عناصر الموضوع

مفهوم الظن

الظن في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع الظن

الظن اليقيني

أوهام مظنونة

غلبة الظن في الأحكام الشرعية

آثار الظن

الظن

مفهوم الظن

المعنى اللغوي:

الظن لغةً: الظاء والنون أصل صحيح يدل على معنيين مختلفين: يقين وشك، فأما اليقين فقول القائل: ظننت ظنًا، أي: أيقنت، والأصل الآخر: الشك، يقال: ظننت الشيء، إذا لم يتيقنه، ومن ذلك الظنة: التهمة. والجمع: الظنن 1.

وبعض أهل اللغة لا يرتضي جعل اليقين المطلق من معاني مادة الظن وإنما يقيده بأنه اليقين الذي لم يتيقين عيانًا ويسمى يقين تدبر، فأما يقين العيان فلا يقال فيه إلا علم 2، فقد يوقع الظن موقع اليقين في الأمور المتحققة، لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس، لا تقول العرب في رجل مرئي حاضر: أظن هذا إنسانًا، وإنما تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس بعد، كقوله تعالى: ( )[الكهف:٥٣] 3.

كما نجد أن في بعض المعاجم اللغوية كلمات تعود إلى مادة (ظن) غير الشك واليقين، ففي تهذيب اللغة:« الظنون من النساء التي لها شرف تتزوج وإنما سميت ظنونًا لأن الولد يرتجى منها« 4.

وبالنظر إلى جميع المفردات اللغوية التي ترجع إلى مادة ظن نجد أنها ترجع إلى التخمين والحدس 5

المعنى الاصطلاحي:

هناك تعاريف عديدة للظن عند علماء التفسير في ثنايا تفسيرهم لآيات الظن، بينها عوامل مشتركة وإن كان فيها اختلاف في بعض الألفاظ6. فمنهم من عرفه بأنه: تجويز أمرين في النفس لأحدهما ترجيح على الآخر. وقيل: الظن ميل النفس إلى أحد معتقدين متخالفين، دون أن يكون ميلها بحجة، ولا برهان7.

ويذكر ابن عطية أن الظن قاعدته الشك مع ميل إلى أحد معتقديه 8.

وكثر إطلاقه في القرآن على الاعتقاد الباطل كقوله تعالى: ( )[ الأنعام:١١٦].

الظن في الاستعمال القرآني

وردت مادة (ظنن) في القرآن بصيغ متعددة، بلغت(٩٦) مرة 9.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الإفراد

٢٦

( ) [الجن:٧]

التثنية

١٥

( ) [المطففين:٤]

الجمع

٢١

( ) [النجم:٢٨]

الصفة المشبهة

١

( ) [الفتح:٦]

وورد الظن في القرآن على ثلاثة أوجه 10:

الأول: الشك والحسبان: ومنه قوله تعالى: ( ) [الجاثية: ٣٢]. يعني: ما نشك إلا شكًّا ولسنا على يقين من قيام الساعة.

وقوله تعالى: ( ) [الانشقاق: ١٤]. أي: حسب أن لن يرجع بعد موته لشكه في البعث.

الثاني: اليقين: ومنه قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٤٦]. يعني: يوقنون.

الثالث: التهمة: ومنه قوله تعالى: ( ) [آل عمران: ١٥٤]. يعني: تتهمون الاتهامات الباطلة السيئة.

الألفاظ ذات الصلة

الشك:

الشك لغة:

قال ابن فارس رحمه الله في معنى الشك في اللغة: «الشين والكاف أصل واحد مشتق بعضه من بعض وهو يدل على التداخل، ومن هذا الباب الشك الذي هو خلاف اليقين، إنما سمي بذلك لأن الشاك كأنه شك له الأمران في مشك واحد وهو لا يتيقن واحدًا منهما، فمن ذلك اشتقاق الشك 11.

الشك اصطلاحًا:

هو اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما، وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عند النقيضين، أو لعدم الأمارة فيهما 12. وقال الجرجاني رحمه الله: «الشك هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك، وقيل: الشك ما استوى طرفاه، وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما، فإذا ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن، فإذا طرحه فهو غالب الظن وهو بمنزلة اليقين » 13.

الصلة بين الشك والظن:

أن الظن شك مع ميل إلى أحد معتقديه 14؛ فالنسبة بين الشك والظن هي نسبة العموم والخصوص المطلق، العموم في طرف الشك، والخصوص في طرف الظن، فالشك يساوي عدم القطع، إذ كل علم غير قطعي فهو مشوب بالشك، أمّا الظن فلا يطلق إلا بشأن العلم غير القطعي المستند إلى أمارة. لذا بوسعنا أن نسمّي كلّ ظن شكًا، ولكن ليس كل شكٍ بظن.

اليقين:

اليقين لغة:

هو العلم و زوال الشك. يقال منه: يقنت الأمر يقنًا، وأيقنت، واستيقنت، وتيقّنت، كلّه بمعنًى. وأنا على يقين منه. وإنّما صارت الياء واوًا في قولك: موقنٌ؛ للضمة قبلها. وإذا صغّرته رددته إلى الأصل وقلت: مييقنٌ. وربّما عبّروا عن الظنّ باليقين، وباليقين عن الظنّ15.

اليقين اصطلاحًا:

هو العلم بالشيء عن نظر و استدلال، أو بعد شك سابق. ولا يكون شك إلا في أمر ذي نظر؛ فيكون أخص من الإيمان ومن العلم16. وقيل: هو العلم الذي لا يقبل الاحتمال. وقد يطلق على الظن القوي إطلاقًا عرفيًا؛ حيث لا يخطر بالبال أنّه ظن، ويشتبه بالعلم الجازم فيكون مرادفًا للإيمان والعلم 17.

الصلة بين اليقين والظن:

إن ثمّة صلة بين الظن واليقين تحسن الإشارة إليها في هذا الموضع، فإطلاق الظن في كلام العرب على معنى اليقين كثير، وقد ورد ذلك في كتاب الله، والعرب تطلق الظن بمعنى اليقين ومعنى الشك18 أيضًا، فبعض الظن يطلق مرادًا به اليقين، وأما اليقين فلا يطلق على الظن.

الحسبان:

الحسبان لغة:

بكسر الحاء بمعنى الظن19. وحسب بكسر السين: ظن، مضارعه بالفتح والكسر، وحسب بالفتح من العدد ومضارعه بالضم، ومنه الحساب والحسبان...20.

الحسبان اصطلاحًا:

أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله فيحسبه، ويعقد عليه الإصبع، ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك21. وقيل: «هو قوة أحد النقيضين على الآخر كالظن، بخلاف الشك فهو: الوقوف بينهما، والعلم فهو القطع على أحدهما22.

الصلة بين الحسبان والظن:

الظّن ضرب من الاعتقاد، وقد يكون حسبان لكن ليس باعتقاد. قال أبو هلال: «أصل الحسبان من الحساب، تقول: أحسبه بالظّن قد مات. كما تقول: أعدّه قد مات. ثمّ كثر حتى سمي الظّن: حسبانًا على جهة التّوسع، وصار كالحقيقة بعد كثرة الاستعمال»23. وقد فسرت آيات الحسبان بالظن في القرآن، كما جاء التجوز عن الظن بالحسبان في بعض الآيات؛ مما يشير إلى أن هناك صلة بين المعنيين.

العلم:

العلم لغة:

العين واللام والميم أصل صحيح واحد، يدل على أثر بالشيء يتميز به عن غيره، من ذلك العلامة، وهي معروفة، والعلم: الراية، والجمع: أعلام، والعلم: نقيض الجهل، وتعلمت الشيء: أخذته، وتعلمت أي: علمت24.

العلم اصطلاحًا:

الاعتقاد الراجح المانع من النقيض.

وقيل: إدراك الشيء بحقيقته25.

الصلة بين العلم والظن:

العلم والظن يشتركان في كون كل واحد منهما اعتقادًا راجحًا، إلا أنّ العلم راجح مانع من النقيض، والظن راجح غير مانع من النقيض. فلمّا اشتبها من هذا الوجه؛ صح إطلاق اسم أحدهما على الآخر 26. والعرب تستعمل الظن في موضع العلم فيما كان من علم أدرك من جهة الخبر أو من غير وجه المشاهدة والمعاينة، فأما ما كان من علم أدرك من وجه المشاهدة والمعاينة فإنها لا تستعمل فيه الظن.

الوهم:

الوهم لغة:

وهم إلى الشيء بالفتح يهم وهمًا، إذا ذهب وهمه إليه وهو يريد غيره، ووهم يوهم وهمًا - بالتحريك - إذا غلط 27.

الوهم اصطلاحًا:

هو الطرف المرجوح غير الجازم من المترددين، وهو أضعف من الظّنّ وكثيرا ما يستعمل في الظّنّ الفاسد 28.

الصلة بين الوهم والظن:

الوهم أضعف من الظن بل وأضعف من الشك، كما جاء ذلك في تعريف ابن جزي

رحمه الله حيث قال: «الظن: ترجيح أحد الاحتمالين، وقد يقال الظن بمعنى الشك، وبمعنى الوهم الذي هو أضعف من الشك 29.

أنواع الظن

تختلف الظنون في القرآن الكريم مابين حسن وآخر سيئ، فالظن مصدر يقع على الكثرة مع إفراد لفظه، لكن المصادر قد تجمع إذا اختلفت ضروبها، فقوله تعالى: () يدل على اختلاف الظنون، وقد أشار إلى ذلك المعنى غير واحد من المفسرين عند تفسيرهم لقوله سبحانه: ( ) [الأحزاب:١٠]30.

أخرج الطبري عن قتادة قال:« الظن ظنّان: فظن منج، وظن مرد قال: ( ) [البقرة: ٤٦].

قال: ( ) [الحاقة:٢٠] وهذا الظن المنجي ظنًا يقينًا، وقال ها هنا: ( ﭽﭾ ﭿ) [فصلت:٢٣] هذا ظن مرد31.

وهذا في ذات الله، أما ما كان من ظن بين الناس، فقد قال سبحانه: ( ) ولم يقل: اجتنبوا الظن كله؛ لأن الظن ينقسم إلى قسمين؛ القسم الأول: ظن خير بالإنسان، وهذا مطلوب أن تظن بإخوانك خيرًا ماداموا أهلًا لذلك، وهو المسلم الذي ظاهره العدالة، فإن هذا يظن به خيرًا، ويثنى عليه بما ظهر لنا من إسلامه وأعماله. القسم الثاني: ظن السوء، وهذا يحرم بالنسبة لمسلم ظاهره العدالة، فإنه لا يحل أن يظن به ظن السوء 32.

مما سبق يتبن أن الظنون تتنوع، وفيما يلي بيان لها:

أولًا: الظن الحسن:

ليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة، ولا أسعد لنفسه من حسن الظن؛ فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد. ومن خلال تعريف الظن وهو: ترجيح أحد الاحتمالين، نستطيع أن نعرّف حسن الظن بأنه: ترجيح لاحتمال الخير على احتمال الشر، سواء أكان ذلك في ذات الله أم بين الناس.

إن حسن الظن بالله عبادة قلبية جليلة؛ تتحقق بظن ما يليق به سبحانه، وما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العلى، مما يؤثر في حياة المؤمن على الوجه الذي يرضي الله عز وجل.

ولحسن الظن بالله متعلقان:

الأول: بالنسبة لما يفعله سبحانه في هذا الكون فيجب حسن الظن بالله عز وجل فيما يفعله في هذا الكون، وأن ما فعله إنما هو لحكمة بالغة، قد تصل العقول إليها وقد لا تصل، وبهذا تتبين عظمة الله وحكمته في تقديره، فلا يظن أن الله إذا فعل شيئا في الكون فعله لإرادة سيئة، حتى الحوادث والنكبات لم يحدثها الله لإرادة السوء المتعلق بفعله، أما المتعلق بغيره بأن يحدث ما يريد به أن يسوء هذا الغيرفهذا واقع كما قال تعالى: ( )[الأحزاب:١٧].

الثاني: متعلق بالنسبة لما يفعله سبحانه بالإنسان فيجب أن يظن بالله أحسن الظن، لكن بشرط أن يوجد السبب الذي يوجب الظن الحسن، وهو أن يعبد الله على مقتضى شريعته مع الإخلاص و الظن بأن الله يقبل منه، ولا يسيء الظن بالله بأن يعتقد أنه لن يقبل منه، وكذلك إذا تاب الإنسان من الذنب، فيحسن الظن بالله أنه يقبل منه، ولا يسيء الظن بالله بأن يعتقد أنه لا يقبل منه. وأما إن كان الإنسان مفرطا في الواجبات فاعلا للمحرمات، وظن بالله ظنا حسنا فهذا هو ظن المتهاون المتهالك في الأماني الباطلة، بل هو من سوء الظن بالله إذ إن حكمة الله تأبى مثل ذلك 33.

تحسين الظن بالله تعالى أن يظن العبد أن الله فارج همه، وكاشف غمه، وذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله وعفوه، وما وعد به أهل التوحيد. قال النووي رحمه الله: « قال العلماء: معنى حسن الظن بالله تعالى: أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه 34.

وقد أمرنا سبحانه بإحسان الظن، فقد أخرج الثعلبي عن فضيل بن عياض في قوله: ( )[البقرة:١٣٢] أي: محسنون بربكم الظن 35.

وجاء في معنى: (ﮪﮫ ) [البقرة:١٩٥] أحسنوا بالله الظن 36.

ولا شك أن لفظ الآية عام يتناول كل ما ذكر في تفسير هذه الآية والمخصّص يفتقر إلى دليل37.

وفي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (يقول اللّه تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خيرٍ منهم، وإن تقرّب إليّ بشبرٍ تقرّبت إليه ذراعًا، وإن تقرّب إليّ ذراعًا تقرّبت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولةً) 38.

وفي الحديث النبوي الصحيح، عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بثلاثة أيام يقول: (لا يموتنّ أحدكم إلّا وهو يحسن الظّنّ باللّه عزّ وجلّ)39.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حسن الظّنّ من حسن العبادة) 40.

وكان السلف الصالح يكثرون من سؤال الله حسن الظن أمثال عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير 41.

فحسن الظن بالله زاد المؤمن في طريقه إلى ربه، وفي سلوكه مدارج السالكين إلى رب العالمين، فهو شحنة إيمانية يتعلق بها القلب بالرب.

ومن صور حسن الظن بالله التوكل عليه والثقة به سبحانه، فإذا عظمت ثقة الإنسان بربه، كانت له قوة معنوية تدفع عنه عوامل اليأس والقنوط، وهو من أعظم الأسباب التي يتحقق بها المطلوب و يندفع بها المكروه وتقضى الحاجات، وكلما تمكنت معاني التوكل من القلوب تحقق المقصود أتم تحقيق، و هذا حال جميع الأنبياء والمرسلين. فإبراهيم عليه السلام لما قذف في النار، روي أنه أتاه جبريل فقال: ألك حاجة؟ قال: «أمّا إليك فلا »42. فكانت النار بردًا و سلامًا عليه، ومن المعلوم أنّ جبريل كان بمقدوره أن يطفئ النار بإذنه سبحانه، ولكن ما تعلق قلب إبراهيم عليه السلام بمخلوق في جلب النفع و دفع الضر، بل قال بعزة الواثق بالله:«حسبنا الله ونعم الوكيل43، فجاء الأمر الإلهي:( )[الأنبياء:٦٩].

والله يفعل و يقدّر ما يشاء؛ ولذلك يجب التوكل عليه سبحانه وحسن الظن به. ونفس الكلمة ردّدها الصحابة الكرام يوم حمراء الأسد، وذلك حينما أبلغهم الركب المارّ بهم بما قال أبو سفيان من أنه سيجمع الكرّة ليستأصل الرسول وأصحابه 44. وفي ذلك يقول سبحانه: ( ﯿ ﭛﭜ ) [آل عمران:١٧٣-١٧٤].

إنّ أمر الله نافذ على أية حال، غير أن المتوكل على الله المحسن الظن به يكفّر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا. فالعبد إذا توكل على الله في أمر دينه ودنياه، بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، ويثق به في تسهيل ذلك، فإن الله كافيه الأمر الذي توكل عليه به، وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي العزيز الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء، ولكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له 45. وهذا ما لمحناه في قصة يعقوب عليه السلام وفقده الطويل ليوسف، وأمله الكبير في لقاءه حين يقول لبنيه: ( ﭛﭜ ) [يوسف:٨٧].

فلم ييأس من روح الله، بل أحسن الظن وعلّق كل ثقته به سبحانه في أنه سيردهم له، ويقر عينه بالاجتماع بهم، على الرغم مما يتعرض له من المصائب المتتالية46.

وموسى عليه السلام لما خرج من المدينة هائمًا على وجهه، فاتفق أن كان مسيره في طريق يؤدي إلى أرض مدين حينئذ قال: ( ) [القصص:٢٢].

توكل على الله فكفاه وكفّاه، فأبعده عن شر فرعون وما كان يهم به من قتل، ويسّر له أسباب رزقه. قال ابن عباس رضي الله عنه: (خرج موسى ولا علم له بالطريق إلا حسن ظن بربه)47.

وتجلى أيضًا حسن الظن لدى موسى عليه السلام لمّا جاءه فرعون وجنوده، وأجمعوا كيدهم وبغيهم وظلمهم وعدوانهم فأسقط في يد ضعفاء النفوس، و قال بعض من مع موسى عليه السلام: ( ﭘﭙ)[الشعراء:٦١].

لا محالة هالكون، سيدركنا فرعون؛ قلقوا وخافوا، البحر أمامهم، وفرعون من ورائهم، قد امتلأ عليهم غيظًا وحنقًا، ولكن موسى الذي تلقى الوحي من ربه؛ لا يشك لحظة وملء قلبه الثقة بربه، واليقين بعونه، والتأكد من النجاة، وإن كان لا يدري كيف تكون فهي لابد كائنة. والله هو الذي يوجهه ويرعاه(ﭛﭜ ) [الشعراء:٦٢] فانفتح طريق النجاة من حيث لا يحتسبون، ومضت آية في الزمان، تتحدث عنها القرون، فهل آمن بها الكثيرون ؟ 48.

وها هو القرآن الكريم يقصّ علينا أنّ ذا النون يونس عليه السلام كان قوي الثقة بأن الله لن يضيق عليه في شدته، فحقق الله ما أمّله، ونجاه من همه، وأزال غمه.( )[الأنبياء:٨٧].

ونبينا صلوات ربي وسلامه عليه خير من أحسن الظن بربه في موقف من أصعب المواقف. وفي ذلك يقول سبحانه عنه: ( ﯜﯝ ﯪﯫ ﯯﯰ ) [التوبة:٤٠].

هذا الموقف آية من آيات الله، اثنان أعزلان يتحديان قريشًا بكاملها بعددها وعددها، فيخرجان تحت ظلال السيوف، ويدخلان الغار في سدفة الليل، ويأتي الطلب على فم الغار، بقلوب حانقة، وسيوف مصلتة، وآذان مرهفة، حتى يقول الصديق رضي الله عنه: (يا رسول اللّه لو أنّ أحدهم رفع قدمه رآنا. فيقول صلى الله عليه وسلم وهو في غاية الطمأنينة ومنتهى السكينة: (ما ظنّك باثنين اللّه ثالثهما) 49.

وكما أنه يجب إحسان الظن بالخالق فكذلك الخلق، فلابد من حمل المسلم على الصلاح -حيث الأصل-، وأن لا يظن به إلا خيرًا، وأن يحمل ما يصدر منه على أحسن الوجوه، وإن بدا ضعفها، تغليبًا لجانب الخير على جانب الشر.

والله سبحانه وجّه عباده لهذا الخلق حين قال: ( ﭽﭾ) [النور:١٢].

فالمعنى أنه كان ينبغي للمؤمنين والمؤمنات أن يقيسوا ذلك الأمر على أنفسهم، فإن كان ذلك يبعد في حقهم، فهو في حق عائشة أبعد؛ لفضلها50. وروي أن هذا النظر وقع لأبي أيوب الأنصاري فقال لزوجته: أكنت أنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله، قال: فعائشة والله خير منك، وإنما هذا كذب، وإفك باطل 51.

لقد أوجب الإسلام على المسلم أن يحسن الظن بإخوانه المسلمين، فلا يحل لأحد منهم أن يتهم غيره بفحش، أو ينسب إليه فجورًا، أو يسند إليه الإخلال بالواجب، أو النقص في الدين أو المروءة، أو أي فعل من شأنه أن ينقص من قدره، أو يحطّ من مكانته. بل قد أمر الله بالتثبت، ونهى عن تصديق الوهم، والأخذ بالحدس والظن، قال تعالى:( ﯵﯶ ﯿ ) [الإسراء:٣٦].

وقال تعالى: ( ) [الحجرات:٦ ].

فالأصل في الإنسان العاقل أن يبني أحكامه ومواقفه على العلم.

ثانيًا: الظن السيئ:

من خلال تعريف الظن وهو ترجيح أحد الاحتمالين، نستطيع أن نعرف سوء الظن بأنه: اعتقاد جانب الشر، وترجيحه على جانب الخير في ما يحتمل الأمرين معًا52.

وقيل: هو الاتهام بغير دليل. أو كما قال البعض: هو غيبة القلب، يحدث نفسه عن أخيه بما ليس فيه. أو هو: حمل التصرفات، قولًا وفعلًا، على محامل السوء والشكوك53.

وسوء الظن بالله أبلغ في الذنب من اليأس والقنوط، وكلاهما كبيرة، وذلك لأنه يأس وقنوط وزيادة؛ لتجويزه على الله تعالى أشياء لا تليق بكرمه وجوده، فهو أعظم إثمًا وجرمًا 54.

قال تعالى:( )[آل عمران: ١٥٤].

فالذي يظن به جل وعلا أنه يفعل الأشياء لا عن حكمة، فإنه قد ظن به ظن النقص، وهو ظنّ السوء الذي ظنّه أهل الجاهلية. وهو أيضًا ظن المنافقين: ( ﮟﮠ ﮣﮤ ﮫﮬ ) [الفتح:٦].

سوء الظن بالله هو ظن ما لا يليق به تعالى وبحكمته، و بوعده الصادق. فمن ظن أن الله يديل الباطل على الحق إدالة مستمرة يضمحل معها الحق، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره، أو أنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، فذلك ظن السوء 55.

فظنّ السّوء آفة الآفات، وأصل البليّات، فما كفر كافر ولا أشرك مشرك ولا ابتدع مبتدع بدعة في العقائد كالقدرية، والجبرية، والخوارج، والمرجئة، وغيرها إلا وأصل ذلك ظنّ السّوء. وكل هذا من ظلم النفس الذي هو صورة من صور سوء الظن فملكة سبأ حينما رأت الصرح حسبته لجة؛ فظنت أن سليمان يريد أن يغرقها، ثم لما بان لها أنه صرح ممرد من قوارير، علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن.

وفي ذلك يقول سبحانه: ( ﰇﰈ ﰏﰐ ﰖﰗ ) [النمل:٤٤].

فهي تعني بقوله: ( ) الظن الذي ظنت بسليمان عليه السلام56.

إن سوء الظن بالمسلمين كبيرة من كبائر الذنوب، فهو محرم بنص قوله سبحانه: ( )[الحجرات:١٢].

وسبب تحريمه: أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لنا أن تعتقد في غيرنا سوءًا إلا إذا انكشف لنا بعيان لا يقبل التأويل57. ثم إننا نلحظ أنه عز وجل قال: () بلفظ الأمر، ولم يقل:(لا تظنوا) بلفظ النهي، مع أن اجتناب المنهي أشد من فعل المأمور، لقوله صلى الله عليه وسلم: « إذا أمرتكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فدعوه58.

والنهي عند الأكثرين للتحريم بخلاف الأمر؛ فإن فيه خلافا. فالجواب: أنه لو قيل: لا تظنوا كان النهي عاما في جميع الظن، والمراد إنما هو بعض الظنون، فأتى فيه بلفظ الأمر وفي ضمنه النهي، لأن مادة الاجتناب تدل عليه، وعلق النهي بأكثر الظن لا بجميعه.

وتتضح حرمة سوء الظن بمقياسها الكبير بالدم والعرض والمال مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث تثبت ذلك، فعن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم _ يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والّذي نفس محمّدٍ بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند اللّه حرمةً منك، ماله ودمه وأن نظنّ به إلاّ خيرًا)59.

فالحديث نص على اقتران ظن السوء بالاعتداء على الآخرين بالدم والمال والعرض، مع أن سوء الظن هو جريمة معنوية، بخلاف الدم والمال والعرض فهم جريمة مادية.فلا يستباح ظن السوء إلا بما يستباح به المال وهو البيّنة، فإذا لم يكن كذلك، وخطر لك وسواس سوء الظن، فينبغي أن تدفعه عن نفسك وتقرر عليها أن حاله عندك مستور كما كان، وأن ما رأيته منه يحتمل الخير والشر.

وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا النوع من الظن، فقال: (إيّاكم والظّنّ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث)60.

لا شك أن الكذب كبيرة من الكبائر، والرسول صلى الله عليه وسلم جعل الظن من أكذب الكذب وأكبره؛ لأن من ظن ظنّ السوء حملته نفسه على أن لا يرى إلا السوء، ولا يحمل القول ولا يرى في الفعل إلا جانب السوء، فيكون قد جمع من المساوئ ما هو أعظم من الكذب. وأمارة عقد سوء الظن أن يتغير القلب معه عما كان، فينفر عنه نفورًا ما ويستثقله، ويفتر عن مراعاته، وتفقده، وإكرامه، والاغتمام بسببه. فهذه أمارات عقد الظن وتحقيقه، فلا يحققه في نفسه بعقد ولا فعل ولا في القلب ولا في الجوارح. أما في القلب: فبتغيره إلى النفرة والكراهة، وأما في الجوارح: فبالعمل بموجبه.

وفي التاريخ الإسلامي نجد أنّ حادثة الإفك ما هي إلا سوء الظن، حيث ظن المنافقون وغيرهم الظنون السيئة في عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة خليله رضي الله عنهما، والتي عظمها سبحانه وجعلها من البهتان العظيم؛ ( )[النور:١٦].

إن المنافقين لمّا فشلوا في محاولاتهم التخذيلية، وخابت آمالهم في هزيمة المسلمين عبر صراعهم مع الوثنين واليهود، تحولوا إلى حلقة جديدة من سلسلة الإيذاءات والمحن التي نالها منهم المسلمون، وذلك من خلال أسلوب التخريب الداخلي بنشر الإشاعات المغرضة الهدّامة، التي من شأنها أن تزلزل بنيان المجتمع الإسلامي وتشل حركته. ولكن حادث الإفك كان خيرًا في الآجل والعاجل؛ من حيث فوائده العظيمة، وصدق الله إذ قال: ( ﭛﭜ )[النور:١١].

فمن فوائده: أن الله أراد أن يضرب بوقوعه المثل للمؤمنين بأن الاتهام الكاذب (سوء الظن) لم يبرأ منه سيد البشر وأفضل الناس، والمؤمن قد يبتلى بشيء من سوء ظن أو إشاعة تمس دينه، أو عرضه؛ فلا يتسرع في مواجهة مثل هذه الحوادث، بل يجب على من ابتلي بشيء من ذلك؛ أن يتجمّل بالصبر، ويتصرّف بحكمة وروية، فالمنافقون موجودون إلى وقتنا الحالي، وصفاتهم مازالت وستبقى كما بيّنها لنا القرآن الكريم. وهذا لا يعني أن نتمنّى وقوع الشر طمعًا أن يتولّد منه الخير، ولكن إن وقع فتفاؤلنا يغرينا أن نتحسس في طوايا المحن منحًا، فالفأل الحسن منعة لنا بإذن الله من أن يغلبنا التشاؤم فنستسلم للشر. على أنه ينبغي أن لا نفرط في التفاؤل فيؤول بنا إلى أن نهوّن من غوائل الشر و نهمل مواجهته، فيصبح التفاؤل نفسه شرًا لنا لأننا أفرطنا فيه. ومن حادثة الإفك علم الناس من هم المنافقون الذين يعملون على خلخلة المجتمع المسلم، والعمل على هز أركانه ؟! كما علم المسلمون كيف يواجهون مثل هذه الإشاعات؟! وعلموا أن الله يدافع عن الذين آمنوا، ويفضح كل خوان كفورٍ. فسوء الظن أمره خطير، وخطره على المسلمين أعظم منه على المنافقين أنفسهم. وحسبنا أن نعلم أن مصيبة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهزائمها في هذه الأيام جاءت من منافقيها الذين تسللوا داخل صفوفها، فأفسدوا تراثها، وأعملوا معاولهم في عقيدتها، حتى إذا نخرت دوحة الأمة من داخلها؛ يسر على العدو الخارجي من الصهاينة كسرها في سهولة 61.

الظن اليقيني

قد يعبر بالظن عن اليقين؛ لأن في الظن طرفًا منه 62. ولعل هذا الطرف هو الرجحان. فبين الظن و اليقين- قدرًا مشتركًا وهو: الرجحان وتأكد الاعتقاد، فيتجوّز بالظن عن اليقين.

فالظن يقع موقع اليقين في الأمور المحققة، وعندما نتتبع الآيات التي ورد فيها الظن بمعنى اليقين في كتاب الله نجد أنه في معناه أقوى من اليقين فهو علم مالم يعاين؛ بدليل أن ما بعده لا يحتمل الشك أبدًا أو تشوبه ريبة في صحته؛ لأنه من ثوابت العقيدة التي لا مجال فيها للشك والارتياب.

وقد ذكر القرآن صورًا لهذا الظن اليقيني منها:

أولًا: ملاقاة الله:

في قوله تعالى: ( )[ البقرة:٤٦ ].

وقوله: ( ﭿ )[البقرة:٢٤٩].

نلحظ ورود فعل الظن فيها جزءًا من سياق الحديث عن عقيدة البعث واستقرارها في نفوس المؤمنين، وهذه الأمور متعلقة بالآخرة، وكما جاء عن مجاهد رحمه الله: إن ظن الآخرة يقين، بينما ظن الدنيا شك 63. كما نلحظ أن مفعول الظن في هذه الآيات، يحدّد دلالة اللفظ نفسه، فالمدح الذي استحقه أولئك الظانون أنهم ملاقوا الله لم يستحق لهم إلا بموجب هذا المفعول، فهو الذي ضمهم إلى فئة دون الأخرى أو بعبارة أدق (هو الذي حدد الفئة التي سيضمون إليها) ولو أنهم ظنوا أنهم (غير مبعوثين) مثلًا، لما كان تصنيفهم على ما هو عليه الآن في هذه الآيات، ولضمّوا بالوصف أو غيره من أدوات اللغة إلى الفئة المذمومة لا المحمودة 64. والقراءات في هذه الآية تؤكد هذا الظن اليقيني، حيث قرئت () في قوله تعالى: ( )[ البقرة:٤٦ ].

يعلمون أنه لا بد من لقاء الجزاء؛ فيعملون على حسب ذلك. وأما من لم يوقن بالجزاء، ولم يرج الثواب كانت عليه مشقة خالصة فثقلت عليه كالمنافقين والمرائين بأعمالهم65.

وقد فسّر الظن في قوله تعالى: ( ) [الجن:١٢].

كذلك على معنى اليقين للأسباب السابقة نفسها؛ إذ وردت الآية - بما فيها لفظ الظن - في سياق حديث الجن الصالحين عن إيمانهم، جاعلين جزءًا من هذا الإيمان ظنهّم أنهم لن يعجزوا الله في الأرض ولن يعجزوه هربًا. ولو أنّ فاعل الظن كان من الجن غير الصالحين، أو أن المفعول كان ذا دلالة متنافية مع مفهوم الإيمان الصحيح في الإسلام، أو كلاهما معًا؛ لفسّر الظن على غير معنى اليقين كما في مواضعه الأخرى من السورة نفسها66.

ثانيًا: ملاقاة الحساب:

إن المؤمن يوقن ويعلم أن الموت ليس نهاية المطاف؛ بل بعده أمور جسام وهو على يقين أن الله يبعث هذه الأجساد من قبورها للعرض والحساب في يوم القيامة، فبعد مجيء الربّ تبارك وتعالى لفصل القضاء تعطى الكتب فمن آخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله فأما من أوتي كتابه الذي ضم حسناته بيمينه فيقول في فرح عظيم خذوا كتابي فاقرؤه، ويعلل لسلامة كتابه من السيئات فيقول: ( ) [الحاقة:٢٠]، أي علمت أني ملاقٍ حسابية لا محالة 67، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ( ) [الحاقة:٢٠].

يقول: أيقنت. ويكون المعنى: أنه ما نجا إلا بخوفه من يوم الحساب، لأنه تيقن أن الله يحاسبه، فعمل للآخرة 68.

قال الضحاك: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين. ومن الكافر فهو شك.

ثالثًا: وقوع العذاب يوم القيامة:

في يوم القيامة تنكشف الحقائق، فيحصل للكفار العلم بها لا يخالجهم في ذلك شك، كما قال تعالى عنهم أنهم يقولون يوم القيامة: ( ) [السجدة:١٢].

وقال تعالى: ( ) [مريم: ٣٨].

وقال: ( ﭲﭳ ﭷﭸ ) [الأنعام: ٣٠].

وقال:( ) [ق: ٢٢ ] 69.

ومن الآيات التي ورد فيها ظن وقوع العذاب يوم القيامة: قوله تعالى:( )[الكهف:٥٣].

وقوله سبحانه:( )[القيامة:٢٥وقوله: ( ﭽﭾ) [فصلت: ٤٨].

عندما نقرأ الآيات في سياقاتها نجد أنّ السياق الموضوعي للآيات واحد يتضمّن وصفًا لأحداث في وقوعها، ووصفًا لأحوال الأشخاص حاضري هذه الأحداث في أثناء وقوعها كذلك.

ففي الآية الأولى: ( ﯿ )[الكهف:٥٣] رؤية عينية ترتب عليها الظن، فالفعل (رأى) متعد لواحد (النار)، وترتب على الرؤية هذا الظن بموجب دلالة الفاء الرابطة بين الجملتين، وسابق على الرؤية يأس يقيني من نجدة الشركاء والآلهة التي آمنوا بها من دون الله الواحد ( ) ثم ( ) [الكهف:٥٢].

فلا يمكن مع الرؤية العينية، والإدراك العقلي السابق على الرؤية واللاحق بها ( ﯿ )، لا يمكن مع نظرتحقق هذين الأمرين أن يكون (ظنّ) الكافرين مجرد شك، وأين إذن يكون اليقين بعد الرؤية العينية ؟! فالظن هنا إذن (معنى وفعلًا) له قوة الرؤية العينية المصاحبة لإدراك عقلي وتأكيدها، ألا وهو اليقين التام.

وفي الآية الثالثة: ( ﭷﭸ ﭽﭾ) [فصلت:٤٨] لدينا الإدراك العقلي نفسه، بعد تخلي الشركاء تخليًا إراديًا مقصودًا ( ) [فصلت: ٤٧].

ثم تأكيد لهذا التخلي بجملة تعقيبية لا تدع مجالًا للشك أو الاحتمال، ( ﭷﭸ) بما في ذلك الفعل الماضي من قطعية المضي وحتمية الانقضاء، لتكون النتيجة بعد ذلك، اكتمال هذا الإدراك العقلي وتيقنه، أنه: (ما من محيص)70.

قال الشنقيطي رحمه الله: «الظن هنا بمعنى اليقين؛ لأن الكفار يوم القيامة إذا عاينوا العذاب، وشاهدوا الحقائق، علموا في ذلك الوقت أنهم ليس لهم من محيص، أي ليس لهم مفر ولا ملجأ»71.

وقال البغوي في قوله تعالى: ( ) [القيامة:٢٥]: «تستيقن أن يعمل بها عظيمة من العذاب، والفاقرة: الداهية العظيمة، والأمر الشديد يكسر فقار الظهر. قال سعيد بن المسيب: قاصمة الظهر. قال ابن زيد: هي دخول النار. وقال الكلبي: هي أن تحجب عن رؤية الرب عز وجل 72.

رابعًا: حصول الهلاك:

إذا تتبعنا الآيات التي جاء فيها ظن الهلاك وجدنا أن الظن فيها يقينيًا كما في قوله:( ) [ألأعراف:١٧١].

فبنو إسرائيل لما رأوا الجبل فوقهم أيقنوا أنه سيقع عليهم؛ لأن الجبل لا يثبت في الجو، ولأنهم كانوا يوعدون به، وإنما أطلق الظن؛ لأنه لم يقع متعلقة وذلك أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لثقلها؛ فرفع الله الطور فوقهم 73. وكذلك الحال في قوله: ( ﭯﭰ ﭽﭾ ﭿ ﮇﮈ ) [يونس:٢٢].

لقد ظهرت علامات الهلاك دفعة واحدة ثم إنه قد أحاط بهم وأحدق من كل جانب، يقول الرازي: رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: «واعلم أن الإنسان إذا ركب السفينة ووجد الريح الطيبة الموافقة للمقصود، حصل له الفرح التام والمسرة القوية، ثم قد تظهر علامات الهلاك دفعة واحدة؛ فأولها: أن تجيئهم الرياح العاصفة الشديدة. وثانيها: أن تأتيهم الأمواج العظيمة من كل جانب. وثالثها: أن يغلب على ظنونهم أن الهلاك واقع، وأن النجاة ليست متوقعة، ولا شك أن الانتقال من تلك الأحوال الطيبة الموافقة إلى هذه الأحوال القاهرة الشديدة يوجب الخوف العظيم، والرعب الشديد، وأيضا مشاهدة هذه الأحوال والأهوال في البحر مختصة بإيجاب مزيد الرعب، والخوف«74.

وإنما كان ظن الهلاك يقينيًا في هذه الآيات لأمور منها: ماقرّره الزركشي من أن كل ظن يتصل به أن المشددة فهو يقين75، وما يحيط بهذا الظن من دلائل تنبئ عن تحقق وقوع هذا الهلاك.

خامسًا: اللجوء إلى الله:

من الآيات التي تبيّن هذا المعنى، قوله تعالى:( ) [ص:٢٤].76، وقوله جل جلاله:( ﭪﭫ)[التوبة:١١٧-١١٨].

إن لفظ الظن في هذه الآيات ورد في أمر من الأمور الثابتة في عقيدة المسلم مما يؤكد أنه ظن يقيني، ثم لو تأملنا سياق الآيات لوجدنا أن أشخاص القصتين من عباد الله الصالحين الذين يقعون فيما يقع فيه العبد الصالح من ذنب أو تفريط، ويهيئ الله لهم برحمته أن يروا من الآيات ما ينبههم إلى ذنبهم، فيتوبون عنه وتقبل توبتهم. كما نجد أن الموضوع الأساسي للقصتين هو قبول التوبة إذ يقول سبحانه في قصة الثلاثة:( ﯯﯰ ﭪﭫ ) [التوبة:١١٧-١١٨].

ويقول في قصة داود عليه السلام: ( ﮭﮮ ﯟﯠ ﯮﯯ ) [ص:٢٤-٢٥] فالظن في القصتين وقع على أمر صحيح، ودليل هذا قبول التوبة؛ وإلا كيف تقع التوبة على أمر لم يقع، فقد كان الظن إذن ظنًا بما هو حق.

ففي قوله تعالى في قصة داود: ( ﯮﯯ) دليل على صدق ظن داود عليه السلام، وعمله من استغفار وركوع وإنابة دليل على استقرار هذا الظن في نفسه بما يقربه إلى اليقين. ولو أن الظن هنا بمعنى الحسبان؛ لورد في السياق تصديق هذا الظن وتأكيده، أو نفيه وتبرئة النبي عليه السلام منه، بدلًا من ( )، الذي هو استجابة لعمله (الاستغفار) المبني على إدراكه الفتنة وتيقنه منها، اللذين عبر عنهما بلفظ (ظن). وفي آية التوبة يكون قبول الله توبتهم، دليلًا على صدق التوبة وتمكنها من نفوسهم، وأنهم قد تابوا حقًا، أي أن ظنهم ( ) ليس شكًا بل يقينًا وعملًا، اقتضى لهم المغفرة كما وعد الله سبحانه كل تائب صادق من عباده 77.

سادسًا: لحظة الفراق (الموت):

في قوله تعالى: ( )[القيامة:٢٨].

فسر الظن بمعنى اليقين؛ لأنه إن كانت الروح قد بلغت التراقي واستبعد وجود الراقي، فلا بد أن الإنسان في هذه الحال قد أدرك بل علم واستيقن أنها آخر ساعة وهي ساعة الفراق، فتضافر الجملتين ( ﭱﭲ ) [ القيامة: ٢٦-٢٧] واستحال النجاة، يجعلنا كل هذا نميل إلى وجاهة معنى اليقين هنا في لفظ الظن، وهي ساعة لا يخطئها إنسان، إذ يكون أقرب إلى الآخرة فيها منه إلى الدنيا 78.

وقال المفسرون: «المراد أنه أيقن بمفارقته الدنيا، ولعله إنما سمي اليقين ههنا بالظن، لأن الإنسان ما دام يبقى روحه متعلقا ببدنه، فإنه يطمع في الحياة؛ لشدة حبه لهذه الحياة العاجلة على ما قال: ( ) [القيامة: ٢٠] ولا ينقطع رجاؤه عنها فلا يحصل له يقين الموت، بل الظن الغالب مع رجاء الحياة، أو لعله سماه بالظن على سبيل التهكم 79.

أوهام مظنونة

إن الطريق إلى المعرفة الصحيحة هو العلم الراسخ، فهو كالإيمان الذي يفتح القلب للنور، أما العلم السطحي واتباع الظنون فإنهما يحولان بين القلب وبين المعرفة الصحيحة. والبشر حينما يتركون هدي ربهم، سيجدون أنفسهم منغمسين في ظنون لا تغني عن الحق شيئًا.

فالاعتقادات التي لم يقم عليها أي دليل، هي ظنون مجردة من العلم، قائمة على الهوى، مخالفة للشرع، وكلها أوهام؛ وفيما يلي صورًا منها في القرآن:

أولًا: عدم قيام الساعة:

الحياة في نظر المشركين هي ما يرونه في الدنيا رأي العين، جيل يموت وجيل يحيا وفي ظاهر الأمر لا تمتد إليهم يد بالموت، إنما هي الأيام تمضي، والدهر ينطوي فإذا هم أموات، فالدهر إذن هو الذي ينهي آجالهم، ويلحق بأجسامهم الموت فيموتون80 ( ﭶﭷ ﭼﭽﭾ ﭿ ) [الجاثية: ٢٤].

( ) [الأنعام: ٢٩].

( ) [المؤمنون: ٣٧].

وقد ظن الجن كما ظنت الإنس أن الله لن يبعث أحدًا، على قول من قال إن المقصود في قوله: ( )[الجن:٧] هو البعث بعد الموت. يظنون ظنًا غامضًا واهيًا، لا يقوم على تدبر، ولا يستند إلى علم، ولا يدل على إدراك لحقائق الأمور، ولا ينظرون إلى ما وراء ظاهرتي الحياة والموت من سر يشهد بإرادة أخرى غير إرادة الإنسان، وبسبب آخر غير مرور الأيام 81.

إن المشركين لا يؤمنون ببعث ولا نشور، بل هم في شك ووهم وعمى من ذلك، ويعدونه من الأساطير والسحر، لعظمه واستحالته في تصورهم وما هذا إلا لجهلهم وسفههم. يقول الله مخبرًا عن حالهم بأسلوب بديع يبين لنا اضطرابهم في هذا الأمر:( ﭻﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮁﮂ ) [النمل:٦٦ - ٦٨].

ويقول عز وجل: ( ﭽﭾ ﭿ ) [هود:٧].

وقد رد الله عليهم ظنهم وزعمهم الباطل بأن هذا يسيرٌ عليه سبحانه: ( ﯔﯕ ﯝﯞ ) [التغابن:٧ ].

وقال:( ) [القيامة:٣-٤].

بل قد نزّه نفسه سبحانه عما يترتب على هذا الوهم والظن من العبث في الخلق؛ فقال عز وجل: ( ﯛﯜ )[المؤمنون:١١٥، ١١٦].

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ( ): « أي: أفظننتم أنكم مخلوقون عبثًا، بلا قصد، ولا إرادة منكم، ولا حكمة لنا. وقيل: للعبث. أي: لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم، لا ثواب لها ولا عقاب، وإنما خلقناكم للعبادة وإقامة أوامر الله عز وجل. ( ) أي:لا تعودون في الدار الآخرة. كما قال تعالى: ( ) [القيامة: ٢٦] يعني هملًا« 82.

فمن ظن بالله أن يترك خلقه سدى معطلين عن الأمر والنهي، ولا يرسل إليهم رسله ولا ينـزل عليهم كتبه بل يتركهم هملًا كالأنعام فقد ظن به ظن السوء 83. قال ابن القيم رحمه الله واصفًا هذا الظن: «من ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي المحسن فيها بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه، ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين، فقد ظن به ظن السوء 84.

وقد أنكر سبحانه على من وهم وشك في ذلك؛ فالبعث من أمور العقيدة الغيبية ويحتاج إلى يقين؛ قال سبحانه: ( ) [المطففين: ٤-٥].

ومجيء الآيات بأسلوب الاستفهام الاستنكاري دليل على أن ظنهم في منتهى السوء الذي قد يوصل للكفر، بل عدّه سبحانه من الاستكبار حيث قال: ( ) [القصص:٣٩].

وهو من ظلم النفس كما قال تعالى: ( ) [الكهف:٣٦-٣٥].

ففي قوله: ( ) قال الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره: هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب، دخل جنته-وهي بستانه-وهو ظالم لنفسه، وظلمه نفسه: كفره بالبعث، وشكّه في قيام الساعة، ونسيانه المعاد إلى الله تعالى، فأوجب لها بذلك سخط الله وأليم عقابه85.

ثانيًا: دوام الدنيا ونعيمها:

هذه الدنيا التي يستغرق فيها بعض الناس، ويضيعون الآخرة كلها لينالوا منها بعض المتاع، ظانين دوامها؛ لا أمن فيها ولا اطمئنان، ولا ثبات فيها ولا استقرار، ولا يملك الناس من أمرها شيئًا إلا بمقدار. وقد ضرب سبحانه المثل لحالها بسرعة تقضيها وزوال نعيمها؛ فقال:( ﯹﯺ ﯿ ) [يونس:الآية٢٤].

وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابق لحالة الدنيا، فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتًا قصيرًا، فإذا استكمل وتم؛ اضمحل، وزال عن صاحبه، أو زال صاحبه عنه، فأصبح صفر اليدين منها، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها86.

لقد بين الله لنا حقيقة الدنيا، بتقريب المعاني إلى الأذهان، وضرب الأمثال وهي نافعة لمن أعمل فكره وعقله وهداه الله، وأما الغافل المعرض، فهذا لا تنفعه الآيات، ولا يزيل عنه الشك البيان، بل يتعلق بأوهام ظانًا دوام هذه الدنيا، وأن نعيمها لن يزول.

ويظلم نفسه بهذا الظن كما أخبر سبحانه عنه: ( ) [الكهف: ٣٦].

فصاحب البستان قد ظلم نفسه؛ وذلك لسوء ظنه بالله تعالى وشكه في إبادة جنته(بستانه)، وقيام الساعة87.

ثانيًا: الشك في قدرة الله 88:

إن الإيمان بكمال الله وقدرته على كل شيء من أمور العقيدة التي لا بد أن تبنى على اليقين، فهذا الخلق العظيم يحمل دلالة طلاقة قدرة الله تعالى الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. إلا أن بعض الناس قد ساقهم كبرياؤهم و ظنونهم السيئة إلى التعالي على الله والشك في قدرته سبحانه حتى على أنفسهم وهذا ما يفيده قوله: ( )[البلد:٥].

فالإنسان في نفسه وقوته يظن أن لن يقدر عليه أحد، لأنه في عنفوان شبابه وقوته وكبريائه وغطرسته، فيقول لا أحد يقدر علي، أنا أعمل ما شئت، ومنه قوله تعالى في قوم عاد: ( ﮕﮖ ) [فصلت: ١٥].

حتى الرب عز وجل يظنون أنه لا يقدر عليهم، وهذا لا شك بالنسبة للكافر، أما المؤمن فإنه يعلم أن الله قادر عليه، وأنه على كل شيء قدير فيخاف منه 89.

وكذلك الحال في يهود بني النضير حينما ظنوا أن حصونهم ستمنعهم من الله، فالمسلمون ظنوا عدم خروجهم من ديارهم، لحصانتها ومنعتها وعزهم فيها، وهذا حسبان في محله. لكنهم هم تمادوا في ظنهم فأعجبوا بحصونهم وقوتها وغرتهم، وحسبوا أنهم لا ينالون بها، ولا يقدر عليها أحد، وقدر الله تعالى وراء ذلك كله، لا تغني عنه الحصون والقلاع، ولا تجدي فيهم القوة والدفاع.

قال تعالى:( ﮢﮣ ﮧﮨ ﯕﯖ ﯚﯛ ) [الحشر: ٢].

ومن الشك في قدرة الله الظن بأن الله محتاج إلى الولد أو الشريك، يقول ابن القيم رحمه الله «ومن ظن بأن لله سبحانه ولدًا أو شريكًا أو أن أحدًا يشفع عنده بدون إذنه، أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه، أو أنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقربون بهم إليه، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه فيدعونهم ويحبونهم كحبه، ويخافونهم كخوفه فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه90.

لقد نزّه الله نفسه عن الولد وبيّن أنّه في غنى، فقال عز وجل: ( ﮰﮱ ﯓﯔ ﯖﯗ ﯞﯟ ﯤﯥ ) [يونس:٦٨].

ففي قوله: () تنـزيهًا لذاته العلية عن مستوى هذا الظن أو الفهم أو التصوّر، فهو الغني بكل معاني الغنى عن كل ما يخطر وما لا يخطر على البال مما يقتضي وجود الولد. والمقتضيات هي التي تسمح بوجود المقتضيات، فلا يوجد شيء عبثًا بلا حاجة ولا حكمة ولا غاية. له ما في السماوات وما في الأرض فكل شيء ملكه، ولا حاجة به سبحانه لأن يملك شيئًا بمساعدة الولد، فالولد إذن عبث، تعالى الله عن العبث! 91.

ثم إنّ الشرك والتعطيل مبنيان على سوء الظن بالله والشك في قدرته سبحانه؛ فلما واجه إبراهيم عليه السلام الصّابئين92 المشركين من قومه، ذكّرهم بما أوقعهم في شركهم، وهو ظن السّوء بربّ العالمين.

قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ )[الصافات ٨٥-٨٧].

يقول ابن القيم رحمه الله في تقرير ذلك: «كل شرك في العالم فأصله التعطيل، فإنه لولا تعطيل كلامه سبحانه أو بعضه وظن السوء به ما أشرك به، كما قال إمام الحنفاء لقومه: ( ) [الصافات:٨٦-٨٧].

أي: فما ظنكم به أن يجازيكم، وقد عبدتم معه غيره؟ وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء؟ أظننتم أنه محتاج إلى الشركاء والأعوان؟ أم ظننتم أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده حتى يحتاج إلى شركاء تعرفه بهم كالملوك؟ أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على الاستقلال بتدبيرهم وقضاء حوائجهم؟ أم هو قاسٍ فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده؟» 93.

إنّ المشرك إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم... ؛ وهذا أعظم التنقيص لمن هو غني عن كل ما سواه بذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته، وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشريك، وإما أن يظن بأنه لا يعلم حتى يعلمه الواسطة، أولا يرحم حتى يجعله الواسطة يرحم، أو لا يكفي عبده وحده،... أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الواسطة أن ترفع تلك الحاجات إليه، كما هو حال ملوك الدنيا؛ وهذا أصل شرك الخلق94.

ثالثًا: عدم نصر الله لأنبيائه وأوليائه:

لا يتمّ للعبد إيمان ولا توحيد حتى يعتقد جميع ما أخبر الله به من أسمائه وصفاته وكماله وتصديقه بكل ما أخبر به، وأنه يفعله، وما وعد به من نصر الدين وإحقاق الحق وإبطال الباطل، فاعتقاد هذا من الإيمان، وطمأنينة القلب بذلك من الإيمان. وكل ظن ينافي ذلك فإنه من ظنون الجاهلية النافية للتوحيد؛ لأنها سوء ظن بالله، ونفي لكماله وتكذيب لخبره، وشك في وعده95.

ففي غزوة أحد لما حصل ما حصل من هزيمة المسلمين، وكان من المنافقين من انخذل من الجيش فرحوا بذلك أشدّ الفرح، وظنوا أنه لا قائمة للإسلام بعد ذلك: ( ﭦﭧ ﭮﭯ ﭴﭵ ﭼﭽ ﭿ ﮇﮈ ﮔﮕ ﮞﮟ )[آل عمران:١٥٤].

عن ابن جريج قال: «قيل لعبد الله بن أبي: قتل بنو الخزرج؟ قال: وهل لنا من الأمر من شيء 96. وقال الزّبير رضي الله عنه: «لقد رأيتني مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين اشتدّ الخوف علينا، أرسل اللّه علينا النّوم، فما منّا من رجلٍ إلا ذقنه في صدره، قال: فواللّه إنّي لأسمع قول معتّب بن قشيرٍ، ما أسمعه إلا كالحلم: لو كان لنا من الأمر شيءٌ ما قتلنا ها هنا، فحفظتها منه، وفي ذلك أنزل اللّه: (ﭿ ﮇﮈ) لقول معتّبٍ» 97.

فليس مقصودهم بالكلمة الأولى والثانية إثبات القدر ورد الأمر كله إلى الله، ولو كان ذلك مقصودهم بالكلمة الأولى لما ذمّوا عليه، ولما حسن الرد عليه بقوله: ( ﭴﭵ) ولا كان مصدر هذا الكلام ظن الجاهلية.

ولهذا قال غير واحد من المفسرين: «إن ظنهم الباطل ها هنا هو التكذيب بالقدر وظنهم أن الأمر لو كان إليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تبعًا لهم يسمعون منهم؛ لما أصابهم القتل ولكان النصر والظفر لهم، فأكذبهم الله عز وجل في هذا الظن الباطل، الذي هو ظن الجاهلية، وهو الظن المنسوب إلى أهل الجهل الذين يزعمون بعد نفاذ القضاء والقدر الذي لم يكن بد من نفاذه أنهم كانوا قادرين على دفعه، وأن الأمر لو كان إليهم لما نفذ القضاء فكذّبهم الله بقوله: ( ﭴﭵ) وقد فسر هذا الظن الذي لا يليق بالله سبحانه بأنه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وأنه يسلمه للقتل، وفسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضاء الله وقدره ولا حكمة له فيه98.

قال الطبري رحمه الله: «يعني بذلك جل ثناؤه وطائفة منكم أيها المؤمنون قد أهمتهم أنفسهم. يقول: هم المنافقون لا همّ لهم غير أنفسهم، فهم من حذر القتل على أنفسهم وخوف المنية عليها في شغل قد طار عن أعينهم الكرى 99، يظنون بالله الظنون الكاذبة ظن الجاهلية من أهل الشرك بالله؛ شكًا في أمر الله وتكذيبًا لنبيه صلى الله عليه وسلم ومحسبة منهم أن الله خاذلٌ نبيه، ومعلٍ عليه أهل الكفر به» 100.

فالمقصود بـ ( ) المنافقين. وهم: معتّب بن قشير101 وأصحابه، وكانوا خرجوا طمعًا في الغنيمة، وخوف المؤمنين؛ فلم يغشهم النعاس. وجعلوا يتأسفون على الحضور، ويقولون الأقاويل102.

ثم لما كانت غزوة الخندق عاود المنافقين ظنّهم السيئ وقالوا مقولاتهم المرجفة: ( ) [الأحزاب: ١٠-١٢].

قال الحسن رحمه الله: «ظنون مختلفة، ظن المنافقون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق، وأنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون 103. لقد ظهر نفاق المنافقين؛ لأن ظنهم السيئ هداهم إلى أن دعوة الإسلام على مشارف الانتهاء والاضمحلال، وأخذوا يشككون في وعد الله ورسوله، حتى قال قائلهم: «كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط! 104. وخيب الله ظنهم، فحفظ المؤمنين، ورد الكافرين على أعقابهم لم ينالوا خيرًا ( ﮄﮅ ) [الأحزاب: ٢٥].

ويتواصل الظن السيئ مع المنافقين؛ لأن قلوبهم قد مردت على النفاق، فتكون غزوة الحديبية التي ما خرج فيها مع المؤمنين أحد من المنافقين؛ لأنهم لا يحبون أن يراهم المشركون متلبسين بأعمال المسلمين، مظاهرين لهم، وكانوا يحسبون أن المشركين يدافعون المسلمين عن مكة، وأن النصر سيكون للمشركين.

لقد ظنوا أن الله تعالى لم يعد رسوله صلى الله عليه وسلم بالفتح، ولا أمره بالخروج إلى العمرة، ومن ثم لن ينصر لقلة أتباعه وقوة أعدائه؛ فسجل القرآن عليهم هذا الظن السيئ، وجعل عليهم دائرة السوء ( ﮟﮠ ﮣﮤ ﮫﮬ ) [الفتح:٦].

وتمادى بهم ظنهم السيئ، وامتلأت به قلوبهم، وزينه لهم شياطينهم؛ حتى اعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يرجع من الحديبية سالمًا، وهذا هو شأن العقول الواهية، والنفوس الهاوية أن لا تأخذ من الصورة التي تتصور بها الحوادث إلا الصورة التي تلوح لها في بادئ الرأي والتي تهواها وتحبها105.

وما أحقر المنافقين: يعيشون بين المؤمنين، وينعمون بحمايتهم، وتبادل المنافع معهم، وهم يودون لهم الشر والهلاك. تخلفوا عن الحديبية ثم جاؤوا بأعذار كاذبة، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم؛ لكن القرآن كان أسرع في تنزله؛ إذ راحت آياته تفضحهم وتبين مخازيهم: ( ) [الفتح: ١٢].

إنهم تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وظنوا أن أهل مكة سيقتلون محمدًا وصحبه، ويستأصلون شأفتهم، ويبيدون خضراءهم؛ فلا يرجع منهم مخبر حتى كانوا يقولون: إن محمدًا وأصحابه أكلة رأسٍ لا يرجعون. وذلك كناية عن القلة، أي: يشبعهم رأس بعير من قلتهم، فما هم بالنسبة لقريش والأحابيش وكنانة ومن في حلفهم؟! 106. هكذا ظنوا وتمنوا ولكن الله خيب ظنهم، ونكس أمانيهم فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية سالمًا مظفرًا، وقد فات المنافقين شرف صحبته، وفضل بيعة الرضوان.

وفي قوله عز وجل: ( ﮥﮦ ﯘﯙ)[القصص:٥٧].

يخبر تعالى أنّ المكذبين من قريش وأهل مكة يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم: ( ﮥﮦ) بالقتل والأسر ونهب الأموال، فإن الناس قد عادوك وخالفوك، فلو تابعناك لتعرضنا لمعاداة الناس كلهم، ولم يكن لنا بهم طاقة. وهذا الكلام منهم يدل على سوء الظن باللّه تعالى، وأنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته، بل يمكن الناس من أهل دينه، فيسومونهم سوء العذاب، وظنوا أن الباطل سيعلو على الحق 107. ولقد نهى سبحانه عن هذا الظن والحسبان فقال: ( ﮙﮚ ) [ إبراهيم: ٤٧].

ورد على من كان يظن أن الله لا ينصر رسوله، وأن دينه سيضمحل بقوله: ( ) [الحج:١٥].

وهذه الآية الكريمة فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى، ومن تأييس الكافرين الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم108.

قال ابن كثير رحمه الله: «من ظن أن الله ليس بناصر محمدًا وكتابه ودينه، فليذهب فليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه؛ فإن الله ناصره لا محالة، ( ﭵﭶ ) [غافر:٥١-٥٢] 109.

إن الظن السيئ بالله هو نتاج قلب فاسد جاهل به سبحانه وأسمائه وصفاته، خالٍ من ذكر الله وتعظيمه. وهكذا كان حال المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتعلقون بأي شيء فيه إضعاف للحق، وإرجاف بين المؤمنين؛ رجاء أن يزول هذا الحق الذي لا يريدونه، وتكررت منهم الظنون السيئة في مواقف كثيرة، سجل القرآن منها ظنونهم في أحدٍ والأحزاب والحديبية، واستمر المنافقون منذ ذلك الوقت إلى اليوم على هذا المنهج الفاسد، تدفعهم إليه قلوبهم المريضة.

ومع بالغ الأسف فإن كثيرًا من المسلمين يقعون في الظن الفاسد الذي هو من خصال المنافقين من حيث لا يعلمون، فقد ينظر بعض المسلمين إلى أحوال الأمة الإسلامية، وما أصابها من الضعف والهوان؛ فيصيبه اليأس من صلاح أحوالها؛ فيقعد عن العلم والدعوة، ويتخلف عن الخير والصلاح. يظن ظنًّا سيئًا أنه لا صلاح يرجى، ولا خير ينتظر. ويبصر البعض الآخر الكفار وما يملكون من أسلحة متطورة، وصناعة متقدمة، وقوة ضاربة، ويقارن ذلك بأحوال المسلمين، الذين يقتلون ويشردون ويمنعون أبسط الحقوق الضرورية للعيش على الأرض!! فلربما يقدح الشيطان في قلوبهم أن تلك القوة عند الكفار دليل على الحق، وأن ذلك الضعف عند المسلمين دليل على الباطل، فيطلقون لأنفسهم العنان في هذه الأوهام الفاسدة، والظنون السيئة؛ حتى ربما خرجوا من الإسلام وهم لا يشعرون.

ثالثًا: عدم علم الله لما يسرون:

قد أنكر الله في كتابه من ظن ذلك الظن، فقال سبحانه: ( ﭿ ﮄﮅ ) [الزخرف:٨٠].

ويقول عز من قائل:( ) [فصلت:٢٢].

وسبب نزول الآية كما ذكر ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: اجتمع عند البيت ثلاثة نفرٍ: قرشيّان وثقفيٌّ أو ثقفيّان وقرشيٌّ، قليلٌ فقه قلوبهم، كثيرٌ شحم بطونهم، فقال أحدهم: أترون اللّه يسمع ما نقول؟ وقال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا! وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا، فأنزل اللّه عزّ وجل: ( ) [فصلت:٢٢]110. أي: الخفيات من أعمالكم، وهذا الظن كفر وجهل بالله وسوء معتقد يؤدي إلى تكذيب الرسل والشك في علم الإله 111.

يقول ابن القيم رحمه الله في ذلك: «من ظن أنه سبحانه لا سمع له ولا بصر، ولا علم له ولا إرادة، وأنه لم يكلم أحدًا من الخلق ولا يتكلم أبدًا، وأنه ليس فوق سماواته على عرشه بائنًا من خلقه، أي بلا كيف، وكما وصف الله به نفسه، فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه112.

رابعًا: كذب الرسل:

إنّ من أسس العقيدة الإسلامية الإيمان بجميع الرسل والأنبياء عليهم السلام وبما جاؤا به من عند الله، فالمؤمنون يعتقدون إيمانًا راسخًا ثابتًا لا يتزعزع بالرسل والأنبياء عليهم السلام. وقد وصف القرآن الكريم إيمان المؤمنين حيث قال سبحانه: ( ﮞﮟ ﮫﮬ ﮯﮰ ) [البقرة: ٢٨٥].

فما من نبي دعا قومه إلى الله إلا وجاءهم ببينّة على صدقه في دعواه من حجة عقلية وآية كونية. فمن شكّ أو ظنّ في صدق الرسل وبما جاؤوا به فقد أساء الظن بالله وبرسله إساءة تورده الهلاك في الدنيا والآخرة 113.

ولا يخفى ما حلّ بالأقوام السابقة من العذاب العظيم حينما أساءوا الظن برسلهم وشكوا بهم فكذبوهم. فمن قوم نوح عليه السلام من كذب وشك فيما فضّله الله به عليهم، يقول الله عز وجل مخبرًا عنهم: ( ) [هود:٢٧].

وقال سبحانه عن قوم هود: ( ) [الأعراف:٦٦ ].

قد تشابهت أقوال قوم هود وأقوال قوم نوح في تكذيب الرّسل؛ لأنّ ضلالة المكذّبين متّحدة، وشبهاتهم متّحدة، كما قال عز وجل: ( ) [البقرة:١١٨].

فكأنّهم لقّن بعضهم بعضًا كما قال تعالى: ( ﭠﭡ ) [الذاريات:٥٣] 114. وقال سبحانه عن قوم صالح عليه السلام: ( ﰒﰓ )[هود:٦٢].

ونجد أن قوم شعيب عليه السلام عندما دعاهم إلى الله ظنوه كاذبًا، ولم يقفوا عند ذلك بل طلبوا بأنفسهم العذاب إن كان صادقًا، فقالوا: ( ) [الشعراء:١٨٥-١٨٧].

وقوم موسى عليه السلام اختلفوا وشكّوا فيما جاءهم به ( ﭭﭮ ﭵﭶ ) [هود:١١٠].

ثمّ إنّ فرعون ظنّ أنه حين دانت له البلاد، وذلّ له العباد، استحق ما ليس له فقال:( )[النازعات: ٢٤فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، وأراه الآيات العظام على يد موسى عليه السلام فكذب وعصى، وقال في حق موسى:(ﮜﮝﮞ)[ غافر:٣٧].

وفي آية أخرى أراد أن يحقق ظنه فقال:( ﭽﭾ ﭿ ) [القصص: ٣٨].

كذب موسى، وادّعى أنه إله، ونفى أن يكون له علم بالإله الحق، وفعل الأسباب ليتوصل إلى إله موسى، وكل هذا ترويج، ولكن العجب من هؤلاء الملأ، الذين يزعمون أنهم كبار المملكة، المدبرون لشئونها، كيف لعب هذا الرجل بعقولهم، واستخف أحلامهم، وهذا لفسقهم الذي صار صفة راسخة فيهم 115.

غلبة الظن في الأحكام الشرعية

كثير من المسائل الفقهية ظنية: إما لخفاء الدليل، أو خفاء الدلالة؛ فليس كل مسألة في الفقه يقول بها الإنسان على سبيل اليقين أبدًا، بل بعضها يقين وبعضها ظن، والظن إذا تعذر اليقين مما أحل الله، ومن نعمة الله أنه إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن، فليس كل ظن منكرًا، لكن الظن الذي ليس له أصل يبنى عليه منكر. فهؤلاء الذين سموا الملائكة تسمية الأنثى لا علم لهم بذلك بل هو ظن مبني على وهم، وربما يكون مبنيًا على أهواء، يعني لم يطرأ على بالهم أنهم إناث، ولكن تبعوا آباءهم، ( ﭟﭠ ﭤﭥ ) [النجم:٢٨].

أي: هذا الظن المبني على الوهم لا على القرائن لا يغني من الحق شيئًا، أي لا يفيد شيئًا من الحق، لأنه وهم باطل، والوهم الباطل لا يمكن أن يفيد 116.

إن مسائل الشريعة التي لا يمكن الوصول فيها إلى درجة اليقين؛ لا بد فيها من الاستناد إلى الظن الغالب. والمقصود بالظن الغالب هنا هو الظن الذي يغلب الظنون الأخرى، فالظّن ضربٌ من أفعال القلوب، يحدث عند بعض الأمارات، وهو رجحان أحد طرفي التّجوّز، وإذا حدث عند أمارات غلبت وزادت بعض الزيادة، فظنّ صاحبه بعض ما تقتضيه تلك الأمارات، سمي ذلك: غلبة الظّن 117.

وهذا المعنى هو المصطلح عليه عند علماء أصول الدين وأصول الفقه. وهو العلم المستند إلى دليل راجح مع احتمال الخطأ احتمالًا ضعيفًا. وهذا الظن هو مناط التكليف بفروع الشريعة.

وغلبة الظن تنزل منزلة اليقين والعلم في الأحكام الشرعية، قال الشاطبي: «الحكم بغلبة الظن أصل في الأحكام« 118 بل عدّ الجصّاص الاقتصار على غالب الظن وإجراء الحكم عليه واجب 119.

وإنما أجري الظن مجرى العلم؛ لأنّ الظن الغالب يقوم مقام العلم في العادات والأحكام؛ ولأنّ ما يدرك بالاجتهاد قلّما يخلو عن الوسواس والخواطر وهي تفضي إلى الظنون؛ فجاز إطلاق لفظ الظن عليها؛ لما لا يخلو عنه 120.

والمشهور من مذهب مالك أن الغالب مساوٍ للمحقق في الحكم121. وقد دل على ذلك قوله تعالى في شأن المهاجرات: ( ) [الممتحنة:١٠].

ومعلوم أنه لا سبيل إلى العلم اليقيني بإيمانهن، وإنما المقصود حصول غلبة الظن بأنهن مؤمنات، وقد سمى الله حصول هذه الغلبة علمًا، وفي الصحيح من حديث أم سلمة مرفوعًا:« عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه سمع خصومةً بباب حجرته فخرج إليهم، فقال: (إنّما أنا بشرٌ وإنّه يأتيني الخصم، فلعلّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعضٍ، فأحسب أنّه صادقٌ فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحقّ مسلمٍ، فإنّما هي قطعةٌ من النّار فليأخذها، أو ليتركها) 122. فقوله: فأحسب أنه صادق دليل على العمل بالظن الغالب.

قال البيضاوي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ( ﰓﰔ) [البقرة:٢٣٠] « إن كان في ظنهما أنهما يقيمان ما حدده الله وشرعه من حقوق الزوجية. وتفسير الظن بالعلم هاهنا غير سديد؛ لأن عواقب الأمور (غيب) تظن ولا تعلم؛ ولأنه لا يقال: علمت أن يقوم زيد؛ لأن (أن الناصبة) للتوقع، وهو ينافي العلم 123.

ولعل البيضاوي أراد غلبة الظن بقوله: (في ظنهما) والذي هو دون العلم والله أعلم.

آثار الظن

أولًا: آثار حسن الظن:

  1. المبادرة بالتوبة إلى الله.

    إذا أحسن العبد ظنه بربه؛ فإنه يسعى للمبادرة إلى طلب عفوه، ورحمته، ورجائه، ومغفرته، ليطرق بعد ذلك العبد باب ربه منطرحًا بين يديه، راجيًا مغفرته، تائبًا من معصيته مستحضرًا قول النّبي صلى الله عليه وسلم: (إنّ اللّه عزّ وجلّ يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل حتّى تطلع الشّمس من مغربها) 124.

    حسن الظن بالله من أقوى ما يدفع به القنوط؛ فالمؤمن حين يصيبه الغم والهم من ذنب اقترفه، يعلم بحسن ظنه أنه لا يغفر الذنوب إلا الله فيبادر بالتوبة، وهذا ماحصل للثلاثة الذين خلفوا؛ إذ يقول سبحانه عنهم:( ﭪﭫ ) [التوبة:١١٨].

    في قوله تعالى:( ) ( ) ( ) جاءت هذه الجمل في كنف(إذا) في غاية الحسن والترتيب.ذكر أولًا: ضيق الأرض عليهم وهو كناية عن استيحاشهم، ونبوة الناس عن كلامهم. وثانيًا: وضاقت عليهم أنفسهم وهو كناية عن تواتر الهم والغم على قلوبهم، حتى لم يكن فيها شيء من الانشراح والاتساع. فذكر أولًا ضيق المحل، ثم ثانيًا ضيق الحال فيه؛ لأنه قد يضيق المحل وتكون النفس منشرحة...ثم ثالثًا: لما يئسوا من الخلق علقوا أمورهم بالله وانقطعوا إليه، وعلموا أنه لا يخلص من الشدة ولا يفرجها إلا هو تعالى 125. ولاشك أن نبي الله داود عليه السلام كان حسن الظن بالله تعالى حينما أيقن أنه سبحانه سيغفر له ذنبه، فبادر عليه السلام في الإنابة له والاستغفار، وفي ذلك يقول عز وجل: ( ) [ص:٢٤].

  2. حسن العمل.

    إنّ من أحسن الظن أحسن العمل. فنبي الله إبراهيم عليه السلام قد لاقى ما لاقى من أبيه ومع ذلك قال: ( ﯘﯙ ﯜﯝ ) [مريم:٤٧].

    فقد أحسن الظن والعمل مع والده بقوله: ( ﯘﯙ ) فلم ييأس منه ويتركه. وأحسن الظن بربه حينما قال: ( ) أي: لطيفًا، يجيب الدعاء. قال الحسن البصري رحمه الله: «إنّ المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل»126.

    ونلحظ هذا الأثر في قوله سبحانه: ( ﯓﯔ ) [ البقرة:٤٥-٤٦].

    ومن أحسن الظن بربه فأيقن صدق وعده، وتمام أمره، وما أخبر به من نصرة الدين والتمكين في الأرض للمؤمنين؛ اجتهد في العمل لهذا الدين العظيم، والدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله بماله ونفسه 127. فالعبد إنّما يحمله على حسن العمل حسن ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه.

  3. الشعور بالطمأنينة.

    إنّ المؤمن حين يحسن الظن بربه لا يزال قلبه مطمئنًا ونفسه آمنة تغمرها سعادة الرضا بقضاء الله وقدره وخضوعه لربه سبحانه.فها هم المؤمنون بعد غزوة أحد أخذهم نوم مريح، وغلبهم نعاس هانئ ولذيذ، وهم في عدة الحرب، في الوقت الذي كان فيه المنافقون وضعاف الإيمان والجبناء يعانون من كابوس الأوهام والوساوس طوال الليل، ولم يذوقوا لذة النوم، فكانوا-من حيث لا يشعرون ولا يقصدون- يحرسون المؤمنين الحقيقيين الذين كانوا يستريحون في تلك النومة الطارئة اللذيذة -إن صح التعبير-، وإلى هذا كلّه يشير الكتاب العزيز في الآية الحاضرة إذ يقول سبحانه: ( ﭛﭜ )[ آل عمران:١٥٤].

    أجل، إنّ المنافقين والجبناء وضعاف النفوس والإيمان لم يزرهم النوم ولا حتى النعاس في تلك الليلة خوفًا على نفوسهم، وعلى أرواحهم، وجريًا وراء الوساوس الشيطانية، والمخاوف التي هي من طبيعة ولوازم النفاق وضعف اليقين ووهن الإيمان، بينما المؤمنون الصادقون يستريحون في ذلك النعاس اللذيذ، وتلك النومة الطارئة الهانئة، وهذا هو أحد آثار حسن الظن وثماره المهمة البارزة، فإن المؤمن يحظى بالراحة والطمأنينة حتّى في هذه الدنيا، على العكس من غير المؤمنين من الكفار أو المنافقين أو ضعاف الإيمان، فإنهم محرومون من الطمأنينة والراحة اللذيذة تلك.

    وها هي هاجر زوج إبراهيم عليه السلام عندما تركها ووليدها إسماعيل في الصحراء لا أنيس ولا جليس، وقليل من الزاد ثم ولى عنها، نادته:لمن تتركنا هنا. فلم يرد عليها فقالت: آللّه الّذي أمرك بهذا؟، قال: نعم، فقالت: إذن لا يضيّعنا 128.

    أحسنت الظن بالله فاطمأنت، فكان ما كان من أمر زمزم والبيت الحرام. فالعبد إذا أحسن الظن بالله فإنّ الاطمئنان والسكينة تعمران قلبه، وتنفيان كل دواعي الخوف والوجل من المخاليق الضعفاء الذين لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا فضلًا عن أن يملكوا شيئًا من ذلك لغيرهم، ويبقى مطمئنًا إلى حسن اختيار الله له، يستشرف رحمة ربه وخيره في كل ما يقضيه الله عليه؛ ولو ظهر في هذا المقضي من الشر والألم ما ظهر، فمن يدري؟! فلعل في طيات المحنة منحة ونعمة.

  4. النجاة من الشدائد.

    لن يجد المؤمن في أوقات الشدة مثل حسن الظن بالله؛ ينير له طريق الأمل والثبات والغلبة، فالذي يحسن الظن بربه-وخاصة في الملمات- يعلم أنه سبحانه لن يضيعه مهما طال الوقت، و بذلك لن يكون أمامه إلا الصبر ليظفر بالنصر. فهاهي الفئة التي آمنت مع طالوت أحسنت الظن بالله؛ فصبرت وأيقنت بأن الله معها؛ ففرج الله كربتها وانتصرت على عدوها: ( ﭨﭩ ﭮﭯ ﭼﭽﭾ ﭿ ﮌﮍ ) [البقرة:٢٤٩].

    فثمرة حسن الظن بالله تجلّت في قوله سبحانه: ( ) [البقرة:٢٥١].

    ويعقوب عليه السلام عندما اشتدت عليه الكربة قال: ( ﯗﯘ)[يوسف:٨٣].

    وإنما قال يعقوب هذه المقالة؛ لأنه لما طال حزنه واشتد بلاؤه ومحنته؛ علم أن الله سيجعل له فرجًا ومخرجًا عن قريب؛ فقال ذلك على سبيل حسن الظن بالله عز وجل؛ لأنه إذا اشتد البلاء وعظم؛ كان أسرع إلى الفرج 129.

    ونبي الله يونس عليه السلام كان حسن الظن بالله، وهو في أحلك أوقات الحرج والضيق، فكان له من حسن ظنه مخرج من ضيقه، ونجاة من حرجه، ويسر من عسره، وفرج من كربته، ونور في ظلمته، يقول الله سبحانه وتعالى: ( ) [ الأنبياء:٨٧].

    لقد ظلّ يونس في بطن الحوت بعض الوقت، وظن أن الله لن يضيق عليه فيه، ولا مانع من عروض هذا الظن للكل من الخلق على وجه لا يستقر ولا يستمر عليه130، ظلّ يسبح الله ويدعوه أن ينجيه من هذا الكرب، فاستجاب له الله ونجّاه ( ﮪﮫ ) [الأنبياء: ٨٨].

    حيث أمر الله الحوت أن يقذفه على الساحل، ثم أنبت عليه شجرة ذات أوراق عريضة تظلله وتستره وتقيه حرارة الشمس131.

    قال تعالى: ( ) [الصافات:١٤٥-١٤٦ ].

    وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الذي تصيبه مصيبة أو شر ثم يدعو بدعاء يونس عليه السلام، يفرّج الله عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت، لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين. فإنّه لم يدع بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطّ إلاّ استجاب اللّه له) 132. كلمات بسيطة أولها توحيد، وأوسطها تسبيح، وآخرها استغفار.قال بعض الصالحين: «استعمل في كل بلية تطرقك حسن الظن بالله عز وجل في كشفها؛ فإن ذلك أقرب إلى الفرج «133. إنّ حسن ظن المؤمن بالله ويقينه بأن الله يدفع عنه ما يخطر بباله من الخواطر الشيطانية التي تثبّطه عن التقوى؛ يحقق وعد الله إياه بأن يجعل له مخرجًا. والمتأمل في قصة نبي الله يوسف عليه السلام يجد أثر ذلك واضحًا فلقد أحسن الظن بالله في أنه سيخلصه من الشر الذي أراد به أخوته إلى خير عميم حين قال: ( ﮒﮓ ﮗﮘ ) [يوسف:٩٠].

    فمن أحسن الظن بربه؛ وتوكل عليه حق توكله؛ جعل الله له في كل أمره يسرًا، ومن كل كرب فرجًا ومخرجًا. ولقد بيّن سبحانه ذلك الأثر جليًا في حق رسله- وهم أحسن عباده ظنًا به-حين قال: ( ﯢﯣ ) [ يوسف:١١٠] 134.

    آثار سوء الظن:

  1. الوقوع في العقوبة والإثم.

    إن سوء الظن بالله قد يؤدي إلى الكفر والعياذ بالله، ولا شك أن سوء الظن بالناس في حقيقته إيذاء للمظنون بهم، ويشتد الأمر سوءًا إذا كان المساء بهم الظن ممن لهم شأن ونفع لمجتمعهم؛ لأنه بذلك قد يحرم نفسه وغيره من الانتفاع به، إضافة إلى وقوعه في الإثم والعقوبة. ثم إنه قد يؤدي سوء الظن بصاحبه حين يريد أن يتحقق أو يتأكد من صحة ما ظن أن يقع في سلسلة طويلة من المعاصي والسيئات من غيبة وتجسس ونحوه. والله يقول: ( ) [الحجرات:١٢].

    فالإثم هو الذنب الذي يستحق فاعله العقوبة عليه، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي135.

    ويقول سبحانه: ( ) [الأحزاب:٥٨].

    ولا يخفى ما حل بالأقوام السابقة من العذاب، حين ظنوا برسلهم وشكوا فيما جاؤهم به فكان عقابهم كما قال سبحانه: ( ﭢﭣ ﭴﭵ ﭽﭾ) [العنكبوت:٤٠].

    لقد كذب كل هؤلاء الأقوام رسلهم الكرام وظنوا بهم سوءًا، فوجب العقاب الإلهي لهم، جزاء وفاقا.

    وأخبر سبحانه عن أصحاب الإفك، أن لكل منهم ما اكتسب من الإثم: ( ﭨﭩ ) [النور: ١١].

    وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك، وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة 136.

  2. التنافر والتدابر بين أفراد المجتمع.

    بعض الظنون السيئة تنشأ عنها الغيرة المفرطة والمكائد والاغتيالات، والطعن في الأنساب، والمبادأة بالقتال حذرًا من اعتداء مظنون ظنًا باطلًا، كما قالوا: (خذ اللص قبل أن يأخذك) 137.

    فالانسياق وراء الظنون والشكوك له آثار مدمرة على المجتمعات، فهي تعمل على توهين الصف المسلم بنشر الإشاعات، وأحيانًا تكون هذه الإشاعات موجهة إلى رموز الخير ممن لهم في النفوس مكانة وتقدير؛ فتحدث البلبلة، والشقاق، وعندها يرقص الشيطان؛ فرحًا على أشلاء وحدتنا؛ وتضعف الثقة في أهل الدعوة وأهل الإصلاح والتوجيه.

    وصدق الشاعر138 إذ قال:

    فلا تتبع الظنّ إنّ الظنون

    تريك من الأمر ما لم يكن

    وهذا يدل على أن الظان لن يكتفي بما في نفسه من الحديث والخطرات بل سيتبعها بالتجسس والغيبة؛ ولذلك يقول سبحانه بعد الأمر باجتناب الظن والتحذير منه:( ﭛﭜ ) فقد اشتملت الآية الكريمة على الأمر باجتناب الظن باجتناب أثره، ثم النهي عن طلب تحقيق ذلك الظن بقوله: ( ) ثم النهي عن ذكر ما عسى أن يكون المتجسس قد وقف عليه( )،فهذه ثلاثة مترتبه: ظنّ، فعلم من طريق التجسس، فاغتاب139. كذلك من حكم بـشرّ على غيره بمجرد الظن، حمله الشيطان على احتقاره، وعدم القيام بحقوقه والتواني في إكرامه، بل وإطالة اللسان في عرضه. وكل ذلك من شأنه الفرقة والتنافر بين أفراد المجتمع؛ لذا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اتبع النهي عن الظن والتحذير منه بقوله: (وكونوا عباد اللّه إخوانا) في حديث: (إيّاكم والظّنّ؛ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث. ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد اللّه إخوانا) 140.

  3. الخسارة.

    يالخسارة من وقع في الأوهام والظنون السيئة؛ لقد أردتهم تلك الظنون وجعلتهم يخسرون كل شيء حتى أنفسهم، وسوف يخسرون منازلهم في الجنة يرثها عنهم المؤمنون، ويرثون هم المؤمنين منازلهم في النار ذلك هو الخسران المبين.( ﭽﭾ ﭿ ) [فصلت: ٢٢-٢٣].

    قال ابن كثير رحمه الله: « هذا الظن الفاسد -وهو اعتقادكم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون-هو الذي أتلفكم وأرداكم عند ربكم، ( ) أي: في مواقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم141؛ لأنكم من أجل هذا الظن؛ اجترأتم على محارم الله فقدمتم عليها، وركبتم ما نهاكم الله عنه؛ فحقت عليكم كلمة العقاب والشقاء، ووجب عليكم الخلود الدائم في العذاب، الذي لا يفتر عنهم ساعة 142. ثم إن الله تعالى بيّن أن الكفار الذي أضلّهم قرناؤهم من الشياطين يظنون أنهم على هدى، فهم يحسبون أشد الضلال أحسن الهدى، كما قال تعالى عنهم: ( )[الزخرف: ٣٧ ].

    وقال تعالى: (ﯿ )[الأعراف:٣٠].

    وبيّن سبحانه أنهم بسبب ذلك الظن هم أخسر الناس أعمالًا في قوله: ( ) [الكهف: ١٠٣-١٠٤] 143.

  4. الوقوع في الهاوية والعذاب الشديد.

    من أعظم الذنوب عند الله: إساءة الظن به؛ ولهذا توعد الله سبحانه الظانّين به ظن السوء بما لم يتوعد به غيرهم.

    ( ﮣﮤ ﮫﮬ ) [الفتح: ٦].

    فدائرة السوء144 والعذاب تحيط بهم من كل جانب في الدنيا والآخرة، إضافة إلى غضب الله، ولعنته، واستحقاق جهنم.

    وفي قوله تعالى: ( ) [الانشقاق: ١٠ - ١٤].

    وقعت هذه الجملة (ﮞﮟ ) موقع التعليل لمضمون جملة: ( ).وحرف(إنّ) فيها مغنٍ عن فاء التعليل، فالمعنى: يصلى سعيرًا لأنه ظن أن لن يحور، أي لن يرجع إلى الحياة بعد الموت، أي لأنه يكذّب بالبعث145.

    والله هدّد الكفار على ظنهم السيئ بالويل من النار، فقال عز وجل: ( ﭗﭘ ﭜﭝ ) [ص:٢٧].

    وقال: ( ﯛﯜ ) [يونس: ٦٠].

    موضوعات ذات صلة:

    الشك، العلم، اليقين


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/ ٤٦٢، الصحاح، الجوهري ٦/ ٢١٦٠.

2 لسان العرب، ابن منظور ١٣/٢٧٢.

3 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/ ١٣٨.

4 تهذيب اللغة، الأزهري ١٤ / ٣٦٤.

5 القطع والظن عند الأصوليين، سعد الشثري ١/٨١.

6 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣١٧.

7 أحكام القرآن، ابن العربي ٤/١٥٦.

8 المحرر الوجيز، ابن عطية ١/ ١٣٨.

9 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٤٣٩-٤٤٠، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الطاء ص٧٣٥-٧٣٦.

10 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٣٣٣، الوجوه والنظائر، العسكري، ص٣٣٢-٣٣٣، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، الفيروزآبادي، ٣/٥٤٥-٥٤٧، نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، ابن الجوزي، ص٤٢٤-٤٢٦.

11 مقاييس اللغة ١/٥٢٠.

12 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٦٥.

13 التعريفات ص ١٦٨.

14 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/ ٣٧٦. وانظر: فتح البيان في مقاصد القرآن، القنوجي ١/١٦١؛ فتح القدير، الشوكاني ١/ ٧٩.

15 الصحاح، الجوهري ٢/٣٠٠، واانظر: لسان العرب، ابن منظور ١٣/٤٥٧.

16 قيل: ولذلك لا يوصف الباري سبحانه، بأنه متيقن. ولا يقال: تيقنت أن السماء فوقي. فكل يقين علم، وليس كل علم يقينًا. انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٣٧٤.

17 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/ ٢٣٧.

18 دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، الشنقيطي ص ١٧.

19 مقاييس اللغة، ابن فارس ص٢٦٣.

20 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/ ١٨.

21 المفردات، الراغب الأصفهاني ١/١٥٤.

22 مدارك التنزيل، النسفي ٣/٢٥٠.

23 الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ١/٣٤٣.

24 انظر: مقاييس االلغة، ابن فارس ٤/١٠٩، مجمل اللغة، ابن فارس ١/ ٦٢٤.

25 المفردات، الراغب الأصفهاني ١/ ٥٠٨.

26 مفاتيح الغيب، الرازي ٣/ ٤٧.

27 انظر: الصحاح، الجوهري ٥/٢٠٤٥، النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٥/٢٣٤؛ لسان العرب، ابن منظور ١٢/٦٤٣.

28 انظر: الكليات، الكفوي ص٩٤٣؛ مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/ ٦٢، ٦٣.

29 التسهيل لعلوم التنزيل ١/ ١٦٣.

30 فقد ظن المؤمنون النصر، وظن المنافقون أن يستأصل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته.

انظر: معالم التنزيل، البغوي ص١٠٣١؛ الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٩٣؛ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/ ٧٥٣؛ فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٢٩.

31 جامع البيان، الطبري ٢٤/١١٠.

32 كما صرح بذلك العلماء، فقالوا رحمهم الله: «يحرم ظن السوء بمسلم ظاهره العدالة. أما ظن السوء بمن قامت القرينة على أنه أهل لذلك، فهذا لا حرج على الإنسان أن يظن السوء به، ولهذا من الأمثال المضروبة السائرة: احترسوا من النّاس بسوء الظّنّ، ولكن هذا ليس على إطلاقه، كما هو معلوم، وإنما المراد: احترسوا من الناس الذين هم أهل لظن السوء فلا تثقوا بهم، والإنسان لابد أن يقع في قلبه شيء من الظن بأحد من الناس لقرائن تحتف بذلك، إما لظهور علامة في وجهه، بحيث يظهر من وجهه العبوس والكراهية في مقابلتك وما أشبه ذلك، أو من أحواله التي يعرفها الإنسان منه أو من أقواله التي تصدر منه فيظن به ظن السوء، فهذه إذا قامت القرينة على وجوده فلا حرج على الإنسان أن يظن به ظن السوء. انظر: تفسير سورة الحجرات، ابن عثيمين ص ٣٢،٣٤.

33 القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين ٢/٢٧٩.

34 شرح صحيح مسلم، النووي ١٤/٢١٠.

35 الكشف والبيان ١/٢٤٦.

36 وهو قول عكرمة. كما في: تفسير القرآن، الثوري ١/٥٩؛ تفسير ابن أبي حاتم ١/ ٣٣٣؛ الدر المنثور، السيوطي؛ ١/٢٠٨؛ جامع البيان، الطبري ٢/ ٢٠٦.

37 الجواهر الحسان، الثعالبي ١/ ١٥١. وقال الثعالبي: قيل في معنى (): أحسنوا في أعمالكم بامتثال الطاعات، روي ذلك عن بعض الصحابة، وقيل المعنى: وأحسنوا في الإنفاق في سبيل الله وفي الصدقات، قاله زيد بن أسلم.

38 متفق عليه. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ( )، رقم ٧٤٠٥؛ ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله تعالى، رقم ٢٦٧٥ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

39 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، حديث رقم ٢٨٧٧، ٤/٢٢٠٥.

40 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في حسن الظن حديث رقم ٤٩٩٣، ١٤/٣٢٩، والترمذي في الدعوات كما في تحفة الأحوذي، رقم ٣٨٤٣ من طريق شتير بن نهار عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعند أبي داود قال: سمير.

وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه.

وصحّحه ابن حبان ٦٣١، والحاكم ٤/٢٤١. لكن شتير هذا ذكره البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وجهله الدارقطني كما في سؤالات البرقاني رقم ٢١٢. وقال الذهبي في الميزان ٢/٢٣٤: نكرة؛ ولذا ضعف الألباني الحديث في الضعيفة، رقم ٣١٥٠.

41 انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي ٤/٣٢٥ مصنف ابن أبي شيبة ٨/٢٧٢؛ المعجم الكبير، الطبراني ٨/٦٥؛ حسن الظن بالله، ابن أبي الدنيا ص٤٥.

42 أخرجه الطبري في تفسيره ١٧/٤٥.

43 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم)، رقم ٤١٩٧، ٤/١٦٦٢.

44 الرحيق المختوم، المباركفوري ص٢٧٩.

45 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٦٩.

46 المصدر السابق ص٣٥٩.

47 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٣٧٣.

48 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣٥٩٨؛ تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٧.

49 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (ثاني اثنين إذ هما في الغار) رقم ٤٢٩٥، ٤/١٧١٢.

50 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/١٧٨. فإن قيل:لم قال: () بلفظ الخطاب ثم عدل إلى لفظ الغيبة، في قوله: ( ) ولم يقل: (ظننتم)؟ فالجواب: أن ذلك التفات، قصد به المبالغة في التوبيخ، والتصريح بالإيمان الذي يوجب أن لا يصدق المؤمن على المؤمن شرًا. التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٣/ ٦١.

51 تفسير ابن أبي حاتم ١٠/٥٦.

52 موسوعة نضرة النعيم في أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، مجموعة مؤلفين، ١٠/٤٦٥٢.

53 تصنيف الناس بين الظن واليقين، بكر أبو زيد ص٣٢. ‏

54 الزواجر عن اقتراف الكبائر، ابن حجر الهيتمي ١/٢٢٩.

55 زاد المعاد، ابن القيم ٣/ ٢٢٩.

56 تفسير ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٩٦.

وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٢١٣.

57 إحياء علوم الدين، الغزالي ٣/١٥٠.

58 أخرجه الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن أبي هريرة ٦/٢٦٥٨، الحديث رقم ٦٨٥٨، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الله تعالى، والإمام مسلم في صحيحه ٢/٩٧٥ الحديث رقم ١٣٣٧، باب فرض الحج مرة في العمر.

59 أخرجه ابن ماجه في السنن، باب حرمة دم المؤمن، حديث رقم ٣٩٣٢؛ وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة، حديث رقم: ٣٤٢٠؛ و صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ٢٤٤١.

60 سبق تخريجه.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: « إيّاكم والظّنّ » أي احذروا اتّباع الظن، أو احذروا سوء الظن. والظن: تهمة تقع في القلب بلا دليل. وليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالبًا، بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به.

انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داوود، عبد العظيم آبادي ١٠/٤٤٥.

61 من لطائف التفسير بتصرف، أحمد فرح عقيلان ١/٥٢.

62 بحر العلوم، السمرقندي ١/ ٧٦.

63 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١٨/٢٣٥.

64 انظر: الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، سلوى العوا ص١٠٥.

65 مدارك التنزيل، النسفي ١/٤٢؛ وانظر: الكشاف، الزمخشري ١/ ١٦٣.

66 وهي:( ﭿ )،( ) انظر: الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، سلوى العوا. بتصرف يسير ص١٠٥.

67 أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري ٤/ ٥٤٣.

68 تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ص ٢٩٩؛ معالم التنزيل، البغوي ص ١٣٤٤.

69 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/١٩.

70 الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، سلوى العوا ص١٠٦.

71 أضواء البيان ٧/٩٣.

72 معالم التنزيل ص ١٣٦٧.

73 تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ص ٢٩٩؛ تذكرة الأريب في تفسير الغريب، ابن الجوزي ص١٩٢.

74 التفسير الكبير ١٧/٧٠.

75 انظر: ص٦-٧ من هذا البحث.

76 قال الشنقيطي رحمه الله واعلم أن ما يذكره كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة، مما لا يليق بمنصب داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كله راجع إلى الإسرائيليات، فلا ثقة به، ولا معول عليه، وما جاء منه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح منه شيء. أضواء البيان ٧/١٦،١٧.

77 الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، سلوى العوا ص١١٢.

78 المصدر السابق ص١٠٧.

79 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٢٣١.

80 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣٢٣٢.

81 المصدر السابق ٥/٣٢٣٢.

82 تفسير القرآن العظيم ٣/٢٦٠.

83 انظر: زاد المعاد، ابن القيم ٣/٢٣٠.

84 إغاثة اللهفان ١/٦٢.

85 جامع البيان ١٥/ ٢٤٦.

86 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣١٨.

87 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/ ٢٤٦.

88 أثيرت شبهة حول القرآن يتهم النبي يونس بأنه شك في قدرة الله؛ لقوله تعالى: ( ) [الأنبياء:٨٧].والجواب عن هذه الشبهة: أن القارئ لن يجد كتابًا عند أمة من الأمم يعظم الأنبياء كما عظمهم القرآن الكريم، فهو الكتاب الوحيد الذي ينزه الأنبياء عن الكبائر والنقائص، فضلًا عن الكفر والشرك بالله تعالى، فقد فضل الله يونس مع إخوانه الأنبياء على العالمين: ( ) [الأنعام:٨٦] وإنما أتي القائل لهذه الشبهة من سوء فهمه للآية، فليس مقصودها أن يونس ظن أنه معجز الله بهربه، بل المعنى أنه ظن أن الله لن يقدر عليه، أي لن يضيق عليه ويلومه في ترك قومه حين لم يستجيبوا لدعوته، فهي كقول الله تعالى: ( ﭿ ) [الطلاق: ٧]: أي ضيّق عليه، ومثله قوله تعالى: ( ) [الرعد: ٢٦]، وهذا المعنى منقول عن ابن عباس رضي الله عنه وعن غيره من التابعين. وحفاظًا على منزلة يونس بن متى في قلوب المؤمنين؛ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تفضيل المرء نفسه على هذا النبي الكريم بقوله: (لا ينبغي لعبد أن يقول إنه خير من يونس بن متى). أخرجه البخاري رقم ٣٣٩٦، وفي رواية: (من قال: أنا خير من يونس بن متى؛ فقد كذب). أخرجه البخاري رقم ٤٦٠٤، فثبت بذلك براءة القرآن من فرية الإساءة إلى يونس عليه السلام.

انظر: تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة ص٤٠٨.

89 تفسير القرآن الكريم، جزء عم، ابن عثيمين ص٢١٧.

90 زاد المعاد، ابن القيم ٣/ ٢٠٤.

91 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٨٠٦.

92 الصابئة نوعان: صابئة حنفاء موحدون، وصابئة مشركون. فالأولون هم الذين أثنى الله عليهم بقوله تعالى: ( ) [البقرة:٦٢]. أما المشركون فهم الذي كانوا يعبدون الكواكب. الرد على المنطقيين، شيخ الإسلام ابن تيمية ص٢٨٨.

93 مدارج السالكين ٣/٣٤٧.

94 انظر: إغاثة اللهفان ١/٦٢.

95 القول السديد شرح كتاب التوحيد، السعدي ص١٢٢.

96 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبدالرحمن آل الشيخ ص٦٨٠.

97 تفسير ابن أبي حاتم ٣/٢٣٠؛ جامع البيان، الطبري ٤/١٤٣؛ لباب النقول، السيوطي ص٥٩؛ الصحيح من أسباب النزول، عصام الحميدان ص٩٧؛ الصحيح المسند من أسباب النزول، مقبل الوادعي ص٥٠.

98 زاد المعاد، ابن القيم ٣/ ٢٢٩.

99 الكرى هو النعاس، فلقد جعل الله النعاس يغشى المؤمنين المقاتلين في غزوة بدر ليزيل شعورهم بالخوف، وأحد ليزيل شعورهم بالغم، حيث قال سبحانه عن تثبيت المؤمنين في بدر: ( ﭿ ) [الأنفال:١١]، فالأمنة هي شعور المجاهد بالأمان والطمأنينة أثنـاء خـوض المعركة، لكن أسباب الخوف ما زالت موجودة لأنه على أرض المعركة. أما الأمن فهو الطمأنينة بعد زوال سبب الخوف. فسبحان منزل هذا الكتاب المعجز بألفاظه.

انظر: لطائف قرآنية، صلاح الخالدي ص١٠٣.

100 جامع البيان ٤/١٤١.

101 بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد التاء فوقها نقطتان، معتب بن قشير بن مليل بن زيد بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري. شهد بدرًا وأحدًا، وكان قد شهد العقبة. يقال: إنه كان منافقًا وإنه الذي قال يوم أحد: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا. وقيل: إنه تاب.

انظر: الاستيعاب، ابن عبد البر ٣/١٤٢٩؛ الإصابة، ابن حجر ٦/١٣٨.

102 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٤٢.

103 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٧٣٥.

104 المصدر السابق ٣/٧٣٥.

105 التحرير والتنوير، بن عاشور ٢٦/١٥٣.

106 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٧٣٥؛ التحرير والتنوير، بن عاشور ٢٦/١٥٣.

107 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٢١.

108 المصدر السابق ص٥٣٥.

109 تفسير القرآن العظيم ٣/٢١١.

110 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، رقم ٤٨١٦، ١٦/٨٧؛ ومسلم في صحيحه، كتاب الصفات، رقم ٢٧٧٥، ص٢١٤١.

111 البحر المحيط، أبو حيان ٧/٤٧٢.

112 انظر: زاد المعاد ٣/٢٣٢.

113 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١٢/١٧٠.

114 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥ / ٣٤٨.

115 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٦٦.

116 تفسير القرآن [جزء الذارايات]، ابن عثيمين ص٢٢٣.

117 الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ١/٣٤٣.

118 الاعتصام ٢/١٤.

119 أحكام القرآن ٣/٥٣٩.

120 مدارك التنزيل، النسفي ٤/ ٢٧٥.

121 القواعد، المقري ١/١٤١.

122 رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام » باب من قضي له بحقّ أخيه فلا يأخذه.. حديث رقم ٦٦٧٢.

123 أنوار التنزيل ١/٥٢٠.

124 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، حديث رقم ٤٩٥٤.

125 انظر: البحر المحيط، أبوحيان ٥/١١٣.

126 انظر: معاني القرآن، الفراء ٣/٦٩؛ جامع البيان، الطبري ٢٤/١١٠؛ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٦٥٠؛ فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٥٢.

127 البرهان في علوم القرآن، الزركشي ٤/٩٦.

128 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلًا)، رقم ٣١١٣.

129 انظر: لباب التأويل، الخازن ٤/٤٤.

130 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ١/٥٢٩.

131 إذا قيل: ما الفائدة في إنبات شجرة اليقطين عليه دون غيرها؟ فالجواب: أن يونس -عليه السلام -خرج من بطن الحوت ضعيفًا مريضًا وهزيلًا في بدنه وجلده، ‏فأدنى شيء يمر به يؤذيه. وفي ورق اليقطين خاصية وهي أنه إذا ترك على شيء ‏لم يقربه ذباب، فأنبته الله على يونس ليغطيه ورقها ويمنع الذباب ريحه أن ‏يسقط عليه فيؤذيه. وفي إنبات القرع عليه حكم كثيرة منها: أن ورقه في غاية النعومة، ‏وأهمية تظليل ورقه عليه؛ لكبره ونعومته، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره ومطبوخًا ‏وبقشره وببذره أيضًا، وقد ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأكل منه.

132 أخرجه الترمذي في السنن، باب ما جاء في عقد التّسبيح باليد حديث رقم ٣٥٠٥، ٥/٥٢٩؛ والنسائي في السنن الكبرى، باب ذكر دعوة ذي النون، حديث رقم ١٠٤٩٢، ٦/ ١٦٨. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه. ووافقه الذهبي. انظر: المستدرك على الصحيحين ٢/٦٣٧.

133 الفرج بعد الشدة، التنوخي ١/٧٦.

134 في قوله تعالى: () قراءتان بالتشديد وبالتخفيف: قرأ أهل الكوفة وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي () بالتخفيف من قولك: كذبتك الحديث: أي لم أصدقك. وفي التنزيل: ( ) [التوبة:٩٠]، أي لم يصدقوا مع الله ورسوله. وفيها وجهان من التفسير: أحدهما:حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوا، بمعنى أخلفوا ما وعدوه من النصر، جاء الرسل نصرنا، فجعل الضمير في ظنوا للقوم، وجعل الظن موافقًا لفظه ومعناه. الوجه الآخر: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم فيما أخبروهم به من أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب. وقرأ أهل الحجاز والبصرة والشام وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (كذّبوا) بالتشديد. وفي التنزيل: ( ) [الأنعام:٣٤]، وقوله: ( ) [سبأ:٤٥]، وجعلوا الضمير في ظنوا للرسل، والظن بمعنى اليقين. والأولى أن يجعل الضمير للرسل فيكون الفعلان للرسل، ويصير كلامًا واحدًا. ومعنى الآية: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وأيقنوا أن قد كذبوهم جاءهم نصرنا، أي جاء الرسل نصرنا.

انظر: حجة القراءات.ابن زنجلة ص٣٦٦.

135 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٤٥.

136 المصدر السابق ص٥١٢.

137 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/ ٢٥.

138 ديوان ابن مقبل ص ١٤٣.

139 تفسير آيات الأحكام، السايس ص٧١٣.

140 سبق تخريجه ص٢٠.

141 تفسير القرآن العظيم ٤/٩٧.

142 جامع البيان، الطبري ٢٤/١١٠، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٩٣.

143 أضواء البيان، الشنقيطي ٧/ ٢٨.

144 وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (دائرة السوء)بالضم. والفرق بينه وبين(السوء)بالفتح، على ما في الصحاح: أن المفتوح مصدر، والمضموم اسم مصدر بمعنى المساءة. وقال غير واحد: هما لغتان بمعنى كالكره والكره عند الكسائي. وكلاهما في الأصل مصدر، غير أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه، والمضموم جرى مجرى الشر. ولما كانت الدائرة هنا محمودة وأضيفت إلى المفتوح في قراءة الأكثر تعيّن على هذا أن يقال: إن ذاك على تأويل أنها مذمومة بالنسبة إلى من دارت عليه من المنافقين والمشركين. واستعمالها في المكروه أكثر، وهي مصدر بزنة اسم الفاعل أو اسم فاعل، وإضافتها على ما قال الطيبي من إضافة الموصوف إلى الصفة للبيان على المبالغة. وفي [الكشف]: الإضافة بمعنى [من] على نحو: دائرة ذهب. فتدبّر. والكلام إما إخبار عن وقوع السوء بهم، أو دعاء عليهم. انظر: الكشاف، الزمخشري ٦/٣٤١؛ روح المعاني، الألوسي ٢٦/٩٥؛ تفسير أبي السعود ٦/١٦٦.

145 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٢٠٠.