عناصر الموضوع
المرض
أولًا: المعنى اللغوي:
المرض لغة: السقم، وهو نقيض الصحة، ويكون للإنسان والحيوان، وهو حالة خارجة عن الطبع ضارة بالفعل، وهو النقصان، ومنه بدن مريض: ناقص القوة، وقلب مريض: ناقص الدين، وهو الفتور، قال ابن عرفة: «المرض في البدن: فتور الأعضاء، وفي القلب: فتور عن الحق»، وهو الظلمة 1.
قال ابن فارس: «(مرض) الميم والراء والضاد أصل صحيح يدل على ما يخرج به الإنسان عن حد الصحة في أي شيء كان»2.
وخلاصة التعريف اللغوي: أن المرض له معنيان:
أحدهما: أن المرض اسم يطلق على ما يصيب البدن من العلل والجروح والفتور.
والثاني: أن المرض اسم يطلق على ما يصيب الإنسان في الدين كالجهل، والجبن، والبخل، والنفاق، وغيرها من الرذائل الخلقية.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
والمرض اصطلاحًا: ما يعرض للبدن، فيخرجه عن حالة الاعتدال الخاص، وذلك نوعان:
الأول: مرض جسمي، ومنه قوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [البقرة:١٨٤].
والثاني: عبارة عن الرذائل كالجهل، والجبن، والبخل، والنفاق، وغيرها من الرذائل الخلقية، ومنه قوله سبحانه: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:١٠]3.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
وردت مادة (مرض) في القرآن الكريم (٢٤) مرة 4.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١ |
(ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الشعراء:٨٠] |
المصدر |
١٣ |
(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [المائدة:٥٢] |
الصفة المشبهة |
١٠ |
(ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة:١٨٥] |
وجاء المرض في الاستعمال القرآني بمعنى: الفساد الذي يعرض للإنسان فيخرجه عن الاعتدال والصحة، ويكون جسمانيًا وبدنيًا، ومنه قوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [البقرة:١٨٤].
ويكون نفسانيًا أو معنويًا، ومنه قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة:١٠]5.
العدوى:
العدوى لغة:
اسم من الإعداء، وهو ما يعدي من داء وجرب، أصله من عدا يعدو إذا جاوز الحد، وأعداه من علته وخلقه6.
العدوى اصطلاحًا:
هو أن تجاوز العلة صاحبها إلى غيره 7، ولا يختلف عن المعنى اللغوي.
الصلة بين المرض والعدوى:
أن المرض قد يكون سببًا من أسباب العدوى وبالعكس8.
الوباء:
الوباء لغة:
الطاعون، وقيل: كل مرض عام9.
الوباء اصطلاحًا:
فساد يعرض لجوهر الهواء لأسباب سماوية وأرضية10.
الصلة بين المرض والوباء:
أن الوباء مرض من الأمراض.
الصحة:
الصحة لغة:
السلامة، وخلو الأجسام من المرض11.
الصحة اصطلاحًا:
حالة أو ملكة، بها تصدر الأفعال عن موضعها سليمة12.
الصلة بين المرض والصحة:
الضدية، وكل منهما يقال في البدن والدين جميعا13.
العافية:
العافية لغة:
البراء من الأسقام والبلايا14.
العافية اصطلاحًا:
البراء من العلل والبلايا والأسقام 15، ولا يختلف عن المعنى اللغوي.
الصلة بين المرض والعافية:
مقابلة المرض بما يضاده من الصحة 16.
الشفاء:
الشفاء لغة:
البراء من المرض17.
الشفاء اصطلاحًا:
رجوع الأخلاط إلى الاعتدال، وقيل: البراء من المرض، ومنه قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ) [النحل:٦٩]18.
الصلة بين المرض والشفاء:
مقابلة المرض بما يضاده.
تظهر أنواع الأمراض التي تصيب القلوب والأبدان من خلال ما يلي:
أولًا: مرض الشبهات:
من أمراض القلوب التي ذكرها القرآن الكريم مرض الشبهات، ويمكن التعرف على هذا النوع من المرض من خلال السياق القرآني، فإن كان هذا السياق في ذم المنافقين والمخالفين في شيء من أمور الدين كان مرض الشكوك والشبهات، ومن ذلك قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:١٠].
وقوله سبحانه: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [المدثر:٣١].
أخبر الله تعالى أن في قلوب المنافقين مرض، ومرض القلب: هو نوع فساد يحصل له يفسد به تصوره وإرادته، فتصوره بالشبهات التي تعرض له حتى لا يرى الحق أو يراه على خلاف ما هو عليه، وإرادته بحيث يبغض الحق النافع ويحب الباطل الضار، وصحته أن يكون عارفًا بالحق محبًا له مؤثرًا له على غيره، وسمي الشك في الدين مرضًا؛ لأنه فساد في الروح يحتاج إلى علاج كالفساد في البدن، ومرض القلب أعضل، وعلاجه أعسر، ودواؤه أعز، وأطباؤه أقل، والمرض عبارة مستعارة للفساد الذي في عقائد هؤلاء المنافقين، وذلك إما أن يكون شكًا ونفاقًا، وإما جحودًا بسبب حسدهم وعدوانهم مع علمهم بصحة ما يجحدون، وتقديم الخبر للإشعار بأن المرض مختص بها، مبالغة في تعلق هذا الداء بتلك القلوب لما كانوا عليه من شدة الحسد وفرط العداوة19.
فالمؤمنون يخبرون عن زيادة إيمانهم والمنافقون يخبرون عن عدمه في وجدانهم، فهذا موجب شكهم وتماديهم في غيهم وإفكهم، ولو أنهم رجعوا إلى حاكم العقل لأزال شكهم وعرفهم صدق المؤمنين بالفرق بين حالتيهم، فإن ظهور الثمرات مزيل للشبهات20.
وقوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة:٢٦].
فإن مريض القلب بالشكوك وضعف العلم أقل شيء يريبه ويؤثر فيه ويفتتن به، وهذا حال القلوب عند ورود الحق المنزل عليها، قلب يفتتن به كفرًا وجحودًا، وقلب يزداد به إيمانًا وتصديقًا، وقلب يتيقنه، فتقوم عليه به الحجة، وقلب يوجب له حيرة وعمى، فلا يدري ما يراد به21.
وفي الآيتين الكريمتين السابقتين عبر سبحانه وتعالى عن النفاق بالمرض، وذلك للمشابهة بين مرض الأجساد والنفاق، فهو يفسد القلوب، والعقول والمدارك، كما يفسد المرض الأجساد ويضعف الحركات وقد يشلها، ومعه الوهن دائمًا22.
ثانيًا: مرض الشهوات:
من أمراض القلوب التي ذكرها القرآن الكريم مرض الشهوات، ويمكن التعرف على هذا النوع من المرض من خلال السياق القرآني، فإن كان هذا السياق في ذكر المعاصي والميل كان مرض الشهوات.
ومن ذلك قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأحزاب:٣٢].
إن المنافقين قوم برزوا في إظهار مرض القلب الذي ينشأ عنه كل إثم وفسوق وعصيان، وخاصة تتبع النساء والتعرض لهن بالسوء، وإغرائهن على الفاحشة، وإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول أو الفعل، والتعرض بالسوء لنسائه وبيته، وعدم امتثال أمر الله مطلقًا، وخاصة في ستر عورات النساء، كل هذا من لوازم النفاق العملي الذي يأباه الله ويتنافى مع حقيقة الإسلام، ونرجو أن يمتثل المسلمون اليوم للأمر بستر عورات نسائهم حتى لا ينطبق علينا وصف النفاق23.
وأخبر الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم أنهن لسن كأحد من النساء في الفضل والشرف وعلو المنزلة، وأمرهن أن لا يلن في كلامهن، كما تلين المرأة المعطية الليان في منطقها (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) أي: مرض شهوة الزنا والفجور، والمعنى: لا تقلن قولًا يجد به منافق أو فاجر سبيلًا إلى الطمع في موافقتكن به، فإنه مستعد، ينظر أدنى محرك يحركه؛ لأن قلبه غير صحيح فإن القلب الصحيح ليس فيه شهوة لما حرم الله، فإن ذلك لا تكاد تميله ولا تحركه الأسباب، لصحة قلبه، وسلامته من المرض، بخلاف مريض القلب، الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح، ولا يصبر على ما يصبر عليه، فأدنى سبب يوجد يدعوه إلى الحرام، يجيب دعوته، ولا يتعاصى عليه، وكان أكثر من تصيبه الحدود في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم المنافقون24.
وفي الآية دليل على أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فإن الخضوع بالقول واللين فيه في الأصل مباح، ولكن لما كان وسيلة إلى المحرم منع منه؛ ولهذا ينبغي للمرأة أن لا تلين بالقول في مخاطبة الرجال الأجانب (ﭲ ﭳ ﭴ) ملؤه الأدب والوقار حسنًا في معناه، خشنًا في مبناه، مقتصرًا على الجواب الكافي؛ لأن الزيادة ممنوعة كما أن اللين ممنوع، وإنما أمرهن الله بهذا؛ لئلا ينسبن لقلة الأدب وهن منبعه وعنهن يؤخذ، وتعهد نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالإرشاد والتأديب؛ لأنهن الأسوة والقدوة، وهذه الآداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك25.
ثالثًا: مرض الأبدان:
من الأمراض التي ذكرها القرآن الكريم مرض الأبدان، وحيثما جاء المرض في آيات الأحكام فهو من علة في البدن، وكذلك (مريض، المريض، مرضى)، وكلها في آيات أحكام.
جاء ذكر مرض البدن في الطهارة، وذلك في قوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [النساء:٤٣].
والمريض الذي يباح له التيمم، هو الذي يخاف على نفسه التلف أو الضرر باستعمال الماء، من فوات عضو أو شينه أو تطويل البرء، أو كان ضعيفًا في بدنه لا يقدر على الوصول إلى موضع الماء، كما روي في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه أصابته جنابة وهو أمير الجيش فترك الغسل من أجل آية، قال: (إن اغتسلت مت فصلى بمن معه جنبًا، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفه بما فعل وأنبأه بعذره فأقر وسكت)26 27.
وقد اتفقوا على جوازه، وذلك أن المريض الذي لا يضره الماء لا معنى للترخيص له في التيمم، فذكر ليدل على أن مرضه حينئذ يقوم مقام عدم وجود الماء حقيقة، فالمريض الذي يمنعه مرضه من استعمال الماء له التيمم مع وجود الماء، وكذلك شأن المسافر إذا كان معه من الماء ما لا يفيض عن حاجته في طعامه وشرابه، فلم يبق حينئذ إلا الجنب وما في معناه، والجائي من الغائط وما في معناه من غير المسافرين والمرضى، فهو إنما يباح لهم التيمم إذا فقدوا الماء، وفي هذه الآية الكريمة مشروعية هذا الحكم العظيم الذي امتن به الله على هذه الأمة، وهو مشروعية التيمم، وقد أجمع على ذلك العلماء، وأن التيمم يكون بالصعيد الطيب، وهو كل ما تصاعد على وجه الأرض سواء كان له غبار أم لا، ويحتمل أن يختص ذلك بذي الغبار؛ لأن الله تعالى قال: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) وما لا غبار له لا يمسح به28.
كما جاء ذكر المرض في أحكام الصيام في قوله جل وعلا: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [البقرة:١٨٤] والمرض المذكور في الآية هو المرض الذي يشق معه الصوم، فأباح الفطر للمريض لعذر المرض، والمسافر طلبا لحفظ صحته وقوته؛ لئلا يذهبه الصوم في السفر؛ لاجتماع شدة الحركة وما يوجبه من التحليل وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل، فتخور القوة وتضعف، فأباح للمسافر الفطر؛ حفظا لصحته وقوته عما يضعفها 29.
وجاء أيضًا في أحكام الحج في قوله سبحانه: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [البقرة:١٩٦]، أي: مرضًا يحوجه إلى الحلق (ﯪ ﯫ ﯬ)فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه، من قمل أو حكة أو غيرهما أن يحلق رأسه في الإحرام؛ استفراغًا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر، وإذا حلق رأسه تفتحت المسامات فخرجت تلك الأبخرة منها، فهذا الاستفراغ يقاس عليه استفراغ يؤذي انحباسه، والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة: الدم إذا هاج، والمني إذا سبغ، والبول والغائط والريح والقيء والعطاس والنوم والجوع والعطش30.
بينت الآيات مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسر بديع يبين عظمة القرآن، والاستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه، وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة: حفظ الصحة، والحمية عن المؤذي، واستفراغ المواد الفاسدة.
وجاء ذكر المرض في أحكام الأكل والآداب في قوله جل وعلا: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [النور:٦١].
كان المسلمون في صدر الإسلام حين أمروا بالنصيحة ونهوا عن الخيانة وأنزل عليهم: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة:١٨٨].
أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق أدقوا النظر وأفرطوا في التوقي، وترك بعضهم مؤاكلة بعض.
فكان الأعمى لا يؤاكل الناس؛ لأنه لا يبصر الطعام فيخاف أن يستأثر، ولا يؤاكله الناس يخافون لضرره أن يقصر.
وكان الأعرج يتوقى ذلك؛ لأنه يحتاج لزمانته إلى أن يتفسح في مجلسه، ويأخذ أكثر من موضعه، ويخاف الناس أن يسبقوه لضعفه.
وكان المريض يخاف أن يفسد على الناس طعامهم بأمور قد تعتري مع المرض: من رائحة تتغير، أو جرح يبض، أو أنف يذن، أو بول يسلس، وأشباه ذلك.
فأنزل الله تبارك وتعالى: ليس على هؤلاء جناح في مؤاكلة الناس.
وقيل: كان الصحابة رضي الله عنهم يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغازي، ويدفعون مفاتيحهم إلى الضمنى، وهم الزمنى، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في منازلنا، فكانوا يتوقون أن يأكلوا من منازلهم حتى نزلت هذه الآية.
ثم أباحت الآية الأكل من بيوت الأقارب مثل: الآباء، والأمهات، والإخوة، والأخوات، والأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات.
وأباحت أيضًا الأكل مما كان تحت يد الشخص وتصرفه من مال غيره، والأكل من بيوت الأصدقاء، ولم يذكر فيها قيد ما لإباحة الأكل من هذه البيوت.
ولم يذكر بيوت الأبناء واكتفى بقوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) لأن مال الرجل منسوب إلى أبيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) وقال: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه فكلوا من كسب أولادكم) فاكتفى بذكر بيوت أنفسكم عن ذكر بيوت الأولاد، إذ كانت منسوبة إلى الآباء31.
قال أبو زهرة: «ونجد أن الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن الحكيم أنه لا إثم على من يأكل في بيوت هؤلاء عند الاحتياج، ونفي الإثم يشير إلى أنه الحق؛ إذ إن تناول الحقوق لا إثم فيه، وقد يقال: إن ذلك لم يكن مقتصرًا على القرابة، بل ذكر الصديق، فدل على أن الحق ليس سببه القرابة.
ونقول: إن ذلك الحق سببه العجز ابتداء؛ ولذلك ذكر في أول الآية ذوي العجز عن الكسب، فكان الكلام كله في أهل العجز، ولكن الأخذ كان للقرابة ابتداء، فإن لم تكن له قرابة يلزمها الشرع، كانت المودة التي توجبها الصداقة مبررًا للأكل، وإن كان لا يلزم الصديق بذلك قضاء، فإنه يجب عليه دينًا ويأثم فيما بينه وبين الله إن كان قادرًا، ومع ذلك يترك صديقه يتضور جوعًا، ولذلك كانت المؤاخاة، وفي ذلك إرشاد خلقي اجتماعي حكيم لواجبات الأصدقاء نحو أصدقائهم»32.
سنتناول في هذا المبحث أعراضه، والوقاية منه، وعاقبته، وذلك في النقاط الآتية:
أولًا: أعراضه:
تظهر أعراض مرض الشبهات من خلال النقاط الآتية:
ذكر القرآن الكريم أن من أعراض مرض الشبهات التي تصيب المنافقين موالاة الكفار.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المائدة:٥٢].
لما نهى الله تعالى في الآية السابقة المؤمنين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء في النصرة والخلطة المؤدية إلى الامتزاج والمعاضدة، بينت هذه الآية أن من يوالي اليهود والنصارى هم الذين في قلوبهم مرض أي: نفاق وشك وريب في وعد الله لإظهار دينه، وقوله: (ﭱ ﭲ) أي: في مودتهم في الباطن والظاهر، من غير نظر فيما يلحقهم من الضرر في دين الله، والفضيحة بالنفاق (ﭳ) أي: في عذرهم.
(ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) أي: نخشى أن تقع بنا مصيبة كبيرة مما يدور به الزمان، أو من المصائب والدواهي التي تحيط بالمرء إحاطة الدائرة بما فيها، فنحتاج إلى نصرتهم لنا، فنحن نتخذ لنا يدًا عندهم في السراء؛ ننتفع بها إذا مست الضراء، والمراد أنهم يخشون أن تدول الدولة لليهود أو المشركين على المؤمنين.
وكان اليهود عونًا للمشركين على المؤمنين، كما ظهر في وقعة بدر والأحزاب، فيحل بهم ما يحل بالمؤمنين من النقمة، ذلك بأنهم غير موقنين بوعد الله بنصر رسوله، وإظهار دينه على الدين كله؛ لأنهم في شك من أمر نبوته، لم يوقنوا بصدقها ولا بكذبها، فهم يريدون أن ينتفعوا منها بإظهارهم الإيمان بها، وأن يتخذوا لهم يدًا عليها لأعدائها؛ ليكونوا معهم إذا دالت الدولة لهم، وهكذا شأن المنافقين في كل زمان ومكان، ثم رد تعالى عللهم الباطلة، وقطع أطماعهم الفارغة، وبشر المؤمنين بالظفر33.
وقوله سبحانه: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) وعسى من الله نافذة، لأنه الكريم العظيم الذي لا يُطْمَعُ إلا فيما يُعْطي؛ ولأن الكريم إذا أوعد في خير فعله، فهو بمنزلة الوعد لتعلق النفس به ورجائها له، والمعنى: فعسى الله أن يأتي بالفتح لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه وإظهار المسلمين على أعدائهم، أو أمر من عنده يقطع أصل اليهود أو يخرجهم عن بلادهم؛ فيصبح المنافقون نادمين على ما حدثوا به أنفسهم.
وذلك لأنهم كانوا يشكون في أمر الرسول ويقولون: لا نظن أنه يتم له أمره، والأظهر أن تصير الدولة والغلبة لأعدائه، وقيل: أو أمر من عنده، يعني: أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بإظهار أسرار المنافقين وقتلهم فيندموا على فعالهم (ﮂ)أي: المنافقون (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)من الشك في ظهور الإسلام، أو من النفاق (ﮈ) لافتضاحهم بالنفاق مع الفريقين، وتعليق الندامة بما كانوا يكتمونه- لا بما كانوا يظهرونه من موالاة الكفرة- لأنه الذي كان يحملهم على الموالاة ويغريهم عليها، فدل ذلك على ندامتهم عليها بأصلها وسببها34.
وفي الآية: نداء للمؤمنين أن يجعلوا ولايتهم لله ولرسوله ولإخوانهم في العقيدة، ونهتهم عن موالاة الذين يخالفونهم في الدين، ووصفت الذين يتولون من غضب الله عليهم بالنفاق ومرض القلب، وبشرت المطيعين لله بالنصر والظفر35.
ذكر القرآن الكريم أن من أعراض مرض الشبهات التي تصيب المنافقين الاستهزاء بالمؤمنين.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأنفال:٤٩].
بينت الآية سخرية المنافقين من أهل المدينة واستهزاءهم واحتقارهم للمؤمنين، (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) أي: شك وارتياب، وهم قوم من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يقو الإسلام في قلوبهم ولم يتمكن، فلما خرج كفار قريش إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا معهم إلى بدر، فلما نظروا إلى قلة المسلمين ارتابوا وارتدوا، وقالوا: (ﮢ ﮣ ﮤ) والغرور: الإيقاع في المضرة بإيهام المنفعة، والدين هو الإسلام، وإسنادهم الغرور إلى الدين باعتبار ما فيه من الوعد بالنصر، من نحو قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الأنفال:٦٥].
أي: غرهم ذلك فخرجوا وهم عدد قليل للقاء جيش كثير، والمعنى: إذ يقولون ذلك عند اللقاء وقبل حصول النصر، فإطلاق الغرور هنا مجاز، وإسناده إلى الدين حقيقة عقلية، ثم قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) أي: ومن يسلم أمره إلى الله ويثق بفضله ويعول على إحسان الله، فإن الله حافظه وناصره؛لأنه عزيز لا يغلبه شيء، حكيم يوصل العذاب إلى أعدائه، والرحمة والثواب إلى أوليائه36.
قال سيد قطب: «والمنافقون والذين في قلوبهم مرض لا يدركون حقيقة أسباب النصر وأسباب الهزيمة، فهم يرون ظواهر الأمور دون أن تهديهم بصيرة إلى بواطنها ودون أن يشعروا بالقوة الكامنة في العقيدة، والثقة في الله، والتوكل عليه، واستصغار شأن الجموع والقوى التي لا ترتكن إلى عقيدة في الله تمنحها القوة الحقيقية، فلا جرم يظنون المسلمين يومئذ مخدوعين في موقفهم، مغرورين بدينهم، واردين موارد التهلكة بتعرضهم لجحافل المشركين التي يرونها إن الواقع المادي الظاهر لا يختلف من ناحية مظهره عند القلوب المؤمنة، وعند القلوب الخاوية من الإيمان»37.
ذكر القرآن الكريم أن من أعراض مرض الشبهات التي تصيب المنافقين الاستجابة لوساوس الشيطان.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الحج:٥٢-٥٤].
يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن من حكمته وسنته: أنه ما أرسل قبله من رسول ولا نبي إلا إذا قرأ، ألقى الشيطان في أمنيته، ومعنى إلقاء الشيطان في أمنية النبي والرسول إلقاء ما يضادها، كمن يمكر فيلقي السم في الدسم، فإلقاء الشيطان بوسوسته: أن يأمر الناس بالتكذيب والعصيان، ويلقي في قلوب أئمة الكفر مطاعن يبثونها في قومهم، ويروج الشبهات بإلقاء الشكوك التي تصرف نظر العقل عن تذكر البرهان، والله تعالى يعيد الإرشاد ويكرر الهدي على لسان النبي، ويفضح وساوس الشيطان وسوء فعله بالبيان الواضح، كقوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأعراف:٢٧] وقوله سبحانه: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [فاطر:٦]، فالله تعالى بهديه وبيانه ينسخ ما يلقي الشيطان، أي: يزيل الشبهات التي يلقيها الشيطان ببيان الله الواضح، ويزيد آيات دعوة رسله بيانًا، وذلك هو إحكام آياته، أي: تحقيقها وتثبيت مدلولها وتوضيحها بما لا شبهة بعده إلا لمن رين على قلبه، ثم بين سبحانه أن من مقتضيات حكمته أنه يجعل الإلقاء الشيطانى فتنة للشاكين المنافقين، والقاسية قلوبهم عن قبول الحق، فلا تلين لقبول الحق، ولا ترعوي عما هي فيه من الغي؛ ابتلاء لهم ليزدادوا إثمًا، ورحمة للمؤمنين ليزدادوا ثباتًا واستقامة 38.
ذكر القرآن الكريم أن من أعراض مرض الشبهات التي تصيب المنافقين الإعراض عن التحاكم للكتاب والسنة.
قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النور:٤٧-٥٠].
يخبر تعالى عن صفات المنافقين، الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، وأنهم يقولون بألسنتهم، ويلتزمون الإيمان بالله والطاعة، ثم لا يقومون بما قالوا، ويتولى فريق منهم عن الطاعة توليًا عظيمًا.
وقد أشارت الآية إلى المنافقين عامة، ثم إلى فريق منهم أظهروا عدم الرضا بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم فكلا الفريقين موسوم بالنفاق، ولكن أحدهما استمر على النفاق والمواربة، وفريقًا لم يلبثوا أن أظهروا الرجوع إلى الكفر بمعصية الرسول علنًا، وفي قوله: (ﮍ) إيماء إلى أن حظهم من الإيمان مجرد القول دون الاعتقاد، كما قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الحجرات:١٤].
وعبر بالمضارع لإفادة تجدد ذلك منهم واستمرارهم عليه؛ لما فيه من تكرر الكذب ونحوه من خصال النفاق، والإشارة في قوله: (ﮚ ﮛ) إلى ضمير (ﮍ) أي يقولون آمنا وهم كاذبون في قولهم، وإنما يظهر كفرهم عند ما تحل بهم النوازل، وإسناد فعل (ﮟ) إلى جميعهم وإن كان المعرضون فريقًا منهم لا جميعهم؛ للإشارة إلى أنهم سواء في التهيؤ إلى الإعراض، ولكنهم لا يظهرونه إلا عندما تحل بهم النوازل فالمعرضون هم الذين حلت بهم الخصومات، ثم أخبر الله أن المنافقين يعرضون عن حكم الرسول لعلمهم بأنه يحكم بالحق، فإذا كان لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه؛ لثقتهم بأنه كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضا39.
ثم أخبر بما في قلوبهم من الشك والريبة، فقال سبحانه: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) القلوب: العقول، والمرض مستعار للفساد أو للكفر.
قال جل وعلا: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة:١٠] أو للنفاق.
وأتي في جانب هذا الاستفهام بالجملة الاسمية؛ للدلالة على ثبات المرض في قلوبهم وتأصله فيها، بحيث لم يدخل الإيمان في قلوبهم، والارتياب: الشك.
والمراد: ارتابوا في حقيقة الإسلام، أي: حدث لهم ارتياب بعد أن آمنوا إيمانًا غير راسخ، وأتي في جانبه بالجملة الفعلية المفيدة للحدوث والتجدد، أي: حدث لهم ارتياب بعد أن اعتقدوا الإيمان اعتقادًا مزلزلًا.
وهذا يشير إلى أنهم فريقان: فريق لم يؤمنوا ولكنهم أظهروا الإيمان وكتموا كفرهم، وفريق آمنوا إيمانا ضعيفًا، ثم ظهر كفرهم بالإعراض، والحيف: الظلم والجور في الحكومة.
وأسند الحيف إلى الله ورسوله بمعنى أن يكون ما شرعه الإسلام حيفًا لا يظهر الحقوق، وهذا كناية عن كونهم يعتقدون أنه غير منزل من الله، وأن يكون حكم الرسول بغير ما أمر الله، فهم يطعنون في الحكم وفي الحاكم وما ذلك إلا لأنهم لا يؤمنون بأن شريعة الإسلام منزلة من الله، ولا يؤمنون بأن محمدًا عليه الصلاة والسلام مرسل من عند الله.
فالكلام كناية عن إنكارهم أن تكون الشريعة إلهية وأن يكون الآتي بها صادقًا فيما أتى به (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) أي: ليس العدول إلا لما في قلوبهم من المرض والنفاق، وظلمهم لأنفسهم بمخالفة أمر ربهم ومعصيتهم له فيما أمرهم به من الرضا بحكم رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أحبوا وكرهوا، والتسليم لقضائه40.
قال سيد قطب: «إن الإيمان الصحيح متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك، والإسلام عقيدة متحركة، لا تطيق السلبية، فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور تتحرك؛ لتحقق مدلولها في الخارج؛ ولتترجم نفسها إلى حركة وإلى عمل في عالم الواقع.
ومنهج الإسلام الواضح في التربية يقوم على أساس تحويل الشعور الباطن بالعقيدة وآدابها إلى حركة سلوكية واقعية، وتحويل هذه الحركة إلى عادة ثابتة أو قانون، مع استحياء الدافع الشعوري الأول في كل حركة، لتبقى حية متصلة بالينبوع الأصيل، وهؤلاء كانوا يقولون: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النور:٤٧].
يقولونها بأفواههم، ولكن مدلولها لا يتحقق في سلوكهم، فيتولون ناكصين يكذبون بالأعمال ما قالوه باللسان: (ﮚ ﮛ ﮜ) [النور:٤٧].
فالمؤمنون تصدق أفعالهم أقوالهم، والإيمان ليس لعبة يتلهى بها صاحبها ثم يدعها ويمضي، إنما هو تكيف في النفس، وانطباع في القلب، وعمل في الواقع، ثم لا تملك النفس الرجوع عنه متى استقرت حقيقته في الضمير»41.
ذكر القرآن الكريم أن من أعراض مرض الشبهات التي تصيب المنافقين التشكيك في وعد الله ورسوله.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الأحزاب:١٢].
يقول تعالى مخبرًا عن حال المؤمنين حين نزلت الأحزاب حول المدينة، والمسلمون محصورون في غاية الجهد والضيق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، أنهم ابتلوا واختبروا وزلزلوا زلزالًا شديدًا، فحينئذ ظهر النفاق، وتكلم الذين في قلوبهم مرض بما في أنفسهم، والذين في قلوبهم ضعف في الإيمان لقرب عهدهم بالإسلام: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) من الظفر والنصر على العدو إلا وعدًا باطلًا بغرنا به ويوقعنا فيما لا طاقة لنا به، ويسلخنا عن دين آبائنا.
ويقول: إن هذا الدين سيظهر على الدين كله، وإنه سيفتح لنا فارس والروم، وها نحن أولاء قد حصرنا هاهنا حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، فإن ذلك كله مما ألحق بالمسلمين ابتلاء فبعضه من حال الحرب وبعضه من أذى المنافقين؛ ليحذروا المنافقين فيما يحدث من بعد؛ ولئلا يخشوا كيدهم فإن الله يصرفه كما صرف أشده يوم الأحزاب، وقول المنافقين هذا يحتمل أن يكونوا قالوه علنًا بين المسلمين قصدوا به إدخال الشك في قلوب المؤمنين لعلهم يردونهم عن دينهم.
فأوهموا بقولهم: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) أنهم ممن يؤمن بالله ورسوله، فنسبة الغرور إلى الله ورسوله إما على معنى التشبيه البليغ، وإما لأنهم بجهلهم يجوزون على الله أن يغر عباده، ويحتمل أنهم قالوا ذلك بين أهل ملتهم فيكون نسبة الوعد إلى الله ورسوله تهكما، كقول فرعون: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الشعراء:٢٧].
والغرور: ظهور الشيء المكروه في صورة المحبوب، والمعنى: أن الله وعدهم النصر فكان الأمر هزيمة، وهم يعنون الوعد العام وإلا فإن وقعة الخندق جاءت بغتة ولم يرو أنهم وعدوا فيها بنصر (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) هم الذين كانوا مترددين بين الإيمان والكفر فأخلصوا يومئذ النفاق وصمموا عليه 42.
قال سيد قطب عند تفسير قوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الأحزاب:١٢]: «فقد وجد هؤلاء في الكرب المزلزل، والشدة الآخذة بالخناق فرصة للكشف عن خبيئة نفوسهم وهم آمنون من أن يلومهم أحد، وفرصة للتوهين والتخذيل وبث الشك والريبة في وعد الله ووعد رسوله، وهم مطمئنون أن يأخذهم أحد بما يقولون، فالواقع بظاهره يصدقهم في التوهين والتشكيك، وهم مع هذا منطقيون مع أنفسهم ومشاعرهم فالهول قد أزاح عنهم ذلك الستار الرقيق من التجمل، وروع نفوسهم ترويعًا لا يثبت له إيمانهم المهلهل فجهروا بحقيقة ما يشعرون غير مبقين ولا متجملين، ومثل هؤلاء المنافقين والمرجفين قائمون في كل جماعة وموقفهم في الشدة هو موقف إخوانهم هؤلاء»43.
ذكر القرآن الكريم أن من أعراض مرض الشبهات التي تصيب المنافقين نشر الشائعات والأراجيف.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأحزاب:٦٠- ٦١].
يخبر تعالى أن من صفات المنافقين ومرضى القلوب نشر الاشاعات والأراجيف، ووصفهم الله هنا بصفات ثلاث (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ).
فالعطف هنا لا يقتضي المغايرة، إنما عطف صفات مختلفة لشيء واحد، وجاءت هذه الصفات مستقلةً؛ لأنها أصبحت من الوضوح فيهم، بحيث تكاد تكون نوعًا منفردًا بذاته.
والإرجاف: إشاعة الأخبار، وفيه معنى كون الأخبار كاذبة أو مسيئة لأصحابها يعيدونها في المجالس؛ ليطمئن السامعون لها مرة بعد مرة بأنها صادقة؛ لأن الإشاعة إنما تقصد للترويج بشيء غير واقع أو مما لا يصدق به؛ لاشتقاق ذلك من الرجف والرجفان وهو الاضطراب والتزلزل.
فالمرجفون قوم يتلقون الأخبار فيحدثون بها في مجالس ونواد ويخبرون بها من يسأل ومن لا يسأل.
والمعنى هنا: الذين يخبرون بالأراجيف، وكانوا يخبرون المؤمنين بما يكرهون من عدوهم، فيقولون: هزموا وقتلوا، وجرى عليهم كيت وكيت، فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين، والأراجيف: هي أول الاختيار، وأصل الرجف هو الحركة.
فإذا وقع خبر الكذب فإنه يقع الحركة بالناس فسمي إرجافًا، ويقال: الأراجيف تلقح الفتنة، ويقال: أرجف بكذا، إذا أخبر به على غير حقيقة؛ لكونه خبرًا متزلزلًا غير ثابت من الرجفة، وهي الزلزلة، وهم من المنافقين والذين في قلوبهم مرض وأتباعهم.
وهم الذين قال الله فيهم: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء:٨٣].
فهذه الأوصاف لأصناف من الناس، وكان أكثر المرجفين من اليهود وليسوا من المؤمنين؛ لأن قوله عقبه: (ﯢ ﯣ) لا يساعد أن فيهم مؤمنين، والمعنى: لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدكم، والفسقة عن فجورهم، والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء لنأمرنك بأن تفعل بهم الأفاعيل التي تسوؤهم وتنوؤهم، ثم بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء عن المدينة، وإلى أن لا يساكنوك فيها إلا زمنا قليلًا ريثما يرتحلون ويلتقطون أنفسهم وعيالاتهم، فسمى ذلك إغراء، وهو التحريش على سبيل المجاز44.
وفي الآية: إنذار لفئات المنافقين ومرضى القلوب والمرجفين في المدينة، بأنهم إذا لم ينتهوا عما يبثونه من وساوس ودسائس ويوقعونه من أذى وقلاقل، فإن الله يغري نبيه بهم ويسلطه عليهم ويقدره على طردهم من المدينة، مدموغين بدمغة اللعنة، مهدوري الدم ليقتلوا قتلا ذريعًا بدون هوادة واستثناء وتساهل أينما وجدوا، وهذه هي سنة الله فيمن مضى من أمثالهم من الأمم وهي السنة التي لا تتبدل في حال45.
من أعراض مرض الشبهات التي ذكرها القرآن الكريم الخوف من الجهاد.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [محمد:٢٠- ٢١].
يخبر تعالى في هذه الآيات عن صفات المؤمنين المخلصين الصادقين في إيمانهم أنهم يشتاقون للوحي، ونزول آيات الجهاد حرصا على ثوابه، فإذا أنزلت سورة واضحة الدلالة في الأمر به فرحوا بها وسارعوا إلى العمل بما فيها.
ثم أعقب ذلك بوصف حال المنافقين من الكسل والفشل والحرص على فساد دين الله وأهله، وذلك حين يدعى المسلمون إلى الجهاد فقد يضيق الأمر بالمنافقين، إذ كان تظاهرهم بالإسلام سيلجئهم إلى الخروج للقتال مع المسلمين، وذلك أمر ليس بالهين؛ لأنه تعرض لإتلافهم النفوس دون أن يرجو منه نفعًا في الحياة الأبدية؛ إذ هم لا يصدقون بها فيصبحوا في حيرة.
وقوله سبحانه: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) أي: تشخص أبصارهم من شدة فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء الأعداء، كما ينظر من أصابته الغشية عند الموت، ثم هددهم وتوعدهم فقال: (ﭭ ﭮ) أي: فالموت أولى لمثل هؤلاء المنافقين؛ إذ حياتهم ليست في طاعة الله فالموت خير منها، وقد يكون المعنى على التهديد والوعيد والدعاء عليهم بالهلاك، فكأنه قيل: أهلكهم الله هلاكًا أقرب لهم من كل شر وهلاك، فهو نحو قولهم في الدعاء بعدًا له وسحقًا.
(ﭰ ﭱ ﭲ) أي: طاعة لله وقول معروف أمثل لهم، وأحسن مما هم فيه من الهلع والجزع والجبن من لقاء العدو، فمتاع الحياة الدنيا متاع قليل، وظل زائل، والآخرة خير لمن اتقى.
(ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) أي: فإذا حضر القتال كرهوه وتخلفوا عنه خوفًا وفرقًا، ولو صدقوا في إيمانهم واتِّباعهم للرسول، وأخلصوا النية في القتال لكان خيرًا لهم عند ربهم؛ إذ ينالون به الثواب والزلفى عنده ويعطيهم ما تقر به أعينهم، ويدخلهم جنات النعيم46.
قال سيد قطب عند تفسير قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [محمد:٢٠]: «وهو تعبير لا تمكن محاكاته، ولا ترجمته إلى أي عبارة أخرى، وهو يرسم الخوف إلى حد الهلع، والضعف إلى حد الرعشة، والتخاذل إلى حد الغشية، ويبقى بعد ذلك متفردًا حافلًا بالظلال والحركة التي تشغف الخيال
وهي صورة خالدة لكل نفس خوارة لا تعتصم بإيمان، ولا بفطرة صادقة، ولا بحياء تتجمل به أمام الخطر، وهي طبيعة المرض والنفاق، وبينما هم في هذا التخاذل والتهافت والانهيار تمتد إليهم يد الإيمان بالزاد الذي يقوي العزائم، ويشد القوائم، لو تناولوه في إخلاص: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [محمد:٢٠-٢١].
نعم، أولى لهم من هذه الفضيحة، ومن هذا الخور، ومن هذا الهلع، ومن هذا النفاق، أولى لهم (ﭰ ﭱ ﭲ) طاعة تستسلم لأمر الله عن طمأنينة، وتنهض بأمره عن ثقة، وقول معروف يشي بنظافة الحس واستقامة القلب، وطهارة الضمير، وأولى لهم إذا عزم الأمر، وجد الجد، وواجهوا الجهاد أن يصدقوا الله، يصدقوه عزيمة، ويصدقوه شعورًا، فيربط على قلوبهم، ويشد من عزائمهم، ويثبت أقدامهم، وييسر المشقة عليهم، ويهون الخطر الذي يتمثلونه غولا تفغر فاها لتلتهمهم
ويكتب لهم إحدى الحسنين: النجاة والنصر، أو الاستشهاد والجنة، هذا هو الأولى، وهذا هو الزاد الذي يقدمه الإيمان فيقوي العزائم ويشد القوائم، ويذهب بالفزع، ويحل محله الثبات والاطمئنان»47.
من أعراض مرض الشبهات التي ذكرها القرآن الكريم التشكيك في الغيبيات.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المدثر:٣١].
أخبر الله سبحانه عن الحكمة التي جعل لأجلها عدة الملائكة الموكلين بالنار تسعة عشر، فذكر سبحانه خمس حكم: فتنة الكافرين، فيكون ذلك زيادة في كفرهم وضلالهم، وقوة يقين أهل الكتاب، فيقوى يقينهم بموافقة الخبر بذلك لما عندهم عن أنبيائهم من غير تلق من رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، فتقوم الحجة على معاندهم، وينقاد للإيمان من يريد الله أن يهديه منهم، وزيادة الذين آمنوا بكمال تصديقهم بذلك والإقرار به، وانتفاء الريب عن أهل الكتاب لجزمهم بذلك، وعن المؤمنين لكمال تصديقهم به، وحيرة الكافر ومن في قلبه مرض، وعمى قلبه عن المراد بذلك، فيقول: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة:٢٦].
والمعنى: أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب، وأي معنى أراد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين، وغرضهم إنكاره أصلًا وأنه ليس من عند الله وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص، وهذه الآية من الإخبار بالغيب قبل الوقوع فهي من معجزاته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أعلم بإعلام الله إياه بأنه سيكون منافقون يرتابون في هذا القرآن ويشككون فيه، لأن هذه السورة مكية بالاتفاق ولا يوجد زمن نزولها منافقون، والنفاق ظهر بالمدينة.
ولهذا جاء الفعل بلفظ المستقبل، (ﯕ) مثلما أضل الله منكري عدد الخزنة (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) من غيرهم ممن اقتفى آثار الكفر وأعرض عن الإيمان (ﯚ ﯛ ﯜ) ممن آمن به وصدق رسله (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) الذين من جملتهم خزنة جهنم (ﯢ ﯣ) وحده؛ لأن ملائكته لا يحصون، وهذا كالجواب للخبيث أبي جهل؛ لقوله: «ما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر» أي: له أعوان كثيرون لا يعلمهم إلا الله، فكما أن مقدراته غير متناهية فكذلك جنوده، وإن الواحد منهم كاف لخراب الدنيا بما فيها 48.
ثانيًا: الوقاية منه:
إن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هما السبيل الوحيد للوقاية من مرض الشبهات وغيرها من الأمراض، وذلك أنهما يوضحان جميع الشبهات وينبهان عليها ويفضحان أصحابها، ويحذران المؤمنين من خطر الوقوع فيها، ويعملان على الوقاية منها قبل وقوعها.
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الإسراء:٨٢].
أي: وننزل عليك أيها الرسول من القرآن ما به يستشفى من الجهل والضلالة، وتزول أمراض الشدة والنفاق، والزيغ والإلحاد، وهو أيضا رحمة للمؤمنين الذين يعملون بما فيه من الفرائض، ويحلون حلاله، ويحرمون حرامه، فيدخلون الجنة، وينجون من العذاب، والشفاء: أن تعالج داءً موجودًا لتبرأ منه، والرحمة: أن تتخذ من أسباب الوقاية ما يضمن لك عدم معاودة المرض مرة أخرى.
فالرحمة وقاية، والشفاء علاج، إذن ففي القرآن شفاء ورحمة، أي: وقاية وعلاج، والذي يلتزم بمنهج القرآن لا تصيبه الداءات الاجتماعية والنفسية أبدًا، والذي تغفل نفسه وتشرد منه يصاب بالداء الاجتماعي والنفسي، فإن عاد إلى منهج القرآن فهو يشفى من أي داء.
وما دام القرآن كذلك فمن عمل بمنهجه فإنه يقيه كل أمراض النفاق والشبهات والأهواء التي تصيب القلوب، وفيه الثواب العظيم من الله تعالى، الثواب الخالد في نعيم دائم (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)لأنهم كلما سمعوا آية منه ازدادوا بعدًا عن الإيمان وازدادوا كفرًا بالله؛ لأنه قد طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون، كما قال سبحانه: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [فصلت:٤٤].
وقال جل في علاه: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [التوبة:١٢٤- ١٢٥]49.
ثالثًا: عاقبته:
إن مرض الشبهات من أخطر الأمراض التي تصيب القلوب ويعسر علاجها، إلا من يتغمده الله تعالى برحمته ولطفه، وقد نبه الله تعالى على عاقبة هذا المرض بقوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:١٠].
ومرض القلب: هو نوع فساد يحصل له يفسد به تصوره وإرادته، فتصوره بالشبهات التي تعرض له حتى لا يرى الحق أو يراه على خلاف ما هو عليه، وإرادته بحيث يبغض الحق النافع ويحب الباطل الضار، وصحته أن يكون عارفًا بالحق محبًا له مؤثرًا له على غيره.
فهو في ازدياد مستمر حتى يدمر صاحبه، إذ لولا تدنس فطرتهم لازدادوا بما من الله تعالى به على المؤمنين شفاء، وإنما عدى سبحانه الزيادة إليهم لا إلى القلوب فلم يقل فزادها إما ارتكابا لحذف المضاف- أي: فزاد الله قلوبهم مرضا- أو إشارة إلى أن مرض القلب مرض لسائر الجسد، أو رمزًا إلى أن القلب هو النفس الناطقة ولولاها ما كان الإنسان إنسانًا، وإعادة مرض منكرا لكونه مغايرا للأول ضرورة أن المزيد يغاير المزيد عليه50.
ومعنى قوله سبحانه: (ﮆ ﮇ ﮈ) أي: إن تلك الأخلاق الذميمة الناشئة عن النفاق والملازمة له كانت تتزايد فيهم بتزايد الأيام؛ لأن من شأن الأخلاق إذا تمكنت أن تتزايد بتزايد الأيام حتى تصير ملكات، وإنما كان النفاق موجبًا لازدياد ما يقارنه من سيئ الأخلاق؛ لأن النفاق يستر الأخلاق الذميمة فتكون محجوبة عن الناصحين والمربين والمرشدين، وبذلك تتأصل وتتوالد إلى غير حد، فالنفاق في كتمه مساوئ الأخلاق بمنزلة كتم المريض داءه عن الطبيب51.
والمراد بقوله جل جلاله: (ﮆ ﮇ ﮈ) الإخبار بأنهم كذلك بما يتجدد لرسول الله صلى الله عليه وسلم من النعم، ويتكرر له من منن الله الدنيوية والدينية، وإنما أسندت زيادة مرض قلوبهم إلى الله تعالى مع أن زيادة هاته الأمراض القلبية من ذاتها؛ لأن الله تعالى لما خلق هذا التولد وأسبابه، وكان أمرًا خفيًا نبه الناس على خطر الاسترسال في النوايا الخبيثة والأعمال المنكرة، وأنه من شأنه أن يزيد تلك النوايا تمكنًا من القلب فيعسر أو يتعذر الإقلاع عنها بعد تمكنها، وأسندت تلك الزيادة إلى اسمه تعالى؛ لأن الله تعالى غضب عليهم فأهملهم وشأنهم، ولم يتداركهم بلطفه الذي يوقظهم من غفلاتهم؛ لينبه المسلمين إلى خطر أمرها وأنها مما يعسر إقلاع أصحابها عنها؛ ليكون حذرهم من معاملتهم أشد ما يمكن، والأليم: المؤلم، أي: الموجع، و «ما» في قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) مصدرية أي: بتكذيبهم للرسل52.
كما أخبر الله تعالى المنافقين والمرضى والمرجفين أنهم إذا لم ينتهوا عن أعمالهم الخبيثة والقبيحة بعد أن فضحهم وأنذرهم، فإن عاقبة ذلك عليهم سيكون طردهم من المدينة، وإهدار دمائهم، وقتلهم بلا هوادة ولا رحمة ولا تسامح.
قال جل في علاه: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الأحزاب:٦٠-٦٢].
أمر بتطهير البيئة المسلمة من الأخلاق التي تلوث المجتمع المسلم، فمعنى (ﯢ ﯣ) أي: نسلطك عليهم، ونغريك بمواجهتهم والتصدي لهم، فكأن هذه المواجهة صارت أمرًا محبوبًا يغرى به؛ لأنها ستكون جزاء ما فزعوك وأقلقوك، (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) أي: في المدينة، وكلمة: (ﯨ ﯩ) يمكن أن يكون المعنى: قليل منهم، أو قليل من الزمن ريثما يجدوا لهم مكانًا آخر، يرحلون إليه مشيعين بلعنة الله.
(ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) والملعون: المطرود من رحمة الله، أو مطرودون من المدينة بعد أن كشف الله دخائل نفوسهم الخبيثة، وهو مستعمل هنا كناية عن الإهانة والتجنب في المدينة، أي: يعاملهم المسلمون بتجنبهم عن مخالطتهم، ويبتعدون هم من المؤمنين اتقاء ووجلا فتضمن أن يكونوا متوارين مختفين؛ خوفا من بطش المؤمنين بهم حيث أغراهم النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي قوله: (ﯫ) إيجاز بديع؛ لذلك طردهم رسول الله من المسجد؛ لأنهم كانوا من خبثهم ولؤمهم يدخلون المسجد، بل ويصلون في الصف الأول، يظنون أن ذلك يستر نفاقهم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطردهم بالاسم: يا فلان، يا فلان، فكان صلى الله عليه وسلم يعرفهم، ولم لا وقد قال الله تعالى له: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [محمد:٣٠]53.
ومعنى (ﯭ ﯮ) أي: وجدوا (ﯯ) أي: أسروا (ﯰ ﯱ)ولاحظ المبالغة في قوله: (ﯰ) والتوكيد في قوله: (ﯱ) يعني: اقتلوهم بعنف، ولا تأخذكم فيهم رحمة جزاء ما ارتكبوه في حق الإسلام والمسلمين؛ ولأن المنافق الذي طبع على النفاق صارت طبيعته مسمومة ملوثة لا تصفو أبدًا، فالنفاق في دمه يلازمه أينما ذهب، ولا بد أن ينتهي أمره إلى الطرد من أي مكان يحل فيه.
وبهذا الوعيد انكف المنافقون عن أذاة المسلمين وعن الإرجاف فلم يقع التقتيل فيهم، إذ لم يحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل منهم أحدًا، ولا أنهم خرج منهم أحد، وهذه الآية ترشد إلى تقديم إصلاح الفاسد من الأمة على قطعه منها؛ لأن إصلاح الفاسد يكسب الأمة فردًا صالحًا، أو طائفة صالحة تنتفع الأمة منها.
وفيها الأمر بتأديب هذه الفئات إذا لم تنته عن أذاها وإرجافها بعد الإنذار، وهو الطرد وإهدار الدم والقتل دون هوادة وتسامح، وحكمها عام شامل ومستمر، وموكول لأولي الأمر في المسلمين، حيث توجب عليهم سلوك سبيل الشدة في القمع والتنكيل مع من لم يرتدع عن موقف الأذى والدس والإرجاف؛ لسلامة المجتمع وطمأنينته 54.
سنتناول في هذا العنوان أعراضه، والوقاية منه، وعاقبته، وذلك فيما يلي:
أولًا: أعراضه:
تظهر أعراض مرض الشهوات من خلال النقاط الآتية:
من أعراض مرض الشهوات التي ذكرها القرآن الكريم الاستجابة لأدنى مثير.
قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأحزاب:٣٢].
يخبر القرآن الكريم أن مريض الشهوة وإرادة الفجور، يؤثر فيه أقل شيء من أسباب الافتنان ويوقعه في الفتنة طمعًا أو فعلًا، فكل من أراد شيئًا من معاصي الله فقلبه مريض مرض شهوة، ولو كان صحيحًا لاتصف بصفات الأذكياء الأبرياء الأتقياء الموصوفين بقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الحجرات:٧- ٨]55.
وقوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) أي: مرض شهوة الزنا والفجور، والمعنى: لا تقلن قولًا يجد به منافق أو فاجر سبيلًا إلى الطمع في موافقتكن به، فإنه مستعد ينظر أدنى محرك يحركه؛ لأن قلبه غير صحيح، فإن القلب الصحيح، ليس فيه شهوة لما حرم الله، فإن ذلك لا تكاد تميله ولا تحركه الأسباب؛ لصحة قلبه، وسلامته من المرض، بخلاف مريض القلب الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح، ولا يصبر على ما يصبر عليه، فأدنى سبب يوجد يدعوه إلى الحرام يجيب دعوته، ولا يتعاصى عليه، (ﭲ ﭳ ﭴ) ملؤه الأدب والوقار حسنا في معناه، خشنا في مبناه، مقتصرًا على الجواب الكافي؛ لأن الزيادة ممنوعة كما أن اللين ممنوع، وإنما أمرهن الله بهذا؛ لئلا ينسبن لقلة الأدب وهن منبعه وعنهن يؤخذ56.
من أعراض مرض الشهوات التي ذكرها القرآن الكريم إشاعة الفاحشة.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأحزاب:٦٠- ٦١].
يخبر تعالى المنافقين (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) وهم أصحاب الشهوة الزناة الذين يتبعون النساء ويتعرضون لهن، (ﯟ ﯠ ﯡ) الذين كانوا ينشرون أخبار السوء عن المؤمنين، وقال الكلبي: كانوا يحبون أن يفشوا الأخبار، وأن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا (ﯢ ﯣ) أي: لنأمرنك بإخراجهم من المدينة أو بقتالهم (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) أي: لا يساكنون معك في المدينة وتخلو المدينة منهم بالإخراج أو بالموت (ﯨ ﯩ) أي: إلا زمانًا يسيرًا57.
ثانيًا: الوقاية منه:
وللوقاية من مرض الشهوات أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم: بأن يأمر نساءه وبناته ونساء المؤمنين بفعل ما يدفع الإيذاء عنهن في الجملة، من التستر والتميز بالزي واللباس؛ حتى يبتعدن عن الأذى بقدر المستطاع.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الأحزاب:٥٩].
روي أنه لما كانت الحرائر والإماء في المدينة يخرجن ليلًا لقضاء الحاجة في الغيطان وبين النخيل بلا فارق بين الحرائر والإماء، وكان في المدينة فساق يتعرضون للإماء وربما تعرضوا للحرائر، فإذا كلموا في ذلك قالوا: حسبناهن إماء، فطلب من رسوله أن يأمر الحرائر أن يخالفن الإماء في الزي والتستر، لِيتَمايَزْنَ ويُهَبْنَ، فلا يطمع فيهن طامع، كما نهاهن عن الخضوع بالقول عند مخاطبة الرجال الأجانب، وأمرهن بملازمة البيوت، ونهاهن عن التبرج عند الخروج من البيوت لحاجة تستدعي ذلك.
وهي تعليمات تؤدي إلى الوقاية من وقوع الفتنة، وما خالفتها النساء في مجتمع إلا فشت فيه الفاحشة.
وأرشدهن بعد ذلك إلى ملازمة القول المعروف عند مخاطبة الرجال الأجانب، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبين سبحانه أن ذلك الترك لما نهى عنه، والفعل لما أمر به سبب لذهاب الرجس عنهن.
قال سبحانه: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأحزاب:٣٢- ٣٣]58.
إن على المسلمة إذا خرجت من بيتها لحاجة أن تسدل عليها ملابسها، بحيث تغطي الجسم والرأس، ولا تبدى شيئًا من مواضع الفتنة كالرأس والصدر والذراعين ونحوها.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأحزاب:٥٩] أي: ذلك التستر أقرب لمعرفتهن بالعفة فلا يتعرض لهن، ولا يلقين مكروها من أهل الريبة؛ احترامًا لهن منهم، فإن المتبرجة مطموع فيها، منظور إليها نظرة سخرية واستهزاء، كما هو مشاهد في كل عصر ومصر، ولا سيما في هذا العصر الذي انتشرت فيه الخلاعة، وكثر الفسق والفجور59.
ثالثًا: عاقبته:
لقد حذر الله تعالى مرضى الشهوات بخطورة هذا المرض عليهم وعلى المجتمع الذي يعيشون فيه، وأنذر فئات المنافقين ومرضى القلوب والمرجفين في المدينة بأنهم إذا لم ينتهوا عما يبثونه من وساوس ودسائس ويوقعونه من أذى وقلاقل، فإن الله يغري نبيه بهم ويسلطه عليهم ويقدره على طردهم من المدينة مدموغين بدمغة اللعنة مهدوري الدم؛ ليقتلوا قتلا ذريعا بدون هوادة واستثناء وتساهل أينما وجدوا، وهذه هي سنة الله فيمن مضى من أمثالهم من الأمم وهي السنة التي لا تتبدل في حال.
قال تعالى:(ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الأحزاب:٦٠-٦٢].
فهؤلاء المنكوسين مطرودين من باب الله ومن باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومطرودين من أبواب المسلمين، تلاحقهم المذلة في كل مكان جزاء على حرصهم القبيح وحقدهم الدفين ونواياهم الخبيثة في زعزعة المجتمع المسلم وبث روح الانهزام فيه، وهذه هي السنة الجارية على مثل هؤلاء بلا رحمة ولا هوادة ولا تغيير ولا تبديل؛ لابتنائها على الحكمة والمصلحة، ولا يقدر غيره على تغييرها60.
وقوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأحزاب:٦٠].
فكل وصف من هذه الأوصاف خطر على المجتمع الإسلامي، سواء إبطان الكفر، أو الفسوق والعصيان، وتتبع النساء للاطلاع على عوراتهن والإساءة لهن بالقول القبيح والفعل الشنيع، أو إشاعة الأكاذيب المغرضة التي تنشر القلق والخوف والاضطراب، وتضعف من معنويات الجماعة، مما يسهل هزيمتهم، وانتصار الأعداء عليهم61.
تحدث القرآن الكريم عن الأمراض البدنية في النقاط الآتية:
أولًا: ابتلاء:
أخبر الله تعالى عباده المؤمنين أنه مبتليهم ومختبرهم بشيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس؛ ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة:١٥٥].
بينت الآية أن الدنيا دار بلاء؛ ليعلم المسلمين أن تمام النعمة ومنزلة الكرامة عند الله لا يحول بينهم وبين لحاق المصائب الدنيوية المرتبطة بأسبابها، وأن تلك المصائب مظهر لثباتهم على الإيمان، ومحبة الله تعالى والتسليم لقضائه، فينالون بذلك بهجة نفوسهم بما أصابهم في مرضاة الله ويزدادون به رفعة وزكاء، ويزدادون يقينًا بأن اتباعهم لهذا الدين لم يكن لنوال حظوظ في الدنيا، ويَنْجَرُّ لهم من ذلك ثواب؛ ولذلك جاء بعده (ﭫ ﭬ) فمن صبر فله الثواب ومن جزع فله العقاب، ومن أنواع الابتلاء والاختبار (ﭣ) وهو الخوف الذي أصابهم يوم الخندق، حتى بلغت القلوب الحناجر (ﭤ)وهو القحط الذي أصابهم، فكان يمضي على أحدهم أيامًا لا يجد طعامًا (ﭥ ﭦ ﭧ) يعني: ذهاب أموالهم، ويقال: موت الماشية (ﭨ) يعني: الموت والقتل والأمراض في البدن، (ﭩ)، يعني الجوائح، وأن لا تخرج الثمرة كما كانت تخرج، ثم ختم الآية بتبشير الصابرين؛ ليدل على أن من صبر على هذه المصائب كان على وعد الثواب من الله تعالى62.
قال الخازن: «فإن قلت: ما الحكمة في تقديم تعريف هذا الابتلاء في قوله تعالى: (ﭠ)؟ قلت: فيه حكم:
منها: أن العبد إذا علم أنه مبتلى بشيء وطن نفسه على الصبر، فإذا نزل به ذلك البلاء لم يجزع.
ومنها: أن الكفار إذا شاهدوا المؤمنين مقيمين على دينهم، ثابتين عند نزول البلاء، صابرين له، علموا بذلك صحة الدين، فيدعوهم ذلك إلى متابعته والدخول فيه.
ومنها: أن الله تعالى أخبر بهذا الابتلاء قبل وقوعه، فإذا وقع كان ذلك إخبارًا عن غيب فيكون معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن المنافقين إنما أظهروا الإيمان طمعًا في المال وسعة الرزق من الغنائم، فلما أخبر الله أنه مبتلى عباده فعند ذلك تميز المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب.
ومنها: أن الإنسان في حال الابتلاء أشد إخلاصا لله منه في حال الرخاء، فإذا علم أنه مبتلى دام على التضرع والابتهال إلى الله تعالى؛ لينجيه مما عسى أن ينزل به من البلاء»63.
وقال سيد قطب: «ولا بد من تربية النفوس بالبلاء؛ ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد، وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، لا بد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة؛ كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف، والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى.
فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين، وكلما تألموا في سبيلها، وكلما بذلوا من أجلها كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها، كذلك لن يدرك الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها، إنهم عندئذ سيقولون في أنفسهم: لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيرًا مما يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء، ولا صبروا عليه، وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها، مقدرين لها، مندفعين إليها، وعندئذ يجيء نصر الله والفتح ويدخل الناس في دين الله أفواجًا.
ولا بد من البلاء كذلك؛ ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى، فالشدائد تستجيش مكنون القوى، ومذخور الطاقة، وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد، والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش عن العيون، والران عن القلوب.
وأهم من هذا كله، أو القاعدة لهذا كله، الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأَسْنَادُ كلها، وتتوارى الأوهام وهي شتى، ويخلو القلب إلى الله وحده، لا يجد سندًا إلا سنده، وفي هذه اللحظة فقط تنجلي الغشاوات، وتتفتح البصيرة، وينجلي الأفق على مد البصر، لا شيء إلا الله، لا قوة إلا قوته، لا حول إلا حوله، لا إرادة إلا إرادته، لا ملجأ إلا إليه، وعندئذ تلتقي الروح بالحقيقة الواحدة التي يقوم عليها تصور صحيح»64.
ثانيًا: التخفيف والتيسير في الأحكام الشرعية:
ذكر القرآن الكريم أن الأمراض البدنية سبب من أسباب التخفيف والتيسير في الأحكام الشرعية.
قال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [البقرة:١٨٤]، وقال سبحانه: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [البقرة:١٩٦]، وقوله جل وعلا: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [النساء:٤٣].
بينت الآيات أن الفطر مباح للمريض؛ لعذر المرض، والمسافر؛ طلبا لحفظ صحته وقوته؛ لئلا يذهبه الصوم في السفر، لاجتماع شدة الحركة وما يوجبه من التحليل وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل، فتخور القوة وتضعف، فأباح للمسافر الفطر حفظا لصحته وقوته عما يضعفها، وللمريض حالتان: إن كان لا يطيق الصوم كان الإفطار عزيمة، وإن كان يطيقه مع تضرر ومشقة كان رخصة، وبهذا قال الجمهور، وأباح للمريض ومن به أذى من رأسه من قمل أو حكة أو غيرهما، أن يحلق رأسه في الإحرام65.
والسفر المبيح للإفطار عند الجمهور: هو مسافة قصر الصلاة الرباعية، وقدره ستة عشر فرسخًا أو ثمانية وأربعون ميلًا هاشمية، أو مسيرة يومين معتدلين أو مرحلتين بسير الأثقال ودبيب الأقدام، والبحر كالبر، وقدروها بحوالي (٨٩) كم، وعند الحنفية: هو قدر ثلاث مراحل أو أربع وعشرين فرسخًا، أو مسيرة ثلاثة أيام سيرًا وسطًا، وهو سير الإبل، والأقدام في البر، وسير السفن الشراعية في البحر، ويكتفون بسير معظم اليوم، وقدروه ب (٩٦) كم.
والحق أن ما صدق عليه مسمى السفر فهو الذي يباح عنده الفطر، وهكذا ما صدق عليه مسمى المرض فهو الذي يباح عنده الإفطار، وقد وقع الإجماع على الفطر في سفر الطاعة واختلفوا في الأسفار المباحة- والحق أن الرخصة ثابتة فيها- وكذا اختلفوا في سفر المعصية وليس في الآية أعني قوله: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) ما يدل على وجوب التتابع في القضاء66.
وقوله سبحانه: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) المراد مرض يقتضي الحلق سواء كان المرض بالجسد أم بالرأس، وقوله جل وعلا: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) كناية عن الوسخ الشديد والقمل؛ لكراهية التصريح بالقمل، وكلمة (من) للابتداء، أي: أذى ناشئ عن رأسه، وقد بينت السنة ما أطلق هنا من الصيام والصدقة والنسك.
فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: (كان بي أذى من رأسي، فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: (ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ منك ما أرى، أتجد شاة) ؟ قلت: لا. فنزلت الآية: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ) قال: (هو صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين نصف صاع طعامًا لكل مسكين)6768.
سيشتمل هذا العنوان على حكمة إسناد الشفاء إلى الله تعالى، وأدوية قرآنية، وذلك خلال ما يلي:
أولًا: حكمة إسناد الشفاء إلى الله تعالى:
أسند الشفاء إلى الله تعالى في قوله سبحانه: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الشعراء:٨٠] لسببين هما:
الأول: لو جاء والذي يطعمني ويسقين، وإذا مرضت يشفين؛ لكان معلومًا أن مراده الله تعالى، وذكر «هو» توكيدًا لمعنى الكلام، وتخصيص الفعل به دون غيره، واحتاج ذكر الإطعام والشفاء إلى هذا التوكيد؛ لأنهما مما يدعي الخلق فعله، فيقال: فلان يطعم فلانًا، والطبيب يداوي، ويسبب الشفاء، فكانت إضافة هذين الفعلين إلى الله تعالى محتاجة إلى لفظ التوكيد؛ لما يتوهم من إضافته إلى المخلوق إلى ما لا يحتاج إليه69.
الثاني: لأنه كان في معرض الثناء على الله تعالى وتعديد نعمه، فأضاف إليه الخير المحض حفظًا للأدب وإن كان الكل مضافً إليه، ونظيره قول الخضر عليه الصلاة والسلام: (ﮚ ﮛ ﮜ) [الكهف:٧٩] وقوله: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الكهف:٨٢]70.
ثانيًا: أدوية قرآنية:
إن القرآن الكريم شفاء ورحمة.
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الإسراء:٨٢].
أي: يستشفى به من الجهل والضلالة، ويذهب ما في القلوب من الأمراض من الشك والنفاق والشرك والزيغ والميل، فالقرآن يشفي من ذلك كله، وهو أيضًا رحمة يحصل فيها الإيمان، والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه، فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة، وأما الكافر الظالم نفسه بذلك فلا يزيده سماعه القرآن إلا بعدًا وكفرًا، والآفة من الكافر لا من القرآن، والشفاء: أن تعالج داءً موجودًا لتبرأ منه، والرحمة: أن تتخذ من أسباب الوقاية ما يضمن لك عدم معاودة المرض مرة أخرى، فالرحمة وقاية، والشفاء علاج، وما دام القرآن كذلك فمن عمل بمنهجه فإنه يقيه كل أمراض النفاق والشبهات والأهواء التي تصيب القلوب، وفيه الثواب العظيم من الله تعالى، الثواب الخالد في نعيم دائم71.
وقوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) لأنهم كلما سمعوا آية منه ازدادوا بعدًا عن الإيمان وازدادوا كفرا بالله؛ لأنه قد طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون، كما قال سبحانه: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [فصلت:٤٤].
وقال جل وعلا: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [يونس:٥٧].
أي: دواء للقلوب من أمراضها التي هي أشد من أمراض الأبدان، كالشك والنفاق والحسد والحقد وأمثال ذلك، بتعليم الحقائق والحكم الموجبة لليقين، والتصفية والتهيء لتجليات الصفات الحقة (ﮍ) لأرواحكم إلى الشهود الذاتي (ﮎ) بإفاضة الكمالات اللائقة بكل مقام من المقامات الثلاثة بعد حصول الاستعداد في مقام النفس بالموعظة، ومقام القلب بالتصفية، ومقام الروح بالهداية للمؤمنين بالتصديق أولًا، ثم باليقين ثانيًا، ثم بالعيان ثالثًا.
وذكر بعضهم الموعظة للمريدين، والشفاء للمحبين، والهدى للعارفين، والرحمة للمستأنسين، والكل مؤمنون إلا أن مراتب الإيمان متفاوتة، والخطاب في الآية لهم، وفيها إقامة الظاهر مقام المضمر، ويقال: إنه سبحانه بدأ بالموعظة لمريض حبه؛ لأنها معجون لإسهال شهواته، فإذا تطهر عن ذلك يسقيه شراب ألطافه، فيكون ذلك شفاء له مما به، فإذا شفي يغذيه بهدايته إلى نفسه، فإذا كمل بصحبته يطهره بمياه رحمته من وسخ المرض ودرن الامتحان.
ووصف الله تعالى القرآن بأنه شفاء ولم يصفه بأنه دواء؛ لأن الشفاء هو ثمرة الدواء والهدف منه، أما الدواء فقد يفيد وقد يضر فكان وصف القرآن بأنه شفاء تأكيد، وأي تأكيد لثمرة التداوي به72.
وجاء من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها)73.
قال سيد قطب عند تفسير قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الإسراء:٨٢].
«وفي القرآن شفاء، وفي القرآن رحمة، لمن خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان، فأشرقت وتفتحت لتلقي ما في القرآن من روح وطمأنينة وأمان، في القرآن شفاء من الوسوسة والقلق والحيرة، فهو يصل القلب بالله، فيسكن ويطمئن ويستشعر الحماية والأمن ويرضى، فيستروح الرضا من الله والرضا عن الحياة، والقلق مرض، والحيرة نصب، والوسوسة داء، ومن ثم هو رحمة للمؤمنين.
وفي القرآن شفاء من الهوى والدنس والطمع والحسد ونزغات الشيطان، وهي من آفات القلب تصيبه بالمرض والضعف والتعب، وتدفع به إلى التحطم والبلى والانهيار، ومن ثم هو رحمة للمؤمنين.
وفي القرآن شفاء من الاتجاهات المختلة في الشعور والتفكير، فهو يعصم العقل من الشطط، ويطلق له الحرية في مجالاته المثمرة، ويكفه عن إنفاق طاقته فيما لا يجدي، ويأخذه بمنهج سليم مضبوط، يجعل نشاطه منتجًا ومأمونًا، ويعصمه من الشطط والزلل.
وكذلك هو في عالم الجسد ينفق طاقاته في اعتدال بلا كبت ولا شطط، فيحفظه سليمًا معافى، ويدخر طاقاته للإنتاج المثمر، ومن ثم هو رحمة للمؤمنين، وفي القرآن شفاء من العلل الاجتماعية التي تخلخل بناء الجماعات، وتذهب بسلامتها وأمنها وطمأنينتها، فتعيش الجماعة في ظل نظامه الاجتماعي وعدالته الشاملة في سلامة وأمن وطمأنينة، ومن ثم هو رحمة للمؤمنين74.
ذكر القرآن الكريم الدواء في العسل، قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [النحل:٦٨- ٦٩].
بينت الآية أن العسل فيه شفاء للناس؛ لأنه من جملة الأشفية والأدوية المشهورة النافعة، وقل معجون من المعاجين لم يذكر الأطباء فيه العسل، وليس الغرض أنه شفاء لكل مريض، كما أن كل دواء كذلك، وتنكيره إما لتعظيم الشفاء الذي فيه، أو لأن فيه بعض الشفاء، وكلاهما محتمل.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: (اسقه عسلًا) ثم أتى الثانية، فقال: (اسقه عسلًا) ثم أتاه الثالثة فقال: (اسقه عسلًا) ثم أتاه فقال: قد فعلت؟ فقال: (صدق الله، وكذب بطن أخيك، اسقه عسلًا) فسقاه فبرأ75 76.
لم يقتصر سوء خلق المنافقين على أنفسهم وتكوينهم القبيح، وإنما تعدى ضررهم وقبح أخلاقهم إلى المجتمع، بقصد هدم بنيته وتقويض وجوده من طريق ترويج الرذيلة والمنكر، ومحاربة الفضيلة والمعروف.
قال الله تعالى مبينًا تحركات المنافقين في هدم القيم الإنسانية: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [التوبة:٦٧- ٦٩].
ومطلع الآيات إخبار وحكم من الله تعالى بأن المنافقين والمنافقات بعضهم يشبه بعضًا في الحكم والمنزلة من الكفر، وفي صفة النفاق والبعد عن الإيمان، وفي الأخلاق والأعمال، فهم سلالة خبيثة يأمرون بهدم قيم المجتمع، يأمرون الناس بالمنكر: وهو ما أنكره الشرع ونهى عنه، واستقبحه العقل السليم والعرف الصحيح، كالكذب والخيانة ونقض العهد وخلف الوعد.
وينهون الناس عن المعروف: وهو كل ما أمر به الشرع وأقره العقل والطبع السليمان كالجهاد وبذل المال في سبيل الله، وأهل النفاق أيضا قوم بخلاء، يقبضون أيديهم عن الإنفاق لمصلحة عامة أو عن الجهاد، وعن كل ما يرضي الله، ونسوا ذكر الله، وأغفلوا تكاليف الشرع، مما أمر الله به ونهى عنه، فنسيهم الله، أي: جازاهم بمثل فعلهم، وعاملهم معاملة المنسيين، بحرمانهم من لطفه ورحمته، والنفاق أقتل داء يصيب المجتمع الإنساني، فإذا تفشى هذا الداء الخبيث في جماعة من الجماعات فسد وجودها، وضل سعيها، وغشيتها أمواج الفتن، واشتملت عليها عواصف العداوة والبغضاء!
وماذا يرجى من جماعة تتعامل فيما بينها بالرياء والنفاق، فيضيع في محيطها المفهوم الحقيقي للغة، وتصبح الكلمات لديها عملة زائفة، يتداولها الناس كما يتداولون الأشياء المسروقة؟
وواجب الفرد المسلم تجاه كل هذا أن يتحمل مسؤوليته بالعمل على إصلاح المجتمع، وإزالة الفساد منه على قدر طاقته ووسعه مصداقًا لقوله سبحانه: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [التوبة:٧١-٧٢].
المؤمنون نقيض المنافقين يأمرون بالمعروف الذي أقره الشرع، وهو عبادة الله وتوحيده وتوابع ذلك، لا بالمنكر الذي نهى عنه الشرع، وينهون عن المنكر الذي يفسد ويضر، ويمزق ويفرق بين الأخ وأخيه، وهو عبادة الأوثان وتوابعها، ويقيمون الصلوات الخمس المفروضة على الوجه الأكمل بقلوب خاشعة، وعقول واعية، وأفئدة ذاكرة، ويؤتون الزكاة الواجبة مع التطوع بالصدقات والنوافل لتحسين أوضاع المجتمع وترقية أحواله، ويطيعون الله ورسوله في جميع المأمورات والمندوبات.
أولئك الموصوفون بهذه الصفات الجليلة، ستغمرهم رحمة الله وفضله في الدنيا والآخرة، والتعبير بالسين في قوله تعالى: (ﮥ ﮦ)، إعداد النفوس للتهيؤ والتنعم برجاء الله والثقة بوعده وفضله، ووعد الله ناجز، والله متكفل بإنجازه، والله قوي لا يغلب، ولا يمتنع عليه شيء من وعد ولا وعيد، حكيم يضع الأمور في موضعها المناسب على وفق العدل والحكمة والصواب77.
إن المنافقين قوم برزوا في إظهار مرض القلب الذي ينشأ عنه كل إثم وفسوق وعصيان، وخاصة تتبع النساء والتعرض لهن بالسوء، وإغرائهن على الفاحشة، وفيهم قوم برزوا في الإرجاف وإذاعة السوء، وإذاعة الأكاذيب التي تفت في عضد الجماعة، وتقتل فيهم روح الإقدام، وكانوا ينتهزون فرص الحرب والقتال، فيذيعون كل ضار ومفسد78.
وقوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأحزاب:٦٠].
فكل وصف من هذه الأوصاف خطر على المجتمع الإسلامي، سواء إبطان الكفر، أو الفسوق والعصيان وتتبع النساء للاطلاع على عوراتهن، والإساءة لهن بالقول القبيح والفعل الشنيع، أو إشاعة الأكاذيب المغرضة التي تنشر القلق والخوف والاضطراب، وتضعف من معنويات الجماعة، مما يسهل هزيمتهم، وانتصار الأعداء عليهم79.
ويلاحظ أيضًا أن الأوصاف الثلاثة: وهي النفاق، ومرض القلب، والإرجاف موجودة كلها في المنافقين، وهم خطر على الأمة في عقيدتها، وفي سلمها وحربها، فهم كالسوس ينخر في جسم الأمة، وهم في السلم جرثومة فتك وأداة تخريب وتفريق، وفي الحرب أداة إضعاف وإشاعة السوء، وزعزعة المقاتلين، وهم في الواقع عون للأعداء على المسلمين، مما يجب التخلص منهم، وعقابهم أشد العقاب.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [النساء ١٤٥]80.
موضوعات ذات صلة: |
الضعف، النفاق، الوهن |
1 انظر: الصحاح، الجوهري ٣/١١٠٦، لسان العرب، ابن منظور ٧/٢٣٢، تاج العروس، الزبيدي ١٩/٥٣.
2 مقاييس اللغة ٥/٣١١.
3 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٧٦٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٤/٤٩٣.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٦٦٤، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الميم ص١٢٠٩.
5 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٤١٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٤/٤٩٢-٤٩٣، نزهة الأعين النواظر، ص٥٤٥-٥٤٦، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٤/٨٤-٨٥.
6 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٥/٣٩، تاج العروس، الزبيدي ٣٩/١٠.
7 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٢٣٨.
8 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية ٣٠/١٧.
9 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص ٣٣٢، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، الفيومي ٢/٦٤٦.
10 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٣٣٤، تاج العروس، الزبيدي ١/٤٧٨.
11 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٦/٥٢٨، معجم لغة الفقهاء، رواس ص ٢٧١.
12 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ١٣٢، مقاليد العلوم، السيوطي ص ١٧٥.
13 انظر: تاج العروس، الزبيدي ١٩/٥٤.
14 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٥/٧٢، تاج العروس، الزبيدي ٣٩/٧٣.
15 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٦١٢.
16 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص ١٠٩.
17 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص ١٦٧، لسان العرب، ابن منظور ١٤/٤٣٦، تاج العروس، الزبيدي ٣٨/٣٨٢.
18 انظر: المفردات، الراغب ص ٤٥٩، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٣٣٠، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٢٠٥.
19 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٩٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/١٩٧، إيجاز البيان عن معاني القرآن، النيسابوري ١/٣٩٥.
20 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٩/٥٢.
21 انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ابن القيم ١/١٤، القواعد الحسان لتفسير القرآن، السعدي ص ٩٤.
22 انظر: المعجزة الكبرى القرآن، أبو زهرة ص ١٩٠.
23 انظر: التفسير الواضح، محمد حجازي ٣/١١٨.
24 انظر: تفسير العز بن عبد السلام ٢/٥٧٣، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٦٣.
25 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٦٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٦٣، بيان المعاني، العاني ٥/٤٧٤.
26 أخرجه البخاري معلقا، كتاب التيمم، باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت، أو خاف العطش، تيمم، ١/٧٧، ووصله عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه، رقم ٨٧٨، ١/٢٢٦، وأحمد في مسنده، رقم ١٧٨١٢، ٢٩/٣٤٦.
قال الزيلعي في نصب الراية ١/١٥٧: والحاصل أن الحديث حسن أو صحيح.
وصححه الألباني في صحيح أبي داود، الأم ٢/١٥٤.
27 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٨٨، تفسير المراغي ٦/٦٤.
28 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣١٣، نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، صديق خان ص ١٧٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٨٠، التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٣/٨٠٠، تفسير آيات الأحكام، السايس ص ٢٩٣.
29 انظر: تفسير ابن عرفة ٢/٥٣٤، محاسن التأويل، القاسمي ٥/٤٣.
30 انظر: زاد المعاد، ابن القيم ٤/٦، محاسن التأويل، القاسمي٥ /٤٣.
31 انظر: تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة ص ١٩٩، أحكام القرآن، الجصاص ٣/٤٣٢، تفسير آيات الأحكام، السايس ص ٦١٦.
32 المعجزة الكبرى القرآن ص ٣٢٨.
33 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٣٧٥، محاسن التأويل، القاسمي ٤/١٦٣، المنار، محمد رشيد رضا ٦/٣٥٦.
34 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٣٧٥، محاسن التأويل، القاسمي ٤/١٦٣، المنار، محمد رشيد رضا ٦/٣٥٦.
35 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٤/١٣.
36 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٥/٤٩٣، لباب التأويل، الخازن ٢/٣١٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٣٨.
37 في ظلال القرآن ٣/١٥٣٢.
38 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٧/٢٥٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/٢٩٨.
39 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٧٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٧١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٢٦٨، روح المعاني، الألوسي ٩/٣٨٧.
40 انظر: تفسير المراغي ١٨/١٢٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٢٦٨، ٢٧٢، روح المعاني، الألوسي ٩/٣٨٧.
41 في ظلال القرآن ٤/٢٥٢٥.
42 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٨٨، تفسير المراغي ٢١/١٤١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٢٨٣.
43 في ظلال القرآن ٥/٢٨٣٨.
44 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٧٣، تفسير السمعاني ٤/٣٠٧، الكشاف، الزمخشري ٣/٥٦١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/١٠٨، تفسير الشعراوي ١٩/١٢١٧٣.
45 انظر: التفسير الحديث، محمد عزت ٧/٤٢٠.
46 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/٣٠١، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/١١٧، تفسير المراغي ٢٦/٦٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/١٠٦.
47 في ظلال القرآن ٦/٣٢٩٦.
48 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٦٥٢، مدارك التنزيل، النسفي ٣/٥٦٦، بيان المعاني، العاني ١/١١٠، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ابن القيم ١/١٤.
49 انظر: تفسير المراغي ١٥/٨٦، تفسير الشعراوي ٦/٣٦٥٥.
50 انظر: روح المعاني، الألوسي ١/١٥١.
51 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٢٧٩.
52 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٩٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/١٩٧، فتح القدير، الشوكاني ١/٤٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٢٧٩.
53 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/١١٠، تفسير الشعراوي ١٩/١٢١٧٧.
54 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/١١٠، تفسير الشعراوي ١٩/١٢١٧٧، التفسير الحديث، محمد عزت ٧/٤٢١.
55 انظر: القواعد الحسان لتفسير القرآن، السعدي ص٩٥.
56 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٦٩، بيان المعاني، العاني ٥/٤٧٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٦٣.
57 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٨/٦٤، النكت والعيون، الماوردي ٤/٤٢٤.
58 انظر: روح المعاني، الألوسي ١١/٢٦٣، تفسير آيات الأحكام، السايس ص ٦٦٧.
59 انظر: تفسير المراغي ٢٢/٣٧.
60 انظر: تفسير المراغي ٢٢/٣٨، التفسير الحديث، محمد عزت ٧/٤٢٠.
61 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٢/١١٢.
62 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٢١٩، تفسير السمرقندي ١/١٠٥، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١/٥١٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٥٤.
63 لباب التأويل ١/٩٤.
64 في ظلال القرآن ١/١٤٥.
65 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/٢٠٧، محاسن التأويل، القاسمي ٥/٤٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٢٢٤، أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٣٩، الإعجاز البياني للقرآن، بنت الشاطئ ص ٥٧٨.
66 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/٢٠٧، نيل المرام، محمد صديق ص ٣٣، التفسير المنير، الزحيلي ٢/١٣٦.
67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب الإطعام في الفدية نصف صاع، رقم ١٨١٦، ٣/١٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها، رقم ١٢٠١، ٢/٨٦١.
68 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٩٨، فتح القدير، الشوكاني ١/٢٠٧، محاسن التأويل، القاسمي ٥/٤٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٢٢٤، أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٣٩، الإعجاز البياني للقرآن، بنت الشاطئ ص ٥٧٨.
69 انظر: درة التنزيل وغرة التأويل، الخطيب الإسكافي ١/٩٦٧، أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل، الرازي ص ٣٧٣، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ١/٣٤٧، بدائع الفوائد، ابن القيم ٢/٢١٥، الزواجر عن اقتراف الكبائر، ابن حجر ١/١٧٨.
70 انظر: المصادر السابقة.
71 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١١٢، تفسير المراغي ١٥/٨٦، تفسير الشعراوي ١٤/٨٧١٢.
72 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١١٢، تفسير المراغي ١٥/٨٦، تفسير الشعراوي ١٤/٨٧١٢، روح المعاني، الألوسي ٦/١٦٥، دراسات في علوم القرآن، فهد الرومي ص ٥٩.
73 أخرجه البخاري رقم ٥٠١٦، ٦/١٩٠ كتاب فضائل القرآن، باب فضل المعوذات، ومسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب رقية المريض بالمعوذات والنفث، رقم ٢١٩٢، ٤/١٧٢٣.
74 في ظلال القرآن ٤/٢٢٤٨.
75 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب الدواء بالعسل، رقم ٥٦٨٤، ٧/١٢٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب التداوي بسقي العسل، رقم ٢٢١٧، ٤/١٧٣٦.
76 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٦١٩، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٢٢٢.
77 انظر: التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٣/٩٣٢، التفسير الوسيط، الزحيلي ١/٨٨٤، ٨٨٧.
78 انظر: التفسير الواضح، محمد حجازي ٣/١١٨.
79 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٢/١١٢.
80 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي ٣/٢٠٨٨.