عناصر الموضوع

مفهوم المسؤولية

الألفاظ ذات الصلة

السائل

المسؤول

المسؤول عنه

غير المسؤول عنه

أثر فقه المسؤولية على سلوك العبد

المسؤولية

مفهوم المسؤولية

أولًا: المعنى اللغوي:

لم يرد لفظ مسؤولية في القرآن ولا السنة، ولا معاجم اللغة القديمة، بهذه الصيغة الصرفية أعني صيغة المصدر الصناعي، والكلمات التي وجدت على هذه الصيغة فهي قليلة لا تتعدى بضع عشرات؛ منها: جاهلية، عبقرية، فروسية، عبودية، وحدانية.

كلمة مسؤولية إذًا كلمة معاصرة، مشتقة قياسًا على المصدر الصناعي من (مسؤول).

والمسؤول في الأصل: المستدعى منه معرفة أو ما يؤدي إلى المعرفة، أو المستدعى منه مال أو ما يؤدي إلى المال، قال ابن فارس: السين والهمزة واللام كلمة واحدة، يقال: سأل يسأل سؤالًا ومسألة1.

ويدور معنى السؤال في اللغة على معنى استدعاء المعرفة أو ما يؤدي إلى المعرفة، أو استدعاء مال أو ما يؤدي إلى المال، والسؤال للمعرفة قد يكون للاستعلام وقد يكون للتبكيت؛ كما في قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ) [التكوير: ٨]2.

ومن المعاني التي تناولتها المعاجم وكتب التفسير للفظ (مسؤول)، الآتي:

  1. الربوبية.

    أثبت الله تعالى لنفسه الخلق والرزق والتدبير والملك، في كثير من الآيات التي أشار فيها إلى المسؤولية، مما يدل على كون الربوبية من أعظم الإشارات دلالة على كونه سبحانه وتعالى مستحقًا لهذه المكانة كونه سائلًا عاهدًا بالمسؤوليات ومحاسبًا عليها. ونلحظ أن القرآن يقرر هذه الدلالة قبل إيجاب الأعمال والعهد بالتكاليف أحيانًا، كما قال سبحانه: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الحديد: ١-٧].

    فجاء الأمر بالإيمان والإنفاق بعد تقرير ربوبيته سبحانه. وأحيانًا أخرى بعدها، كما في قوله سبحانه: (ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الزمر: ٢-٦].

    فجاء الأمر بإخلاص العبادة والدين لله أولًا، ثم جاءت الآيات التالية تقرر صفة الربوبية لله سبحانه بعده.

    إن الربوبية هي لازمة استحقاق السؤال والمحاسبة، وقبلها العهد بالمسؤوليات وإيجابها على العباد كونها صفة تدل على الفضل، فإن الذي تفضل بالخلق والرزق والتدبير جدير بأن يطاع أمره وأن يحاسب على عهده وأن ينفذ وعده.

  2. العلو.

    إن مكانة السائل تستلزم العلو: علو القدر والمكانة والقهر. والربوبية نفسها لازمها العلو.

    قال سبحانه: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأعلى: ١-٥].

    فالله سبحانه أمر بتنزيهه سبحانه، وذكره باسمه الأعلى، ثم ذكر دلائل لاستحقاقه هذا التنزيه، فذكر خلقه وتقديره ورزقه، وهي الدلائل على ربوبيته سبحانه.

    فلا بد للسائل من العلو ليستحق إسناد المسؤوليات والمحاسبة عليها، وبدون العلو يكون السؤال سؤال طلب أو استجداء لا يلزم المسؤول جوابه، ولا يقدر السائل أن يؤاخذه به. والعلو الظاهر من الآيات السابقة من سورة الأعلى ناتج عن النعمة والفضل، وقد ضرب الله بها مثلًا: نعمة الخلق والتقدير والرزق، وهو ظاهر كذلك في قوله سبحانه: ( ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأنعام: ١٤].

    فمن كان كذلك استحق كمال الاستسلام والطاعة؛ قال الرازي: واعلم أن المذكور في صدر الآية هو المنع من اتخاذ غير الله تعالى وليا. واحتج عليه بأنه فاطر السماوات والأرض وبأنه يطعم ولا يطعم. ومتى كان الأمر كذلك امتنع اتخاذ غيره وليًا19.

    والآيات في هذا الباب كثيرة جدًا. وليس العلو الذي يستحق به السائل مكانته ناتج من الفضل فقط بل هو كذلك ناتج من القهر، كما قال ربنا سبحانه: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الأنعام: ٦١-٦٢].

    وقال جل من قائل: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الأنعام: ١٨].

    فالسائل إذًا لا بد له من علو القدر والفضل والقهر التي تشير إلى لزوم طاعته والاستسلام لأمره والخضوع له في أمره ونهيه عن استحقاق وجدارة.

  3. العلم.

    إن السؤال والمحاسبة تحتاج إلى العلم بعمل المسؤول في مسؤوليته وأمانته، والقرآن الكريم يخبرنا عن سؤال الله سبحانه عباده عن علم كامل وحفظ تام.

    قال سبحانه: ( ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأعراف: ٦-٧].

    ودلل القرآن على كمال علمه سبحانه بأنه تعالى يعلم السر وأخفى ويعلم الغيب بل ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون؛ قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النحل: ١٩].

    وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الملك: ١٣].

    وقال سبحانه: (ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣﰤ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الأنعام: ٢٧-٢٨].

    ولذلك فإن حسابه لخلقه لا يقتصر على أعمالهم الظاهرة فقط بل يشمل الأعمال الباطنة، فالمنافقين ليسوا بمنجاة بإضمارهم الكفر وإظهارهم الإسلام، بل هم متوعدون بالحساب عن حقيقة إيمانهم.

    قال سبحانه: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [البقرة: ٢٨٤].

    قال ابن كثير: يخبر تعالى أن له ملك السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن، وأنه المطلع على ما فيهن، لا تخفى عليها الظواهر ولا السرائر والضمائر، وإن دقت وخفيت، وأخبر أنه سيحاسب عباده20.

    فأما المؤمنون فإن الله يغفر لهم ما حدثتهم به أنفسهم من الإثم ابتداء ما لم يعملوه؛ كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست، أو حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به، أو تكلم)21.

    فإن عملوه فهم تحت المشيئة، وأما الكافرون والمنافقون فإنهم متوعدون بالعذاب به. وتمام العلم يحقق التوفية في الحساب والجزاء، وذلك غايته تمام العدل.

    قال سبحانه: (ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [هود: ١١١].

    ورغم علمه سبحانه بما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، إلا أنه سبحانه أعمل في خلقه الرقابة والرصد، وكتب لهم أعمالهم كلها، وأشهد عليهم.

    قال سبحانه على لسان عيسى بن مريم عليه السلام: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [المائدة: ١١٧].

    وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [ق: ١٦-٢١].

    قال ابن كثير: يخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأنه خالقه، وعلمه محيط بجميع أموره، حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر، وأن ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده بإقدار الله لهم على ذلك، فيكتب الملكان المترصدان عن يمين الإنسان وشماله عمله لا يخرمان منه شيئًا، فما يتكلم ابن آدم بكلمة إلا ولها من يراقبها معتدًا ويكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الانفطار: ١٠-١٢]22. وعن ابن عباس قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل، وحافظين في النهار، يحفظان عليه عمله، ويكتبان أثره23.

  4. القدرة.

    دلت الآيات على قدرة الله سبحانه وتعالى المطلقة، وربطت بينها وبين المسؤولية في كثير من المواضع، حيث بينت:

    • قدرته سبحانه على المراقبة والإحصاء: قال سبحانه: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [آل عمران: ٢٩].
    • قدرته على جمع المسؤولين وإرجاعهم للحساب: قال سبحانه: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ) [البقرة: ١٤٨]. وقال سبحانه: (ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [هود: ٤ ]. وقال سبحانه: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الشورى: ٢٩]. وقال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ) [الطارق: ٥-٨].
    • قدرته على الإتيان بالأشهاد: قال سبحانه: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [فصلت: ١٩-٢٢].
    • قدرته على الإثابة والعقاب: قال سبحانه: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [المائدة: ٤٠]. وقال سبحانه: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الأنعام: ٦٥].

      فالله سبحانه له القدرة التامة، متصرف في الكون تصرف المالك ذي السلطان، إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون؛ قال سبحانه: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النحل: ٤٠].

      وقال عز من قائل: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [يس: ٨٢].

      وهو في إيجاب المسؤوليات على الخلق قادر على جمعهم للحساب.

      قال سبحانه: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الشورى: ٢٩].

      وهو سبحانه قادر على محاسبتهم جميعًا، سريع في ذلك.

      قال سبحانه: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الرعد:٤١].

      وقال سبحانه: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [إبراهيم: ٥١].

      وقال سبحانه: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [غافر: ١٧].

      والله سبحانه قادر على إقامة الشهادة على خلقه من أنفسهم: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [يس: ٦٥].

      وقال سبحانه: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [فصلت: ١٩-٢١].

  5. الحكم الفصل.

    حكم الله سبحانه فصل غير متعقب.

    قال سبحانه: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الحج: ١٧].

    وقال سبحانه: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [السجدة: ٢٥].

    قال القرطبي: أي يقضي ويحكم بين المؤمنين والكفار، فيجازي كلا بما يستحق24.

    وقال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأنعام: ٥٧].

    فمرجع الحكم كله إليه سبحانه، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، وقضاؤه في حكمه الحق، وهو خير الفاصلين، قال البغوي: والفصل يكون في القضاء25.

    إن السائل إذا كان حكمه وحسابه متعقبًا لم يكن أصيلًا في استحقاق كونه سائلًا، بل إنه يكون فرعًا، مسندًا إليه السؤال، لكنه غير مستقل ولا بات فيه. والقرآن يخبرنا أن الله سبحانه أصيل في المحاسبة والسؤال، فلا راد لحكمة ولا معترض على قضائه.

    قال سبحانه: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الرعد: ٤١].

    وهو سبحانه يحكم ما يريد؛ قال سبحانه: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [المائدة: ١].

    بل ولا يشفع أحد في حكمه، ولا يجرؤ إلا بإذنه.

    قال سبحانه: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ) [البقرة: ٢٥٥].

    ولا يشفع الشفعاء إلا لمن ارتضى مع كونهم مشفقون خشية منه.

    قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الأنبياء: ٢٨].

  6. الوعد الحق.

    فهو سبحانه الذي لا يخلف وعده، فالمكلفون لا محالة مسئولين، والله سبحانه مجازيهم عن أعمالهم كما عهد إليه ووعدهم.

    وقد أقسم ربنا سبحانه بذلك فقال سبحانه: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الحجر: ٩٢].

    وقال سبحانه: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأعراف: ٦].

    وفي الآية تأكيد الخبر بلام القسم ونون التوكيد لإزالة الشك في ذلك26.

    وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [يونس: ٤].

    فوعده سبحانه حق لا يخلف، فمن أحسن جوزي بالحسنى ومن أساء جوزي بعمله.

    قال سبحانه: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النجم: ٣١].

    والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا. والمقصود أن المسؤول إذا لم يكن الحساب في حقه مجزومًا به فإنه قد لا يلتزم بمسؤولياته وقد يتردد. فكان الجزم بالسؤال والمحاسبة والمجازاة قاطعًا للشك في التبعة، ومفضيًا إلى التخلص من الريب والظن والشك. والسائل الذي لا يجزم بالمسؤولية يكون بذلك قد أمل المكلف في التخلص من التبعة، فإذا حاسبه وألزمه التبعة لم يكن أنصفه. والله سبحانه مع سرعة حسابه هو الحكم العدل.

    ثالثًا: موضوع سؤاله سبحانه:

    يسأل الإنسان إجمالًا عن لا إله إلا الله: هل صدق بها وعمل بمقتضاها؟، ويسأل تفصيلًا عن الأعمال.

    قال سبحانه: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الحجر: ٩٢-٩٣].

    قال ابن عمر: عن لا إله إلا الله27، وكذا عن انس ابن مالك مرفوعًا وموقوفًا28.

    والسؤال عن لا إله إلا الله يكون عن الوفاء بها والصدق لمقالها29.

    وعن أبي العالية: يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة: عما كانوا يعبدون، وعماذا أجابوا المرسلين، وقال ابن عيينة: عن عملك وعن مالك.

    وروى ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ إن المرء يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى كحل عينيه، وعن فتات الطينة بأصبعه فلا ألفينك يوم القيامة وأحد غيرك أسعد بما آتاك الله منك)30.

    وقال عبد الله بن مسعود: والذي لا إله غيره، ما منكم من أحدٍ إلا سيخلو الله به يوم القيامة، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، فيقول: ابن آدم ماذا غرك مني بي؟ ابن آدم، ماذا عملت فيما علمت ؟ ابن آدم، ماذا أجبت المرسلين31.

    وفي الحديث عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه)32.

    وهذا مصداقه قوله سبحانه: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [التكاثر: ٨].

    فموضوع السؤال إذًا مجمل؛ وهو: لا إله إلا الله، هل عمل بها وصدق؟، ومفصل: ويتناول جميع العمل.

    رابعًا: خصائص سؤاله سبحانه:

    قرر القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى يسأل الرسل والمرسل إليهم عما عهد إليهم من مسؤوليات.

    قال سبحانه: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأعراف: ٦].

    وأن هذا السؤال كائن مع علم الله سبحانه المحيط بأفعالهم وأقوالهم وإسرارهم وإعلانهم إذ يقول سبحانه بعد: (ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأعراف: ٧].

    وتفسير ذلك: أنه سبحانه وتعالى يخبر الرسل ومن أرسلهم إليهم بعلم يقين بما عملوه في الدنيا فيما أمرهم به ونهاهم عنه، وأنه سبحانه ما غاب عنه شيء عنهم وعن أفعالهم التي كانوا يفعلونها. وقد يشكل على البعض كيف أنه سبحانه يسأل الرسل، والمرسل إليهم، وهو يخبر أنه يقص عليهم بعلم بأعمالهم وأفعالهم فيما أمرهم به ونهاهم عنه؟

    والجواب: أن سؤال الله لهم ليس بمسألة استرشاد أو تعرف ما هو غير عالم به، وإنما هو مسألة توبيخ وتقرير معناها الخبر، بأن يقول لهم: ألم يأتكم رسلي بالبينات؟ ألم أبعث إليكم النذر فتنذركم عذابي وعقابي؟

    وقد أخبر جل ثناؤه أنه قائل لهم يومئذ: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [يس: ٦٠-٦١].

    ونحو ذلك من القول الذي ظاهره ظاهر مسألة، ومعناه الخبر والقصص، وهو بعد توبيخ وتقرير33.

    قال ابن عباس: (لا يسألهم هل عملتم كذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لم عملتم كذا وكذا؟)34.

    أما مسألة الرسل الذي هو قصص وخبر، فإن الأمم المشركة لما سئلت في القيامة قيل لها: ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم؟ أنكر ذلك كثير منهم وقالوا:ما جاءنا من بشير ولا نذير. فقيل للرسل: هل بلغتم ما أرسلتم به ؟ أو قيل لهم: ألم تبلغوا إلى هؤلاء ما أرسلتم به ؟

    كما قال جل ثناؤه لأمة نبينامحمدصلى الله عليه وسلم: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة: ١٤٣].

    فكل ذلك من الله مسألة للرسل على وجه الاستشهاد لهم على من أرسلوا إليه من الأمم، وللمرسل إليهم على وجه التقرير والتوبيخ، وكل ذلك بمعنى القصص والخبر35.

    فسؤال المجرمين تقرير وتوبيخ وإفضاح، وسؤال الرسل سؤال استشهاد بهم وإفصاح36.

    فأما الذي هو عن الله منفي من مسألته خلقه، فالمسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات فيما لا يعلمه السائل عنها ويعلمه المسؤول، ليعلم السائل علم ذلك من قبله، فذلك غير جائز أن يوصف به الله سبحانه وتعالى، لأنه العالم بالأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها، وهي المسألة التي نفاها جل ثناؤه عن نفسه بقوله: ( ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الرحمن: ٣٩].

    وقوله سبحانه: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [القصص: ٧٨]؛ يعني: لا يسأل عن ذلك أحد منهم مستثبت، ليعلم علم ذلك من قبل من سأل منه، لأنه العالم بذلك كله وبكل شيء غيره37.

    من جميع ما سبق تظهر الخصائص التالية لسؤاله سبحانه خلقه:

    • أنه سؤال يعم جميع المكلفين.
    • أنه سؤال بعلم، فلا يقصد به الاسترشاد أو المعرفة.
    • أن غاية السؤال: التوبيخ والتبكيت، أو التقرير، أو الاستشهاد والإفصاح.
    • أنه سؤال يفيد الخبر.

      خامسًا: كيف يرتب السائل المسؤولية:

      إن الله سبحانه وتعالى لا يسأل الناس ويحاسبهم دون موجب، بل إنه سبحانه قدم بين يدي السؤال ما تكون به الحجة للمجيب أو عليه، فإنه سبحانه أسند وعهد إلى عباده بمسؤوليات، ثم هداهم - توجيهًا - وأرشدهم إلى كيفية أدائها وما يترتب على الأداء والإخلال، وأخذ سبحانه على نفسه إحصاء أعمالهم وكتابتها والإشهاد عليهم، ثم إنه سبحانه وتعالى يجمعهم بقدرته لا يتخلف منهم أحد، ثم إنه سبحانه بعد ذلك يسألهم محاسبًا، ويوفيهم حسابهم. ومن هذا الترتيب تظهر مراتب المسؤولية التي رتب الله سبحانه؛ وهي: العهد والإسناد، الهداية والإرشاد، الرقابة والإحصاء والإشهاد، الإرجاع والجمع، والسؤال حسابًا والجزاء.

      العهد والإيجاب والإسناد:

      العهد يطلق على الأمر والوصية؛ قال الله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [آل عمران: ١٨٣].

      أي: أمرنا وأوصانا38.

      وقال سبحانه: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [يس: ٦٠].

      والعهد اليمين والعهد الالتزام بشيء، يقال: عهد إليه وتعهد إليه؛ لأنها أمور لا يزال صاحبها يتذكرها ويراعيها في مواقع الاحتراز عن خفرها39.

      والعهد في الآية الذي أخذه الله على بني آدم أن لا يعبدوا غيره، فنقضه يشمل الشرك وقد وصف الله المشركين بنقض العهد في قوله: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الرعد: ٢٥].

      وفسر بالعهد الذي أخذه الله على الأمم على ألسنة رسلهم أنهم إذا بعث بعدهم رسول مصدق لما معهم ليؤمنن به: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ) [آل عمران: ٨١].

      و(عهد الله) هو ما عهد به أي: ما أوصى برعيه وحفاظه40.

      وهذا السؤال في آية يس معناه الخبر والقصص، والمقصود به التوبيخ والتقرير41، فإنه تعالى يقول للمجرمين وقد فرق بينهم وبين المؤمنين: ألم أوصكم وآمركم في الدنيا أن لا تعبدوا الشيطان فتطيعوه في معصية الله وأقول لكم: إن الشيطان لكم عدو مبين42. وجعلت ذلك مسؤولية مسندة إليكم.

      والعهد يقتضي في معناه الميثاق والاتفاق، فإن الله قد أخذ الميثاق على عباده أنه من أطاعه أدخله الجنة، ومن عصاه حاسبه بما هو أهله فإما عفا عنه وإما عذبه ثم عفا عنه، وإما خلده في العذاب، والآيات القرآنية متواترة في ذلك.

      قال سبحانه: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأحزاب: ٧٢ ].

      وبمعنى الأمر والإيجاب قال سبحانه: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [الإسراء: ٢٣-٣٨].

      قال الشنقيطي: وقضى ربك معناه: أمر وألزم، وأوجب ووصى ألا تعبدوا إلا إياه43.

      قال ابن عباس والحسن وقتادة: ليس هذا قضاء حكم بل هو قضاء أمر44.

      فالذي يسند المسؤوليات حقيق بالسؤال عنها، ولذلك أوضح الله عز وجل في السياق السابق أن المسؤوليات التي أسندها إلى عباده سيسألهم عنها، وأن السؤال لا يتعلق بعمل الجوارح فقط في أداء المسؤوليات، بل يتعلق كذلك بالتلقي والقبول.

      والخلاصة أن الله كلف العباد وألزمهم وأوجب عليهم مسؤوليات على الجملة والتفصيل، وهو سائلهم عنها بموجب كونه المسند لها والعاهد بها.

      الهداية والإرشاد:

      تبين آيات القرآن الكريم أن الله هدى عباده وأرشدهم إلى كيفية أداء هذه المسؤوليات التي عهد بها إليهم، وأنه سبحانه أعلمهم بعواقب اختيارهم.

      قال سبحانه: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ) [الإنسان: ٣-٥].

      يعني جل ثناؤه بقوله: (ﯴ ﯵ) إنا بينا له طريق الجنة، وعرفناه سبيله45.

      وقال ابن كثير: أي: بيناه له ووضحناه وبصرناه به، كقوله: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [فصلت: ١٧].

      وكقوله: (ﮠ ﮡ ﮢ) [البلد: ١٠].

      أي: بينا له طريق الخير وطريق الشر. وهذا قول عكرمة، وعطية، وابن زيد، ومجاهد -في المشهور عنه-والجمهور46.

      ثم إنه سبحانه وضح عواقب اختيارهم، فالسلاسل والأغلال والسعير معدة للكافرين، أما الأبرار فإن مآلهم الشراب الهنيء والفضل الكبير.

      وتظهر آيات القرآن الكريم -كما في الآية الآنفة الذكر من سورة فصلت- أن الله سبحانه وتعالى أرشد كل أمة إلى سبيل الرشد والخير، وبين لهم عواقب الغي والفساد، وأنه سبحانه أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، والقرآن الكريم ذاخر بقصص الرسل مع أقوامهم؛ كيف دعوهم إلى الحق وبينوا لهم سبيل الرشاد.

      قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [إبراهيم: ٤].

      وهذا من لطفه تعالى بخلقه: أنه يرسل إليهم رسلًا منهم بلغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم47.

      فالهداية والإرشاد تأتي في المرتبة بعد العهد والإيجاب، وهي الدلالة على السبيل المؤدي إلى أداء المسؤوليات المعهود بها على وجهها الأتم، والتعريف بالسبل التي تصد عن ذلك.

      قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ) [الأنعام: ١٥٣].

      المراقبة والإحصاء والإشهاد:

      إن الله سبحانه بعد أن عهد بالمسؤوليات، وأرشد إلى سبيل أدائها، أخبر أنه سبحانه يراقب أعمال العباد ويحصيها عليهم ويشهد عليها، مع أنه سبحانه العليم الذي أحاط بكل شيء علمًا وأحصى كل شيء عددا، لا يخفى عليه شيء، يعلم الغيب والسر وأخفى.

      قال سبحانه في المراقبة: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء: ١].

      والمعنى: أن الله لم يزل عليكم رقيبًا، أي: حفيظًا، محصيًا عليكم أعمالكم48.

      وقال عز من قائل: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الأحزاب: ٥٢].

      أي: راقبًا أو مراقبًا بمعنى حافظًا ومطلعًا على كل شيء فاحذروا تجاوز حدوده سبحانه وتخطي حلاله إلى حرامه49.

      وقال سبحانه في الإحصاء: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [المجادلة: ٦].

      أي: أنه سبحانه يبعث الرجال والنساء جميعًا من قبورهم في حالة واحدة فيخبرهم بما عملوا في الدنيا، وأنه سبحانه قد أحصى ذلك عليهم، أي: ضبطه وأثبته وحفظه عليهم في صحائف أعمالهم، ونسوه هم حتى ذكرهم به في صحائفهم، والله على كل شيء من أمر خلقه شاهد يعلمه ويحيط به، فلا يعزب عنه شيء50.

      وقال سبحانه: (ﯮ ﯯ ﯰ) [النبأ: ٢١-٢٩].

      أي: وكل شيء أحصيناه فكتبناه كتابا، كتبنا عدده ومبلغه وقدره، فلا يعزب عنا علم شيء منه51.

      وكل شيءٍ من قليل وكثير، وخير وشر مكتوب في اللوح المحفوظ، فلا يخشى المجرمون أن يعذبوا بذنوب لم يعملوها، ولا يحسبوا أنه يضيع من أعمالهم شيء، أو ينسى منها مثقال ذرة.

      كما قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الكهف: ٤٩]52.

      وفي الإشهاد: قال ابن زيد: الأشهاد أربعة:

      أولها: الملائكة الموكلون بإثبات أعمال العباد. قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [ ق: ٢١ ].

      وقال سبحانه: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [ ق: ١٨ ].

      وقال عز من قائل: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الانفطار:١٠-١٢].

      وثانيها: شهادة الأنبياء وهو المراد بقوله سبحانه حكاية عن عيسى عليه السلام: ( ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [المائدة: ١١٧].

      وقال في حق محمد صلى الله عليه وسلم وأمته في هذه الآية: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة: ١٤٣].

      وقال: ( ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النساء: ٤١].

      وثالثها: شهادة أمة محمد خاصة. قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ) [الزمر: ٦٩].

      وقال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [غافر: ٥١].

      ورابعها: شهادة الجوارح وهي بمنزلة الإقرار بل أعجب منه.

      قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [النور: ٢٤].

      وقال: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [يس: ٦٥]53.

      والإشهاد دلالة على تمام عدله سبحانه، حتى إنه سبحانه يفسح المجال للمجادلة وإيراد الحجج يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتستشهد، كما في آية يس السابقة: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ) [يس: ٦٥].

      قال ابن كثير: فهذا حال الكفار والمنافقين يوم القيامة، فإنهم إذ ينكرون ما اجترموه ويحلفون أنهم ما فعلوه، يختم الله على أفواههم، ويستنطق جوارحهم54.

      وفي الصحيح عن أنس بن مالكٍ، قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال: (هل تدرون مم أضحك؟)، قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: (من مخاطبة العبد ربه، يقول يا رب: ألم تجرني من الظلم؟، قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا، وبالكرام الكاتبين شهودًا، قال: فيختم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بعدًا لكن وسحقًا، فعنكن كنت أناضل)55.

      قال صالح بن عبد القدوس -وهو أحد شعراء العصر العباسي-:

      واذكر مناقشة الحساب فإنه

      لا بد يحصى ما جنيت ويكتب

      لم ينسه الملكان حين نسيته

      بل أثبتاه و أنت لاه تلعب

      الجمع والسؤال والحساب:

      إن الله سبحانه بعد أن عهد إلى عباده أمره، وهداهم وأرشدهم وإلى طريق الفلاح دلهم، وأخبرهم بأنه رقيب عليهم، وأنه يحصي عليهم أعمالهم و يشهد عليهم، بعد هذا كله توعدهم بأنه سبحانه جامعهم جميعًا لا محالة، وسائلهم عما عهد إليهم، ومحاسبهم على أعمالهم.

      قال سبحانه في الجمع: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الجاثية: ٢٦].

      يعني: أنه يجمعكم جميعا أولكم وآخركم، وصغيركم وكبيركم أحياء ليوم القيامة فلا تشكوا في ذلك، فإن الأمر كما وصفت لكم56.

      وقال سبحانه: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [آل عمران: ٢٥].

      وقال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [آل عمران: ٩].

      وقال سبحانه: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الشورى: ٧].

      وقال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [التغابن: ٩].

      وقال عز من قائل: (ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الأنعام: ٦٢].

      فالقرآن الكريم أثبت الجمع، وأنه واقع لا محالة، وأنه الجميع مجموع، وذلك في آيات كثيرة.

      وقال سبحانه في السؤال: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأعراف: ٦].

      فإن الله بعد أن يجمع الخلائق ليوم القيامة يسأل المرسل إليهم عما أجابوا رسله، ويسأل الرسل عن تبليغ الدعوة لأقوامهم حتى يكون أبلغ في التبكيت على من خالفهم، وقد مضى بيان ذلك. والآيات والواردة في السؤال والمحاسبة كثيرة وقد مضى ذكرها.

      وقال سبحانه في المحاسبة: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الغاشية: ٢٥-٢٦].

      فالمرجع والمنقلب إلى الله سبحانه، والحساب والجزاء عليه سبحانه على وفق العمل إن خيرا فخير، وإن شرا فشر57.

      وقال سبحانه: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [البقرة: ٢٨٤].

      قال الطبري: (ﮆ ﮇ ﮈﮉ) يعني بذلك: يحتسب به عليكم من أعمالكم، فمجاز من شاء منكم من المسيئين بسوء عمله، وغافر لمن شاء منكم من المسيئين58.

      القضاء والجزاء:

      قال سبحانه في القضاء: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [يونس: ٩٣]؛ أي: يحكم بينهم ويفصل يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا، فيثيب الطائع ويعاقب العاصي59.

      والحكم والفصل بالعدل بين المتنازعين والمختلفين يقتضي الحساب والسؤال والتقرير بالوقائع. وقضاء الله مبني على العدل والإحسان، فلا تظلم نفس شيئًا.

      قال سبحانه: ( ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ) [الأنبياء: ٤٧].

      وقال سبحانه في الجزاء: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [غافر: ١٧].

      وهو إخبار عن قيله يوم القيامة حين يبعث خلقه من قبورهم لموقف الحساب؛ يقول: اليوم يثاب كل عامل بعمله، فيوفى أجر عمله، فعامل الخير يجزى الخير، وعامل الشر يجزى جزاءه60.

      وقال جل من قائل: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الجاثية: ٢٢].

      كما في الحديث القدسي: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)61.

      وقال سبحانه: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [النجم: ٣٩-٤١].

      أي: يجزى الإنسان بسعيه الجزاء الأكمل والأتم62.

      والآيات في ذكر الجزاء وترتيبه بعد الابتلاء كثيرة. والله سبحانه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم إذ يعفو عن كثير، فلا يحاسب المؤمنين بحديث النفس، ويغفر الكثير من الخطأ والزلات، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.

      وقد جمع الله سبحانه في آية الأنعام المعاني السابقة؛ فقال: (ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الأنعام: ٦٢].

      فالرد كالرجع في قوله: (ﯨ ﯩ ﯪ) [البقرة: ٢٨]63، قيل: يعني العباد يردون بالموت إلى الله مولاهم الحق مالك الكل ومتولي الأمور، الذي له القضاء دون خلقه، وهو إذا حاسب فحسابه سريع؛ لأنه لا يحتاج إلى فكرة ورؤية وعقد يد64، بل إنه سبحانه أسرع من يحاسب فلا يتأخر جزاؤه65.

      المسؤول

      أولًا: الرسل عليهم السلام:

      والرسل عليهم السلام في القرآن: هم من اختارهم الله سبحانه واصطفاهم من الملائكة والناس، وكلفهم بإنفاذ ما شاء من قدره، أو بلاغ ما شاء من رسالاته وشرعه؛ قال تعالى: (ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الحج: ٧٥].

      فالملائكة رسل الله فيما شاء من شرعه وقدره، ورسله من الناس لإبلاغ رسالاته، وهو سميع لأقوال عباده بصير بهم عليم بمن يستحق ذلك منهم، قال سبحانه: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ) [الأنعام: ١٢٤]66. وعن مجاهد في قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الحجر: ٨].

      قال: بالرسالة والعذاب67.

      أما الملائكة فإنهم مجبولون على الطاعة، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؛ قال تعالى: ( ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التحريم: ٦].

      وقال سبحانه ردًا على من قال إن الملائكة بنات الله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأنبياء: ٢٦-٢٨].

      فأبطل الله سبحانه دعوى القائلين بذلك، بوصفهم بأنهم عباد مكرمون بكرامته سبحانه لهم، مقربون عنده، وبأنهم لا يسبقونه بالقول أي لا يقولون شيئًا حتى يقوله، أو يأمرهم به، وفي هذا دليل على كمال طاعتهم وانقيادهم. ثم وصفهم بأنهم العاملون بما يأمرهم به سبحانه، التابعون المطيعون له68. وبمثل هذا في تفسير قوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [فاطر: ١].

      قال السعدي: وفي ذكره أنه جعل الملائكة رسلًا، ولم يستثن منهم أحدًا، دليل على كمال طاعتهم لربهم، وانقيادهم لأمره69. فلا يقع عليهم السؤال والمحاسبة إذ لا تقع عليهم المسؤولية والتبعة. وهذا هو الأصل.

      وأما الرسل من البشر، فالمسؤولية في حقهم ثابتة، وسؤالهم في القرآن وارد في غير موضع؛ قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأعراف: ٦-٧].

      يعني لنسألن الأمم عن إجابتهم الرسل، (ﮍ ﮎ) عن الإبلاغ (ﮔ ﮕ ﮖ) عن الرسل فيما بلغوا، وعن الأمم فيما أجابوا70.

      مقاصد سؤال الرسل:

      إن الرسل أحرى الخلق بالاستقامة على الحق، ولكن ثبت سؤالهم في القرآن الكريم في غير موضع، كما قال ربنا سبحانه: (ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأعراف: ٦].

      والرسل يسألون عن الإبلاغ كما تقدم، والله سبحانه غير غائب عن خبرهم بل يعلم جميع ذلك، فلم يسألهم؟ والجواب أن الله سبحانه يسأل الرسل يوم القيامة لمقاصد عظيمة؛ منها:

    1. إقامة الشهادة.

      قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء: ٤١ - ٤٢ ].

      وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النحل: ٨٤ ].

      وقال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النحل: ٨٩ ].

      فهذه الآيات توضح أن سؤال الرسل عن البلاغ إقامة للشهادة على أقوامهم بأن أمر الله ودعوته وعهده قد وصلتهم، كما يشهد الرسل على إجابتهم ما داموا فيهم، كما جاء في التنزيل على لسان عيسى بن مريم عليه السلام: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [المائدة: ١١٧].

    2. تبكيت وتوبيخ المكذبين وتحقيرهم.

      وذلك لما يرون من تبرؤ معبوديهم من عبادتهم، وإثبات وصول دعوة الحق لهم؛ كما قال تعالى: (ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [المائدة: ١١٦-١١٧].

      قال القرطبي: واختلف أهل التأويل في معنى هذا السؤال وليس هو باستفهام وإن خرج مخرج الاستفهام على قولين؛ أحدهما: أنه سأله عن ذلك توبيخا لمن ادعى ذلك عليه ليكون إنكاره بعد السؤال أبلغ في التكذيب، وأشد في التوبيخ والتقريع71.

      تعريف الرسل بما غير أقوامهم من بعدهم: وهذا هو القول الثاني في الآية السابقة، فإنه سبحانه بهذا السؤال قصد تعريف عيسى عليه السلام أن قومه غيروا بعده، وادعواعليه ما لم يقله72.

      سلوك الرسل حال السؤال:

      يظهر الرسل حال سؤالهم عظيم تنزيههم لربهم وتعظيمه ومعرفة قدره سبحانه، وعظيم امتثالهم لأمره وشرعه، وعظيم تواضعهم لله وافتقارهم إليه، واستحالة ادعائهم ما ليس لهم بحق، وجواب عيسى عليه السلام عن السؤال مثال بين على ذلك.

      وفي سورة المائدة يسأل الله سبحانه الرسل عما أجابتهم أممهم، وكيف ردوا عليهم حين دعوهم إلى طاعته وتوحيده، قال عز من قائل: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [المائدة: ١٠٩].

      فردوا إليه سبحانه العلم إذ أجلوه وتأدبوا معه فيما عندهم من العلم، وفزعوا من هول يوم القيامة، واعترفوا بفوات ما غاب منهم مما هو في صدور الناس، أو مما أحدثوا بعدهم، ومما كان من عاقبة أمرهم73.

      وفي سلوك الرسل حال السؤال إظهار منهجهم في أداء رسالاتهم وأنهم يبلغون رسالات الله ويخشونه، كما قال تعالى (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ) [الأحزاب: ٣٩].

      وكمال تأدبهم مع الله سبحانه، والتسليم لأمره ولحكمته.

      مسؤولية الرسل:

      مسؤولية الرسل في مقام الرسالة تقتصر على البلاغ المبين؛ قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [النحل: ٣٥].

      وهذا سؤال استنكاري يفيد تقرير أن الرسل ليس عليهم إلا التبليغ البين الظاهر الذي يصل إلى القلوب، ولا يبقى لأحد على الله حجة74.

      وقال عز من قائل: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [العنكبوت: ١٨].

      وهذه الآية تحتمل أن تكون من كلام إبراهيم عليه السلام تكملة لما سبق من كلامه، ويكون المعني بالرسول -بالتالي- إبراهيم، وهذا إظهار في مقام الإضمار لتقرير أن واجب الرسول - أي رسول- هو إبلاغ ما أرسل به بينًا واضحًا75.

      وقال تعالى على لسان الثلاثة الرسل في معرض ضرب المثل لمشركي قريش بأصحاب القرية: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [يس: ١٦-١٧].

      وقد جاء بيان أن مسؤولية الرسل في مقام الرسالة مقتصر على البلاغ المبين في مقام التهديد والوعيد خطابًا للمرسل إليهم، كما جاء في مقام التسلية والتعزية والتخفيف خطابًا للرسل؛ فمما جاء خطابًا للمرسل إليهم قوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [المائدة: ٩٩].

      قال أبو جعفر الطبري: وهذا من الله تعالى ذكره تهديد لعباده ووعيد، فمهمة الرسول أن يؤدي إليكم رسالتنا، والله المطلع على المطيع والعاصي؛ لأنه يعلم ما عمله العامل في الظاهر بجوارحه، وما أخفاه في نفسه من إيمان وكفر أو يقين وشك ونفاق76.

      ومن ذلك أيضًا قوله سبحانه: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [التغابن: ١٢].

      وهذه الآية أيضًا في مقام التهديد والوعيد؛ فهو سبحانه يقول للناس: إن الرسول قد أعذر إليكم بالإبلاغ والله ولي الانتقام ممن عصاه وخالف أمره77.

      ومما جاء خطابًا للرسل قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النحل: ٨٢].

      وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخفف عن نفسه، ولا تذهب نفسه حسرات عليهم إن قابلوه بالإعراض وعدم الاستجابة، فيخبره سبحانه أنه ليس عليه من لوم ولا عذل إذ أدى ما عليه من بلاغ ما أرسل به بينًا واضحًا78، ويقول له: فلا عليك منهم79.

      ومنه أيضًا قوله سبحانه: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ) [الشورى: ٤٨].

      وتعني: أن الله لم يرسلك رقيبًا تحفظ أعمالهم وتحصيها، فإن أعرضوا ولم يستجيبوا لك فدعهم، فما عليك إلا أن تبلغهم ما أرسلناك به إليهم، فإذا بلغتهم فقد أديت ما عليك80.

      فيظهر من ذلك كله أن مخاطبة المرسل إليهم عن انحصار مهمة الرسل في البلاغ المبين فحواه: التهديد والوعيد بأن خصمهم ليس هو الرسول وإنما من بعثه وهو الله سبحانه وليسوا بأهل لخصومته. ويظهر أن الغرض من مخاطبة المرسلين بذات الخطاب؛ وهو: التخفيف عنهم، وتسليتهم، وبيان لحدود واجبهم.

      والرسل في مقام العبودية مخاطبون بفروع الشريعة كما هو شأن عامة المؤمنين، وبالتالي فهم مسؤولون عما أسند إلى عامة المؤمنين من مسؤوليات، فليس معنى اقتصار مسؤوليتهم على البلاغ أنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة، بل إن الله سبحانه أمرهم بما أمر به المؤمنين، لكنها مسؤولية خاصة.

      فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ)، وقال: (ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)81.

      ثانيًا: المؤمنون:

      إن الله سبحانه كما يسأل الرسل فإنه يسأل المؤمنين، وقد ثبت في القرآن مسؤولية المؤمنين في غير ما آية.

      قال سبحانه: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النحل: ٩٣].

      يأتي هذا الحديث في معرض وصايا للمؤمنين، حيث أمرهم الله سبحانه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهاهم عن الفحشاء والمنكر والبغي، كما أمرهم بالوفاء بعهد الله ونهاهم عن نقض الأيمان بعد توكيدها، وغيرها. وهذا السياق يدل على أن المسؤولين هم المؤمنون. فالمؤمنون مسؤولون يوم القيامة.

      وقال تعالى: ( ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الأحزاب: ٨].

      وجملة الأقوال في المقصود بالصادقين أربعة؛ منها: ليسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة، فيشمل بذلك المؤمنين.

      وقال سبحانه: ( ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ) [الزخرف: ٤٤ ].

      رجح القرطبي أن يكون المقصود بالذكر هنا القرآن لانبناء الكلام عليه ورجوع المصير إليه.

      وأشار الماوردي82 إلى قولين في قوله تعالى () أحدهما: من اتبعك من أمتك، والثاني: لقومك من قريش.

      والصحيح أنه شرف لمن عمل به، كان من قريش أو من غيرهم.

      وقد وردت الأدلة المتكاثرة أنه لا فضل إلا بالتقوى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين)83.

      فيكون المقصود بقومك المؤمنون، ويكون السؤال عن الشكر عن رفع القدر بهذا القرآن، أو تسألون على ما أوتيتم. وقوله تعالى: (ﯛ ﯜ) أي: عن الشكر عليه؛ قاله مقاتل والفراء. وقال ابن جريج: أي: تسألون أنت ومن معك على ما أتاك. وقيل: تسألون عما عملتم فيه؛ والمعنى متقارب84.

      كذلك فقد ثبت في القرآن الكريم أن أمة الإجابة تشهد، ولا تكون الشهادة إلا إجابة عن سؤال.

      قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة: ١٤٣].

      وأمة الإجابة هم المؤمنون في الجملة.

      ثالثًا: الكافرون:

      إن سؤال الكافرين ثابت في القرآن في آيات كثيرة جدًا، وسؤال الله للكفار في القرآن كله توبيخ وتقريع85.

      ومن ذلك قوله تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الصافات: ٢٢ - ٢٥].

      وقوله سبحانه: (ﭖ ﭗ) [الحجر: ٩٢].

      وقال عز من قائل: ( ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [القصص: ٦٢].

      وقال سبحانه: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [القصص: ٦٥].

      وقال سبحانه: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [العنكبوت: ١٣].

      وقال سبحانه: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الزخرف: ١٩].

      وقال سبحانه: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [النحل: ٥٦].

      وقال سبحانه: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الغاشية: ٢١-٢٦].

      وقد يشكل على البعض سؤال الكافر بسبب بعض الآيات التي تشير إلى حجب الكفار وعدم سؤالهم وعدم تكليمهم، كما في قوله سبحانه: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [القصص: ٧٨].

      وقوله عز من قائل: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الرحمن: ٣٩].

      وقوله تعالى: ( ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [آل عمران: ٧٧].

      وقوله سبحانه: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المطففين: ١٥].

      والذي يظهر أنهم مسؤولون لآية الحجر السابقة، ولقوله سبحانه: (ﰆﰇ ﰈ ﰉ) [الصافات: ٢٤].

      وقوله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الغاشية: ٢٥-٢٦]86.

      وقد جمع القرطبي توجيهات الجمع بين الآيات عند أهل العلم في وجهين؛ الوجه الأول: أن القيامة مواطن، فموطن يكون فيه سؤال وكلام، وموطن لا يكون ذلك فيه. وهو قول عكرمة؛ قال: القيامة مواطن، يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها. الوجه الثاني: وهو قول ابن عباس؛ قال: لا يسألهم سؤال استخبار واستعلام هل عملتم كذا وكذا ، لأن الله عالم بكل شيء، ولكن يسألهم سؤال تقريع وتوبيخ فيقول لهم: لم عصيتم القرآن وما حجتكم فيه ؟ واعتمد قطرب هذا القول87؛ فقال: السؤال ضربان، سؤال استعلام، وسؤال توبيخ، فقوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ) يعني: استعلاما.

      وقوله سبحانه: (ﭗ ﭘ)يعني: توبيخا وتقريعًا88.

      وقيل: لنسألنهم أجمعين يعني المؤمنين المكلفين، بيانه قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [التكاثر: ٨].

      والقول بالعموم أولى كما ذكر89.

      ويحتمل في الحديث عن عدي بن حاتمٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم أحدٌ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمانٌ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرةٍ)90 أن يكون المقصود المؤمنون، كما يحتمل أن يكون المقصود العموم.

      رابعًا: المنافقون:

      المنافقون هم آفة هذه الأمة، والنفاق في اللغة من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير وإبطان الشر، وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين:

      أحدهما: النفاق الأكبر؛ وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهو النفاق الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار.

      والثاني: النفاق الأصغر؛ وهو نفاق العمل، وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة، ويبطن ما يخالف ذلك91.

      وأصول هذا النوع ترجع إلى خمس خصال ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: (آية المنافق ثلاثٌ، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)92.

      وفي الحديث الآخر قال: (أربعٌ من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها إذا، اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)93.

      وهي: الكذب، إخلاف الوعد، الفجور في الخصومة، الغدر بالعهد، والخيانة في الأمانة94.

      خص ربنا سبحانه وتعالى المنافقين بالذكر في سورة كاملة بين فيها سبيل النجاة من سبيلهم، وعرف بهم في آيات كثيرة من القرآن.

      قال سبحانه: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المنافقون: ١-٣].

      فوصفهم سبحانه بالكذب، وبأن أيمانهم وحلفهم بأنهم منكم ادعاء يريدون به حماية أنفسهم وأموالهم وذراريهم95، والإعراض والصد عن سبيل الله، وإضعاف المؤمنين من خلال التغلغل في نسيجهم.

      قال سبحانه: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [التوبة: ٤٧].

      وقد دل القرآن الكريم على إمارات التعرف إليهم، والتي تظهر في أقوالهم وأفعالهم.

      قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [محمد: ٣٠].

      فوصف من أقوالهم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

      قال سبحانه: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [التوبة: ٦٧].

      ووصف منها أيضًا: الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، ويروغون عن مسؤولية قولهم هذا بكونه مجرد خوض ولعب.

      قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [التوبة: ٦٥].

      ووصف من أفعالهم التكاسل عن الصلاة، بل إنهم كانوا في عهد رسول الله يغيبون عن صلاتي العشاء والفجر من أجل أن العتمة تخفي الوجوه فلا يعرف الحاضر من الغائب.

      قال سبحانه: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [النساء: ١٤٢].

      ووصف كذلك من أفعالهم موالاة الكفار وأعداء الأمة المسلمة.

      قال سبحانه: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [المجادلة: ١٤].

      وبسبب سوء صنيعهم الذي يشكل معاول لهدم الصف المسلم، وهدم قيمه وثوابته، توعدهم الله سبحانه أشد الوعيد.

      قال سبحانه: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [النساء: ١٣٨].

      وقال عز من قائل: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النساء: ١٤٥].

      وقال سبحانه: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [التوبة: ٦٨].

      وقد جمع القرآن بين صفاتهم وبيان أنهم سيسألون ويحاسبون، كما في قوله سبحانه: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الأحزاب: ١٢-١٥].

      والآيات جاءت في وصف أحداث غزوة الأحزاب حين حاصرت جموع المشركين المدينة، فزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وابتلي المؤمنون أشد البلاء، وأظهرت شدة البلاء ما في قلوب المنافقين من الغيظ، هنالك ادعى المنافقون أن وعد الله ورسوله بالنصر متخلف، وسعى فريق منهم للتخذيل، وفريق سعى للفرار والنأي بنفسه بادعاءات كاذبة وحجج واهية، وأخبر الله سبحانه أنهم لو دخلت عليهم جيوش المشركين التي يريدون قتالها من أطراف المدينة ثم سئلوا أن يكفروا لكفروا، يحملهم على ذلك: الخوف منهم، وخبث الفتنة التي هم عليها من النفا ق عليه. والفتنة هي الكفر، وهي التي يقول الله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [البقرة: ١٩١].

      أي: الكفر. هذا مع كونهم كانوا عاهدوا الله من قبل ذلك، ألا يولوا عدوهم الأدبار إن لقوهم في مشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، فما أوفوا بعهدهم (ﰁ ﰂ ﰃ ) أي: فيسأل الله ذلك من أعطاه إياه من نفسه96.

      ومن عجيب أمر المنافقين أنهم عند السؤال والحساب يكذبون ويحلفون على الكذب كما كانوا يفعلون في الدنيا، قال سبحانه وتعالى عنهم: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [المجادلة: ١٨].

      فانظر إلى أقوالهم وأفعالهم، وانظر إلى وعد الله لهم بسؤالهم عن عهدهم معه، وانظر إلى جدالهم ربهم عند الحساب، وانظر إلى عاقبة أمر المنافقين، تعرف أن المنافقين من شر العباد.

      ويلاحظ أن ذكر السؤال في حق المنافقين رغم سيء أفعالهم، وخبيث خصالهم لم يرد إلا في موضع سورة الأحزاب، وأن الموضع الذي ذكر فيه هو موضع الخيانة والخذلان والتخذيل، ويشير ذلك إلى أن شر المنافقين الأساسي، وضررهم الأكبر يتمثل في هذه الأعمال التي تستهدف تماسك الأمة وروحها المعنوية.

      خامسًا: الولاة:

      يخبر القرآن الكريم أن الولاية محل للسؤال، وأن الولاة مسؤولون مهما كانت درجة ولايتهم.

      قال سبحانه: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [النساء: ٥٨].

      وقد رأى كثير من المفسرين أن هذه الآية خاصة بالأمراء، قال أبو جعفر الطبري: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي، قول من قال: هو خطاب من الله ولاة أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من ولوا أمره في فيئهم وحقوقهم، وما ائتمنوا عليه من أمورهم، بالعدل بينهم في القضية، والقسم بينهم بالسوية. يدل على ذلك ما وعظ به الرعية في الآية التالية: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [النساء: ٥٩].

      فأمرهم بطاعتهم، وأوصى الراعي بالرعية، وأوصى الرعية بالطاعة، وبمثل هذا القول قال زيد بن أسلم97.

      ورأت طائفة من المفسرين أن المقصود بها العموم.

      قال ابن كثير: وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق الله عز وجل على عباده، من الصلوات والزكوات، والكفارات والنذور والصيام، وغير ذلك، مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك. فأمر الله عز وجل بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة98.

      ورأت طائفة ثالثة أن المقصود بها قضاء الدين، ورد حقوق الناس99.

      قال ابن العربي في قوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ): (قال ابن زيد: قال أبي:هم السلاطين، بدأ الله سبحانه بهم، فأمرهم بأداء الأمانة فيما لديهم من الفيء، وكل ما يدخل إلى بيت المال حتى يوصلوه إلى أربابه، وأمرهم بالحكم بين الناس بالعدل، وأمرنا بعد ذلك بطاعتهم، فقال: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ) [النساء: ٥٩])، وأردف: (هذه الآية في أداء الأمانة والحكم عامة في الولاية والخلق، لأن كل مسلم عالم، بل كل مسلم حاكم ووال)100.

      فالقرآن هنا إذًا يشير إلى أن الأمانة عامة في كل أمر، وخص بالذكر منها الحكم بعد العموم تنويهًا بكونه أعلى الأمانات شأنًا، وأعظم التكاليف مسؤولية، فإن الولاية العامة تدخل في باب الأمانة باعتبارها رأس الأمانات والتي عليها قوام حياة الناس ومعاشهم، وصلاح دنياهم وأخراهم؛ وفي الحديث عن أبى ذرٍ قال: (قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال: (يا أبا ذرٍ إنك ضعيفٌ وإنها أمانةٌ وإنها يوم القيامة خزىٌ وندامةٌ إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها)101.

      والولاة مسؤولون على مختلف مواقعهم ومراتبهم ومسؤولياتهم، من كان منهم أمير الناس، ومن كان عبدًا عاملًا في مال سيده؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئولٌ عن رعيته)، قال: وحسبت أن قد قال والرجل راعٍ في مال أبيه ومسئولٌ عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئولٌ عن رعيته)102.

      إلا أن أشد الناس مسؤولية الذي يكون على رأس الناس، وهو أمير العامة، ويتأكد عظم هذه المسؤولية بما توعد به ربنا سبحانه فقال: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [ص: ٢٦].

      وبما حذر منه رسولنا صلى الله عليه وسلم الحاكم الظالم الجائر أو الغاش لرعيته، أو المحتجب دون خلتهم وحاجتهم؛ فقال: (ما من والٍ يلي رعيةً من المسلمين فيموت وهو غاشٌ لهم إلا حرم الله عليه الجنة)103.

      وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم)، قال أبو معاوية: (ولا ينظر إليهم، ولهم عذابٌ أليمٌ، شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذابٌ، وعائلٌ مستكبرٌ)104.

      والقرآن مع بيان مهام المسؤولين من الولاة، فإنه يوضح المزالق التي تسبب لهم الكبوات والنكبات لا سيما في ولاية العامة.

      قال سبحانه: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [البقرة: ١٨٨].

      قيل: هي في ولي اليتيم، يرفع المال إلى الحاكم يريد أكل شيء منه بحكمه، فهي في الولاية الخاصة، وقيل معناها: لا تحاجوا عند الحكام فترفعوا إليهم حججكم وأنتم تعلمون أن هذه الأموال التي أخذتموها من الناس إنما أكلتموها واغتصبتموها، وأنكم آثمون فيها، فإن حكم الحاكم أو القاضي لا يحل حرامًا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشرٌ، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعضٍ، فأحسب أنه صدق، فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلمٍ، فإنما هي قطعةٌ من النار فليأخذها أو فليتركها)105.

      وقيل: إن المعنى: لا تصانعوا بأموالكم الحكام وترشوهم ليقضوا لكم على أكثر منها.

      قال ابن عطية: وهذا القول يترجح؛ لأن الحكام مظنة الرشاء إلا من عصم وهو الأقل، وأيضا فإن اللفظين متناسبان: تدلوا من إرسال الدلو، والرشوة من الرشاء، كأنه يمد بها ليقضي الحاجة. ويقوي هذا عطف تدلوا على تأكلوا في موضع الجزم.

      وفي مصحف أبي: (ولا تدلوا) بتكرار حرف النهي، وهذه القراءة تؤيد جزم تدلوا في قراءة الجماعة.

      وقيل: (تدلوا) في موضع نصب على الظرف، والذي ينصب في مثل هذا عندسيبويه (أن) مضمرة، والهاء في قوله (بها) ترجع إلى الأموال، وعلى القول الأول إلى الحجة ولم يجر لها ذكر، فقوي القول الثاني لذكر الأموال، والله أعلم.

      والرشوة معروفة، والرشوة بالضم مثله، والجمع رشى ورشى، وقد رشاه يرشوه، وارتشى: أخذ الرشوة، واسترشى في حكمه: طلب الرشوة عليه106.

      من جملة ما سبق يظهر أن الولاة المسؤولين هم: جميع من استرعي أو ائتمن على رعية أو مال قل ذلك أو كثر. وهم مع التخويف من إهمال مسؤولياتهم موعودون إن أدوها ورعوها حق رعايتها بالأجر العظيم والفضل الكبير؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين عند الله على منابر من نورٍ عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمينٌ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)107.

      ويعرف أخذ الأمانة بحقها، وأداء الذي على المرء فيها بالشرع، فإن الحكم بالعدل إنما يكون على وفق ما أنزل الله، لا أهواء الخلق.

      قال سبحانه: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [المائدة: ٤٩].

      المسؤول عنه

      أولًا: الرسالة:

      يسأل الله سبحانه وتعالى عن الرسالة من ناحيتين، والمقصد من سؤاله ليس الاستعلام ولكن ما يترتب عليه.

      يسأل الله سبحانه وتعالى المرسلين عن الرسالة من ناحية تبليغها، وناحية الاستجابة لها.

      قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأعراف: ٦].

      فيسأل الرسل: هل بلغتم الرسالة؟، ويسأل الذين أرسل إليهم: هل بلغتكم الرسالة؟. والسؤال عن الرسالة لا يعني الاستفهام المفضي إلى العلم -كما سبق بيانه - فالله سبحانه وتعالى عالم بما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، ولا لمحاسبة الرسل عن تبليغهم الرسالة لعلمه أنهم صادقون، ولكن لتبكيت الكافرين108، ولإقامة الحجة على المكذبين، بأن الرسل بلغوا ما عليهم من الرسالة بلاغًا مبينًا، إذ أن عدم البلاغ حجة لهم على ترك العمل.

      كما قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [القصص: ٤٧ ].

      فيتحقق على الكافرين السؤال، ويحتاروا في الإجابة.

      قال سبحانه: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [القصص: ٦٥-٦٦].

      وثبت هذا أيضًا في قوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الأحزاب: ٧-٨].

      قال القرطبي: فيه أربعة أوجه:

      أحدها: ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم،وفي هذا تنبيه، أي إذا كان الأنبياء يسألون فكيف من سواهم؟.

      الثاني: ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم.

      الثالث: ليسأل الأنبياء عليهم السلام عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم.

      الرابع: ليسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة109.

      وقال الطبري: يقول تعالى ذكره: أخذنا من هؤلاء الأنبياء ميثاقهم كيما أسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، ومافعل قومهم فيما أبلغوهم عن ربهم من الرسالة110.

      إن الله سبحانه يسأل الرسل عن إبلاغ الرسالة، ويسأل المرسل إليهم عن وصولها لإقامة الحجة والبينة والبرهان على وصول الرسالة وتبليغها بأحسن بيان.

      قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [القصص: ٤٧ ].

      فالاحتجاج بانتفاء البلاغ سائغ، فكان سؤال الرسل عن الرسالة حجة في وصولها إلى المرسل إليهم، وكان سؤال المرسل إليهم عنها للتقرير والتبكيت.

      قال سبحانه: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء: ٤١ - ٤٢ ].

      وقدم سبحانه سؤال المرسل إليهم، ليكون جواب الرسل عن الرسالة شهادة عليهم، كما في قوله سبحانه: (ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأعراف: ٦].

      ثانيًا: العهد مع الله ومع الناس:

      قال الزجاج: العَهْدُ كل ما عُوهِدَ اللَهُ عَلَيْه، وكل ما بينَ العِبَادِ من المواثيق فهِيَ عُهُود111.

      وقد صرح القرآن بالسؤال عن العهد؛ فقال تعالى: (ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الإسراء: ٣٤].

      قال ابن عاشور: أمروا بالوفاء بالعهد، والتعريف في العهد للجنس المفيد للاستغراق112؛ فيشمل العهد مع الله ومع الناس. فيدخل في ذلك ما بين العبد وربه، وما بين العباد بعضهم البعض. وقد رتب سبحانه على الوفاء بالعهد أجزل العطاء، كما رتب على إخلافه أشد الوعيد.

      قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الفتح: ١٠].

      وقال سبحانه: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الرعد: ٢٥].

      وتفصيل ذلك كالتالي:

    1. العهد مع الله.

      المراد بعهد الله: كل عهد يوثقه الإنسان مع ربه113.

      وفي القرآن أتى الأمر واضحًا جليًا بالوفاء بعهد الله؛ قال سبحانه: (ﭰ ﭱ ﭲﭳ) [الأنعام: ١٥٢].

      أي: أوفوا بوصية الله التي أوصاكم، بأن تطيعوه فيما أمركم به ونهاكم، وأن تعملوا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فبهذا يكون الوفاء بعهد الله114.

      وأتى التحذير والوعيد والتهديد من الإخلال بالعهد بأن الله عز وجل سيسأل عن عهده سبحانه الذين عاهدوه115.

      قال عز من قائل: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الأحزاب: ١٥].

      وقد تضمنت الآية مع التهديد: الوعد والتأكيد بأن الله سائل عن العهد لا محالة116، وأن سؤاله سبحانه عن العهد يكون تبكيتًا لناقضه117.

      قال الطاهر بن عاشور: وعهد الله المأمور بالإيفاء به هو كل عهد فيه معنى الانتساب إلى الله الذي اقتضته الإضافة، إذ الإضافة هنا يصح أن تكون إضافة المصدر إلى الفاعل، أي: ما عهد الله به إليكم من الشرائع، ويصح أن تكون إلى مفعوله، أي: ما عاهدتم الله أن تفعلوه والتزمتموه وتقلدتموه، ويصح أن تكون الإضافة لأدنى ملابسة، أي: العهد الذي أمر الله بحفظه، وحذر من ختره، وهو العهود التي تنعقد بين الناس بعضهم مع بعض سواء كان بين القبائل أم كان بين الآحاد.

      ولأجل مراعاة هذه المعاني الناشئة عن صلاحية الإضافة لإفادتها عدل إلى طريق إسناد اسم العهد إلى اسم الجلالة بطريق الإضافة دون طريق الفعل، بأن يقال: وبما عاهدتم الله عليه، أو نحو ذلك مما لا يحتمل إلا معنى واحدًا.

      وإذ كان الخطاب بقوله: (تعالوا) للمشركين تعين أن يكون العهد شيئا قد تقررت معرفته بينهم، وهو العهود التي يعقدونها بالموالاةوالصلح أو نحو ذلك، فهو يدعوهم إلى الوفاء بما عاقدوا عليه. وأضيف إلى الله لأنهم كانوا يتحالفون عند التعاقد ولذلك يسمون العهد حلفًا.

      فالآية آمرة لهم بالوفاء، وكان العرب يتمادحون به. ومن العهود المقررة بينهم: حلف الفضول، وحلف المطيبين، وكلاهما كان في الجاهلية على نفي الظلم والجور عن القاطنين بمكة، وذلك تحقيق لعهد الله لإبراهيم عليه السلام أن يجعل مكة بلدًا آمنا ومن دخله كان آمنًا.

      وقد اعتدى المشركون على ضعفاء المؤمنين وظلموهم مثل عمار،وبلال، وعامر بن فهيرة، ونحوهم، فهو يقول لهم فيما يتلو عليهم أن خفر عهد الله بأمان مكة،وخفر عهودكم بذلك أولى بأن تحرموه من مزاعمكم الكاذبة فيما حرمتم وفصلتم، فهذا هو الوجه في تفسير قوله: (ﭰ ﭱ ﭲ) وتقديم المجرور على عامله للاهتمام بأمر العهد وصرف ذهن السامع عنه، ليتقرر في ذهنه ما يرد بعده من الأمر بالوفاء، أي: إن كنتم ترون الوفاء بالعهد مدحة فعهد الله أولى بالوفاء وأنتم قد اخترتموه118.

      والقرآن يخبرنا عن أصناف من الناس عاهدوا الله من عند أنفسهم ابتداء، لئن آتاهم من فضله ليتصدقن، يرجون بذلك نواله وفضله.

      قال سبحانه: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ) [التوبة: ٧٥].

      لكنهم أخلفوا عهدهم فأعقبهم الله سبحانه وتعالى نفاقًا في قلوبهم جزاء وفاقًا.

      قال سبحانه: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة: ٧٦-٧٧].

      فدل على أن ما يلتزمه الإنسان من عمل البر بنذر أو يمين فهو عهد عاهد ربه عليه119.

      وبين القرآن أن من نقض العهد مع اللهإنما يضر بذلك نفسه، وأن من أوفى به يؤتيه الله الأجر العظيم على ذلك، كما في الآية السابقة، وكما في قوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الفتح: ١٠].

      وبين في موضع آخر: أن نقض الميثاق والعهد يستوجب اللعن، وذلك في قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [المائدة: ١٣]120.

      وجزاءه سبحانه عن الوفاء بالعهد: توفيه الموفين بعهدهم معه سبحانه الجزاء الفاضل الذي وعدهم حال الوفاء بعهده، فجعله كالعهد منه سبحانه الذي يقابل العهد.

      قال سبحانه: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ) [البقرة: ٤٠].

      قال القرطبي: قوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ) أمر وجوابه، وعهد الله المذكور هنا قيل: هو عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه فيدخل في ذلك ذكرمحمدصلى الله عليه وسلم الذي في التوراة وغيره، وهذا قول الجمهور من العلماء وهو الصحيح وعهده سبحانه وتعالى هو أن يدخلهم الجنة. وما طلب من بني إسرائيل من الوفاء بالعهد هو مطلوب منا - أمة محمد صلى الله عليه وسلم- فقال الله تعالى: (ﮍ ﮎ)، وقال سبحانه: (ﮍ ﮎ )121.

      ومع أن وفاءه سبحانه بعهده ووعده تفضل منه سبحانه إلا أنه أتى به في صورة جواب الشرط ويدل على اللزوم، قال الطبري: وقد كان بعض أهل العربية يوجه معنى قوله: (ﮆ ﮇ) من قوله سبحانه: (ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الفرقان: ١٦].

      إلى أنه معني به: وعدًا واجبًا، وذلك أن المسئول واجب، وإن لم يسأل كالدين، ويقول: ذلك نظير قول العرب، لأعطينك ألفًا وعدًا مسئولًا، بمعنى واجب لك فتسأله. وعن ابن عباس (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) قال: فسألوا الذي وعدهم وتنجزوه122.

      فالوفاء بالعهد مع الله يأتي بالكرامة، ويكون عاقبة السؤال عليه خيرًا، أما الحنث والنكث فإن السؤال عن العهد به يكون تبكيتًا للمسؤول، والإخبار عن ذلك في القرآن تخويف وتحذير من النكث بالعهد مع الله سبحانه.

    2. العهد مع الناس.

      إن القرآن كما يخبر عن السؤال عن العهد مع الله سبحانه، يشير إلى السؤال عن العهد مع الناس.

      قال تعالى: (ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الإسراء: ٣٤].

      والوفاء بالعهد مع الناس من مكارم الأخلاق ومحاسن الخلال التي لا خلاف فيها بين أهل العقول، لذلك فإن ربنا سبحانه يوصي ويوجب على أمة الإسلام الوفاء بالعهد، ويحذر سبحانه من النكوث بالعهود، وعدم الوفاء بالعقود، وأبلغ التحذير جعل العهد مسؤولًا عنه، محاسبًا عليه.

      قال الإمام أحمد رحمه الله: العهد شديد في عشرة مواضع من كتاب الله، وذكر: (ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)123.

      وفي موضع آخر من القرآن قال سبحانه: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النحل: ٩١].

      وهو أمر من الله سبحانه وتعالى لعباده أن يوفوا بعهد الله إذا عاهدوا، وظاهر الآية أن عهد الله المذكور شامل لجميع العهود فيما بين العبد وربه، وفيما بينه وبين الناس124.

      قال القرطبي: قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ)لفظ عام لجميع ما يعقد باللسان ويلتزمه الإنسان بالعدل والإحسان125.

      والقرآن ينبه إلى ضرورة الوفاء بالعهد والعقد، والذي ينشأ بموجبه حقٌ للمعاهد، لاسيما إذا كان مؤكدًا وموثقًا بالأيمان، ويحذر من نقضه بعد توثيقه بالأيمان وتغليظه بأن جعل الله سبحانه عليه راعيًا، فأمر بعدم مخالفة الأمر الذي تم التعاقد عليه، ونهى عن الحنث في الأيمان المبرمة المؤكدة126.

      ونقض الأيمان: إبطال ما كانت لأجله، فالنقض إبطال المحلوف عليه لا إبطال القسم، فجعل إبطال المحلوف عليه نقضًا لليمين في قوله: (ﮒ ﮓ ) تهويلًا وتغليظًا للنقض؛ لأنه نقض لحرمة اليمين.

      و(ﮕ ﮖ) زيادة في التحذير، وليس قيدًا للنهي بالبعدية، إذ المقصود أيمان العهد والبيعة، و (بعد) هنا بمعنى (مع)، إذ أثرهما واحد هنا، وهو حصول توثيق الأيمان وتوكيدها، كقوله تعالى: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الحجرات: ١١].

      وقوله: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الرعد: ٢٥].

      والتوكيد: التوثيق وتكرير الفتل127.

      وفي قوله سبحانه: (ﭰ ﭱ ﭲﭳ) [الأنعام: ١٥٢].

      أشار بعض أهل التفسير إلى أن العهد هنا عام في جميع ما عهده الله إلى عباده. واحتمال أن يراد به العهود بين الناس، وإضافة ذلك العهد إلى الله سبحانه هو من حيث كونه من أمر بحفظه والوفاء به128.

      والوفاء بالعهد: هو القيام بحفظه على الوجه الشرعي والقانون المرضي، إلا إذا دل دليل خاص على جواز النقض129.

      والعقد الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله وسنة رسول الله، فإن خالفهما فهو رد لا يجب الوفاء به ولا يحل130.

      ثالثًا: القرآن:

      القرآن بيان للرسول وللأمة فيما بها إليه حاجة، وهو تذكرة بأمر الدين والعمل به، وهو شرف لمن عمل به، والقرآن مسؤول عنه.

      قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ) [الزخرف: ٤٤].

      قوله: (ﯖ ﯗ) يعني: القرآن؛ كما قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ) [الأنبياء: ٥٠].

      وقال تعالى: (ﭑﭒ ﭓ ﭔ) [ص: ١].

      فالقرآن ذكر وذو ذكر. وأرجح الأقوال في معنى كون القرآن ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ولقومه: أن القرآن شرف لك ولمن عمل به ممن اتبعك من أمتك؛ فقد قال سبحانه: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الإسراء: ٨٢].

      فيبعد أن يكون فيه شرف لقومه صلى الله عليه وسلم الكافرين، لإخباره سبحانه أن القرآن لا يزيد الظالمين إلا خسارًا والشرف خلاف الخسران. فإن كان ثمة تنويه فالمؤمنون أحق به.

      وقد جاء في الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين).

      ومنها كذلك: أن القرآن بيان لك ولأمتك فيما بكم إليه حاجة. وتذكرة تذكرون به أمر الدين وتعملون به131.

      إن القرآن هو ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يستمسك بالذي أوحي إليه، ولا يعبأ باستجابة قومه له، مهما كان اختيارهم، وأي مصير من مصائر السابقين كان مآلهم. وهو تذكير لقومه بمآل السابقين، وأحوال الكافرين، ومصائر المكذبين، وقضاء الله سبحانه فيهم. وسيكون السؤال للرسول عن البلاغ، وسيكون السؤال لقومه المرسل إليهم عن إجابتهم وعن وصول هذه التذكرة إليهم؛ كما قال سبحانه: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الأعراف: ٦].

      فالمعنى الظاهر هو: أن القرآن تذكير لك ولقومك، ولا يعني تخصيص قومه بالذكر نفي من سواهم، كقوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الأنبياء:١٠].

      وكقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الشعراء:٢١٤].

      وسوف تسألون عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له132.

      وقيل: سوف تسألون عن الشكر عليه وقيل: تسألون أنت ومن معك على ما آتاك وقيل: تسألون عما عملتم به133.

      وكل هذه المعاني ترجع إلى أن القرآن مسؤول عنه، يسأل عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ويسأل عنه من استجاب له وعمل به، ومن أعرض عنه وصد كل بحسب حاله؛ فأما المستجيبون فيسألون عن مقدار استجابتهم، والإخبار عن السؤال في حقهم حض وحفز للعمل، وأما من أعرض وصد فالإخبار عن السؤال في حقه تهديد ووعيد، وسؤاله عن القرآن سؤال توبيخ وزجر وتقريع134.

      وكما قرر القرآن سؤال أمة الدعوة والإجابة عن القرآن وما فيه من الذكر والتذكرة، فإنه قرر كذلك سؤال المكذبين به الذين عابوه، وسخروا منه.

      قال سبحانه: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الحجر: ٩٠-٩٣].

      قيل: إن المقتسمين هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى آمن كل منهم ببعض الكتاب الذي أنزل إليهم وكفروا ببعضه، وكفر اليهود بالإنجيل، وكفروا جميعًا بالقرآن.

      وقيل: سمي أهل الكتاب بالمقتسمين، لأن بعضهم كان يقول لبعض استهزاء بالقرآن هذه السورة لي ويقول الآخر هذه السورة لي.

      وقيل: إن المقتسمين قوم صالح الذين تقاسموا بالله ليبيتنه وأهله -وهو بعيد-.

      وقيل: هم كفار قريش اقتسموا طرق مكة ومداخلها ليصدوا الناس عن الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته بأن يقول فريق منهم للقادمين للحج والحرم: هو شاعر، وآخرون: هو ساحر، وفريق ثالث: هو كاهن.

      وقيل: لأنهم -كفار قريش- اقتسموا القرآن بأن سماه بعضهم شعرًا، وبعضهم كهانة، وبعضهم أساطير الأولين135.

      وقال آخرون: ()المتحالفين136.

      و() أي: أعضاء متفرقة، بمعنى قسموه أوزاعًا فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، فهو كقوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الروم: ٣٢].

      وقيل: () بمعنى مقذوفًا ببهتان، وهو قول الكفار: شعر، كهانة، وسحر. وقيل معناه: السحر137.

      والظاهر أن السؤال في حق كل هؤلاء قائم، فإن معظم الكفار كانوا يقرون ببعض ما في القرآن مع كفرهم به، فهم يقرون بأن الله هو الرب الخالق الرازق المدبر؛ كما قال سبحانه: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [العنكبوت: ٦١].

      بل إنهم يقرون بأن الله سبحانه خلقهم هم أنفسهم؛ قال سبحانه: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الزخرف: ٨٧].

      وأقر آخرون بأن ما في القرآن موافق لما في الكتب السماوية التي قبله لكنهم قالوا إن الذي يعلم رسول الله بشر عنده علم الكتاب؛ قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [النحل: ١٠٣].

      فرد عليهم القرآن فريتهم.

      وعلى هذا فإن السؤال يمكن أن يكون شاملًا لكل من عضه القرآن، فإنهم جميعًا تحالفوا على حربه فقذفوه بالبهتان، بأن قال بعضهم: هو كلام بشر، وقال آخرون: هو شعر أو كهانة أو سحر، والله سبحانه سائلهم جميعًا عن أعمالهم تلك سؤال زجر وتبكيت وتقريع. كما قال سبحانه: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنبياء: ٥٠].

      رابعًا: الجوارح:

      إن الجوارح هي نعم من نعم الله الكثيرة الجليلة على عباده، وهي أدوات العمل ووسائل إنفاذ الإرادة، والله سبحانه قرر في كتابه العزيز أنه سائل الإنسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده138؛ قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الإسراء: ٣٦].

      والقفو في اللغة هو اتباع الأثر يقال: قفوت فلانا أقفوه وقفيته وأقفيته إذا اتبعت أثره وبه سميت القافية لتتبعهم الآثار، مأخوذ من القفا كأنه يقفو الأمور أي: يكون في أقفائها يتبعها ويتعرفها. (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) تحتمل وجهين:

      أحدهما: أن يكون الإنسان هو المسئول عن السمع والبصر والفؤاد؛ لأنه يعمل بها إلى الطاعة والمعصية.

      الثاني: أن السمع والبصر والفؤاد تسأل عن الإنسان؛ ليكونوا شهودًا عليه أو له بما فعل من طاعة وما ارتكب من معصية139.

      وقوله: (ﯻ ﯼ) أي: كل هذه الجوارح والأعضاء. وعلى القول الأول يرجع (أولئك) إلى أربابها140.

      إن الجوارح رعية استرعاها الله الإنسان، وهي شاهدة عليه تنطق بما عمل بها. لذلك فإنه ينبغي للإنسان أن يحرص أشد الحرص ألا يفتري الكذب ويشهد الزور، فيقول رأيت ولم ير، وسمعت ولم يسمع، وعلمت ولم يعلم، فإن الله تبارك وتعالى سائل هذه الأعضاء عما قال صاحبها وادعاه، من أنه سمع أو أبصر أو علم، فتشهد عليه جوارحه عند ذلك بالحق141.

      ويحتمل أن يكون المقصود النهي عن تقفي وتتبع وتعرف الأخبار وأحوال الخلق، فإن السمع والبصر أدوات تتبعها، والفؤاد أداة تعقلها وتدبرها وتخيلها، فيكون النهي عن القصد وهو تقفي الأخبار والعورات، ويكون التحذير عن إعمال أدواته وهي السمع والبصر في التتبع، والفؤاد في الإدراك، والله أعلم.

      يدل السؤال عن الجوارح على النهي عن القول بلا علم، وعن سماع اللغو وعن النظر إلى الحرام، والحكم على الظن، وأنه سبحانه يسأل العبد عن أعضائه يوم القيامة، فيشهدن عليه142.

      ونظيره قوله سبحانه في حادثة الإفك عمن تساهلوا في النقل والتحدث بما لم يتثبتوا منه: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النور: ١٥].

      فإن أولئك اتبع بعضهم أثر بعض، وحكى بعضهم عن بعض تقليدًا143. كذلك نهى ربنا سبحانه عن تتبع الأخبار والعورات، وإطلاق أدواتها، ومصداقه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)144.

      فالجوارح والحواس والقلب والعقل جميعًا أمانة يسأل الله سبحانه وتعالى عنها يوم القيامة145، كما تسأل الجوارح عن عمل الإنسان وتشهد عليه، فهي رعية ضمن ما استرعاه الله سبحانه وتعالى، وحذر من هذه المسؤولية وأكد عليها بإثبات السؤال عنها يوم القيامة146.

      وفي الحديث عن شكل بن حميدٍ، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، علمني تعوذًا أتعوذ به، قال: فأخذ بكتفي، فقال: (قل اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي) يعني: فرجه147.

      وليس في آية سورة النور السابقة دليل لمن يبطل الاجتهاد، لأن الاجتهاد يفضي إلى نوع من العلم، كما قال ربنا سبحانه: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ) [الممتحنة: ١٠].

      فأقام سبحانه غالب الظن القائم على البحث والتحري والتثبت -أي: الاجتهاد- مقام العلم وأمر بالعمل به148.

      خامسًا: الأقوال والأعمال:

      يمثل الإتيان بالأقوال والأعمال والكف عنها القسم العملي من التكليف، والفعل والكف جميعه مسؤول عنه، فيؤجر الإنسان على ما وافق من ذلك الشرع، ويأثم ويعاقب على ما خالفه.

      ١. المسؤولية عن الأقوال.

      بين الله سبحانه أن الأقوال مسؤول عنها، وساق هذا المعنى في غير آية، منها قوله سبحانه وتعالى: ( ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الأنعام: ٦٨-٦٩].

      وفي هذا الموضع من القرآن الكريم جاءت الإشارة الواضحة بأن الذين يخوضون في آيات الله استهزاء أو سبًا أو تكذيبًا أو تحريفًا أو غير ذلك من أنواع الخوض بالقول مسؤولون محاسبون، وأمر بالإعراض عنهم والصد عنهم والقيام وعدم الجلوس معهم، حال خوضهم، وأشار إلى أن الرضا بفعلهم هذا يدخل الإنسان في التبعة التي رتبها الله سبحانه على فعلهم، وأن من اتقى الله فخافه وأطاعه فيما أمره به واجتنب ما نهاه عنه، فلا تترتب عليه التبعة بعدم الإعراض فيما بينه وبين الله ما دام تركه الإعراض لم يكن عن رضًا بما هم فيه من الخوض وكان متقيًا، وأن الإعراض فائدته تذكيرهم وتنبيههم ليتقوا هذا الفعل ويتحاشوه149.

      وقال البعض من أهل التفسير أن المقصود هو أنه ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك، أي: إذا تجنبتهم وأعرضت عنهم. ويعضد القول الأخير آية النساء وهي لاحقة لآية الأنعام، حيث فيها إحالة إلى هذه الآية ومعناها.

      قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [النساء: ١٤٠].

      وقال جماعة من أهل التفسير أن الأمر كان في أوله على آية الأنعام حتى جاءت آية النساء فنسختها150.

      وفي آية النساء إشارة إلى أن خطر الأقوال يتعدى قائلها إلى مستمعها ما لم ينكر بأن يكره أو يعرض. والجمع إشارة إلى المسؤولية المترتبة التي تستلزم الجمع للحساب. واستدل ابن العربي151 بآية الأنعام على صحة القول بوجوب الخروج من أرض البدعة مثل التي يسب فيها السلف، وهو قول مالك152.

      إن من أعظم ما يسأل عنه الإنسان من الأقوال في القرآن الكريم الافتراء؛ وهو الكذب المختلق.

      قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [النحل: ٥٦].

      وفي الآية يخبر الله سبحانه وتعالى عن قبائح فعال المشركين وافترائهم عليه سبحانه بأن شرعوا دينًا لم يأذن به، وجعلوا له سبحانه أندادًا من الأصنام والأوثان، ثم إنهم بعد ذلك يجعلون نصيبًا مما رزقهم الله قرابين لهذه الطواغيت التي ائتفكوها، بل (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الأنعام: ١٣٦].

      كل ذلك من باب الافتراء والزعم والادعاء المجانب للعلم المتابع للهوى والشيطان، فأقسم الله سبحانه بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه وائتفكوه تبكيتًا وتوبيخًا، وليقابلنهم بشر ما عملوا جزاء وفاقًا153.

      وهذه الآية تدل على أن أشنع الأقوال ما أسس للإشراك بالله، وأن الكلام في مسائل الألوهية والربوبية والأسماء والصفات عن جهل وهوى مرداة ومهلكة. ومن هذا الباب وصف الكفار الملائكة بأنهم بنات الله.

      قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الزخرف: ١٩].

      فجعل كلامهم في هذا الباب من باب الشهادات، وتوعدهم بالسؤال والحساب عن شهادتهم التي أتوا بها عن غير وجه حق، إذ لم يشهدوا خلق الملائكة ولم يحضروا ذلك، فكيف يقررون صفتهم وهم يدفعون كلام الله ولا يقبلونه، وهم لم يشهدوا خلق الملائكة؟، فذلك الذي استحقوا به سؤال التبكيت والتوبيخ.

      ومن الافتراء زعم الكفار أنهم يحملون أوزار من صبأ عن إيمانه، واتبع ما هم عليه من تكذيب البعث بعد الممات والكفر بالثواب والعقاب، وقرر كذبهم وافتراءهم، وتوعدهم وهددهم بالسؤال عن أقوالهم التي هي محض الكذب.

      قال سبحانه: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [العنكبوت: ١٢-١٣].

      وهذا السؤال عن الأقوال هو في جانب الوعد الباطل الذي لا يمكن ولا يستطاع؛ لأنه لا يملك صاحبه الحكم به.

      وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من قول الزور أشد التحذير؛ فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر) ثلاثًا ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)، وجلس وكان متكئًا، فقال: (ألا وقول الزور)، قال -الراوي وهو أبي بكرة رضي الله عنه-: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت154.

      فالسنة قد أيدت معنى المسؤولية عن الأقوال، بل وأكدت أن أعظم ما يدخل الناس النار هو الأقوال. فعن معاذ بن جبلٍ قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فأصبحت يومًا قريبًا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال: (لقد سألتني عن عظيمٍ، وإنه ليسيرٌ على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت). ثم قال: (ألا أدلك على أبواب الخير؛ الصوم جنةٌ والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل). قال ثم تلا (ﮔ ﮕ ﮖ ) حتى بلغ () [السجدة: ١٦-١٧].

      ثم قال: (ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه). قلت: بلى يا رسول الله. قال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد). ثم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله). قلت: بلى يا نبي الله، قال: فأخذ بلسانه، قال: (كف عليك هذا؟). فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم- أو على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم)155.

      ٢. المسؤولية عن الأعمال.

      صرح القرآن بالسؤال عن الأعمال في غير ما آية؛ فقال سبحانه: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النحل: ٩٣].

      وفي هذه الآية الكريمة يخبر الله تعالى أنه لو شاء سبحانه لصير الناس كلهم جميعًا جماعة واحدة، وأهل ملة واحدة لا يختلفون ولا يفترقون، ولكنه خالف بينهم بحكمته وعلمه، فجعلكم أهل ملل شتى، وَفَّقَ فريقًا منهم للإيمان به والعمل بطاعته، فكانوا مؤمنين، وخذل أقوامًا فحرمهم توفيقه، فكانوا كافرين، وأنه سبحانه سيسأل الجميع يوم القيامة عما عملوا في الدنيا فيما أمرهم به ونهاهم عنه، فيجازيهم بما عملوا: المطيع بطاعته، والعاصي بمعصيته156.

      وقال سبحانه: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنبياء: ٢٣].

      فهو سبحانه سائل جميع من في السماوات والأرض من عباده ومحاسبهم؛ لأنه فوقهم بالملك والقدرة والقهر، ولا يسأل سبحانه عن قضائه وقدره، وجميع من في السماوات والأرض مسئولون عن أفعالهم، ومحاسبون على أعمالهم وهم في سلطانه لا يخرجون عنه157.

      ومع هذا التقرير للسؤال عن الأقوال والأعمال، فإنه لا بد من التنبيه على أن الله سبحانه لا يؤاخذ الإنسان على ما صدر منه على سبيل الخطأ أو الإكراه أو النسيان من أقوال وأفعال، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)158.

      كما استثنى اللغو في الأيمان. قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة: ٢٢٥].

      وحديث النفس؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم)159.

      سادسًا: نعيم الدنيا:

      قال سبحانه: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [التكاثر: ٨].

      أي: ثم ليسألنكم الله عز وجل عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا: ماذا عملتم فيه، من أين وصلتم إليه، وفيم أصبتموه، وماذا عملتم به؟160.

      وقال: اختلف أهل التأويل في ذلك النعيم ما هو؟

      فقال بعضهم: هو الأمن والصحة.

      وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم ليسألون يومئذ عما أنعم الله به عليهم مما وهب لهم من السمع والبصر وصحة البدن. وفيم استعملوها، كما قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الإسراء: ٣٦].

      وقال آخرون هو العافية، وقال آخرون: بل عنى بذلك ما يطعمه الإنسان أو يشربه161.

      وقال ابن كثير: أي: ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم، من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك162.

      وقال مجاهد: عن كل لذة من لذات الدنيا163.

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)164.

      ومن الغبن أن لا يقوم الإنسان بواجب هاتين النعمتين وهو الشكر، والاستفادة منهما في التزود ليوم المعاد.

      والذي يظهر أن هذه الآية الواردة في السؤال عن النعيم مرتبطة بما قبلها من الآيات في السورة.

      قال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [التكاثر: ١-٨].

      فالله سبحانه يخبر أن التكاثر والمنافسة والحرص على الاستزادة من الأموال والأولاد والنعم التي يظن الإنسان في الدنيا أنها النعيم، يلهي عن الاستعداد ليوم المعاد، حيث النعيم الحقيقي المقيم، حتى إذا جاء الموت والإنسان غير مستعد للآخرة وهو في شغل وغفلة عنها، أتاه الخبر اليقين في قبره عن مآله في الجحيم ورآه جزاء وفاقًا لسوء صنيعه، ثم يوم القيامة يَصْلَى سعيرًا، ويسأل حينئذ تبكيتًا وتوبيخًا عن النعيم الذي حازه: هل هو نعيم؟

      فالسؤال إذًا يكون بمعنى: هل رأيت نعيمًا قط؟

      أي: يكون عن ذوق النعيم نفسه، لا عن شكر النعم التي في الدنيا، وفي الحديث عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغةً، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قط، هل مر بك نعيمٌ قط فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغةً في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قط، هل مر بك شدةٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤسٌ قط، ولا رأيت شدةً قط)165.

      والمعنى: إن الإنسان إذا رأى الجحيم عيانًا، وتيقن مقعده في النار لم ير ما كان فيه من نعيم الدنيا شيئًا -قليلًا كان أو كثيرًا-، وبدا له من سيئات عمله ما يتلاشى معه أي نعيم ذاقه، وأي نعم حازها في الدنيا.

      سابعًا: الولاية العامة والخاصة:

      إن القرآن الكريم لم يجعل مسئوليات العباد منحصرة في ذواتهم، بل جعل بعضهم قائمًا على تولي أمور بعض، وجعل هذه الولاية مسؤوليات معهود بها يقوم بها البعض لصلاح حال آخرين. كما في الحديث: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)166.

      قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته167.

      وبهذا فإنه لا يكاد يخلو إنسان مكلف من مسؤولية عن ولاية. والولاية إما أن تكون مسؤولية أمر يتعلق بالجماعة المسلمة عمومًا فهي ولاية عامة، وإما أن تكون مسؤولية عن فرد، أو مجموعة مخصوصة فهي ولاية خاصة.

      أما الولاية العامة فهي التي تقوم على مصالح العامة، وهي الإمامة والإمارة، فتشمل الحكام وأولي العلم والأمراء والوزراء وغيرهم.

      قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره في قوله سبحانه (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النساء: ٥٨]: هذا خطاب لولاة المسلمين خاصة، يتناول النبي صلى الله عليه وسلم وأمراءه ومن بعدهم168.

      وفي قوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النساء: ٥٨].

      قال القرطبي: وهذا خطاب للولاة والأمراء والحكام، ويدخل في ذلك بالمعنى جميع الخلق169.

      وتشمل المسؤولية عن الولاية العامة قسمة الأموال، ورد الظلامات، والعدل في الحكومات170.

      وقد ذهب جمع من المفسرين على أن الآية عامة في جميع الناس، فهي كما تتناول الولاة، تتناول من دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرز في الشهادات وغير ذلك، كالرجل يحكم في نازلة ما ونحوه، والصلاة والزكاة وسائر العبادات أمانة الله تعالى171.

      ومن أهم أركان المسؤولية عن الولاية العامة: العدل والإحاطة بالنصح وعدم غش الرعية؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز و جل -وكلتا يديه يمين- الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)172.

      وقال عليه الصلاة والسلام: (ما من والٍ يلي رعيةً من المسلمين فيموت وهو غاشٌّ لهم إلا حرم الله عليه الجنة)173.

      وفي رواية مسلم: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)174.

      في آية النساء السابقة دليل عظيم وبينة واضحة على المسؤولية عن الولاية العامة، فالأمر -كما تقرر سلفًا- هو منشأ ومبدأ المسؤولية، والله سبحانه صرح بالأمر في هذه الآية بقوله سبحانه: (ﯙ ﯚ)، وكما أن المسؤولية مترتبة على أهل الولايات عن رعاية مصالح الرعية، فكذلك المسؤولية مترتبة على الرعية عن طاعتهم كما في الآية الثانية.

      وقد قرر سبحانه لتأكيد المسؤولية أنه سبحانه سميع بصير، لا يخفى عليه شيء من أمر ما أوجب من أداء الأمانات والحكم بالعدل.

      وأما الولاية الخاصة فهي التي تتعلق بواجب رعاية مخصوصة، مثل رعاية الأولاد والأهل.

      قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التحريم: ٦].

      وفي هذه الآية الأمر بوقاية الإنسان نفسه وأهله النار، فأمر سبحانه المؤمنين وأوجب عليهم وقاية أنفسهم، وما يدخل في حكم النفس من الأولاد، ووقاية أهليهم بوصيتهم وتعليمهم الحلال والحرام وتجنيبهم المعاصي والآثام، وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة ووجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجب. قال مقاتل: ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه175.

      وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع)176.

      وقد روى مسلم أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول: (قومي فأوتري يا عائشة)177.

      وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)178.

      ومنه قوله صلي الله عليه وسلم: (أيقظوا صواحب الحجر)179180.

      ومثل الآية السابقة آية سورة طه؛ قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [طه: ١٣٢].

      ومن الولاية الخاصة ترشيد الولي لنفقة السفيه من ماله، وقيامه على رعاية اليتيم وماله وأدائه له عند رشده.

      قال سبحانه: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [النساء: ٥].

      وقال سبحانه: (ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ٢٢٠].

      وقال عز من قائل: (ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [النساء: ٢].

      والعمدة في المسؤولية عن الولايات الخاصة والعامة حديث عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته). قال: وحسبت أن قد قال: (والرجل راعٍ في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته)181.

      وعن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع حتى يسأل الرجل على أهل بيته)182.

      ولأن الولاية العامة والخاصة تتعلق بمصالح المجتمع والأمة المسلمة والضعفاء، فإن الله سبحانه جعل مسؤوليتها في غاية العظمة، وجعل لمن يرعاها حق رعايتها الجزاء الأوفى.

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)183.

      وحذر أشد التحذير من عدم رعايتها وأداء ما على الإنسان فيها.

      قال سبحانه: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأحزاب: ٧٢].

      فحذر سبحانه من سبيلين يؤديان لتضييع الأمانة ورعاية الولاية وهما: الظلم الذي يؤدي إليه الميل والعدوان، والجهل بما فيها وما في ضدها. ومن تحذير السنة حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: (يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)184.

      وقوله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته)185.

      وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ويلٌ للأمراء، وويلٌ للعرفاء، وويلٌ للأمناء، ليتمنين أقوامٌ يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقةً بالثريا، يدلدلون بين السماء والأرض، وأنهم لم يلوا عملا)186.

      وبهذا يتضح عظم شأن الولاية بوجه عام، وأنها من المسؤوليات الجسيمة العظيمة، إذ يترتب على التفريط والتعدي فيها أشد الندم وأعظم الخسران.

      غير المسؤول عنه

      أولًا: لا يسأل الرسل عن مصير الكافرين:

      أرشد القرآن إلى أن الرسل لا يسألون عن مصير الكافرين.

      قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [البقرة: ١١٩].

      والتوجيه في الآية للنبي صلى الله عليه وسلم، فبعد أن قص الله سبحانه وتعالى عليه قصص أقوام من اليهود والنصارى، وذكر ضلالتهم، وكفرهم بالله، وجراءتهم على أنبيائه، قال له: (ﯿ ﰀ) يا محمد (ﰁ ﰂ) لمن آمن بك واتبعك ممن قصصت عليك أنباءه ومن لم أقصص عليك أنباءه، () لمن كفر بك وخالفك، فبلغ رسالتي، فإنما عليك البلاغ والإنذار، ولست مؤاخذًا بكفر من كفر بعد التبشير والإنذار، وليس عليك من أعماله - بعد إبلاغك إياه رسالتي - تبعة، ولا أنت مسئول عما فعل بعد ذلك، وكان من أهل الجحيم187.

      ومثل ذلك قوله تعالى مرشدًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [عبس: ٥ - ٧ ].

      أي: لست مسؤولًا عن هدايته ولا مآله.

      وكما صرح القرآن بأن الرسل لا يسألون عن مصير الكافرين، فقد بين هذا المعنى من طريق اللزوم، حيث قصر مسؤولية الرسل على البلاغ المبين في آيات كثيرة، وهو التبليغ الواضح؛ منها قوله سبحانه: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [المائدة: ٩٩].

      وقوله سبحانه: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [النحل: ٨٢].

      وقوله سبحانه: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ) [الشورى: ٤٨].

      وقوله سبحانه: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [التغابن: ١٢].

      وقد سبق بيان معناها.

      وهذا ليس حصرًا على رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، بل ذلك مطرد في جميع الرسل عليهم السلام، والقرآن ذاخر بالأدلة على ذلك؛ منها قوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [النحل: ٣٥].

      وهذا سؤال استنكاري يفيد تقرير أن الرسل ليس عليهم إلا التبليغ البين الظاهر الذي يصل إلى القلوب، ولا يبقى لأحد على الله حجة - كما سبق بيانه-. فإذا بلغتهم الرسل أمر ربهم ونهيه، واحتجوا عليهم بالقدر، فليس للرسل من الأمر شيء، وحسابهم على الله عز وجل، وأما الهداية فهي إلى الله سبحانه وتعالى188.

      والمصير تبع للهداية، وبما أنها ليست إليهم، فيلزم أنهم لا يسألون عنها، كما وضحت الآية التالية.

      قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النحل: ٣٦].

      ومنه قوله عز من قائل: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [العنكبوت: ١٨].

      وهذه الآية كما تحتمل أن تكون من كلام إبراهيم عليه السلام لتقرير أن واجب الرسول - أي رسول- هو إبلاغ ما أرسل به بينًا واضحًا. كذلك فإنها تحتمل أن يكون الكلام متوجهًا إلى كفار قريش على سبيل الالتفات فيكون المقصود بالرسول: محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون المقصود: أن مقام الرسالة لا يقتضي إلا التبليغ الواضح189.

      ومنه قوله تعالى على لسان الثلاثة المرسلون في معرض ضرب المثل لمشركي قريش بأصحاب القرية: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [يس: ١٦-١٧].

      فهذا بيان واضح بأن الرسل لا يسألون عن مصير الكافرين، إذ أن مهمتهم تقتصر على البلاغ المبين، وأن الهداية من الله سبحانه، وأن حساب الأمم عليه سبحانه. وهو إرشاد عظيم للداعية إلى الله أن لا ينشغل بالنتائج، بل يبذل وسعه في التبليغ الواضح، وتوجيه له بألا يتأثر بباطل أهل الزيغ والضلال من الكفار والفسقة والطغاة، ولا يلين لأهوائهم طمعًا في استدراجهم إلى الحق، بل يصدع بما يؤمر ويعرض عن المشركين.

      ثانيًا: لا يسأل الإنسان عن عمل غيره:

      رسَّخَ القرآن الكريم في آيات عديدة قاعدة هامة؛ وهي: أن الإنسان غير مسؤول عن عمل غيره، ولا هو مؤاخذ به، ما لم يكن من نتاج عمله هو. وقد دلل على هذا المعنى صراحة ولزومًا.

      ومن ذلك: التصريح بعدم سؤال الفرق بعضها عن أعمال بعض.

      قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [سبأ: ٢٥].

      وفي سياق هذه الآية يرشد ربنا سبحانه نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يقول للمشركين الذين يخاطبهم: أحد فريقينا على هدى والآخر على ضلال، فلسنا مهتدين جميعًا ولسنا على ضلال كلنا، وأنتم غير مؤاخذين بما نعمل، ولا تسألون عما أجرمنا نحن من جرم إن كان عملنا جرمًا، ولا نسأل نحن عما تعملون أنتم من عمل190.

      وفي الآية إرشاد للنبي محمد صلى الله عليه وسلم لأحكم أساليب الدعوة، بأن يتجنب الكلام الذي يمكن أن يصد ويحجز عن الهدى بما يورث من المعاندة والاستكبار، وأن يعمل في دعوته بما يفتح المجال للتفكر لا ردود الأفعال.

      وفيه معنى التبرؤ منهم ومن عملهم، أي: لستم منا ولا نحن منكم، بل ندعوكم إلى الله وإلى توحيده وإفراد العبادة له، فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم، وإن كذبتم فنحن بريئون منكم وأنتم بريئون منا، وإرشاده سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إلى هذا القول دليل على تقريره.

      كما قال تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [يونس: ٤١]191.

      ومما يدل على بعد نسخ آية سبأ المذكورة بآية السيف كما زعم بعض المفسرين192 أن البناء للمجهول في الفعل المضارع يدل على أن السائل طرف خارج الفريقين، ودلالة المضارعة في السياق على الحال والاستقبال، كما أن الآية التالية لها تتحدث عن الجمع والحكم؛ حيث يتبين المهتدي من الضال وهو فيما يستقبل من أمر الآخرة.

      قال سبحانه: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ) [سبأ: ٢٦].

      ومن الآيات التي في التصريح بعدم سؤال الإنسان عن عمل غيره قوله سبحانه: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [البقرة: ١٣٤].

      وفيها تصريح بأن كل نفس قدمت على الله يوم القيامة، فإنما تسأل عما كسبت وأسلفت، دون ما أسلف غيرها193.

      التصريح بأنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره:

      وهذا في القرآن كثير.

      قال سبحانه: ( ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [الأنعام: ١٦٤].

      وقال عز من قائل: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الإسراء: ١٥].

      وقال: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [فاطر: ١٨].

      وقال عز وجل: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الزمر: ٧].

      وقال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [النجم: ٣٦-٣٨].

      ومعنى (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره194.

      فكل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها، لا يحمله عنها أحد195.

      كما هو ظاهر في قوله سبحانه: ( ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ) [فاطر: ١٨].

      وعدم تحمل أحد ذنب غيره يدل على عدم مسؤوليته عن عمله.

      الإشارة إلى أن كسب الإنسان متعلق بعمله هو:

      أنَّ آيات عديدة من القرآن الكريم تشير إلى أن عمل الإنسان حسنه وسيئه مقصور عليه هو لا يتعدى لغيره إلا ما كان فضلًا من الله سبحانه.

      منها قوله سبحانه: (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ) [فصلت: ٤٦].

      ومعناها: أن من عمل بطاعة الله في هذه الدنيا، فأتمر لأمره، وانتهى عما نهاه عنه فلنفسه عمل ذلك الصالح من العمل الذي مآله الجنة، ومن عمل بمعاصي الله فيها، فعلى نفسه جنى، لأنه أكسبها بذلك سخط الله، والعقاب الأليم. وما الله سبحانه بحامل عقوبة ذنب مذنب على غير مكتسبه، بل لا يعاقب أحدًا إلا على جرمه الذي اكتسبه في الدنيا، أو على سبب استحقه به منه196.

      ونظيره قوله سبحانه: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الإسراء: ١٥].

      ومنها قوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [النجم: ٣٩].

      أي: كما لا يحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه197.

      قال الحسين بن الفضل بأن هذا من طريق العدل، أما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما شاء198.

      وقد دل على هذا المعنى القرآن والسنة.

      قال تعالى في القرآن الكريم: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الطور: ٢١].

      وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز الحج عن الغير، وأفادت النصوص والإجماع وصول الدعاء والصدقة للغير. على أنه ينبغي التنبيه إلى أن باب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء199.

      ومن عمل الغير ما يلحق بالإنسان إن كان سببًا فيه، أو داعيًا إليه، أو راضيًا وراغبًا فيه، فيلحق به أجره إن كان صالحًا، ووزره إن كان سيئًا، لأنه في حكم عمله هو. والأدلة على ذلك كثيرة؛ منها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جارية،ٍ أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له)200.

      فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله، كما جاء في الحديث: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه)201.

      والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه. والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضا من سعيه وعمله.

      ومنها ما ثبت في الصحيح: (من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا)202.

      ومثله قوله سبحانه: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [النساء: ٨٥].

      ومنها قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [النحل: ٢٥].

      ومنها قوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [المائدة: ٣٢].

      ومنها الحديث: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)203.

      ومنها قوله صلوات ربي وسلامه عليه: (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم، قال: لا ما صلوا)204.

      خلاصة القول: إن الإنسان لا يسأل عن عمل غيره ولا يؤاخذ بسيئه، إلا ما كان هو السبب فيه، أو الداعي إليه، أو كان راضيًا عنه راغبًا فيه بأن يعمل مثله؛ وذلك في الحقيقة من جملة عمله هو؛ لأنها إما آثار عمل جوارحه، أو هي أعمال قلبه. فلا يكتب عليه إلا ما سعى عدلًا. ومن فضل الله على عبده المؤمن أنه تنفعه بعض أعمال غيره من المؤمنين كالدعاء - وهو شفاعة-، والصدقة والحج عنه.

      أثر فقه المسؤولية على سلوك العبد

      الفقه هو الفهم الدقيق، والعبد الذي يفقه المسؤولية على وجهها الصحيح يتأثر بذلك في سلوكه تأثرًا بليغًا، حيث يعرف السائل والمسؤول عنه، ويعرف مبدأ المسؤولية ومآلها، ويعرف كيفية التتبع والمحاسبة، ويعرف فحوى السؤال ووقته. فمن عرف ذلك كله أيس من النجاة إلا بسلوك سبيل الحق، وتخلق بالتقوى والصدق، واستعد ليوم الحساب، وعمل ليوم المآب، فجاء سلوكه مستقيمًا متوافقًا مع الشريعة ظاهرًا وباطنًا، وأناب واستجاب وأسلم لله.

      إن معرفة السائل، وهو الله سبحانه، تورث الإيمان به ربًّا، كما تورث محبته، ورجاءه، والخوف منه سبحانه؛ محبته سبحانه لجليل صفاته، وعظيم إنعامه وفضله، ورجاءه لعظيم رحمته ومنته وآلائه، وقبوله التوبة والشفاعة، وعفوه عن السيئات، ومضاعفته للحسنات، والخوف منه سبحانه لعظيم عقابه وشديد غضبه، وأليم عذابه وبليغ انتقامه. وهذا يجعل طاعة أوامره والانتهاء عن نواهيه امتثالًا أولى ما يتقرب به العبد إليه من القربات، وتلك هي التقوى، فيأتي سلوك العبد مستقيمًا متسقًا مع منظومة السلوك الإسلامي المستفادة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه يقول: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الفاتحة: ١-٧].

      فأعظم ثمرات فقه المسؤولية إذًا: توحيد الله سبحانه توحيدًا خالصًا، والإذعان لأمره، والافتقار إليه، والاستقامة على طاعته، (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النساء: ٦٩].

      ومعرفة المسؤول عنه تفضي إلى الاهتمام والعناية به، وتوجه سلوك المسلم نحوه، فلا يتشتت جهد الإنسان في مذاهب شتى، ويضطرب في تحديد الأولويات، ولا يحجم عن العمل بالكلية، بل يتوجه نحو المسؤول عنه بالرعاية التي يستحقها ليأتي شرط السائل على الوجه المراد، ويتحرى فيه الإتقان والإحسان، فتترتب الأولويات، ويكون التركيز على المهمات، ويكون الانشغال بالغايات.

      أما معرفة مبدأ المسؤولية ومآلها: التكليف الرباني، والحساب الأخروي؛ فتورث تعظيم المسؤولية في النفوس، وتجذيرها في الهموم، فتجد من الرعاية ما تستحق، ومن العمل ما تحتاج، ومن السعي ما يقوم بها على وجهها.

      وأما معرفة كيفية التتبع والمحاسبة، فتفضي بالإنسان إلى المراقبة، إذ أن كل شيء محصى، وكل عمل مكتوب، والله تعالى منه قريب؛ قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [ق: ١٦].

      فيحصل من ذلك الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. وأما المحاسبة فإن معرفتها تؤدي إلى الاستعداد، والتوبة من الزلات، والندم على التفريط وعلى ما فات، والعزم على الرشد، والعمل في جد واجتهاد. فمن أدرك المحاسبة وعرف مآلاتها رجا النجاة مقتصدًا أو سابقًا بالخيرات، والنجاة يوم القيامة فوز.

      قال سبحانه: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [آل عمران: ١٨٥].

      ومن عرف أن السؤال يكون بعد العمل، وأن فحواه الطاعة والعصيان، عمل بطاعة الله، وخاف من عصيانه وتاب وأناب إذا عصاه، واجتهد في وقت العمل للفوز يوم الحساب، (ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأعراف: ٨-٩].

      ومن فقه أنه مسؤول يقينًا غلب عليه الإشفاق، ومن غلب عليه الإشفاق في الدنيا فهو خائف من عذاب الله راجٍ رحمة الله محبٌّ لله فإنه يعمل بطاعة الله، ويمتثل أمره، ويؤدى ما عليه من المسؤولية، وعن أمثال هؤلاء.

      قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الطور: ٢٥-٢٨].

      ومن أيقن بالسؤال وغلب عليه الإشفاق في الآخرة حين يرى كتابه وكسبه هلك.

      قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الكهف: ٤٩].

      وقال سبحانه: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الشورى: ٢٢].

      ففقه المسؤولية يورث الإشفاق في وقت العمل والإنابة، والإشفاق يدفع لامتثال أوامر الله سبحانه، والاستقامة على الشرعة، وأداء المسؤوليات على أفضل الوجوه.

      إن فقه المسؤولية إذًا يؤثر إيجابًا على سلوك العبد تأثيرًا بليغًا، إذ يؤثر على التصورات، والدوافع، وطريقة التفكير، والأخلاق والصفات والعادات، ومنهج تقييم التصرفات؛ فيهديه للإيمان، ويوقظ في نفسه الإحسان، ويدفعه للعمل، ويحمله على الإتقان، ويدعوه للصدق والأمانة ومكارم الأخلاق، وطيب الخلال، ويلزمه الاستقامة على الشرعة والاستجابة لله ولرسوله، وأداء الحقوق والواجبات على وجهها، إيمانًا واحتسابًا.


1 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/١٢٤.

2 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٤٣٧.

3 المصباح المنير، الفيومي ١/٢٩٧.

4 معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار، ٢/١٠٢٠.

5 معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار، ٢/١٠٢٠.

6 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢١/٢٨٩.

7 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ١/٨٥٣.

8 الإدارة، سيد الهواري، ص٢١١.

9 معجم مصطلحات العلوم الإدارية، أحمد زكي بدوي، ص ٣٤٤.

10 مختار الصحاح، الرازي ص٢٦.

11 لسان العرب، ابن منظور١٣/٢١.

12 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٢٨.

13 الكليات، الكفوي ص ١٨٧.

14 انظر: المغرب في ترتيب المعرب، الخوارزمي ص ١٥٦.

15 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٠٥.

16 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/٦٠.

17 أضواء البيان، الشنقيطي، ٢/٧.

18 جامع البيان، الطبري، ١٢/٣٠٧-٣٠٨.

19 مفاتح الغيب، الرازي، ٦/١٤٠.

20 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٧٢٨.

21 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان، رقم ٦١٩٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر، رقم ١٨٥.

22 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٣٩٧.

23 جامع البيان، الطبري، ٢٢/٣٤٠-٣٤٤.

24 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٤/١٠٩.

25 معالم التنزيل، البغوي، ٣/١٤٩.

26 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٨/٢٦.

27 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٥٥٠.

28 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٧/١٥٠.

29 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٦٠.

30 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٢٧٣.

31 جامع البيان، الطبري، ١٧/١٥٠.

32 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ما جاء في القيامة وشأن الحساب والقصاص، رقم ٢٣٥٤.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٢٢١، رقم ٧٣٠٠.

33 جامع البيان، الطبري، ١٢/٣٠٧.

34 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٥١.

35 جامع البيان، الطبري، ١٢/٣٠٧-٣٠٩.

36 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٧/١٦٤.

37 جامع البيان، الطبري، ١٢/٣٠٧-٣٠٩.

38 معالم التنزيل، البغوي، ٢/١٤٤.

39 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١/٣٧٠.

40 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١/٣٦٩.

41 المصدر السابق ٢٠/٥٤٢.

42 جامع البيان، الطبري، ١٢/٣٠٧.

43 أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٨٦.

44 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/٢٣٧.

45 جامع البيان، الطبري، ٢٤/٩٢.

46 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/٢٨٦.

47 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٤٧٧.

48 جامع البيان، الطبري، ٧/٥٢١.

49 روح المعاني، الألوسي، ٢٢/٦٧.

50 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٣/٢٣٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٧/٢٨٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/٤١.

51 جامع البيان، الطبري، ٢٤/١٦٦.

52 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٩٠٦.

53 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢/٩٢.

54 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٥٨٥-٥٨٦.

55 أخرجه مسلم ٥٢٧٥، كتاب الزهد والرقائق.

56 جامع البيان، الطبري، ٢٢/٨٠.

57 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/٣٨٩.

58 جامع البيان، الطبري ٦/١٠١-١٠٢.

59 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٨/٣٨١.

60 جامع البيان، الطبري ٢١/٣٦٦.

61 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الظلم، رقم ٤٦٨٠.

62 معالم التنزيل، البغوي، ٧/٤١٧.

63 المفردات، الراغب الأصبهاني، ١/٣٩٣.

64 معالم التنزيل، البغوي، ٣/١٥١.

65 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٢٨٠.

66 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/٤٥٤.

67 جامع البيان، الطبري، ١٧/٦٨.

68 فتح القدير، الشوكاني، ١/٩٣٣-٩٣٤.

69 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٨٠٣.

70 معالم التنزيل، البغوي، ٣/٢١٤.

71 معالم التنزيل، البغوي، ٣/١٢١-١٢٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٦/٣٧٥.

72 المصادر السابقة.

73 معالم التنزيل، البغوي، ٣/١١٥-١١٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٢٢٢.

74 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/١٠٣، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٤٤٠.

75 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٠/٢٢٧.

76 جامع البيان، الطبري، ١١/٩٦.

77 المصدر السابق ٢٣/٤٢٢.

78 المصدر السابق ١٧/٢٧٢.

79 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٥٩٢.

80 جامع البيان، الطبري، ٢١/٥٥٦.

81 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، رقم ١٦٩٢.

82 النكت والعيون، الماوردي، ٥/٢٢٧.

83 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه وفضل من تعلم حكمةً من فقهٍ أو غيره فعمل بها وعلمها، رقم ١٣٥٩.عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

84 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٦/٩٤.

85 أضواء البيان، الشنقيطي، ٢/٧.

86 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/٦١.

87 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/٦١.

88 معالم التنزيل، البغوي، ٤/٣٩٥-٣٩٦.

89 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/٦١.

90 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، رقم ٦٩٨١، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار، رقم ١٦٩٤.

91 جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، ٢/٤٨١.

92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم ٣٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، رقم ٩٢، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

93 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم ٣٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، رقم ٩١.

94 جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، ٢/٤٨٢-٤٨٨.

95 جامع البيان، الطبري، ٢٣/٣٩٤.

96 جامع البيان، الطبري، ٢٠/٢٢١-٢٢٨.

97 جامع البيان، الطبري، ٨/٤٩٠-٤٩٣.

98 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/٣٣٨.

99 جامع البيان، الطبري، ٨/٤٩٣.

100 أحكام القرآن، ابن العربي، ١/٥٧٢.

101 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب كراهية الإمارة بغير ضرورة، رقم ٣٤١٠.

102 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، رقم ٨٤٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، رقم ٣٤١٤، عن عبد الله بن عمر.

103 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب من استرعي رعيةً فلم ينصح، رقم ٦٦٤٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، رقم ٢٠٧. عن معقل بن يسار.

104 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، رقم ١٥٩. عن أبي هريرة رضي الله عنه.

105 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب، باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه، رقم ٢٢٩٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، رقم ٣٢٣٨. عن أم سلمة رضي الله عنها.

106 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٢/٣٤٠.

107 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، رقم ٣٤١٢. عن عبد الله بن عمرو.

108 معالم التنزيل، البغوي، ٦/٣٢١.

109 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٤/١٢٨.

110 جامع البيان، الطبري، ٢٠/٢١٣.

111 معاني القرآن وإعرابه ٣/٢٣٨.

112 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٥/٩٧.

113 المصدر السابق ٢١/٢٨٩.

114 جامع البيان، الطبري،١٢/٢٢٥-٢٢٦.

115 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢١/٢٨٩.

116 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٣٩٠.

117 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٣/٨٢٢.

118 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٨/١٦٨.

119 تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ٨/١٧٠.

120 أضواء البيان، الشنقيطي، ٢/٤٣٩.

121 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١/٣٣٢.

122 جامع البيان، الطبري، ١٩/٢٤٦-٢٤٧.

123 المغني، ابن قدامة، ٩/٤٠٠.

124 أضواء البيان، الشنقيطي، ٢/٤٣٨.

125 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/١٦٩.

126 جامع البيان، الطبري، ١٧/٢٨١.

127 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٤/٢٦١-٢٦٢.

128 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٧/١٣٧.

129 فتح القدير، الشوكاني، ٣/٨٢٢.

130 فتح القدير، الشوكاني، ٣/٣٤٩.

131 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٦/٩٣، فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٤١.

132 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٢٢٩.

133 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٦/٩٣.

134 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٥/٢٢٠.

135 جامع البيان، الطبري، ١٧/١٤٣-١٤٥.

136 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٥٤٧.

137 جامع البيان، الطبري، ١٧/١٤٧-١٤٨.

138 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٥٩.

139 النكت والعيون، الماوردي، ٤/٢٤٣.

140 معالم التنزيل، البغوي، ٥/٩٢-٩٣.

141 جامع البيان، الطبري، ١٧/٤٤٦-٤٤٩.

142 تفسير السمرقندي، ٢/٣١١.

143 مفاتيح الغيب، الرازي، ١١/٢٧٥.

144 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في الغيبة، رقم ٤٢٣٨.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣٢٣، رقم ٧٩٨٤.

145 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/٢٢٢٧.

146 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٥٩.

147 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الوتر، باب في الاستعاذة، رقم ١٣٣٠، والترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب ما جاء في عقد التسبيح باليد، رقم ٣٤٣٨.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٧٧، رقم ١٢٩٢.

148 مدارك التنزيل، النسفي، ٢/٢٨٦.

149 جامع البيان، الطبري، ١١/٤٣٦-٤٣٩.

150 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٢٧٨.

151 أحكام القرآن، ابن العربي، ١/٦١١.

152 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٥/٣٥٠.

153 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٧٧.

154 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب ما قيل في قول الزور، رقم ٢٤٧٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم ١٢٩. عن أبي بكرة نفيع بن الحارث.

155 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، رقم ٢٥٥٨.

قال الترمذي: حسن صحيح.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩١٣، رقم ٥١٣٦.

156 جامع البيان، الطبري، ١٧/٢٨٧.

157 المصدر السابق ١٨/٤٢٥.

158 أخرجه ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، رقم ٢٠٣٥.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٩٥، رقم ٧١١٠.

159 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العتق، باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه ولا عتاقة إلا لوجه الله، رقم ٢٣٥٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستمر، رقم ١٨٦.

160 جامع البيان، الطبري، ٢٤/٥٨١.

161 المصدر السابق ٢٤/٥٨١-٥٨٦.

162 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/٤٧٤.

163 المصدر السابق ٨/٤٧٧.

164 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب لا عيش إلا عيش الآخرة، رقم ٥٩٦٠.

165 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب صبغ أنعم أهل الدنيا فى النار وصبغ أشدهم بؤسًا فى الجنة، رقم ٥٠٢٦.

166 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، رقم ٨٤٩، و مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، رقم ٣٤١٤.

167 تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم ٣/١٤٥٩.

168 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٥/٢٥٥.

169 المصدر السابق ٥/٢٥٨.

170 المصدر السابق ٥/٢٥٦.

171 المصدر السابق ٥/٢٥٥-٢٥٦.

172 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، ٣٤١٢.

173 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب من استرعي رعية فلم ينصح، رقم ٦٦٤٥، عن معقل بن يسار.

174 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، رقم ٢٠٧.

175 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٨/١٩٥.

176 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، رقم ٤١٧.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٧٤٤، رقم ٤٠٢٦.

177 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، رقم ١٢٣٤. عن عائشة رضي الله عنها.

178 أخرجه أبو داود، كتاب التطوع، أبواب قيام الليل، باب قيام الليل، رقم ١١١٤.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٥٧، رقم ٣٤٩٤.

179 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب العلم والعظة بالليل، رقم ١١٣. عن أم سلمة رضي الله عنها.

180 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٨/١٩٥.

181 سبق تخريجه قريبًا.

182 أخرجه النسائي، كتاب عشرة النساء، أبواب الملاعبة، باب مسألة كل راع عما استرعي، رقم ٨٨٣٣.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٦٥، رقم ١٧٧٤.

183 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجماعة والإمامة، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، رقم ٦٢٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم ١٧١٨. عن أبي هريرة.

184 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة، رقم ٣٤١٠.

185 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم أو حبس نفقتهم، رقم ١٦٦٨. عن عبد الله بن عمرو.

186 أخرجه أحمد في مسنده، ١٤/٢٧٥، رقم ٨٦٢٧، والحاكم في المستدرك، كتاب الأحكام، رقم ٧٠٦٦.وصححه.

187 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢/٥٥٨-٥٥٩٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٢/٩٢.

188 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/١٠٣، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٤٠.

189 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٠/٢٢٧.

190 جامع البيان، الطبري، ٢٠/٤٠٥.

191 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٥١٧.

192 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٤/٢٩٩.

193 جامع البيان، الطبري، ٣/١٢٩.

194 جامع البيان، الطبري، ٢٢/٥٤٣.

195 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير،٧/٤٦٥.

196 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير،٧/٤٦٥.

197 جامع البيان، الطبري، ٢١/٤٨٧.

198 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير،٧/٤٦٥.

199 مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، الملا علي القاري، ٣/١٢٢٨.

200 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد موته، رقم، ٣٠٩٢.

201 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الإجارة، باب الرجل يأكل من مال ولده، رقم ٣٠٦٤، وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب الحث على المكاسب، رقم ٢١٢٨، عن عائشة رضي الله عنها وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٤٠، رقم ٢٢٠٨.

202 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، رقم ٤٨٣٧. عن أبي هريرة رضي الله عنه.

203 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم صلوات الله عليه، رقم ٣١٠٨، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب بيان أثم من سن القتل، رقم ٣١٨٤.

204 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع، رقم ٣٤٥٢.