عناصر الموضوع
العتاب
أولاً: المعنى اللغوي:
العتاب مصدر عاتب، «وعتب عليه عتبًا وعتابًا وتعتابًا ومعتبًا ومعتبةً، لامه وخاطبه مخاطبة الإدلال طالبًا حسن مراجعته، ومذكرًا إياه بما كرهه منه»1، وكذلك قال الأزهري2.
قال صاحب مقاييس اللغة: « (عتب) العين والتاء والباء أصلٌ صحيح، يرجع كله إلى الأمر فيه بعض الصعوبة من كلامٍ أو غيره» 3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يخرج المعنى الاصطلاحي للعتاب عن المعنى اللغوي المذكور سابقًا، فالعتاب: مخاطبة الإدلال، ومذاكرة الموجدة4، فهو لوم من طرف لآخر على سبيل الحب والإدلال5، وإنما يعاتب من ترجى عنده العتبى، أي: الرجوع عن الذنب والإساءة، أو ما هو أولى، وهذا المعنى هو أنسب معاني العتاب وأمسها بالموضوع.
ورد الجذر (عتب) في القرآن الكريم (٥) مرات 6.
والصيغ التي وردت عليها هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٤ |
(ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الجاثية:٣٥] |
اسم المفعول |
١ |
(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [فصلت:٢٤] |
وورد العتاب في القرآن بمعناها في اللغة وهو: مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة. تقول: عاتبه معاتبة. قال الشاعر7:
أعاتب ذا المودة من صديق إذا ما رابني منه اجتناب
اللوم:
اللوم لغة:
لام يلومه لومًا وملامًا وملامةً ولومةً فهو ملوم ومليمٌ، ولامه إذا عذله وعنفه8.
اللوم اصطلاحًا:
هو «عذل الإنسان عما فيه عيب» 9.
الصلة بين العتاب واللوم:
أن العتاب هو خطاب على تضييع حقوق المودة والصداقة فهو مفارق للوم، فاللوم هو خطاب وتنبيه على أمورٍ واجبة التحقق ويترتب على تركها ضررٌ10، وعلى ذلك فاللوم يكون مقرونًا بالشدة والتأنيب، بينما العتاب فيه لطف ولين.
النصيحة:
النصيحة لغةً:
نصحت له نصوحًا ونصيحةً ومناصحةً: أي أخلصت وصدقت، والاسم النصيحة، والنصيح: الناصح، وهي كلمة جامعة لإرادة الخير للمنصوح11.
النصيحة اصطلاحًا:
هي «الدعاء إلى ما فيه الصلاح، والنهي عما فيه الفساد»12.
الصلة بين العتاب والنصيحة:
العتاب يكون عند تقصير صادر من المنصوح تجاه الناصح، بينما النصيحة تكون بتوجيه ما فيه خير للمنصوح دون وجود تقصير.
العفو:
العفو لغة:
مصدر عفا يعفو عفوًا، والعفو يطلق على معنيين أصليين:
أحدهما: ترك الشيء، والآخر: طلبه 13.
والعفو اصطلاحًا:
كف الضرر مع القدرة عليه، وكل من استحق عقوبة فتركها، فقد عفا14.
الصلة بين العتاب والعفو:
العتاب توجيه اللوم للمقصر بلطف لضياع حقوق، والعفو ترك العقوبة عن المذنب.
تنوعت أساليب القرآن في الحديث عن العتاب، وسوف نتناولها بالبيان فيما يأتي:
أولاً: أسلوب المؤاخذة الصريح:
تنوعت أساليب القرآن في العتاب ما بين التصريح والتعريض، وكلاهما خلاف الآخر، فمما قيل في تعريفهما أن التعريض: تضمين الكلام دلالة ليس لها فيه ذكر، كقولك: ما أقبح البخل، تعرض بأنه بخيل.
فيفهم السامع مراد المتكلم من غير تصريح.
والتصريح: خلاف التعريض، كقولك: أنت بخيل، ممن يعتقد أنه بخيل. فلا يحتمل الكلام غير المقصود15.
ولما كان العتاب من سنة الأحباب.
قال تعالى عن الكفار في يوم القيامة: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الروم: ٥٧].
فقوله: (ﯞ ﯟ) أي: الذين وضعوا الأشياء في غير مواضعها (ﯠ) أي: يطلب منهم ظاهرًا أو باطنًا بتلويح أو تصريح أن يزيلوا ما وقعوا فيه مما يوجب العتب، وهو الموجدة عن تقصير يقع فيه المعتوب؛ لأن ذلك لا يكون إلا بالطاعة، وقد فات محلها بكشف الغطاء؛ لفوات الدار التي تنفع فيها الطاعات؛ لكونها إيمانًا بالغيب، والعبارة تدل على أن المؤمنين يعاتبون عتابًا يلذذهم16.
ومن أشد الآيات الصريحة في العتاب آيات سورة عبس، ومع ذلك جاءت ممهدة، فآذنت النبي صلى الله عليه وسلم بالعتاب أولًا، ثم جاءت بالصريح، بل ومن أشد الصريح، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [عبس:١-٢].
أي: قطب النبي صلى الله عليه وسلم وجهه، وأعرض؛ لأن جاءه الأعمى، وقطع كلامه، وهو عبد الله بن أم مكتوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه ابن أم مكتوم كلامه، فأعرض عنه.
(ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [عبس: ٣-٤] أي: وما يعلمك ويعرفك يا محمد لعل الأعمى يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح بسبب ما يتعلمه منك، أو يتذكر فيتعظ بما تعلمه من المواعظ، فتنفعه الموعظة.
وفي هذا إيماء إلى أن غير الأعمى ممن تصدى لتزكيتهم وتذكيرهم من المشركين لا يرجى منهم الهداية، وفيه تعظيم من الله سبحانه لابن أم مكتوم.
وبعد هذا الوصف المؤذن بالعتاب جاء العتاب صريحًا في قوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [عبس: ٥-٦].
أي: أما من استغنى بماله وثروته وقوته عما لديك من معارف القرآن والهداية الإلهية، وعن الإيمان والعلم، فأنت تقبل عليه بوجهك وحديثك، وهو يظهر الاستغناء عنك والإعراض عما جئت به!
(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [عبس: ٧] أي: لا بأس ولا شيء عليك في ألا يسلم ولا يهتدي، ولا يتطهر من الذنوب، فإنه ليس عليك إلا البلاغ، فلا تهتم بأمر من كان مثل هؤلاء من الكفار17.
قال سيد قطب: «جاء الإسلام ليقول: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الحجرات: ١٣].
فيضرب صفحًا عن كل تلك القيم الثقيلة الوزن في حياة الناس، ثم جاء هذا الحادث لتقرير هذه القيمة في مناسبة واقعية محددة.
جاء الرجل الأعمى الفقير ابن أم مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشغول بأمر النفر من سادة قريش، لا لنفسه ولا لمصلحته، ولكن للإسلام ولمصلحة الإسلام.
فلو أسلم هؤلاء لانزاحت العقبات العنيفة والأشواك الحادة من طريق الدعوة في مكة، وانتشر بعد ذلك الإسلام فيما حولها، بعد إسلام هؤلاء الصناديد الكبار.
فأعرض صلى الله عليه وسلم عن الرجل المفرد الفقير الذي يعطله عن الأمر الخطير، الأمر الذي يرجو من ورائه لدعوته ولدينه الشيء الكثير، والذي تدفعه إليه رغبته في نصرة دينه، وإخلاصه لأمر دعوته، وحبه لمصلحة الإسلام، وحرصه على انتشاره!
فجاء العتاب من الله العلي الأعلى لنبيه الكريم، صاحب الخلق العظيم، في أسلوب عنيف شديد.
وللمرة الوحيدة في القرآن كله يقال للرسول الحبيب القريب: (ﭻ) وهي كلمة ردع وزجر في الخطاب!
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [عبس:١-٢] بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب! وفي هذا الأسلوب إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث من الكراهة عند الله بحيث لا يحب سبحانه أن يواجه به نبيه وحبيبه؛ عطفًا عليه، ورحمة به، وإكرامًا له عن المواجهة بهذا الأمر الكريه!
ثم يستدير التعبير -بعد مواراة الفعل الذي نشأ عنه العتاب- إلى العتاب في صيغة الخطاب.
فيبدأ هادئًا شيئًا ما: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [عبس: ٣-٤].
ما يدريك أن يتحقق هذا الخير الكبير، أن يتطهر هذا الرجل الأعمى الفقير -الذي جاءك راغبًا فيما عندك من الخير-، وأن يتيقظ قلبه فيتذكر فتنفعه الذكرى.
ثم تعلو نبرة العتاب وتشتد لهجته، وينتقل إلى التعجيب من ذلك الفعل محل العتاب: (ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [عبس:٥-١٠].
أما من أظهر الاستغناء عنك وعن دينك وعما عندك من الهدى والخير والنور والطهارة، أما هذا فأنت تتصدى له وتحفل أمره، وتجهد لهدايته، وتتعرض له وهو عنك معرض!
وأما من جاءك طائعًا مختارًا (ﭴ ﭵ) ويتوقى (ﭷ ﭸ ﭹ)، ويسمي الانشغال عن الرجل المؤمن الراغب في الخير التقي تلهيًا، وهو وصف شديد، ثم ترتفع نبرة العتاب حتى لتبلغ حد الردع والزجر: (ﭻ) لا يكن ذلك أبدًا»18.
ثانيًا: أسلوب التعريض:
لم يقتصر القرآن الكريم على الأساليب الصريحة في العتاب، بل اشتمل على عدة آيات، استنبط العلماء منها أن المراد منها عتاب غير صريح، ومن هذه الآيات:
قوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأحزاب: ٣٩].
وأنه تعريض بمعاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بالعتاب الأول في خشيته الناس19.
وقوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ [الصف: ١٠-١١].
فقد استنبط العلماء منه أنه تعريضٌ للمؤمنين بالعتاب على توليهم يوم أحدٍ بعد أن قالوا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه، فندبوا إلى الجهاد، فكان ما كان منهم يوم أحدٍ، فنزلوا منزلة من يشك في عملهم بأنه خيرٌ؛ لعدم جريهم على موجب العلم20.
وكذلك قوله تعالى: (ﮥ ﮦ) [التوبة:٤٠].
عتاب من الله أيضًا للمؤمنين بعد انصراف نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من تبوك؛ لأن معناها: إن تركتم نصره، فالله يتكفل به؛ إذ قد نصره الله في مواطن القلة، وأظهره على عدوه بالغلبة والعزة21.
وقوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأعراف:١٠].
عتاب من الله تعالى لبني آدم على قلة شكرهم22.
وقوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأحزاب:٢١].
عتاب من الله للمتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدير الكلام: لقد كان لكم في رسول الله قدوة حسنةٌ أن تتأسوا به، ولا تتخلفوا عنه، وتصبروا على الحرب ومعاناة الشدائد، لمن كان يرجو ثواب الله، والفوز بالنجاة في اليوم الآخر، وقد قرن الله الرجاء بكثرة ذكر الله23.
تحدث القرآن الكريم عن صور من عتاب الله تعالى لأنبيائه، وسوف نتناولها بالتوضيح فيما يأتي:
أولاً: عتاب الله سبحانه وتعالى لآدم عليه السلام:
آدم عليه السلام أول الأنبياء وأبو البشر، خلقه الله بيديه، لما عصى الله تعالى قال تعالى عنه: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [طه:١٢١].
وصفه بالعصيان والغواية، وهو أبو الأنبياء.
وكرر ذلك في مواضع عدة من كتابه الكريم؛ وذلك تحذيرًا من خطر الانحراف عن شرع الله، فما بالكم بمن هو دون آدم صلوات الله وسلامه عليه بمراحل كثيرة؟!24.
ووردت قصة آدم عليه السلام في سبعة مواطن في القرآن الكريم، وهي سور: «البقرة» و«الأعراف» و«الحجر» و«الإسراء» و«طه» و«الكهف» و«ص».
عاتب الله آدم عليه السلام لاستجابته لإغواء إبليس، وتوبته مما أقدم عليه، قال عز وجل: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف: ٢٢-٢٣].
وقال سبحانه: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [البقرة:٣٧].
وقال عز من قائل: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [طه:١٢٢].
قال الزمخشري: «(ﰈ ﰉ) عتاب من الله تعالى وتوبيخ وتنبيه على الخطأ، حيث لم يحذرا ما حذرهما الله من عداوة إبليس»25.
وقال أبو السعود: «(ﰍ ﰎ) عطف على (ﰉ) أي: ألم أقل لكما (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) وهذا عتاب وتوبيخ على الاغترار بقول العدو»26.
ما يستفاد من القصة:
تضمنت قصة آدم عليه السلام العديد من الفوائد والعبر، نذكرها فيما يلي:
هذه أهم القضايا الرئيسة التي أبرزتها قصة آدم عليه السلام كما عرضها القرآن الكريم، وهي في مجملها تبرز صورة الصراع بين الحق والباطل، وبين الإنسان وعدوه الأول والأخير إبليس الرجيم.
ثانيًا: عتاب الله سبحانه وتعالى لنوح عليه السلام:
وهذا نوح عليه السلام لما سأل الله ما ليس له به حق في ابنه أن ينجيه، فقال: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [هود: ٤٥].
قال ابن عاشور: «النداء هنا نداء دعاءٍ، فكأنه قيل: ودعا نوحٌ ربه؛ لأن الدعاء يصدر بالنداء غالبًا، والتعبير عن الجلالة بوصف الرب مضافًا إلى نوحٍ عليه السلام تشريفٌ لنوحٍ وإيماءٌ إلى رأفة الله به، وأن نهيه الوارد بعده نهي عتابٍ»27.
فماذا قال الله تعالى؟
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [هود: ٤٦].
حذره من الجهل، وأن هذا السؤال ليس لك إنما للجاهلين28.
ويبدو في ظاهر تلك الآيات أن الله عاتب نوحًا على أسلوبه بقوله: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) فلابد وأن يكون نوح أخطأ! وحقيقة الأمر أنه كاد أن يسأل نوح ربه أن ينجي كافرًا -ولا يجوز له ذلك- لجهله بكفر ابنه، فيحذره الله ألا يسأل ما لا يعلم.
ويرفع الله قدر نبيه بأن يرتقي به من أن يكون من الجاهلين بأن ينهاه عن السؤال بغير علم، بينما الأمر واضح أنه طالما استثنى الله ابن نوح فإن الولد كافر، وماذا في ذلك؟ فالله يهذب أنبيائه ويعلمهم؛ حتى يكونوا قدوة لأتباعهم المؤمنين.
وبعد أن ذكر الله تعالى هذه الزلة ومعاتبته إياه عليها، ذكر توبته منها، ورجوعه إليه، واستغفاره إياه واعترافه على نفسه بالجهل لها، فقال -جل جلاله-: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [هود: ٤٦].
وقال عز وجل في اعترافه وتوبته: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [هود: ٤٧]29.
ثالثًا: عتاب الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام:
مما ورد في كتاب الله تعالى، ويدل على معاتبته له، قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [طه:٨٣-٨٤].
قال الزمخشري: «(ﮠ ﮡ) أي: شيء عجل بك عنهم على سبيل الإنكار، وكان قد مضى مع النقباء إلى الطور على الموعد المضروب، ثم تقدمهم شوقًا إلى كلام ربه، وتنجز ما وعد به، بناء على اجتهاده وظنه أن ذلك أقرب إلى رضا الله تعالى، وزل عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرًا إلى دواعي الحكمة، وعلمًا بالمصالح المتعلقة بكل وقت، فالمراد بالقوم: النقباء، وليس لقول من جوز أن يراد جميع قومه وأن يكون قد فارقهم قبل الميعاد وجه صحيح.
فإن قلت: (ﮠ ﮡ) سؤال عن سبب العجلة، فكان الذي ينطبق عليه من الجواب أن يقال: طلب زيادة رضاك أو الشوق إلى كلامك وتنجز موعدك، وقوله: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [طه:٨٤].
كما ترى غير منطبق عليه.
قلت: قد تضمن ما واجهه به رب العزة شيئين:
أحدهما: إنكار العجلة في نفسها.
والثاني: السؤال عن سبب المستنكر والحامل عليه، فكان أهم الأمرين إلى موسى بسط العذر، وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه، فاعتل بأنه لم يوجد منى إلا تقدم يسير، مثله لا يعتد به في العادة ولا يحتفل به، وليس بيني وبين من سبقته إلا مسافة قريبة يتقدم بمثلها الوفد رأسهم ومقدمهم، ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب، فقال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [طه:٨٤].
ولقائل أن يقول: حار لما ورد عليه من التهيب لعتاب الله، فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المرتب على حدود الكلام»30.
رابعًا: عتاب الله سبحانه وتعالى لداود عليه السلام:
معلوم ثناء الله تعالى على داود عليه السلام في كتابه الكريم، فنبي الله داود قد آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب، وجعله خليفة في الأرض ليحكم بين الناس.
واختلف أهل العلم في سبب عتاب الله له على قولين:
الأول: طلبه من أحد جنوده أن ينزل له عن امرأته، وكان ذلك أمرًا مباحًا عندهم، ووجه العتاب فيه: ارتكابه خلاف الأولى.
والتمس أصحاب هذا القول أن ذلك مشابهًا لما كان عليه المهاجرون والأنصار في بادئ الأمر.
قال ابن جزي: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [ص:٢٣].
هذه حكاية كلام أحد الخصمين، والأخوة هنا أخوة الدين، والنعجة في اللغة تقع على أنثى بقر الوحش وعلى أنثى الضأن، وهي هنا عبارة عن المرأة، ومعنى: (ﮢ) أملكها لي، وأصله: اجعلها في كفالتي، وقيل: اجعلها كفلي، أي: نصيبي، ومعنى: (ﮣ ﮤ ﮥ) أي: غلبني في الكلام والمحاورة يقال: عز فلان فلانًا إذا غلبه.
الثاني: تركه قضاء حوائج الناس.
فنبي الله داود قد آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب، وجعله خليفة في الأرض ليحكم بين الناس، فهذه مهمته وهذا منصبه وهذه مؤهلاته، لكنه قسم زمنه إلى أثلاث: يوم لأهل بيته وشأنه الخاص، ويوم يجلس فيه للحكم بين الناس، ويوم يخلو ويعتكف لله سبحانه وتعالى في محرابه، ولكن هل الرسل بعثوا ليعتكفوا في المحاريب؟ وهل القضاة يتركون القضاء بين الناس ويعتكفون؟ لا.
فأداء الواجب مقدم على ذلك، فلما حصل من داود عليه السلام ما حصل وكان الخلطاء في حالة لا ترضى، بعث الله له ملكين تسورا عليه المحراب (ﮁ ﮂ) قالوا: نحن خصمان بغى بعضنا على بعض، وذكرا له القضية، وهي قضية محلولة لا تحتاج إلى قضاء، رجل عنده تسعة وتسعون نعجة والثاني عنده واحدة، فقال صاحب التسعة والتسعين: أعطنيها أكمل المائة، وهذا ظلم لو عرضته على طفل صغير لقال: لا.
هذا ظالم، ولا حاجة إلى قاضٍ صاحب اجتهاد قد أوتي الحكمة.
إذًا القضية منتهية.
لكن ليرشد نبي الله داود بأن مهمته ليست الاعتكاف (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) سبحان الله (ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) أي: بترك الخلطاء يبغي بعضهم على بعض وهو معتكف في محرابه، وما دمت تعترف بأن الخلطاء يبغي بعضهم على بعض، فلماذا تتركهم ومهمتك الأساسية الخلافة في الأرض، وقد آتيناك الحكمة وفصل الخطاب؟ لماذا تعطل هذا وتأتي إلى محرابك تعتكف؟
قال أصحاب هذا القول: «هذه هي حقيقة الفتنة المذكورة في سورة ص، ولن يكون للمرأة دخل في هذه القضية البتة؛ لأن الله قدم لهذه القصة، فقال: (ﭕ ﭖ) [ص:١٧].
وإضافته بصفة العبودية أعظم في التكريم (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [ص:١٧] صاحب القوة المعنوية والقوة المادية.
(ﭛ ﭜ) شديد الأوب والرجوع إلى الله.
(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [ص: ١٨-١٩].
سبحان الله! إنسان أعطي القوة، ويسخر الله الجبال معه بالتسبيح، ويجمع الله الطير عليه حينما يسبح فتسبح معه، وهو شديد الأوب إلى الله ويفتن بامرأة؟! والله ولا حتى المجنون يصدق هذا.
إذًا سياق القصة يدل على نزاهة نبي الله داود، وأن حقيقة الفتنة هو ما ذكر (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [ص: ٢٤]31.
وعلى كلا القولين بعد أن ذكر الله تعالى هذه الزلة ومعاتبته إياه عليها، ذكر توبته منها، ورجوعه إليه، واستغفاره إياه، فقال جل جلاله: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [ص: ٢٤] فغفر له ذلك32.
خامسًا: عتاب الله سبحانه وتعالى لسليمان عليه السلام:
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [ص: ٣٤].
اختلفت أقوال المفسرين فيما فتن فيه سليمان عليه السلام، وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب، والله أعلم بالصواب33.
قال أكثر المفسرين: «تزوج سليمان عليه السلام امرأة من بنات الملوك، فعبدت الصنم في داره، ولم يعلم بذلك سليمان، فامتحن بسبب غفلته عن ذلك»34.
وقيل: سبب فتنته قربانه بعض نسائه في الحيض، وقيل: احتجابه عن الناس ثلاثة أيام، وقيل: تزوجه في غير بني إسرائيل35.
وقال ابن كثير: «(ﮡ ﮢ ﮣ) أي: اختبرناه بأن سلبناه الملك مرةً»36.
وقال الألباني: أقرب ما قيل فيه: أن المراد بالفتنة كونه لم يستثن في الحديث الذي قال: (لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتي بفارس مجاهد في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن، فلم تحمل إلا امرأة واحدة وجاءته بشق رجل)37.
فالمراد بقوله: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [ص: ٣٤ ].
هو هذا، والجسد الملقى هو المولود شق رجل38.
وبعد أن ذكر الله تعالى هذه الزلة ومعاتبته إياه عليها، ذكر توبته منها، ورجوعه إليه، واستغفاره إياه، فقال جل جلاله: (ﮨ ﮩ) [ص: ٣٤ ] فغفر له ذلك.
سادسًا: عتاب الله سبحانه وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم:
إن من أعظم الأدلة على صدق القرآن وعلى صدق نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وعلى صدق حملة الإسلام من الصحابة عتاب الله الثابت حتى الآن للنبي صلى الله عليه وسلم، فكم من آية في كتاب الله يعاتب ربنا فيها النبي صلى الله عليه وسلم عتاب توجيه، أو عتاب تنبيه، أو عتاب تحذير.
وقد عاتب الله سبحانه نبيه في خمسة مواضع من كتابه: في الأنفال، وبراءة، والأحزاب، والتحريم، وعبس39.
حادثة ابن أم مكتوم:
من أوضح ما جاء من العتاب في القرآن قوله تعالى يعاتب رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءه أحد المسلمين يسأله في أمور الدين، وهو الصحابي عبد الله بن أم مكتوم، وكان الرسول ساعتئذٍ صلى الله عليه وسلم في حديث مع طائفة من المشركين مؤملًا أن يفضى به الحديث إلى إيمانهم، فلم يعن بأمر هذا المسلم السائل، بل أعرض عنه عابسًا، فنزل40 قوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [عبس: ١-١٠].
فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكرمه بعد هذا العتاب من الله.
قال الثوري: «فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه ويقول: (مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي) ويقول: (هل من حاجة؟)»41.
وهذا العتاب بدأ متحدثًا عن الغائب، وكأنه بذلك يريد أن يرسم الصورة لرسوله على لوحة يراها أمام عينيه على وجه غير وجهه، لتكون الصورة واضحة القسمات، بينة المعالم، فالمرء لا يرى وجه نفسه، ثم اتجه العتاب إلى الخطاب في رفق قريب من العنف، مبينًا ما لعله يرجى من الخير من هذا الأعمى السائل، ثم عقد موازنة بين من عني به النبي ومن أعرض عنه، فهذا مستغن لا يعنيه أن يصغي إلى الدعوة أو يطيعها، والآخر مقبل تملأ قلبه الخشية ويدفعه الإيمان، وقد سجل القرآن معاملة الرسول لهما، فهذا العتاب يحمل في ثناياه عذر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو ما تصدى لمن استغنى إلا أملًا في هدايته وإرشاده.
وقد يقسو القرآن في العتاب، بعد أن يكون قد استخدم الرفق واللين؛ وذلك في الأمور التي يترتب على التهاون فيها ما يودي بالدعوة.
كما ترى ذلك في قوله سبحانه: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [التوبة: ٣٨-٣٩].
ولعله بعد رفقه بهم وبيانه لهم أن متاع الحياة الدنيا قليل إذا قيس بمتاع الآخرة، رأى ألا يقف عند هذا الحد من الموازنة، بل مضى محذرًا منذرًا من العتاب القاسي؛ لأنه يمس أساسًا من أسس نشر الدعوة؛ لتأخذ طريقًا إلى النصر والنجاح كما في قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الأنفال: ٦٧-٦٨].
أما إذا لم يتصل العتاب بمثل ذلك من مهمات الأمور، فإن العتاب يرق ويلين، كما ترى ذلك في قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [التوبة: ٤٣].
وقوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [التحريم: ١].
فمعرفة الصادق والكاذب إذا كانت قد ضاعت في فرصة، فمن الممكن أن يتوصل إليها في فرصة أخرى، وتحريم النبي صلى الله عليه وسلم لما أحل الله له مسألة شخصية ليس لها من الأثر ما للجهاد من آثار.
قال العلماء: ما فعله ابن أم مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالمًا بأن النبي صلى الله عليه وسلم مشغولٌ بغيره، وأنه يرجو إسلامهم، ولكن الله -تبارك وتعالى- عاتبه؛ حتى لا تنكسر قلوب الضعفاء والمساكين؛ وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كان نوعًا من المصلحة؛ لأنه بإسلام هؤلاء القوم تسلم القبيلة كلها، إلا أن الله تبارك وتعالى وجهه إلى الأولى والأحسن، وهو أن النظر إلى المؤمن وإن كان فقيرًا أصلح وأولى من الإقبال على الأغنياء طمعًا في إيمانهم42.
تحريم ما أحل الله له:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [التحريم: ١-٢].
فهذا عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، حين حرم على نفسه سريته مارية أو شرب العسل؛ مراعاة لخاطر بعض زوجاته، في قصة معروفة، فأنزل الله تعالى هذه الآيات: (ﭑ ﭒ) أي: يا أيها الذي أنعم الله عليه بالنبوة والوحي والرسالة (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) من الطيبات التي أنعم الله بها عليك وعلى أمتك.
(ﭚ) بذلك التحريم (ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) هذا تصريح بأن الله قد غفر لرسوله صلى الله عليه وسلم، ورفع عنه اللوم، ورحمه، وصار ذلك التحريم الصادر منه، سببًا لشرع حكم عام لجميع الأمة، فقال تعالى حاكمًا حكمًا عامًا في جميع الأيمان: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) أي: قد شرع لكم، وقدر ما به تنحل أيمانكم قبل الحنث، وما به الكفارة بعد الحنث، وذلك كما في قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [المائدة: ٨٧].
إلى أن قال: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [المائدة: ٨٩].
فكل من حرم حلالًا عليه، من طعام أو شراب أو سرية، أو حلف يمينًا بالله، على فعل أو ترك، ثم حنث أو أراد الحنث، فعليه هذه الكفارة المذكورة، وقوله: (ﭩ ﭪ) أي: متولي أموركم، ومربيكم أحسن تربية، في أمور دينكم ودنياكم، وما به يندفع عنكم الشر، فلذلك فرض لكم (ﭦ ﭧ) لتبرأ ذممكم (ﭬ ﭭ ﭮ) الذي أحاط علمه بظواهركم وبواطنكم، وهو الحكيم في جميع ما خلقه وحكم به؛ فلذلك شرع لكم من الأحكام، ما يعلم أنه موافق لمصالحكم، ومناسب لأحوالكم.
ومعنى العتاب ظاهرٌ في هذه الآيات، كما في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [عبس: ١-٣].
وكلاهما له علاقةٌ بالجانب الشخصي، سواءٌ ابتغاء مرضاة الأزواج، أو استرضاء صناديد قريشٍ، وهذا مما يدل على أن التشريع الإسلامي لا مدخل للأغراض الشخصية فيه43.
وقد اختلف في سبب نزول هذه الآيات، مع اتفاق مضمونها بأنه كان لتحريم شيء حلال؛ طلبًا لرضا أزواجه صلى الله عليه وسلم.
فقال ابن كثير: «اختلف في سبب نزول صدر هذه السورة فقيل: نزلت في شأن مارية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرمها، ثم ساق الأحاديث في تلك القضية ثم قال: والصحيح أن ذلك كان في تحريمه العسل، ثم ساق الأحاديث»44.
وقال الطبري -بعد عرض الروايات-: «والصواب من القول في ذلك أن يقال: كان الذي حرمه النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه شيئًا كان الله قد أحله له، وجائز أن يكون ذلك كان جاريته، وجائز أن يكون شرابًا من الأشربة، وجائز أن يكون كان غير ذلك، غير أنه أي ذلك كان فإنه كان تحريم شيء كان له حلالًا، فعاتبه الله على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحله، وبين له تحلة يمينه في يمين كان حلف بها مع تحريمه ما حرم على نفسه»45.
وقال السعدي: «هذا عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين حرم على نفسه سريته مارية أو شرب العسل»46.
الزواج من زينب رضي الله عنها:
عاتب الله نبيه في سورة الأحزاب، فقال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأحزاب: ٣٧].
قال ابن العربي: «تـخشى الناس أن يعاتبوك، وعتاب الله أحق أن تخشاه»47.
فهذا عتاب من الله تعالى له صلى الله عليه وسلم أنه أخفى ما سيبديه ربه تعالى، وأنه خشي من المنافقين وأهل السوء أن يطعنوا فيه عندما يتزوج من مطلقة ابنه بالتبني!
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا لكتم هذه»48.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا مما أنزل عليه لكتم هذه الآية: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأحزاب: ٣٧]»49.
وتفصيل ذلك: أن زيد بن حارثة رضي الله عنه كان في أول أمر الإسلام ابنًا للنبي صلى الله عليه وسلم بالتبني، وكان يدعى «زيد بن محمد» وقد زوجه النبي صلى الله عليه وسلم من ابنة عمته زينب بنت جحش رضي الله عنها، فلما أبطل الله تعالى التبني نسب زيدٌ لأبيه حارثة.
ثم إن زيدًا رضي الله عنه اشتكى لنبينا صلى الله عليه وسلم من زوجته زينب رضي الله عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم يصبره ويذكره بتقوى الله تعالى، وبعد ذلك الإبطال للتبني يوحي الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن زيدًا سيطلق زوجته وأنها ستكون زوجة له، فأخفى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر -وهو تزوجه بزينب مستقبلًا- عن الناس ولم يبده لأحد، ولم يكن وحيًا مأمورًا بتبليغه، وإنما خبر سيتحقق، وقد حصل فعلًا أن طلق زيد زوجته زينب، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم.
فليس في قصة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب ما يقدح في مقامه، ولا ما ينزل من قدره، وما يذكره بعض المفسرين في ذلك من أقوال تخالف ما ذكرناه فكله ضعيف مردود.
قال ابن العربي: «فإن قيل: لأي معنى قال له: (ﭳ ﭴ ﭵ) [الأحزاب: ٣٧].
وقد أخبره الله أنها زوجه؟
قلنا: أراد أن يختبر منه رغبته فيها أو رغبته عنها، فأبدى له زيد من النفرة عنها والكراهة فيها ما لم يكن علمه منه في أمرها.
فإن قيل: كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لابد منه، وهذا تناقض؟!
قلنا: بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة، ألا ترى أن الله تعالى يأمر العبد بالإيمان، وقد علم أنه لا يؤمن، فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلًا وحكمًا، وهذا من نفيس العلم فتيقنوه، وتقبلوه»50.
وإذا كان الله يعلم أن زواج زيد بزينب لن يستمر إلا سنة واحدة ثم يتزوجها محمد صلى الله عليه وسلم: فلماذا لم يأمره بالزواج بها ابتداءً؟
فيجاب عن ذلك بأنه لا يجوز للإنسان أن يقترح على الله تعالى ماذا يفعل؟ ولا أن يعترض على فعله؛ وذلك لكمال علم الله تعالى وحكمته وقدرته، فلا يفعل إلا ما فيه الحكمة والمصلحة التي كثيرًا ما تغيب عن الإنسان ولا يعلمها، قال الله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنبياء:٢٣ ].
ثم أمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم بتزوج زينب بعد طلاق زيد لها فيه حكمة عظيمة، وهي تقرير إبطال التبني تقريرًا عمليًا من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حتى يعلم الجميع أن الابن من التبني ليس له أحكام الابن من الصلب، فزوجة الابن من التبني حلال لمن تبناه، وهذه الحكمة تفوت لو أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج زينب ابتداءً.
والتطبيق العملي للأحكام الشرعية يختلف في قوته وأثره عن الواقع النظري، وخاصة فيما يتعلق بأمرٍ مشتهر في الجاهلية ويراد القضاء عليه.
ومن أمثلة ذلك: إفطار النبي صلى الله عليه وسلم في السفر لما شق الصيام على الصحابة، ولم يكتف بأمرهم بالإفطار.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدحٍ من ماءٍ فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال: (أولئك العصاة، أولئك العصاة)51.
وفي ذلك يقول تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأحزاب: ٣٧].
قال ابن كثير: «قوله: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأحزاب:٣٧ ].
أي: إنما أبحنا لك تزويجها وفعلنا ذلك لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء، أي: الأبناء من التبني؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة قد تبنى زيد بن حارثة، فكان يقال له: زيد بن محمد.
فلما قطع الله هذه النسبة بقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأحزاب: ٤-٥].
ثم زاد ذلك بيانًا وتأكيدًا بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش لما طلقها زيد بن حارثة؛ ولهذا قال في آية التحريم: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [ النساء: ٢٣ ].
ليحترز من الابن الدعي؛ فإن ذلك كان كثيرًا فيهم.
وقوله: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) أي: وكان هذا الأمر الذي وقع قد قدره الله تعالى وحتمه، وهو كائن لا محالة، كانت زينب في علم الله ستصير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم»52.
وأوضح منه فيما نريده ما قاله الطاهر ابن عاشور رحمه الله حيث قال: «وأشار إلى حكمة هذا التزويج في إقامة الشريعة، وهي إبطال الحرج الذي كان يتحرجه أهل الجاهلية من أن يتزوج الرجل زوجة دعيه، فلما أبطله الله بالقول إذ قال: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأحزاب: ٤].
أكد إبطاله بالفعل؛ حتى لا يبقى أدنى أثر من الحرج أن يقول قائل: إن ذاك وإن صار حلالًا فينبغي التنزه عنه لأهل الكمال، فاحتيط لانتفاء ذلك بإيقاع التزوج بامرأة الدعي من أفضل الناس، وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
والجمع بين (اللام) و(كي) توكيد للتعليل، كأنه يقول: ليست العلة غير ذلك»53.
فكيف لتلك الأحكام والفضائل أن تظهر لولا وقوع التبني فعليًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تزويجه لابنه في التبني من ابنة عمته، ثم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم منها بعد إبطال التبني؟
التجاوز عن المتخلفين عن غزوة تبوك:
عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في قبوله لأعذار المنافقين، وإذنه لهم بالتخلف عن غزوة تبوك؛ وذلك مصداق قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [ التوبة: ٤٣].
فتضمنت هذه الآية عتاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حيث أذن لمن طلب منه التخلف عن النفور والنهوض إلى تبوك، وكان من السياسة الرشيدة عدم الإذن لأحد حتى يتميز بذلك الصادق من الكاذب.
فقوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ) أي: تجاوز عنك ولم يؤاخذك، وقدم هذا اللفظ على العتاب الذي تضمنه الاستفهام (ﭾ ﭿ ﮀ) تعجيلًا للمسرة للنبي صلى الله عليه وسلم إذ لو أخر عن جملة العتاب لأوجد خوفًا وحزنًا.
وقوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) علة للعتاب على الإذن للمنافقين بالتخلف عن الخروج إلى تبوك54.
قال الطبري: «هذا عتاب من الله تعالى ذكره، عاتب به نبيه في إذنه لمن أذن له في التخلف عنه حين شخص إلى تبوك لغزو الروم من المنافقين، يقول جل ثناؤه: (ﭻ ﭼ ﭽ) يا محمد ما كان منك في إذن لهؤلاء المنافقين الذين استأذنوك في ترك الخروج معك، وفي التخلف عنك من قبل أن تعلم صدقه من كذبه (ﭾ ﭿ ﮀ) لأي شيء أذنت لهم؟! (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) يقول: ما كان ينبغي لك أن تأذن لهم في التخلف عنك إذ قالوا لك: لو استطعنا لخرجنا معك؛ حتى تعرف من له العذر منهم في تخلفه، ومن لا عذر له منهم، فيكون إذنك لمن أذنت له منهم على علم منك بعذره وتعلم من الكاذب والمتخلف نفاقًا وشكًا في دين الله، وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
قال مجاهد: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) ناس قالوا: استأذنوا رسول الله فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.
قال قتادة: قوله: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) الآية، عاتبه كما تسمعون ثم أنزل الله التي في سورة النور، فرخص له في أن يأذن لهم إن شاء فقال: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ) [النور: ٦٢].
فجعله الله رخصة في ذلك من ذلك.
قال عمرو بن ميمون الأودي: اثنتان فعلهما رسول الله لم يؤمر فيهما بشيء: إذنه للمنافقين، وأخذه من الأسارى، فأنزل الله: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) الآية.
قال مورق: (ﭻ ﭼ ﭽ) عاتبه ربه»55.
الصلاة على المنافقين:
أتى عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول لما مات أبوه المنافق عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، وحربة الحاسدين الناقمين على الإسلام، فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك حتى أكفن أبي فيه. وأبوه عدو للإسلام، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام تقديرًا لابنه المسلم المؤمن، أعطاه قميصه، فكفن هذا المنافق فيه؛ جزاءً لابنه، وإكرامًا له. فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر رضي الله عنه، فقال: أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين؟ فقال: (أنا بين خيرتين) قال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [التوبة: ٨٠].
فصلى عليه، فنزلت: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [التوبة ٨٤]56.
فجعلها صلى الله عليه وسلم خاتمة عمله في هذه المسألة أن لا يصلي على من علم نفاقه وكفره وضرره على الإسلام والمسلمين.
ثالثًا: الأساليب الرقيقة في عتابات الرسول صلى الله عليه وسلم:
المتتبع لمواقف العتاب للرسول صلى الله عليه وسلم يجده عتابًا لصالحه -عليه الصلاة والسلام-رحمةً به، وشفقةً عليه، لا كما يقول البعض: إن الله تعالى يصحح للرسول خطأ وقع فيه57.
فالقرآن ينتهج في العتاب نهجًا فريدًا، جامعًا فيه بين العذوبة والرقة والقوة، وهذان أمران أساسان في كل عتاب ناجح.
لأن العتاب مقام يقتضي نوعين من المعاني والألفاظ؛ لأنه لا يكون إلا عن تقصير أو خطأ، هذا أحد سببيه الأقوى، ولا يكون إلا حين يرجى من المعاتب عود إلى الجادة، وتوخي الصواب.
وعتاب القرآن الذي يهمنا هنا: عتاب الله رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء عتابه ناجحًا لاشتماله على تلك الخاصتين:
فمن عتاب الله رسوله صلى الله عليه وسلم الذي يتجلى فيه هذا المعنى:
قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [عبس: ١-١٦].
وهذا أشد عتاب وجهه الله لرسوله عليه الصلاة السلام، وبين له فيه كثيرًا من الحقائق، وفي هذا العتاب -مع شدته- اشتمل القرآن على كثير مما يخففه.
ويبين حسن نية الرسول -عليه الصلاة السلام- فيما بدر منه حين أعرض عن عبد الله بن أم مكتوم وأقبل على وفد قريش يحاورهم، فقد خفف من شدة هذا العتاب أن الله لم يسند العبوس والتولي للرسول مواجهًا له به، فجاء مسندًا إليه على طريقة الغيبة: (ﭑ ﭒ) ولم يقل له: عبست وتوليت وهو مقتضى الحال ترقيقًا له في العتاب حتى لكأن العابس والمتولي شخص آخر غير محمد عليه الصلاة السلام، والجمهور يسمون هذا السلوك القولي: وضع الغيبة موضع الخطاب.
ويسميه السكاكى: التفاتًا58 إذ لا يشترط أن يسبقه التعبير بواحد من طرقه الثلاثة، وأيًا كان الخلاف بينهم فإن المؤدى واحد هو كراهة إسناد ما لا يليق بالرسول على سبيل الخطاب.
وخفف منه أيضًا أن القرآن أبان أن ما حدث من الرسول لم يكن لغرض شخصي، بل لباعث من بواعث الرسالة التي جاء بها، وهو حرصه الشديد على هداية هؤلاء الناس، فكأنه أراد أن يستميلهم بحديثه وإقباله عليهم.
كما أن في التعبير بضمير المخاطب في قوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [عبس: ٣].
الإيناس بعد الإيحاش، والإقبال بعد توهم الإعراض، أما ابن أم مكتوم فمؤمن لا يتأثر بمثل هذه الأعمال التي بدرت من الرسول عليه الصلاة السلام لمصلحة دينية توقعها هو.
فهكذا يكون العتاب الرقيق باستخدام الألفاظ الرقيقة التي لا تؤثر سلبًا على نفس سامعها، بحيث ينسى أنه عتاب ويتحول إلى مدافعٍ ومجادلٍ عن موقفه؛ ليثبت أنه على صواب، ولا يؤتي العتاب -في تلك الحالة- ثمرته المرجوة.
وانظر إلى لطف العتاب في قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [التوبة: ٤٣].
فمبالغة في لطف عتاب الله له صدر العتاب بالعفو من أول الأمر، وقدم على ما استحق من أجله العتاب: (ﭾ ﭿ ﮀ) وأن العتاب الرقيق يدل على عظم منزلة المعاتب عند المعاتب، أن يبادره بالعفو، ثم يأخذ معه في بيان ما خالف فيه مما ينبغي ألا يكون.
وقد غلا الزمخشري في توجيه هذه الآية حيث قال: «(ﭻ ﭼ ﭽ) كناية عن الجناية؛ لأن العفو رادف لها، ومعناه: أخطأت وبئس ما فعلت» 59.
وغلوه في هذا التوجيه ظاهر؛ لأنه حمل الكلمة ما ليس من طبيعتها، وصرح بما لم يصرح به الله في كتابه، ولو كان هذا الذي يقوله الزمخشري مطلوبًا لله من هذه الآية لما منع مانع من ذكره.
ولو أنه فسر قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ) بما قاله في تفسير: (ﭻ ﭼ ﭽ) لكان لقوله شبهة قبول؛ لأن (ﭾ ﭿ ﮀ) هو موضوع المخالفة.
وقد تعقب ابن المنير قول الزمخشري، وخطأه فيه.
ثم قال: «ولقد أحسن من قال في هذه الآية: إن من لطف الله تعالى بنبيه أن بدأ بالعفو قبل العتب، ولو قال له ابتداءً: (ﭾ ﭿ ﮀ) لتفطر قلبه عليه الصلاة السلام.
فمثل هذا الأدب يجب احتذاؤه في حق سيد البشر عليه الصلاة والسلام» 60.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [التحريم: ١].
قال الألوسي: «(ﭞ ﭟ ﭠ) فيه تعظيم لشأنه صلى الله تعالى عليه وسلم بأن ترك الأولى بالنسبة إلى مقامه السامي الكريم يعد كالذنب، وإن لم يكن في نفسه كذلك، وأن عتابه صلى الله تعالى عليه وسلم- ليس إلا لمزيد الاعتناء به، وقد زل الزمخشري ها هنا كعادته، فزعم أن ما وقع من تحريم الحلال المحظور لكنه غفر له عليه الصلاة والسلام» 61.
وقال سيد قطب: «(ﭞ ﭟ ﭠ) يوحي بأن هذا الحرمان من شأنه أن يستوجب المؤاخذة، وأن تتداركه مغفرة الله ورحمته، وهو إيحاء لطيف»62.
ومن ذلك أيضًا ما رواه مسلم63 عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: (لما أسروا الأسارى في بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ وعمر: (ما ترون في هؤلاء الأسارى؟) فقال أبو بكرٍ: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فديةً فتكون لنا قوةً على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ترى يا ابن الخطاب؟) قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكرٍ ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًا من عقيلٍ فيضرب عنقه، وتمكني من فلانٍ -نسيبًا لعمر- فأضرب عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكرٍ، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيءٍ تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة) شجرةٍ قريبةٍ من نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عز وجل: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنفال: ٦٧].
فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف آثر السلامة، وهو رأي كثير من أصحابه، ولكن الله -تبارك وتعالى- أرشده إلى الأولى من ذلك، وهو الشدة في هذا الموقف؛ لأن هؤلاء هم صناديد الكفر، وكبار أهل الضلال، فالأولى معهم القتل والتنكيل بدلًا من العفو والصفح، خاصة والدعوة في بداياتها، وتحتاج إلى أن تظهر بمظهر القوة بين قبائل العرب، وكان هذا هدفًا لا يعدله المال، ولذا سمي هذا اليوم بيوم الفرقان لعظمته في تاريخ الدعوة.
فعاتبه الله بقوله: (ﯛ ﯜ ﯝ) فالخطاب ليس موجهًا مباشرة إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولكن المعنى: لا يحق لأي نبي مهما كان أن يكون في هذا الموقف وعنده أئمة الكفر الذين حاربوه وأخرجوه ومكروا به، وأرادوا قتله أن يعفو عنهم.
وهكذا يكون العتاب الرقيق الذي لا يوجه مباشرة إلى الملوم؛ حتى لا يتشاغل بالدفاع عن نفسه، وينسى في ظل الجو شديد السخونة أن يتعلم ويفهم المراد من التوجيهات السديدة، والنصائح الرشيدة، ويفهم عن اقتناع ورضا نفس أن الأولى هو فعل ما يرشد إليه العاتب.
ولقد تعلم النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا فقه العتاب وفنه من أحاديث ومواقف الأنبياء التي قصها الله -تبارك وتعالى- عليه، وأعلمه بها، فمن ذلك ما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نزل نبيٌ من الأنبياء تحت شجرةٍ، فلدغته نملةٌ، فأمر بجهازه، فأخرج من تحتها، ثم أمر بها فأحرقت فأوحى الله إليه فهلا نملةً واحدةً) 64.
عاتب الله تبارك وتعالى هذا النبي الذي يقال: إنه العزير، بأنه قتل جماعة النمل لأنه لدغ من واحدة فقط، فاستدعى الله انتباهه وقال له: (فهلا نملةً واحدة).
والناظر لقوله تعالى: (فهلا نملةً واحدةً) يجد أنها لطيفة موجهة لما هو أرفق بهذا النبي؛ حيث إن الموقف لا يستدعي الشدة، فالخطب يسير، وأمة النمل مهما بلغت لا تملك من أمرها شيئًا.
وعلى هذا المنوال من الأدب الجم والفقه العميق لفن العتاب، تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في المواقف التي تحتاج إلى ذلك، وتوجيههم إلى ما هو أصلح وأولى، فكان صلى الله عليه وسلم بذلك يهذب أصحابه ولا يلجئهم إلى الدفاع عن أنفسهم، بل يلفت انتباههم إلى العبرة والعظة من العتاب.
ولقد حرص صلى الله عليه وسلم أن تكون الصيغ والكلمات معبرة وموحية بالحب والعطف والشفقة على محدثه؛ لتنفذ هذه النصائح والكلمات إلى قلبه؛ فيتأثر بها ويعمل بمقتضاها.
وغيرها من المواقف التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصرح باسم أحد من صحابته، بل يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا)65 يعاتبهم بأسلوب مهذب رقيق، ليس فيه تجريح للمشاعر، ولا غض من قيمة الشخص الذي اقترف خطأ، فكان صلى الله عليه وسلم مثلًا حيًا للصحابة في فقه التعامل مع الناس؛ حتى قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم قلما يواجه رجلًا في وجهه بشيءٍ يكرهه»66.
بل كان يتعامل مع أهله -أعني زوجاته- بهذا الفقه، فمن ذلك ما قصه ربنا -تبارك وتعالى- في سورة التحريم، حيث قال: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [التحريم: ٣].
أي أن النبي صلى الله عليه وسلم استكتم حفصة سرًا بتحريم العسل على نفسه، وأن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتي على أمتي من بعدي؛ فذكرته حفصة لعائشة، فأظهره الله عليه، فعرف بعضه وأعرض عن بعض.
أي: قال لها: إن الله أوحى إلي ما أفشيت من السر في تحريم العسل، وأنك أخبرت عائشة بذلك.
وهذا التغاضي عن كثير من أخطاء الأحبة والمقربين من شيم الكرام الأخيار الذين لا يلومون أحبابهم على كل ما يفعلون، أو يأتون من أخطاء، ولكن يكفي التعريض ببعضها والكف عن البعض الآخر.
ويعد هذا من قمة فقه العتاب وفنه بمكان، لا يصل إليه إلا من تأدب بآداب القرآن، وتعلم من النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.
قال الحسن: «ما استقصى كريم قط»67.
وقال سفيان: «ما زال التغافل من فعل الكرام»68.
وعلى هذا يجب علينا أن نتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم الأساليب اللطيفة في العتاب والمحاورة الرقيقة التي تجعل المعاتب لا يخرج عن حب معاتبه، ولا يجنح إلى الإعراض عنه، بل يسمع ويطيع؛ لأن معاتبه لا يبغي إلا صلاحه وكماله سواء في الفعل أو القول.
هذه بعض المواقف من حياته صلى الله عليه وسلم التي تبرز وتوضح ما للعتاب من قيمة حيوية في ديننا وشريعتنا، لعلنا نعتبر بها في عصر الجفاء والغلظة علها أن تبرد أكبادنا، وتطفئ نار قلوبنا، وتهدئ من روعنا69.
ونلحظ ثلاثة جوانب في آيات الذكر الحكيم من عتاب لبعض الأنبياء والمرسلين:
أولها: إثبات بشرية هؤلاء الأنبياء، وأنهم وإن بلغوا قمة الكمالات البشرية فلا تزول عنهم صبغة البشر المخلوق الذي تتنازعه الطاقات والقوى المودعة فيه، فإن صلتهم بالملأ الأعلى، وسعيهم الحثيث لتطبيق ما يوحى إليهم، والمسارعة إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى يجعل منهم قدوة لأتباعهم في الإيمان والعمل الصالح، إلا أن دواعي الحاجة الإنسانية من طعام وشراب وسير في الأسواق للكسب والمعاش، وعدم الاطلاع على الغيب ومستقبل الأيام، وما يعتريهم من مرض ونسيان وضعف في القوى الجسمية كل ذلك يؤكد بشريتهم، فلا يستطيعون النجاة منها، وإلى هذا الجانب أشار القرآن الكريم في دحض شبهة من زعم أن عيسى وأمه إلهين من دون الله (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [المائدة: ٧٢-٧٥].
فبلوغ الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه الدرجات العليا من القربى والطاعة لا تخرجهم عن طبيعة البشر، ولا يجوز اتـخاذهم شركاء مع الله سبحانه وتعالى.
وقد ضلت الأمم السابقة في هذا الأمر فاختلطت عليهم المقاييس، فبلغ من تقديسهم لأنبيائهم وصالحيهم أن عبدوهم من دون الله، كما فعلت النصارى فضلوا وأضلوا.
وأبرزت بعض الأمم جانب البشرية فيهم وضخمته، ونفت عنهم المزايا التي يتميزون بها عن غيرهم، فنسبت إليهم كل نقيصة ظلمًا وزورًا فضلوا وأضلوا، كما فعل اليهود في سير أنبيائهم، والمنهج العدل أن يعتقد في اصطفائهم من البشر لحمل رسالة ربهم وتبليغها إلى الناس على خير وجه، وصلتهم بالملأ الأعلى، وتلقيهم عن طريق الوحي إليهم، وهي مكانة لا تدانيها مكانة غيرهم من البشر.
إلا أنهم يبقون من البشر (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الكهف: ١١٠].
فوجود النسيان والسهو من بعض الأنبياء تأكيد لهذا الجانب، من غير أن يؤثر على مكانتهم الرفيعة عند ربهم ومولاهم جل جلاله.
ثانيها: جانب تربوي تعليمي: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يمثلون قمة العبودية لله تعالى، وهم القدوة لغيرهم في ذلك.
كما أن سيرتهم الذاتية هي النبراس لغيرهم أثناء السير إلى الله تعالى، فلئن وقع منهم بمقتضى الطبيعة البشرية ما يعاتبون عليه سرعان ما يرجعون إلى الله، ويلتجئون إلى عفوه ومغفرته، ويتفيؤون ظلال رحمته ورضوانه.
إن في رسم معالم التوبة والاستغفار واستدرار الرحمة والرضوان من خلال سيرة الأنبياء تشريعًا للأمم، ولو لم تكن هذه الوقائع في سيرهم فأنى للمذنبين أن يدركوا طريق الإنابة إلى ظلال رحمة ربهم.
إن في لجوء آدم عليه السلام إلى ربه بالابتهال والإنابة (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف: ٢٣].
وفي استسلام نوح عليه السلام لربه ورجوعه إليه، وإيثار رضوانه على ما تطلعت إليه نفسه بشأن ابنه أكبر المعالم التربوية إلى يوم القيامة (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [هود: ٤٧].
وفي ابتهال ذي النون في بطن الحوت (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأنبياء: ٨٧].
زادٌ لمن وقع في ضيق الدنيا وتقلبات أحوالها، وسدت في وجهه السبل.
وفي إنابة داود عليه السلام واستغفاره وإقباله على ربه بالطاعة والعبادة، إدراك للصلة بين العبد وخالقه ومولاه ومالكه (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [ص: ٢٤-٢٥].
لو ترك البشر يشرعون لأنفسهم طريق التوبة والإنابة والاستغفار لما اهتدوا إلى رضوان ربهم، ولضلوا كما ضل من شرع لنفسه شئون حياته الدنيوية، إن (الدعاء هو العبادة)70.
والشرائع التعبدية كلها من الله سبحانه وتعالى، وليس لأحد أن يشرع لنفسه، والمقربون إلى الله سبحانه وتعالى يدركون ما يليق بالذات القدسية من كمالات وما تنزع عنها الذات القدسية من نقص ومحال، والبشر عاجزون عن ذلك، فما يكون كمالًا في حق البشر، قد يكون نقصًا محالًا على الذات الإلهية؛ إن وجود الولد والزوجة والقرين والشريك من متطلبات الحياة الإنسانية، وتعتبر من الكمالات البشرية ومن عدمها اشتكى من نقص في نفسه.
أما بالنسبة لله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [مريم: ٨٨-٩٣].
(ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الأنعام: ١٠٠-١٠٣].
ثالثها: إن من يمعن النظر في الأقوال والأعمال التي عوتب عليها الأنبياء صلوات الله عليهم يجدها لا تخرج عن دائرة الأقوال والأفعال التي تدخل في دائرة الاجتهاد وورود الاحتمالات عليها، والموقف الذي اتـخذه النبي في الغالب يكون مما يقال عنه أن الأولى كان الوجه الآخر، إلا أن هذه الأولوية لا تدرك إلا بعد التنبيه الرباني ولا يمكن الاستدلال عليها بالظواهر والأسباب المتاحة عند وجود الحادثة، وإلا لأدى إلى ارتكاب النبي المخالفة الواضحة، وهم منزهون عن ذلك.
وإذا كان العتاب يرد على خلاف الأولى، والتهديد يرد على الأمر المفروض غير الواقع.
ولمن العتاب؟ ولمن التهديد؟ لصفوة الله من خلقه وأنبيائه المرسلين إلى عباده، فكيف يكون الحال بالنسبة لمن خالف صريح أمره، وارتكب صريح نهيه، وعصى محكم شرعه؟
إن في ذكر هذه الألوان من العتاب إيجاد حاجز نفسي بين العباد وبين المعصية، ومخالفة شرائع الله71.
ومن أهم آداب العتاب التي تستنبط من القرآن الكريم:
فلا تعتب على أخيك بكل كبيرة وصغيرة، وإذا كنت في كل الأمور معاتبًا صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه؛ فكثرة العتاب تودي إلى القطيعة، فلابد من الحكمة في العتاب.
فمن حين إلى آخر، إن رأيت من أخيك شيئًا أقلقك ينبغي أن تعاتبه، فهذا دليل صدق المحبة، والحرص على دوام الوصال، فأكبر عقاب من الله عز وجل للكافر عدم استعتابه، حيث قال: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النحل: ٨٤] فالكافر لا يستعتب؛ لأنه خارج العناية الإلهية، أما المؤمن فيستعتب.
فعند العتاب لابد أن تذكر محاسن أخيك، وتشير إلى فضائله.
وفي ذلك فوائد -أي: في ذكر المحاسن والإشارة إلى الفضائل- فوائد كثيرة من هذه الفوائد:
أولًا: ذكر المحاسن والفضائل هو مدخل إلى تقبل العتاب، وتطييب لنفس صاحبك لما هو فيها. ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل) قالت: حفصة فكان بعد لا ينام إلا قليلًا 72.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء المدينة)73.
بل امدح على قليل الصواب يكثر من الممدوح الصواب.
ثانيًا: من الذل أن تذكر المساوئ والأخطاء، وتوجع قلب أخيك بتكرار ما عليه، ولا تشير إلى فضائله ومحاسنه، ولا شك أن هذا ظلم للعباد، أن تنقل عنهم شرهم، وتخفي خيرهم.
فالمؤمن مرآة أخيه، أن يكون القصد من العتاب مقصدًا شريفًا؛ لأجل النصح والتوجيه، وليس بتتبع الزلات والسقطات، وروي أن رجلًا صحب رجلًا فلما أراد أن يفارقه قال له: أخبرني عن عيوبي، فقال: سل غيري؛ فإني كنت أراك بعين الرضا.
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا74
فبعض الناس يفعل ذلك بشكل منفر للنفس والعياذ بالله، وهنا إذا حصل ذلك يخرج العتاب عن معناه الصحيح، ويصبح هذا العتاب هو الشرارة الأولى للعداوة، وهو الذي عبر عنه الشاعر بقوله75:
فدع العتاب فرب شر هاج أوله العتاب
بل يكن لسان حالك وأنت تعاتب أخاك أو زوجك أو ولدك:
أنت عيني وليس من حق عيني
طبق أجفانها على الأقذاء
وذلك عن طريق التماس العذر، فلا يغلق عليه الأبواب بعتاب غليظ جاف، ثم يريده أن يعتذر منه، ألم تر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه المتخلفون عن غزوة تبوك يعتذرون عن تخلفهم، أخذ بظواهرهم وقبل اعتذارهم، ووكل سريرتهم إلى الله تعالى.
وتأمل صنيع الشافعي، قال يونس الصدفي: «ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يومًا في مسألة ثم افترقنا، فلقيني فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة؟»76.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لم يدخل الرفق في شيء إلا زانه)77 .
وقال عليه السلام: (إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق!)78.
يدخل أعرابي المسجد فيبول في ناحية منه، فيغضب عليه بعض الصحابة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن فعلهم هذا حتى فرغ الأعرابي، ثم يناديه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن)79.
كلمات يسيرة، تخرج في رحمة وإشفاق، فتلامس شغاف قلب رجل البادية، فيرفرف قلبه حبورًا ويقول في ذهول: «اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا»80.
ومن الرفق استخدام العبارات اللطيفة في إصلاح الخطأ والعتاب، فمثلًا حينما نقول للمخطئ: لو فعلت كذا، ما رأيك لو نفعل كذا؟ أنا أقترح أن تفعل كذا، عندي وجهة نظر أخرى ما رأيك لو تفعلها؟ فلا شك أنها أفضل مما لو قلت له: يا قليل التهذيب والأدب، وعديم المروءة والرجولة ألا تفقه؟! ألا تفهم؟! ألا تسمع؟! ألا تعقل؟!
والعتاب يمحو كل ما يعتلي القلب من كراهية وأحقاد وأحزان.
موضوعات ذات صلة: |
الحوار، الدعوة، النصيحة |
1 انظر: العين، الفراهيدي ٢/٧٥- ٧٧، الصحاح، الجوهري ١/١٧٥ -١٧٧، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٢/٥٣- ٥٥، المفردات، الأصبهاني ص ٥٤٥، مشارق الأنوار على صحاح الآثار، القاضي عياض ٢/٦٥، النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٣/١٧٥- ١٧٦، مختار الصحاح، الرازي ص ١٩٩، لسان العرب، ابن منظور ١/٥٧٦- ٥٨٠، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، الفيومي ٢/٣٩١، تاج العروس، الزبيدي ٣/٣٠٩- ٣١٦، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة ٢/٥٨١، .
2 انظر: تهذيب اللغة ٢/١٦٥.
3 مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٢٢٥.
4 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢٣٦.
5 انظر: نضرة النعيم، مجموعة باحثين ٨/٣٤١٩.
6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٤٤٥.
7 انظر: تاج اللغة، الجوهري، ١/١٧٦.
8 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٤١٠١، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١١٥٩.
9 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢٩٣.
10 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٣٥٠.
11 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٢/٦١٥.
12 التعريفات، الجرجاني ص٢٤١.
13 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٥٦، جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/٩٣٨.
14 انظر: الكليات، الكفوي ص ٥٣، ٥٩٨.
15 انظر: التعريفات، الجرجاني ص٦٢، الحدود الأنيقة، زكريا الأنصاري ص٧٨، أنيس الفقهاء، قاسم الحنفي ص٥٥.
16 انظر: نظم الدر، البقاعي ١٥/١٣٤.
17 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٣٠/٦١.
18 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٨٢٣- ٣٨٢٥ بتصرف.
19 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٨٨، التفسير الوسيط، الزحيلي ٣/٢٠٧٣.
20 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/١٩٥.
21 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٠/٢٢٠.
22 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٢/٢٠٠.
23 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٥٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/١٥٥، فتح القدير، الشوكاني ٤/٣١١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/٢٧٩.
24 انظر: الوارف في مشروعية التثريب على المخالف عبدالعزيز الجربوع ص٩.
25 الكشاف ٢/٩٦.
26 إرشاد العقل السليم ٣/٢٢١.
27 التحرير والتنوير ١٢/٨٤.
28 انظر: الوارف في مشروعية التثريب على المخالف، عبدالعزيز الجربوع ص٩- ١٠.
29 انظر: بحر الفوائد، الكلاباذي ص٣٥٧.
30 الكشاف ٣/٨٠- ٨١.
وانظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/٨٦.
31 تفسير سورة الحجرات، عطية سالم ٢/١٢- ١٣.
32 انظر: بحر الفوائد، الكلاباذي ص٣٥٧.
33 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٦٩.
34 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٥٥٣.
35 انظر: إيجاز البيان عن معاني القرآن، أبو القاسم النيسابوري ٢/٧١٣.
36 تفسير القرآن العظيم ٧/٦٦.
37 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من طلب الولد للجهاد، ٤/٢٢، رقم ٢٨١٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب الاستثناء، ٣/١٢٧٦، رقم ١٦٥٤.
38 انظر: السلسلة الضعيفة، الألباني ١٢/٦٢٩.
39 انظر: البرهان في علوم القرآن، الزركشي ٢/١٣- ١٤.
40 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ومن سورة إذا الشمس كورت، رقم ٣٣٣١ واستغربه.
واختلف في وصله وإرساله، وصحح الموصول الوادعي في الصحيح المسند من أسباب النزول ص٢٣٠.
41 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٢١٣.
42 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٢١٣، السراج المنير، الخطيب الشربيني ٤/٤٨٥.
43 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٢١٩.
44 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٦٢، المحرر في أسباب نزول القرآن، خالد المزيني ٢/١٠٣٢.
45 انظر: جامع البيان ٢٣/٨٩، المحرر في أسباب نزول القرآن، خالد المزيني ٢/١٠٣٣.
46 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٧٢، المحرر في أسباب نزول القرآن، خالد المزيني ٢/١٠٣٣.
47 أحكام القرآن ٣/٥٧٦.
48 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب (وكان عرشه على الماء)، ٩/١٢٤، رقم ٧٤٢٠.
49 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: (ولقد رآه نزلة أخرى)، ١/١٦٠، رقم ١٧٧.
50 أحكام القرآن ٣/٥٧٨ ونقله عنه القرطبي في جامعه ١٤/١٩١ وأقره.
51 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، ٢/٧٨٥، رقم ١١١٤.
52 تفسير القرآن العظيم ٦/٤٢٦.
53 التحرير والتنوير ٢٢/٣٩.
54 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٣٧٢.
55 جامع البيان ١١/٤٧٧-٤٧٩.
56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الكفن في القميص، ٢/٧٦، رقم ١٢٦٩، ومسلم في صحيحه، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، ٤/٢١٤١، رقم ٢٧٧٤.
57 انظر: تفسير الشعراوي ١٤/٨٦١٨.
58 انظر: مفتاح العلوم السكاكي ص١٧٥.
59 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٢٧٤.
60 الانتصاف فيما تضمنه الكشاف، ابن المنير ٢/٢٧٤ ـ مع الكشاف.
وانظر: خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية، عبدالعظيم المطعني ١/٢٧٣-٢٧٦.
61 روح المعاني ١٤/٣٤٣.
62 في ظلال القرآن ٦/٣٦١٥.
63 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، وإباحة الغنائم، ٣/١٣٨٣، رقم ١٧٦٣.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب دخلت امرأة النار في هرة، رقم ٣٠٧٢.
65 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في حسن العشرة، ٤/٢٥٠، رقم ٤٧٨٨.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم ٢٠٦٤.
66 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الترجل، باب في الخلوق للرجال، ٤/٨١، رقم ٤١٨٢.
وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، رقم ٤١٨٢.
67 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٨/١٦٤.
68 انظر: عون المعبود، العظيم آبادي ٩/٦٣١.
69 موقع صيد الفوائد.
70 أخرجه أبو داود في سننه، تفريع أبواب الوتر، باب الدعاء، ٢/٧٦، رقم ١٤٧٩، والترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة، ٥/٦١، رقم ٢٩٦٩، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء ٢/١٢٥٨، رقم ٣٨٢٨، وأحمد ٣٠/٣٤٠، رقم ١٨٣٩١.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ٢/١٢٧، رقم ١٦٢٧.
71 انظر: مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم ص٢٦٢- ٢٦٧.
72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب فضل قيام الليل، ٢/٤٩، رقم ١١٢٢، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، ٤/١٩٢٧، رقم ٢٤٧٩.
73 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ذهاب العلم، ٤/٣٢٨، رقم ٢٦٥٣.
وصححه الألباني في صحيح الجامع ٢/١١٧٣، رقم ٢٣٢٨.
74 البيت للشافعي في ديوانه ص١٢٣ ت: د.عمر فاروق الطباع.
ونسب لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر. انظر: الحيوان، الجاحظ ٣/٢٣٦، عيون الأخبار، ابن قتيبة٣/١٦، العقد الفريد، ابن عبدربه ٢/١٩٤.
75 البيت من شواهد تهذيب اللغة ٢/١٦٥، تاج العروس ٣/٣١١، لسان العرب ١/٥٧٨ دون نسبة.
76 انظر: تاريخ دمشق، ابن عساكر ٥١/٣٠٢.
77 أخرجه أحمد في مسنده، ٢١/١٦٧، رقم ١٣٥٣١.
وصحح الألباني في صحيح الجامع ٢/٩٨٧، رقم ٥٦٥٤ لفظ: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه ».
78 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٠/٣٤٦، رقم ١٣٠٥٢.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع ١/٤٤٧، رقم ٢٢٤٦.
79 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات، ١/٢٣٦، رقم ٢٨٥.
80 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، ٨/١٠، رقم ٦٠١٠.