عناصر الموضوع
العبرة
أولًا: المعنى اللغوي:
العبرة: اسم من الاعتبار1، وهو مأخوذ من مادة (ع ب ر)، والمتأمل كتب المعاجم اللغوية يجد أن «العين والباء والراء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدل على النفوذ والمضي في الشيء. يقال: عبرت النهر عبورًا» 2.
ويقال:عبر الرؤيا: يعبرها عبرًا وعبارةً. وعبرها: فسرها وأخبر بآخر ما يؤول إليه أمرها3.
ومن الباب: عبر الرجل والمرأة والعين من باب طرب، أي: جرى دمعه، ورجلٌ عابر سبيلٍ، أي: مار الطريق، ويقال: عبر الرؤيا، فسرها4.
قال الخليل: «العبرة: الاعتبار بما مضى، أي: الاتعاظ والتذكر» 5.
و «العابر: الناظر في الشيء، والمعتبر: المستدل بالشيء على الشيء» 6.
فالمعنى اللغوي يدور حول الانتقال، والتجاوز من حال إلى حال، سواء أكان هذا الانتقال والتجاوز محسوسًا، أم كان معنويًا.
ثانيا: المعنى الاصطلاحي:
قال الراغب: العبرة هي: «الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد»7.
إلا أن هذا التعريف غير جامع؛ لأن هناك حالات غير مشاهدة، ذكرها القرآن الكريم، وكانت مضربًا للعبرة، كقصص السابقين.
وقيل: هي الحالة التي ينتقل الذهن من معرفتها إلى معرفة عاقبتها وعاقبة أمثالها8.
وعرفها الواحدي النيسابوري بقوله: «والعبرة: الآية التي يعبر بها من منزلة الجهل إلى العلم؛ لأن المعتبر بالشيء، تاركٌ جهله، وواصلٌ إلى علمه بما رأى -ثم قال- وأصله من: «العبور»، وهو: النفوذ من أحد الجانبين إلى الآخر. ومنه: «العبارة» وهو: الكلام الذي يعبر بالمعنى إلى المخاطب، «وعبارة الرؤيا» من ذلك؛ لأنه تفسير لها، يعبر بها من حال النوم إلى حال اليقظة بإظهار التأويل»9.
وعرف ابن منظور العبرة بأنها كالموعظة مما يتعظ به الإنسان ويعمل به ويعتبر ليستدل به على غيره10.
وردت مادة (عبر) في القرآن الكريم (٧) مرات 11.
والصيغ التي وردت عليها هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الأمر |
١ |
(ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الحشر:٢] |
المصدر |
٦ |
(ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [النازعات:٢٦] |
وجاءت العبرة في القرآن بمعناها اللغوي، وهو: الدلالة بالشيء على مثله للعظة والاعتبار، وحقيقتها: الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد، كقوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [يوسف: ١١١]، يعني: عظةً وتذكرةً لهم12.
الآية:
الآية لغة:
بمعنى العجب، وبمعنى العلامة، وبمعنى الجماعة13.
الآية اصطلاحًا:
الآية أصلها العلامة الدالة على شيء، من قول أو فعل، وآيات الله الدلائل التي جعلها دالة على وجوده، أو على صفاته، أو على صدق رسله، ومنه آيات القرآن التي جعلها الله دلالة على مراده للناس14.
الصلة بين العبرة والآية:
«الآية» من الألفاظ التي فيها قدر مشترك مع «العبرة»؛ ذلك لأن من معاني العبرة «الدلالة»، ومن معاني الآية العلامة الدالة على الشيء، ومن ذلك قوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الحجر: ٧٧]. قال ابن عباس: لعبرةً للمصدقين15.
الاتعاظ:
الاتعاظ لغة:
من «الوعظ» والوعظ هو:النصح والتذكير بالعواقب و«اتعظ» أي: قبل «الموعظة» يقال: السعيد من «وعظ» بغيره والشقي من «اتعظ» به غيره16.
الاتعاظ اصطلاحا:
قبول الموعظة بكف النفس عن الشر، وذلك من قولهم:««اتعظ»: قبل الموعظة وائتمر وكف نفسه»17.
الصلة بين العبرة والاتعاظ:
الاتعاظ هو حالة تنتج عن العبرة، فمن شاهد العبر اتعظ، وتجنب الوقوع في المهالك.
التفكر:
التفكر لغةً:
تردد القلب في الشيء. يقال: تفكر إذا ردد قلبه معتبرًا. ورجل فكير: كثير الفكر18.
التفكر اصطلاحًا:
تصرف القلب في معاني الأشياء؛ لدرك المطلوب، وقيل: هو إحضار ما في القلب من معرفة الأشياء19.
الصلة بين العبرة والتفكر:
العبرة أعم وأشمل من التفكر؛ لأن التفكر هو تصرف القلب بالنظر في الدليل، أما العبرة فهي تشمل النظر في الدليل وفي غيره كالنظر في العواقب، وفي غير ذلك.
وبناء على ذلك: فإن في كل عبرة تفكرًا وتأملًا، وليس في كل تفكر عبرة.
الغفلة:
الغفلة لغة:
من «غفل»، والغين والفاء واللام أصلٌ صحيحٌ يدل على ترك الشيء سهوًا، وربما كان عن عمدٍ20.
الغفلة اصطلاحًا:
هو سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ21.
الصلة بين العبرة والغفلة:
العبرة: الاعتبار بما مضى، أي: الاتعاظ والتذكر»22، أما «الغفلة» فهي من الألفاظ المقابلة التي تعني «فقد الشعور بما حقه أن يشعر به»23، وهذا يعنى أن صاحبها قد يتصف بالغباء والبلادة بعكس المعتبر؛ ومن ثم فالعلاقة بين اللفظين التضاد.
أشار القرآن الكريم إلى مواطن متعددة، يحسن بالعبد أخذ العبرة فيها، ومن تلك المواطن:
أولًا: بدائع القدرة الإلهية في الكون:
إن من مواطن العبرة في القرآن، والتي بها نقف على بدائع القدرة الإلهية في الكون؛ مشهد تقليب الليل والنهار.
وهو مشهد يوقظ في القلب الأحاسيس، وفي النفس الخشوع، وفي الروح الخضوع.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [النور: ٤٤].
والتقليب تغيير هيئة إلى ضدها ومنه (ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الكهف: ٤٢].
أي: يدير كفيه من ظاهر إلى باطن، فتقليب الليل والنهار: تغيير الأفق من حالة الليل إلى حالة الضياء، ومن حالة النهار إلى حالة الظلام، فالمقلب هو الجو بما يختلف عليه من الأعراض، ولكن لما كانت حالة ظلمة الجو تسمى ليلًا، وحالة نوره تسمى نهارًا، عبر عن الجو في حالتيه بهما، وعدى التقليب إليهما بهذا الاعتبار.
ومما يدخل في معنى التقليب تغيير هيئة الليل والنهار بالطول والقصر، ولمراعاة تكرر التقلب بمعنييه عبر بالمضارع المقتضي للتكرر والتجدد24.
ومن هذا التعريف للتقليب يتبين أن تقليب الليل والنهار يشمل كل المعاني التي ذكرها المفسرون على أنها اختلاف؛ فالتقليب يحتمل أن يكون بمعنى «أن يأتي بالليل بعد النهار ويأتي بالنهار بعد الليل، أو أن ينقص من الليل ما يزيد من النهار وينقص من النهار ما يزيد في الليل، أو أنه يغير النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى، ويغير الليل بظلمة السحاب مرة وبضوء القمر مرة، أو أن يقلبها باختلاف ما يقدر فيهما من خير وشر ونفع وضر25.
فالتقليب إذًا هو«تعاقبهما ومجيء أحدهما بعد الآخر وهو كقوله: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الفرقان: ٦٢].
ومنها ولوج أحدهما في الآخر، وأخذ أحدهما من الآخر، ومنها تغير أحوالهما في البرد والحر وغيرهما، ولا يمتنع في مثل ذلك أن يريد تعالى معاني الكل؛ لأنه في الإنعام والاعتبار أولى وأقوى»26.
إن الإنسان حينما يطلق لعقله عنان التفكير في هذا الجانب من جوانب الكون-مشهد تقليب الليل والنهار ليرى بدائع القدرة الإلهية في الكون، فالليل والنهار آيتان يتتابعان لكن دون رتابة، فالليل قد يأخذ من النهار، والنهار يأخذ من الليل، وقد يستويان في الزمن تمامًا. ومن تقليب الليل والنهار ما يعتريهما من حرٍ أو برد أو نور وظلمة.
إذن: فالمسألة ليست ميكانيكية رتيبة، إنما هي قيومية الله تعالى وقدرته في تصريف الأمور على مراده تعالى؛ لذلك يقول تعالى بعدها: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [النور: ٤٤]» 27.
ثانيًا: بدائع القدرة الإلهية في المخلوقات:
إن الوقوف على بدائع القدرة الإلهية في المخلوقات، ولا سيما الأنعام، محلٌ للعبرة، والاتعاظ، وبها يوقف على دلائل تمام قدرة الخالق سبحانه، وانفراده تعالى بالخلق، وسعة العلم، وهذه هي حقيقة العبرة التي يعبر بها الإنسان من الجهل إلى العلم.
قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [المؤمنون: ٢١-٢٢].
الأنعام: «اسم جمع لكل جماعة من أحد أصناف الإبل والبقر والضأن والمعز»28.
والمتأمل أحوال الأنعام، بداية من خلق الإبل والبقرة والغنم إلى ما فيها من منافع، يجد مصداق ذلك.
فالمنافع كثيرة، ومنها ما ذكر القرآن:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [النحل: ٧ ]، وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [يس: ٧١-٧٣]29.
إن تأمل مواقع العبرة التي تضمنها البيان المعجز في قوله: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) تؤكد وجود العبرة بحرف التوكيد « إن » وكذلك بـ«لام الابتداء»، وهي «اللام المزحلقة» بين اسم «إن» المؤكدة وخبرها، وهي ترد أيضًا لتفيد معنى «التوكيد»، ومواقع العبرة يمكن أن تكون في هذا اللبن ذاته، مادته وأجهزة تصنيعه، وكذلك تركيبه الكيميائي وكيفية تنقيته بحيث يصير سائغًا لمن يشربه30.
والامتنان بهذه النعم الجليلة بقصد الإرشاد إلى الخالق، والتعرف على قدرة الله تعالى31.
فكأن القرآن الكريم يقول لنا إن الحقيقة من وراء ذكر الأنعام أن «تعتبروا بها، فتعرفوا بها أيادي الله عندكم، وقدرته على ما يشاء، وأنه الذي لا يمتنع عليه شيء أراده ولا يعجزه شيء شاءه»32.
ولذا قال أبوبكرٍ الوراق إذ يقول: «العبرة في الأنعام تسخيرها لأربابها وطاعتها لهم، وتمردك على ربك وخلافك له في كل شيء»33.
ثالثًا: قصص المرسلين وأقوامهم:
يعد القصص القرآني مجالًا خصبًا لأخذ العبرة، ولذا عقب القرآن بعد كل قصة في سورة الشعراء وغيرها بقوله (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ) [الشعراء: ٨]: أي: لعبرة لمن بعدهم34.
وأوضح دليل على ذلك تعقيب القرآن على قصة يوسف بقوله: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [يوسف: ١١١].
ومعنى ذلك أن قصة يوسف وأبيه وإخوته، أو في قصص الأمم «عبرةٌ» أي: فكرةٌ وتذكرةٌ وعظةٌ»35.
قال الطبري: «لقد كان في قصص يوسف وإخوته عبرة لأهل الحجا والعقول يعتبرون بها، وموعظة يتعظون بها وذلك أن الله جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجب ليهلك، ثم بيع بيع العبيد بالخسيس من الثمن، وبعد الإسار والحبس الطويل، ملكه مصر، ومكن له في الأرض، وأعلاه على من بغاه سوءًا من إخوته، وجمع بينه وبين والديه وإخوته بقدرته بعد المدة الطويلة، وجاء بهم إليه من الشقة النائية البعيدة، فقال جل ثناؤه للمشركين من قريش من قوم نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: لقد كان لكم، أيها القوم، في قصصهم عبرةٌ لو اعتبرتم به، أن الذي فعل ذلك بيوسف وإخوته، لا يتعذر عليه فعل مثله بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيخرجه من بين أظهركم، ثم يظهره عليكم، ويمكن له في البلاد، ويؤيده بالجند والرجال من الأتباع والأصحاب، وإن مرت به شدائد، وأتت دونه الأيام والليالي والدهور والأزمان36.
ولعل وجه الاعتبار بقصصهم هو أن الذي قدر على إعزاز يوسف بعد إلقائه في الجب، وإعلائه بعد حبسه في السجن، وتمليكه مصر بعد أن كان لبعض أهلها في حكم العبد، وجمع بينه وبين والديه وإخوته على ما أحب بعد المدة الطويلة ؛ لقادرٌ على أن يعز محمدًا، ويعلي كلمته، وينصره على من عاداه»37.
فالعبرة في خبر المرسلين مع قومهم إجمالًا، كيف أنجينا المؤمنين وأهلكنا الكافرين38.
ومن العبرة التي نشهدها في القصص القرآني: «إثبات الوحي والرسالة، وبيان أن الدين كله من عند الله، من عهد نوح إلى عهد محمد، وأن المؤمنين كلهم أمة واحدة، والله الواحد رب الجميع، وبيان أن غاية الأديان واحدة، فضلًا على أنها كلها من عند إله واحد، وبيان أن ثمة وسائل مشتركة عند الأنبياء في الدعوة، كالدعوة بالبيان والتبليغ وإقامة الحجة، وأن استقبال قومهم لهم متشابه، وبيان الأصل المشترك بين رسالة الإسلام التي أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم والرسالة التي بعث الله بها إبراهيم عليه السلام، ثم أديان بني إسرائيل بصفة عامة، وإبراز أن هذا الاتصال أشد من الاتصال العام بين جميع الأديان، وبيان أن الله ينصر أنبياءه في النهاية ويهلك المكذبين، وذلك تثبيتًا لمحمد، وتأثيرًا في نفوس من يدعوهم إلى الإيمان، وبيان نعمة الله على أنبيائه وأصفيائه، وتنبيه أبناء آدم إلى غواية الشيطان، وإبراز العداوة الخالدة بينه وبينهم منذ أبيهم آدم، وبيان قدرة الله على الخوارق، وبيان عاقبة الطيبة والصلاح، وعاقبة الشر والإفساد، وبيان الفارق بين الحكمة الإنسانية القريبة العاجلة، والحكمة الكونية البعيدة الآجلة»39.
رابعًا: عذاب المعاندين للحق:
إن في الوقوف على مصائر المكذبين وعواقب المعاندين للحق لعبرة لمن يعتبر، وعظة لمن يتعظ.
عبرة تستحق الوقوف طويلًا أمامها للتأمل، وعظة تلفت الأنظار إليها كثيرًا للتدبر، وهذا ما أمرنا القرآن به.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الحشر: ٢].
«قال المفسرون: نزلت هذه الآية في بني النضير، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه، وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منهم، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا وظهر على المشركين قالت بنو النضير: والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له رايةٌ، فلما غزا أحدًا وهزم المسلمون نقضوا العهد، وأظهروا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صالحهم عن الجلاء من المدينة»40.
والسؤال الذي يفرض نفسه كيف نقضوا العهد، وعاندوا الحق؟
لما قتل أصحاب بئر معونة، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا سبعين، وأفلت منهم عمرو بن أمية الضمري، فلما كان في أثناء الطريق راجعا إلى المدينة قتل رجلين من بني عامر، وكان معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمان لم يعلم به عمرو، فلما رجع أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لقد قتلت رجلين، لأدينهما».
وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك الرجلين، وكان منازل بني النضير ظاهر المدينة على أميال منها شرقيها فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا: نعم، يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت، مما استعنت بنا عليه.
ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه -ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم-فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة، فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي، رضي الله عنهم.
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة، فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلًا مقبلًا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلا المدينة. فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم.
ثم سار حتى نزل بهم فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل والتحريق فيها. فنادوه: أن يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟
وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج، منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، ووديعة، ومالك بن أبي قوقل وسويد وداعس، قد بعثوا إلى بني النضير: أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم، فلم يفعلوا.
وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة، ففعل فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به. فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، وخلوا الأموال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم41.
ومن خلال تلك الواقعة تبين كيف فعل الله بهم، فكان موطنًا من مواطن العبرة التي ينبغي على المؤمن أن يتعظ بها، وكان التعقيب من القرآن بصيغة الأمر (ﯡ ﯢ ﯣ) [الحشر: ٢].
أي: «فاتعظوا يا معشر ذوي الأفهام بما أحل الله بهؤلاء اليهود الذين قذف الله في قلوبهم الرعب، وهم في حصونهم من نقمته، واعلموا أن الله ولي من والاه، وناصر رسوله على كل من ناوأه، ومحل من نقمته به نظير الذي أحل ببني النضير. وإنما عنى بالأبصار في هذا الموضع أبصار القلوب، وذلك أن الاعتبار بها يكون دون الإبصار بالعيون»42.
والاعتبار في عدة أوجه:
أحدها: أنهم اعتمدوا على حصونهم، وعلى قوتهم وشوكتهم، فأباد الله شوكتهم وأزال قوتهم، ثم قال: فاعتبروا يا أولي الأبصار ولا تعتمدوا على شيء غير الله.
وثانيها: أن يعرف الإنسان عاقبة الغدر والكفر والطعن في النبوة فإن أولئك اليهود وقعوا بشؤم الغدر، والكفر في البلاء والجلاء، والمؤمنين أيضًا يعتبرون به فيعدلون عن المعاصي43.
ومن جملة الاعتبار هنا أنهم اعتصموا بالحصون من الله فأنزلهم الله منها.
وثالثها: أنه سلط عليهم من كان ينصرهم.
ورابعها: أنهم هدموا أموالهم بأيديهم.
ومن لم يعتبر بغيره اعتبر في نفسه. وفي الأمثال الصحيحة: «السعيد من وعظ بغيره»44.
خامسًا: نصرة المؤمنين على المعاندين:
لقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كثيرًا من ألوان العناد من قبل قريش.
حيث عاندت قريش الحق ورفضته، وقاتلت رسول الله وحاربته، فخذل الله قريشًا وهزمها هزيمة كسرت شوكتها، وأراقت على الأرض كرامتها، ونصر رسوله وأتباعه عليهم.
وأحداث غزوة بدر شاهدة على ذلك؛ ولذا عقب الله تعالى على ذلك بقوله: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [آل عمران: ١٣].
«يعني: إن فيما فعلنا بهؤلاء الذين وصفنا أمرهم: من تأييدنا الفئة المسلمة مع قلة عددها، على الفئة الكافرة مع كثرة عددها (ﮜ)، يعني: لمتفكرًا ومتعظًا لمن عقل وادكر فأبصر الحق»45.
والحقيقة التي ينبغي أن تستقر في الأذهان أن نصر الله تعالى المسلمين على وجهين: نصرٌ بالغلبة، كنصرهم يوم بدر. ونصرٌ بالحجة. ولو هزم قومٌ من المؤمنين لجاز أن يقال: هم المنصورون بالحجة، ومحمود العاقبة46.
«وقد ذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب من أهل بدر ما أصاب ورجع إلى المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال: « يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم الله ما أصاب قريشا». فقالوا: يا محمد، لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا؟ فأنزل الله في ذلك من قولهم: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ) [آل عمران: ١٢].
إلى قوله: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [آل عمران: ١٣].
ولعل هذا يفسر قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) أي: قد كان لكم -أيها اليهود القائلون ما قلتم - (ﮂ) أي: دلالة على أن الله معز دينه، وناصر رسوله، ومظهر كلمته، ومعل أمره (ﮃ ﮄ) أي: طائفتين (ﮅ) أي: للقتال (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) وهم المسلمون، (ﮌ ﮍ) وهم مشركو قريش يوم بدر47.
فهذه الآيات التي تتضمن الإشارة إلى أحداث غزوة بدر واردة في صدد خطاب بني إسرائيل، وتهديدهم بمصير الكفار قبلهم وبعدهم.
وفيها لفتة لطيفة عميقة الدلالة كذلك، فهو سبحانه وتعالى يذكرهم فيها بمصير آل فرعون، وكان الله سبحانه قد أهلك آل فرعون وأنجى بني إسرائيل. ولكن هذا لا يمنحهم حقًا خاصًا إذا هم ضلوا وكفروا، ولا يعصمهم أن يوصموا بالكفر إذا هم انحرفوا، وأن ينالوا جزاء الكافرين في الدنيا والآخرة كما نال آل فرعون الذين أنجاهم الله منهم! كذلك يذكرهم مصارع قريش في بدر- وهم كفار- ليقول لهم: إن سنة الله لا تتخلف. وإنه لا يعصمهم عاصم من أن يحق عليهم ما حق على قريش. فالعلة هي الكفر. وليس لأحد على الله دالة، ولا له شفاعة إلا بالإيمان الصحيح!
وقوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) يحتمل تفسيرين: فإما أن يكون ضمير «يرون» راجعًا إلى الكفار، وضمير «هم» راجعًا إلى المسلمين، ويكون المعنى أن الكفار على كثرتهم كانوا يرون المسلمين القليلين (ﮏ) وكان هذا من تدبير الله حيث خيل للمشركين أن المسلمين كثرة وهم قلة، فتزلزلت قلوبهم وأقدامهم.
وإما أن يكون العكس، ويكون المعنى أن المسلمين كانوا يرون المشركين (ﮏ) هم- في حين أن المشركين كانوا ثلاثة أمثالهم- ومع هذا ثبتوا وانتصروا.
والمهم هو إرجاع النصر إلى تأييد الله وتدبيره، وفي هذا تخذيل للذين كفروا وتهديد، كما أن فيه تثبيتا للذين آمنوا وتهوينا من شأن أعدائهم فلا يرهبونهم.
إن وعد الله بهزيمة الذين يكفرون ويكذبون وينحرفون عن منهج الله، قائم في كل لحظة. ووعد الله بنصر الفئة المؤمنة- ولو قل عددها- قائم كذلك في كل لحظة. وتوقف النصر على تأييد الله الذي يعطيه من يشاء حقيقة قائمة لم تنسخ، وسنة ماضية لم تتوقف.
وليس على الفئة المؤمنة إلا أن تطمئن إلى هذه الحقيقة وتثق في ذلك الوعد وتأخذ للأمر عدته التي في طوقها كاملة وتصبر حتى يأذن الله ولا تستعجل ولا تقنط إذا طال عليها الأمد المغيب في علم الله، المدبر بحكمته، المؤجل لموعده الذي يحقق هذه الحكمة»48.
فكأن الآية الكريمة تقول: «قل يا محمد للمغرورين بأموالهم وأولادهم وبأعوانهم وأنصارهم: لا تغرنكم كثرة العدد ولا بما يأتي به المال من العدد، ولا تحسبوا أن هذا هو السبب الذي يفضي إلى النصر والغلب، فإن في الاعتبار ببعض حوادث الزمان أوضح آية على بطلان هذا الحسبان، فذكر الفئتين، أي: الطائفتين اللتين التقتا في القتال هو من قبيل المثال»49.
سادسًا: عاقبة المتكبرين والعصاة:
التكبر على الحق آفة خطيرة أصابت الأمم من قديم، وانتشر هذا الداء العضال، والمرض الفتاك في جسد البشرية، وابتليت الأمم على مدار التاريخ بأناس تكبروا على الحق، وتجبروا على الخلق، وأعملوا في أقوامهم صنوف العذاب، وألوان العقاب، غير أن يد القدرة أمهلتهم، علهم يرجعوا عن غيهم، أو يثوبوا إلى رشدهم، فلما لم يرجعوا أو يثوبوا، أعمل الله فيهم سنته، وأجرى عليهم قدره الذى لا يرد عن القوم المجرمين.
ولقد ضرب الله لنا في قرآنه العظيم نماذج من هؤلاء، جعل في قصصهم العبرة، وفي أخبارهم العظة. ومن هذه النماذج أنموذج فرعون الذي جاء ذكر قصته مع سيدنا موسى عليه السلام في أكثر من موضع من مواضع القرآن الكريم، ولعل موضع سورة النازعات هو أصرح المواضع تأكيدًا على أخذ العظة والعبرة، إذ يقول الله تعالى فيه: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النازعات: ٢٦].
والعبرة هنا بمعنى «الاعتبار» بالحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد50.
والعبرة في هذه القصة أن الله خاطب موسى عليه السلام أن اذهب إلى فرعون الذي علا وتكبر وكفر فقل له: ألم يأن لك أن تسلم؟ أو هل ترغب في توحيد ربك، وتشهد أن لا إله إلا الله، وتزكي نفسك من الكفر، والشرك؟ وأدعوك إلى توحيد ربك ( ﭨ)، وتخاف عذابه فتسلم، (ﭪ ﭫ ﭬ) يعني: العصا، واليد، وسائر الآيات.
(ﭮ ﭯ) يعني: كذب الآيات، ولم يقبل قول موسى عليه السلام ثم أدبر عن التوحيد، وسعى في هلاك موسى، وجمع أهل المدينة فنادى فيهم، فقال: لهم اعبدوا أصنامكم التي كنتم تعبدون، فإن هؤلاء أربابكم الصغار، وأنا ربكم الأعلى (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) يعني: فعاقبه بعقوبة الدنيا والآخرة، وهي الغرق وعقوبة الآخرة وهي النار. ويقال: الآخرة والأولى. يعني: العقوبة بالكلمة الأولى، والكلمة الأخرى، فأما الأولى قوله: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ)، والأخرى قوله: (ﭹ ﭺ ﭻ)، وكان بين الكلمتين أربعون سنة. ويقال: قوله (ﭹ ﭺ ﭻ) كان في الابتداء، حيث أمرهم بعبادة الأصنام، ثم نهاهم عن ذلك، وأمرهم بأن لا يعبدوا غيره، وقال: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ). فعقب الله على ذلك كله بقوله سبحانه: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النازعات: ٢٦].
أي: في هلاك فرعون وقومه لعبرةً لمن يخشى، يعني: لعظة لمن يريد أن يعتبر، ويسلم 51.
قال الرازي: «والمعنى أن فيما اقتصصناه من أمر موسى وفرعون، وما أحله الله بفرعون من الخزي، ورزق موسى من العلو والنصر عبرة لمن يخشى، وذلك أن يدع التمرد على الله تعالى، والتكذيب لأنبيائه خوفًا من أن ينزل به ما نزل بفرعون، وعلما بأن الله تعالى ينصر أنبياءه ورسله، فاعتبروا معاشر المكذبين لمحمد بما ذكرناه، أي: اعلموا أنكم إن شاركتموهم في المعنى الجالب للعقاب، شاركتموهم في حلول العقاب بكم»52.
ومن خلال ذلك تبين أن أخذ العبرة هنا يكمن في تهديد المشركين بأنهم إذا ما استمروا في طغيانهم، كانت عاقبتهم كعاقبة فرعون53.
ذكرنا مواطن العبرة في المبحث السابق، ومن الأهمية بمكان أن نذكر هنا أهل العبرة، من هم؟ وما صفاتهم وسماتهم؛ حتى يتسنى لنا معرفة الذين ينتفعون بالعبرة.
وأهل العبرة المنتفعون بها أربعة كما ذكرهم القرآن الكريم، هم «المؤمنون، و أولو الأبصار، أولو الألباب، أهل الخشية».
أولًا: المؤمنون:
المؤمنون صنف من الناس يتمتع بموهبة قلبية يستطيع بها النفوذ إلى لب الحقائق ليرى بنور الله، وما ذلك إلا لأن الإيمان له نور يقذفه الله في قلوب عباده المؤمنين، فهم المصدقون بكل ما جاء عن الله وعن رسوله، ومن ثم كانوا هم المنتفعين بالعبرة، (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة: ٢٦].
وما أكثر الآيات التي تربط العبرة والانتفاع بالإيمان، نحو قوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [يونس: ١٠١].
ونحو قوله تعالى:(ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [النحل: ٧٩].
فاستخراج العبرة من آيات الله الكونية يفتقر إلى إيمان صادق ينفذ به صاحبه إلى أعماق الحقائق ليستخرجها.
قال أبو بكر الوراق: «العبرة في الأنعام تسخيرها لأربابها وطاعتها لهم، وتمردك على ربك وخلافك له في كل شي»54.
ويقصد بذلك أن يعتبر الإنسان، كيف سخر الله له الأنعام؟ يستفيد من لبنها ولحومها وتنقله ومتاعه، وتطيعه دون معصية وهو في المقابل يعصي ربه وخالقه الذي أنعم عليه بكل شيء.
والإيمان الحي هو الذي يوقظ صاحبه للوقوف على أمثال هذه العبرة، ومن ثم يظهر لكل ذي عينين أن المؤمنين هم أهل العبرة.
ثانيًا: أولو الأبصار:
إذا كان البصر يقال للجارحة الناظرة، فإن البصيرة يقصد بها قوة القلب المدركة للأمور55.
وأولو الأبصار قوم ألقى الله في قلوبهم نورًا يرى به حقائق الأشياء وبواطنها، وهذا النور بمثابة البصر للنفس يرى به صور الأشياء وظواهرها.
والمتتبع لكثير من آي القرآن الكريم يلحظ ربط القرآن الانتفاع بالعبرة بمن لديه نور البصيرة.
ويفهم من قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [النور: ٤٤].
أن يعتبر ويتعظ المكلف بالشرع من قدرة الله تعالى على أن في «تقليبه الليل والنهار لعبرة لمن اعتبر به، وعظةً لمن اتعظ به. ممن له فهم وعقل؛ لأن ذلك ينبئ ويدل على أنه له مدبرا ومصرفًا ومقلبا لا يشبهه شيء»56.
فمن ذا الذي يستطيع أن يفهم هداية هذه الآية، ويقف على العبرة منها إلا إذا كان من ذوي العقول والفهم في الدين؟.
قال القرطبي: «(ﭖ ﭗ ﭘ) أي: في الذي ذكرناه من تقلب الليل والنهار، وأحوال المطر والصيف والشتاء (ﭙ) أي: اعتبارًا (ﭚ ﭛ) أي: لأهل البصائر من خلقي57.
ويفهم من قول الله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [آل عمران: ١٣].
أن العبرة في نصرة الله لرسوله يوم بدر مع قلة أصحابه عبرة، كما يفهم أن فيما «أبصره المشركون من كثرة المسلمين مع قلتهم عبرة لذوي الأعين والبصائر»58.
كما أن تقليل العدد لشد العزيمة فيه عبرة، وتكثير العدد للتهويل وإرجاف الأنفس فيه عبرة.
ولن يستطيع إنسان أن يقف على هذه العبرة إلا إذا كان ممن له بصيرة وفهم يهتدي به إلى حكم الله وأفعاله، وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد»59.
فكأن القرآن يقول: «فاتعظوا يا معشر ذوي الأفهام بما أحل الله بهؤلاء اليهود الذين قذف الله في قلوبهم الرعب، وهم في حصونهم من نقمته، واعلموا أن الله ولي من والاه، وناصر رسوله على كل من ناوأه، ومحل من نقمته به نظير الذي أحل ببني النضير. وإنما عنى بالأبصار في هذا الموضع أبصار القلوب، وذلك أن الاعتبار بها يكون دون الإبصار بالعيون60.
ومن خلال ما سبق تبين أن أصحاب الأبصار هم المنتفعون دون غيرهم بالعبرة.
ثالثًا: أولو الألباب:
وأولو الألباب هم ذوو العقول السليمة الذي يعتبرون بعقولهم فيدرون ما فيه مصالح دينهم61.
وأولو الألباب يجمعون بين صفة التذكر كما في قوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الزمر: ٩].
وصفة التأمل كما في قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [آل عمران: ١٩٠].
وصفة حسن الاتباع كما في قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الزمر: ١٨].
ولهذه الصفات المجتمعة فيهم جعل الله الانتفاع بالعبرة الواقعة قي قصص الأنبياء منوطة بأولي الألباب.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [يوسف: ١١١].
وهذه القصص62 عبرة لما «اشتمل عليه من الإخبارات المطابقة للواقع مع بعد المدة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الرسل الذين قص حديثهم، ومنهم يوسف وإخوته وأبوه مع كونه لم يطلع على أخبارهم ولا اتصل بأحبارهم»63.
ونلحظ أن القرآن الكريم ربط العبرة بأولي الألباب دون غيرهم؛ لأنهم «هم الذين يعتبرون بعواقب الأمور التي تدل عليها أوائلها ومقدماتها، أما الأغرار الغافلون فلا يستعملون عقولهم في النظر والاستدلالات، ومن ثم لا يفيدهم النصح»64.
فهو عبرة «لأهل العقول الخالصة من شوائب الكدر، يعبرون بها إلى ما يسعدهم، بعلم أن من قدر على ما قص من أمر يوسف عليه السلام وغيره قادر على أن يعز محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويعلي كلمته، وينصره على من عاداه كائنًا من كان كما فعل بيوسف وغيره - إلى غير مما ترشد إليه قصصهم من الحكم، وتعود إليه من نفائس العبر»65.
كما نلحظ أن القرآن الكريم أشار إلى أن الذين يعتبرون بما أودع الله من أسراره العجيبة في بعض مخلوقاته من حيوانات وزروع ونباتات هم أصحاب العقول.
أشار إلى ذلك في قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل: ٦٦، ٦٧].
ولما كان مفتتح الكلام: وإن لكم في الأنعام لعبرة، ناسب الختم بقوله: (ﮅ)، لأنه لا يعتبر إلا ذوو العقول كما قال: إن في ذلك لعبرة لأولي الألباب66.
فأولوا الألباب هم أهل العبرة.
رابعًا: أهل الخشية:
قال الراغب: «الخشية: خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خص العلماء بها في قوله: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [فاطر: ٢٨]»67.
فأهل الخشية هم الذين اتصفوا بالخوف من الله تعالى، لكنه خوفٌ نابعٌ عن علم وفهم وتدبر لما تؤول إليه عواقب الأمور، فهو خوف مع إجلال وهيبة من الله تعالى.
وهذا يفسر لماذا أهل الخشية هم أهل العبرة؛ لأن خوفهم نابع من تأملهم واعتبارهم بمآلات الأمور، وعواقبها.
وهذا ما أكده القرآن الكريم حينما عقب على قصة موسى عليه السلام بقوله: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النازعات: ٢٦].
فإن في العقوبة التي عاقب الله بها فرعون في عاجل الدنيا، وفي أخذه إياه نكال الآخرة والأولى، عظة ومعتبرا لمن يخاف الله ويخشى عقابه68.
فأهل الخشية جمعوا بين قلب يتأثر، وعقل يتدبر.
فقلوبهم من شأنها أن تخشى الله وتتقيه، وتخاف عقوبته، وتحاذر غضبه.
وعقولهم من شأنها أن تدبر في عواقب الأمور ومصايرها، فينظرون في حوادث الماضين، ويقيسون بها أحوال الحاضرين ليتعظ بها»69.
فالذي «يعرف ربه ويخشاه هو الذي يدرك ما في حادث فرعون من العبرة لسواه، أما الذي لا يعرف قلبه التقوى فبينه وبين العبرة حاجز، وبينه وبين العظة حجاب؛ حتى يصطدم بالعاقبة اصطدامًا، وحتى يأخذه الله نكال الآخرة والأولى»70.
ومن ثم «كان أهل الخشية هم أهل العبرة؛ لأن الذين يخشون الله هم أهل المعرفة الذين يفهمون دلالة الأشياء على لوازمها وخفاياها»71.
استخدام أسلوب العبرة في الدعوة إلى الله تعالى يوصل إلى استشراف عواقب الأمور.
فأخذ العبرة يجعل الداعية، بل و المدعو يأخذان من الأمور الواقعة المحسوسة دليلًا على ما يمكن أن يأتي في المستقبل غير المحسوس، وهذا ما يشهد له التأمل والتدبر الذي هو جوهر الاعتبار، وأخذ العبرة، فالحق سبحانه وتعالى حينما قال: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [آل عمران: ١٣].
أي: «إن ذلك الذي رأوه وشاهدوه وهو أن الفئة القليلة المؤمنة التي تقاتل في سبيل الله، غلبت الفئة الكثيرة الكافرة التي تقاتل في سبيل الشيطان مع كثرتها وعدتها وأموالها فيه اعتبار بأن يجعلوا منه سبيلًا لإدراك المستقبل فكان على هؤلاء أن يعرفوا من هذه الواقعة التي انتصر فيها الإيمان مع قلة أهله على الكفر مع كثرته، أن القوة المادية ليست كل شيء»72.
ويعلق سيد قطب على أخذ العبرة قائلًا: «إن وعد الله بهزيمة الذين يكفرون ويكذبون وينحرفون عن منهج الله، قائم في كل لحظة. ووعد الله بنصر الفئة المؤمنة- ولو قل عددها- قائم كذلك في كل لحظة. وتوقف النصر على تأييد الله الذي يعطيه من يشاء حقيقة قائمة لم تنسخ، وسنة ماضية لم تتوقف.
وليس على الفئة المؤمنة إلا أن تطمئن إلى هذه الحقيقة وتثق في ذلك الوعد وتأخذ للأمر عدته التي في طوقها كاملة وتصبر حتى يأذن الله ولا تستعجل ولا تقنط إذا طال عليها الأمد المغيب في علم الله، المدبر بحكمته، المؤجل لموعده الذي يحقق هذه الحكمة»73.
وأكد الشيخ القاسمي على هذه الفائدة عند تفسيره لقوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [يوسف: ١١١].
بقوله: «والعبرة: الحالة التي يتوصل بها الإنسان من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد. والمراد منه التأمل والتفكر. ووجه الاعتبار بهذه القصة أن الذي قدر على إخراج يوسف من الجب بعد إلقائه فيه، وإخراجه من السجن، وتمليكه مصر بعد العبودية، وجمع شمله بأبيه وإخوته بعد المدة الطويلة، واليأس من الاجتماع، قادر على إعزاز محمد صلى الله عليه وسلم وإعلاء كلمته، وإظهار دينه»74.
والحق سبحانه وتعالى حينما قال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [النور: ٤٤].
فإن الفائدة الدعوية هنا أن تأخذ من الحاضر المشاهد دلالة على الغائب غير المشاهد، «فيأخذ المستبصر من رؤية تقلب الليل والنهار، وانتظامه بإحكام ودوامه دليلًا على أن إرادة حكيمة متصرفة تفعل ذلك بتدبير وإحكام»75.
فالداعية حينما يقف مع العبرة من قصص الأنبياء مع أممهم، يلحظ إعراض أقوامهم عن دعوتهم، ويرى أن الإعراض عن قبول دعوة الأنبياء ليس ببدع من الأمم، بل سبق به أقوام كثيرون، وفى ذلك تسلية للدعاة، إلى ما فيه من التنبيه إلى أن الله لا يهمل أمر المبطلين، بل يمهلهم، وتكون العاقبة للمتقين، فيسير على هدى وبصيرة في جميع أموره.
إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة76.
وهذا ما يشهد له قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)[يوسف: ١١١].
وهذه الفائدة حاضرة وبقوة في قوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [آل عمران:١٢- ١٣].
«فاشتمل ذلك النص الكريم على حقيقة مقررة، ودعوة إلى التأمل والاستبصار لأولي الأبصار، ليمتنع الناس عن الاغترار بالقوة والاعتزاز بغير الله تعالى. أما الحقيقة فهي أن الله ينصر من يشاء، فهو الذي سينصر ويخذل، وأن من يعتمد على قوته وحده من غير اعتبار بما تجري به المقادير يخذله الله، وإن شأن الذين يغترون بالقوة المادية دائما ويعتزون بها لا يعتمدون على الله تعالى، ولا يعملون حسابا للقدر الذي يجريه خالق الكون حسب مشيئته وتدبيره، وأنهم إذ ينسون هذا يأتي هم القدر من حيث لا يحتسبون، فينهزمون حيث يرتقبون النصر؛ وإذا كان النصر والخذلان بيد الله تعالى، فالله سبحانه ينصر من ينصره، ويخذل من يكفره»77.
وهذا أمر واضح الظهور فيمن يعايش قصص السابقين ويستخرج العبرة منها؛ لأن هذه القصص تبعث على العظة والاعتبار، خاصة ما حدث للأمم السابقة، فيمييز بين الطيب والخبيث، والفاسد والصحيح، وفي ذلك قيمة عقلية كبرى تؤدي إلى يقظة الأفراد ونهضة الأمم.
وهذا التوظيف له فائدتان:
الأولى: تقوية للإيمان بالنسبة لبعض المسلمين، أو إيقاظ للإيمان المخدر عند البعض الآخر.
والثانية: وسيلة دعوية مؤثرة في غير المسلين؛ فما أكثر الآيات التي كانت سببًا في إيمان الكثير من المشركين زمن نزول القرآن، واليوم لا تزال هذه الآيات-وخاصة التي فيها إشارات الإعجاز العلمي- تملك قوة التأثير على غير المسلمين، فإبراز العبرة الكامنة في الحقائق العلمية اليقينية التي استقر عليها البحث العلمي التجريبي كانت سببًا في إسلام الكثير من علماء الغرب.
المضامين التربوية في آيات العبرة
لا شك أن آيات العبرة الواردة في القرآن الكريم تحتوي على كثير من المضامين التربوية، سواء في الجانب العقدي، أو الجانب الاجتماعي، أو الجانب العلمي، أو في غير ذلك من الجوانب الأخرى، ومنها:
موضوعات ذات صلة: |
الآيات الكونية، البصر، التفكر، الرؤية، القرآن |
1 الصحاح، الجوهري ٢/٧٣٢.
2 مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٢٠٧.
3 المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٢/١٣٠.
4 مختار الصحاح، الرازي ص١٩٨.
5 المصباح المنير، الفيومي ٢/٣٩٠ بتصرف.
6 لسان العرب، ابن منظور ٤/٥٣٠.
7 المفردات، الراغب الأصفهانى ص ٥٤٣.
8 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٨٢.
9 التفسير البسيط، الواحدي ٥/٨٩- ٩٠.
10 لسان العرب، ابن منظور ٤/٥٣١.
11 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص ٤٥٥، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب العين ص٧٤٣.
12 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٤/١٥، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٣/٢٣.
13 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ١/٨٥.
14 التحرير والتنوير ٦/٢٨٧.
15 التفسير البسيط، الواحدي ١٢/٦٤٠.
16 مختار الصحاح، زين الدين الرازي ص ٣٤٢.
17 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/١٠٤٣.
18 انظر: مجمل اللغة، ابن فارس ١/٧٠٤.
19 انظر: التعريفات، الجرجاني ص٦٣.
20 مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٣٨٦.
21 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٠٩.
22 المصباح المنير، الفيومي ٢/٣٩٠.
23 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٢٥٢.
24 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٢٦٤ بتصرف.
25 النكت والعيون، أبو الحسن الماوردي ٤/١١٤ بتصرف.
26 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٤٠٦.
27 تفسير الشعراوي ١٧/١٠٢٩٨.
28 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/١٩٩.
29 التفسير المنير، الزحيلي١٨/٢٧- ٢٨.
30 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢١٨٠- ٢١٨١.
31 التفسير المنير، الزحيلي ١٨/٢٧-٢٨.
32 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٤.
33 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/١٢٣.
34 التفسير البسيط، الواحدي ١٧/٩٠.
35 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢٧٧.
36 جامع البيان، الطبري ١٦/٣١٢- ٣١٣.
37 التفسير البسيط، الواحدي ١٢/٢٧٤.
38 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٢٧.
39 التصور الفني في القرآن، سيد قطب ص ١٤٥- ١٥٥ بتصرف.
40 أسباب نزول القرآن، الواحدي ص ٤١٦.
41 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٥٨ بتصرف.
42 جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٦٦.
43 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٥٠٣-٥٠٤ بتصرف.
44 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/٥.
45 جامع البيان، الطبري ٦/٢٤٣.
46 التفسير البسيط، الواحدي ٥/٨٩.
47 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٧ بتصرف.
48 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٣٧١-٣٧٢ بتصرف.
49 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٣/١٩٢.
50 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٤٣.
51 تفسير السمرقندي ٣/٥٤٣ بتصرف.
52 مفاتيح الغيب، الرازي ٣١/٤٢.
53 التفسير الوسيط، سيد طنطاوي، ١٥/٢٧٢.
54 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/١٢٣.
55 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٢٧ بتصرف.
56 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٠٣.
57 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٩٠.
58 تفسير النكت والعيون، الماوردي ١/٣٧٥ بتصرف.
59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٨.
60 جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٦٦.
61 فتح القدير، الشوكاني ٣/٧٣.
62 القصص: الخبر بما يتلو بعضه بعضًا، من قص الأثر، والألباب العقول، لأن العقل أنفس ما في الإنسان وأشرف.
انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٠/٢٦٠.
63 فتح القدير، الشوكاني ٣/٧٣.
64 تفسير المراغي ١٣/٥٦.
65 نظم الدرر، البقاعي ١٠/٢٦٠.
66 البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٦/٥٥٨.
67 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٨٣.
68 جامع البيان، الطبري ٢٤/٢٠٥.
69 تفسير المراغي ٣٠/٢٩ بتصرف.
70 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٨١٦.
71 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٨٢.
72 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١١٢٩-١١٣٠.
73 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٣٧٢.
74 محاسن التأويل، القاسمي ٦/٢٣٨.
75 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥٢٠٦.
76 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٨٤.
77 المصدر السابق ٣/١١٢٩.
78 تفسير القاسمي ٢/٢٩٠.
79 تفسير المنار، محمد رشيد رضا٣/١٩٣، ١٩٤.بتصرف.