عناصر الموضوع
السماحة
أولًا: المعنى اللغوي:
أصل مادة (س م ح) تدل على «سلاسة وسهولة. يقال: سمح له بالشيء. ورجل سمح، أي: جواد، وقوم سمحاء ومساميح. ويقال: سمح في سيره، إذا أسرع»1.
فالسَماحُ والسَماحَةُ: الجود. وسَمَحَ به: أي جاء به. وسَمَحَ لي: أعطاني2.
ومعنى الحَنِيفِيَّة السّمْحَةُ: ليس فيها ضيق ولا شدّة 3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرفها الجرجاني بقوله: «السماحة هي بذل ما لا يجب تفضّلًا»4.
وعرفها الشيخ فالح الصغير بقوله: «تطبيق الأحكام الشرعية بصورة معتدلة، كما جاءت في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، من غير تشدّد يحرّم الحلال، ولا تميّع يحلّل الحرام»5.
وهو تعريف جميل، ويحمل معاني قوية حاسمة لمدلول هذا المصطلح؛ لكنه -وإن كان عامًّا- إلا أن القارئ يستشعر من هذا التعريف أنه يختص بالأحكام الشرعية، وبجوانب تتعلق بالعبادات والمعاملات، غير أن البحث الذي نحن بصدده يتعلق بالسماحة كخلق تهذيبي للنفس، وبالتالي فإن هذا التعريف لم يظهر هذا الجانب بوضوح وجلاء.
ويمكن أن يقال في تعريف السماحة في الاصطلاح: التطبيق العملي لمنهج الإسلام، بما يضمن بيان مقاصد الدعوة إلى الله تعالى، التي تحث على الاعتدال من غير تشدّد يحرّم الحلال، ولا تميّع يحلل الحرام في شتى مناحي الدين الإسلامي.
اليسر:
اليسر لغة:
تدل كلمة اليسر في اللغة على السهولة واللين والانقياد6.
اليسر اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي، قيل: عمل فيه لين وسهولة وانقياد ، أو هو رفع المشقة والحرج عن المكلف بأمر من الأمور لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم7، وقيل:«التخفيف في الأحكام الشرعية، في أصلها أو بسبب ما طرأ عليها».
الصلة بين اليسر والسماحة:
يشتركان في معنى السهولة والسلاسة ورفع الحرج والضيق والمشقة، وربما يكون اليسر من السماحة.
العفو:
العفو لغة:
العفو مصدر عفا يعفو عفوًا، والعفو يطلق على معنيين أصليين: أحدهما: ترك الشيء، والآخر: طلبه 8.
العفو اصطلاحًا:
هو التجافى عن الذنب، ومن ذلك قولهم في الدعاء: أسألك العفو والعافية . أي: أسألك ترك العقوبة، وأسألك السلامة 9.
وقيل: كفّ الضّرر مع القدرة عليه، وكلّ من استحقّ عقوبة فتركها، فقد عفا10.
الصلة بين العفو والسماحة:
قيل: العفو هو إسقاط العقوبة بدون إسقاط الذنب. والمسامحة: هو إسقاط المؤاخذة واللوم بغض النظر عن إسقاط العقوبة عن المذنب؛ وذلك أن أصل المسامحة هو السماح، أي: الجود، فالمسامح قد جاد على المذنب بأن ترك المؤاخذة.
الصفح:
الصفح لغة:
يعني ثلاثة معانٍ، وهي: الجانب، والإعراض والترك، والعفو11.
الصفح اصطلاحًا:
هو التجاوز عن المذنب تماماً بترك مؤاخذته وعقابه.
وقيل: «هو ترك التأنيب»12.
الصلة بين الصفح والسماحة:
أصل الصفح هو إبداء صفحة جميلة من الوجه ومنه قلب الصفحة أيضًا؛ لذا قيل: «الذي يصفح كأنه يولي بصفحة العنق»، إعراضًا عن الإساءة، فالصفح أعلى من العفو والمسامحة.
أولًا: السماحة في الاعتقاد:
عرض القرآن الكريم مفهوم السماحة في الاعتقاد، عبر أروع جوانبها، وذلك على النحو الآتي:
١. ذكرٌ أمين لأقوال الكفار.
بما فيه مؤامرات مبيّتة على الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته، ومن ثم الرد المطوّق لكافة ادّعاءاتهم، وكلّ هذا بأسلوب الرد الدعويّ، الذي ينير الطريق، ولا يقف عند الأحقاد.
ومثال هذا قوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [آل عمران: ٧٢-٧٦].
فإن هذه الآيات ذكرت مدلولات عظيمةً للسماحة في الاعتقاد، وذلك أن الآية الثانية والسبعين تذكر أن اليهود قال بعضهم لبعض: أظهروا الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم أول النهار، واكفروا به آخره؛ ليتم التشكيك بدعوة الإسلام.
ومن ثمّ -حسب أمانيّ اليهود- يرجع هؤلاء الموحدون عن إيمانهم، ونصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يمارس أولئك اليهود أحقادهم الخفية، وذلك بأمرهم لأتباعهم ألّا يتأثروا بدعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما يكون الإيمان لمن تبع دينكم، فيأتي الرد الربانيّ بأن الهدى الحقيقي هو هدى الله تعالى ونحن عليه.
«فالمعنى أن علماء اليهود قالت لهم: لا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أي لا إيمان لهم ولا حجة، فعطف على المعنى من العلم والحكمة والكتاب والحجة والمن والسلوى وفلق البحر وغيرها من الفضائل والكرامات، أي : أنها لا تكون إلا فيكم فلا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم»13 حتى تكون لهم حجة عند الله تعالى.
فيكون الرد أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم مأمور من الله تعالى أن يقول لهم بأن الفضل والتكرم بيد الله تعالى، لا بيد غيره، والله واسع عليم، فله اختصاص الرحمة لمن يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم، ويشعر بذلك من يهتدي إلى الحق14.
وتأمّلنا في تلك الألفاظ يجعلنا نعيش مع جمال أسلوب الدعوة مع المتآمرين، ثم يبين الله تعالى لنا منهجية الإنصاف في الحكم عليهم، فإن من أهل الكتاب، من يؤمّن في المال ولو بقنطار وما دونه؛ فهو يؤدّيه إلى صاحبه دون مماطلة، ومنهم -وهم الأكثرون- من إن أمّنته بدينار من المال؛ فإنه يبقى مماطلًا إلا إذا طالبت ولازمت، وألححت لاستخلاص حقك، وإن الذي جعلهم يجحدون الحقوق أنهم ظنّوا -كذبًا- أنّه لا حرج عليهم أن يفعلوا ذلك مع الأميين، -وهم العرب-، مدّعين أن الله أحلها لهم، فهم يعلمون علم اليقين بأنهم كذّابون في ادّعائهم15.
ثم تستطرد هذه الآيات مبينةً سماحة الإسلام العظيم، وذلك ببيان أنه ليس الأمر كما قالوا، ولفظة (بلى) لمجرد نفي ما قبلها، وعلى هذا فإن من أوفى بعهده والتزاماته، فإن الله تعالى يحب المتقين، وهي صفة إيمانية تقرّب قلوب الحيارى منهم إلى الدين16.
لا يجبر الإنسان على الإيمان شرط ألّا يكون محاربًا، ومثل هذا قوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ)[البقرة: ٢٥٦].
فإن هذه الآية الكريمة قد اختلف في تفسيرها17.
وذكر ابن كثير بأنّ المعنى: «لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بيّنٌ واضحٌ جليٌّ دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحدٌ على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهًا مقسورًا» 18.
وقد ذكرت كتب التفسير عددًا من الأحداث التي كانت سببًا لنزول هذه الآية، وكلها سليمة الدراية، لكننا سنذكر حدثًا واحدًا ذكره الواحدي، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت المرأة من نساء الأنصار تكون عندها مشكلة في الإنجاب، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت النضير، كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية19.
الرخصة لمن أكره على الكفر شرط ألّا ينشرح الصدر به، ومثل هذا قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النحل: ١٠٦].
حيث إنه لمّا بيّنت الآية السابقة الذين لا يؤمنون مطلقًا، بل إن من صفاتهم أنهم عريقون في الكذب ظاهرًا وباطنًا؛ تذكر هذه الآية الكريمة صنفًا من هؤلاء الكاذبين الكفار، فهم أشد خطرًا، سواء أكانوا مؤمنين بالفعل ثم كفروا، أو أنهم أقيمت الحجة عليهم عبر الأدلة الكثيرة الموجبة للإيمان، ولكن هذا الكافر جحد بالله تعالى، واستكبر على آياته الكونية والمتلوة، لكن سماحة الإسلام تتضح هنا، وذلك من خلال أن الذي كفر من لسانه خوفًا على حياته، فإنه معفوٌّ عنه، مع أولوية الأخذ بالعزيمة، إن كان في ذلك إغاظة لأعداء الله تعالى، ويشترط لمن أكره على الكفر ألّا يكون صدره منشرحًا بذلك، فإن من كان كذلك، فهو الكاذب، وعليه غضب من الله تعالى، ولهم عذاب عظيم20.
«قال ابن عباس: نزلت في عمار بن ياسر، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسرًا، وأمه سمية، وصهيبًا، وبلالًا وخبابًا، وسالمًا؛ فعذّبوهم، فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين، وجيء قُبُلَها بحربة، وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال فقتلت، وقتل زوجها ياسر، وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام، وأما عمار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرهًا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، بأن عمارًا كفر، فقال: (كلا، إن عمارًا ملئ إيمانًا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه)، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام يمسح عينيه، وقال: (إن عادوا لك فعد لهم بما قلت) 21، فأنزل الله تعالى هذه الآية»22.
٢. الدين يؤاخي بين المؤمنين.
ومثل هذا قوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الحجرات: ١٠].
«أي: إنما المؤمنون إخوة في الدين؛ فأصلحوا بينهم إذا اقتتلوا؛ بأن تحملهم على حكم كتاب الله عز وجل»23، وإن الأسلوب هنا أسلوب حصريٌّ، يحصر ضابط أخوة الدين على المؤمنين، وإن المؤمنين بعضهم أولياء بعض؛ لأنهم يتعاونون على جامع الخير، وينتهون عن جامع الشر، كما قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ٧١].
٣. وجوب إجارة المستجير.
قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [التوبة: ٦].
فقد ذكرت الآية الكريمة أنه إذا استجار أيٌّ من المشركين الذين أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فإنه يؤمر بتأمينه، حتى يسمع كلام الله، ويقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، ويذكر له شيئًا من جوانب الدين وسماحته، ثم يبقى حتى يبلغ المكان الآمن، فهم لا يعلمون شيئًا عن الدين24، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يدٌ على من سواهم، يسعى بذمّتهم أدناهم، ويردّ على أقصاهم)25.
٤. وجوب استقامة العهد مع الذين عوهدوا من قبل المسلمين.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [التوبة: ٧].
حيث تبين هذه الآية الكريمة أن من بقي ملتزمًا بعهده، -رغم نقض الآخرين كبني كنانة، وبني ضمرة يوم الحديبية-؛ فإن الدين يلزمنا أن نستقيم بالعهد مع من كان مستقيمًا بالعهد من المشركين، فإن الله تعالى يحب المتقين26.
٥. شرح آيات القرآن الكريم أصول الاعتقاد.
حتى يبقى المنهج الإسلامي واضحًا لا يعتريه أيّ نقص أو اختلاف، فهو من عند عليم حكيم، ولذلك فقد تم الخلوص إلى نتيجة، وهي أن جوهر الاعتقاد سماحة، وصدق الله تعالى، حيث يقول: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [النساء: ١٦٥].
ثانيًا: السماحة في التشريع:
إن الشريعة المقصودة، هي تلك الممارسة الإيمانية الصادقة للاعتقاد الرباني، وقد توسّع الخطاب القرآني في بيان سماحة الإسلام في كل تشريع من التشريعات الإسلامية، وهذه بعضها:
١. عدم تحميل النفس ما لا تطيق.
قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة: ٢٨٦].
حيث تبدأ هذه الآية بجملة استئنافية على الأرجح؛ لتقرر أن الله تعالى هو الذي يقول: بأنه لا يكلف الله تعالى نفسًا بما لا تطيق، فإن ثمرة التزام الصحابة بما لا يستطيعون أن الله تعالى صرف عنهم الحرج، ورفع عنهم ما لا يطيقون 27.
٢. آيات كثيرة تتحدث عن الرخص.
منها قوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنعام: ١٤٥].
حيث ذكر الإمام السيوطي نقلًا عن الإمام الشافعي أن هذه الآية لا تعني أن الحرام من المطعومات فقط في هذه الآية، وإنما تعني أن الكفار كانوا على المحادة والمضادة، كأن تقول لواحد: لا تأكل اليوم حلاوة، فيقول لك: لا آكل اليوم إلا حلاوة، وفي ذلك يقول إمام الحرمين: ولولا سبق الإمام الشافعي لما استطعنا أن نستجيز مخالفة الإمام مالك في جواز أكل الكلاب28.
وإن هذه الآية -كما آيات الرّخص- تذكر بوضوح عظمة السماحة التي تميّزت بها الشريعة السمحة، وذلك أن الشريعة لم تأت لتحريم كل شيء، وإنما لضبط المنفعة في الدنيا والآخرة، بما يكفل سعادة حقيقية دائمة للفرد والمجتمع.
٣. التدرج في التشريع.
وقد حفل القرآن الكريم بشواهد كثيرة للتدرج، بما يعزز مفهوم السماحة، ومدلولها من الناحية العملية، ومثال هذا آيات الخمر، حيث ذكرت الآيات الأربعة، وتوضيح ذلك:
أن الآية الأولى نزلت في مكة، وهي قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل: ٦٧].
حيث بيّنت هذه الآية المكية أنّ السكر مبغضٌ إلى أهل الإيمان، ولكن الله تعالى أشار إلى ذلك؛ تركًا للزمان، فهو في هذه الأزمان كان محل عفو29.
وقد جاءت الآية الثانية في المدينة في أول الهجرة؛ وهي قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [البقرة: ٢١٩].
حيث ذكرت هذه الآية المفاسد وتركت للخلق الحكم عليها؛ إذ كانت الخمر جزءًا لا يتجزأ من عاداتهم التي ألفوها30.
ثم جاءت الآية الثالثة؛ لتضع تطبيقًا عمليًّا تدريجيًّا لمنع الخمر، -إذ إن هذا بإلف عادتهم-، فقامت بحصر الأوقات، وتضييقها؛ لمنع الخمر وتعاطيها31.
وذلك في قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [النساء: ٤٣].
وما إن تهيّأت النفوس، حتى جاء الخطاب القرآني الحاسم بمنع الخمر، وتحريم تعاطيها، بل ومعاقبة من يفعل ذلك في الدنيا قبل الآخرة، فنزل قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩٠-٩١].
عندها ما كان من المسلمين إلا أن تخلّصوا من الخمر التي في بيوتهم؛ فأضحت شوارع المدينة وديانًا من الخمر32.
وهذا التدرج، وكل أمثلته مما لم نذكره دالٌّ على سماحة الإسلام في تشريعاته.
٤. رفع الحرج في التشريعات.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [المائدة: ٦].
ذكر الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى خمسين حكمًا فقهيًّا مستنبطًا من هذه الآية، جلّها يبين عظمة السماحة القرآنية33.
وقد سبقت الإشارة أنّ السماحة تكون في كل تشريعٍ من التشريعات؛ حتى في القتال، فهو وإن بدا في ظاهره أنه قتال؛ إلا أنه لأجل الرحمة بالعموم، وهي مدلولٌ عظيمٌ لسماحة الإسلام.
ثالثًا: السماحة في الدعوة إلى الله:
١. الرحمة واللين في الدعوة.
إن سماحة الإسلام تقتضي أن يكون توجيه طاقات المسلمين إلى الدعوة إلى الله تعالى؛ حتى لا يبقى شقيٌّ ولا محروم من الدعوة في هذه الأرض، وبالتالي فإن الرحمة واللين في الدعوة يجب أن يكونا سمة الداعية، وقد حفل الكثير من الآيات القرآنية ببيان السماحة في الدعوة إلى الله تعالى، من خلال بيان الرحمة واللين في الدعوة إلى الله تعالى، وهذه أمثلة من ذلك:
أولًا: رحمة القلب الداعي إلى الله تعالى بالخلق جميعًا.
وقد شهد القرآن الكريم مواقف عظيمة للقلب الرحيم، المتمثل في النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها:
قوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة: ١٢٨].
حيث تبدأ الآية بلام موطئة للقسم، وبـ(قد) التي تفيد التحقيق، وكل هذا لخطاب المؤمنين، بأنه جاءكم رسول من العرب، تعرفون نسبه وحسبه، فليس في قبيلة من قبائل العرب إلا وللرسول فيها نسب، والله تعالى شديد عليه إذا شقّ عليكم، ولكن حاشاه أن يكون كذلك، فهو حريص على هدايتكم من الضلال، وهو بالمؤمنين كلهم رءوف رحيم34، ونلاحظ أن هذه الآية الكريمة بينت بشكل واضح جوانب عديدة من السماحة التي ملأت قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها أنه لا يملك إلا أن يكون شفوقًا عليكم، ومنها أن الله تعالى منحه اسمين، مليئين بالسماحة الدالة على كل خير.
بينت آيات عديدة أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم يحترق قلبه خوفًا على الناس جميعًا من غضب الله تعالى، ومنها قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الكهف: ٦].
حيث تبين هذه الآية الكريمة مدى استعداد النبي محمد صلى الله عليه وسلم للتضحية لأجل الدعوة إلى الله تعالى، لدرجة أنه قارب على هلاك نفسه، وقتلها على أثر عدم إيمان هؤلاء الكفار بهذا القرآن؛ حزنًا وغضبًا على كفرهم، وهذا الحزن أتى بعد وصول الكفار إلى أبشع أنواع التبجح بالكفر، والتكذيب للرسالة، وقد جاء في القرآن الكريم مثل هذا المدلول، كقوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ) [النحل: ١٢٧].
وقوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الشعراء: ٣].
وقوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [فاطر: ٨]35، وهذا يبين عظيم سماحته صلى الله عليه وسلم، فهو لا يبحث عن نفسه، إنما يبحث عن إنقاذ كل كافر من إنس وجان، والأخذ بأيديهم إلى رحمة الله تعالى.
أمر الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يحبس نفسه، ويقضي جل أوقاته الدعوية مع الداعين إلى الله تعالى بغض النظر عن أوضاعهم الاجتماعية، وذلك مثل قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الكهف: ٢٨].
وقد جاء في سبب نزول هذه الآية والتي قبلها، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: جاء المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وأهاليهم، فقالوا: يا رسول الله، إنك لو جلست في صدر المجلس، ونحّيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم -يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها- جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، والتي قبلها، والتي بعدها36، وعلى هذا فإن الآية تأمر رسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم، بأن يحبس نفسه مع هؤلاء الفقراء الداعين إلى الله تعالى حبس ملازمة لهم، فهم الذين لا ينفكون عن الدعاء إلى الله تعالى ليلًا ونهارًا، يبتغون وجه الله تعالى، ولا تعد عيناك عنهم، أي: لا تعرض عنهم، ولو بأن تنتبه إلى غيرهم تريد زينة زائفة من هؤلاء المستكبرين الكفار37،
يقول ابن عاشور: «وهذا الكلام تعريض بحماقة سادة المشركين الذين جعلوا همهم وعنايتهم بالأمور الظاهرة، وأهملوا الاعتبار بالحقائق والمكارم النفسية؛ فاستكبروا عن مجالسة أهل الفضل والعقول الراجحة والقلوب النيرة، وجعلوا همهم الصور الظاهرة»38.
ثم يذكر القرآن الكريم في آية قرآنية أخرى ما يحصّن هؤلاء المستضعفين، وبقائهم في الرعاية الشرعية، وذلك بأسلوب النهي عن طردهم، كما في قوله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الأنعام: ٥٢].
حيث تنهى هذه الآية الكريمة نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، أن يطرد الفقراء المسلمين الداعين إلى الله تعالى صباح مساء مبتغين وجه الله تعالى عن مجالسته، فكلٌّ له حسابه عند الله تعالى، ولست من يحاسبهم، أو يحاسب عنهم، فإن طردتهم؛ فإنك ساعتها تكون من الظالمين39.
ولا شكّ أن هذه الألفاظ قاسية على النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم لمجرد أن نفسه حدّثته بمجاملة سادة قريش طمعًا في الإسلام، فإن السماحة يجب أن تقتضي الرحمة بأولئك الضعفاء المساكين، الذين لا يدّخرون جهدًا في نصرة هذا الدين، وبالتالي فإن ضابط الرحمة في الدعوة كونه ليس مرتبطًا بردة فعل، وإنما تكون السماحة والرحمة سجية عند الداعية المسلم، سيما وأنها علامة على رحمة الإسلام، وبالتالي فإن الدعاة ليسوا محاسبين على النتيجة، شرط ألّا يدّخروا أي جهد قلبيًّا كان أو قوليًّا أو عمليًّا في ميدان الدعوة.
وعلى هذا فإن الالتزام بما يأمر الله تعالى من رحمة، ولين في القول أولى بكثير من الاجتهاد فيما لا يجوز الاجتهاد فيه، وصدق الله تعالى حيث يقول: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الحجرات: ١].
حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يكون كل الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم مؤمنين، وهذا يوضحه قوله تعالى: (ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [يوسف: ١٠٣].
حيث تذكر هذه الآية في معرض الرحمة بالرسول صلى الله عليه وسلم الرحيم، الذي يحرص على هداية كل مخلوق من إنس وجان، فإنه صلى الله عليه وسلم لو حرص وتهالكت نفسه لهداية الخلق؛ فإنه لا يكون مؤمنًا إلا القليل40.
وهذا الجانب دالٌّ على معنىً عظيم من السماحة والرحمة في الدعوة إلى الله تعالى، فإن السواد الأعظم من الناس كفار، بل إن من المؤمنين خلقًا لا يفعلون ما يرضي الله تعالى، ومع ذلك فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذهم بما كسبوا، بل يؤخرهم إلى أجلٍ معلوم، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [فاطر: ٤٥].
حيث إن هذه الآية تبين للناس -عمومًا- شيئًا من عظيم رحمة الله تعالى وفضله، فهي دعوة إلى أولئك الذين اغتروا بتأخير حساب الله تعالى، حتى حسبوه عجزًا، أو رضًا من الله تعالى بما هم فيه، وفحوى مقتضى الدعوة أن يرجعوا إلى الله تعالى، فإن الله تعالى يمنحكم أيها الطغاة كل فرصة في هذه الدنيا41-حتى العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر-؛ لعل الطغاة يرجعون، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [السجدة: ٢١].
من رحمة الله تعالى أنه أنزل أمانين لهذه الأمة، وهما ما جاء في القرآن الكريم، حينما قال الكفار: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الأنفال: ٣٢].
عندها نزل قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الأنفال: ٣٣].
وقد أخرج الشيخان «عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ. فنزلت: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الأنفال: ٣٣-٣٤]»42.
وعلى هذا فإن الله تعالى أنزل أمانين لهذه الأمة، فالأمان الأول: هو وجود الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم حيًّا، والأمان الآخر: هو الاستغفار.
من صفات الداعية الحق سيما الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سمحٌ في رحمته ولين في قوله، سيما مع من أساء الأسلوب.
وفي ذلك يقول تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
أي: فبرحمة من الله تعالى وفضله، كان اللين في القول منك لهم، رغم عدم الطاعة منهم، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم فظًّا في القول غليظًا في القلب؛ لتركوه وحده، وما جاء إليه الناس، وبالتالي فإن الله تعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنهم، وأن يستغفر لهم الله تعالى، ثم أن يشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى مشاورة؛ فإن ذلك أطيب لأنفس القوم، وإذا وصلت إلى قرار بعد المشاورة؛ فامض به، وتوكّل على الله تعالى، فإن الله تعالى يحب المتوكلين عليه حق التوكل43.
ثانيًا: القول اللين من الدعاة حتى مع رءوس الكفر.
فقد حفل القرآن الكريم بذكر هذا الجانب، عبر الحديث عن الأنبياء وخطابهم لقومهم، وتوضيح ذلك فيما يأتي:
ورد أمر رباني لسيدنا موسى وهارون عليهما السلام بالقول اللين مع فرعون لعله يتذكر أو يخشى، كما في قوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [طه: ٤٢-٤٤].
حيث إنه بعد أن بينت الآية السابقة أن الله تعالى اصطنع سيدنا موسى عليه السلام لرسالته، تبين هذه الآيات المذكورة، أن الله تعالى أمر سيدنا موسى وأخاه هارون عليهما السلام بألّا يفترا أو يضعفا في حمل الرسالة، أن يذهبا إلى فرعون، فقد تجاوز كلّ الحدود، فقولا له قولًا لطيفًا رقيقًا؛ لعله يرجع إلى الصواب والحق، أو يخشى من عقاب الله تعالى 44.
ورد في آيات كثيرة قول بعض الأنبياء لأقوامهم يا قوم إني أخاف عليكم، كما في قوله تعالى في حديثه عن قصة سيدنا نوح عليه السلام: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الأعراف: ٥٩].
ثم الرد من قبل سيدنا نوح عليه السلام على اتهاماتهم اللاذعة بمزيد من الحكمة، ولين الجانب، كما في قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأعراف: ٦٠-٦٤].
حيث إن سيدنا نوحًا عليه السلام يرد على تلك الاتهامات الموجهة بأنه ليس به ضلالة (والضلالة أخص من الضلال)، ويبين بأساليب التوكيد أنه رسول من رب العالمين، يبلغ شريعة الله تعالى السمحة، وهو لقومه ناصح لا يدخر جهدًا، ولا وسيلة في هدايتهم، ويركز على ما يدور في خلجات صدورهم بقوله: هل تعجبتم أن تأتي رسالة الله تعالى على يد رجل منكم؛ ليحذركم ويخوفكم من عقاب الله تعالى، حتى تكون المحصلة رحمةً كبيرةً من الله تعالى45.
وإن قصة سيدنا نوح عليه السلام وحالة السماحة والرحمة الدعوية في الخطاب، ومن ثم لين الجانب، هي نموذج قرآني من مخزون نماذجه -سيما في الحديث عن الأنبياء-، سيما سيدنا صالح عليه السلام، وسيدنا هود عليه السلام، وكل أنبياء الله عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأتم التسليم.
كما أن منبر السماحة الدعوية في الرحمة ولين الجانب مما ذكر في القرآن الكريم لم يقتصر فقط على الأنبياء، وإنما تعدّى إلى ذكر الدعاة الغيورين، ومثل ذلك قصة الرجل الصالح، الذي خلّد القرآن الكريم ذكر مسيرته الدعوية الغيورة على الدين في سورة يس، حيث جاء من أقصى المدينة يسعى في الخير شفقة منه على هؤلاء المكذبين بالرسل، فاستخدم أجمل الألفاظ وأطيبها، حرصًا منه على أن يعافوا من العقاب الرباني جزاء تكذيبهم.
وفي ذلك يقول تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [يس: ٢٠-٢٧].
وهذه الآيات الكريمة تبين لنا نموذجًا عظيمًا لداعية إلى الله تعالى، هو حبيب النجار الذي آمن برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وبينهما ستمائة سنة - ومثله في الإيمان تبّع الأكبر، وورقة بن نوفل-.
فلقد سمع هذا الداعية الغيور نبأ تكذيب القوم لرسلهم، فما كان منه إلا أن جهر بدعوته، بعد قطع مسافة من أقصى المدينة إلى حيث يسكن القوم، فقال محاكيًا لطريقة الرسل في تبليغهم: يا أهلي، ويا ربعي، إني أرشدكم إلى ما ينفعكم في دنياكم وآخرتكم، فالأمر سهل ومليء بالسعادة التي لا تنتهي، وهو لا يعدو عن كونكم تلتزمون قلبًا وقولًا وعملًا باتباع كل ما جاء به المرسلون، فهؤلاء لا يطلبون منكم أيّ مالٍ، أو شهرةٍ، أو جاهٍ، ومع ذلك فهم مهتدون إلى الحق.
ثم يتساءل هذا الداعية الغيور سؤالًا تحريضيًّا على حسن الاتباع، بقوله: ولم لا أعبد الذي خلقني منذ الولادة على فطرة التوحيد، والمرجع والمصير كله إلى الله تعالى، فماذا سأردّ على سؤاله تعالى لي؟!
وهو أسلوب بالغ في الحكمة الدعوية؛ إذ إنه يتكلم عن نفسه، ثم يوجّه الإشارة إليه في العاقبة التي يمكن أن تحل عليهم، دونما فقد لسيطرته عليهم، عبر استفزاز كرامتهم، بالسباب والشتم وما إلى ذلك، فهو مجتهد بعد خلوص نيته، في أنجع الطرق التي تردّهم إلى دين الله تعالى.
وتلك هي السماحة والرحمة ولين القول في الدعوة إلى الله تعالى، ثم يستطرد هذا الداعية دعوته إليهم بسؤالٍ آخر افتراضيٍّ، وذلك بقوله: أأتخذ من دون الله تعالى آلهةً لا تضر ولا تنفع أعبدها، فإني أعلمكم أن الله جل جلاله إذا أراد بي ضرًّا؛ فلا تنفعني شفاعة هذه الآلهة شيئًا، ولا يستطيعون أن ينصروني، ولا حتى إنقاذي، وعندها فإني أكون من الضالين عن طريق الخير، وما ينفعني في الدنيا والآخرة.
ثم يجهر بالتمسك بالدين، وذلك بإعلان إيمانه بالله تعالى، حيث قال تلطفًا بهم (بربكم)، وقال بعد ذلك فاسمعوا مقالتي الإيمانية هذه واستجيبوا لنداء الحق، وفي هذا تحدٍّ ضمنيٌّ بأنه متصلّب في دعوته، فماذا سيفعلون إلا ما كتب الله تعالى له، فما كان من القوم إلا أن قتلوه، فقيل له من قبل الله تعالى إكرامًا له : ادخل الجنة، فإذا بهذا الداعية الشفوق الرحيم الحنون يقول حال كونه خائفًا على قومه من العذاب: (يا ليت قومي يعلمون، بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين)46.
وهناك موقف آخر لرحمة داعية ولينه في القول، وهي تلك القصة الرائعة لمؤمن آل فرعون، حيث جاء في سورة غافر- وتسمّى أيضًا سورة المؤمن نسبةً له-، حيث إنه غار على رسول الله موسى عليه السلام، عندما رأى ذلك التآمر الكبير من فرعون وقومه على قتل سيدنا موسى عليه السلام.
ففي تلك اللحظات الحرجة كان لا بدّ لهذا الداعية أن يتحرّك، فما عاد كتم الإيمان ينفع، وتوجّب عليه رحمه الله تعالى أن يصدع بالحق، فسلك أسلوبًا دعويًّا رائعًا مليئًا باللين والرحمة بهم، مع عدم المجاملة والخديعة لهم، وذلك كما يلي:
رغم أنه من آل فرعون، إلا أن مواجهته لأهله وقومه كانت في بداية الأمر بإعطائهم السبب الذي من أجله آمن هذا الداعية، وهو أن سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم كان يقول ربي الله، وأنه صلى الله عليه وسلم قد جاء بكل الدلائل والبينات المادية والمعنوية الدالة على إثبات أحقية ما يقول، ومن عظيم إخلاص هذا الرجل أن الله تعالى علّمه فقه المناظرة.
وذلك أنه يخبر أن سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم إن كان كاذبًا فلستم مؤاخذين على كذبه، وإن كان صادقًا فمن المؤكّد أنه سيصيبكم ببعض ما وعدكم، ثم ردّهم إلى الله تعالى، بقوله إن الله عز وجل لا يهدي ولا يوفّق المسرف الكذاب، وها نحن نرى أمره سديدًا، ومنهجه مستقيمًا، وبالتالي هي إشارة -بعد الحجة والبيان- إلى تصديقه47.
وفي ذلك يقول تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [غافر: ٢٨].
ثم يستطرد بذكر النصائح تلو النصائح، ومنها: استخدام لفظة (يا قوم)، وبيان قوتهم الحالية، وأنهم يوم أن يأذن الله تعالى لا حول لهم ولا قوة، ورغم إجرام فرعون وتجبّره إلا أنه يستمر في تذكيرهم بمن كان قبلهم من الأقوام الغابرة، وما حلّ بهم؛ لعلهم يرجعون عن الباطل، ثم تذكيرهم بيوم القيامة، واستخدام الألفاظ التي تجعل القلوب القاسية رحيمة48.
وفي ذلك يقول تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [غافر: ٢٩-٣٣].
ثم التذكير بما جاء به سيدنا يوسف عليه السلام من البينات، وبمجرد أن مات عليه السلام إذ أنتم تقولون لن يبعث الله من بعده رسولًا، ثم يبين العاقبة تلو العاقبة في الدنيا والآخرة على من لم يتبع الحق والهدى، ورغم أن فرعون ماضٍ في علوّه وتكبره الذي بلغ كل وصف، واستعلاؤه الذي لا يماثله استعلاء؛ إلا أن مؤمن آل فرعون يحثهم على اتباع الحق والإيمان، شفقة منه ورحمة عليهم.
وفي ذلك يقول تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [غافر: ٣٤-٣٨].
ثم يذكّر قومه بأن الدنيا زائلة، وأن الآخرة هي الباقية، وإن من رحمة الله تعالى وفضله، أنه لا يجزي بالسيئة إلا مثلها، ويجزي بالحسنة أضعاف الأضعاف، قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [غافر: ٣٩-٤٠].
ثم يتحرك قلبه خوفًا عليهم وشفقة بهم، بتذكيره لهم قبل فوات الأوان، بأنه يدعوهم إلى النجاة من غضب الله، ويكون ردّهم بأنهم يدعونه إلى النار، ويكون هذا بدعوتهم له للكفر بالله تعالى، والإشراك به إلهًا آخر، رغم أن دعوته لهم إنما هي لله الذي من صفاته العزة والمغفرة، ولا شك أن دعوتهم إلى الشرك ليس فيها دعوة مستجابة، ولكن مردّنا جميعًا إلى الله، وإن من أسرف من خلال شركه بالله تعالى فهو صاحب النار49، وفي ذلك يقول تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [غافر: ٤١-٤٣].
ثم يتوعّدهم وعيدًا يحمل في طياته نصحًا من مشفق عليهم، وذلك بقوله: ستذكرون قولي عند حلول العذاب، ثم فوّض أمره إلى الله تعالى بعد القيام بكل واجباته، معتقدًا هذا الداعية المجاهد اعتقادًا جازمًا بأن الله بصير بالعباد، وكانت النتيجة الحتمية أن الله تعالى حماه من مكرهم وكيدهم، وهم الذين ذاقوا الويلات جزاء كفرهم وتكذيبهم50.
وفي ذلك يقول تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [غافر: ٤٤-٤٥].
وبعد، فقد خلص البحث مما تقدّم أن باب السماحة في الدعوة كله يحمل في طياته رحمة، وإن أعظم الواعظين بالرحمة في دعوتهم هم الأنبياء المرسلون، ثم الصالحون، فلا تحكمهم في دعوتهم ردة فعل، وإنما تبلغ رحمتهم حدًّا لا يوصف، سيما مع من يخالفهم أو يعلن الحرب عليهم، فلا يفقدون لين القول، ولا شفقة القلب مهما بلغ الخصم من حد السفه، والفساد، والطغيان، وصدق الله تعالى حيث يقول في كتابه العزيز: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الأنبياء: ١٠٧].
٢. الصبر على الأذى.
لا شكّ أن الصبر على الأذى بنوعيه القولي والفعلي سمة الداعية الحق الذي يعيش مع الإسلام وسماحته في الدعوة، وبالتالي سيقف البحث عند بعض النماذج التي تدلل على روعة السماحة في صبر الداعية على أذى المعاندين لدعوة الحق، وهي كما يأتي:
أولًا: الصبر على الأذى القولي.
ويمكن تلخيص ذلك من خلال النقاط التالية:
جاء في سورة المزمل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على إيذاء كفار مكة بالقول اللاذع منهم، مع تسليته ببيان عاقبتهم في الآخرة إن لم يرجعوا عن طغيانهم، ومحأولًات استفزازهم لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [المزّمل: ١٠-١٣].
فقد ذكرت هذه الآيات أنه لما اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم ربّه جل جلاله وكيلًا وحسيبًا؛ فإنه يتوجب عليه أن يحبس نفسه عن الضجر مما يقولون، كما أمر من الله تعالى؛ فهذا تمام التفويض بإصلاح أمره على نحوٍ أعظم من إصلاحه أمور نفسه، ثمّ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل الله تعالى أمرًا آخر، وهو أن يترك مخالطة أولئك الذين يتلسّنون عليه صلى الله عليه وسلم؛ فذلك هو الهجر الجميل، ومثله آيات كثيرة، منها قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [النجم: ٢٩].
وقد اختلف المفسرون في نسخ هذه الآية من عدمها، ويميل البحث إلى رأي من قال: إنها غير منسوخة، وإنها محمولة على مقتضيات مصلحة الدعوة بما يتلاءم مع روح السماحة.
ثم بيّن الله تعالى أنه لا حاجة بذلك القول الذي بدر من المكذبين من أهل التنعّم، ومهّلهم مدة قليلة إلى يوم بدر، فتحتمل كلمة (ذرني)، معنى: ارض بي يا محمد لعقابهم، وهذا يبين عظيم سماحة الإسلام مع المؤذين له، ثم ذكر ربنا جل جلاله كيفية عذابهم عنده فقال: إن لدينا في الآخرة ما يقابل تنعّمهم في الدنيا، فأولها- القيد الثقيل عليهم، وثانيها- الجحيم، وثالثها: الطعام الذي يغصّ الإنسان، وهو طعام الزقّوم والضريع، ورابعها: سائر أنواع العذاب51.
وكلّ هذا الوعيد هو في الآخرة؛ لما يترتب على ذكره في الآية من بيان روعة السماحة، عبر الصبر على الأذى، ففي الآيات الكريمة توضيح لا تأويل فيه، بأنّ الله تعالى أمهلهم في الدنيا إلى غزوة بدر، وإلى الآخرة؛ لإعطائهم الفرصة الكافية للتوبة.
حاول أولئك المشركون التشكيك في الدين الإسلامي، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لجأ إلى الله تعالى أن يبين الحق، وأن تمضي الدعوة على خير وجه، ولم يكن في بال الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو على قومه، أو يدعو الله تعالى أن يهلكهم، وهذا كان عبر آيات عديدة.
منها قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [البقرة: ١٤٤].
حيث جاء في سبب نزولها عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى نحو بيت المقدس، ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [البقرة: ١٤٤] فتوجه نحو الكعبة».
وقال السفهاء من الناس، وهم اليهود: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [البقرة: ١٤٢].
فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل، ثم خرج بعد ما صلى، فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه توجه نحو الكعبة؛ فتحرف القوم، حتى توجهوا نحو الكعبة»52.
وإن سبب نزولها كافٍ لبيان عظيم السماحة التي حظيت بها شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم يشككون في تبعيته صلى الله عليه وسلم لربه جل جلاله، وذلك من خلال توجهه صلى الله عليه وسلم جهة بيت المقدس في القبلة، على اعتبار أنها هي قبلتهم، وكأنه صلى الله عليه وسلم يتبع لهم، فما كان من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن دعا الله تعالى متوجهًا نحو السماء، بأن تكون القبلة نحو المسجد الحرام، وإذا باليهود يطعنون في ذلك، عبر سفهائهم من الناس، وهم مشركو العرب، من خلال قولهم ما الذي جعلهم يحوّلون قبلتهم التي كانوا عليها؟!
فتجيب الآية القرآنية في أروع معاني السماحة، دونما سبٍّ، أو قذف، بأنه لله تعالى ما في المشرق وما في المغرب، وأنه عز وجل يهدي إلى الاستقامة الحقة من يشاء من عباده، سواءٌ أكانت هداية إرشاد أم هداية توفيق، وبعد تشكيكهم بأنه لا أجر للصلاة التي أقامها المسلمون حال كونهم متجهين نحو بيت المقدس في أكثر من سبعة عشر شهرًا، بيّن الله تعالى أنه لا يضيع الصلاة، حيث سمّاها القرآن (إيمانكم)53.
ثانيًا: الصبر على الأذى الفعلي:
بيّنت آيات عديدة جوانب من صبر الدعاة على الأذى الذي وقع فعلًا أو كاد أن يقع عليهم، وسنقف إن شاء الله على نموذج قرآنيٍّ منها؛ فقد جاء في سورة النحل، التخيير بين المماثلة في العقوبة لمن عاقب بعضًا من المسلمين، أو تسبب في إيذائهم، وبين حبس النفس عن تلك المماثلة في العقوبة، وذلك من خلال الصبر على ذلك، واحتساب الأجر من الله تعالى وحده، على أن يكون الصبر ناتجًا عن إرادة حقيقية ممن وقع عليه الأذى، أو أراد بذلك مصلحة دعوية مرجوة، فعندها يكون الصبر خيرًا وأعظم أجرًا.
ثم أكّدت الآيات أن الصبر مأمور به خير الدعاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن صبره ملتصق بحكمٍ دعوية، لا حصر لها، ثم يبين الله تعالى جانبًا قلبيًّا رحيمًا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الحزن العميق على أحوال أولئك المكذبين، ومآلهم في الدنيا والآخرة.
وقيل: الحزن على قتلى أحد.
ثم بيان الرحمة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم بألّا يضيق ذرعًا في أقواله وأفعاله وأحواله من المكر الذي يمارسه الأعداء المكذبون، الذي إن كان مكرهم لتزول منه الجبال54.
والآيات هي: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [النحل: ١٢٦، ١٢٧].
وعلى هذا تكون الآيات مدنية، وقال الكثيرون: إنها منسوخة بالآية التي بعدها55.
والراجح أنها غير منسوخة، وإنما هي محمولةٌ على التخيير مع أفضلية الصبر، وبقاء مصلحة الدعوة ضمن الضوابط الدينية الدعوية مقياسًا صالحًا في التخيير بين مماثلة العقوبة، أو الصبر على تلك العقوبة.
٣. الإحسان إلى المسيء.
إن الإحسان إلى من يسيء إلى الداعية -سواء أكانت شخصية، أم قادحةً في دعوته ضمن الضوابط- سمة الأنبياء الصالحين، والأولياء المخلصين.
وتناولت آيات قصة ابني آدم بعض صور الإحسان إلى المسيء في طياتها، حينما تقبّل الله تعالى قربان أحدهما، ولم يتقبّل من الآخر.
فبدل أن يبارك الآخر للذي تقبّل الله تعالى منه، ومن ثم يراجع حساباته مع ربه، إذ به يفكّر في القتل والاستئصال للآخر، الذي هو أخوه، فأقسم له أنه سيقتله بأساليب توكيد متنوعة، فإذ بهذا الطيب، يقول: إنما يتقبّل الله تعالى من المتقين الذين خافوه، وعملوا له حسابًا.
ثم يقول هذا الطيب الذي تقبل الله تعالى قربانه لذلك المجرم مقسمًا له: إن بسط إليه يده -كناية عن القتل مع سبق الإصرار والترصد-؛ فلن يماثل هذا الإجرام، والسبب عظيمٌ جدًّا، وهو الخوف من الله تعالى رب العالمين، فإنه يريد أن ينال هذا المجرم إثمه مع إثم ذات المجرم؛ فعندها يكون من أصحاب النار.
ثم يبين ذلك الطيب أن ذلك العقاب جزاء كل ظالم، فما كان من ذلك المجرم إلا أن قتله، رغم هذه الدعوة التي تظهر أروع معاني الإحسان إلى من يفكر في أسوأ معاني الإساءة، وهي القتل العمد، وهناك كان الخسران المبين56.
والآيات هي: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [المائدة: ٢٧-٣٠].
ولقد مرّ -في معرض الآيات السابقة- الحديث بالتلميح أو التصريح عن ذلك الإحسان إلى المسيء، الذي يعدّ جزءًا لا يتجزّأ من سماحة الإسلام الشاملة لجميع مناحي الدين، ولا عجب؛ فهي تطبيق عمليٌّ لرسالة الإسلام، بما يعزز حب الدين في قلوب الناس جميعًا.
أولًا: المفاصلة العقدية:
إن الإسلام يحمل في ثنايا روحه سماحةً حتى مع المخالفين للدين، ومن ذلك أن المفاصلة العقدية، وعدم المداهنة أو المجاملة لهم، تحمل في طياتها سماحة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الكافرون: ١-٦].
جاء في سبب نزول السورة عدة أقوال، وكلها سليمة الدراية؛ لأن المعنى حمّالٌ لها، وهي تناسب السياق.
وسنذكر إن شاء الله سببًا، وهو: «أنّ قريشًا قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن سرّك أن نتبع دينك عامًا، وترجع إلى ديننا عامًا؛ فنزلت هذه السورة»57.
واختلف المفسرون في هذه الآيات، سيما الآية السادسة في نسخها من عدمه، والذي يترجّح أن هذه الآيات غير منسوخة، وإنما هي محمولة على المفاصلة العقدية.
ويؤيد ذلك قوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [البقرة: ٢٥٦].
وبالتالي فإن المعنى يكون: بأن السورة تبدأ بنداءٍ من الله تعالى إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأجل أن يخاطب الكافرين، وإن كان في هذا الخطاب استهزاء ضمني؛ بما آلوا إليه من كفر، وبالتالي عاقبة وخيمة من جهة، إلا أن هذا الخطاب يحمل السماحة في إعطاء فرصة الخطاب الدعوي الرباني من جهة أخرى.
ثم إن فحوى رسالة الخطاب هو المفاصلة العقدية، وذلك من خلال أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يسلك عبادتهم ولا يقتدي بها، ثم يوجه الخطاب مباشرة لهم من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، بما أمر به من قبل الله تعالى، وذلك أن هؤلاء الكفار لا يعبدون ما يعبد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهم لا يقاتلون في الدنيا، طالما التزموا بالضوابط المتفق عليها، مع عدم رفع العقاب عنهم يوم القيامة.
ثم يرجع التذكير لهم؛ لقصد التفاتهم إلى الحق، بأنّ سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يعبد ما يعبدون، مهما كانت المدة، فذلكم ولاء وبراء، ليس بيده أن يتنازل، وليس من حقه أن يتعاطى في تلك القضية المفصلية، ثم تعيد الآية لأجل الترسيخ في القلوب والأذهان، بأنهم لا يريدون أن يعبدوا ما يعبد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تحمل الآية الأخيرة من السورة تهديدًا ضمنيًّا لهم، مع سماحة عظيمة عبر الإمهال؛ لأجل أن يتوبوا، فيقول الحق تبارك وتعالى: لكم شرككم الكفري، ولي توحيدي الإسلامي، وبالتالي فإن الكل سيقف بين يدي الله تعالى، فليحرص على حجته، وكيف سيرد على خالقه جل جلاله58.
ثانيًا: البر والقسط:
عالج القرآن الكريم جوانب عظيمة، تدلل على عظيم الأخلاق التي دعا إليها الدين، ومن بين هذه الأخلاق التي عالجها البر والقسط.
فقد قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النساء: ١٣٥].
وقد خصّ القرآن الكريم الأمر بالقسط مع المخالفين للدين، وذلك كما ورد في سورة الممتحنة الأمر الربانيّ بالبر والقسط لأهل الكفر، فقد قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الممتحنة: ٨، -٩].
فقد ذكرت الآيتان أن الله تعالى لا يحضنا على قتل المسالمين من الكفار من أهل مكة وغيرها، الذين لم يخرجونا من ديارنا، ونحن مطالبون تجاههم أن نبرّهم ونقسط إليهم، فعلينا أن نفرق بين المعتدي والمخرج من الديار، وبين المسالم، فذلك هو القسط الذي أمرنا الله تعالى به، فالمعتدي والظالم وجبت على المسلمين مماثلتهم بعداوتهم، والبار والمقسط وجبت مماثلتهم بالبر والقسط59.
ونلاحظ في هاتين الآيتين أن الآية الأولى ذكرت المسالمين مقترنًا معها البر والقسط، وذكر في الآية الثانية المعتدين مقترنًا معها النهي عن توليهم، رغم أن التولي لهم منهيٌّ عنه مع المسالمين أيضًا؛ لأن البطش والظلم الذي قد يقع من المعتدي؛ يجعل إمكانية التولي لهم عند مرضى القلوب واردة.
وإن كلتا الآيتين تبينان عظيم سماحة الإسلام العظيم، سيما مع المخالفين لدين الإسلام؛ مما يعزز في قلوبنا جميعًا وجوب الافتخار بهذا الدين.
الفرق بين السماحة والولاء مع المخالفين للدين:
أهل الحق عمومًا قائمون على تبليغ رسالة الإسلام، وتعليمه للناس كافة، وتطبيقه في شتى مجالات الحياة، وليس معنى هذا أن يستكين المؤمن إلى أولئك المرجفين أو الأفّاكين، أو أن يداهنهم، فإن السماحة تعني: الصبر على الأذى مع علم أهل الحق أن الله تعالى على نصرهم لقدير، وفي حال قوتهم؛ فإن العفو سلاحهم، مع وعيهم بضرورة هيبة الدعوة إلى الله تعالى، وسيركز البحث هنا على بيان الفرق بين السماحة والولاء مع المختلفين في الدين، وذلك فيما يأتي:
وهذه الآيات -كما كثير من النماذج القرآنية المماثلة- توضح لنا الدقة القرآنية في التعبير بما لا ينقص من قدر السماحة، فهي منهج قرآني، لا انفكاك عنه، ومع ذلك فإن الولاء لله تعالى منضبط جدًّا، لا يستطيع أحدٌ أن يتقدم عليه إلا بما يرضي الله تعالى.
سماحة الإسلام في العلاقات الاجتماعية
سبقت الإشارة إلى أن سماحة الإسلام استوفت شتى المناحي، من بينها الاجتماعية، من خلال الحديث عن طبيعة العلاقة مع الوالدين، أو الآداب المرجوة من الأسرة، أو المجتمع، بما يظهر جانب السماحة في الإسلام، وسيدور الكلام هنا حول سماحة الإسلام في هذين الجانبين.
أولًا: سماحة الإسلام مع الأسرة:
وردت سماحة الإسلام في القرآن الكريم مع الأسرة عمومًا، إلا أنها أعطت مساحة بالدرجة الأولى للوالدين، وذلك في السياقات التالية:
فقد ورد ذلك في سورة الإسراء، في قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الإسراء: ٢٣-٢٥].
حيث تبين هذه الآيات الكريمة أروع جوانب السماحة، فقد قضى ربّنا جل جلاله وأمر وألزم وأوجب ألّا يعبد أحدٌ إلا الله تعالى، وقرن الوالدين -قبل الأمر بالإحسان إليهما- ملتصقًا بذات الله تعالى؛ لأن الله تعالى هو الذي أوجد الإنسان، وهيّأ له السبب في وجوده، وهو الوالدان، وقد خص البر بالكبر أحدهما أو كليهما؛ لأنهما في تلك المرحلة العمرية بأمس الحاجة إلى المساعدة؛ وبالتالي فإن التشديد في هذه الآية في التقدير والتكريم للوالدين دالٌّ على عظيم السماحة، مع أولى الخلق بالرعاية والبر والإحسان.
إذ إنه لا يحق لأحد أن يتلفظ بأصغر ألفاظ التضجر، وهي أفٍّ، وما فوقها أولى بالنهي، وبالتالي فإنه ينبغي القول الكريم الطيب، وأن يتذلل وينكسر لهما، ويخفض الجناح، كناية عن الذل والخنوع، وأن يترحّم عليهما، كما ربياه حال كونه صغيرًا.
ثم ذكر أن الربّ جل جلاله هو الأعلم بما في النفوس، من اعتقاد الرحمة بهما، والحنان عليهما، أو من غير ذلك من العقوق، فإن يكن هؤلاء الأولاد صادقين في نية البر للوالدين، فإن الله تعالى كان غفورًا للزلات، التي قد تصدر من الأولاد شرط الصلاح والتوبة62.
ولفظة (قضى) بمعنى أمر، وبمعنى وصّى، كما ورد في القراءات التفسيرية لابن عباس، وابن مسعود، وأبي بن كعب رضي الله عنهم أجمعين، وكما ورد في آيات أخرى، مثل قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [لقمان: ١٤].
وقوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [العنكبوت: ٨].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [الأحقاف: ١٥]63.
وتظهر روعة السماحة، في أهمية حفظ الفضل لمن كانا سبب وجود الإنسان، وهما الوالدان، اللذان أوضح القرآن الكريم كل جوانب البر لهما في كتابه، كما بينت هذه الآية والآيات الأخرى، التي ذكرنا شطرها في اللطيفة السابقة.
قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة: ٨٣].
حيث تبين هذه الآية الكريمة أن البند الثاني من الميثاق هو الإحسان إلى الوالدين إحسانًا، وذلك بعد توحيد الله تعالى في ألوهيته، ومن الجميل في هذه الآية أن إعراب (إحسانًا) في هذه الآية أنها منصوبة على المصدرية، فهي مفعول مطلق للفعل المحذوف المقدّر بـ (تحسنوا)، المعطوف على الجملة (لا تعبدون إلا الله)، المضمر (أن) فيها، فيكون التقدير في الآية: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بألّا تعبدوا إلا الله، وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانًا).
وفي سياق الآية حذف؛ لحكمٍ يعلمها الله تعالى، وقد جاء في بيان سبب ذكر الله تعالى، بعدها مباشرة، بأن الله تعالى هو الذي هيّأ الأسباب، وهي الوالدان64.
جاء الأمر بالإحسان إلى الوالدين، كما في قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الأنعام: ١٥١].
حيث جاء ذكر المحرمات التي حرّمها الله تعالى بصيغة النهي، في كل الجوانب المحرّمة المذكورة، إلا الوالدين، فإنها جاءت بالأمر بالإحسان إليهما، إذ لا يكفي أن يخبر به كعقوق محرّمة، بل ينبغي أن يبين حقهما بالكامل، عبر الإحسان إليهما، وليس مجرّد الأداء65.
وأما باقي أفراد الأسرة، فقد ذكر القرآن الكريم الأمر بإعطائهم حقوقهم، ومن ذلك:
قوله تعالى في حق وأد البنات: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [التكوير: ٨-٩].
حيث تذكر هاتان الآيتان الكريمتان خطر الوأد للبنات؛ فالموقف خاص بيوم القيامة، وبالتالي فإن التحذير من الوأد يأتي ببيان العاقبة الأخرويّة، ومن ثمّ يغلب على طابع السياق مخاطبة للضمير الإنساني.
وقد ذكر هذا التحذير في أكثر من موضع من القرآن الكريم، في سياقات متعددة، منها، قوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأنعام: ١٥١].
ولا تقتلوا أولادكم، سيما البنات بسبب الفقر؛ فإن الله تعالى تكفّل للآباء بالرزق في الكبر حالة الشيخوخة، وبالتالي للأولاد حالة الشباب؛ إذ إنه تكون البنت -بعد فضل الله تعالى سببًا لرزق الآباء66، كما جاء في سورة الإسراء بيان الكفالة الثانية للأولاد حالة الطفولة، إذ يكون الآباء شبابًا، وذلك في قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الإسراء: ٣١].
فالنهي عن قتل الأولاد خشية الفاقة والفقر؛ فإن قتلهم كان إثمًا عظيمًا67.
وجاء في حق الأقارب عمومًا، برفع الحرج عن إبداء زينة المرأة عند بعضهم: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور: ٣١].
فإن هذه الآية تبين جوانب من السماحة في العلاقة بين الأرحام؛ لأجل ألّا تشيع الرذيلة، وبالتالي إذا أمنت -عبر المحارم، وضمن الضوابط التي ذكرتها الآية وشرحتها السنة-؛ فعندها ما جعل الله علينا في الدين من حرج، فإن هذه الآية الكريمة عالجت الأمراض القلبية، والفعلية، وكافة أشكال المتاعب التي تنجم عن تلك المحظورات، بما يعزز السماحة في شتى مناحيها68.
ويمكن الوصول في خاتمة هذه الجزئية إلى نتيجة، وهي: أن القرآن الكريم عالج جانب السماحة مع الأسرة في شتى الجوانب، وترك للسنة النبوية شرح ما أجمل ذكره، ولأن دراستنا هذه تفسيرية قرآنية؛ فإننا اكتفينا بذكر ما أوضح القرآن ذكره، ومقاصده العامة، مع اليقين التام بأنه لم يخل جو السماحة في الأسرة، حتى في القسوة الظاهرة، فهي لأجل الرحمة.
ثانيًا: سماحة الإسلام مع المجتمع:
بيّن الله تعالى في كتابه أن المؤمنين الذين يحبّهم ويحبونه، من أخص خصوصياتهم أنهم أذلة على المؤمنين؛ لكنهم في نفس الوقت أعزة على الكافرين.
وذلك في قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [المائدة: ٥٤].
إن الله تعالى أنبأ في هذه الآية الكريمة عن قصة أبي بكر الصديق البطولية في حرب أهل الردة، فإن هذه الآية تفترض أنه إن ارتدّ أحدٌ عن الإسلام، -كالذين فرّقوا من المرتدين بين الصلاة والزكاة-؛ فإن الله تعالى سوف يأتي بقوم، أمثال أبي بكر الصديق، ومن تبعه بعد عزمه الأكيد، هؤلاء القوم يتمتعون بصفات، منها: أنهم أصفياء الصدور، ملتصقون بالله تعالى في شتى مناحي حياتهم.
وبالتالي فإن الله تعالى يحبهم، وتحصيل حاصل فإنهم يحبون الله عز وجل، وهم مع ذلك ليّنوا الجانب، في أقوالهم وهيئاتهم مع المؤمنين، وبالتالي يحافظون على سلامة المجتمع من التفكك، وتحصين الجبهة الداخلية للمؤمنين، وهم يتعالون عن الهفوات، التي قد تصدر من البعض.
وفي مقابل ذلك، فهم أشداء في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم على الكفار، فلا مداهنة ولا مجاملة لأولئك البعداء، ودليل ذلك أنهم يجاهدون في سبيل الله تعالى وحده، ولا يخافون لومة لائم من الناس عمومًا، وكل هذه الشمائل والصفات الخيّرة إنما هي بفضل من الله تعالى وحده، والله واسع عليم69.
وهذه الآية لا تتكلم عن جانبٍ حدث، أو سيحدث في حياته، وإنما تتكلم عن جانبٍ سيحدث بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فإن هذه الآية مدحٌ ضمنيٌّ لسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومن ثم الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
وجاء في لفظة (يرتدّ) قراءتان، هما (يرتدد) حيث قرأ بها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي، و(يرتدّ) التي ذكرناها، حيث قرأ بها نافع وابن عامر وأبو جعفر70.
وكلتاهما لغتان؛ حيث إنه من شدّد الدال وأدغمها؛ قرأ بها على لغة من لغات العرب، وكذلك من خفف الدال، ولم يدغمها، وحرّك الدّالين71.
ويلاحظ أن هذه الآية فسّرت الرحمة المذكورة في آية الفتح بأنها الذلة، ففي قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الفتح: ٢٩].
دليلٌ عمليٌّ على ضرورة أن يغلب على المجتمع المؤمن الرحمة فيما بينهم، والتي تعني الذلة، بأن يعفو بعضهم عن زلات بعض، فهم فيما بينهم أولياء لبعضهم بعضًا.
وفي ذلك يقول تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ٧١].
وإن الرجولة الحقيقية كما تذكر الآية ليست في العزة على المؤمنين، بل في الذلة لهم، ومن ثمّ الشدة على الكفار، وعدم الخوف من لوم الناس لهم في جهادهم ضد الباطل، وبهذا تتجسّد السماحة بحقيقتها في المجتمع المسلم؛ إذ إن المؤمن يجتهد في أن تكون دعوته إلى ربه تعالى مشتملة على شتى معاني الحب والحنان والاحترام لكل أبناء المجتمع الإسلامي.
ويقول تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الحجرات: ١١-١٣].
فالقرآن الكريم منع الاستهزاء من المؤمنين لبعضهم بعضًا، ولا التنابز بالألقاب؛ فقد يكون ذلك موصلًا إلى الفسوق، ومنع كذلك الظن السوء بالمجتمع المسلم، مع ما يجره من تجسس، وغيبة.
وبالتالي فإن هذا كله يودي بحياة مجتمع الفضيلة، ولذلك فإن القرآن يستدرك ببيان أن معيار الأكرم هو الأتقى، وبالتالي لابدّ من التوحد بين أوساط المجتمع، فإن تقسيم المجتمع إلى شعوب وقبائل، لا يجمعه إلا الإيمان.
وعلى ذلك فإن جانب السماحة لا بد أن يسود هذا المجتمع؛ حتى يسود النظام الإسلامي الذي يستوفي شتى متطلباته عن طيب نفس من الجميع72، وهذا هو تحكيم الشريعة على حقيقتها.
لقد سطّر الإسلام أروع معاني إحسان الظن، والعفو عمّن أساء الظن، وليس أدلّ على ذلك من حادثة الإفك، وبالتالي فإن الله تعالى خلّد ذكر هذه القصة بتفصيلاتها في سورة النور، ومنها قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النور: ١٢].
أولًا: مقابلة الإساءة بالإحسان:
المجتمع المسلم متسامح فيما بينه بطبعه، ومن علامات السماحة، أنه يقابل الإساءة بالإحسان، وسيمثل هذا المطلب إن شاء الله نموذجًا قرآنيًّا يوضح معالم الإحسان في مقابل الإساءة، وذلك في قوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأعراف: ١٩٩].
حيث تبين هذه الآية أنه في سياق بناء المجتمع الإسلامي على أروع معاني إرساء الفضيلة، تبين هذه الآية الكريمة خلقًا عظيمًا، وهو العفو، فكما بينت الآية السابقة أن الكفار إن يدعوا من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يسمعوا، وهم ينظرون إليه صلى الله عليه وسلم، ولكنهم لا يبصرون الحق، وبالتالي عدم الالتزام في القلب، ولا في القول، ولا في العمل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته.
وتأتي هذه الآية الكريمة لتأمر النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم، على وجه الإلزام والإيجاب بالعفو، الذي هو من ألفاظ الأضداد، فهو محو سيئاتهم من ذاكرته صلى الله عليه وسلم، وفتح صفحة جديدة، وهو أيضًا العفو الذي هو بمعنى الفضل والزيادة، فالمقصود إذًا في هذه الآية الكريمة أن يأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم الخير من حياة الناس في أخلاقهم وأعمالهم، في كافة أوساط المجتمع المسلم، وذلك بعد التصفية والتنقية، عليك أن تأمر بالمعروف كله، وحتى لا تتأثر نفسية الداعية سلبًا تجاه أهل السوء يجب الإعراض عن الجهلة، الذين يفسدون المجالس بسوء نية أو بسوء عملٍ، أو بكليهما73.
ثانيًا: السماحة في الحقوق:
إن السماحة ما تركت مجالًا من المجالات إلا كانت الركن الأساس في روحه وجوهره، ومن ذلك الحقوق، وفيما يأتي ذكرٌ للسماحة في بعض الفروع الحقوقية:
١. القصاص.
من سماحة الإسلام أنه جعل القصاص حقًّا لمن وقع عليه الظلم بما يوجب حدًّا؛ لكنه ذكر ضابط القصاص، وهو ما يعني المماثلة في العقاب دون إسراف، كما في قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الإسراء: ٣٣].
فقد بينت الآية أنه لا يجوز قتل النفس عمومًا، فكلها حرّم الله قتلها إلا بحقها، وحق النفس في قتلها لا يكون إلا بإحدى ثلاث.
وهو ما ذكر في الحديث المتفق عليه، عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (لا يحلّ دم امرئٍ مسلمٍ، يشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّي رسول اللّه، إلّا بإحدى ثلاثٍ: النّفس بالنّفس، والثّيّب الزّاني، والمارق من الدّين التّارك للجماعة)74.
وتبين الآية أيضًا أن الذي يقتل عمدًا من غير هذه المسوغات الثلاثة، فقد جعل الله تعالى له وليًّا، وهو ورثته مهما تعددت، وبالتالي يكون القاضي هو السلطان، يخير الأولياء بين القصاص من القاتل نفسه دون إسراف إلى غيره، أو الدية، وتسمى الدية في هذه الحالة عفوًا؛ لأنها محوٌ لحكم القتل الذي هو قصاص75.
ويدل على ذلك قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة: ١٧٨].
فالعفو هنا ترك الدم، وبقاء الدية76، فالأمر حينها لأهل القاتل العمد بالأداء الحسن لهذه الدية، واتباع المعروف، أي: المطالبة بالدية من أهل المقتول77.
٢. الدعاوي والقضاء.
قصة بني أبيرق، التي تدلل على عظيم سماحة الإسلام، وبقيت الآيات الاثنتا عشرة شاهدًا حيًّا على تلك السماحة، في أروع قسطٍ عرفه التاريخ.
وذلك في قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء: ١٠٥-١١٦].
عن قتادة بن النّعمان رضي الله عنه، أن بني أبيرقٍ بشرًا وبشيرًا ومبشّرًا، وكان أحدهم منافقًا يهجو بشعره أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثمّ ينحله بعض العرب، ثمّ يقول: قال فلانٌ كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذلك الشّعر قالوا: واللّه ما يقول هذا الشّعر إلّا هذا الخبيث، أو كما قال الرّجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيت حاجةٍ وفاقةٍ، في الجاهليّة والإسلام، وقد ابتاع رفاعة بن زيدٍ بضاعةً، فلمّا أصبح أتى رفاعة إلى قتادة بن النعمان، فقال: يا ابن أخي إنّه قد اعتدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسّسنا في الدّار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرقٍ استوقدوا في هذه اللّيلة، ولا نرى فيما نرى إلّا على بعض طعامكم.
قال: وكان بنو أبيرقٍ قالوا ونحن نسأل في الدّار: واللّه ما نرى صاحبكم إلّا لبيد بن سهلٍ، رجلٌ منّا له صلاحٌ وإسلامٌ، فلمّا سمع لبيدٌ اخترط سيفه وقال: أنا أسرق؟
فواللّه ليخالطنّكم هذا السّيف أو لتبيّننّ هذه السّرقة، قالوا: إليك عنها أيّها الرّجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدّار حتّى لم نشكّ أنّهم أصحابها، فقال لي عمّي: يا ابن أخي لو أتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له.
قال قتادة: فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلت: إنّ أهل بيتٍ منّا أهل جفاءٍ، عمدوا إلى عمّي رفاعة بن زيدٍ فنقبوا مشربةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردّوا علينا سلاحنا، فأمّا الطّعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (سآمر في ذلك).
فلمّا سمع بنو أبيرقٍ أتوا رجلًا منهم يقال له: أسير بن عروة فكلّموه في ذلك، فاجتمع في ذلك ناسٌ من أهل الدّار، فقالوا: يا رسول اللّه إنّ قتادة بن النّعمان وعمّه عمدا إلى أهل بيتٍ منّا أهل إسلامٍ وصلاحٍ، يرمونهم بالسّرقة من غير بيّنةٍ ولا ثبتٍ، قال قتادة: فأتيت الرسول صلى الله عليه وسلم فكلّمته، فقال: (عمدت إلى أهل بيتٍ ذكر منهم إسلامٌ وصلاحٌ ترميهم بالسّرقة على غير ثبتٍ وبيّنةٍ).
قال: فرجعت، ولوددت أنّي خرجت من بعض مالي ولم أكلّم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأتاني عمّي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال: اللّه المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن بهذه الآيات78.
وقد حفل القرآن الكريم بذكر جوانب عديدة من السماحة في الخصومات، بما يعزز جانب الأخلاق الرفيعة التي حظيت بها دعوة الإسلام.
جزاء أهل السماحة في الدنيا والآخرة
باستعراض ما سبق يظهر أن روح السماحة كان في الجو العام للآيات القرآنية، وكان من الطبيعي أن يورث هذا الموضوع ثمرات لمن يلتزمون خط السماحة في دراستهم القرآنية، وفيما يأتي الحديث عن جزاء أهل السماحة في الدنيا والآخرة.
أولًا: الجزاء في الدنيا:
١. السمعة الطيبة، والمناقب الحسنة.
وهو ما يوضحه قوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
فإن مفهوم المخالفة أن السمعة الطيبة والمناقب الحسنة، كانت بسبب سماحة الرسول صلى الله عليه وسلم، في تعامله مع المسلمين، رغم مخالفتهم لاجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم في قضية القتال داخل المدينة، أو خارجها يوم أحد، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم درسًا عمليًّا مؤلمًا بوجوب الالتزام بأمره صلى الله عليه وسلم، وعدم النزول عند آرائهم؛ لأنها النبوة، وما أن تكشّفت نتائج المعركة؛ حتى لان في القول، وأصبح يخفف عنهم، ويؤمر بالعفو عنهم والاستغفار، ومن ثمّ معاودة مشاورتهم؛ لكن إذا عقد العزم على القيام بالمهمة، فليقم بها، وليتوكل على الله تعالى وحده79.
٢. دفع الأذى بجميع مناحيه عن أهل السماحة.
ويوضح ذلك قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الحجر: ٩٤-٩٥].
فإن الصدع بالحق، والالتزام بما أُمر به النبي صلى الله عليه وسلم أكبر دليل على السماحة، فهم قد تجرؤوا في ارتكاب الباطل كثيرًا، والتبجح، ومع ذلك فالأمر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالانضباط العالي بتعاليم الحق، والبشرى له صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى كفاه المستهزئين، فذلك ثمرة من ثمرات السماحة التي تحلى بها خير الخلق، وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم 80.
٣. زيادة الإيمان في القلب.
فإن الصحابة رضي الله عنهم في حمراء الأسد حينما قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم، وهم كفار قريش، لم يضعف أملهم في الانتقام مما حدث في غزوة أحد، أو يداخلهم الرعب، وإنما لجأوا إلى الله تعالى، واكتفوا بالله تعالى حسيبًا ونصيرًا، فكانت النتيجة أنهم أصيبوا بالنعم الجمة، ولا يمسهم السوء، وأنهم هدوا إلى رضوان الله تعالى81.
كما قال تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [آل عمران: ١٧٣-١٧٤].
الهداية إلى القول الحسن، كما قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الحج: ٢٣-٢٤].
٤. الوقاية من المكر الذي يحيكه الكفار.
كما في قصة مؤمن آل فرعون.
ثانيًا: الجزاء في الآخرة:
وغير ذلك من الفضائل التي تدلل على أن القرآن الكريم بيّن ثمرات أهل السماحة في الآخرة، كما بيّنها في الحياة الدنيا.
موضوعات ذات صلة: |
الرحمة، العفو، اليسر |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٩٩.
2 الصحاح، الجوهري ١/٣٧٦.
3 تهذيب اللغة، الأزهري ٤/٢٠١.
4 انظر: التعريفات، الجرجاني ص١٢١.
5 اليسر والسماحة في الإسلام ص٧.
6 انظر: الصحاح، الجوهري ٢/٤٢٢، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ٤٩٩.
7 تاج العروس، الزبيدي ٦/ ٤٨٤.
8 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٥٦، جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/٩٣٨.
9 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٣٩.
10 انظر: الكليات، الكفوي ص ٥٣، ٥٩٨.
11 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٦/٥٣٩.
12 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٤٥٧.
13 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/١١٣.
14 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٢٣.
15 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٠.
16 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٢٦١.
17 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/٩٧، فتح القدير، الشوكاني ١/٣١٥.
18 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٨٢.
19 انظر: أسباب النزول، الواحدي ص٨٣.
20 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١١/٢٥٨.
21 ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن هذا الحديث مرسل، ورجاله ثقات.
انظر: فتح الباري، ابن حجر ١٢/٣١٢.
وورد موصولًا في المستدرك للحاكم عن محمد بن عمار عن أبيه رقم ٣٣٦٢ قال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم.
22 أسباب النزول، الواحدي ص٢٨١.
23 الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١١/٧٠٠١.
24 انظر: التفسير الحديث، محمد عزت دروزة ٩/٣٥٨.
25 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في السرية ترد على أهل العسكر، ٣/٨٠، رقم ٢٧٥١، وابن ماجه في سننه، كتاب الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم، ٢/٨٩٥، رقم ٢٦٨٣.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٣٧، رقم ٦٧١٢.
26 انظر: التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص١٨٨.
27 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/١٣٤، الموسوعة القرآنية، إبراهيم الأبياري ٩/٢٠٤.
28 انظر: الاتقان، السيوطي ١/١١٠.
29 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٨/٤٢١٢.
30 انظر: تفسير الشعراوي ٢/٩٣٨.
31 انظر: المصدر السابق ٤/٢٢٥٧.
32 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٢٣.
33 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٢٢.
34 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/٥٨٤، تفسير السمرقندي ٢/١٠٠، تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٦/١٩١٧.
35 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٣٥٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٣٧.
36 انظر: أسباب النزول، الواحدي ص٢٩٧، لباب النقول، السيوطي ص١٣٠.
37 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٢٦٣.
38 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٣٠٥.
39 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٥٧.
40 انظر: الموسوعة القرآنية، إبراهيم الأبياري ١٠/١٤٧.
41 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٣٣٩.
42 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك)، ٦/٦٢، رقم ٤٦٤٨، ومسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب قوله: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)، ٤/٢١٥٤، رقم ٢٧٩٦.
وانظر: المحرر في أسباب نزول القرآن، خالد المزيني ١/٥٦٣.
43 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ١/٣٣٠.
44 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/٤٠٤، تفسير القرآن، السمعاني ٣/٣٣١.
45 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٢٩٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢٣٢.
46 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٥٠٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/١٧، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١٦٤.
47 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٤١.
48 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٣٦.
49 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٥٩، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٢٣١.
50 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٦٢، مدارك التنزيل، النسفي ٣/٢١٤.
51 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٦٨٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٤٥.
52 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، ١/٨٨، رقم ٣٩٩.
53 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/١٠٤، تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ١/١٨٣.
54 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٢/١٩٠.
55 انظر: تفسير القرآن، العز بن عبد السلام ٢/٢٠٨، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٥٩٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٠١، لباب التأويل، الخازن ٣/١٠٧.
56 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٧٨، لباب التأويل، الخازن ٢/٣٢.
57 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٤٩٩.
58 انظر: الصحيح المسبور، حكمت بن بشير بن ياسين ٤/٦٧٦، أوضح التفاسير، محمد الخطيب ص٧٦٤.
59 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٣٢٢، لطائف الإشارات، القشيري ٣/٥٧٢.
60 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ١/٢٩٥، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، الواحدي ١/٢١٧.
61 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٤٥.
62 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/١٣٧.
63 انظر: المصدر السابق.
64 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٢٩٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/١٣.
65 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٩١، مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/١٧٧.
66 انظر: الدر المصون، السمين الحلبي ٥/٢١٨.
67 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٥/٢٧٨.
68 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٢/٦٠٧.
69 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٢/٤٧، تفسير الراغب ٤/٣٧٩، الكشاف، الزمخشري ١/٦٤٣.
70 انظر: السبعة في القراءات، ابن مجاهد ص٢٤٥، المبسوط في القراءات العشر، ابن مهران الأصبهاني ص١٨٦.
71 انظر: معاني القراءات، الأزهري ١/٣٣٤، الحجة في القراءات السبع، ابن خالويه ص١٣٢، الحجة للقراء السبعة، أبو علي الفارسي ٣/٢٣٢.
72 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٢٩٧، تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٤/٢٦٣.
73 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٢/١٦٢، تفسير السمرقندي ١/٥٧٦.
74 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: (أن النفس بالنفس)، ٩/٥، رقم ٦٨٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب ما يباح به دم المسلم، ٣/١٣٠٢، رقم ١٦٧٦.
75 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٤٤٠، أحكام القرآن، الكيا الهراسي ٤/٢٥٩.
76 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٢٤٨.
77 انظر: المصدر السابق.
78 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة النساء، ٥/٢٤٤، رقم ٣٠٣٦.
وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي ٣/٢٢٦.
79 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٣٤٠، الكشف والبيان، الثعلبي ٣/١٩٠.
80 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٢/٣٩٢.
81 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٣/٨١٧.