المجتمع
أولًا: المعنى اللغوي:
لفظة المجتمع مشتقة من الفعل: جمع، قال ابن فارس: «الجيم والميم والعين أصلٌ واحد يدل على تضام الشيء»1.
والجمع بمعنى: ضم الشيء بعضه لبعض بعد تفرقة، يقال: جمع الشيء يجمعه جمعًا، وجمعه وأجمعه فاجتمع وتجمع واستجمع، ومن ذلك: المجموع، وهو الذي جمع من هاهنا وهاهنا، وإن لم يجعل كالشيء الواحد، واستجمع السيل: اجتمع من كل موضع، وتجمع القوم: اجتمعوا من هاهنا وهاهنا، والجماع: أخلاطٌ من الناس، وقيل: هم الضروب المتفرقون من الناس2.
وجماع الناس: أخلاطهم من قبائل شتى، ومن كل شيءٍ، وكل ما تجمع وانضم بعضه إلى بعضٍ يقال له: جماعٌ 3.
والمجتمع: «موضع الاجتماع، والجماعة من الناس»4.
ثانيًا: المجتمع في الاصطلاح:
وضع العلماء المختصون بعلم الاجتماع عدة تعريفات للمجتمع، وكلها تعريفات متشابهة ومتقاربة، من هذه التعريفات تعريف المجتمع بأنه: «كل مجموعة أفراد تربطهم رابطةٌ ما، معروفةٌ لديهم، ولها أثرٌ دائمٌ أو مؤقتٌ في حياتهم، وفي علاقاتهم مع بعض» 5.
ويعرف المجتمع المسلم بأنه: «خلائق مسلمون في أرضهم مستقرون، تجمعهم رابطة الإسلام، وتدار أمورهم في ضوء تشريعاتٍ إسلامية وأحكام، ويرعى شؤونهم ولاة أمر منهم وحكام»6.
القرية:
القرية لغة:
هي البلد المسكون؛ مأخوذة، من القري، وهو التجمع، وسميت البلاد المسكونة قرية؛ لتجمع الناس بها7.
القرية اصطلاحًا:
لا يختلف المعنى الاصطلاحي للقرية عن المعنى اللغوي؛ إذ القرية في الاصطلاح «اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس»8، وهي مكونة من المساكن والأبنية والضياع، وقد تطلق القرية على المدن 9.
الفرق بين القرية والمجتمع:
من خلال التأمل في تعريف القرية وتعريف المجتمع نلاحظ أن الكلمتين قريبتان في المعنى والمدلول؛ حيث إن كلتيهما تدل على مجموعة الناس المجتمعين في مكان واحد، وتجمعهم روابط مشتركة ولكن لفظ المجتمع يستعمل للدلالة على الناس المقيمين في مكان معين، أما لفظ القرية فيغلب استعماله للدلالة على المكان الذي يجتمع فيه الناس.
القبيلة:
القبيلة لغة:
يطلق لفظ القبيلة على الجماعة من الناس الذين ينتسبون إلى أبٍ واحدٍ أو جدٍّ واحدٍ10.
القبيلة اصطلاحًا:
لا يختلف عن المعنى اللغوي؛ إذ هي «الجماعة المجتمعة من الناس التي يقبل بعضها على بعض»11.
الفرق بين القبيلة والمجتمع:
من خلال التعريفات السابقة لكلٍ من القبيلة والمجتمع نلحظ أن اللفظين قريبان جدًا في المعنى الذي يدل عليه كل منهما؛ فكلاهما يدل على مجموعة الناس الذين بينهم روابط مشتركة، إلا أن لفظ القبيلة يغلب استعماله على من كان بينهم رابطة النسب، وكانوا منسوبين لرجلٍ واحدٍ، أما لفظ المجتمع فإنه يدل على مجموعة الناس الذين بينهم روابط معينة؛ قد تكون روابط نسب، وقد تكون روابط الدين والملة، وقد تكون روابط أخرى، وبذلك فلفظ المجتمع أعم من لفظ القبيلة وأشمل منه.
الشعب:
الشعب لغة:
يطلق لفظ الشعب على القبيلة العظيمة، أو الحي العظيم الذي يتشعب من القبيلة، وقيل: هو القبيلة نفسها. والجمع: شعوبٌ12، وذكر بعض اللغويين أن الشعب هو الجماعة الكبيرة التي ترجع لأبٍ واحدٍ، وتخضع لنظام اجتماعي واحد، وتتكلم لسانًا واحدًا، وهو أوسع من القبيلة13.
الشعب اصطلاحًا:
لا يختلف التعريف الاصطلاحي للشعب عن التعريف اللغوي له؛ إذ الشعب في الاصطلاح: «القبيلة المتشعبة من حيٍ واحدٍ»14.
الفرق بين الشعب والمجتمع:
نلاحظ أن الفرق بين الشعب والمجتمع هو نفس الفرق بين القبيلة والمجتمع؛ وذلك لأن لفظ الشعب يدل على القبيلة الكبيرة، وهم جماعة الناس الذين يربطهم نسبهم لأبٍ واحدٍ، أو جدٍ واحدٍ؛ وعلى ذلك فلفظ المجتمع أعم من لفظ الشعب.
فالمجتمع والقبيلة والشعب ألفاظٌ مترادفةٌ، إلا أن لفظ المجتمع أعم من اللفظين الآخرين، وأوسع دلالةً منهما؛ إذ الناس في القبيلة الواحدة أو في الشعب الواحد يغلب أن يكون الرابط بينهم رابط نسب وقرابة، أما الناس في المجتمع الواحد فقد يكون الرابط بينهم رابط نسب وقرابة، وقد يكون رابط دين وملة، أو يكون رابطًا سياسيًا أو قوميًا أو غير ذلك.
أما القرية فيغلب استعماله للدلالة على المكان الذي يجتمع فيه الناس.
١. مجتمعٌ متميزٌ.
المجتمع المسلم مجتمعٌ متميزٌ؛ لأنه قام على شريعة ربانية نشأ وتدرج عليها، فكانت هي الحاكمة والراعية له منذ أن قام، بل مهدت لقيامه قبل أن يقوم، شريعةٌ أوجدت مجتمعًا، وليس مجتمعا شكل قوانين أو دساتير وفق الأحداث أو استجابة لطائفة أو تحت ضغوط من جهة أو تحقيقًا لمصالح طبقة معينة، أو لتلبية حاجات موقوتة، بل جاءت الشريعة بالخير للجميع والعدل للجميع والمصلحة للجميع، في ظل هذه الشريعة قام المجتمع المسلم وتطور، وعلى ضوئها يتجدد وفق أصول ثابتة وفروع متنوعة واجتهادات متجددة، تحافظ على طابع هذا المجتمع وهويته الإسلامية.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران: ١١٠].
فالخاصية الرئيسة التي تفرد بها المجتمع المسلم عن سائر المجتمعات أنه مجتمعٌ رباني برز إلى الوجود، والتعبير بقوله: (ﭡ) يدل دلالةً واضحةً على حقيقة نشأة هذه الأمة، وحقيقة النظام الذي يقوم عليه وجودها، «فهي أمة مخرجة إخراجًا، وفق نموذج معين، يحققه نظام معين، وهي لم تخرج نفسها وفق نموذج من تصوراتها العقلية، أو ضرورتها، إنما وضع لها نظامها من لدن خالقها، وأخرجت للناس على وفقه إخراجًا ربانيًّا»15.
وتدبر قوله تعالى: (ﭡ ﭢ) تلحظ أن خير هذه الأمة ليس حكرًا عليها وحدها، بل يجب أن يعم هذا الخير؛ لينعم به سائر الناس.
قال ابن عباس رضي الله عنه: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) قال: «خير الناس للناس»16.
٢. مجتمع بشريٌ.
المجتمع المسلم ليس مجتمعًا ملائكيًا معصومًا من الخطأ، بل هو مجتمعٌ بشريٌ واقعيٌ، فواقع المجتمع الإسلامي الذي أوجده الإسلام مع تميزه في المعالم والحضارة والشخصية إلا أنه قد لا يخلو من وجود عصاة أو بغاة أو منافقين أو أصحاب بدع وأهواء أو سراق ولصوص وقطاع طرق، ولكن العبرة بسيادة الشريعة وغلبة أهل الحق وكثرة الصالحين وتمكن الدين وهيمنته على النظم والأحكام والأعراف والتقاليد17.
والله سبحانه وتعالى الذي شرع للمجتمع المسلم ما يصونه ويرقى به هو تعالى أعلم بطبيعة النفس والمجتمع، أعلم بما يصلح البشر ويناسب بشريتهم.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [النساء: ٢٦ -٢٨].
ولقد حذر الله البشرية من عدوها الذي يتربص بها ويكيد لها ويستدرجها بحبائله ومكائده إلى الرذيلة.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النور: ٢١].
والتزكية لا يدركها الإنسان بنفسه فحسب، ولا يحصلها بسعيه المجرد، وإنما هي توفيقٌ من الله وعصمة وفضل منه ورحمة، ومن ثم فالمؤمن يستعين بربه دائمًا أن يحصنه وأن يزكيه.
٣. مجتمعٌ قائمٌ على أسس متينة.
ومن تلك الأسس:
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [التوبة: ١٠٨-١٠٩].
فالبناء إن لم يعتمد على أسس متينة وقواعد ثابتة لا يمكث طويلًا بل سرعان ما ينهار، وتقوى الله سبحانه وتعالى هي لب العقيدة الإسلامية وجوهرها، والسعي لرضوان الله هي غاية الغايات وأسمى الأمنيات، فالعقيدة هي الأساس المتين، والسراج المبين، والسياج الحصين للمجتمع المسلم، لقد نزل القرآن الكريم على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يعلم الناس العقيدة وأصول الشرائع ومكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، وينشئ الجماعة المسلمة التي ستكون نواةً لتشييد أول مجتمع إسلامي في المدينة المنورة بعد الهجرة المباركة، ثلاث عشرة سنة في إرساء قواعد بناء المجتمع المسلم، تعليم الصحابة معنى لا إله إلا الله، لا رب غيره ولا معبود سواه، ولا حكم إلا له، ولا عون إلا منه، ولا حول ولا قوة إلا به، لا إله إلا الله: تحرير الإنسان من الخضوع والاستسلام لغير الله سبحانه وتعالى والاحتكام إلى غير شرعه، لا إله إلا الله: اجتماع القلب على محبة الله وتعظيمه وموالاته وطاعته، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة من يعلم المجتمع المدني الناشئ العقيدة ويقرئهم القرآن، ثم كانت الهجرة النبوية؛ لتشكيل هذا المجتمع الجديد وإخراجه وفق شرع الله.
وتوحيد الله سبحانه وتعالى ومعرفته هو النور الذي يمحو كل ظلمة، والحق الذي يفند كل شبهة، والحقيقة التي تبدد الأوهام والأساطير والخرافات، التي تستبد بكثير من الناس وتستهويهم وتطاردهم، فتنكد عيشهم وتكدر صفوهم، وتضيق معايشهم، وتثقل كاهلهم، وتسقم نفوسهم، وتحير عقولهم، وتبلبل أفكارهم، وتفرقهم شيعًا، مع انقباض الصدور ووحشة القلوب، أما عقيدة التوحيد: فإنها تجمع القلوب وتشرح الصدور، وتؤلف النفوس وتنير العقول وتشحذ الهمم، وتسمو بالأرواح وتنهض بالمجتمعات.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الطلاق: ١٠- ١١].
من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، من ظلمات الجهل والأوهام إلى نور العلم، من ظلمات الشك والحيرة إلى نور اليقين.
كل مجتمع له رسالة تجمعه ورؤية توحده، وعقيدة التوحيد هي رسالة المجتمع المسلم ورؤيته وشعاره وكلمته الجامعة، رسالة المجتمع المسلم السامية، توحيد الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة التي هي غاية خلق الإنسان، والسعي إلى إرضائه جل جلاله، ورؤيته التي ينظر بها لهذا الكون وللحياة ويمشي بها في الناس، وشعاره الذي يتمثله ويستحضره ويهتف به ويحيا له ويتوحد عليه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [البقرة: ٢٥٧].
وقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الأنعام: ١٢٢].
والإيمان يغرس بذور المراقبة، ويروي شجرة التقوى في الأفئدة، ويزرع المحبة والألفة في القلوب، ويوقد سراج المعرفة في العقول، ويقدح زناد الهمة ومشاعل التنافس إلى الخيرات في المجتمعات، وهو أقوى الروابط بين القلوب وأوثق العرى بين النفوس.
(ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [آل عمران: ١٠٣].
(ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأنفال: ٦٣].
والإيمان بأن هناك يومًا يفصل الله فيه بين المؤمن والكافر والبر والفاجر، يقتص للمظلوم من الظالم، ويحاسب الحاكم، ويسأل الراعي والمؤتمن، ويجازي المبتلى، ويكافئ الصابر والمحتسب، ويثيب المطيع ويعاقب العاصي، وينتقم من الطغاة والمجرمين، الإيمان بهذا اليوم العظيم واستذكاره مما ينير الطريق ويقوم السلوك، ويثبت الخائف ويسلي المبتلى، ويجلي الأحزان، ويهدي الحيران، ويهذب النفوس، ويداوي القلوب، ويطهر المجتمعات من الآفات، ويضبط المعاملات، ويقيم ميزان العدل، ويرسخ القيم، ويوحد الغايات.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة: ٤٥-٤٦].
فالإيمان باليوم الآخر واليقين بلقاء الله مما يحفز على الجد في العبادة والمسارعة إليها والنهوض لأدائها.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [المطففين: ١ - ٦].
فالإيمان بيوم البعث يدفع لمراقبة الله، ومحاسبة النفس، ورعاية الحقوق والوفاء بها مع أداء الواجبات.
والإيمان بالكتب والرسل: فالكتب هي الميزان والمنهاج، والشرعة والسراج، لا تستقيم الحياة ولا تقوم للمجتمعات قائمة بدون منهج رباني يقيمها، ونجوم هدًى تقودها، وأسوةٍ حسنة تتأسى بها، وسننٍ قويمٍ تترسمه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الحديد: ٢٥].
والإيمان يقتلع جذور اليأس وأسباب القلق والهموم، ويبدد المخاوف، ويذهب الأحزان، ويغرس الأمل في القلوب والمحبة والوئام بين الناس، مما يطهر المجتمع من الأحقاد والضغائن التي تفضي إلى الجرائم، ويطهر أفراده من الأمراض والعقد النفسية التي ابتليت بها المجتمعات المحرومة من الإيمان.
قال تعالى مخبرًا عن قول يعقوب عليه السلام لبنيه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [يوسف: ٨٧].
وهذا يعني أن المؤمن متفائلٌ طموحٌ مستبشرٌ مؤملٌ في روح الله.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [مريم: ٩٦].
أي: مودة في قلوب العباد.
(ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة: ٢٧٧].
وعدهم الله سبحانه وتعالى بالأمن والسعادة.
(ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [محمد: ٢].
أصلح أحوالهم وشؤونهم وأمورهم، والأمن والطمأنينة وصلاح البال من ثمرات الإيمان وعمل الصالحات.
والإيمان من أسباب الهداية والتوفيق والسداد في أمور الدنيا والدين.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [يونس: ٩].
والمجتمع المؤمن هو خير المجتمعات على الإطلاق إذا كان متمسكًا بإيمانه متوجًا له بالأعمال الصالحات، فهو الأفضل على الإطلاق، وهذا الأمر ملحوظٌ وملموسٌ؛ فالمجتمعات المؤمنة يغلب عليها الطهر والعفاف، والتكافل والتراحم والصدق والأمانة، والتنافس في الخير.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [البينة: ٧-٨].
بإيمانهم وصلاحهم بلغوا أسمى المراتب في الدارين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أتعجبون من منزلة الملائكة من الله؟ والذي نفسي بيده، لمنزلة العبد المؤمن عند الله يوم القيامة أعظم من منزلة ملكٍ، واقرؤوا إن شئتم: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)» 18.
وحياة الأنبياء والمرسلين حافلة بالمواعظ والدروس والعبر والفوائد التي يجب الوقوف عندها والاقتطاف منها في حياتنا (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [يوسف: ١١١].
وهي السياج الذي يحمي المجتمع المسلم ويقيمه وينظم شؤونه، ويعالج مشكلاته، ويقدم الحلول الحاسمة لأزماته، ويقوي روابطه، ويدعم وحدته، ويقوي دعائمه ويوثق وشائجه، والشريعة تشمل العبادات والمعاملات، العبادات: وهي محور حياة المجتمع المسلم وأساس تكوينه، ونبراس سبيله، وهي الزاد الذي يتزود به، والوقود الذي يتحرك به وينطلق به نحو المعالي ويحلق به في أجواء الفضيلة، والمنهج الذي يرقى به وينهض، به تزكو النفوس، وتتوقد القرائح، وتنبعث الهمم، هي المنظم لسلوك الإنسان، والعلاج لما قد يصيبه من خلل أو يعتريه من علل، فالصلاة مدرسةٌ وجامعةٌ ومستشفى ومنتدى ورابطة؛ فيها شفاء الأرواح، ورياضة الأبدان، وجمع القلب، وتزكية النفس.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [البقرة: ٤٥].
(ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [العنكبوت: ٤٥].
والصوم شفاء للأبدان وصفاءٌ للأرواح، وهو عبادةٌ جماعية، فيها توحيدٌ للمشاعر، وبها يعطف الغني على الفقير والكبير على الصغير، وختامها عيدٌ سعيدٌ يجدد الروابط ويقوي الصلات بين أفراد المجتمع.
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البقرة: ١٨٣-١٨٥].
والحج عبادةٌ جماعية فيها شفاء للأرواح والأبدان، واجتماعٌ على الذكر والعبادة، وتحقيق للمصالح وتحصيل للمنافع، وتزكيةٌ للنفوس، وحفزٌ للهمم، وتواصلٌ بين الأمم والشعوب، وثقافة ومعرفة، وسياحةٌ وتنميةٌ لاقتصاد الفرد والمجتمع.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ١٩٧].
(ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الحج: ٢٧-٢٨].
والزكاة طهرٌ للمال ولنفوس الأغنياء من الأنانية والشح والأثرة والجشع، ولنفوس الفقراء من الحسد والحقد والطمع.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ١٠٣].
وفيها بركةٌ ونماءٌ للمجتمع، وتنميةٌ للاقتصاد.
قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الروم: ٣٩].
والجهاد سياجٌ للمجتمع، وحمايةٌ له من المخاطر الخارجية، وتحقيقٌ لأمنه، وحمايةٌ لممتلكاته، وسببٌ للحياة الكريمة الأبية للشعوب والمجتمعات.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة: ٢١٦ ].
وقال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأنفال: ٢٤ ].
إذا دعاكم للجهاد ففيه حياةٌ للنفوس.
عن عروة بن الزبير: «إذا دعاكم لما يحييكم»، أي: «الحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل، وقواكم بها بعد الضعف، ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم»19.
من ركائز المجتمع المسلم ومن سماته تلك القيم والأخلاق والآداب، التي تكتنفه وتحيط به إحاطة السوار بالمعصم والأسوار للبستان، والفناء بالبيت، فتصونه وتزينه، وترقى به، قيم ثابتة راسخة وأخلاق طيبة، وآداب ساميةٌ كريمة، وفي القرآن الكريم آياتٌ كثيرةٌ في مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، بل وحذر القرآن من مساوئ الأخلاق وسيئ العادات، وما من خلقٍ كريمٍ إلا وفي القرآن الكريم صورٌ عمليةٌ له، وما من خلقٍ ذمه القرآن إلا وذكر نماذج له، والأنبياء -عليهم السلام- هم الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة لمكارم الأخلاق، وفي مقدمتهم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم الذي بين القرآن جميل خلقه على وجه الإجمال والتفصيل، من ذلك قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [القلم: ٤].
وقال جل جلاله: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة: ١٢٨].
وقال سبحانه: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
وقال جل وعلا عن أنبيائه: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الأنعام: ٩٠].
ولقد سجل القرآن صفحات مشرقة تحكي أخلاق الأنبياء ودعوتهم لمكارم الأخلاق، وكذلك أخلاق بعض الصالحين ووصاياهم؛ لتبقى للمجتمع نماذج يستضيء بها وأسوة يحتذى حذوها.
٤. مجتمع عادل.
من سمات المجتمع الذي يقيمه الإسلام أنه مجتمع عادل، يحقق العدالة بين جميع أفراده دون تفريق بين أحدٍ، فالعدالة سياجه وميزانه، وهي ضرورة لقيام المجتمع المسلم واستقراره، العدالة بين المسلم والمسلم، وبين المسلم وغير المسلم، العدالة بين الغني والفقير، وبين الصغير والكبير، وبين القوي والضعيف، وبين الذكر والأنثى، وبين الحاكم والمحكوم.
قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الحجرات: ٩].
فالعدالة أمر من الله، يجب أن تحكم وتسود.
قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [النساء: ٥٨].
والمؤمن إيجابيٌ يسعى للحق، نفاعٌ لنفسه ولغيره، ليس كلًّا على أحد، الأمر بالعدل ديدنه وهجيراه، ولقد فرق القرآن بين المسلم المطيع لربه الفعال النافع لمجتمعه وبين العاجز المتواني الذي يشكل عبئًا على عشيرته ومجتمعه.
قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [النحل: ٧٦].
وفي آية جامعة يأمر عز وجل بإقامة موازين العدل وبسط راحتي الإحسان، فيقول تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النحل: ٩٠].
تلك العدالة التي لا ينبغي أن يصرف عنها صارفٌ أو يحول دونها حائل، ولا يؤثر عليها تحيزٌ أو ضغطٌ من قرابة أو بعد، أو محبة أو بغض، أو مصلحة أو هوى نفس، أو تعصب لطائفة أو جماعة.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النساء: ١٣٥].
فعلى كل مؤمن أن يستشعر مسئوليته وواجبه نحو إقامة العدل ومراقبته والدعوة إليه والإذعان له والرضا به.
وقال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [المائدة: ٨].
«فهو العدل المطلق الذي لا يميل ميزانه الحب والبغض، ولا تغير قواعده المودة والشنآن، العدل الذي لا يتأثر بالقرابة بين الأفراد ولا بالتباغض بين الأقوام؛ فيتمتع به أفراد الأمة الإسلامية جميعًا، لا يفرق بينهم حسب ولا نسب ولا مال ولا جاه، كما تتمتع به الأقوام الأخرى، ولو كان بينها وبين المسلمين شنآن، وتلك قمة في العدل لا يبلغها أي قانون دولي حتى هذه اللحظة»20.
ومن أبرز أنواع العدل الذي أكده صلى الله عليه وسلم العدل في توزيع الثروات، وإتاحة الفرصة المتكافئة لأبناء الأمة الواحدة، وإعطاء العاملين ثمرة أعمالهم وجهودهم دون بخسٍ أو مماطلةٍ، فإن ذلك مما يقرب الفوارق البعيدة بين الأغنياء والفقراء، ويرفع من مستوى الفقراء، وهذا مقصدٌ من مقاصد الإسلام، سعى لتحقيقه كما في قوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ) [الحشر: ٧].
والـ (ﮛ): ما يتداوله الناس فيما بينهم من أموال، فيكون في يد هذا تارة، وفي يد ذاك تارة أخرى، ومعنى الآية: كي لا يكون الفيء دولة بين الرؤساء والأقوياء والأغنياء فيغلبوا عليه الفقراء والضعفاء، فشرع الله ذلك؛ لينال الفقراء منه حظوظهم، فلا يكون دولة بين طائفة الأغنياء وحدهم، فيحدث الخلل في المجتمع كما هو الحال في الأنظمة الرأسمالية التي يزداد الغني فيها غنًى فاحشًا، بينما يزداد الفقير فيها فقرًا وعوزًا، مما ينذر بأخطارٍ تحدق بالمجتمعات، وبما يزيد من معدلات الجريمة بسبب الأنانية والجشع والحسد والطمع.
٥. مجتمع متراحم.
المجتمع المسلم مجتمع الرحمة وأهلها، يتراحم أفراده فيما بينهم، فيرحم القوي الضعيف، ويعطف الغني على الفقير، ويشفق الراعي على رعيته، وتنتشر الرحمة حتى بالحيوان، هذه الرحمات التي تملأ أجواء المجتمع المسلم عبقًا وندى، مستمدة من رحمة الله سبحانه وتعالى التي وسعت كل شيء، فهو تعالى الرحمن الرحيم، يرحم عباده الرحماء.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأعراف: ١٥٦].
ونشر الرحمة وغرس أصولها وتحصيلها عنوان رسالة الإسلام ومقصودها.
قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الأنبياء: ١٠٧].
فقد بعث نبينا صلى الله عليه وسلم بأسباب الإصلاح والإسعاد، ومنارات الهدى وسبل الرشاد، ونسائم الرحمات، ومفاتح البركات.
والتراحم بين المؤمنين من أخص خصائصهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ) [الفتح: ٢٩].
وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدًا على الكفار رحيمًا برًا بالأخيار، صلبًا في وجه الكافر ضحوكًا بشوشًا في وجه أخيه المؤمن.
والصفة التي تغلب على هذا المجتمع ويعرف بها في الناس أنه مجتمع شديد الغلظة على الكفار الذين يحادون الله ورسوله، فلا يكون بينه وبين الكافرين ولاء أو مودة يجار فيها على دين الله أو ينتقص بها حقٌ من حقوق المسلمين، هذا حالهم مع أعداء الله، أما هم فيما بينهم فهم رحماء، تفيض قلوبهم حنانًا ورحمة ومودة، تجمعهم أخوة بارة في الله، وفى دين الله21.
«وفي الآية صورة رائعة لما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورع وتقوى وعبادة وأخلاق كريمة سمحاء فيما بينهم، مع الشدة والقوة و البسالة بالنسبة لأعدائهم، ومثل هذه الصورة تكررت في سور عديدة مكية ومدنية، مما فيه دلالة على ما كان من أثر دعوة الله وقرآنه ونبيه في هذه الفئة التي صارت بذلك مثالًا نموذجًا خالدًا»22.
وقال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المائدة: ٥٤].
فمن صفات هذا الجيل المنشود الذي تحقق على يديه الانتصارات والفتوحات محبة الله سبحانه وتعالى، واللين والتسامح مع المؤمنين، والشدة والصلابة مع الكفار، تلك المعادلة الصعبة التي تحتاج لتربيةٍ راشدة، وضبط نفسٍ وفهم مستنير.
قال ابن عاشور23: «وهو الذي يكون في كل حالٍ بما يلائم ذلك الحال، قال24:
حليمٌ إذا ما الحلم زين أهله
مع الحلم في عين العدو مهيب»
«وإنما تعدى (أذلة) بـ(على)؛ لأنه تضمن معنى العطف والحنو»25.
«ووقع الوصف في جانب التواضع للمؤمنين والغلظة على الكافرين بالاسم الدال على المبالغة؛ دلالة على ثبوت ذلك واستقراره، وأنه عزيزٌ فيهم، والاسم يدل على الثبوت والاستقرار»26.
وقال تعالى عن المجتمع المؤمن: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [البلد: ١٧-١٨].
والتواصي بالمرحمة منقبةٌ عظيمة وفضيلةٌ جليلةٌ، ولا يوصي بالمرحمة إلا من عرفها وألفها وقام بها، ومجتمعٌ هذا شأنه لن تجد فيه شقيًا ولا محرومًا.
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله: «وبهذه الوصايا الثلاث: بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة، تكتمل مقومات المجتمع المتكامل، قوامه الفضائل المثلى والقيم الفضلى؛ لأن بالتواصي بالحق إقامة الحق والاستقامة على الطريق المستقيم، وبالتواصي بالصبر يستطيعون مواصلة سيرهم على هذا الصراط ويتخطون كل عقباتٍ تواجههم، وبالتواصي بالمرحمة يكونون مرتبطين كالجسد الواحد، وتلك أعطياتٌ لم يعطها إلا القرآن»27.
«والتواصي بالصبر والمرحمة هو إلحاح المرء على نفسه بالدعوة إليهما والتمسك بهما، فإذا جزع في مواجهة مالٍ يخرج من يده حمل نفسه على الصبر على ما تكره، واستدعى من مشاعره دواعي الحنان والرحمة، فذلك مما يعينه على مغالبة أهوائه وقهر شحه وبخله، ثم لا يقف المرء عند هذا، بل ينبغي أن يكون هو داعية إلى الصبر وإلى الرحمة، يبشر بهما في الناس، ويدعو إليهما في كل مجتمع، فذلك من شأنه أن يترك آثاره فيه، إلى جانب ما يتركه من إشاعة هذا المعروف بين الناس»28.
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما (ﯧ ﯨ) «يعني بذلك: رحمة الناس كلهم»29.
والمجتمع المسلم بإيمانه وتناصره وتناصحه أهلٌ للرحمات.
قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ٧١].
عن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنه يبلغ به النبي: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء)30.
وحينما كان الصحابة في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء أحدهم وأخذ فرخي طائر، وبدت علامات الحزن على ذلك الطائر الذي أخذ يرفرف بجناحيه، فأشفق عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (من فجع هذا الطائر في فراخه؟ قالوا: فلان. قال: ردوا عليه فرخيه)31.
وغفر الله لامرأة كانت تمارس البغاء؛ لأنها سقت كلبًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غفر لامرأةٍ مومسةٍ، مرت بكلبٍ على رأس ركيٍّ يلهث، كاد يقتله العطش، فنزعت خفها، فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فغفر لها بذلك)32.
«فلئن كانت الرحمة بكلب تغفر ذنوب البغايا، فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب»33.
وشريعة الإسلام رحمةٌ بالفرد والمجتمع.
قال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [آل عمران: ١٣٢].
(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأنعام: ١٥٥].
(ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النور: ٥٦ ].
وروى النسائي في السنن بسنده عن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها أنها قالت: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نسوةٍ من الأنصار نبايعه فقلنا: يا رسول الله، نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتانٍ نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروفٍ. قال: (فيما استطعتن وأطقتن)، قالت: قلنا: الله ورسوله أرحم بنا، هلم نبايعك يا رسول الله) الحديث34.
وفي قولهن: (الله ورسوله أرحم بنا) ما يدل على إيمان المرأة وتسليمها بأن ما قضى الله ورسوله في أمرهن فيه الخير والبركة والرحمة، فالمسلمة واثقة بشرع الله مطمئنة لحكم الله.
ومن أروع صور التراحم في حضارتنا الرائدة ما رآه ابن بطوطة في رحلته إلى الشام، قال: مررت يومًا ببعض أزقة دمشق فرأيت به مملوكًا صغيرًا قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصيني، وهم يسمونها الصحن، فتكسرت واجتمع عليه الناس، فقال له بعضهم: اجمع شقفها وأحملها معك لصاحب أوقاف الأواني. فجمعها وذهب الرجل معه إليه، فأراه إياها فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن.
وهذا من أحسن الأعمال، فإن سيد الغلام لابد له أن يضربه على كسر الصحن، أو ينهره وهو أيضًا ينكسر قلبه، ويتغير لأجل ذلك، فكان هذا الوقف؛ جبرًا للقلوب، جزى الله خيرًا من تسامت همته في الخير إلى مثل هذا، وكل من انقطع بجهة من جهات دمشق لابد أن يتأتى له وجه من المعاش، من إمامة مسجد، أو قراءة بمدرسة أو مسجد، أو قراءة القرآن يجيء إليه فيه رزقه، تجري له النفقة والكسوة، فمن كان بها غريبًا على خير لم يزل مصونًا عن بذل وجهه، محفوظًا عما يزري بالمروءة، ومن كان من أهل المهنة والخدمة فله أسباب أخر، من حراسة بستان أو أمانة طاحونة أو كفالة صبيان، يغدو معهم إلى التعليم ويروح، ومن أراد طلب العلم أو التفرغ للعبادة وجد الإعانة التامة على ذلك. ومن فضائل أهل دمشق أنه لا يفطر أحد منهم في ليالي رمضان وحده ألبتة، فمن كان من الأمراء والقضاة والكبراء فإنه يدعو أصحابه والفقراء يفطرون عنده، ومن كان من التجار وكبار السوقة صنع مثل ذلك، ومن كان من الضعفاء والبادية فإنهم يجتمعون كل ليلة في دار أحدهم أو في مسجد ويأتي كل أحد بما عنده فيفطرون جميعًا35.
٦. مجتمع المؤاخاة.
والمجتمع المسلم يتميز بعاطفة قوية ورابطة فتية تربط بين أفراده وتوثق الصلات، إنها الأخوة الإيمانية التي تجعل المسلمين على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وبلدانهم إخوة متحابين، مهما تناءت أوطانهم، والأخوة من أعز نعم الله عليهم.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران: ١٠٣].
فلا مكان في المجتمع المسلم لعصبية ولا حمية ولا لكبرٍ أو نفورٍ، بل الأخوة الإيمانية بما تحمله من محبة وإيثار وتضحية وبذل ونصح وفضلٍ، إنه الإسلام الذي جمع في أول عهده بين بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي، جمع بين قارات العالم القديم، آسيا وأفريقية وأوروبا، وأرسى قواعد المجتمع المسلم المدني على قاعدة الإخاء وما يقتضيه من محبة وإيثار وبذل وعطاء وتناصرٍ وتلاحمٍ وتواصلٍ بين الأجيال.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الحشر: ٨ -١٠].
عن عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه: (لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالًا فأقسم لك نصف مالي! وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلت تزوجتها! قال: فقال له عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوقٍ فيه تجارةٌ؟)36.
وقال تعالى في سورة الحجرات- تلك السورة الكريمة التي اشتملت على أحكام وآداب تصون المجتمع المسلم وتوثق روابطه وتنظم شؤونه-: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الحجرات: ١٠].
وتأتي السنة النبوية لتقرر هذه المعاني وترسخها في النفوس؛ تأصيلًا لهذه الأخوة وتحصيلًا لثمراتها المرجوة.
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا. وشبك أصابعه) 37.
وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)38.
وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)39.
أما التفرق والتنافر فلا مكان له في المجتمع المسلم.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران: ١٠٣].
وقال: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [آل عمران: ١٠٥].
وعن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانًا)40.
وحينما اتجهت بعض المجتمعات المسلمة نحو العصبية للقوميات أو للأجناس واستجابت للدعوات المناوئة للأخوة الإسلامية لم تجن من ورائها إلا الأشواك والحنظل؛ فقد طغت تلك الدعوات على رابط الأخوة الإيمانية وانشغلت كل بلد بمصالحها الشخصية، بل ووقع الصدام بين بعض أقطار المسلمين بسبب تغييب روح الأخوة، والاحتكام للعصبيات، وتغليب المصالح القومية على مصالح الأمة.
وقد سرت هذه الروح بين كثير ممن جهلوا أصول الإيمان وشرائعه، وقد غذى أعداء الإسلام هذه المشاعر وروجوا لها تحت ستار (العلمانية والليبرالية والقومية، بل والنعرات القديمة كالفرعونية والفينيقية والآشورية والبابلية وغيرها من الشعارات).
وحتى امتلأ هذا الفراغ بمحبة أعداء الدين وموالاتهم تحت ستار الصداقة وتبادل المصالح، أو مداراتهم واتقاء شرهم، مما عاد بالضرر البالغ على المسلمين.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [المائدة: ٥١- ٥٢].
(ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [النساء: ٤٤- ٤٥ ].
فكما دعا الله المؤمنين للتآخي والتحاب حذرهم كذلك من عدوهم، وكشف عن مثالبه ودسائسه ومكائده، فالله سبحانه وتعالى أعلم بهم، وهو تعالى يتولى أولياءه، وينصرهم على أعدائهم، وفي هذا ما يبدد المخاوف من أعداء الله، ويقطع الآمال والرجاء فيهم.
٧. مجتمع متعاون.
من القيم الإنسانية الرائعة والأسس الحضارية الرصينة للمجتمع المسلم التعاون الإنساني، فالتعاون ضرورة من ضرورات الحياة، ولولاه لما استقامت، فالإنسان لا ينهض وحده بكل متطلبات الحياة، بل جعل الله الناس متفاوتين متفاضلين؛ ليكمل بعضهم بعضًا، ويخدم بعضهم بعضًا، هذا على مستوى الأفراد والشعوب، كذلك على مستوى الأمم.
قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الزخرف: ٣٢].
« (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) أي: أسباب معيشتهم في الحياة الدنيا قسمة تقتضيها مشيئتنا المبنية على الحكم والمصالح، ولم نفوض أمرها إليهم، علمًا منا بعجزهم عن تدبيرها بالكلية، ورفعنا بعضهم فوق بعض في الرزق وسائر مبادئ المعاش درجات متفاوتة بحسب القرب والبعد، حسبما تقتضيه الحكمة، فمن ضعيفٍ وقوىٍ، وفقير وغنٍى، وخادم ومخدوم، وحاكم ومحكوم؛ ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا؛ ليصرف بعضهم بعضًا في مصالحهم، ويستخدموهم في مهنهم، ويسخروهم في أشغالهم؛ حتى يتعايشوا ويترافدوا ويصلوا إلى مرافقهم»41.
(ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) «أي: ليستعمل بعضهم بعضًا في مصالحهم، ويستخدموهم في مهنهم، ويسخروهم في أشغالهم، فإن كل صناعة دنيوية يحسنها قومٌ دون آخرين، فجعل البعض محتاجًا إلى البعض؛ لتحصل المواساة بينهم في متاع الدنيا، ويحتاج هذا إلى هذا وبالعكس، ويصنع هذا لهذا، ويعطي هذا لهذا؛ حتى يتعايشوا، ويترافدوا، ويصلوا إلى مرافقهم»42.
«فالناس بحكم هذا الاختلاف القائم بينهم وبحسب استعدادهم الفطري وحكم ظروفهم وأحوالهم هم جميعا مسخرون، أي: يخدم بعضهم بعضًا، ليس فيهم خادم ومخدوم بل كلهم يخدم ويخدم، ويستوي في هذا العالم والجاهل، والزارع والصانع، والقوي والضعيف، والحاكم والمحكوم، إنهم جميعًا أشبه بالآلة الميكانيكية، لا تكون آلة عاملة ذات قوة محركة إلا إذا عمل كل جزء من أجزائها أيًّا كان وضعه فيها، وأيًّا كانت قيمته الذاتية بين أجزائها، بل إنهم أشبه بالجسد الإنساني في تجاوب أعضائه جميعًا في العمل على كل ما من شأنه أن يحفظ عليه حياته ويوفر له أمنه وسعادته»43.
عن قتادة قال: قال الله تبارك وتعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ) «فتلقاه ضعيف الحيلة عيي اللسان وهو مبسوط له في الرزق، وتلقاه شديد الحيلة سليط اللسان وهو مقتور عليه، قال الله جل ثناؤه: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ) كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم، تبارك ربنا وتعالى»44.
لقد عرف الناس هذه الحقيقة منذ كان لهم وجود اجتماعي، بل إن هذا الوجود الاجتماعي نفسه إنما دعتهم إليه حاجة بعضهم إلى بعض، وخدمة بعضهم لبعض، وهذا ما يشير إليه قول الشاعر العربي45:
والناس بالناس من حضرٍ وباديةٍ
بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدم
والتعاون بين البشر من فطرة الله التي فطر الناس عليها، يقول ابن خلدون في مقدمته: «الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والكن وغير ذلك، وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والاجتماع المهيئ لذلك التعاون، وقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى والعمل به، واتباع صلاح أخراه»46.
وقال: «قد عرف وثبت أن الواحد من البشر غير مستقل لتحصيل حاجاته في معاشه، وأنهم متعاونون جميعًا في عمرانهم على ذلك، والحاجة التي تحصل بتعاون طائفة منهم تشتد ضرورة الأكثر من عددهم أضعافًا، فالقوت من الحنطة مثلًا لا يستقل الواحد بتحصيل حصته منه، وإذا انتدب لتحصيله الستة أو العشرة من حداد، ونجار للآلات، وقائم على البقر، وإثارة الأرض، وحصاد السنبل، وسائر مؤن الفلح، وتوزعوا على تلك الأعمال أو اجتمعوا، وحصل بعملهم ذلك مقدار من القوت، فإنه حينئذ قوت لأضعافهم مرات، فالأعمال بعد الاجتماع زائدة على حاجات العاملين وضروراتهم»47.
ولقد دعا القرآن في آخر توجيهاته إلى التعاون بين الأفراد والمجتمعات والأمم.
قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [المائدة: ٢].
«وهو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى، أي: ليعن بعضكم بعضًا، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى، واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه»48.
فالإسلام ينظر للتعامل والعلاقات بين أناس على أنها قائمة على المشاركة والتعاون والتنافس، لا على الصراع كما يصور الماديون من الفلاسفة والحاقدون من المتعصبين، بل الحياة مشاركة وتعاون اجتماعي ودولي، فالتعاون من أجل الصالح للإنسانية، بينما يريدها أعداء الإسلام صراعًا بين البشر، وعراكًا بين الطوائف والأمم، من أجل الاستئثار والانفراد وتحقيق المكاسب المادية، وترويج السلع ونشر الثقافات على حساب الآخرين، وإلحاق الخسائر المادية والأدبية، وهذا لا يتفق مع مبدأ التعاون الإنساني الذي يقوم على أساس مد يد العون للآخرين وتبادل المنافع ومراعاة المصالح، أما فكرة الصراع فهي فكرة خبيثة أفرزتها المذاهب المادية النفعية والفلاسفة الماديون أصحاب الأفكار الهدامة والمتناقضة، كهيجل وماركس وغيرهم ممن نفقت مذاهبهم في الغرب.
ويؤمن كثير من الكتاب الغربيين ومن لف لفهم بصراع الحضارات، وهذا المصطلح في النفس منه شيء؛ فلماذا تبنى العلاقات بين الحضارات على أساس الصراعات أو الصدام بين الحضارات؟ لماذا لا نسمي ما بين الحضارات لقاء الحضارة، أو إن شئت فلتقل تنافس حضاري، أما الصراع فيعني الشقاق والنزاع من أجل البقاء على حساب الطرف الآخر، والإسلام لا يمنع التعايش السلمي بين الحضارات.
فاللبنات المتناثرة هنا وهناك لا قيمة لها، لكن حين يبنى بها جدار متين فترى البنيان مرصوصًا تدرك أهمية التماسك ومتانة الترابط وقوة التعاون، قال الله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الصف: ٤]، وتلك صورة من صور التعاون في حالة الحرب.
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا. وشبك بين أصابعه)49.
بالتعاون والتضامن بنى ذو القرنين أعظم سدٍّ في التاريخ.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الكهف: ٩٣ - ٩٧].
وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) فقال: «هو أن تعمل به، وتدعو إليه، وتعين فيه، وتدل عليه»50.
وقال ابن القيم رحمه الله في تلك الآية: «اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، فيما بينهم بعضهم بعضًا، وفيما بينهم وبين ربهم، فإن كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين وهذين الواجبين: واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلق، فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة، فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونًا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها، وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله»51.
ثم بين أهمية التعاون على البر والتقوى وأنه من مقاصد اجتماع الناس فقال: «والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى، فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علمًا وعملًا، فإن العبد وحده لا يستقل بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه؛ فاقتضت حكمة الرب سبحانه أن جعل النوع الإنساني قائمًا بعضه ببعضه، معينًا بعضه لبعضه»52.
وهذا الكلام يدل قطعًا على أن توزيع المهمات لإنجاز الأعمال من التعاون المطلوب، وأن هذا التعاون بين الأفراد ينتقل بعمل كل منهم؛ ليصبح وظيفة عامة اجتماعية تكفل العيش لعدد كبير من المجمتع، فالتعاون بين الأفراد وتقسيم العمل ظاهرتان ملازمتان للإنسان، ولا غنى له عنهما، وأن تعاون المجموعة لا ينتج ما يكفيهم فقط، وإنما يزيد ويفيض.
وهذا كلام عام في الأمور الدينية والدنيوية، فأما بالنسبة للتعاون الشرعي فإن الأسباب الدافعة لدى المسلم للتعاون على البر والتقوى والمشاركة في الخير عديدة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فلقد كان يشارك أصحابه مشاركة فعالة في السلم والحرب، فعن سهل ابن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب، ويمر بنا فقال: اللهم لا عيش إلا عيش الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره)53.
فالتعاون من أصول البناء والتواصل الحضاري بين الأفراد وبين الأمم والشعوب.
ومن أبرز صور التعاون في المجتمع المسلم الأول: ما في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (تزوجني الزبير رضي الله عنه وما له في الأرض من مالٍ ولا مملوكٍ ولا شيءٍ غير ناضحٍ وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقى الماء، وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جاراتٌ لي من الأنصار وكن نسوة صدقٍ، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهى منى على ثلثي فرسخٍ، فجئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفرٌ من الأنصار، فدعاني ثم قال: (إخ إخ)؛ ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير، فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفرٌ من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه قالت: حتى أرسل إليَّ أبو بكرٍ بعد ذلك بخادمٍ يكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني)54.
وفي هذا الحديث دليل على ما تحلى به هذا المجتمع النبوي من تراحم وتعاطف وتعاون وتكافل، فالمرأة تقف بجوار زوجها تساعده في حقله، والرجل يساعد المرأة في شئون البيت، والجارة تكفي جارتها بعض الأعمال، والمجتمع يقف مع المرأة، ويمد لها يد العون، ويراعي ما جبلت عليه من حياءٍ وخجلٍ، والمرأة تراعي مشاعر زوجها، والرجل يشفق على زوجته، والأب يتفقد أحوال ابنته المتزوجة، ويسعى إلى التخفيف عنها ما أمكنه ذلك، نماذج رائعة تتجلى لنا من خلال هذا الحديث: الزوجة الصالحة التي تبذل ما في وسعها؛ لرعاية زوجها وبيتها، وتتجشم الصعاب وتواجه الأعباء بصبرٍ ورضا، فتكافح مع زوجها، وتعمل في البيت والحقل أعمالًا ليست باليسيرة، لكنها تصبر وتحتسب، والجيران الصادقون المتعاونون، وللتعاون بين الجيران أثرٌ عظيم في تخفيف الأعباء وتذليل الصعوبات، والمجتمع الذي تسوده المروءة والشهامة، فيساند البيت المسلم ويدعمه، ويرعاه ويصونه، والزوج الغيور المشفق على أهل بيته، والأب الذي لم تنته مهمته مع ابنته بزواجها، بل يتفقد أحوالها ويسعى لتوفير سبل الراحة لها، وفي هذا الجو الإيماني وجدت المرأة الأمن والأمان، والسعادة والطمأنينة، والحب الصادق: بيت صالح، وزوج كريم، وأب حنون، وجيران صدق، ومجتمع متراحم متعاطف، يا لها من سعادةٍ غامرةٍ وحياةٍ طيبة وإن كانت صعبةً!
٨. مجتمع متناصح.
بذل النصيحة وتبادلها من سمات المجتمع المسلم، ومن مقومات الأمة المسلمة، ومن أسباب بقائها وخيريتها.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران: ١١٠].
فمن أسمى أوصاف مجتمع الإيمان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو سر بقائهم وارتقائهم واستحقاقهم لرحمة الله تعالى التي تغمرهم في دنياهم وتغشاهم في أخراهم.
وقال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ٧١].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [العصر: ١-٣].
وسر التعبير بـ (ﭟ) بالماضي الدلالة على ثباتهم ومضيهم في التواصي، والحق هو الأمر الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره، وهو الخير كله من توحيد الله وطاعته واتباع كتبه ورسله55.
ومدار السورة الكريمة حول إصلاح النفس ودعوة الغير، فإصلاح النفس بالإيمان والعمل الصالح، ودعوة الغير بالتواصي بالحق مع التواصي بالصبر.
والتواصي بالحق: التواصي بالسير على هذا المنهج، والمضي فيه، والثبات عليه، هذا المنهج القويم وذلك الطريق المستقيم الذي نهجه الإسلام ودعا إليه.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مـن مقـومات خيرية هذه الأمة ومعالم نهضتها وسبقها وتفوقها وتميزها، عن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ في البحر، فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقال الذين في أسفلها: فإنا ننقبها في أسفلها فنستقي، فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعًا، وإن تركوهم غرقوا جميعًا)56.
وعلى هذه الأسس قام المجتمع المسلم الأول، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلمٍ)57، وفي رواية لأبى داود: قال: (وكان إذا باع الشيء أو اشتراه قال: أما إن الذى أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناك فاختر)58.
وعن تميمٍ الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة). قلنا: لمن؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)59.
٩. مجتمع التكافل والتضامن.
يطالب الإسلام كل قادرٍ على العمل أن يعمل، وأن يعان على عمله؛ ليكفي نفسه وأسرته، والناس متفاوتون، فمنهم العاجز الذي لا يقدر على العمل، ومنهم العاطل الذي لا يجد عملًا ولم يبادر المجتمع لتيسير عملٍ مناسبٍ له، وفيهم العاملون الذين لا يكفيهم دخلهم لتحقيق معيشة إنسانية لائقة؛ لقلة الدخل، أو لكثرة العيال، أو لغلاء الأسعار، أو غير ذلك من الأسباب، والإسلام لم يترك هؤلاء للفقر ينهبهم والضياع يشتتهم، بل كفل لهم ما يعينهم على تكاليف الحياة.
قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الروم: ٣٨].
وقال: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [المعارج: ٢٤-٢٥].
وجعل الإسلام موارد متعددة للفقراء والمساكين.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الأنفال: ٤١].
(ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الحشر: ٧].
واهتم الإسلام بالطبقات الضعيفة في المجتمع، فشرع لهم من الأحكام والوسائل ما يكفل لهم العمل الملائم لكل عاطل، والأجر العادل لكل عامل، والطعام الكافي لكل جائع، والعلاج الكافي لكل مريض، والكساء المناسب لكل عريان، والكفاية التامة لكل محتاج، وتشمل هذه الكفاية: المأكل والملبس والمسكن وكل ما لابد منه على ما يليق بحاله من غير إسراف ولا تبذير ولا تقتير للشخص ومن يعوله60.
عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: (بينما نحن في سفرٍ مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ على راحلةٍ له، فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان معه فضل ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضلٌ من زادٍ فليعد به على من لا زاد له) فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحدٍ منا في فضلٍ)61.
ومن صور التكافل المثمر ما كان بين المهاجرين والأنصار، حيث خرج المسلمون من مكة تاركين تجاراتهم وبيوتهم وهاجروا للمدينة فكان من الأنصار المواساة والتكافل، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: (اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: (لا)، فقالوا: تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة؟ فقالوا: سمعنا وأطعنا). وفي رواية: قالت الأنصار: (اقسم بيننا وبينهم النخل) وذكره، ولم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم62.
وبهذا وجد كثير من المهاجرين فرصًا للعمل في هذا المجتمع الجديد الذي هاجروا إليه؛ مواساة من إخوانهم من الأنصار.
وحين أسلم سلمان الفارسي -وكان رقيقًا عند يهوديٍ- أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكاتب، أي: يسعى لإعتاق نفسه من اليهودي بمال ونحوه، قال سلمان: (فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلةٍ أحييها له بالفقير وبأربعين أوقيةً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أعينوا أخاكم). فأعانوني بالنخل، الرجل بثلاثين وديةً، والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، والرجل بعشرٍ، يعنى الرجل بقدر ما عنده، حتى اجتمعت لي ثلاثمائةٍ وديةٍ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذهب يا سلمان ففقر لها، فإذا فرغت فائتني، أكون أنا أضعها بيدي). ففقرت لها وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها، فجعلنا نقرب له الودى، ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فوالذي نفس سلمان بيده، ما ماتت منها وديةٌ واحدةٌ، فأديت النخل وبقى علي المال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهبٍ من بعض المغازي، فقال: (ما فعل الفارسي المكاتب؟) قال: فدعيت له، فقال: (خذ هذه، فأد بها ما عليك يا سلمان). فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال: (خذها فإن الله عز وجل سيؤدى بها عنك). قال: فأخذتها، فوزنت لهم منها، والذى نفس سلمان بيده أربعين أوقيةً، فأوفيتهم حقهم، وعتقت. فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، ثم لم يفتني معه مشهدٌ)63.
والإنفاق المثمر في سبيل الله هو ما كان خالصًا لوجه الله تعالى، ويشمل سائر وجوه الخير التي أمر الله بها، وهو أساس التضامن العائلي والاجتماعي البناء، ومن ثماره الطيبة تطوير الإمكانات العلمية والاقتصادية والدفاعية للأمة، فإذا بخل الأفراد في الإنفاق أصاب الأمة الهلاك وطمع بها الأعداء، فليس الإنفاق مقتصرًا على بذل المال، بل يشمل بذل كل ما ينفع المجتمع ويعود عليه بالخير، فهناك من هو بحاجة إلى المال، وهناك من هو بحاجة إلى الهداية والتوجيه الرشيد، وهناك من يفتقر إلى العلم والمعرفة والخبرة، وهناك من يفتقر إلى المساعدة بالجهد العضلي، وغير ذلك من مصالح الضعفاء والفقراء والعاجزين.
١٠. مجتمع متشاور.
للشورى مكانتها في المجتمع المسلم، فهي ركنٌ هامٌ من أركانه، ومقصد كريمٌ من مقاصده، ولها مجالاتها المتعددة في الأمور التي لم يرد فيها نص من كتابٍ أو سنة، أما ما ورد فيه نص فلا مجال للتشاور والاجتهاد فيه؛ لأنه لا اجتهاد مع النص، حيث يقوم أهل الحل والعقد أو أولو الأمر وأهل المسئولية بالاجتماع؛ للنظر في أمر من الأمور التي تهم المسلمين أو طائفة منهم، وتطرح الأفكار على مائدة الحوار، وتتم المناقشة في جو يسوده الود والوئام، والحرص على الحق والصواب، بالوسيلة التي يراها المجتمع والتي لا تخالف شرع الله، ولا تجافي الفطرة، ولا تبدد الأوقات، ولا تعطل الطاقات، ولا تفوت المصالح العامة، ولا تخالف أصلًا شرعيًّا.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الحجرات: ١].
وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأحزاب: ٣٦].
(ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [النور: ٥١].
فلا ينبغي تقديم قول أو رأي أو أمر على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والمؤمن الصادق هو الذي يمتثل أوامر الله ورسوله، ويجتنب ما نهى عنه الله ورسوله، يفعل ذلك عن إيمان وتسليم ورضا وقبول. والمجتمع المسلم مجتمع الأمن والأمان، والمودة والرحمة، والبر والتقوى، والتعاون والتضامن والتكافل، والتشاور والتناصح. والحاكم المسلم يستشير أهل العلم والخبرة والنصح والرشد، يقول صلى الله عليه وسلم: (المستشار مؤتمن)64.
فينبغي أن يتخير الحاكم المسلم من الأمة الإسلامية أفضلهم علمًا، وأحسنهم خلقًا، وأخلصهم نصحًا، حتى يحقق بفضل مشورتهم المخلصة ما فيه الخير والصلاح للعباد والبلاد. وصدق القائل65:
إذا كنت في حاجةٍ مرسلًا
فأرسل حكيمًا ولا توصه
وإن خطب أمر عليك التوى
فشاور لبيبًا ولا تعصه
والشورى ضرورة من الضرورات التي لابد منها، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية ما يبين لنا أهمية الشورى وضرورتها في إطار المجتمع الإسلامي.
قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
وقد نزلت هذه الآية إثر غزوة أحد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نزل عن رأيه وأخذ برأي الأغلبية من الصحابة، ولم يتحقق النصر المأمول، فقد يكون هذا الحدث ذريعة لاستبداد القائد أو الحاكم برأيه دون أن يلتفت لآراء الجند أو البطانة، فنزلت الآية تؤكد للأمة أن الشورى أساس الحكم وأن الأمة إن خسرت معركة فذلك خير من أن تخسر الأمة شخصيتها ويتحكم فرد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصيرها وإرادتها66.
فكان نبينا صلى الله عليه وسلم يتشاور مع أهل الرأي السديد من الصحابة، وكان الصاحبان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من أهل مشورته، وكان يقول لهما: (لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما)67.
وفي قصة الإفك استشار النبي صلى الله عليه وسلم اثنين من أقرب الناس إليه، هما علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهم، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالبٍ وأسامة بن زيدٍ حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم، فقال أسامة: أهلك يا رسول الله، ولا نعلم -والله- إلا خيرًا. وأما علي بن أبي طالبٍ فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثيرٌ، وسل الجارية تصدقك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: (يا بريرة، هل رأيت فيها شيئًا يريبك)، فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت منها أمرًا أغمصه عليها قط أكثر من أنها جاريةٌ حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الداجن فتأكله ولقد كان لهذه المشورة ثمرتها، حيث قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبيٍ ابن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يعذرني من رجلٍ بلغني أذاه في أهلي، فوالله، ما علمت على أهلي إلا خيرًا)68.
(ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الشورى: ٣٨].
فالشورى نابعةٌ من الاستجابة لأوامر الله، من هذه الركيزة تنطلق، وعطف التشاور على إقامة الصلاة؛ لبيان كون التشاور فريضة شرعية يجب إقامتها كما أن الصلاة شعيرةٌ، وبالتشاور صلاح أمور الدنيا، كما أن الصلاة عماد الدين، والشورى ليست أمرًا شكليًا، أو طقوسًا سياسية، كذا الصلاة ليست عبادة ظاهرية فحسب، بل عبادة قلبية لها ثمراتها التي لا تتحقق إلا بإتقانها، وكذلك الشورى لن تؤتي ثمرتها ما لم تمارس بطريقة صحيحة.
يقول صاحب الظلال: «وهو كما قلنا نص مكي، كان قبل قيام الدولة الإسلامية، فهذا الطابع إذن أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمين، إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها، ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم فيها بعد.
والواقع أن الدولة في الإسلام ليست سوى إفراز طبيعي للجماعة وخصائصها الذاتية، والجماعة تتضمن الدولة وتنهض وإياها بتحقيق المنهج الإسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية.
ومن ثم كان طابع الشورى في الجماعة مبكرًا، وكان مدلوله أوسع وأعمق من محيط الدولة وشئون الحكم فيها، إنه طابع ذاتي للحياة الإسلامية، وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية، وهي من ألزم صفات القيادة»69.
وفي السيرة النبوية الكثير من مواقف الشورى، ففي غزوة بدر طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المشورة من الصحابة الكرام حيث قال: (أشيروا علي أيها الناس)، وهو يقصد بذلك الأنصار رضي الله عنهم، وقد ثبتوا على الحق وصدقوا ما عاهدوا الله عليه ونصروا دعوة الله.
وقال الحباب بن المنذر: (يا رسول الله، أمنزلٌ أنزلكه الله أم هي الحرب والرأي والمكيدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل هي الحرب والرأي والمكيدة)، فقال الحباب: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماءٍ من القوم فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماءً، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد أشرت بالرأي)70.
ولقد استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة الكرام في شأن أسرى بدر71، فأشار عمر بقتلهم، وأشار أبو بكر بقبول الفداء منهم، وكان هذا قبل نزول قوله سبحانه: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الأنفال: ٦٧].
وفي غزوة الخندق أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي سلمان الفارسي بحفر الخندق72.
وفي صلح الحديبية عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح دون أن يدخل مكة، فشق ذلك على الصحابة الذين كانت قلوبهم تهفو وتتشوق إلى زيارة بيت الله الحرام، وكان للصلح حكمه البالغة التي ظهرت فيما بعد، ومن ذلك أنه كان فرصة عظيمة لنشر الدعوة الإسلامية في ربوع الجزيرة العربية، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام أن يقوموا فينحروا ويتحللوا من الإحرام، فلم يبادر منهم أحد، فأعادها ثلاث مرات، فلم يبادر منهم أحد!! فذكر ذلك لأم سلمة، وكانت معه، فأشارت عليه برأيٍ سديد، قالت: يا نبي الله، اخرج إليهم ولا تكلم أحدًا منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكلم منهم أحدًا حتى فعل ذلك، نحر بدنه وحلق، فلما رأى الصحابة الكرام ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا73.
وهناك أمثلة كثيرة في السيرة النبوية وفي التاريخ الإسلامي تبين لنا كيف طبق المسلمون مبدأ الشورى تطبيقًا عمليًا، فاجتمعت كلمتهم، وطابت نفوسهم، وتحقق العدل بينهم، وفاضت بينهم روح المودة والمحبة والإخلاص والتضحية والولاء والانتماء، وكان الترابط التام والانسجام بين المحكومين والحكام.
١١. مجتمع متحرر.
المجتمع المسلم مجتمع متحرر من كل قيدٍ أو رقٍ يحول دون انطلاقه نحو المعالي، أو يكبل إرادته ويثبط عزيمته ويثقل كاهله، فالحرية في الإسلام تحررٌ من الأهواء وتحررٌ من الأباطيل والخرافات، وتحررٌ من التقليد والتبعية إلا للحق وأهله، والحرية في الإسلام تعني طهارة القلب وإخلاصه لله تعالى.
وقد وردت في قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [آل عمران: ٣٥].
أي: خالصًا لوجهك، مخلصًا لطاعتك وعبادتك، عن مجاهد قال: «إن المحرر هو الخالص لله عز وجل لا يشوبه شيء من أمر الدنيا، ولا يشغله شاغل عن عبادة الله تعالى»74.
وفي هذا منقبةٌ لمريم حيث نذرتها أمها خالصة للعبادة، فكأنما حررت من أسر الدنيا وقيودها75.
وفي هذا بيان للمفهوم الصحيح للتحرر أنه التجرد لله تعالى من كل الأهواء، والتحرر من كل قيدٍ يحول بين العبد وبين ربه.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الزمر: ٢٩].
عن قتادة رضي الله عنه في قوله: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) قال: «هو المشرك تتنازعه الشياطين، لا يقربه بعضهم لبعض»، (ﯲ ﯳ ﯴ) قال: «هذا المؤمن أخلص لله الدعوة والعبادة»76.
لا يمكن للعبد أن يوفي حق سيدين في وقتٍ واحد، هذا يأمره بأمر وذاك يأمره بأمرٍ آخر، فيجد نفسه ممزقةً بين سيدين، يستحيل أن يلبي لهما في حين واحدٍ، فيعجز ويتوانى، أما الذي له سيدٌ واحدٌ يلبي مطالبه ويستجيب لأوامره، فذلك مثل المؤمن الموحد، تحرر قلبه لمعبودٍ واحد فلا ينازعه أحدٌ، وتعلق قلبه ورجاؤه بإله واحد، فيحيا صافي الذهن صالح البال، بخلاف من فيه شركاء متشاكسون، هذا يأمر وذاك ينهى، فإنه يعيش مشتتًا بينهما، رضا أحدها يثير سخط الآخر، فلا يجتمع قلبه لمعبودين.
«إن أعظم ما دمر حرية الإنسان وأتى على بنيانها من القواعد اتخاذ بعض الناس بعضًا أربابًا من دون الله، ولكي يسترد الناس حريتهم وكرامتهم يجب تحطيم هؤلاء الأرباب الأدعياء والآلهة المزيفين، خصوصًا في أنفس الذين توهموهم أربابًا حقًا وهم مخلوقون مثلهم، لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، ولقد وعى مشركو العرب هذه الحقيقة منذ دعا النبي صلى الله عليه وسلم من أول يوم إلى التوحيد، وعلموا أن وراء هذه الكلمة -لا إله إلا الله- انقلابًا في الحياة الاجتماعية والسياسية، وأنها تؤذن بميلاد جديد للبشرية، ولاسيما الفقراء والمساكين والمسحوقين، فلا غرو أن وقفوا في وجهها وجندوا كل قواهم لحرب كل من آمن بها واستجاب لندائها»77.
كما تعني الحرية في مفهومها الأصيل العزة والإباء والكرامة والعفاف، عندما بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء في مكة وكان من بينهن هند بنت عتبة رضي الله عنها وتلا عليهن أركان البيعة فلما وصل إلى قوله: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الممتحنة: ١٢ ] قالت هند قولتها الشهيرة: وهل تزني الحرة؟!78.
وفي مقالة هند: وهل تزني الحرة؟! مغزى ومعنًى عظيم، ودرس لدعاة التحرير في عصرنا، فالحرية بمفهوم الجاهلية أنقى وأطهر من الحرية بالمفهوم الغربي المعاصر، الحرية قديمًا تعني الشرف والأصالة والنبل والطهارة والعفة والكرامة، أما الحرية بمفهومها الغربي والذي يجدون في تصديره إلينا فتعني التحرر من القيم الأصيلة والأخلاق النبيلة والتمرغ في مستنقعات الخنا وأوحال الرذيلة باسم التحرر، فكلمة أنا حرة عندهم تعني أنه لا سلطان لأحد عليها ولا ولاية ولا قوامة، فهي ولية نفسها تصنع ما يحلو لها، وتصبو وراء نزواتها ورغباتها الجامحة.
لكن هندًا رضي الله عنها وهي التي عاشت عفيفةً شريفةً في جاهليتها وإسلامها تجلي لنا المفهوم الحقيقي للحرية، الحرية التي تسمو بنا وتحلق إلى أجواء الطهر وآفاق الفضيلة، لا الحرية التي تهوي بمدعيها إلى الحضيض.
في مقابل ذلك يكفل الإسلام لغير المسلم حرية العقيدة والعبادة، فلا يكرهون على الدخول في دين الإسلام.
قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [البقرة: ٢٥٦].
(ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [يونس: ٩٩].
فمن حق غير المسلم أن يمارس شعائر دينه دون تضييق عليه أو تقييد لحريته، ومن ثم فإن حماية دور العبادة من مسئولية المجتمع المسلم، وشرع الجهاد في الإسلام لأهداف، أهمها حماية ذلك المجتمع بكل مكوناته وطوائفه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الحج: ٣٩- ٤١].
فالقتال مشروع لحماية الحريات، وتمكين المسلم وغير المسلم من أداء شعائر دينه، وحماية المساجد والكنائس والبيع والصوامع؛ ليعيش الجميع داخل المجتمع المسلم في أمان، وينعم الجميع بالحرية.
«فالإسلام لا يريد حرية العبادة لأتباعه وحدهم، إنما يقرر هذا الحق لأصحاب الديانات المخالفة، ويكلف المسلمين أن يدافعوا عن هذا الحق للجميع، ويأذن لهم في القتال تحت هذه الراية راية ضمان حرية العبادة لجميع المتدينين، وبذلك يحقق أنه نظام عالمي حر، يستطيع الجميع أن يعيشوا في ظله آمنين، متمتعين بحرياتهم الدينية على قدم المساواة مع المسلمين وبحماية المسلمين»79.
والإسلام لا يرضى لأتباعه حياة الذل والخنوع، بل يدعوهم إلى التنعم بالعيش الكريم، والترفل برداء العز والإباء، وينهاهم عن الاستكانة والهوان.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النساء: ٩٧ - ١٠٠].
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين، يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي السهم فيرمى به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب عنقه فيقتل، فأنزل الله عز وجل: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) 80.
«إن المجتمع الإسلامي مجتمع حر من خلال إقراره بالعبودية لله وحده دون شريك، حر وهو يشارك بالرأي في تسيير أموره، حر وهو يتعفف عن قول الزور أو القول على الله بغير علم، حر وهو يدافع عن حرية الآخرين، حر وهو يبدي رأيه بأدب حتى مع مخالفيه في الرأي أو العقيدة، حر وهو يستمتع بخيرات الله دون مساس بحقوق الآخرين، حر وهو يحرر النفس من الهوى، والإنسان في الإسلام حر بكل ما تعنيه الكلمة، لا يسيطر عليه طاغوت، ولا تستعبده شهوة، ولا تتحكم فيه لذة أو متاع أو عرض زائل»81.
١٢. مجتمع مسالم.
الأصل في الإسلام هو السلم.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [البقرة: ٢٠٨].
فالسلم هنا يشمل السلم داخل المجتمع المسلم وخارجه، السلم بين المسلمين ومع غيرهم، فلا يقاتل غير المسلم إلا إذا نكث العهد أو اعتدى أو صادر الحريات أو حال دون وصول رسالة الإسلام وبلوغ دعوته أو نبذ أو خان وغدر.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة: ١٩٤].
«إذن فالجماعة المسلمة مسالمة مع نفسها، لا تعرف الصراع الذي يؤدي إلى التنازع، ولا تعرف التنافس الذي يقود إلى الأنانية والظلم، وإنما يعيش أعضاؤها في سلام وحب وتعاون على الخير والمعروف، ولعل التنافس الوحيد بين أعضائها وبين غيرها من الجماعات هو ذلك التنافس في طاعة الله وفي العمل الصالح، ومسالمة مع غيرها من الجماعات التي لا تدين بالإسلام، ولكنها ترد العدوان الواقع عليها بغير ظلم»82.
ولقد نهى الإسلام عن كل ما يعكر صفو المجتمع ويهدد سلامه من التنازع والمشاحنة والقطيعة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأنفال: ٤٦].
وقال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الحجرات: ٩، ١٠].
ولقد أحاط الإسلام هذا المجتمع بسياج من التشريعات والحدود والآداب، تكفل أمن المجتمع، وينعم أفراده بالأمن والسلام.
١٣. مجتمع التنافس.
يصور البعض الحياة على أنها صراعٌ دائمٌ وعراكٌ مستمر، صراع بين الإنسان والبيئة، دور الإنسان في البيئة أن يقهر الطبيعة، ويسيطر عليها، وينهكها ويستفرغ خيراتها، ولو أدى الأمر إلى تلويثها وفقدانها توازنها، وصراع آخر بين الإنسان والإنسان بين الأمم والشعوب على السيادة والهيمنة والقهر والغلبة والتفوق، مع ما يجره هذا الصراع -غالبًا- من مواجهات دامية ومعارك حامية بين الدول المتصارعة، وما يصيب الشعوب جراء طموحات بعض الحكام والقادة من كدٍ وعناءٍ، وجراحٍ وآلامٍ، ولهثٍ وراء أطماع القادة والحكام وأحقادهم، على حساب الأفراد والأسر التي تشقى بالحروب التي تذكيها الأنانية والأثرة وحب التسلط وشهوة التملك، جاهلين حكمة الله تعالى ومشيئته في خلقه وأقداره وشرعته.
حتى العلاقة بين الرجل والمرأة صارت عندهم صراعًا دائمًا على الكراسي والمناصب والحقائب، حتى غدت الحياة صراعات لا يخمد أوارها، ولكن الإسلام دين المحبة والوئام، دين التعاون والتضامن، يغلق أبواب الصراع ويفتح أبواب التنافس إلى الخيرات، والتسابق إلى المغفرة والجنات، والتعاون على البر والتقوى، مضمار فسيح وميدان رحيب يتسع للجميع.
ونحن لا ننفي وجود الصراع في هذا الكون، لكنه ليس القاعدة التي نبني عليها علاقاتنا وتعاملاتنا في هذا الكون، بل التنافس المحمود هو الذي يذكي شعلة الجد والعمل، ويثير العقول، ويحفز الهمم نحو المعالي.
قال تعالى -في سياق بيان نعيم الجنة-: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [المطففين: ٢٦].
وقال تعالى عن آل زكريا عليهم السلام: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأنبياء: ٩٠].
« (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [المؤمنون: ٦١ ].
أي: في ميدان التسارع في أفعال الخير، همهم ما يقربهم إلى الله، وإرادتهم مصروفة فيما ينجي من عذابه، فكل خير سمعوا به أو سنحت لهم الفرصة إليه انتهزوه وبادروه، قد نظروا إلى أولياء الله وأصفيائه، أمامهم، ويمنة، ويسرة، يسارعون في كل خير، وينافسون في الزلفى عند ربهم، فنافسوهم. ولما كان السابق لغيره المسارع قد يسبق لجده وتشميره وقد لا يسبق لتقصيره أخبر تعالى أن هؤلاء من القسم السابقين فقال: (ﭠ ﭡ) [المؤمنون: ٦١ ]، أي: للخيرات (ﭢ) [المؤمنون: ٦١] قد بلغوا ذروتها، وتباروا هم والرعيل الأول، ومع هذا قد سبقت لهم من الله سابقة السعادة أنهم سابقون»83.
وذكر تعالى من مآثر مؤمني أهل الكتاب (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [آل عمران: ١١٤].
وأمرنا تعالى باستباق الخيرات فقال: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ) [البقرة: ١٤٨].
وبين تعالى أن ميدان التنافس ومضمار التسابق مفتوحٌ للجميع، وأن الجائزة الكبرى جنات واسعة تتسع لكل المسارعين للخيرات.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [آل عمران: ١٣٣].
وقال الله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [ الواقعة: ١٠-١١].
فالسابقون هم الذين يتسابقون في الدنيا إلى الخيرات حتى يسبقوا في الآخرة إلى الجنات.
وهذا المتسابق هو صاحب الهمة العالية الذي يسعى؛ ليكون أول المتسابقين للرقي لمعالي الأمور في الدنيا والآخرة، ولا يعني التنافس التحاسد والشقاق والعراك على دنيا زائلة، ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: (كل مخموم القلب صدوق اللسان). قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟! قال: (هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد)84.
وفي الحديث: (أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم! ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)85.
١٤. مجتمع عامل.
المجتمع المسلم مجتمع عامل، لا يعرف الكسل أو الخمول، ولا يعرف البطالة والاتكال، بل مجتمع عامل، العمل الصالح فيه قرينٌ للإيمان لا ينفك عنه ولا يفارقه، وتوفير فرص العمل وإعداد الأيدي العاملة الماهرة مسئولية المجتمع والدولة.
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [التوبة: ١٠٥].
فدعا الإسلام لكل عملٍ نافعٍ جادٍّ، ودعا لمراقبة الله تعالى فيه بإتقانه وإحسانه، وسماء المجتمع الإسلامي معطرة بعبق الإيمان الفواح، وعبيره الشذي، ونفحات الأعمال الصالحات، ونسائم الكلم الطيب الذي يملأ الأرجاء مسكًا وعنبرًا، ويشهد الأكوان على صلاح واستقامة أهل الإيمان، وأحقيتهم في قيادة موكب الإنسانية والإبحار بسفينتها إلى بر الأمان وضفاف السعادة: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ) [فاطر: ١٠ ].
ولقد عالج الإسلام مشكلة البطالة، ودعا للعمل الذي يجلب الرزق الحلال الطيب، ورفع من شأن كل مهنةٍ نافعة، فقد سخر الله الناس بعضهم لبعض، والمهن يكمل بعضها بعضًا، ولا يمكن الاستغناء عن أي حرفة أو صنعةٍ مفيدةٍ.
قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الزخرف: ٣٢].
وهذا نبي الله موسى عليه السلام وقد تربى في قصر فرعون، وفر من حاضرة مصر ميممًا وجهه نحو البادية؛ ليعمل أجيرًا للشيخ الكبير، يرعى الغنم، ويأكل من كسب يده، وما من نبي من الأنبياء إلا وعمل وأكل من كسب يده، فالأنبياء هم قادة المجتمعات وروادها وقدوة الناس.
(ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [القصص: ٢٦-٢٨].
وحين رأي النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يسأل الناس فيعيش على صدقاتهم دون أن يقدم للمجتمع عملًا صالحًا أعطاه درسًا مهمًّا حوله من عالة على المجتمع إلى صاحب مهنة يقتات منها وينفع به مجتمعه، فعن أنس بن مالكٍ (أن رجلًا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال: (أما في بيتك شيءٌ)؟ قال: بلى، حلسٌ نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعبٌ نشرب فيه من الماء. قال: (ائتني بهما). فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: (من يشترى هذين)؟ قال رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمٍ. قال: (من يزيد على درهمٍ)؟ مرتين أو ثلاثًا. قال رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: (اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدومًا فأتني به). فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيده ثم قال له: (اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يومًا)، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خيرٌ لك من أن تجيء المسألة نكتةً في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثةٍ: لذي فقرٍ مدقعٍ، أو لذي غرمٍ مفظعٍ، أو لذي دمٍ موجعٍ)86.
التحديات التي تواجه المجتمع المسلم
يواجه المجتمع المسلم مجموعة تحديات، منها:
أولًا: الفقر:
تعيش الغالبية الكاثرة من المجتمعات المسلمة تحت خط الفقر، بما يؤثر سلبًا على حياتهم، ويحرم الكثير من حد الكفاف، ويجعل الأسر عاجزة عن تلبية ضرورات الحياة ومطالب الأبناء، فيقف الفقر حجر عثرة أمام التعليم والنهوض والارتقاء، من هنا تتجلى نعمة الاستغناء، ولقد امتن الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بأن أغناه.
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ) [الضحى: ٨].
كما كان نبينا صلى الله عليه وسلم يستعيذ كثيرًا من الفقر، فعن مسلم بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر)87.
وقد دعا القرآن الكريم إلى السعي في كسب العيش والأخذ بالأسباب المعينة على ذلك.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ) [الملك: ١٥].
وهيأ الله عز وجل الحياة لطلب العيش ويسر لذلك السبل.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأعراف: ١٠].
وما على العبد إلا أن يسير ويسلك السبل، ويطرق أبواب الرزق. وسعى الإسلام إلى تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فإن الغنى الفاحش يقابله فقر مدقع، كما هو الحال الآن في ظل النظام الرأسمالي المجحف المبني على الجشع والاستغلال، والقهر والإذلال، والتحرر من كل القيم الإنسانية والأخلاق والآداب الكريمة.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الحشر: ٧].
حتى لا يكون المال حكرًا على الأغنياء يتداولونه وحدهم فيما بينهم، ويستأثرون بالمغانم دون الفقراء والمساكين، كما كان في الجاهلية وكما هو الحال في ظل النظم الجاهلية الوضعية، فكم ينتج عنه من مفاسد وشرور وأحقاد وضغائن! بل يجب أن يدور المال دورته الطبيعية كما تدور الدماء في الجسم، حيث يضخه القلب فيصل إلى كل شريان وعرقٍ وخليةٍ وعضوٍ بقدر حاجته.
ثانيًا: الجهل:
الجهل داء عضال وخطر داهم وآفةٌ مهلكةٌ؛ فالجاهل لا يميز بين الغث والسمين، ولا يفرق بين المنكر والمعروف، وشفاء الجهل طلب العلم والعمل به، علم الكتاب والسنة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الروم: ٦-٧].
فمن مظاهر الجهل الغفلة عن السنن الربانية التي تضيء معرفتها للمسلم طريقه، وتزيده وعيًا وحكمةً وبصيرة، والجهل يورث الفقر، ويفضي إلى التأخر والتخلف عن ركب الحضارة، كما يؤدي إلى الوقوع في المنكرات، والخلط بين المفاهيم، واختلال موازين القيم، حتى يرى الجاهل الحسن قبيحًا والقبيح حسنًا.
تدبر في حال قوم نوح عليه السلام ومقالتهم وجوابه على مزاعمهم بما يفند جهلهم.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [هود: ٢٥-٢٩].
فالجهل يؤدي إلى اختلاط المفاهيم وانقلاب الموازين وانحراف المعايير حتى يقيس الأمور بغير مقياسها، فقد اعترضوا على بشرية الرسول مع عبادتهم لأحجارٍ من دون الواحد القهار، واعترضوا على اتباع نوحٍ وطعنوا في دعوته بحجة أنه لم يستجب له إلا الضعفاء، وتلك سنة الدعوات أن أول من يلبي نداءها الفقراء والعبيد والضعفاء لما يعقدونه من آمال في التحرر، بينما ينصرف عنها كثير من الأغنياء والأقوياء، يصدهم غرورهم ويمنعهم كبرهم وتجبرهم وحرصهم على المال والجاه.
والجهل يفضي إلى الوقوع في المنكرات والضلالات كما وقع لقوم لوط.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [النمل: ٥٤-٥٥].
وصفهم بالجهل وهو الطيش والسفه الذي يدفع صاحبه إلى ارتكاب المنكر، دون إدراكٍ لأخطاره أو تحسبٍ لأضراره، كذلك الجهل المنافي للعلم؛ إذ لا يفعل هذه الموبقات إلا الجهال بخطرها وعاقبتها، أو نفى العلم عنهم وإن علموا بقبحها وسوء عاقبتها؛ لأن علمهم لم ينفعهم ولم يدفعهم عن هذا الجرم، فأضحى لا قيمة له، فهو بمثابة الجهل، والتعبير بالفعل المضارع مع مناسبته للفاصلة فيه دلالة على مضيهم في جهلهم وإصرارهم عليه، حتى إن الأيام لا تزيدهم إلا جهالة وضحالة، فهم في انحطاطٍ وتردٍّ.
وكما حدث لبني إسرائيل عندما نجاهم الله تعالى من فرعون وجنوده فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأعراف: ١٣٨].
أي «تجهلون عظمة الله وجلاله وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل»88؛ «إذ لا يقول هذا القول في الله إلا من جهل قدر الله، ولم يعرف ما لله من كمال وجلال»89.
(ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأعراف: ١٣٨].
ومع كثرة وسائل المعرفة وتقدمها بما يسهل سبل تحصيل العلم والمعرفة إلا أن هذه التقنيات لا تزيد كثيرًا من الناس إلا جهالة وسفهًا؛ نظرا لغواية وكيد القائمين عليها المهيمنين على وسائل الاتصال والمعرفة، مما ينعكس سوءًا على أفكار الناس وسلوكهم، فضلًا عن انتشار الجهل المركب بين حملة الشهادات العالية وبين من يدعي الثقافة، فترى جهلًا جهولًا في كلامهم وأحكامهم، ناهيك عن سلوكهم.
عن أنس رضي الله عنه قال: لأحدثنكم حديثًا لا يحدثكم أحدٌ بعدي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا) الحديث90.
ثالثًا: الأمراض:
مما يترتب على الجهل والفقر كثرة الأمراض وانتشار الأوبئة، وفي عصرنا هذا مع التقدم في مجال الطب وكثرة كليات الطب والمستشفيات إلا أن ثمة أمراضاً منتشرة في المجتمعات الإسلامية بسبب سوء التغذية والتلوث البيئي والقصور في الجانب الوقائي، وغياب الوعي، والتقصير في جانب التربية مما يؤدي إلى الإهمال والفوضى والغش ويساهم في انتشار الأوبئة، وغير ذلك مما يرجع إلى تعطيل شرائع الإسلام التي جاءت بالخير والإحسان والعافية.
ولقد جاء القرآن بما فيه شفاء الأرواح والأبدان، وكذلك السنة النبوية استخلص منهما العلماء والحكماء معاجم للطب والدواء، وصدق الله تعالى إذ يقول: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الإسراء: ٨٢].
وقد أشار القرآن إلى ضرورة التوقي بالنظافة والتغذية المفيدة، وتحري الأدوية الناجعة، ونوه بكثير من الأطعمة النافعة، وأشار إلى جملة منها كعسل النحل.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [النحل: ٦٨-٦٩].
وكل شرائع الإسلام من وضوء وغسلٍ وصلاة وصيام وحج وزكاة وذكر ودعاء فيها الشفاء والعافية للأبدان والأرواح، وللأفراد والمجتمعات، كذلك حرم الشرع كل ما فيه ضرر أو خطر على صحة الإنسان كالخمر ولحم الخنزير والدم المسفوح وغيرها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩٠-٩١].
(ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنعام: ١٤٥].
وأغلب ورود كلمة مرض في القرآن في مرض القلوب وسقم النفوس وتلبسها بالشبهات وتعلقها بالشهوات، ولقد شخص القرآن أمراض القلوب، وبين أعراضها ومخاطرها، وشرع الوقاية من تلك الآفات.
قال تعالى عن المنافقين: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [البقرة:١٠].
(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [التوبة: ١٢٥].
(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الحج: ٥٣].
(ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأحزاب: ١٢].
(ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأحزاب: ٣٢].
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ) [محمد: ٢٠].
والمتأمل في هذه الآيات يقف على جملة من أعراض أمراض القلوب وأخطارها:
ولاشك أن خراب الذمم وفساد الضمائر من أسباب الفساد الاجتماعي والبيئي والصحي، ويحضرنا في هذا السياق قوله تعالى في ذم النفاق وأصحابه: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة:٢٠٤-٢٠٦].
عن مجاهدٍ قيل له: «يا أبا الحجاج، وكيف هلاك الحرث والنسل؟ قال: يلي في الأرض فيعمل فيها بالعدوان والظلم، فيحبس بذلك القطر من السماء، فيهلك بحبس القطر الحرث والنسل»91.
رابعًا: التعصب:
التعصب داء مقيت ينتشر بين الجهال وأصحاب البدع والأهواء، الذين يتعصبون لأهوائهم ويتشبثون بجهلهم، فيجعلون من التعصب غشاوة على أبصارهم تحجب عنهم نور الهدى، وتراهم يعشقون الباطل ويبغضون الحق وإن لاحت لهم أعلامه وظهرت حججه، فالتعصب مزلة الأقدام، ومظنة الجمود والأوهام، ومدعاة إلى الظنون وتتبع العثرات، وقائدٌ إلى سوء الظن والريبة في غير موضعها، والنفور من أهل العلم والجهالة والتسرع في الأحكام، وتمزق المجتمع.
وشفاء التعصب التجرد للحق، وتحري الصواب، والتثبت في الخبر.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [سبأ:٤٦].
(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الإسراء:٣٦].
ونبذ الأهواء.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النساء:١٣٥].
فواجب المؤمن أن يذود عن حمى العدل، ولا يجنح إلى هوى، ولا يتعصب لقرابةٍ أو لغيرها من روابط على حساب العدالة.
وقال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [ص:٢٦].
فلا ينبغي للحكم أن يتسرع في إصدار الأحكام، بل يتروى ويتريث حتى يضع الأمور في نصابها.
يقول الإمام الغزالي: «إن التعصب من آفات علماء السوء، فإنهم يبالغون في التعصب للحق، وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار، فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة والمقابلة والمعاملة، وتتوفر بواعثهم على طلب نصرة الباطل، ويقوى غرضهم في التمسك بما نسبوا إليه، ولو جاءوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في الخلوة لا في معرض التعصب والتحقير لأنجحوا فيه، ولكن لما كان الجاه لا يقوم إلا بالاستتباع، ولا يستميل الأتباع مثل التعصب واللعن والتهم للخصوم، اتخذوا التعصب عادتهم وآلتهم»92.
خامسًا: التطرف:
هو الوقوع في حافة الإفراط أو التفريط، ويقابله التوسط وهو الاعتدال، وفي مجتمعاتنا تجد من يتحرر من أحكام الشرع ويتحلل منها، في مقابل من يغالي أو يتشدد، ولقد دعا الإسلام إلى التوسط والتوازن في أمور الدين والدنيا.
قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [القصص: ٧٧].
كما دعا إلى الاعتدال في النفقة، فلا إسراف ولا تقتير (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الفرقان: ٦٧].
وقد ابتليت المجتمعات المسلمة ببعض المتشددين في أمور الدين المتنطعين، كما ابتليت بالمارقين عن دينهم المتساهلين في أحكامه المقصرين في شرائعه.
عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: (جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها؛ فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر -أو غفر الله- له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا! وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر! وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا! فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء! فمن رغب عن سنتي فليس مني)93.
في مقابل ذلك فلابد من الجد والسبق إلى العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، دون توانٍ أو تقاعسٍ، فقد قال تعالى ليحيى عليه السلام وهو في ريعان الصبا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [مريم:١٢].
أي: بجدٍ وحرص ومواظبة واجتهاد، وتمسكٍ بما فيه من أحكامٍ وإرشاد، فلا يضعف ولا يتراجع ولا يتقاعس عن رسالته ودعوته التي وكل بها، وامتدح الله أهل الكتاب بقوله: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الأعراف:١٧٠].
والتشديد في الفعل يدل على بلوغ الغاية في حسن التمسك وشدة الحرص وقوة العزيمة في الأخذ بالكتاب، فلا تهاون ولا تفريط.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الزمر:١٧-١٨].
فكما تتوق النفوس إلى معالي الرتب الدنيوية وإلى تحقيق الأفضل وإحراز الأحسن في أمور الدنيا، فالمؤمن همته للآخرة همةٌ عاليةٌ ونفسه لنعيمها تواقة وروحه لها وثابة.
سادسًا: كيد الأعداء:
الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله تعالى، والعداء للحق حقيقة لاشك فيها، فمنذ أن صدع النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة ربه وأعداء الإسلام يسعون إلى إضعاف المسلمين وبث بذور الفرقة بينهم، كما يسعون إلى صرفهم عن دينهم وشغلهم عن كتاب ربهم وتعطيل شريعة الإسلام، ولقد كشف القرآن عن أعداء الإسلام وبين مكائدهم وحذر من حيلهم وأساليبهم.
من ذلك قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [النساء:٤٤-٤٥].
وعن عداوة اليهود لنا قال سبحانه: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المائدة:٨٢].
فقد رأينا ولا زلنا نرى صورًا ومشاهد من عداوتهم للمسلمين وكيدهم بالمؤمنين.
وعن مخاطر المنافقين وعداوتهم ومكرهم أسهب القرآن في ذلك، حتى لا تكاد تخلو سورة مدنية من ذم النفاق والمنافقين، من ذلك سورة المنافقين التي يقول الله فيها: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ) [المنافقون:٤].
كما بين القرآن سبل الوقاية من مكائد الأعداء كما جاء في قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [آل عمران: ١٢٠].
قال ابن كثير: «يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار وكيد الفجار، باستعمال الصبر والتقوى والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم، فلا حول ولا قوة لهم إلا به، وهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن»94.
سابعًا: فتن الشبهات:
يسعى أعداء الإسلام جاهدين إلى تشكيك المسلمين وصرفهم عن دينهم، بإثارة غبار الشبهات.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [البقرة:٢١٧].
فمنذ أن بزغ فجر الإسلام والمعركة بين الحق والباطل لم تتوقف، وجنود الباطل لم يكفوا عن زخرفتهم للأباطيل وإثارة غبار الشبه على صفحة الحق.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الأنعام:١١٢].
(ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفرقان:٣١].
ولهذه الشبه أخطار داهمة على المجتمعات المسلمة، ولاسيما مع انتشار الجهل وانحسار العلم وتمكن أعداء الدين وأدعيائه من وسائل الإعلام والتأثير وصناعة القرار، فكان لهذا أثرٌ سيئ على المجتمعات المسلمة، يحتاج إلى جهدٍ جهيدٍ لمجابهته والتخلص من تبعاته.
عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كنا عند عمر رضي الله عنه فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قومٌ: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التى تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم. فقلت: أنا. قال: أنت لله أبوك. قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلبٍ أشربها نكت فيه نكتةٌ سوداء، وأي قلبٍ أنكرها نكت فيه نكتةٌ بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه). قال حذيفة: وحدثته أن بينك وبينها بابًا مغلقًا يوشك أن يكسر. قال عمر: أكسرًا لا أبا لك؟! فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لا بل يكسر. وحدثته أن ذلك الباب رجلٌ يقتل أو يموت. حديثًا ليس بالأغاليط). قال أبو خالدٍ: «فقلت لسعدٍ: يا أبا مالكٍ، ما أسود مربادا؟ قال: شدة البياض فى سوادٍ. قال: قلت: فما الكوز مجخيًا؟ قال: منكوسًا»95.
ثامنًا: فتن الشهوات:
الاستغراق في الشهوات سبيل من سبل الغواية والضلال، وسلاح الشهوات سلاح شيطاني يتصيد به من وقع في حبائله.
والشهوات خلقها الله تعالى لابتلاء العباد ولتستقيم الحياة.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [آل عمران: ١٤].
فبدأ بالنساء؛ لأن الفتنة بهن أشد والبلاء أعظم، وحذر من الافتتان بهن بما يصد المؤمن عن واجباته الشرعية، أو يحمله على الوقوع في المحظورات من أجل إرواء شهوة، والاعتدال في هذا هو المحمود، قال ابن كثير رحمه الله: «فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه»96.
والناس من جهة الشهوات قسمان: «قسم: جعلوها هي المقصود، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها، فشغلتهم عما خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها ويتناولون شهواتها، ولا يبالون على أي وجه حصلوها، ولا فيما أنفقوها وصرفوها، فهؤلاء كانت زادًا لهم إلى دار الشقاء والعناء والعذاب، والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها، وأن الله جعلها ابتلاء وامتحانًا لعباده؛ ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة لهم وطريقًا يتزودون منها لآخرتهم، ويتمتعون بما يتمتعون بها على وجه الاستعانة بها على مرضاته، قد صحبوها بأبدانهم وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها كما قال الله فيها: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) فجعلوها معبرًا إلى الدار الآخرة، ومتجرًا يرجون بها الفوائد الفاخرة، فهؤلاء صارت لهم زادًا إلى ربهم»97.
ولقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من خطوات الشيطان التي يسعى من خلالها إلى الإفساد والإغواء.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النور: ٢١ ].
«ووقوع هذه الآية بعد الآيات العشر التي في قضية الإفك مشيرة إلى أن ما تضمنته تلك الآيات من المناهي وظنون السوء ومحبة شيوع الفاحشة كله من وساوس الشيطان»98.
(ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) أي: «ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان؛ لأن الشيطان يسعى هو وجنده في الدعوة إليها وتحسينها، والنفس ميالة إلى السوء، أمارة به، والنقص مستولٍ على العبد من جميع جهاته، والإيمان غير قوي، فلو خلي وهذه الدواعي ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب والسيئات والنماء بفعل الحسنات»99.
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (ﭨ ﭩ ﭪ) قال: «ما اهتدى أحد من الخلائق لشيء من الخير»100.
كما نهى الإسلام عن كل ما يثير الغرائز ويضرم نار الشهوات، فتستعر في غير محلها وتتوقد في غير حلها.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ)[النور: ٣٠-٣١ ].
وقال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأحزاب: ٣٢-٣٤ ].
وشرع الإسلام الحدود زواجر وكفارات لمن وقع في الخنا.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النور: ١-٢ ].
ولقد استغل أعداء الإسلام هذا السلاح الإبليسي في إضعاف أمة الإسلام والسيطرة عليها، فجهدوا في إغراق المسلمين في بحار الشهوات المتلاطمة.
فتحت شعار الحرية دفعوا المرأة إلى التحرر من القيم والأخلاق وخلع الحجاب، وتحت شعار المساواة زجوا بها في شتى ميادين العمل؛ لتزاحم الرجال، وتختلط وتخلو وتسافر بدون محرم.
وباسم الفن صارت المرأة المسلمة من صانعات الإغراء، تلهب المشاعر، وتؤجج العواطف، وتثير الغرائز.
فمن أسباب الوهن والهزيمة لزوم الشهوات، قال الإمام الشافعي: «من لزم الشهوات لزمته عبودية أبناء الدنيا»101.
ولقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء، فعن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء)102.
موضوعات ذات صلة: |
الاجتماع، الإحصان، الأمة، السماحة، العلاقات الاجتماعية، الوحدة، اليتيم |
1 مقاييس اللغة ١/٤٢٦.
2 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٦٧٨.
3 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ٩١٧، تاج العروس، الزبيدي ٢٠/٤٥٤.
4 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ص ١٣٦.
5 علم الاجتماع، علي عبد الواحد وافي ص١٦.
6 الإسلام وبناء المجتمع، حسن أبو غدة وآخرون ص٣.
7 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٧٨.
8 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٠٢.
9 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٤/٥٦.
10 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٧١٣.
11 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٩٢.
12 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٣/١٣٤.
13 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٤٨٣.
14 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٦١.
15 نحو مجتمع مسلم، سيد قطب ص ١٣٧.
16 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٣/٧٢٦، وعزاه لابن المنذر.
17 انظر: المجتمع المتكافل في الإسلام، عبد العزيز الخياط ص ٦.
18 تفسير ابن أبي حاتم ١٢/٤٣٧.
19 تفسير ابن أبي حاتم ٧/٥٣.
20 نحو مجتمع مسلم، سيد قطب ص ١٢٨.
21 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١/٢٠.
22 التفسير الحديث، محمد عزت ٨/٦١٧ باختصار.
23 التحرير والتنوير ٦/٢٣٨.
24 البيت لكعب بن سعد الغنوي كما في نهاية الأرب في فنون الأدب ٧/١٣١.
25 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٣١٩.
26 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٧/٣٩٣.
27 أضواء البيان ٩/٩٧.
28 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٣/٥٨.
29 تفسير ابن أبي حاتم ١٢/٤١٢.
30 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في الرحمة، ٤/٤٤٠، رقم ٤٩٤٣، ولترمذي في سننه، أبواب البر والصلة، باب رحمة المسلمين، ٣/٣٨٨، رقم ١٩٢٤.
قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
31 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في الديك والبهائم، رقم ٥١٠١.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ١/٦٤، رقم ٢٥.
32 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم، ٢/٣٥٨، رقم ٣٣٢١، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، ٤/١٧٦١، رقم ٢٢٤٥.
33 خلق المسلم، محمد الغزالي ص ١٩٦.
34 أخرجه النسائي في سننه، كتاب البيعة، باب بيعة النساء، ٧ /١٠٥، رقم ٤١٨١.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٢/٦٣.
35 رحلة ابن بطوطة ١/٤٧.
36 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، رقم ١٩٤٣.
37 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، رقم ٤٦٧، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم ٢٥٨٥.
38 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، رقم ١٣.
39 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم ٢٥٨٦.
40 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر، رقم ٢٥٥٩.
41 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٤٦.
42 الأنوار الساطعات لآيات جامعات ١/٤٩٧.
43 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٢/٣٧٥.
44 جامع البيان، الطبري ٢١/٥٩٥.
45 ديوان أبي العلاء المعري ١/١٢٠٣.
46 مقدمة ابن خلدون ص٤٢٩.
47 مقدمة ابن خلدون ص٣٦٠.
48 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٤٦.
49 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب نصر المظلوم، رقم ٢٣١٤، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم ٢٥٨٥.
50 انظر: حلية الأولياء ٧ /٢٨٤.
51 زاد المهاجر ص٦-٧.
52 المصدر السابق ص ١٣.
53 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب ما جاء في الصحة والفراغ وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، رقم ٦٠٥١.
54 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الغيرة، ٣/٤٠٣، رقم ٤٩٢٦، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق، ٤/١٧١٦، رقم ٢١٨٢.
55 انظر: إرشاد العقل السليم ٥/٩٠١، مدارك التنزيل، النسفي ٤/٣٧٥.
56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشركة، باب هل يقرع في القسمة، ٨/٣٩٨، رقم ٢٣٦١.
57 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، رقم ٥٧، وأخرجه مسلم في الإيمان باب بيان أن الدين النصيحة، رقم ٥٦.
58 أخرجه أبو داود ٤/٤٤٢ رقم ٤٩٤٧، وسنده صحيح.
59 أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، رقم ٥٥.
60 انظر: ملامح المجتمع المسلم، القرضاوي ص١٥٠.
61 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللقطة، باب استحباب المواساة بفضول المال، ٣/١٣٥٤، رقم ١٧٢٨.
62 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب إذا قال: اكفني مؤنة النخل وغيره، ٣/١٠٤، ٢٣٢٥.
63 أخرجه أحمد في مسنده، ٥/٤٣٩، رقم ٢٤١٢٣.
وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٢/٥٦٠.
64 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في المشورة، رقم ٥١٢٨، ٤/٣٣٣، والترمذي في سننه، كتاب الأدب، باب المستشار مؤتمن، رقم ٢٨٢٢، ٥/١١٥.
قال الترمذي: حديث حسن.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٣٦، رقم ٦٧٠٠.
65 البيتان لصالح بن عبد القدوس.
انظر: بهجة المجالس وأنس المجالس، ابن عبد البر ٢/٤٥٦.
66 انظر: النظام السياسي في الإسلام، محمد أبو فارس ص ٨٥.
67 أخرجه أحمد في مسنده، ٤/٢٢٧.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٩/٥٣: رجاله ثقات إلا أن ابن غنم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم.
68 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حديث الإفك، رقم ٣٩١٠.
69 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٣٣.
70 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام ١/٦٥٢.
71 المصدر السابق ١/٧١٨.
72 المصدر السابق ٢/١٠٢٥.
73 انظر: الروض الأنف، السهيلي ٤/٣٧.
74 الجامع لأحكام القرآن، القرطبى ٤/٦٦.
75 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٢٣٢.
76 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٢٨٥، الدر المنثور، السيوطي ١٢/٦٥٤.
77 ملامح المجتمع المسلم، القرضاوي ص ١٣٥.
78 الطبقات الكبرى، ابن سعد ٨/٩.
79 نحو مجتمع إسلامي، سيد قطب ص ١٠٦.
80 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب تفسير سورة النساء، رقم ٤٣٢٠.
81 علم الاجتماع الإسلامي التصوير القرآني للمجتمع، صلاح فوال ١ /١١٩.
82 المصدر السابق ١/٧٣.
83 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٥٤.
84 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب الورع والتقوى، ٢/١٤٠٩، رقم ٤٢١٦.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٢/٦٣٢، رقم ٩٤٨.
85 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، رقم ٦٠٦١، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، رقم ٢٩٦١.
86 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، رقم ١٦٤٣، وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب بيع المزايدة، ٢/٧٤٠، رقم ٢١٩٨.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ص ٢٥٦، رقم ١٧٨٠.
87 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٤/١٧، رقم ٢٠٣٨١، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، ٤/٤٨٤، رقم ٥٠٩٢.
وصححه الألباني في الإرواء ٣/٣٥٦.
88 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٩٦.
89 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٥/٤٧٢.
90 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب رفع العلم وظهور الجهل، رقم ٨١.
91 تفسير ابن أبي حاتم ٢/٦٠.
92 إحياء علوم الدين ١/٤٠.
93 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، رقم ٤٧٧٦، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، رقم ١٤٠١.
94 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٩٠.
95 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا، رقم ١٤٤.
96 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٣٢.
97 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٢٣.
98 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/١٤٩.
99 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٦٣.
100 أورده السيوطي في الدر المنثور ١٠/٦٨٨، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
101 انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي ١٠/٩٧.
102 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة، رقم ٥٠٩٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، رقم ٢٧٤٠.