عناصر الموضوع
العفة
أولًا: المعنى اللغوي:
عف عن الشيء يعف عِفَّةً وعَفَافًا: كف عمَّا لا يحل ولا يجمل ولا ينبغي من قول أو فعل، والعفيف من لا يقذف بريبة، والتعفف والاستعفاف هو تكلف العفة وطلبها 1، وامرأة عفيفة أي: عفة الفرج2، وتتعدى بالألف فيقال: أعففته عن كذا، أي: كففته3.
فالعفة في اللغة تدور حول الكف والامتناع عن القبائح القولية والفعلية.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
المعنى الاصطلاحي لا يبعد عن المعنى اللغوي، فقد عرفها بعض العلماء بأنها: «هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور الذي هو إفراط هذه القوة والخمود الذي هو تفريطها، فالعفيف من يباشر الأمور على وفق الشرع والمروءة»4.
وعرفها آخرون بأنها: «حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة، والمتعفف هو المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر»5.
وعرفها الكفوي بأنها: «الكف عما لا يحل»6.
وعرفت العفة أيضًا أنها الصبر والنزاهة عن الشهوات7.
فالعفة إذًا: حاجز داخلي يمنع الإنسان من تغليب الشهوة، ويبعده عن عمل القبيح عرفًا وشرعًا، ويدفعه إلى الصبر والنزاهة عن الشهوات الدنيوية والحاجات الإنسانية.
وردت مادة (عفف) في القرآن الكريم (٤) مرات8.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٣ |
(ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النور:٣٣] |
المصدر |
١ |
(ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [البقرة:٢٧٣] |
وجاءت العفة في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، وهو: حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة9، وترك الشيء10، كما في قوله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [النساء: ٦]، أي: فليستعفف عنه، ولا يأكل منه شيئًا11.
وقال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [النور: ٦٠]، أي: وترك وضعهن لثيابهن -وإن كان جائزًا- خير وأفضل لهن12.
السؤال:
السؤال لغةً:
ومعناه لغة ما يطلبه الإنسان، وسأله سؤله أي: قضى حاجته 13.
السؤال اصطلاحًا:
استدعاء معرفة أو ما يؤدي إلى معرفة، واستدعاء مال أو ما يؤدي إلى مال14.
الصلة بين السؤال والعفة:
ورد السؤال في القرآن الكريم بمعنى مضاد للعفة، فالمتعفف يمتنع عن طلب المال وأخذه من الآخرين بخلاف السائل الذي يسأل المعونة بإظهاره حاجته إليها15.
الفاحشة:
الفاحشة لغةً:
«القبيح من القول والفعل»16.
الفاحشة اصطلاحًا:
هي ما توجب الحد في الدنيا والعذاب في العقبى، وتطلق على فعل الزنا17.
الصلة بين الفاحشة والعفة:
العفة ضد الفاحشة، فهي الكف عن القبيح، أما الفاحشة فهي ممارسة القبح.
الإحصان:
الإحصان لغةً:
هو الإحكام بحيث لا يوصل إلى ما في جوفه18، و«أحصنت المرأة عفت»19.
الإحصان اصطلاحًا:
هو «العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام»20، ويطلق على الوطء الصحيح.
الصلة بين الإحصان والعفة:
التقارب بين مصطلحي العفة والإحصان بين؛ ففي كليهما بعدٌ عما يحرم، واكتفاءٌ بما يحل، وقطعٌ للشهوة المؤدية إلى الحرام.
العفة سببٌ للسعادة في الدارين، وارتكاب الفواحش سبب للشقاء في الدارين، ولهذا لم يفترض الله على الأمة إلا ما يصلحها، ولم يمنعها إلا مما يفسدها، فأحل الحلال وحرم الحرام، وكل ذلك من أجل سعادة البشرية.
وقد تحدث القرآن الكريم عن أنواع من العفة نوجزها في النقاط الآتية:
أولًا: العفة عن المحرمات:
قال الماوردي: «العفة نوعان21:
أحدهما: العفة عن المحارم، وتعني: الكف عن محارم المسلمين، من الدم والمال والعرض، وهي نوعان:
أحدهما: ضبط الفرج عن الحرام، كالزنا واللواط.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [النور: ٣٣].
«أي: أن يبتعد الإنسان عما حرم عليه من الزنا ووسائله وذرائعه؛ لأن الله عز وجل يقول: (ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الإسراء: ٣٢].
ولذا فقد أمر الله في كتابه الكريم بحفظ الفرج حيث قال: (ﮃ ﮄ) [النور: ٣٠].
قال الماوردي: «فيها قولان: أحدهما: أنه يعني بحفظ الفرج عفافه، والعفاف يكون عن الحرام دون المباح»22.
والثاني: كف اللسان عن الأعراض، كالقذف والنميمة والغيبة والكذب والاستهزاء ونحو ذلك.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [النور: ٤].
أي: يقذفون العفائف المسلمات بأن يرموهن بالزنا كيدًا وظلمًا23.
قال الطبري: «أي: والذين يشتمون العفائف من حرائر المسلمين فيرمونهن بالزنا ثم لم يأتوا على ما رموهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهن أنهن رأوهن يفعلن ذلك فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا، وأولئك هم الذين خالفوا أمر الله وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها»24.
و الداعي إلى ذلك شيئان:
أحدهما: إرسال الطرف، فقد نهى الله عن ذلك، كما في قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النور: ٣٠].
يعني: «يحفظوا أبصارهم عما لا يحل لهم النظر إليه 25؛ لأن النظر بالبصر يحمله على الزنا في الفرج؛ ومنه يكون بدء الفجور26.
والثاني: اتباع الشهوات والانكباب عليها.
قال عز وجل: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [مريم: ٥٩].
قال ابن تيمية: «إن المتبعين لشهواتهم من الصور والطعام والشراب واللباس يستولي على قلب أحدهم ما يشتهيه حتى يقهره ويملكه ويبقى أسيرًا، ما يهواه يصرفه»27.
ثانيًا: العفة عن المآثم.
وتنقسم إلى نوعين28:
الأول: الكف عن المجاهرة بالظلم، وهذا يعني أن تظلم جهارًا.
قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [فاطر: ٤٣].
في هذه الآية إخبار منه تعالى بحقيقة يجهلها الناس، وهي أن عاقبة المكر السيئ تعود على الماكرين بأسوأ العقاب وأشد العذاب29.
والثاني: زجر النفس عن الإسرار بخيانة.
وردت الخيانة في القرآن الكريم بعدة معانٍ، منها30:
قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [البقرة: ١٨٧].
مما قيل في تفسير هذه الآية أن كل واحد منهم يريد خيانة نفسه، سواء كان ذلك في جماع النساء أو في المأكل والمشرب في الوقت الذي كان ذلك حرامًا عليهم، وسمي خائنا؛ لأن الضرر عائد عليه 31.
ومما سبق نستطيع تقسيم العفة عن المحرمات بحسب جوارح المسلم:
١. عفة الجوارح.
المسلم يعف يده ورجله وعينه وأذنه وفرجه عن الحرام فلا تغلبه شهواته، وقد أمر الله كل مسلم أن يعف نفسه ويحفظ فرجه حتى يتيسر له الزواج، فقال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النور: ٣٣].
٢. عفة الجسد.
المسلم يستر جسده ويبتعد عن إظهار عوراته، فعلى المسلم أن يستر ما بين سرته إلى ركبتيه، وعلى المسلمة أن تلتزم بالحجاب؛ لأن شيمتها العفة والوقار.
وقد قال الله تبارك وتعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النور: ٣١].
وقال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الأحزاب: ٥٩].
٣. عفة البصر.
فقد حرم الإسلام النظر إلى المرأة الأجنبية، وأمر الله المسلمين أن يغضوا أبصارهم، فقال: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [النور: ٣٠].
وقال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [النور: ٣١].
٤. عفة اللسان.
المسلم يعف لسانه عن السب والشتم، فلا يقول إلا طيبًا، ولا يتكلم إلا بخير، والله تعالى يصف المسلمين بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الحج: ٢٤].
ويقول عز وجل عن نوع الكلام الذي يقبله: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [فاطر: ١٠].
ويأمرنا الله سبحانه أن نقول الخير دائمًا، فيقول تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ) [البقرة: ٨٣].
٥. عفة الفرج.
ومنه الثناء على عفاف الصديقة مريم عليها السلام، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأنبياء: ٩١].
٦. عفة المأكل والمشرب.
المسلم يعف نفسه ويمتنع عن وضع اللقمة الحرام في جوفه، لأن من وضع لقمة حرامًا في فمه لا يتقبل الله منه عبادة أربعين يومًا، وكل لحم نبت من حرام فالنار أولى به، يقول تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [البقرة: ١٧٢].
ثانيًا: العفة عن المباحات:
عرض القرآن الكريم إلى صور من العفة عن المباحات، منها:
١. التعفف عن سؤال الناس.
المسلم يعف نفسه عن سؤال الناس إذا احتاج، فلا يتسول، ولا يطلب المال بدون عمل، وقد مدح الله أناسًا من الفقراء لا يسألون الناس لكثرة عفتهم، في قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة: ٢٧٣].
ولهذا فقد حرم الشرع السؤال على من يملك ما يغنيه من مالٍ أو قدرةٍ على التكسب، سواءٌ كان ما يسأله زكاةً أو تطوعًا أو كفارةً، ولا يحل له أخذ ذلك إن أعطي بالسؤال أو إظهار الفاقة، فلو أظهر الفاقة وظنه الدافع متصفًا بها لم يملك ما أخذه، لأنه قبضه من غير رضا صاحبه، إذ لم يسمح له إلا على ظن الفاقة. بينما من كان محتاجًا إلى الصدقة وممن يستحقونها لفقرٍ أو عجزٍ عن الكسب يجوز له السؤال بقدر الحاجة، وبشرط أن لا يذل نفسه، وأن لا يؤذي المسؤول، فإن أذل نفسه أو آذى المسؤول بإلحاحٍ أو إحراجٍ لم تجز له المسألة وأخذ الصدقة وإن كان محتاجًا إليها، وحرم أخذها، ووجب ردها، إلا إذا كان مضطرًا بحيث يخشى الهلاك إن لم يأخذ الصدقة.
لكن من خاف هلاكًا وكان عاجزًا عن التكسب وجب عليه السؤال، فإن ترك السؤال في هذه الحالة أثم لأنه ألقى بنفسه إلى التهلكة، والسؤال في هذه الحالة في مقام التكسب؛ لأنها الوسيلة المتعينة لإبقاء النفس، ولا ذل فيها للضرورة، والضرورة تبيح المحظورات كأكل الميتة.
٢. التعفف عن مال اليتيم.
إذا كان يرعى اليتيم ويقوم على شؤونه فإن كان غنيا فلا يأخذ منه شيئًا، بل ينميه ويحسن إليه طلبًا لمرضاة الله عز وجل، قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [النساء: ٦].
٣. عفة القواعد من النساء.
بأن تحافظ على حجابها فذلك خيرٌ لها.
قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [النور: ٦٠].
جاء في الآية الندب إلى الاستعفاف بالنسبة للقواعد من النساء وهن اللاتي قعدن عن المحيض وعن الولد بسبب كبر السن والعجز؛ ولأنهن صرن بذلك غير مرغوبات للزواج، أذن لهن بوضع ما تؤمر به المرأة عادة من اللباس الساتر لعورتها، من دون مبالغة في التبرج وإظهار الزينة، وجاء التعقيب بعد هذا الجواز بالترغيب في الاستعفاف، أي: طلب العفة بالتخلي عن هذه الرخصة، وذلك لما في الاستعفاف من خير.
وهذه الآية الكريمة تندرج في سياق آيات أخر حددت شروط اللباس الشرعي للمرأة والقوانين التي تحكم زينتها الظاهرة والباطنة، وبعد بيان طبيعة هذه الزينة وما ينبغي أن يظهر منها ولمن يمكن إظهارها له جاءت هذه الآية بالترخيص للمرأة في وضع خاص وهو كبر السن بالتخفيف عليها في التحفظ في اللباس، مع التنبيه على أن الاستعفاف خير لها، حيث يفهم من هذا التعقيب في ختام الآية أن الاستعفاف هنا نظير الستر الكامل الذي يحسن بالمرأة التجمل به في كل مراحل عمرها32.
يتميز القرآن بجماله البياني الذي لا يمكن قياسه على غيره، فالقرآن له لغته الخاصة، البينة بنفسها، المكتملة بدون نقصان، والوافية التي لا تحتاج إلى إتمام.
وقد حث القرآن الكريم على العفة بأساليب متنوعة، منها:
أولًا: أسلوب الطلب:
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النور: ٣٣].
(ﭥ) أي: ليجتهد في العفة وصون النفس، وهو استفعل بمعنى طلب العفة من نفسه وحملها عليها.
فالمأمور بالاستعفاف هو من عُدِمَ المال الذي يتزوج به ويقوم بمصالح الزوجية.
والظاهر أنه أمر ندبٍ لقوله قبل: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [النور: ٣٢]33، ولهذا جاء التعبير عنه بقوله تعالى: (ﭥ)، ولو كان للإلزام والوجوب لكان النظم هكذا: (وليعف)؛ لأن في الاستعفاف تردد ومعاودة للفعل بعد الترك، والترك بعد الفعل، وهكذا34.
قال الطاهر بن عاشور: «أمر كل من تعلق به الأمر بالإنكاح بأن يلازموا العفاف في مدة انتظارهم تيسير النكاح لهم بأنفسهم أو بإذن أوليائهم ومواليهم، والسين والتاء للمبالغة في الفعل، أي: وليعف الذين لا يجدون نكاحًا.
ووجه دلالته على المبالغة أنه في الأصل استعارة. وجعل طلب الفعل بمنزلة طلب السعي فيه؛ ليدل على بذل الوسع»35 .
والسين والتاء إذا دخلتا الفعل فهما للطلب، أي: ليطلب العفة، فهؤلاء الفقراء إن أصروا على عدم الزواج للفقر فليكونوا عفيفين عن النظر والسمع والزنا والفرج فيما لا يحل لهم، عسى الله أن يغنيهم ويكفيهم، فإن الله قد تعهد بذلك من قبل.
وهذه الآية في حق الأحرار36، حيث أمر الله الذين لا يجدون ما يتزوجون به أن يجتهدوا في العفة عن إتيان ما حرم الله عليهم من الفواحش إلى أن يغنيهم الله من سعته، ويرزقهم ما به يتزوجون.
وفي ذلك عدة كريمة بالتفضل عليهم بالغنى تأميلًا لهم وتطمينًا لقلوبهم37.
وأمر الله بالعفة يقتضي تحميل الفرد المسؤولية عن نفسه في عفته وصيانته لعرضه، فلا يتذرع بطرقه أبواب الحرمات بأنه لم يعط ما يعينه على النكاح، ولذا فإن «للصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى38.
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ١٨٣].
قال الرازي: «اعلم أنه سبحانه لما ذكر تزويج الحرائر والإماء، ذكر حال من يعجز عن ذلك فقال: (ﭥ) أي: وليجتهد في العفة، كأن المستعفف طالب من نفسه العفاف وحاملها عليه»39.
والاستعفاف: هو طلب العفاف والاجتهاد في العفة وصون النفس، كأنه قال: يطلب الأسباب التي تمنعه عن الزنا وتجعله عفيفًا حتى يغنيه الله من فضله، وأسباب العفة تكون في أشياء:
أحدها: ما روي عنه صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)40.
فيطلب أسباب العفة إن لم يكن عنده ما ينكح حتى لا يقع في الزنا إلى أن يغنيه الله.
وجائز أن يكون قوله: (ﭥ) أي: ليتعفف الذين لا يجدون نكاحًا ما ينكحون به النساء عن إتيان ما حرم الله عليهم من الفواحش، حتى يغنيهم الله من سعة فضله ويوسع عليهم من رزقه41.
ولذا لم يجعل الله عز وجل للذي عجز عن النكاح استباحة الفروج والاستمتاع بها زنا إذا لم يكن عنده ما ينكح، كما جعل في الأموال وغيرها رخصة التناول في ملك غيره عند الحاجة والضرورة ببدل؛ لوجوه:
الأول: أن رخصة التناول في ملك غيره إنما تكون عند الضرورة، والضرورات لا تقع في الفروج، وفي الاستمتاع بها بحال؛ لذلك لم تبح.
والثاني: الاستمتاع بالنساء في الأصل كأنه إنما جعل وأبيح لبقاء النسل والتوالد، لا لحاجة أنفسهم وقضاء الشهوة، فإذا لم يكن عنده ما ينكح ارتفع عنه إبقاء النسل والتوالد.
والثالث: أن السعة والغناء وأنواع النعم هي الداعية إلى الحاجة وقضاء الشهوة، فإذا كان فقيرًا لا يجد ما ينكح زالت عنه الأسباب التي تدعو إلى ذلك؛ لذلك لم يبح، وأما الحاجات والضرورات وما ذكرنا كلها تقع في الأموال، وإنما الحاجة في التناول منها لأنفسهم ولإبقائها؛ لذلك افترقا 42.
والخلاصة أن الله جل جلاله أخبر في هذه الآية الكريمة بأنه لا رخصة لمن لم يجد النكاح في الزنا، وأمر بالتعفف للذي لا امرأة له حينما قال: (ﭥ) وليطلب العفة عن الحرام والزنا الذين لا يجدون ما لا ينكحون به للصداق والنفقة43، كأن المستعفف طالب من نفسه العفاف وحاملها عليه44 حتى يغنيه الله من رزقه45.
قال القشيري: «يغنيهم الله في الحال أولًا بالنفس، ثم غنى القلب، وغنى القلب غنى عن الشيء، فالغنى عن الدنيا أتم من الغنى بالدنيا»46.
ولذا فإن المعاني التي نستخلصها من الآية تؤكد دلالة لفظ الاستعفاف على تجنب الفاحشة بالنسبة لمن لم يجد طولا للنكاح.
ثانيًا: الثناء على المتعففين:
امتدح الله في كتابه الكريم طائفة من المؤمنين هي أولى الناس بالعون والمساعدة، ووصف هذه الطائفة بست صفات من شأنها أن تحمل العقلاء على المسارعة في إكرام أفرادها وسد حاجتهم.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة: ٢٧٣].
لقد وصفهم الله تعالى بالفقراء، أي: الذين هم في حاجة إلى العون والمساعدة؛ لفقرهم واحتياجهم إلى ضرورات الحياة.
ثم ذكر أن من صفاتهم الإحصار، وهو في اللغة أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين ما يريده بسبب مرض أو شيخوخة أو عدو أو ذهاب نفقة أو ما يجري مجرى هذه الأشياء.
أما صفتهم الثالثة فقال فيها: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)، والضرب في الأرض هو السير فيها للتكسب والتجارة وغيرهما، أي: أنهم عاجزون عن السير في الأرض لتحصيل رزقهم بسبب اشتغالهم بالجهاد، أو بسبب ضعفهم وقلة ذات يدهم.
والصفة الرابعة من صفاتهم هي قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) والتعفف: ترك الشيء والتنزه عن طلبه بقهر النفس والتغلب عليها. يقال: عف عن الشيء يعف إذا كف عنه. والحسبان بمعنى الظن، أي: يظنهم الجاهل بحالهم أو الذي لا فراسة عنده يظنهم أغنياء من أجل تجملهم وتعففهم عن السؤال، أما صاحب الفراسة الصادقة والبصيرة النافذة فإنه يرحمهم ويعطف عليهم؛ لأنه يعرف ما لا يعرفه غيره.
الصفة الخامسة من صفاتهم فهي قوله تعالى: (ﮫ ﮬ)، والسيما والسيماء: العلامة التي يعرف بها الشيء، وأصلها من الوسم بمعنى العلامة. والمعنى: تعرف فقرهم وحاجتهم بما ترى في هيئتهم من آثار تشهد بقلة ذات يدهم.
قال الرازي: «إن لعباد الله المخلصين هيبة ووقعًا في قلوب الخلق، وكل من رآهم تأثر منهم وتواضع لهم، وذلك له إدراكات روحانية لا علامات جسمانية»47.
أما الصفة السادسة من صفاتهم فهي قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ)والإلحاف كما يرى الزمخشري هو الإلحاح بأن لا يفارق السائل المسئول إلا بشيء يعطاه48.
والذي عليه المحققون من العلماء أن النفي منصب على السؤال وعلى الإلحاف، أي: أنهم لا يسألون أصلًا تعففا منهم؛ لأنهم لو كانوا يسألون ما ظنهم الجاهل أغنياء من التعفف، ولو كانوا يسألون ما كانوا متعففين، ولو كانوا يسألون ما احتاج صاحب البصيرة النافذة إلى معرفة حالهم عن طريق التفرس في سماتهم؛ لأن سؤالهم كان يغنيه عن ذلك49.
وإنما جاء النفي بهذه الطريقة التي يوهم ظاهرها أن النفي متجه إلى الإلحاف وحده للموازنة بينهم وبين غيرهم، فإن غيرهم إذا كان يسأل الناس إلحافًا فهم لا يسألون مطلقًا لا بإلحاف ولا بدونه، والنفي بهذه الطريقة فيه تعريض بالملحفين وثناء على المتعففين. هذا وقد وردت أحاديث متعددة تمدح المتعففين عن السؤال وتذم الملحفين فيه.
ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، ولا التمرة والتمرتان، إنما المسكين الذي يتعفف، اقرؤوا إن شئتم: لا يسئلون الناس إلحافًا)50.
وخلاصة ما سبق أن هؤلاء الفقراء ليسوا من الطفيليين الذين يعيشون عالة على كسب غيرهم، وإنما هم أزهد الناس فيما في أيدي الناس، وقد بذلوا أنفسهم وخرجوا عن ديارهم وأموالهم في سبيل المبدأ والعقيدة، ومن أجل هذا فهم -على فقرهم وحاجتهم- متجملون بالتعفف والقناعة والصبر، حتى ليحسبهم من لا نفاذ لبصره في حقائق الأمور أنهم أغنياء لا حاجة بهم إلى شيء من مال أو متاع، وقد يكون أحدهم طاويًا لأيام لم يذق طعامًا.
ولكن البصير الذي يتفرس في وجوههم فينفذ إلى دخيلة أمرهم يجد منهم ما يخفيه تعففهم وتجملهم من ضر الجوع وأذى المسغبة، ومن هنا كان واجبا على المحسن أن يتحسس حاجة المحتاجين، وأن يتعرف على ذوي الحاجة المتسترين الذين يمنعهم الحياء والتعفف عن أن يسألوا، فهؤلاء هم أحق الناس بالعون والإحسان!51.
ثالثًا: وعد المتعففين بالتوسعة عليهم:
إذا التزم المسلم بعفته وطهارته فإن له عظيم الأجر ووافر الثواب عند الله.
قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [النور: ٣٢].
الضمير في (ﭚ) يعود إلى المذكورين في الآية من (ﭒ)، ويشير من طرف خفي إلى العبيد والإماء، أي: إن يكن هؤلاء المذكورون صالحين للزواج وراغبين فيه طلبًا للتعفف ولكن يمنعهم خوف الفقر والحاجة وعدم القدرة على حمل أعباء الزوجية وما تجيء به من ذرية إن يكن هذا صارفًا لهم عن التزوج فليتزوجوا، والله سبحانه وتعالى يعدهم سعة الرزق ودفع الضر الذي يتوقعونه من الزواج ما دامت نيتهم قائمة على طلب مرضاة الله وحفظ الفروج بهذا الزواج52.
قال الطبري: إن يكن هؤلاء الذين تنكحونهم من أيامى رجالكم ونسائكم وعبيدكم وإمائكم أهل فاقة وفقر فإن الله يغنيهم من فضله، فلا يمنعنكم فقرهم من إنكاحهم53.
فوعد الله للمتزوج من هؤلاء إن كان فقيرًا أن يغنيه الله، فإغناؤه تيسير الغنى إليه إن كان حرًا، وتوسعة المال على مولاه إن كان عبدًا، فلا عذر للولي ولا للمولى أن يرد خطبته في هذه الأحوال. وإغناء الله إياهم توفيق ما يتعاطونه من أسباب الرزق التي اعتادوها مما يرتبط به سعيهم الخاص من مقارنة الأسباب العامة أو الخاصة التي تفيد سعيهم نجاحًا وتجارتهم رباحًا.
والمعنى: أن الله تكفل لهم أن يكفيهم مؤنة ما يزيده التزوج من نفقاتهم. وصفة الله (الواسع) مشتقة من فعل وسع باعتبار أنه وصف مجازي؛ لأن الموصوف بالسعة هو إحسانه.
قال الغزالي في شرح الأسماء الحسنى: مشتق من السعة، والسعة تضاف مرة إلى العلم إذا اتسع وأحاط بالمعلومات الكثيرة، وتضاف أخرى إلى الإحسان وبسط النعم وكيف ما قدر وعلى أي شيء نزل، فالواسع المطلق هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنه إن نظر إلى علمه فلا ساحل لبحر معلوماته، بل تنفد البحار لو كانت مدادًا لكلماته، وإن نظر إلى إحسانه ونعمه فلا نهاية لمقدوراته، وكل سعة وإن عظمت فتنتهي إلى طرف، والذي لا ينتهي إلى طرف فهو أحق باسم السعة، والله سبحانه وتعالى هو الواسع المطلق54.
والذي يؤخذ من استقراء القرآن وصف الواسع المطلق إنما يراد به سعة الفضل والنعمة. وذكر عليم بعد واسع إشارة إلى أنه يعطي فضله على مقتضى ما علمه من الحكمة في مقدار الإعطاء 55.
وهذا وعد كريم من الله سبحانه لا بد أن يتحقق؛ وذلك لأمرين:
أولهما: أنه وعد من الله، والله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده.
وثانيهما: أن هذا الوعد يحمل معه أسباب الغنى 56.
وقد نصت السنة النبوية على ذلك الوعد، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)57.
قال ابن كثير: «فأما ما يورده كثير من الناس على أنه حديث: (تزوجوا فقراء يغنكم الله) فلا أصل له، ولم أره بإسناد قوي ولا ضعيف إلى الآن، وفي القرآن غنية عنه»58.
عرض القرآن الكريم إلى نماذج من المتعففين اختاروا طريق العفة وآثروا العفة رغم المشاق التي فيها، ومن تلك النماذج:
أولًا: يوسف عليه السلام:
لقد أوتي يوسف عليه السلام نصف الجمال، فكان بهي الطلعة، جميل الوجه، جذاب الشخصية، حسن القامة والهيئة، ففتنت به امرأة عزيز مصر، وغازلته ولاطفته للوصول إلى غرض معين، ولكن الله عصم نبيه يوسف من الوقوع في الفاحشة، ونجاه من الافتراء وسوء الاتهام، وحماه من تلفيق التهمة، وأبعده عن مظان السوء، والتصقت التهمة بامرأة العزيز، وثبت الخطأ عليها. وهذا ما عبر عنه القرآن المجيد بصورة قاطعة وبرهان حسي عقلي59.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [يوسف: ٢٣-٣٠].
أخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان يوسف عليه السلام في بيتها بمصر، وقد أوصاها زوجها به وبإكرامه60، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب أن (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [يوسف: ٢٣]، وهو غلامها وتحت تدبيرها، والمسكن واحد، فيتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد ولا إحساس بشر، والمراودة: طلب الفعل، والمراد هاهنا أنها دعته إلى نفسها ليواقعها61.
وأكثر استعمال هذه اللفظة إنما هو في هذا المعنى الذي هو بين الرجال والنساء، ويشبه أن يكون من راد يرود إذا تقدم لاختبار الأرض والمراعي، فكان المراود يختبر أبدًا بأقواله وتلطفه حال المراود من الإجابة أو الامتناع62.
وزادت المصيبة بأن (ﭘ ﭙ) وصار المحل خاليًا، وهما آمنان من دخول أحد عليهما، بسبب تغليق الأبواب، وقد دعته إلى نفسها (ﭚ ﭛ ﭜ) أي: افعل الأمر المكروه وأقبل إلي، ومع هذا فهو غريب، لا يحتشم مثله ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه، وهو أسير تحت يدها، وهي سيدته، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك، وهو شاب عزب، وقد توعدته إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن أو العذاب الأليم.
وهنا يرسم يوسف عليه السلام معالم العفة والحياء ويعلن موقفه الرفض للوقوع في الفحشاء، فلم يبال بزينة امرأة العزيز وسفورها، ولم يلتفت إلى منصبها وجمالها، إنما استحضر مراقبة الله واطلاعه، فرد عليها: (ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [يوسف: ٢٣]63.
فقد صبر عن معصية الله مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هما تركه لله، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى من برهان ربه -هو ما معه من العلم والإيمان الموجب لترك كل ما حرم الله- ما أوجب له البعد والانكفاف عن هذه المعصية الكبيرة64، ومع هذه الدواعي كلها آثر مرضاة الله وخوفه65، وبعد أن رآها مصرة على غيها وشهوتها ذهب ليهرب عنها ويبادر إلى الخروج من الباب ليتخلص ويهرب من الفتنة66 بعدما أعلن براءته وعفته.
ولشدة حرص امرأة العزيز على الفاحشة تبعت يوسف وأمسكت بقميصه فتمزق، وفي اللحظة نفسها دخل العزيز عليهما في تلك الصورة الغامضة، فرأى أمرًا شق عليه، وقبل أن يسأل أو يستفسر سبقته امرأته بمكر ودهاء، فادعت أن يوسف راودها عن نفسها وطلب منها الفاحشة، وظهرت لزوجها بمظهر العفيفة المظلومة وقالت: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [يوسف: ٢٥].
ولم تقل «من فعل بأهلك سوءا» تبرئة لها، وتبرئة له أيضًا من الفعل، وإنما النزاع في الإرادة والمراودة (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)، فقال بارًا صادقًا: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)، وذكر أنها اتبعته تجذبه إليها حتى قدت قميصه67، فحينئذ احتملت الحال صدق كل واحد منهما ولم يعلم أيهما.
ولكن الله تعالى جعل للحق والصدق علامات وأمارات تدل عليه، قد يعلمها العباد وقد لا يعلمونها، فمن الله في هذه القضية بمعرفة الصادق منهما، تبرئة لنبيه وصفيه يوسف عليه السلام، فانبعث شاهد من أهل بيتها يشهد بقرينة من وجدت معه فهو الصادق، فقال: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [يوسف: ٢٦]؛ لأن ذلك يدل على أنه هو المقبل عليها المراود لها المعالج، وأنها أرادت أن تدفعه عنها فشقت قميصه من هذا الجانب.
(ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [يوسف: ٢٧]؛ لأن ذلك يدل على هروبه منها، وأنها هي التي طلبته فشقت قميصه من هذا الجانب68.
وحينما تفقد العزيز قميص يوسف وجده ممزقًا من خلفه، فأيقن ببراءة يوسف وعفته، وعلم ما دبرته زوجته من المكر والخديعة والقذف، فصوب إصبع الاتهام إليها وقال: (ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [يوسف: ٢٨].
وحتى لا يفتضح الأمر ويهتك بيت العزيز أمر يوسف عليه السلام بالإعراض عن هذه القضية وكتمانها، ثم أمر زوجته بالتوبة والرجوع عن الخطأ69 (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [يوسف: ٢٩].
شاع ذلك الحديث في مصر حتى تحدث بذلك النساء70يلمنها، فجعلن يلمنها ويقلن: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [يوسف: ٣٠].
أي: هذا أمر مستقبح، هي امرأة كبيرة القدر، وزوجها كبير القدر، ومع هذا لم تزل تراود فتاها الذي تحت يدها وفي خدمتها عن نفسه! ومع هذا فإن حبه قد بلغ من قلبها مبلغًا عظيمًا71!
قال الواحدي: قد دخل حبه في شغاف قلبها، وهو موضع الدم الذي يكون داخل القلب (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) عن طريق الرشد بحبها إياه (ﭑ ﭒ) امرأة العزيز (ﭓ) مقالتهن، وسميت مكرًا لأنهن قصدن بهذه المقالة أن تريهن يوسف ليقوم لها العذر في حبه إذا رأين جماله، وكن مشتهين ذلك؛ لأن يوسف وصف لهن بالجمال72.
لم يكن أمامها إلا أن تبحث عن مخرج يخفف من وطأة فضيحتها ويسد منافذ ملامة النسوة لها، فدبرت مكيدة جديدة تضع بها حدًا لانتقادها، لقد كانت تدرك أكثر من غيرها جمال يوسف وتأثيره على أولئك النسوة، ولذلك: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [يوسف: ٣١]. فقالت: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [يوسف: ٣٢]73.
فلامتهن في لومهن لها، وأخبرتهن أنه مع جماله الظاهر جميل الباطن، فقد استعصم وأبى الخيانة والفاحشة، وأن كمال جماله هذا هو الذي يزيدها شغفًا وحبًا وتعلقًا به، فلا تقوى على تركه! ثم قالت: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [يوسف: ٣٢].
وهنا يقف يوسف عليه السلام شاهدا بعفته على إيمانه، وثابتا على حيائه ويقينه، يرسم للتاريخ معالم العفة وآفاقها وطرقها وأسبابها.
فلجأ إلى الله بقلبه خاشعًا متضرعًا: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يوسف: ٣٣].
وهذا يدل على أن النسوة جعلن يشرن على يوسف عليه السلام بمطاوعة سيدته، فاعترف لبارئه بضعف الحيلة والخوف من سوء المنقلب، وتضرع يسأله الثبات والفرج، ولو أدى ذلك إلى سجنه وحبسه، فحبس الذات عن الذوات أهون عليه من حبس الفؤاد بالفاحشة عن رب الأرض والسماوات.
وكثر كلام الناس من جديد على ما يدور في خاطر امرأة العزيز نحو يوسف، فما كان من العزيز إلا أن أدخل يوسف السجن ظلمًا وعدوانًا، ليعلم الناس عفاف زوجته وخيانة يوسف كما زعم! كتمانًا للقصة ألا تشيع في العامة، وللحيلولة بينه وبينها، فكان السجن آية عفته وطهارته!
عاش يوسف عليه السلام في سجنه برعاية الرحمن عابدًا ساجدًا شاكرًا حامدًا، يدعو إلى الله على نور وبصيرة!
(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [يوسف: ٣٦].
انتهز عليه السلام اعتراف رفيقيه في السجن بإحسانه وصحة دعوته وجميل استقامته وحاجتهما إلى تأويل ما رأياه في المنام، فبادر إلى دعوتهما إلى التوحيد ومعاني الإسلام وسعة علمه الذي علمه الله إياه (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [يوسف: ٣٧-٣٨].
وبعد أن قدر لهما دعوة التوحيد أول رؤياهما فقال: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [يوسف: ٤١].
وكان عليه السلام قد طلب من السقاء الذي كان معه في السجن أن يذكره عند الملك، ولكن السقاء نسي الطلب وتشاغل عنه، ويشاء الله جل وعلا أن ينصر يوسف العفيف، وأن يعزه ويرفع شأنه، ويذل من اتبع شهوته وهواه، فلقد رأى الملك فيما يرى النائم رؤيا قضت منامه وبعثت فيه من القلق والفزع ما دفعه إلى إحضار العلماء والكهنة والعرافين يستفتيهم في شأنها!
فعرض عليهم رؤياه فقالوا: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [يوسف: ٤٤].
وفي تلك اللحظة تذكر السقاء شأن يوسف وسعة علمه في التأويل وما عايشه من صدق تأويله، وتذكر طلب ذكره عند الملك، فذكره بما يعلمه عنه من الخير والإحسان والصدق والعلم، فأرسل الملك ساقيه إلى السجن ليستفتي في شأن الرؤيا يوسف عليه السلام، فذهب السقاء على الفور.
فشرع يوسف عليه السلام في تأويلها على الفور (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [يوسف: ٤٧-٤٩].
رجع السقاء إلى ديوان الملك وأخبره بما تلقاه من يوسف عليه السلام من التأويل، فلما سمع الملك كلامه عجب لذلك عجبًا عظيمًا، وانتابه ذهول من علمه عليه السلام، فبعث إليه بالمجيء إلى قصره، لكن وزيره رجع يخبره خبرًا غريبًا: فقد أبى عليه السلام الخروج من السجن إلا إذا نظر الملك في مسألة النسوة اللاتي قطعن أيديهن وما حدث مع امرأة العزيز، ولماذا أدخله إلى السجن العزيز؟ فقال للوزير: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [يوسف: ٥٠].
وهنا تجلت آثار العفة والطهارة، ويفتضح أمر اتباع الشهوة والهوى، فقد استدعى الملك امرأة العزيز ومعها النسوة، وحقق في الأمر معهن، ويوسف عليه السلام لا يزال في سجنه، فاعترفت امرأة العزيز على نفسها أمام الملأ، وشهدت ليوسف عليه السلام بالصدق والطهارة والاستقامة، قالت: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [يوسف: ٥١].
فقال الملك: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [يوسف: ٥٤].
إنه انتصار العفة واستعلاء الإيمان، فمهما تكبد العفيف من البلاء والمحن في طريقه فلا بد أن يحالفه النصر، فها هو يوسف السجين، يرفعه الله من السجن والحصر إلى رحاب القصر، بل ويهبه فيه القوة والتمكين (ﯼ ﯽ ﯾ) [يوسف: ٢٢]74.
وتجدر الإشارة إلى أن يوسف عليه السلام قد ثبتت بحقه العفة عن المال أيضًا، فقد أثبتها لنفسه وتعهد بها عندما طلب أن يعين على خزينة المال: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [يوسف: ٥٥].
أي: حافظ أمين على ما استودعتني، عالم بما أوليتني75، فهو المتعفف عن الفحش، وعن الطمع في المال العام.
ثانيًا: قصة ابني آدم عليه السلام:
قص الله علينا خبر ابني آدم وهما هابيل وقابيل على ما ذكره غير واحد من السلف والخلف، وكان من خبرهما أن الله تعالى شرع لآدم أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال، وكان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى، فكان آدم عليه السلام يزوج أنثى هذا البطن بذكر البطن الآخر، وكانت أخت هابيل دميمة، وأخت قابيل وضيئة، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه، فأبى آدم ذلك، قال السمرقندي: فقال آدم: إن الله تعالى أمرني بذلك. فقال له قابيل: إن الله تعالى لم يأمرك بهذا، ولكنك تميل إلى هابيل76، فأمرهما بأن يقربا قربانًا، فمن تقبل منه فهي له، فتقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل، فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه77.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المائدة: ٢٧-٣٠].
الآيات الكريمة تشير إلى أن ابني آدم عليه السلام قربا قربانًا، واختلف في السبب الذي قربا لأجله قربانًا على قولين:
أحدهما: أنهما فعلاه لغير سبب.
والثاني: وهو أشهر القولين أن ذلك لسبب، وهو أن حواء في كل عام تلد غلامًا وجارية، فكان الغلام يتزوج من إحدى البطنين بالجارية من البطن الأخرى، وكان لكل واحد من ابني آدم عليه السلام - هابيل وقابيل - توأمة، فأراد هابيل أن يتزوج بتوأمة قابيل فمنعه، وقال: أنا أحق بها منك78.
قال أهل التفسير في بيان هذا القربان، والقربان هو البر الذي يقصد من رحمة الله، وهو اسم ما يتقرب به إلى الله من نسيكة أو صدقة79.
أُمِرَ ابنا آدم أن يقربا قربانًا، وكان هابيل صاحب غنم وعهد إلى كبش أنتج فذبحه طيبة بها نفسه، وكان قابيل صاحب زرع وعهد إلى سيء من الفوم رديء80 فقربه غير طيبةٍ به نفسه، فتقبل الله عز وجل قربان صاحب الغنم -أي: هابيل- ولم يتقبل قربان صاحب الزرع -أي: قابيل- فتحرك الحسد في قلبه، ودفعه إلى قتله، فقال قابيل لأخيه: تقبل قربانك ولم يتقبل مني، والله لأقتلنك81.
فهو إنما غضب عليه وحسده؛ لقبول قربانه. فقال له أخوه: ما ذنبي؟! إنما يتقبل الله القربان من المتقين لا من غيرهم، وكأنه يقول لأخيه: إنما أتيت من قبل نفسك لا من قبلي، فإن عدم تقبل قربانك بسبب عدم تقواك82.
وهنا يرد عليه التقي الورع العفيف الذي تقبل الله تعالى قربانه منبها له ومبينا أن تقوى الله تعالى والإخلاص له من أهم أسباب القبول عند الله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [المائدة: ٢٧].
وإن كنت مصرًا على قتلي فلن أفعل فعلك، فخوفي من الله تعالى ربي وربك يمنعني من فعل ذلك والإقدام عليه، فهذه جريمة لا أجرؤ على الإقدام عليها83. فقال: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [المائدة: ٢٨].
أخبر الله في هذه الآية بتحرج المقتول عن القتل، وقال ابن عمر: وأيم الله، إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكن عفة يده عن فعل الحرام منعته من أن يبسط يده إلى أخيه84.
قال سيد قطب: وهكذا يرتسم نموذج من الوداعة والسلام والتقوى في أشد المواقف استجاشة للضمير الإنساني وحماسة للمعتدى عليه ضد المعتدي وإعجابًا بهدوئه واطمئنانه أمام نذر الاعتداء وتقوى قلبه وخوفه من رب العالمين. إلى أن قال: إذا أنت مددت يدك إلي لتقتلني فليس من شأني ولا من طبعي أن أفعل هذه الفعلة بالنسبة لك خوفًا من الله رب العالمين لا عجزًا عن إتيانه: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المائدة: ٢٩]، أي: تحمل إثم قتلي وتضيفه إلى إثمك الذي جعل الله لا يتقبل منك قربانك فيكون إثمك مضاعفًا وعذابك مضاعفًا. (ﯝ ﯞ ﯟ) [المائدة: ٢٩] أراد أن يثنيه ويعفه عما تراوده به نفسه، وعرض له وزر جريمة القتل لينفره منه، ويزين له الخلاص من الإثم المضاعف، بالخوف من الله رب العالمين، وبلغ من هذا وذلك أقصى ما يبلغه إنسان في صرف الشر ودوافعه عن قلب إنسان85.
ومع هذا فإن الحسد وعدم العفة قد غطى على كل شيء منه، فلم ير في كلمات أخيه وفي تحديه له شيئًا يعدل به عن طريقه الذي ركبه من أول الأمر، وكان أن قتل أخاه وأسال على الأرض دمه86.
المعوقات التي تقف في طريق العفة في هذا الزمن كثيرة جدًا، ومن تلك المعوقات:
١. ضعف الإيمان.
إن الباعث على العفة هو الإيمان الذي يرافقه الخوف من الله وخشية جلاله، فمن الطبيعي أن لا توجد العفة متى رفع الإيمان، ولذا فإن هذا المعوق تندرج تحته أغلب المعوقات إن لم تكن كلها، لما للإيمان من أهمية في استقامة الفرد وأخلاقه، لأن الإيمان بالله وعبادته المتصلة يحرران الإنسان من العبودية والخضوع لأية قوة مادية بشرية من العوائق الداخلية والخارجية، فينطلق إلى أداء رسالته وهو يحس بالحمية والحيوية، والله معين على أدائها ويتكفل برعايته ويضمن له الثواب، سواء أصاب أم أخطأ ما دامت الوجهة كلها لله87.
فالعفة من الإيمان، ونقصه يؤدي إلى الوقوع في المعاصي والتدرج فيها، والوقوع في المنكرات بأنواعها، ومن مظاهره اتباع خطوت الشيطان.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [النور: ٢١].
أي: طرقه ووساوسه، حيث يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب واللسان والبدن88.
٢. الصحبة السيئة.
تعد الصحبة السيئة من أهم العوائق التي تعيق الإنسان عن القربات والأعمال الصالحات؛ لما لها من تأثير كبير على الإنسان؛ ولذا فقد ذكر القرآن الكريم تأثير الصحبة السيئة وبيان خطورتها وأنها قد تورد المهالك في قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الفرقان: ٢٧-٢٩].
ففي هذه الآية يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله من الحق المبين الذي لا مرية فيه، وسلك طريقا أخرى غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم وعض على يديه حسرة وأسفا89.
قال الشنقيطي: « وهذه الآية الكريمة تدل على أن قرين السوء قد يدخل قرينه النار، والتحذير من قرين السوء مشهور معروف»90.
ولأهمية هذا الموضوع قد أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم باختيار من يجالسهم ويصاحبهم، فقال عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الكهف: ٢٨].
يقول ابن كثير: «أي: اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشيًّا من عباد الله سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء، وقوله: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الكهف: ٢٨]، أي: شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا (ﭮ ﭯ ﭰ) [الكهف: ٢٨]، أي: أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع، ولا تكن مطيعًا ولا محبًا لطريقته ولا تغبطه بما هو فيه»91.
٣. ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هو ضياع للأفراد والمجتمعات، وانتشار المنكرات وشيوعها، وقيامها كأسباب للانحراف ومهيجات للغرائز، وما ذاك إلا نتيجة لغياب تلك الفريضة.
قال الغزالي: « إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة»92.
فعندما ترك بنو إسرائيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنوا على لسان أنبيائهم.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [المائدة: ٧٨-٧٩].
قال ابن كثير: «أي: كان لا ينهى أحدٌ منهم أحدًا عن ارتكاب المآثم والمحارم، ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يرتكب مثل الذي ارتكبوه»93.
وقد حذر الله سبحانه عباده المؤمنين من القعود عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو التراخي عن الدعوة وإرشاد الناس إلى الخير، فيكون ذلك سببًا في وقوع الفتنة التي لا تختص بمن يمارسها من العاصين دون الطائعين، بل تتعدى هؤلاء الواقعين في المنكر لتعم الصالح والطالح كما في قوله عز وجل: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأنفال: ٢٥].
قال ابن عباس رضي الله عنه: «أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب»94.
والمراد بتلك الفتنة التي تعم الظالم وغيره هي أن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه عمهم الله بالعذاب: صالحهم وطالحهم، وبه فسرها جماعة من أهل العلم، والأحاديث الصحيحة شاهدة لذلك95.
٤. وسائل الإعلام الفاسدة.
فمن معوقات العفة في هذا العصر وسائل الإعلام المفسدة، والناظر إلى أغلب وسائل الإعلام في الدول الإسلامية فضلًا عن غيرها يجد فيها الكثير من الفساد، سواء كان في القنوات الفضائية المتنوعة كالتلفاز، أو الشبكة العنكبوتية كاليوتيوب والفيس بوك وغيرها، أو الإذاعات والمجلات والصحف96.
بل يجد أن مهمتها العظمى بث السموم ونشر الرذيلة والفاحشة والدعوة إلى خلاف العفة. فإذا تناولت مجلة فصورها وأحاديثها تنطق بهدم العفاف، وإذا فتحت المذياع فالأغاني الماجنة المائعة تصك الآذان، وإذا نظرت إلى التلفاز نظرت إلى هدم العفاف، وهذه هي الحقيقة والواقع بالنسبة لبعض بلاد المسلمين التي وقعت فريسة في أيدي بعض أبنائها الذين يستوردون المبادئ والأخلاق والعقائد والشرائع والتعليمات من الأعداء ثم ينفذونها بدقة وأمانة97.
٥. الجهل.
لا شك أن الجهل من الأسباب التي تعوق العبد المسلم عن العفة، فعدم العلم بالشيء هو السبب الحقيقي في عدم الإقبال عليه وفعله؛ ولهذا ذم الله تعالى الجهل وحذر منه، وبين أنه سبب إعراض المعرضين عن دعوة الأنبياء والمرسلين، وأن الناس لجهلهم كذبوا بهم.
يقول تعالى مخبرًا عن قول نوح عليه السلام لقومه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [هود: ٢٩].
بل ذكر سبحانه أن الجهل هو الذي دفع قوم لوط لعمل جريمتهم البشعة من اللواط، يقول تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [النمل: ٥٥].
قال ابن تيمية: الجهل والظلم هما أصل كل شر98، كما قال سبحانه: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأحزاب: ٧٢].
٦. تأخير الزواج.
من معوقات العفة أن كل واحد من الجنسين محتاج للآخر، وقد فطرهما الله على ذلك، فلا غنى لأحدهما عن الآخر99.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الروم: ٢١].
فالزواج المبكر من أقوى الوسائل المعينة للعفاف، فعن عبد الرحمن بن يزيد قال: دخلت مع علقمة والأسود على عبد الله، فقال عبد الله: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاءٌ)100.
في الحديث ما يدل على أن الزواج وسيلة لصيانة الفروج والأعراض وحفظها من الانزلاق في مهاوي الفواحش وأوحال الرذائل والمحرمات.
هذا وقد حث ديننا الحنيف على مساعدة الشباب على الزواج، بالذات من كان المانع من زواجه هو نقص المال.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [النور: ٣٢].
وهنا جاء الندب للجماعة المسلمة بمساعدة المحتاج للزواج من الجنسين لإعفافه، ففي ذلك حماية له من الوقوع فيما حرم الله، وحفظ للمجتمع من بلاء الفواحش.
يقول سيد قطب: «وهذا أمر للجماعة بتزويجهم، والجمهور على أن الأمر هنا للندب، ودليلهم أنه قد وجد أيامى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزوجوا، ولو كان الأمر للوجوب لزوجهم101».
ويحسن التحذير مما يقع فيه بعض أولياء الأمور من منع زواج فتياتهن بحجة إتمام الدراسة الجامعية أو العمل وتحقيق الذات والمال، أو لأسباب أسوأ من ذلك تتعلق بأصول الشاب ومدى غناه، بل وأصبح بعض الأولياء يرفض الشاب الصالح لمجرد مكان سكناه ويتناسى أنه -بصفته وليًّا- مؤتمن على عفة ابنته، والمفترض أن يسعى إلى ذلك ما استطاع.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريضٌ)102.
ولعل من المهم معالجة بعض المشاكل الاجتماعية المتعلقة بارتفاع المهور ومستلزمات الزواج، فالأهل يوقعون -غير قاصدين- أبناءهم وبناتهم في المشاكل الأخلاقية، لأنهم يرفعون من سقف مطالبهم عند التزويج؛ فلا يبقى للشاب أو الفتاة سوى إقامة علاقات تشبع رغباتهم ولا تكلفهم شيئًا !
ومن الأمور التي يجب على المجتمع أن يتبناها حتى تنخفض الرذيلة هو مسألة خفض مستوى الشروط التي يطلبها أهل الشاب، فبدلًا من الإقبال على فتاة بكر على قدر عالٍ من الجمال لم لا يفكر الأهل أو الشاب في التقدم لمطلقة أو أرملة صغيرة السن أو بكر تكبر الشاب ببضع سنين؟ فهؤلاء لن يشترطن مهورًا عالية كغيرهن، وستحصل البركة في هذا الزواج مادام الغرض منه الاستعفاف عن الحرام، فلا يقاس النجاح في الحياة بكم المبالغ المدفوعة فيه، بل هو التوفيق الرباني لا غير.
٧. الاختلاط بين الجنسين.
إن العفة حجاب يمزقه الاختلاط؛ ولهذا صار طريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، فالمجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، فللرجال مجتمعاتهم، وللنساء مجتمعاتهن، ولا تخرج المرأة إلى مجتمع الرجال إلا لضرورة أو حاجة بضوابط الخروج الشرعية. كل هذا لحفظ الأعراض والأنساب، وحراسة الفضائل، والبعد عن الريب والرذائل، وعدم إشغال المرأة عن وظائفها الأساس في بيتها؛ ولذا حرم الاختلاط، سواء في التعليم، أم في العمل والمؤتمرات والندوات والاجتماعات العامة والخاصة، وغيرها؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض، ومرض القلوب، وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة والحشمة، وانعدام الغيرة103.
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأحزاب: ٥٣].
٨. الطمع.
يطمع بعض الناس فيما في أيدي الناس من الأموال والنساء والأولاد والمتاع ونحوها.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الحجر: ٨٨].
قال السعدي في تفسيره: « أي: لا تعجب إعجابًا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون واغتر بها الجاهلون، واستغن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم»104؛ لأنه لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار، والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولًا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص 105.
٩. إهمال حفظ المال.
حفظ المال مقصد من مقاصد الشريعة الخمس، وإهمال حفظه مفسدة، وفتحٌ لباب من أبواب الشيطان، والأصعب أن يكون هذا الإهمال من ولي المال القائم عليه بداعي الثقة الزائدة أو الاستهتار.
وقد نهى الله تعالى عباده عن التبذير في إنفاق المال؛ ليدلل على ضرورة حفظه، فالإنسان مأمور بالاقتصاد في ماله، ومن باب أولى هو مأمور بصيانة هذا المال من أن يتعدى عليه غيره.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الإسراء: ٢٦-٢٧].
وكذلك أمر بالانتباه للمال حتى لا يندم الإنسان.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الإسراء: ٢٩].
ومعنى القعود ملومًا محسورًا أي: ملومًا من الناس لائمًا لنفسك على ما ضيعته من مال106.
فالمال نعمة بموجب قول الله تعالى متفضلًا على نبيه الكريم عليه السلام: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الضحى: ٨].
وعلينا شكرها بحفظها وعدم إهمالها، وقد ورد في المثل العربي ما معناه « المال الـمهمل يعلم السرقة »، فالمال له حظوة في النفس، والنفس أمارة بالسوء، فإذا ترك المال هكذا بلا رقابة ولا متابعة ولا حفظ جيد سيكون مغريًا لمن ضعف إيمانه، ولن يتعفف عن سرقته أو إهداره، أما لو كان الإنسان أمينًا فستمنعه العفة عن هذا المال مهما بلغ إهماله، بل سيراعي ربه فيه، وقد يستثمره لمصلحة صاحبه إرضاءً لأمانته وضميره.
لكن الأصل أن يحفظ المال جيدًا حتى يسد الباب الرئيس للشيطان، لأن إهمال حفظه يسوغ للنفس الاستيلاء عليه، حتى إنه يسقط الحد الشرعي على آخذه، فكما نعلم أن أحد شروط إقامة حد القطع في السرقة هو وجود المال في حرز107، وإذا انتفى ذلك بحيث كانت الأموال متروكة دون اكتراث فاللوم على صاحبه لا آخذه.
١٠. تبرج النساء.
من الأسباب التي تعوق العفة؛ لذا أمرت المرأة بالقرار في البيت.
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الأحزاب: ٣٣].
فإذا خرجت التزمت بالضوابط الشرعية للخروج، ومنها ما جاء في قوله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [النور: ٣١].
أي: لا يضربن الأرض بأرجلهن ليصوت ما عليهن من حلي كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة. ويؤخذ من هذا ونحوه قاعدة سد الوسائل، وأن الأمر إذا كان مباحًا ولكنه يفضي إلى محرم أو يخاف من وقوعه فإنه يمنع منه، فالضرب بالرجل في الأرض الأصل أنه مباح ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة منع منه 108.
١١. الغناء.
إن المتتبع لمجالس الغناء ومسارح الطرب وأماكن اللهو وما يصاحبها من معازف وآلات في ذلك يجد الرقص الخليع الفاجر من نساء امتهن الرذيلة والفاحشة، ويجد العربدة والصياح المتعالي من أفواه السكارى، ويجد الكلمات البذيئة الفاحشة العارية من الحياء والخجل والمتخمة بالوقاحة وسوء الأدب، يجد الاختلاط الشائن بين عوائل متحللة، حيث التخلع والمراقصة وهدر النخوة والشرف، وباختصار يجد التحلل والإباحية في أسوأ تبذلها ومظاهرها109.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [لقمان: ٦].
نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير110.
قال الطبري: « عنى به كل ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه أو رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى عم بقوله: (ﭴ ﭵ) ولم يخصص بعضا دون بعض، فذلك على عمومه حتى يأتي ما يدل على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك»111 .
قال الواحدي: «أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث: الغناء، فهذه الآية تدل على تحريم الغناء112».
ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم، قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود رضي الله عنه عن قوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)، فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء. يرددها ثلاث مرات113.
العفة من أجل الأخلاق وأسماها، وأفضل الخصال وأعلاها، ثمارها زاكية، وآثارها مرضية، لا يتناهى ثوابها، ولا يضاهى فضلها، بل إنها تعود على صاحبها بالخير في الدنيا والآخرة، ومن تلك الثمرات:
أولًا: ثمرات دنيوية:
تعود العفة على صاحبها بكثير من الثمرات الدنيوية، ومنها:
١. تزكية النفس وانضباط السلوك.
لما أمر الله بها في آية غض البصر قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ) [النور: ٣٠].
فمن أراد أن يزكي نفسه فعليه بالعفة، وقد نصت السنة النبوية على فضيلة العفة وتزكية أهلها، فعن سهل بن سعدٍ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)114.
٢. الاستقامة على شرع الله وطاعته.
فالعفة من أجل مظاهر التقوى وأنصع صورها؛ لأن العفيف حينما يصد عن الفواحش وأسبابها إنما يتقي بعفته سوء الحساب، ولذا فإنها تقتضي التحرز من الوقوع في المآثم والمحارم، مما لا يقبله الشرع الحكيم، ولا يرضى عنه العقل السليم، بل إنها تستلزم الاقتصار على ما هو موافق للشرع وملائم للطبع115 .
ولقد أمر الله جل وعلا الرجال بالعفة فقال: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النور: ٣٣] .
وأمر النساء بالعفة أيضًا فقال: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [النور: ٦٠].
وقال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [النور: ٣٠-٣١].
فإلى جانب الأمر بغض البصر ألح كتاب الله من جديد على التزام العفة وحفظ الفرج من طرف الرجال والنساء116، وبدهي أن هذا الحفظ لا يتحقق إلا بتفادي كل ما نهى الله عنه والتزام كل ما أمر الله به.
٣. حفظ الجسد من الأمراض الفتاكة.
فالعفة وقاية اجتماعية من الأذى والشرور والآفات، ومن فشو الأمراض الفتاكة، ولو تأمل المسلم في عقوبات الزنا وأضراره في الدنيا والآخرة لأدرك ما يفوته طائع شهوته على نفسه من الخير والفضل، وما يجنيه من مر الثمار وشنيع الأضرار.
٤. حفظ الأعراض.
من أجلِّ مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ عرض الإنسان؛ لأن حفظه هو الطريق إلى حفظ الأنساب والمجتمعات من الأمراض والأدواء، ومن أجل حفظ العرض اتخذت الشريعة اتجاهًا علاجيًا عن طريق فتح أبواب التعفف والحصانة على مصراعيها، وشق الطرق المعبدة الموصلة إلى ما أحله الله 117.
وأوعد هاتك الأعراض أعظم وعيد فقال: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [النور: ٢٣-٢٤].
ورتب الحد ورد الشهادة وحكم بالفسق على قاذف المسلم بغير حق: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [النور: ٤-٥].
فالعفة حراسة، بل إن من أهم الوسائل التي نهجها الإسلام للحفاظ على الأعراض: الزجر عن الوقوع في الفاحشة والطرق الموقعة فيها، والترغيب في الاستعفاف لوجه الله تعالى.
٥. نيل معونة الله.
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)118.
٦. إن الله تعالى يدافع عن أهلها.
وهذا دليل على صدق إيمانهم؛ لأن الله يقول: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الحج: ٣٨].
ولقد تولى الله تعالى الدفاع عن ثلاثة من سادة الأعفة في القرآن الكريم: أولهم نبي الله يوسف عليه السلام، عندما اتهمته امرأة العزيز بالفاحشة فقالت: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [يوسف: ٢٥].
فأوضح كل من له تعلق بهذه القصة براءة يوسف عليه السلام ونقاء سريرته.
وقد تولى الله الدفاع عن مريم عليها السلام، فلقد اتهمت بالفاحشة كما أخبر الله في موضعين:
الأول: في قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النساء: ١٥٦].
والثاني: في قوله جل جلاله: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [مريم: ٢٧- ٢٨].
وبرأها الله في موضعين كذلك:
الأول: قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأنبياء: ٩١].
والثاني: في قوله: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [التحريم: ١٢].
وتولى الله الدفاع عن عائشة رضي الله عنها، فالمنافقون لما خاضوا في الإفك أنزل الله لبراءتها عشر آيات في سورة النور بدأها بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [النور: ١١].
٧. إغناء الله لأهل العفة.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النور: ٣٣].
قال أبو السعود في تفسيره119 (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النور: ٣٣]: عِدَةٌ كريمة بالتفضل عليه بالغنى، لطف لهم في استعفافهم، وتقوية لقلوبهم، وإيذان بأن فضله تعالى أدنى من الصلحاء. والإغناء يتحقق بأمور: بأن يرزقه ما يتزوج به، أو يجد من ترضى باليسير وبحاله، أو يصبره الله120.
ثانيًا: ثمرات أخروية:
ثمرات العفة لا تقتصر على الدنيا، بل تمتد إلى الدار الآخرة، ومن تلك الثمرات:
١. العفيف في ظل عرش الرحمن.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه)121.
فالعفيف يوم القيامة في ظل الرحمن، آمن من فتن ذلك اليوم العظيم؛ لأنه خاف الله جل جلاله حينما دعاه داعي الشهوة فخشيه وعف عن الحرام، فأحسن الله إليه يوم الفزع الأكبر.
إنه لأجر عظيم يلقاه هؤلاء الأصناف السبعة، فهم يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين ودنت منهم الشمس واشتد عليهم حرها وأخذهم العرق ولا ظل هناك لشيء كافأهم ربنا الكريم وأظلهم بظل عرشه، وقيل: بظل الجنة وهو نعيمها، كما قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ) [النساء: ٥٧].
وقيل: المراد بالظل هنا الكرامة والكنف والكف من المكاره في ذلك الموقف122.
والمتأمل للأصناف السبعة يجد أن العنوان الذي يجمعهم هو «العفة»، فقد جاهدوا أنفسهم وروضوها على التصبر والامتناع مما تدعو إليه الشهوة أو الغضب أو الطمع، وفي ذلك مشقة بالغة وألم عظيم، فالقلب يكاد يحترق من نار الشهوة أو الغضب ولا تطفئه تلبية تلك الرغبة، فيأتي تعويض الله لهؤلاء يوم القيامة حين يشتعل الحر في ذلك الموقف العظيم ولا يجد الناس ظلًا أو مأوى فيظلهم بفضله وكرمه، ولا ظل كظله تعالى ولا كرم ككرمه عز وجل123.
٢. جنات النعيم.
إن أعظم ثمرة للعفة دخول الجنة.
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأحزاب: ٣٥].
والأجر العظيم: الجنة.
قال الطبري: « يعني ثوابًا في الآخرة على ذلك من أعمالهم عظيمًا، وذلك الجنة»124.
وعن سهل بن سعد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة).
وفي رواية: (من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة)125.
٣. رضوان الله ومغفرته.
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأحزاب: ٣٥].
والمغفرة: ستر الله ذنوبهم والصفح عنها126.
موضوعات ذات صلة: |
الإحصان، حجاب المرأة، الزنا، النكاح |
1 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٢/١٦٩، مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٣، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٧٣، تاج العروس، الزبيدي ٢٤/١٧٤، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٦١١.
2 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٩/٢٥٣.
3 انظر: العين، الفراهيدي ١/٩٢، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٨٣٨.
4 التعريفات، الجرجاني ص١٥١.
5 المفردات، الأصفهاني ص٥٧٣.
6 الكليات ص٦٥٦.
7 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٩/٢٥٣.
8 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٤٦٦.
9 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٣٩.
10 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/٥٩٤.
11 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢١٦.
12 انظر: المصدر السابق ٦/٨٤.
13 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١٠١٢.
14 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص١٩٩.
15 انظر: غرائب التفسير وعجائب التأويل، الكرماني ٢/١١٤٠.
16 المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٣/١١٤.
17 انظر: التعريفات، الجرجاني ص١٩٧.
18 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٤/١٤٣.
19 مختار الصحاح، الرازي ١/٧٥.
20 الكليات، الكفوي ص٥٥.
21 أدب الدنيا والدين، الماوردي ص ٣٢٩ بتصرف.
22 النكت والعيون، الماوردي ٤/٨٩.
23 أوضح التفاسير، محمد الخطيب ص ٤٢٣.
24 جامع البيان، الطبري ١٧/١٦١.
25 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٨/٢٥٧١.
26 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٣/٤٥٠.
27 الزهد والورع والعبادة، الدمشقي ص ٣٤.
28 انظر: أدب الدنيا والدين، الماوردي ص ٣٣٢.
29 أيسر التفاسير، الجزائري ٤/٣٦١.
30 التصاريف، ابن سلام ص ١٧٨.
31 جامع البيان، الطبري ٣/٤٩٣ بتصرف.
32 انظر: العفة والاستعفاف في القرآن، د.فريدة زمرد، موقع ميثاق الرابطة، العدد ١٨٩ بتصرف.
33 البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٨/٣٨.
34 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٢/٧٠٤.
35 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٢١٨.
36 روضة المحبين، ابن القيم ص ٢٢٥-٢٢٦.
37 تفسير آيات الأحكام، محمد علي السايس ص ٥٩٧.
38 زاد المعاد، ابن القيم ٢/٢٨.
39 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٣٧٢.
40 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج، لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج)، وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح، رقم ٥٠٦٥، وباب من لم يستطع الباءة فليصم، رقم ٥٠٦٦، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة، رقم ١٤٠٠.
41 جامع البيان، الطبري ١٧/٢٧٥-٢٧٦.
42 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٣/٤٥٩.
43 معالم التنزيل، البغوي ٦/٤٠.
44 الكشاف، الزمخشري ٣/٢٣٧.
45 تفسير السمرقندي ٢/٤٣٩، النكت والعيون، الماوردي ٤/٩٩ بتصرف.
46 لطائف الإشارات، القشيري ٢/٣٦٦.
47 مفاتيح الغيب، الرازي ٧/٨٧.
48 الكشاف، الزمخشري ١/٥٠٣.
49 التفسير الوسيط، طنطاوي ١/٨١٨-٨١٩.
50 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (لا يسألون الناس إلحافًا)، رقم ٤٥٣٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب المسكين الذي لا يجد غنى، ولا يفطن له فيتصدق عليه، رقم ٢٣٤٨.
51 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٢/٣٤٨.
52 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٩/١٢٧١.
53 جامع البيان، الطبري ١٧/٢٧٤.
54 المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، أبو حامد الغزالي ص ١١٩.
55 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٢١٨ بتصرف.
56 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٩/١٢٧٢.
57 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب فضائل الجهاد، باب ما جاء في المجاهد والمكاتب والناكح وعون الله إياهم ٣/٤٦٢، رقم ١٦٥٥، والنسائي في سننه، كتاب النكاح، باب عون الناكح الذي يريد العفاف، ٥/١٥٢، رقم ٥٣٠٧، وابن ماجه في سننه، كتاب العتق، باب المكاتب، ٢/٨٤١-٨٤٢، رقم ٢٥١٨. قال الترمذي: حديث حسن. وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٨٥، رقم ٣٠٥٠.
58 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٠/٢٢٧.
59 التفسير الوسيط، الزحيلي ٢/١١٠١.
60 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٧٩.
61 معالم التنزيل، البغوي ٤/٢٢٧.
62 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٣٢.
63 انظر: العفاف أريد، قصص وأحداث العفيفين والعفيفات، أبو الحسن الفقيه ص ١٧.
64 انظر: الجواب الكافي، ابن القيم ص ٢٠٨.
65 انظر: المصدر السابق ص ٤٨٧.
66 التفسير الموضوعي لسور القرآن، مجموعة مؤلفين ٣/٥٢٠.
67 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٨٣.
68 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٥٧.
69 انظر: العفاف أريد، قصص وأحداث للعفيفين والعفيفات، أبو الحسن بن محمد الفقيه ص ١٩.
70 زاد المسير، جمال الدين ابن الجوزي ١/٦٩٣.
71 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٥٨، التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، مجموعة مؤلفين ٣/٥٢٢.
72 الوجيز، الواحدي ٢/٥٤٤.
73 التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، مجموعة مؤلفين ٣/٥٢٣.
74 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٥٢٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٥-٢٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٥٦.
75 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٢١٩.
76 تفسير السمرقندي ١/٤٢٩.
77 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٣١٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٨٢، المستفاد من قصص القرآن، عبد الكريم زيدان ١/١٠٧.
78 النكت والعيون، الماوردي ٢/٢٨.
79 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٢٢٤-٢٢٥.
80 تفسير الراغب الأصفهاني ٤/٣٢٣.
81 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٦٥.
82 فتح القدير، الشوكاني ٢/٤٤.
83 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٣٢٦، تفسير الشعراوي ٥/٣٠٧٤.
84 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٣/١٦٨٠، معالم التنزيل، البغوي ٣/٤٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٨٥.
85 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٨٧٦.
86 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٣/١٠٧٦.
87 أضواء على التربية الإسلامية، على القاضي ص ٣٢.
88 تفسير تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٦٠.
89 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٠٨.
90 أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٣٥٠.
91 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٥٢.
92 إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي ٧/١١٨٦.
93 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٦٠.
94 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٤٨٦.
95 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٤٨٩، البحر المحيط في التفسير، أبو حيان الأندلسي ٤/٤٧٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٧، فتح القدير، الشوكاني ٢/٤٣١، في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٤٩٦، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢٠٣.
96 انظر: العفة ومنهج الاستعفاف، يحيى العقيلي ص ٥١، موسوعة الأخلاق الإسلامية، مؤسسة الدرر السنية ١/٤١٢.
97 انظر: الغزو الفكري، ممدوح فخري ص ٢٩.
98 اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية ١/١٣٢.
99 انظر: العفة وسائلها ومعوقاتها وثمراتها، محمد الهبدان ص ١٧.
100 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج، لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج)، وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح، رقم ٥٠٦٥، وباب من لم يستطع الباءة فليصم، رقم ٥٠٦٦، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة، رقم ١٤٠٠.
101 في ظلال القرآن ٤/٢٥١٤.
102 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب النكاح، باب إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه ٣/٣٨٦ رقم ١٠٨٤. وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/١١٢، رقم ٢٧٠.
103 انظر: حراسة الفضيلة، بكر أبو زيد ص ٦٥.
104 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٣٤.
105 الفوائد، ابن القيم ١/٢١٩.
106 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٤٣٣.
107 انظر: الهداية في شرح بداية المبتدي، المرغيناني ٢/٣٦٣.
108 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٦٣.
109 تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله العلوان ٢/٨٥٩-٨٦٠.
110 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٣١.
111 جامع البيان، الطبري ١٨/٥٣٩.
112 التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٤١.
113 إغاثة اللهفان، ابن القيم ١/٢٤٠.
114 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الصبر عن محارم الله، رقم ٦٤٧٤.
115 انظر: التيسير في أحاديث التفسير، محمد الناصري ٥/١٣١.
116 المصدر السابق ٤/٢٦٣.
117 عودة الحجاب، محمد المقدم ٣/٢٦.
118 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب فضائل الجهاد، باب ما جاء في المجاهد والمكاتب والناكح وعون الله إياهم ٣/٤٦٢، رقم ١٦٥٥، والنسائي في سننه، كتاب النكاح، باب عون الناكح الذي يريد العفاف، ٥/١٥٢، رقم ٥٣٠٧، وابن ماجه في سننه، كتاب العتق، باب المكاتب، ٢/٨٤١-٨٤٢، رقم ٢٥١٨. قال الترمذي: حديث حسن. وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٨٥، رقم ٣٠٥٠.
119 إرشاد العقل السليم ٤/١١٣.
120 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٤٣.
121 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب فضل من ترك الفواحش، رقم ٦٨٠٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم ١٠٣١.
122 انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي ٧/١٢٠.
123 انظر: فتح الباري، ابن رجب ٦/٤٥.
124 جامع البيان، الطبري ١٩/١٠٩.
125 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب ما جاء في حفظ اللسان ٨/١٠٠، رقم ٦٤٧٤.
126 المحرر الوجيز، ابن عطية ٧/١٢٠.