12 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٨٢.
13 المصدر السابق.
14 روح المعاني، الألوسي ١٠/١٧٦.
15 الكشاف، الزمخشري ٣/٣٥٤.
16 جامع البيان، الطبري ١٨/٧٤.
17 انظر: محاسن التأويل، القاسمي٢/٢٧٤.
18 تاج العروس، الزبيدي ٣٣/٢٢٤.
19 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٤٦.
20 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٢٨.
وانظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٣٢٢، تفسير القرآن، السمعاني ٣/٣٩٤.
21 تيسير الكريم الرحمن ص ٧١٢.
22 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٨٩.
23 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب كيف بنزل الوحي، ٦/١٨٢، رقم ٤٩٨١، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ١/١٣٤، رقم ١٥٢.
24 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٨١.
25 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٤٩٥.
26 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٨٠.
27 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٧٣.
28 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٦/١٠٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٠٠.
29 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٥٩.
30 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٣٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٠٠.
31 محاسن التأويل، القاسمي٨/١٣٧.
32 انظر: محاسن التأويل، القاسمي٨/١٣٧، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٧٦.
33 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢٤٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٠٠.
34 معالم التنزيل، البغوي ٣/٣٠١.
35 فتح القدير، الشوكاني ٤/٤٩٧.
36 انظر: المصدر السابق.
37 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/١٢٣.
38 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٢٣٥.
39 أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٢٣٥.
40 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٢٧.
41 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٩٩.
42 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢٤٣.
وانظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٢٩.
43 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٨٢.
44 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٨٣.
وانظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٢٥، معالم التنزيل، البغوي ٣/٤٩٤.
45 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٩٢.
46 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٩/٢٨٨٦.
47 انظر: البدء والتاريخ، ابن طاهر المقدسي ٣/١٠٣، الكامل في التاريخ، ابن الأثير١/٢٠٠.
48 تاريخ ابن خلدون ٢/١١٢.
49 انظر: روح المعاني، الألوسي٩/٦٨.
50 انظر: همع الهوامع، السيوطي ٢/٤١٤.
51 انظر: الطراز لأسرار البلاغة، يحيى بن حمزة ٢/١٤٣، مفتاح العلوم، السكاكي ص ٢٠٧
52 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٨٣.
53 زاد المسير، ابن الجوزي٣/٣٥٦.
54 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي٦/٣٣٣.
55 أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٩.
56 البرهان في علوم القرآن ٣/٢٢٧.
57 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٠/١٧٥.
58 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٨٣.
59 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٢٧٩.
60 روح المعاني، الألوسي ١٠/١٧٧.
61 جامع البيان، الطبري ١٨/٣٣.
62 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٨٥، نظم الدرر، البقاعي ١٤/١٥٠.
63 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٨/٢٢٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٨٦.
64 فتح القدير، الشوكاني ٤/١٥٣.
65 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٠/١٨٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٠٤.
66 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/١٨١.
67 روح المعاني، الألوسي ١٠/١٨٣.
68 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٢٥٢.
69 جامع البيان، الطبري ١٨/٣٩.
70 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٨٧.
71 روح المعاني، الألوسي ١٠/١٨٥.
72 إرشاد العقل السليم، أبو السعود٦/٢٨١.
73 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٨٧.
74 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٠٤.
75 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٨٧.
76 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٠٤.
77 لباب التأويل، الخازن ٣/٣٤٤.
78 البحر المحيط، أبو حيان٨/٢٢٨.
79 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٢٥٤.
80 أضواء البيان، الشنقيطي٨/٨.
81 البحر المحيط، أبو حيان ٨/٢٣٢.
82 في ظلال القرآن، سيد قطب٥/٢٦٣٩.
83 معالم التنزيل، البغوي ٣/٥٠١.
84 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٤/٩٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٨٨.
85 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٢٥٨.
86 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٣٦٣، إرشاد العقل السليم، أبو السعود٦/٢٨٣.
87 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي٣/٣٦٠، أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٥٩، فتح القدير، الشوكاني ٤/١٥٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور١٩/٢٥٩.
88 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٥٠٢، لباب التأويل، الخازن ٣/٣٤٥.
89 روح المعاني، الألوسي١٠/١٩٢.
90 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٥٠، الكشاف، الزمخشري ٣/٣٦٤.
91 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٥٠٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٩٠.
92 أنوار التنزيل، البيضاوي٤/١٦٠.
93 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٥٠٢.
94 فتح القدير، الشوكاني ٤/١٥٩.
95 معالم التنزيل ٣/٥٠٢.
96 البحر المحيط، أبو حيان٨/٢٣٦.
97 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٩٠.
98 المصدر السابق ٦/١٩١.
99 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٢٨٥.
100 انظر: المصدر السابق ٦/٢٨٦.
101 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٠/١٩٦.
102 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٩٢.
103 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٦٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٩٢.
104 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٩٢.
105 زاد المسير، ابن الجوزي٣/٣٦٣.
106 تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٩/٢٨٨٦.
107 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٩٢.
108 المصدر السابق ٦/١٩٣.
109 معالم التنزيل، البغوي ٣/٥٠٦.
110 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٣٦٩، البحر المحيط، أبو حيان ٨/٢٤٢، نظم الدرر، البقاعي١٤/١٦٧.
111 روح المعاني، الألوسي ١٠/٢٠١.
112 البحر المحيط، أبو حيان٨/٢٤٢.
113 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٠٥.
114 الكشاف، الزمخشري ٣/٣٧٠.
115 انظر: نظم الدرر، البقاعي١٤/١٧١.
116 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٩٧.
117 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٢٨٩.
118 جامع البيان، الطبري ٢٠/٨٧.
119 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٠٥.
120 البحر المحيط ٩/١٥٦.
121 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٠٥، الكشاف، الزمخشري ٤/٩٣.
122 جامع البيان، الطبري ٢٠/٨٧.
123 جامع البيان، الطبري ٢٠/٨٨.
124 المصدر السابق ٢٠/٩١.
125 المصدر السابق ٢٠/٨٨.
126 تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١٠/٣٢٤٢.
127 الشفا، القاضي عياض ٢/٣٨١
128 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من طلب الولد للجهاد، ٤/٢٢، رقم ٢٨١٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب الاستثناء، ٣/١٢٧٦، ١٦٥٤.
129 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٩/١٥٥، إرشاد العقل السليم، أبو السعود٧/٢٢٦.
130 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٨١، تفسير القرآن، السمعاني ٤/٤٣٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٦٤.
131 جامع البيان، الطبري ٢٠/٨٣.
132 تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١٠/٣٢٤١.
133 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٦٤.
134 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٤/٤٣٩، زاد المسير، ابن الجوزي٣/٥٧٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٦٥.
135 تفسير القرآن، السمعاني ٤/٤٤٠.
136 تفسير القرآن، السمعاني ٤/٤٤٠.
وانظر: جامع البيان، الطبري٢٠/٨٦، معالم التنزيل، البغوي ٤/٦٨، زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٥٧٢.
137 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي٣/٥٧٢.
138 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس٥/٣٢٢، تاج العروس، الزبيدي ٧/١٢٠.
139 انظر: جامع البيان، الطبري٢٠/٨٧، تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١٠/٣٢٤١.
140 جامع البيان، الطبري ٢٠/٨٧.
141 انظر: المصدر السابق ٢/٣٢٧.
142 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١/١٨٦.
143 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٩٧، أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٣٩.
144 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٢/٤٣.
145 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٣٧.
146 تفسير القرآن، السمعاني ٤/٣٢٢.
147 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٤/٣٢٤، معالم التنزيل، البغوي ٣/٦٧٥، المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٤١٢، البحر المحيط، أبو حيان ٨/٥٣٢.
148 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٠٣.
149 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٣٧.
150 انظر: تاريخ الرسل والملوك، الطبري ١/٥٠٣، قصص الأنبياء، ابن كثير ٢/٣١٤، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، مجير الدين الحنبلي١/١٤٥، تتمة المختصر في أخبار البشر، ابن الوردي ١/٢٥.
151 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، ٤/١٤٥، رقم ٣٣٦٦، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، ١/٣٧٠، رقم ٥٢٠.
152 أخرجه أحمد في مسنده، ١١/٢٢٠، رقم ٦٦٤٤، والنسائي في سننه، كتاب المساجد، باب فضل المسجد الأقصى، ٢/٢٤، رقم ٦٩٣، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الصلاة في مسجد بيت المقدس، ١/٤٥٢، رقم ١٤٠٨.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٢٠، رقم ٢٠٩٠.
153 انظر: فتح الباري، ابن حجر ٦/٤٠٩.
154 روح المعاني، الألوسي١٠/١٧٠.
155 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٢٦١.
156 البحر المديد، ابن عجيبة ٤/١٨٧.
157 البحر المحيط، أبو حيان٨/٢٢٣.
158 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/١٧٨.
159 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٦٣٨.
160 المصدر السابق.
161 تفسير القرآن، السمعاني ٤/٨٨.
162 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٢٥٥.
163 محاسن التأويل، القاسمي ٧/٤٩٥.
164 المصدر السابق ٤/٢٣٨٩.
165 روح المعاني، الألوسي ١٠/١٨٨.
166 تفسير القرآن، السمعاني ٤/٩٢.
167 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٢٥٩.
168 روح المعاني، الألوسي ١٠/١٦٩.
169 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٦٤٠.
170 التحرير والتنوير، ابن عاشور١٩/٢٦٨.
171 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٥٦.
172 روح المعاني، الألوسي ١٠/٢٠١.
173 البحر المحيط، أبو حيان ٨/٢٣٩.
174 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٩١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٠٥.