عناصر الموضوع
الطغيان
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «الطّاء والغين والحرف المعتلّ أصلٌ صحيحٌ منقاسٌ، وهو مجاوزة الحدّ في العصيان. يقال: هو طاغٍ. وطغى السّيل، إذا جاء بماءٍ كثيرٍ»1. والطاغوت الكاهن، والشيطان، وكل رأس في الضلال، يكون واحدًا والجمع الطواغيت2. «والطاغية: الجبار العنيد»3. وقيل: الذي لا يبالي بما أتى، يأكل الناس ويقهرهم، لا يثنيه تحرّج ولا فرق 4. وقيل: «الأحمق المستكبر الظّالم»5.
والخلاصة: أن كل شيء جاوز الحد فقد طغى، ذكر ذلك أبو منصور الثعالبي، ونسب ذلك إلى أئمة اللغة.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الجرجاني: «الطغيان: مجاوزة الحد في العصيان»6.
وقال القرطبي: «الطغيان تجاوز الحد في الظلم والغلو فيه؛ وذلك أن الظلم منه صغيرة ومنه كبيرة، فمن تجاوز منزلة الصغيرة فقد طغى»7.
وقال ابن القيم رحمه الله: «والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع؛ فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله»8.
والواقع أن الطغيان في الشرع يقوم على أساس معناه في اللغة، فيراد به تجاوز الإنسان حدّه وقدره، وحدّ الإنسان هو ما حدّ الله له من حدود لا يجوز أن يتجاوزها.
وردت مادة (طغى) في الاستعمال القرآني(٣٩) مرة9.
والصيغ التي وردت كالآتي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٨ |
(ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النازعات:٣٧] |
الفعل المضارع |
٥ |
(ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [طه:٤٥] |
اسم فاعل |
٧ |
(ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الذاريات:٥٣] |
اسم تفضيل |
١ |
(ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النجم:٥٢] |
مصدر |
١٠ |
(ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [المائدة:٦٤] |
الاسم |
٨ |
(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النساء:٧٦] |
وجاء (الطغيان) في الاستعمال القرآني على ثلاثة أوجه10:
الأول: الضلالة والعصيان، قال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة:١٥] يعني: في ضلالتهم.
وقال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [طه:٢٤] يعني: إنه عصى الله عز وجل.
الثاني: الارتفاع والكثرة، قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الحاقة:١١] يعني: لمّا ارتفع وكثر.
الثالث: الظلم، قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الرحمن:٨]. يعني: لا تظلموا.
البغي:
البغي لغة:
مصدر بغى يبغي بغيًا إذا تعدى وظلم. 11.
البغي اصطلاحًا:
طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أم لم يتجاوزه12.
الصلة بين الطغيان والبغي:
الطغيان: هو تجاوز الحد الذي كان عليه من قبل. والبغي: طلب تجاوز قدر الاستحقاق، تجاوزه أو لم يتجاوزه، وهو ضربان: أحدهما محمود، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان، والفرض إلى التطوع. والثاني مذموم، وهو تجاوز الحق إلى الباطل، أو تجاوزه إلى الشّبه13.
العدوان:
العدوان لغة:
التعدّي في الأمر، وتجاوز ما ينبغي له أن يقتصر عليه14.
العدوان اصطلاحًا:
التّجاوز ومنافاة الالتئام، والإخلال بالعدالة في المعاملة15.
الصلة بين الطغيان العدوان:
الطغيان: هو تجاوز الحد الذي كان عليه من قبل، والعدوان: تجاوز المقدار المأمور بالانتهاء إليه والوقوف عنده.
العتو:
العتو لغة:
التجبّر والتكبّر16.
العتو اصطلاحًا:
عبارة عن الإباء والعصيان17، ومجاوزة الحد فيه بحيث لا يتأثر معه القلب بالموعظة ولا يقبل النصيحة.
الصلة بين الطغيان والعتو:
قال العسكري: «أن الطغيان مجاوزة الحد في المكروه مع غلبة وقهر، يقال: طغى الماء إذا جاوز الحد في الظلم، والعتو: المبالغة في المكروه، فهو دون الطغيان»18.
تنوعت أساليب القرآن في التحذير من الطغيان، وسنتناولها فيما يأتي:
أولًا: النهي الصريح:
ورد النهي الصريح في كتاب الله محذّرًا من ارتكاب الطغيان، فقال تعالى آمرًا نبيّه وأهل الإيمان بالاستقامة على الدين، ونهاهم عن الظلم والطغيان، فقال سبحانه: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [هود: ١١٢-١١٣].
«فأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة؛ وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء، ومخالفة الأضداد، ونهى عن الطغيان، وهو البغي، فإنه مصرعة حتى ولو كان على مشرك، وأعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد، لا يغفل عن شيء، ولا يخفى عليه شيء»19.
قال سيد رحمه الله: «وإنه لما يستحق الانتباه هنا أن النهي الذي أعقب الأمر بالاستقامة لم يكن نهيًا عن القصور والتقصير، إنما كان نهيًا عن الطغيان والمجاوزة؛ وذلك أن الأمر بالاستقامة وما يتبعه في الضمير من يقظة وتحرّج، قد ينتهي إلى الغلو والمبالغة التي تحوّل هذا الدين من يسر إلى عسر، والله يريد دينه كما أنزله، ويريد الاستقامة على ما أمر دون إفراط ولا غلو، فالإفراط والغلو يخرجان هذا الدين عن طبيعته كالتفريط والتقصير، وهي التفاتة ذات قيمة كبيرة لإمساك النفوس على الصراط، بلا انحراف إلى الغلو، أو الإهمال على السواء»20.
وأمر الله سبحانه عباده بأكل الحلال الطيب، ونهاهم عن الطغيان بالسرف والبطر، فقال سبحانه: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [طـه: ٨١].
أي: ولا تطغوا في رزقي بالإخلال بشكره وتعدي حدودي فيه بالسرف والبطر، والاستعانة به على المعاصي، ومنع الحقوق الواجبة فيه، فينزل عليكم غضبي، وتجب عليكم عقوبتي21.
وقال ابن كثير: «أي: كلوا من هذا الرزق الذي رزقتكم، ولا تطغوا في رزقي، فتأخذوه من غير حاجة، وتخالفوا ما آمركم به»22.
ونهى عن الطغيان في الميزان، فقال: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الرحمن: ٧-٩].
وقد اختلف علماء التفسير في معنى الميزان، فقيل: هو العدل، وقيل: المراد آلة الوزن التي يتوصّل بها إلى الإنصاف والانتصاف، وقيل: الميزان هو القرآن؛ لأن فيه بيان ما يحتاج إليه، وقيل: إن الميزان هو الحكم23.
وليس هناك تعارض بين هذه الأقوال، ولا مانع أنه يعم الجميع، فالمطلوب من الإنسان ألا يطغى سواء في آلة الوزن، أو في تجاوز حدود الله، أو في ظلم الناس.
ثانيًا: التعليل بسوء المصير:
من أساليب القرآن الكريم في التحذير من الطغيان: ذكر الوعيد الشديد بسوء مصير الطغاة في الدنيا والآخرة، قال سبحانه وتعالى مبينًا مصير الطغاة: (ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [ص: ٥٥].
«وهم الذين تمرّدوا على ربهم، فعصوا أمره مع إحسانه إليهم، لشر مرجع ومصير يصيرون إليه في الآخرة بعد خروجهم من الدنيا؛ لأن مصيرهم إلى جهنم، وإليها منقلبهم بعد وفاتهم، فبئس الفراش الذي افترشوه لأنفسهم جهنم»24.
والمراد بالطاغين هنا: «عظماء أهل الشرك؛ لأنهم تكبروا بعظمتهم على قبول الإسلام، وأعرضوا عن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بكبر واستهزاء، وحكموا على عامة قومهم بالابتعاد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين وعن سماع القرآن، وهم: أبو جهل وأمية ابن خلف، وعتبة ابن ربيعة، والوليد بن عتبة، والعاصي بن وائل وأضرابهم»25.
وقال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [النبأ: ٢١-٢٢].
أي: أنّها كانت في حكم الله تعالى وقضائه موضع رصدٍ يرصد فيه خزنة النار الكفار ليعذّبوهم فيها26. والمراد بالطاغين من طغى في دينه بالكفر، أو في دنياه بالظلم27.
ولما كان من صور الطغيان الطغيان بالظلم بيّن الله مصيرهم في الدنيا والآخرة، فقال: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [هود: ١٠٢].
وأخبر سبحانه أنه لا يغفل عما يفعله الطغاة الظلمة من الظلم والطغيان، فقال سبحانه: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [إبراهيم: ٤٢].
أي: «لا تحسبنه إذا أنظرهم وأجّلهم أنه غافل عنهم، مهمل لهم، لا يعاقبهم على صنعهم، بل هو يحصي ذلك ويعده عليهم عدًّا»28.
قال سيد رحمه الله: «ظاهر الأمر يبدو هكذا لبعض من يرون الظالمين يتمتّعون، ويسمع بوعيد الله، ثم لا يراه واقعًا بهم في هذه الحياة الدنيا، فهذه الصيغة تكشف عن الأجل المضروب لأخذهم الأخذة الأخيرة التي لا إمهال بعدها، ولا فكاك منها، أخذهم في اليوم العصيب الذي تشخص فيه الأبصار من الفزع والهلع، فتظل مفتوحة مبهوتة مذهولة، مأخوذة بالهول لا تطرف ولا تتحرك، ثم يرسم مشهدًا للقوم في زحمة الهول، مشهدهم مسرعين لا يلوون على شيء، ولا يلتفتون إلى شيء، رافعين رؤوسهم لا عن إرادة، ولكنها مشدودة لا يملكون لها حراكًا، يمتد بصرهم إلى ما يشاهدون من الرعب، فلا يطرف ولا يرتد إليهم، وقلوبهم من الفزع خاوية خالية، لا تضم شيئًا يعونه أو يحفظونه أو يتذكرونه، فهي هواء خواء»29.
وقال عز وجل: (ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [مريم: ٨٤].
أي: لا تعجل يا محمد على هؤلاء في وقوع العذاب بهم، إنما نؤخّرهم لأجل معدود مضبوط، وهم صائرون لا محالة إلى عذاب الله ونكاله30.
«فيا ويل من يعدّ الله عليه ذنوبه وأعماله وأنفاسه، ويتتبعها ليحاسبه الحساب العسير، إن الذي يحسّ أن رئيسه في الأرض يتتبع أعماله وأخطاءه يفزع ويخاف ويعيش في قلق وحسبان، فكيف بالله المنتقم الجبار؟!»31.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)، قال: ثم قرأ: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [هود: ١٠٢]32.
وحينما يتسلل الإحباط واليأس في نفس المؤمن وهو يرى ما عليه الطغاة وأهل الكفر من التمكين في الأرض، وما يملكونه من القوة والهيمنة، فليتذكر قول الله سبحانه: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ) [آل عمران: ١٩٦-١٩٧].
«وهذه الآية المقصود منها التسلية عما يحصل للذين كفروا من متاع الدنيا، وتنعّمهم فيها، وتقلّبهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب واللذات، وأنواع العز والغلبة في بعض الأوقات، فإن هذا كله (ﮈ ﮉ) ليس له ثبوت ولا بقاء، بل يتمتعون به قليلًا، ويعذّبون عليه طويلًا، هذه أعلى حالة تكون للكافر، وقد رأيت ما تؤول إليه»33.
ويسلّي الله نبيه صلى الله عليه وسلم، ويبيّن له مصير الطغاة المجرمين، فيقول سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الأنعام: ١٤٧].
فهذا الوعيد الشديد بذكر مصير أهل الفسق والطغيان يجعل من الإنسان المسلم شخصية خائفة من ربها تبارك وتعالى، مجتنبًا كل الأسباب الموصلة إلى الطغيان؛ لأن الله قد حذّر منه، وذكر مصير أهله.
ثالثًا: الحث على الاعتبار بالسابقين:
يقصّ الله تبارك وتعالى علينا قصص الطغاة، وما حلّ بهم النكال والعذاب لا لأجل التسلية، وإنما لأجل أخذ العبرة من هذه القصص، وحتى لا نقع في طغيانهم وضلالهم، وسأتناول شيئًا من قصص الأمم السابقة التي طغت وتكبّرت على الخالق والخلق:
فالطغاة قد تخدعهم قوتهم وسطوتهم المادية، فينسون قوة الله وجبروته، ولكن الله لهم بالمرصاد.
قال سبحانه: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الفجر: ٦-١٤].
«فربك راصد لهم، ومسجّل لأعمالهم، فلما أن كثر الفساد، وزاد صبّ عليهم سوط عذاب، وهو تعبير يوحي بلذع العذاب حين يذكر السوط، وبفيضه وغمره حين يذكر الصّبّ، حيث يجتمع الألم اللاذع، والغمرة الطاغية، على الطغاة الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد»34.
وذكر الله سبحانه إهلاك الأمم السابقة بسبب طغيانهم وعتوهم، فقال: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النجم: ٥٠-٥٢].
فأهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، وكانوا هم أشد ظلمًا لأنفسهم، وأعظم كفرًا بربهم، وأشد طغيانًا وتمردًا على الله من الذين أهلكهم من بعد من الأمم، وكان طغيانهم أكثر طغيانًا من غيرهم من الأمم35.
وكان عاقبتهم: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [القمر: ١١- ١٢].
وأخبر تبارك وتعالى عن مصير الطغاة المكذّبين بأنبيائهم، فقال سبحانه: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [العنكبوت: ٣٨-٤٠].
«هؤلاء الذين ملكوا القوة والمال وأسباب البقاء والغلبة، قد أخذهم الله جميعًا بعد ما فتنوا الناس وآذوهم طويلًا.
فعاد أخذهم حاصب، وهو الريح الصرصر التي تتطاير معها حصباء الأرض، فتضربهم وتقتلهم، وثمود أخذتهم الصيحة، وقارون خسف به وبداره الأرض، وفرعون وهامان غرقًا في اليم، ذهبوا جميعًا مأخوذين بظلمهم (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)»36.
وذكر لنا تبارك وتعالى طغيان قوم صالح عليه السلام.
قال سبحانه وتعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الشمس:١١-١٥].
قال الطبري: «الطاغية طغيانهم الذي طغوا في معاصي الله، وخلاف كتاب الله»37.
وقصّ الله علينا قصة أصحاب الجنة لما طغوا وتغطرسوا على عباد الله الضعفاء، ومنعوهم حقهم من الصدقات، ولم يشكروا الله تعالى على نعمه عليهم، جاء العذاب، ونزعت النعمة.
قال سبحانه: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [القلم: ١٧-٣٣].
فالله تبارك وتعالى يسوق إلى قريش هذه التجربة من واقع البيئة، ومما هو متداول بينهم من القصص، فيربط بين سنته في الغابرين، وسنته في الحاضرين، ويلمس قلوبهم بأقرب الأساليب إلى واقع حياتهم38.
ولما طغى قوم عاد وتكبروا، وقالوا لنبيهم استهزاء واستهتارًا: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [فصلت: ١٥].
فردّ الله عليهم بقوله: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [فصلت: ١٥-١٦].
وقال تبارك وتعالى مخبرًا عن فرعون: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [القصص ٣٨-٤٠].
ويصف لنا ربنا -جل جلاله- هذا الطاغية المتجبر، وإذلاله لموسى عليه السلام ولقومه، وعدم مبالاته بهم، فقال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الشعراء: ٥٣-٥٦].
فكانت النتيجة: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الشعراء: ٥٧-٦٢].
فهذه القصص وغيرها في كتاب الله تبارك وتعالى لم يقصها الله علينا إلا لأخذ العظة والعبرة منها، فنبتعد عن الطغيان وصفات الطغاة.
لوقوع الطغيان من الإنسان أسباب نتناولها فيما يأتي:
أولًا: الحسد:
مما يوقع الإنسان في الطغيان فيتجاوز الحدود: إصابته بداء الحسد، فهو الداء العضال -إن أصاب الإنسان- وهو «مذموم وصاحبه مغموم، وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب...، ويقال: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض، فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل»39.
ومن هنا فقد ذمّه الله تعالى في كتابه في غير موضع، فقال سبحانه: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النساء: ٥٤].
قال القرطبي: «وهذا هو الحسد بعينه، وهو الذي ذمّه الله تعالى»40.
وقال سبحانه: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [النساء: ٣٢].
«فنهى اللّه سبحانه المؤمنين عن التمني؛ لأن فيه تعلق البال، ونسيان الأجل، والمراد النهي عن الحسد: وهو تمني زوال نعمة الغير، وصيرورتها إليه، أو لا تصير إليه»41.
وورد في ذم الحسد خاصة أخبار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسّسوا، ولا تجسّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا»42.
فالحسد الداء الذي يحرق قلب صاحبه إذا ما رأى لله على غيره منّة، أو أسبغ عليه نعمة؛ فيدفعه ذلك إلى ممارسة الطغيان، وهذا كان سبب طغيان اليهود، ورفضهم قبول رسالة النبي مع أنه مكتوب عندهم في التوراة، فقد أنكر الله عليهم حسدهم لرسوله على الرسالة، وحسدهم لأصحابه على الإيمان، قال الله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النساء: ٥٤].
قال السعدي رحمه الله: «وهذا من قبائح اليهود وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أن أخلاقهم الرذيلة، وطبعهم الخبيث حملهم على ترك الإيمان بالله ورسوله، والتعوض عنه بالإيمان بالجبت والطاغوت، وهو الإيمان بكل عبادة لغير الله، أو حكم بغير شرع الله»43.
ولاشك أن ذلك ناتج عن الحقد والحسد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [المائدة: ٦٤].
قال الطبري رحمه الله: «يعني بالطغيان: الغلو في إنكار ما قد علموا صحته من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والتمادي في ذلك»44.
«فبسبب من الحقد والحسد، وبسبب من افتضاح أمرهم فيما أنزل الله إلى رسوله، سيزيد الكثيرون منهم طغيانًا وكفرًا؛ لأنهم وقد أبوا الإيمان لابد أن يشتطوا في الجانب المقابل، ولابد أن يزيدوا تبجّحًا ونكرًا، وطغيانًا وكفرًا، فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للمؤمنين، ووبالًا على المنكرين»45.
والخلاصة: أن الحسد يدفع بصاحبه إلى الطغيان، وتجاوز الحدود، وقد يصل به الأمر إلى الكفر بالله سبحانه، وتكذيب الرسالة، كما فعل اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: العجب والغرور:
العجب والغرور هو آفة الطغاة في عتوّهم وتجبّرهم وعدم قبولهم الحق والانصياع له؛ ولذلك قال الله عز وجل ذاكرًا حال قوم عاد لما طغوا وتكبّروا على ربهم، ثم على نبيهم: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [فصلت: ١٥].
«أي: منوا بشدة تركيبهم وقواهم، واعتقدوا أنهم يمتنعون بها من بأس الله»46.
قال سيد رحمه الله: «إن الحق أن يخضع العباد لله، وألا يستكبروا في الأرض، وهم من هم بالقياس إلى عظمة خلق الله، فكل استكبار في الأرض فهو بغير الحق، استكبروا واغتروا (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) وهو الشعور الكاذب الذي يحسه الطغاة، الشعور بأنه لم تعد هناك قوة تقف إلى قوتهم، وينسون: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) إنها بديهة أولية، إن الذي خلقهم من الأصل أشد منهم قوة؛ لأنه هو الذي مكّن لهم في هذا القدر المحدود من القوة، ولكن الطغاة لا يذكرون: (ﮢ ﮣ ﮤ) [فصلت: ١٥]»47.
«ويبرز فرعون في جاهه وسلطانه، وفي زخرفه وزينته، يخلب عقول الجماهير الساذجة بمنطق سطحي، ولكنه يروج بين الجماهير المستعبدة في عهود الطغيان، المخدوعة بالأبهة والبريق: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ) [الزخرف: ٥١]» 48.
ولم يكتف بهذا العجب، بل زاد عليه احتقارًا لموسى عليه السلام: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الزخرف: ٥٢].
يقول تعالى مخبرًا عن قول فرعون لقومه بعد احتجاجه عليهم بملكه وسلطانه، وبيان لسانه، وتمام خلقه، وفضل ما بينه وبين موسى بالصفات التي وصف بها نفسه وموسى: أنا خير أيها القوم، وصفتي هذه الصفة التي وصفت لكم (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) لا شيء له من الملك والأموال مع العلة التي في جسده، والآفة التي بلسانه، فلا يكاد من أجلها يبين كلامه؟49.
ويستعرض قارون ملكه وقوته أمام الجماهير المنبهرين بزينة الحياة الدنيا، ويخرج على قومه في أبّهة، يقول سبحانه مبيّنًا ما كان عليه من العجب والغرور: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [القصص: ٧٩].
«أي: فخرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة، وتجمّلٍ باهر من مراكب وخدم وحشم، مريدًا بذلك التعالي على الناس، وإظهار العظمة؛ وذلك من الصفات البغيضة، والافتخار الممقوت، والخيلاء المذمومة لدى عقلاء الناس من جرّاء أنها تقوّض كيان المجتمع، وتفسد نظمه، وتفرّق شمل الأمة، وتقسمها طبقات، وفي ذلك تخاذلها، وطمع العدو في امتلاك ناصيتها»50.
ثالثًا: العناد والكبر:
من أبرز الأسباب الحاملة على الطغيان: العناد، فالطاغية يعرف تمام المعرفة أنه على باطل، غير أنه يترك الحق ويكابر عنادًا وكبرًا وعلوًّا، وقد قصّ الله سبحانه علينا في كتابه ما يدل على هذه الحقيقة، قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [النمل: ١٤].
«أي: تيقّنوا أنها من عند الله، وأنها ليست سحرًا، ولكنهم كفروا بها، وتكبّروا أن يؤمنوا بموسى، وهذا يدل على أنهم كانوا معاندين»51.
وفي تفسير المنار: «أي: عاندوا موسى عليه السلام عنادًا بإظهار الكفر بها في الظاهر مع استيقانها في الباطن، وأن سبب هذا الجحود هو الظلم والعلو والكبرياء في الأرض»52.
وبيّن تبارك وتعالى أن التخويف للطغاة لا يزيدهم إلا طغيانًا على طغيانهم، وعنادًا على عنادهم، وكبرًا على كبرهم، قال سبحانه: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الإسراء: ٦٠].
«أي: نخوّفهم بالآيات فما يزيدهم التخويف إلا طغيانًا متجاوزًا للحد، متماديًا غاية التمادي، فما يفيدهم إرسال الآيات إلا الزيادة في الكفر، فعند ذلك نفعل بهم ما فعلناه بمن قبلهم من الكفار، وهو عذاب الاستئصال، ولكنا قد قضينا بتأخير العقوبة»53.
وأخبر سبحانه أن كفار قريش لم يكونوا يكذّبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فقال: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنعام: ٣٣].
«بمعنى: أنهم لا يكذبونك علمًا، بل يعلمون أنك صادق، ولكنهم يكذبونك قولًا، عنادًا وحسدًا»54.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والسدي ومقاتل: هذا في المعاندين الذين عرفوا صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه غير كاذب فيما يقول، ولكنهم عاندوا وجحدوا55.
وإن من أبرز الشخصيات التي تمثّل هذا الكبر والعلو شخصية الطاغية فرعون، فقد مارس كل صنوف الطغيان بحق قومه، قال الله سبحانه: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [القصص: ٤].
«أي: تكبّر وتجبّر وطغى»56.
وقال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [القصص ٣٩].
«المراد بالأرض: أرض مصر، والاستكبار: التعظيم بغير استحقاق، بل بالعدوان؛ لأنه لم يكن له حجة يدفع بها ما جاء به موسى، ولا شبهة ينصبها في مقابلة ما أظهره من المعجزات»57.
رابعًا: الرفاهية والإسراف في الشهوات:
لم يرد الإسراف في القرآن الكريم إلا على سبيل الذم، فقد نهانا المولى سبحانه عن الإسراف، وأخبرنا أنه لا يحب المسرفين، فقال سبحانه: (ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنعام: ١٤١].
[الأعراف: ٣١].
وأمرنا سبحانه بعصيان أمر المسرفين، فقال: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الشعراء: ١٥١].
فأهل الإسراف في بعد عن الهداية (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [غافر: ٢٨].
وفي قرب من الضلال (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [غافر: ٣٤].
ومن كان هذا حاله فمصيره إلى العذاب في الدنيا (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الأنبياء: ٩].
والنار في الآخرة (ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [غافر: ٤٣].
والإسراف صفة ملازمة للطغاة، ومسلكهم في الحياة دليل شاهد، وهو ملازم للعلو؛ ولذلك قال تبارك وتعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [يونس: ٨٣].
قال الطبري: «وإنه لمن المتجاوزين الحق إلى الباطل؛ وذلك كفره بالله، وتركه الإيمان به، وجحوده وحدانية الله، وادعاؤه لنفسه الألوهة، وسفكه الدماء بغير حلها»58.
وقال الألوسي: «أي: المتجاوز الحد في الظلم والفساد بالقتل وسفك الدماء أو في الكبر والعتو حتى ادعى الربوبية، واسترق أسباط الأنبياء عليهم السلام»59. «ومن هذه حالته لا يزعه عن إلحاق الضر بأضداده وازع»60.
«أي: مسرف في أمره، سخيف الرأي على نفسه»61.
ويقول جل وعلا: (ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الدخان: ٣١].
وقد أخبر تبارك وتعالى عن صفات الطغاة من أهل النار (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الواقعة: ٤٥].
أي: كانوا في الدار الدنيا منعمين مقبلين على لذّات أنفسهم، لا يلوون على ما جاءتهم به الرسل62. فالترف والتنعّم هو السبب الذي أقحمهم ابتداء في الطغيان والاستكبار، ومن ثمّ إلى نار جهنم، وبئس المصير.
وذكر تبارك وتعالى أن من صفات الطغاة المستكبرين الاستمتاع بالحياة الدنيا ولذتها دون النظر إلى أمور الآخرة، والعمل لها، فقال سبحانه: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [الأحقاف: ٢٠].
«فقد كانوا يملكون الطيبات إذن، ولكنهم استنفدوها في الحياة الدنيا، فلم يدّخروا للآخرة منها شيئًا، واستمتعوا بها غير حاسبين فيها للآخرة حسابًا، استمتعوا بها استمتاع الأنعام للحصول على اللذة بالمتاع، غير ناظرين فيها للآخرة، ولا شاكرين لله نعمته، ولا متورّعين فيها عن فاحش أو حرام، ومن ثمّ كانت لهم دنيا، ولم تكن لهم آخرة، واشتروا تلك اللمحة الخاطفة على الأرض بذلك الأمد الهائل الذي لا يعلم حدوده إلا الله! (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) وكل عبد يستكبر في الأرض فإنما يستكبر بغير حق، فالكبرياء لله وحده، وليست لأحد من عباده في كثير أو قليل، وعذاب الهون هو الجزاء العدل على الاستكبار في الأرض، فجزاء الاستكبار الهوان، وجزاء الفسوق عن منهج الله وطريقه الانتهاء إلى هذا الهوان أيضًا، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين» 63.
خامسًا: الاستغناء:
من أبرز الأسباب الحاملة على الطغيان: الغنى، قال الحسن البصري رحمه الله: والله ما بسطت الدنيا لعبد إلا طغى كائنًا من كان، ثم تلا قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [ العلق: ٦-٧].
فأخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان، إذا رأى نفسه قد استغنى، وكثر ماله64.
وكان سبب نزول هذه الآية ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفّرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار، وهولًا وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا) قال: فأنزل الله عز وجل: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)65.
«والمعنى: أن ما قاله أبو جهل ناشئ عن طغيانه بسبب غناه كشأن الإنسان، والتعريف في الإنسان للجنس، أي: من طبع الإنسان أن يطغى إذا أحس من نفسه الاستغناء، واللام مفيدة الاستغراق العرفي، أي: أغلب الناس في ذلك الزمان إلا من عصمه خلقه أو دينه...، والطغيان: التعاظم والكبر، والاستغناء: شدة الغنى، فالسين والتاء فيه للمبالغة في حصول الفعل مثل استجاب واستقر.
و(ﮙ ﮚ) متعلق بـ(يطغى) بحذف لام التعليل؛ لأن حذف الجار مع (أن) كثير شائع، والتقدير: إن الإنسان ليطغى لرؤيته نفسه مستغنيًا.
وعلة هذا الخلق أن الاستغناء تحدّث صاحبه نفسه بأنه غير محتاج إلى غيره، وأن غيره محتاج، فيرى نفسه أعظم من أهل الحاجة، ولا يزال ذلك التوهم يربو في نفسه حتى يصير خلقًا حيث لا وازع يزعه من دين، أو تفكير صحيح، فيطغى على الناس لشعوره بأنه لا يخاف بأسهم؛ لأن له ما يدفع به الاعتداء من لأمة سلاح وخدم وأعوان وعفاة ومنتفعين بماله من شركاء وعمال وأجراء فهو في عزة عند نفسه.
فقد بيّنت هذه الآية حقيقة نفسية عظيمة من الأخلاق وعلم النفس، ونبّهت على الحذر من تغلغلها في النفس»66.
ومن أبرز قصص القرآن التي تبرز الطغيان بسبب الاستغناء بالمال، قصة قارون.
قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [القصص: ٧٦-٨١].
«هكذا تبدأ القصة فتعيّن اسم بطلها (قارون) وتحدّد قومه (قوم موسى) وتقرّر مسلكه مع قومه، وهو مسلك البغي (ﮭ ﮮﮯ) وتشير إلى سبب هذا البغي وهو الثراء (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) ثم تمضي بعد ذلك في استعراض الأحداث والأقوال والانفعالات التي صاحبتها في النفوس.
لقد كان قارون من قوم موسى، فآتاه الله مالًا كثيرًا، يصوّر كثرته بأنه كنوز، والكنز هو المخبوء المدخر من المال الفائض عن الاستعمال والتداول، وبأن مفاتح هذه الكنوز تعيى المجموعة من أقوياء الرجال، من أجل هذا بغى قارون على قومه، ولا يذكر فيم كان البغي ليدعه مجهولًا يشمل شتى الصور، فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم، كما يصنع طغاة المال في كثير من الأحيان، وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال»67.
ومن أبرز قصص الطغيان في القرآن قصة صاحب الجنتين.
قال سبحانه: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الكهف: ٣٢-٣٦].
فهما جنتان مثمرتان من الكروم، محفوفتان بسياج من النخيل، تتوسطهما الزروع، ويتفجر بينهما نهر، إنه المنظر البهيج، والحيوية الدافقة، والمتاع والمال.
(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) ويختار التعبير كلمة (ﯴ) في معنى تنقص وتمنع، لتقابل بين الجنتين وصاحبهما الذي ظلم نفسه فبطر ولم يشكر، وازدهى وتكبر.
وها هو ذا صاحب الجنتين تمتلئ نفسه بهما، ويزدهيه النظر إليهما، فيحسّ بالزهو، وينتفش كالديك، ويختال كالطاووس، ويتعالى على صاحبه الفقير (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ)
ثم يخطو بصاحبه إلى إحدى الجنتين، وملء نفسه البطر، وملء جنبه الغرور؛ وقد نسي الله، ونسي أن يشكره على ما أعطاه؛ وظن أن هذه الجنان المثمرة لن تبيد أبدًا، أنكر قيام الساعة أصلًا، وهبها قامت فسيجد هنالك الرعاية والإيثار! أليس من أصحاب الجنان في الدنيا، فلابد أن يكون جنابه ملحوظًا في الآخرة!
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الكهف: ٣٥-٣٦].
«إنه الغرور يخيل لذوي الجاه والسلطان والمتاع والثراء أن القيم التي يعاملهم بها أهل هذه الدنيا الفانية تظل محفوظة لهم حتى في الملأ الأعلى! فما داموا يستطيلون على أهل هذه الأرض، فلا بد أن يكون لهم عند السماء مكان ملحوظ!»68.
ومن القصص التي تبيّن أن الاستغناء سبب من أسباب الطغيان قصة أصحاب الجنة (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [القلم: ١٧-٣٢].
ومن القصص التي تبرز الطغيان بسبب الاستغناء بالقوة الجسدية قصة عاد:
(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [فصلت: ١٥].
يقول تعالى ذكره: (ﮊ ﮋ) قوم هود (ﮌ) على ربهم وتجبّروا (ﮍ ﮎ) تكبرًا وعتوًّا بغير ما أذن الله لهم به (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) وأعطاهم ما أعطاهم من عظم الخلق، وشدة البطش (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) فيحذروا عقابه، ويتقوا سطوته لكفرهم به، وتكذيبهم رسله، يقول: (ﮢ ﮣ ﮤ) وكانوا بأدلتنا وحججنا عليهم يجحدون69.
سادسًا: الأولاد:
حذّر الله تبارك وتعالى في كتابه من فتنة المال والولد، فقال سبحانه وتعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [التغابن: ١٥].
فهذا تحذير من الله للمؤمنين من الاغترار بالأزواج والأولاد، فإن بعضهم عدو لكم، والعدو هو الذي يريد لك الشر، ووظيفتك الحذر ممن هذه وصفه، والنفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد، فنصح تعالى عباده وحذّرهم أن توجب لهم هذه المحبة الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد، ولو كان فيها ما فيها من المحذور الشرعي، ورغّبهم في امتثال أوامره، وتقديم مرضاته بما عنده من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية، والمحاب الغالية، وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية70.
وأخبر تبارك وتعالى أن الولد قد يكون سببًا في الكفر، فقال: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الكهف: ٨٠].
قال الألوسي: «فخفنا خوفًا شديدًا أن يغشى الوالدين المؤمنين لو بقي حيًّا طغيانًا مجاوزة للحدود الإلهية، وكفرًا بالله تعالى؛ وذلك بأن يحملهما حبه على متابعته، كما روي عن ابن جبير، ولعل عطف الكفر على الطغيان لتفظيع أمره، ولعل ذكر الطغيان مع أن ظاهر السياق الاقتصار على الكفر ليتأتى هذا التفظيع، أو ليكون المعنى: فخشينا أن يدنس إيمانهما أولًا، ويزيله آخرًا، ويلتزم على هذا القول بأن ذلك أشنع وأقبح من إزالته بدون سابقية تدنيس، وفسّر بعض شراح البخاري الخشية بالعلم، فقال: أي: علمنا أنه لو أدرك وبلغ لدعا أبويه إلى الكفر، فيجيبانه، ويدخلان معه في دينه لفرط حبهما إياه، وقيل: المعنى خشينا أن يغشيهما طغيانًا عليهما، وكفرًا لنعمتهما عليه من تربيتهما إياه، وكونهما سببًا لوجوده بسبب عقوقه، وسوء صنيعه، فيلحقهما شر وبلاء، وقيل: المعنى خشينا أن يغشيهما ويقرن بإيمانهما طغيانه وكفره، فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغٍ كافر»71.
وقال القرطبي: «والمعنى: أن يلقيهما حبه في اتباعه، فيضلا، ويتدينا بدينه»72.
وقال ابن كثير: «أي: يحملهما حبه على متابعته على الكفر، قال قتادة: قد فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب»73.
وقال سيد رحمه الله: «فهذا الغلام الذي لا يبدو في حاضره ومظهره أنه يستحق القتل، قد كشف ستر الغيب عن حقيقته للعبد الصالح، فإذا هو في طبيعته كافر طاغٍ، تكمن في نفسه بذور الكفر والطغيان، وتزيد على الزمن بروزًا وتحققًا، فلو عاش لأرهق والديه المؤمنين بكفره وطغيانه، وقادهما بدافع حبهما له أن يتبعاه في طريقه، فأراد الله ووجه إرادة عبده الصالح إلى قتل هذا الغلام الذي يحمل طبيعة كافرة طاغية، وأن يبدلهما الله خلفًا خيرًا منه، وأرحم بوالديه، ولو كان الأمر موكولًا إلى العلم البشري الظاهر لما كان له إلا الظاهر من أمر الغلام، ولما كان له عليه من سلطان، وهو لم يرتكب بعد ما يستحق عليه القتل شرعًا، وليس لغير الله ولمن يطلعه من عباده على شيء من غيبه أن يحكم على الطبيعة المغيبة لفرد من الناس، ولا أن يرتب على هذا العلم حكمًا غير حكم الظاهر الذي تأخذ به الشريعة، ولكنه أمر الله القائم على علمه بالغيب البعيد»74.
سابعًا: الاستخفاف وغفلة الناس:
يمارس الطغاة على مر العصور وسيلة الاستخفاف بالجماهير.
يقول تبارك وتعالى عن فرعون: (ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الزخرف: ٥٤].
قال ابن كثير رحمه الله: «أي: استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة، فاستجابوا له»75.
وقال الشوكاني رحمه الله: «أي: حملهم على خفة الجهل والسفه بقوله، وكيده وغروره، فأطاعوه فيما أمرهم به، وقبلوا قوله، وكذّبوا موسى»76.
وقال سيد رحمه الله: «واستخفاف الطغاة للجماهير أمر لا غرابة فيه، فهم يعزلون الجماهير أولًا عن كل سبل المعرفة، ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها، ولا يعودوا يبحثون عنها، ويلقون في روعهم ما يشاءون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة، ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك، ويلين قيادهم، فيذهبون بهم ذات اليمين، وذات الشمال مطمئنين! ولا يملك الطاغية أن يفعل بالجماهير هذه الفعلة إلا وهم فاسقون لا يستقيمون على طريق، ولا يمسكون بحبل الله، ولا يزنون بميزان الإيمان، فأما المؤمنون فيصعب خداعهم واستخفافهم واللعب بهم كالريشة في مهب الريح، ومن هنا يعلل القرآن استجابة الجماهير لفرعون فيقول: (ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)» 77.
وقد بلغ بفرعون من الخفة والاستخفاف بقومه أن قال: (ﭹ ﭺ ﭻ) [النازعات: ٢٤].
«قالها الطاغية مخدوعًا بغفلة جماهيره، وإذعانها وانقيادها، فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها، وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانًا، إنما هي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب! وتمد له أعناقها فيجر! وتحني له رؤوسها فيستعلي! وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى! والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة، وخائفة من جهة أخرى، وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم.
فالطاغية -وهو فرد- لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين، لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزّتها وحريتها، وكل فرد فيها هو كفء للطاغية من ناحية القوة، ولكن الطاغية يخدعها فيوهمها أنه يملك لها شيئًا! وما يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة أبدًا، وما يمكن أن يطغى فرد في أمة رشيدة أبدًا، وما يمكن أن يطغى فرد في أمة تعرف ربها، وتؤمن به، وتأبى أن تتعبد لواحد من خلقه لا يملك لها ضرًّا ولا رشدًا! فأما فرعون فوجد في قومه من الغفلة ومن الذّلة ومن خواء القلب من الإيمان ما جرؤ به على قول هذه الكلمة الكافرة الفاجرة: (ﭹ ﭺ ﭻ) وما كان ليقولها أبدًا لو وجد أمة واعية كريمة مؤمنة، تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدر على شيء، وإن يسلبه الذباب شيئًا لا يستنقذ من الذباب شيئًا!» 78.
يقول الكواكبي رحمه الله: «فالعوام هم قوت المستبدّ وقوّته، بهم عليهم يصول، وبهم على غيرهم يطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقاء الحياة، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم ببعض فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف بأموالهم يقولون عنه: إنه كريم، وإذا قتل ولم يمثّل يعتبرونه رحيمًا، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعونه حذر التأديب، وإن نقم عليه منهم بعض الأباة، قاتلوهم كأنهم بغاة، والحاصل أن العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل»79.
«والطغيان لا يخشى شيئًا كما يخشى يقظة الشعوب، وصحوة القلوب؛ ولا يكره أحدًا كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة؛ ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية»80.
للطغيان مظاهر وآثار نتناولها فيما يأتي:
أولًا: الضلال والعمى:
أهل الطغيان «يدعهم الله سبحانه يخبطون على غير هدى، في طريق لا يعرفون غايته، واليد الجبارة تتلقفهم في نهايته، كالفئران الهزيلة تتواثب في الفخ، غافلة عن المقبض المكين، وهذا هو الاستهزاء الرعيب، لا كاستهزائهم الهزيل الصغير»81.
قال الله سبحانه عن أهل النفاق والطغيان: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [البقرة: ١٥].
عن مجاهد في قوله: (ﯯ) قال: يزيدهم (ﯰ ﯱ ﯲ) قال: يلعبون ويترددون في الضلالة82.
«والصواب: يزيدهم على وجه الإملاء والترك لهم في عتوهم وتمردهم، كما قال: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الأنعام: ١١٠]»83.
«ومن يكتب الله عليه الضلال -وفق سنته تلك- يظل في طغيانه عن الحق، وعماه عنه أبدًا (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) وما في تركهم في عماهم من ظلم، فهم الذين أغلقوا بصائرهم وأبصارهم، وهم الذين عطّلوا قلوبهم وجوارحهم، وهم الذين غفلوا عن بدائع الخلق، وأسرار الوجود، وشهادة الأشياء -التي يوجههم إليها في الآية السابقة- وحيثما امتد البصر في هذا الكون وجد عجيبة، وحيثما فتحت العين وقعت على آية، وحيثما التفت الإنسان إلى نفسه أو إلى ما يحيط به لمس الإعجاز في تكوينه، وفيما حوله من شيء، فإذا عمه -أي: عمي- عن هذا كله ترك في عماه، وإذا طغى بعد هذا كله وتجاوز الحق ترك في طغيانه حتى يسلمه إلى البوار»84.
وقال عز وجل: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأعراف: ١٨٦].
«يقول تعالى ذكره: إن إعراض هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا، التاركي النظر في حجج الله والفكر فيها لإضلال الله إياهم، ولو هداهم الله لاعتبروا وتدبروا، فأبصروا رشدهم، ولكن الله أضلهم، فلا يبصرون رشدًا، ولا يهتدون سبيلًا، ومن أضله عن الرشاد فلا هادي له، ولكن الله يدعهم في تماديهم في كفرهم وتمردهم في شركهم يترددون؛ ليستوجبوا الغاية التي كتبها الله لهم من عقوبته، وأليم نكاله»85.
وقال سبحانه: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [يونس: ١١].
والمعنى: فنترك الذين لا يرجون لقاءنا فيما هم فيه من طغيان في الكفر والتكذيب، يترددون فيه، متحيّرين لا يهتدون سبيلًا للخروج منه86.
ثانيًا: محاربة الحق، وتكذيب الأنبياء والدعاة:
مجرد ما يسمع أهل الطغيان الرسالة الربانية حتى يهرعوا لاستخدام الحجة التي طالما استخدمها من قبلهم، وهي اتهام الدعاة المخلصين بالكذب والدجل؛ ليبرّروا لأنفسهم قمعهم ومحاربتهم وقتلهم.
وليس غريبًا أن يتعرّض الأنبياء الصّادقون، أصحاب المنهج الرباني السليم للتكذيب والمعاداة، يقول سيد قطب رحمه الله: «فأمّا الذين كفروا بكل رسول فقد كانوا هم الذين أخذتهم العزة بالإثم، فاستكبروا أن ينزلوا عن السلطان المغتصب في أيديهم لله صاحب الخلق والأمر، وأن يسمعوا لواحد منهم...، وقد بلغ من عقدة السلطان في نفوسهم ألا ينتفع اللاحق منهم بالغابر، وأن يسلك طريقه إلى الهلاك، كما يسلك طريقه إلى جهنم كذلك! إن مصارع المكذبين -كما يعرضها هذا القصص- تجري على سنة لا تتبدل: نسيان لآيات الله، وانحراف عن طريقه، إنذار من الله للغافلين على يد رسول، استكبار عن العبودية لله وحده، والخضوع لرب العالمين، اغترار بالرخاء، واستهزاء بالإنذار، واستعجال للعذاب، طغيان وتهديد وإيذاء للمؤمنين، ثبات من المؤمنين، ومفاصلة على العقيدة، ثم المصرع الذي يأتي وفق سنة الله على مدار التاريخ!»87.
وقد بلغ بأهل الطغيان والباطل في محاربة الحق أن أوصى بعضهم بعضًا بعدم السماع لهذا القرآن، واقترحوا وسيلة لمحاربة كتاب الله، وهي التشويش واللغو.
قال سبحانه وبحمده: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [فصلت: ٢٦].
«أي: لا تسمعوه (ﯕ ﯖ) أي: عارضوه باللّغو، وهو الكلام الخالي عن فائدة، وكان الكفّار يوصي بعضهم بعضًا: إذا سمعتم القرآن من محمد وأصحابه فارفعوا أصواتكم حتى تلبّسوا عليهم قولهم، وقال مجاهد: (ﯕ ﯖ) فيه بالمكاء والصفير والتخليط من القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ (ﯗ ﯘ) فيسكتون»88.
وقريبًا من هذا المعنى قوله جل وعلا على لسان نوح عليه السلام: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [نوح: ٧].
وقال سبحانه عن قوم نوح: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [هود: ٢٧].
وقال عن قوم عاد: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأعراف: ٦٦].
وقال عن قوم شعيب: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الشعراء: ١٨٦].
وقال عن أصحاب القرية: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [يس: ١٥].
وقال عن قوم ثمود: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [القمر: ٢٥].
فرغم اختلاف هؤلاء الأقوام واختلاف الأنبياء إلا أنّ الموقف واحد، هو التكذيب والرفض الواضح للدّعوة، رغم ما حمله كلّ نبي من الأنبياء لأدلة تثبت صدق دعوته وربانيتها.
والخلاصة: أن أهل الطغيان يتهمون دعاة الإصلاح بالكذب والدجل، وأن دعوتهم وإن كانت في خارجها صالحة فإنها في باطنها خبيثة باطلة.
ثالثًا: إيثار الدنيا على الآخرة:
من أبرز مظاهر الطغيان نسيان الدار الآخرة، وإيثار الدنيا عليها، فيشعر الطاغية أنه خالد مخلّد في هذه الحياة، وينسى الآخرة والبعث والنشور والجنة والنار، يقول تبارك وتعالى مذكّرًا بمصير الطغاة الذين آثروا الحياة الدنيا على الآخرة: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [النازعات: ٣٧-٣٩].
فإذا اجتمع الغنى مع نسيان الآخرة، وإيثار الحياة الدنيا، فإن الثمرة لهذا الاجتماع المشئوم هو الطغيان، قال سيد رحمه الله: «والطغيان هنا أشمل من معناه القريب، فهو وصف لكل من يتجاوز الحق والهدى، ومداه أوسع من الطغاة ذوي السلطان والجبروت، حيث يشمل كل متجاوز للهدى، وكل من آثر الحياة الدنيا، واختارها على الآخرة، فعمل لها وحدها، غير حاسب للآخرة حسابًا، واعتبار الآخرة هو الذي يقيم الموازين في يد الإنسان وضميره، فإذا أهمل حساب الآخرة، أو آثر عليها الدنيا اختلّت كل الموازين في يده، واختلّت كل القيم في تقديره، واختلّت كل قواعد الشعور والسلوك في حياته، وعدّ طاغيًا وباغيًا، ومتجاوزًا للمدى»89.
وليس معنى هذا أن الإسلام يرفض الحياة الدنيا بالكلية، ولكن الإسلام لا يريد لهذه الحياة أن تصبح بمتاعها ولذاتها وشهواتها وإمكاناتها إلهًا معبودًا من دون الله؛ لهذا ذمّ الله من قدم الحياة الدنيا، فقال: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [إبراهيم: ٣].
وانظر إلى سحرة فرعون حين دخل قلوبهم الإيمان كيف نظروا إلى قومه وملكه وجنده ودنياه، وقد هدّدهم بما هدّدهم، فـ(ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [طه (٧٢-٧٣)].
فالمطلوب من المسلم أن يحرّر إرادته، فلا يصبح ويمسي مجرد مريد للحياة الدنيا.
يقول تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الإسراء: ١٨-١٩].
ويقول تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الشورى: ٢٠].
ويقول عز وجل: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [هود: ١٥-١٦].
وقد أمر الله بالإعراض عمن طغى وتعلّق بهذه الحياة وآثرها على الحياة الباقية، فقال سبحانه: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [النجم: ٢٩].
قال سيد رحمه الله: «هذا الأمر بالإعراض عمن تولى عن ذكر الله، ولم يؤمن بالآخرة، ولم يرد إلا الحياة الدنيا موجّه ابتداء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليهمل شأن أولئك المشركين الذين سبق الحديث في السورة عن أساطيرهم وأوهامهم، وعدم إيمانهم بالآخرة.
وهو موجّه بعد ذلك إلى كل مسلم يواجهه من يتولى عن ذكر الله، ويعرض عن الإيمان به، ويجعل وجهته الحياة الدنيا وحدها، لا ينظر إلى شيء وراءها، ولا يؤمن بالآخرة، ولا يحسب حسابها، ويرى أن حياة الإنسان على هذه الأرض هي غاية وجوده، لا غاية بعدها، ويقيم منهجه في الحياة على هذا الاعتبار، فيفصل ضمير الإنسان عن الشعور بإله يدبّر أمره، ويحاسبه على عمله، بعد رحلة الأرض المحدودة، وأقرب من تتمثل فيه هذه الصفة في زماننا هذا هم أصحاب المذاهب المادية.
والمؤمن بالله وبالآخرة لا يستطيع أن يشغل باله -فضلًا على أن يعامل أو يعايش- من يعرض عن ذكر الله، وينفي الآخرة من حسابه؛ لأن لكل منهما منهجًا في الحياة لا يلتقيان في خطوة واحدة من خطواته، ولا في نقطة واحدة من نقاطه، وجميع مقاييس الحياة، وجميع قيمها، وجميع أهدافها، تختلف في تصور كل منهما، فلا يمكن إذن أن يتعاونا في الحياة أي تعاون، ولا أن يشتركا في أي نشاط على هذه الأرض، مع هذا الاختلاف الرئيسي في تصور قيم الحياة وأهدافها ومناهج النشاط فيها، وغاية هذا النشاط، وما دام التعاون والمشاركة متعذرين، فما داعي الاهتمام والاحتفال؟ إن المؤمن يعبث حين يحفل شأن هؤلاء الذين يعرضون عن ذكر الله، ولا يريدون إلا الحياة الدنيا، وينفق طاقته التي وهبه الله إياها في غير موضعها.
على أن للإعراض اتجاهًا آخر هو التهوين من شأن هذه الفئة، فئة الذين لا يؤمنون بالله، ولا يبتغون شيئًا وراء الحياة الدنيا، فمهما كان شأنهم فهم محجوبون عن الحقيقة، قاصرون عن إدراكها، واقفون وراء الأسوار، أسوار الحياة الدنيا» 90.
والخلاصة: أن إيثار الحياة الدنيا أساس كل بلوى، فعن هذا الإيثار ينشأ الإعراض عن الذكرى، والطغيان على أوامر الله تعالى، وعباد الله الصالحين.
رابعًا: الإفساد في الأرض:
إن الهدف الأسمى والأبرز للطاغية هو أن يحافظ على منصبه، دون أن ينازعه أو يعترض على حكمه أحد، وهو لذلك يدرك تمامًا أن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا في بيئة فاسدة، فالطغيان كالفيروس لا ينمو ولا يتكاثر إلا في البيئات العفنة.
فـ«الحكام الطغاة كالحشرات القذرة، لا تعيش أبدًا في جو نظيف، ولا تنصب شباكها للصيد والنهب إلا حيث الغفلة السائدة، والجهالة القاتمة»91.
يقول الكواكبي رحمه الله: «لا يخفى على المستبدّ أن لا استعباد ولا اعتساف ما لم تكن الرعية حمقاء تتخبط في ظلامة جهل وتيه عماء، فلو كان المستبد طيرًا لكان خفاشًا يصطاد هوام العوام في ظلام الجهل، ولو كان وحشًا لكان ابن آوى يتلقف دواجن الحواضر في غشاء الليل»92.
فالطاغية لا يرضى إلا أن يمحق روحانية الأمة كلها، فلا يترك شيئًا روحانيًّا له في أعصاب الناس أثر من الوقار93.
وكأن بين الطاغية وبين الرذيلة عهد وميثاق: أن يقوم هو بحمايتها مقابل أن تعرف له صنيعه فتحميه94.
«فالطاغية في نسبته إلى رعيته كالوصي الخائن القوي على أيتام أغنياء، يتصرف في أموالهم وأنفسهم كما يهوى ما داموا قاصرين، فكما أنه ليس من صالح الوصي أن يبلغ الأيتام رشدهم، كذلك ليس من غرض المستبد أن تتنور الرعية بالعلم»95.
ومن هنا نفهم سر وصف القرآن الكريم للطغاة بالمفسدين.
قال سبحانه: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الفجر: ٦-١٢].
فالفساد نتيجة طبيعة ومباشرة للطغيان، يقول سيد رحمه الله معلّقًا على الآيات السابقة: «هؤلاء هم (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) وليس وراء الطغيان إلا الفساد، فالطغيان يفسد الطاغية، ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان سواء، كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة، ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف، المعمر الباني إلى خط آخر لا تستقيم معه خلافة الإنسان في الأرض بحال.
إنه يجعل الطاغية أسير هواه؛ لأنه لا يفيء إلى ميزان ثابت، ولا يقف عند حد ظاهر، فيفسد هو أول من يفسد، ويتخذ له مكانًا في الأرض غير مكان العبد المستخلف، وكذلك قال فرعون: (ﭹ ﭺ ﭻ) [النازعات: ٢٤].
عند ما أفسده طغيانه، فتجاوز به مكان العبد المخلوق، وتطاول به إلى هذا الادعاء المقبوح، وهو فساد أي فساد»96.
وقد وصف تبارك وتعالى رأس الطغيان -فرعون- في أكثر من آية بأنه من المفسدين.
قال سبحانه: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [القصص: ٤].
أي: «إنه كان ممن يفسد في الأرض بقتله من لا يستحق منه القتل، واستعباده من ليس له استعباده، وتجبّره في الأرض على أهلها، وتكبره على عبادة ربه»97.
وقال سبحانه: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [يونس: ٩٠-٩١].
أي: كنت من المفسدين في الأرض بضلالك عن الحق، وإضلالك لغيرك98.
وقال عز وجل: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأعراف: ١٠٣].
«يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فانظر يا محمد بعين قلبك كيف كان عاقبة هؤلاء الذين أفسدوا في الأرض، يعني: فرعون وملأه؛ إذ ظلموا بآيات الله التي جاءهم بها موسى عليه السلام، وكان عاقبتهم أنهم أغرقوا جميعًا في البحر»99.
للطغاة في محاربة الحق أساليب نتناولها فيما يأتي:
أولًا: إلباس الحق بالباطل:
من طبائع الطغاة وأساليبهم إلباس الحق بالباطل، وقلب الحقائق الواضحة الجلية وضوح الشمس في رابعة النهار، وقد أوضح القرآن الكريم هذه الصفة فيهم إيضاحًا كافيًا شافيًا.
فنرى الطغاة يحيلون الحق باطلًا، والباطل حقًّا، وإذا بالرسول المرسل ساحر، وإذا بالمجرم الظالم الطاغية إمام عادل.
قال تبارك وتعالى مبيّنًا حقيقة هؤلاء القوم: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [يونس: ٧٦-٧٧].
وقال سبحانه: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الإسراء: ١٠١].
«فكلمة الحق، وتوحيد الله، والدعوة إلى ترك الظلم والطغيان والإيذاء لا تصدر في عرف الطاغية إلا من مسحور لا يدري ما يقول! فما يستطيع الطغاة من أمثال فرعون أن يتصوروا هذه المعاني، ولا أن يرفع أحد رأسه ليتحدث عنها وهو يملك قواه العقلية!»100.
وقال سبحانه: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النمل: ٥٦].
فجعلوا أفضل الحسنات بمنزلة أقبح السيئات101.
وهذه الوسيلة قد استخدمها الطغاة.
قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الذاريات: ٥٢-٥٣].
وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فقد قال الطاغية فرعون لقومه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [غافر: ٢٦].
فأراد قتل موسى تحت مبرر الخوف على تبديل الدين، والخوف على البلاد من الفساد والدمار الذي سيحدثه موسى -بزعمه- «أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح؟ أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل؟ أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادئ؟
إنه منطق واحد، يتكرر كلما التقى الحق والباطل، والإيمان والكفر، والصلاح والطغيان على توالي الزمان، واختلاف المكان، والقصة قديمة مكررة تعرض بين الحين والحين»102.
«وهذا من أعجب ما يكون، أن يكون شر الخلق ينصح الناس عن اتباع خير الخلق هذا من التمويه والترويج الذي لا يدخل إلا عقل من قال الله فيهم: (ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الزخرف: ٥٤]»103.
ثانيًا: تعليل ما هم عليه من الغنى والجاه لأسباب ذاتية:
من طبيعة الطاغية أن ينسب النعم التي امتن الله بها عليه إلى أسباب ذاتية، فيزعم أنه حصل عليها بحذقه وذكائه، وورثها كابر عن كابر.
يقول تبارك وتعالى مخبرًا عن قارون: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [القصص: ٧٨].
قال سيد رحمه الله: «إنما أوتيت هذا المال استحقاقًا على علمي الذي طوع لي جمعه وتحصيله، فما لكم تملون عليّ طريقة خاصة في التصرف فيه، وتتحكمون في ملكيتي الخاصة، وأنا إنما حصّلت هذا المال بجهدي الخاص، واستحققته بعلمي الخاص؟
إنها قولة المغرور المطموس الذي ينسى مصدر النعمة وحكمتها، ويفتنه المال، ويعميه الثراء.
وهو نموذج مكرر في البشرية، فكم من الناس يظن أن علمه وكده هما وحدهما سبب غناه، ومن ثم فهو غير مسئول عما ينفق وما يمسك، غير محاسب على ما يفسد بالمال وما يصلح، غير حاسب لله حسابًا، ولا ناظر إلى غضبه ورضاه! والإسلام يعترف بالملكية الفردية، ويقدر الجهد الفردي الذي بذل في تحصيلها من وجوه الحلال التي يشرعها، ولا يهوّن من شأن الجهد الفردي أو يلغيه، ولكنه في الوقت ذاته يفرض منهجًا معينًا للتصرف في الملكية الفردية -كما يفرض منهجًا لتحصيلها وتنميتها- وهو منهج متوازن متعادل، لا يحرم الفرد ثمرة جهده، ولا يطلق يده في الاستمتاع به حتى الترف، ولا في إمساكه حتى التقتير، ويفرض للجماعة حقوقها في هذا المال، ورقابتها على طرق تحصيله، وطرق تنميته، وطرق إنفاقه والاستمتاع به، وهو منهج خاص واضح الملامح متميز السمات.
ولكن قارون لم يستمع لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه، ولم يخضع لمنهجه القويم، وأعرض عن هذا كله في استكبار لئيم، وفي بطر ذميم.
ومن ثم جاءه التهديد قبل تمام الآية، ردًّا على قولته الفاجرة المغرورة: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [القصص: ٧٨].
فإن كان ذا قوة وذا مال فقد أهلك الله من قبله أجيالًا كانت أشد منه قوة، وأكثر مالًا، وكان عليه أن يعلم هذا، فهذا هو العلم المنجي، فليعلم؛ وليعلم أنه هو وأمثاله من المجرمين أهون على الله حتى من أن يسألهم عن ذنوبهم، فليسوا هم الحكم ولا الأشهاد!»104.
وأخبر تبارك وتعالى عن فرعون أنه قال: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ) [الزخرف:٥١].
فأخبر سبحانه عن فرعون وطغيانه وعناده أنه نادى في قومه متبجّحًا مفتخرًا مغرورًا بملك مصر وتصرفه فيها: أليس لي ملك مصر لا ينازعني فيه أحد، ولا يخالفني فيه مخالف، وهذه الأنهار تجري من تحتي، أنهار النيل وفروعه، وهي تجري من تحت قصري، أو بين يدي في جناني، أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك، وما يظنّ فرعون أن تبيد هذه أبدًا، وما قد مكّن له من الدنيا استدراجًا من الله له، وحسب أن الذي هو فيه من ذلك ناله بيده، وحول منه وقوة، وأن موسى إنما لم يصل إلى الذي يصفه، فنسبه من أجل ذلك إلى المهانة، وهذا أشدّ الوهم من فرعون؛ إذ خيّل إليه أن ما قاله حجة مقنعة لقومه، وهذا هو حال الطغاة المجرمين.
ثالثًا: كل من خالفهم فهو على الباطل:
قد يظهر الطاغية حرصه على المشورة في الأمور، ويستشير ملأه المقربين منه؛ لتمام معرفته أنهم لن يخالفوا له رأي، فهذا فرعون يستشير قومه في قتل موسى، وهو الذي قتل في بني إسرائيل وأثخن، قال الله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [غافر: ٢٦].
ولم يخطر على باله على الإطلاق أن أحدًا سيعترض عليه في قتل موسى، فلسان حاله: أنا لم أجعلكم في هذه المنزلة، وأمنحكم هذه الرتبة لتعترضوا علي، بل لتأمّنوا على ما أقول، أنسيتم أني ربكم الأعلى؟
فاعترض عليه أحد الحاضرين (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [غافر: ٢٨].
فلما سمع فرعون هذا الكلام أفصح عما في نفسه من غطرسة، ولسان حاله: من ليس معنا فهو عدونا، من خالفني فهو على باطل.
(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [غافر: ٢٩].
فإذا تأملنا هذه الكلمات التي قالها فرعون وجدناها تدل دلالة واضحة على الفكر الإقصائي الذي كان يحمله الطاغية فرعون (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) فلا ينبغي أن يرى الناس إلا ما رآه، ولا يمكن لهم أن يفكروا إلا بتفكيره، ولا نظر إلا نظره، فهو على الصواب وغيره على الخطأ، وهو المبصر، وهم العميان.
ولا هداية إلا ما يراه هو، كلامه رشاد، وكلام غيره غي، هو كل شيء، وغيره لا شيء، يقول سيد رحمه الله: «إنني لا أقول لكم إلا ما أراه صوابًا، وأعتقده نافعًا، وإنه لهو الصواب والرشد بلاشك ولا جدال! وهل يرى الطغاة إلا الرشد والخير والصواب؟ وهل يسمحون بأن يظن أحد أنهم قد يخطئون؟! وهل يجوز لأحد أن يرى إلى جوار رأيهم رأيًا؟ وإلا فلم كانوا طغاة؟»105.
ويقول السعدي رحمه الله في تفسيره: «رأى أن يستخفّ قومه فيتابعوه؛ ليقيم بهم رياسته، ولم ير الحق معه، بل رأى الحق مع موسى، وجحد به، مستيقنًا له.
وكذب في قوله: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [غافر: ٢٩].
فإن هذا قلب للحق، فلو أمرهم باتباعه اتباعًا مجردًا على كفره وضلاله لكان الشر أهون؛ ولكنه أمرهم باتباعه، وزعم أن في اتباعه اتباع الحق، وفي اتباع الحق اتباع الضلال»106.
«فالطاغية يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المعتدي، فيضع رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها من النطق بالحق والتعدي لمطالبته»107.
«إنه يعدم إرادة الناس، ويجهز عليها، ويدمر حرية الإنسان التي هي أهم جزء من كرامته»108.
«فالحاكم المجرم يريد جوًّا يسوده الصمت الرهيب؛ لأنه يدري أن الأفواه لو نطقت فستفضح خبأه، وتكشف سره، وهنا الطامة الكبرى؛ لذلك من خصائص الاستبداد السياسي في كل زمان ومكان كرهه الشديد لحرية النقد والتوجيه»109.
رابعًا: الاستهزاء:
من وسائل الطغاة الاستهزاء، واحتقار الصالحين، وقد حكى الله تبارك وتعالى لنا في كتابه ما كان عليه أهل الطغيان من استهزاء بالأنبياء المرسلين.
قال سبحانه وتعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الزخرف: ٦-٧].
فعلى هذا النحو الذي تلقّى به المكذّبون أتباع الرسل ما جاءهم به رسلهم، يتلقّى المكذّبون المجرمون من أتباعك ما جئتهم به110.
وقال جل في علاه: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الزخرف: ٤٦-٤٧].
واستهزأ قوم نوح عليه السلام به: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [هود: ٣٨].
واستهزأت عاد بهود عليه السلام (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الشعراء: ١٨٧].
وقالوا لنبييهم: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأعراف: ٦٦].
واستهزؤوا بشعيب عليه السلام (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [هود: ٨٧].
واحتقر فرعون موسى عليه السلام (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الزخرف: ٥٢].
وقال عن قوم موسى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الشعراء: ٥٤-٥٦].
والمتأمل يدرك أن فرعون كاذب في دعواه؛ إذ لو كان الأمر كذلك فلم جمع لهم خيله ورجله، يقول سيد قطب رحمه الله: «ولكن هذا الجمع قد يشي بانزعاج فرعون، وبقوة موسى ومن معه، وعظم خطرهم، حتى ليحتاج الملك الإله -بزعمه!- إلى التعبئة العامة، ولابد إذن من التهوين من شأن المؤمنين (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) ففيم إذن ذلك الاهتمام بأمرهم، والاحتشاد لهم، وهم شرذمة قليلون!»111.
وقد احتقر كفار قريش نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واستبعدوا أن تكون الرسالة نزلت على رجل مثله، واقترحوا أن تكون الرسالة (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الزخرف: ٣١].
«والواقع أن السخرية والاستهزاء من أمضى أدوات النفوذ والتأثير على الآخرين؛ ذلك أنها من أشد الأمور إيلامًا لأصحاب المروءة، فتحجزهم عن كثير من المواقف تحاشيًا أن يقعوا في مثار سخرية أو موضع استخفاف؛ ولذلك نبّه الله الرسل والمصلحين على استغلال خصوم الدعوات الإلهية لهذه السلطة، فقال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الأنعام: ١٠].
وقال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الحجر: ١٠-١١]»112.
خامسًا: اتهام المصلحين بالتهم الكاذبة، والتحريض عليهم:
الملاحظ على الطاغية قيامه بحملة تحريضية كاذبة واسعة النطاق ضد المصلحين، فهذا فرعون وقومه اتهموا موسى عليه السلام بسعيه إلى الاستيلاء على الأرض والوطن، قال سبحانه: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ) [الأعراف: ١٠٩-١١٠].
وقال: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [طـه: ٥٧].
فهم «يصرّحون بالنتيجة الهائلة التي تتقرر من إعلان تلك الحقيقة، إنها الخروج من الأرض، إنها ذهاب السلطان، إنها إبطال شرعية الحكم، أو محاولة قلب نظام الحكم بالتعبير العصري الحديث»113.
كما أن الطاغية يسعى جاهدًا إلى اتهام كل مصلح بالتآمر على البلاد والعباد، قال سبحانه: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ) [الأعراف: ١٢٣].
«أي: إن هذا الصنيع الذي صنعتموه أنتم وموسى وهارون بالتواطؤ والاتفاق ليس إلا مكرًا مكرتموه في المدينة؛ بما أظهرتم من المعارضة والرغبة في الغلب عليه، مع إسرار اتباعه بعد ادعاء ظهور حجته، زاد في سورة طه (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [طه: ٧١].
فأجمعتم كيدكم لنا في هذه المدينة؛ لأجل أن تخرجوا منها أهلها المصريين بسحركم -وهو ما كان اتهم به موسى وحده- ويكون لكم فيها مع بني إسرائيل ما هو لنا الآن من الملك والكبرياء»114.
كما أن الطاغية يحرص غاية الحرص على إظهار المخالفين له بمظهر الحريصين على النفوذ والسلطة.
قال سبحانه: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [يونس: ٧٧-٧٨].
وهذه الوسيلة التي استخدمها فرعون للتشكيك في دعوة موسى عليه السلام استخدمتها قريش لصرف الناس عن دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال سبحانه: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [ص: ٦].
أي: «إن هذا القول الذي يقول محمد، ويدعونا إليه، من قول لا إله إلا الله، شيء يريده منا محمد يطلب به الاستعلاء علينا، وأن نكون له فيه أتباعًا، ولسنا مجيبيه إلى ذلك»115.
سادسًا: الترغيب:
قد يستعمل الطاغية أسلوب الإغواء ويمارسه على ضعاف النفوس؛ وذلك أن الطاغية يملك المال والمنصب والجاه، فيغريهم بالمال الوفير، وقد بيّن لنا القرآن الكريم كيف استخدم الطغاة هذه الوسيلة.
قال سبحانه: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الأعراف: ١١٣- ١١٤].
فأكّد لهم فرعون أنهم مأجورون على حرفتهم، ووعدهم مع الأجر القربى منه؛ زيادة في الإغراء، وتشجيعًا على بذل غاية الجهد116.
وربما سعى الطغاة جاهدين لشغل الناس بأمور تافهة، وقضايا جانبية، وقد أشار القرآن الكريم إلى استخدام الطغاة لهذا الأسلوب في قوله سبحانه: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [غافر: ٣٦-٣٧].
كما أن الطاغية يدرك تمامًا أن الضغط على الناس يولّد الانفجار، فيسعى جاهدًا إلى طريقة لينفّس بها عن الناس، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الوسيلة في قوله سبحانه: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [طـه: ٥٩].
«يعني: يوم عيد كان لهم، أو سوق كانوا يتزينون فيه»117.
فرغم جبروت فرعون وطغيانه إلا أنه جعل للناس يوم عيد يتفرغون فيه من أشاغلهم، ويلبسون أجمل ثيابهم، وفيه يلهون ويمرحون «والجماهير دائمًا تتجمع لمثل هذه الأمور، دون أن تفطن إلى أن حكامها الطغاة يلهون بها ويعبثون، ويشغلونها بهذه المباريات والاحتفالات والتجمعات، ليلهوها عما تعاني من ظلم وكبت وبؤس»118.
وقد يلجأ الطاغية إلى التواضع للناس، فهذا فرعون الطاغية يستشير الناس في أمر فرعون، فيقول: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الشعراء: ٣٥].
«فيبدو تضعضعه وتهاويه وتواضعه للقوم الذين يجعل نفسه لهم إلهًا، فيطلب أمرهم ومشورتهم (ﯱ ﯲ) ومتى كان فرعون يطلب أمر أتباعه وهم له يسجدون! وتلك شنشنة الطغاة حينما يحسون أن الأرض تتزلزل تحت أقدامهم، عندئذٍ يلينون في القول بعد التجبر.
ويلجأون إلى الشعوب وقد كانوا يدوسونها بالأقدام، ويتظاهرون بالشورى في الأمر وهم كانوا يستبدون بالهوى، ذلك إلى أن يتجاوزوا منطقة الخطر، ثم إذا هم جبابرة مستبدون ظالمون!»119.
الترهيب:
من أبرز وسائل الطغاة وتضليلهم على الناس: إرهاب كل من تسوّل له نفسه المساس بمناصبهم، فيحاول الطاغية أن يظهر بمظهر القوة، ويعرض بضعف خصومه، يقول سبحانه: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [فصلت: ١٥].
قال سيد رحمه الله: «وهو الشعور الكاذب الذي يحسّه الطغاة، الشعور بأنه لم تعد هناك قوة تقف إلى قوتهم، وينسون (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)»120.
وقال تبارك وتعالى مخبرًا عن فرعون: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الأعراف: ١٢٧].
أي: «لا خروج لهم عن حكمنا، ولا قدرة، وهذا نهاية الجبروت من فرعون والعتو والقسوة»121.
وقد يمارس الطاغية أساليب قهرية أخرى، يقول تبارك وتعالى مخبرًا عن فرعون: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الشعراء: ٢٩].
«فالطغيان لا يخشى شيئًا كما يخشى يقظة الشعوب، وصحوة القلوب، ولا يكره أحدًا كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة، ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزّون الضمائر الغافية، ومن ثمّ ترى فرعون يهيج على موسى ويثور، عند ما يمس بقوله هذا أوتار القلوب، فينهي الحوار معه بالتهديد الغليظ بالبطش الصريح، الذي يعتمد عليه الطغاة عند ما يسقط في أيديهم، وتخذلهم البراهين (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الشعراء: ٢٩].
هذه هي الحجة، وهذا هو الدليل: التهديد بأن يسلكه في عداد المسجونين، فليس السجن عليه ببعيد، وما هو بالإجراء الجديد! وهذا هو دليل العجز، وعلامة الشعور بضعف الباطل أمام الحق الدافع، وتلك سمة الطغاة وطريقهم في القديم والجديد! غير أن التهديد لم يفقد موسى رباطة جأشه، وكيف وهو رسول الله؟»122.
ولما لم يستجب يوسف عليه السلام لنزوات امرأة العزيز أودع في سجون الطغاة عددًا من السنين، قال سبحانه: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [يوسف: ٣٥].
وأول ما فكّر فيه طغاة مكة بالمكر بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو السجن، يقول سبحانه: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأنفال: ٣٠].
ويلجأ الطغاة إلى التعذيب إن لم ينفع السجن والتهديد، قال سبحانه: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [طـه: ٧١].
ويقول سبحانه: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [ص: ١٢].
«أي: صاحب أوتاد أربعة يشد إليها من أراد تعذيبه»123.
وقد يلجأ الطغاة لوسيلة القتل، قال سبحانه وتعالى مخبرًا عن فرعون: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [غافر: ٢٦].
وقال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [غافر: ٢٥].
وهناك وسيلة قديمة استخدمها معظم طغاة الأرض ضد أهل الحق والدعوة، ألا وهي النفي من الأرض والإقصاء، يقول سبحانه: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [إبراهيم: ١٣].
وقال سبحانه: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النمل: ٥٦].
والخلاصة: أن الطاغية لا يتحرج من ارتكاب أشد الجرائم وحشية، وأشنعها بربرية، وأبعدها عن كل معاني الإنسانية، وعن الخلق والشرف والضمير124.
بيّن القرآن الكريم جزاء أهل الطغيان في الدنيا والآخرة، ونتناولها فيما يأتي:
أولًا: جزاء أهل الطغيان في الدنيا:
إن الشر مهما استعلى وطغى وبغى فلابد له من نهاية مريرة، والطغاة قد تخدعهم قوتهم وسطوتهم المادية، فينسون قوة الله وجبروته، فيهلكهم الله عز وجل، ويهيئ الله المستضعفين المعتدى عليهم أن يسحقوا هذا الباطل الأشر، كما حكى الله عن بني إسرائيل: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [القصص: ٥].
يقول سيد رحمه الله: «إنه حين كان بنو إسرائيل يؤدّون ضريبة الذل لفرعون وهو يقتل أبناءهم، ويستحيي نساءهم لم تتدخل يد القدرة لإدارة المعركة، فهم لم يكونوا يؤدّون هذه الضريبة إلا ذُلًّا واستكانة وخوفًا، فأما حين استعلن الإيمان في قلوب الذين آمنوا بموسى، واستعدوا لاحتمال التعذيب وهم مرفوعو الرؤوس، يجهرون بكلمة الإيمان في وجه فرعون دون تلجلج ودون تحرج، ودون اتقاء للتعذيب، فأما عند ذلك فقد تدخّلت يد القدرة لإدارة المعركة، وإعلان النصر الذي تم قبل ذلك في الأرواح والقلوب»125.
والله سبحانه يهيّئ الأسباب لإهلاك الطاغية، وهكذا كانت نهاية فرعون (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الفجر: ١٣-١٤].
وهذا هو مصير الطغاة.
ويقول الله عز وجل: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [المؤمنون: ٤٥-٤٨].
وبيّن تبارك وتعالى أن هذا الإهلاك كان على سبيل الانتقام، فقال: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الزخرف: ٥٥].
ويصف هذا الانتقام فيقول تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [المزمل: ١٦].
أي: أخذًا شديدًا126.
ثم يبيّن لنا كيفية هذا الأخذ والإهلاك، فيقول تبارك وتعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأعراف: ١٣٦].
ويقول: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الإسراء: ١٠٣].
وذكر تبارك وتعالى ما ترتّب على هذا الإهلاك من صنوف العذاب، منها: أن الله سبحانه دمّر ما كان يصنع فرعون وقومه، وما كانوا يعرشون، قال تبارك وتعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الأعراف: ١٣٧].
قال محمد رشيد رضا رحمه الله: «والمراد بما كان يصنع فرعون وقومه أولًا، وبالذات ما له تعلّقٌ بظلم بني إسرائيل والكيد لموسى عليه السلام...، ومنها الصرح الذي أمر هامان ببنائه ليرقى به إلى السماء فيطّلع إلى إله موسى، والثاني: كالمكايد السحرية والصناعية التي كان يصنعها السحرة؛ لإبطال آياته، أو التشكيك فيها، كما قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [طـه: ٦٩]»127.
ثم إن الله تبارك وتعالى حرمهم من النعمة والكنوز والمقام الكريم (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [الشعراء: ٥٧-٥٨].
وورّث تلك النعمة والكنوز والمقام الكريم لأعدائهم (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الدخان: ٢٥-٢٨].
وجعلهم الله أئمة يدعون إلى النار، يقول الله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [القصص: ٤١].
قال الإمام القرطبي رحمه الله: «أي: جعلناهم زعماء يتبعون على الكفر، فيكون عليهم وزرهم ووزر من اتّبعهم حتى يكون عقابهم أكثر»128.
وقد جعلهم الله عز وجل محلًّا للعن في الدنيا، قال تبارك وتعال: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [القصص: ٤٢].
وقال سبحانه: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [هود: ٩٩].
أي: «وألزمنا فرعون وقومه في هذه الدنيا خزيًا وغضبًا منا عليهم، فختمنا لهم فيها بالهلاك والبوار والثناء السيئ»129.
وقال ابن كثير رحمه الله: «أي: وشرع الله لعنتهم ولعنة ملكهم فرعون على ألسنة المؤمنين من عباده المتبعين لرسله، كما أنهم في الدنيا ملعونون على ألسنة الأنبياء وأتباعهم، كذلك ويوم القيامة هم من المقبوحين»130.
وقد انتقم الله من الأمم المكذبة بأنبيائهم، قال سبحانه: (ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [العنكبوت: ٤٠].
والقرآن الكريم يزخر بالآيات البيّنات التي تتحدث عن المصير الثابت للطغاة المتجبرين بالهلاك المحتوم في الدنيا، والخزي الدائم يوم القيامة، وجزاء لما اقترفته أيديهم الآثمة من ظلم وطغيان، والله لا يحب الظالمين، ونهاية قارون التي سجّلها القرآن خير شاهد على ذلك؛ وذلك إنه عندما يبلغ الظلم والطغيان مداه، وتبلغ الفتة ذروتها، وتتهافت أمامها النفوس، تتدخّل القدرة الإلهية الجبارة لتضع حدًّا للفتنة، وتقرر النهاية المحتومة للظلم والطغيان (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [القصص: ٨١].
فهذا مصير أهل الطغيان في الدنيا، أما عقابهم في الآخرة فهو أشد وأنكى وأعظم من عقاب الدنيا.
ثانيًا: جزاء أهل الطغيان في الآخرة:
أخذ الله قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وقوم لوط وفرعون وجنوده كما كان يأخذ المكذّبين والطغاة، ولكن الجزاء الأخير سيكون عنده سبحانه: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [البروج: ١٠-١١].
وقال سبحانه: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ) [إبراهيم: ٤٢-٤٣].
فقد يعذّب الله تبارك وتعالى الطاغية في الدنيا، وقد يمهله، أما في الآخرة فلا إمهال، فعذاب الطغاة متحقق الحصول، قال سبحانه وتعالى: (ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [ص: ٥٥-٥٧].
قال الرازي في تفسيره: «اعلم أنه تعالى لما وصف ثواب المتقين وصف بعده عقاب الطاغين؛ ليكون الوعيد مذكورًا عقيب الوعد، والترهيب عقيب الترغيب.
واعلم أنه تعالى ذكر من أحوال أهل النار أنواعًا، فالأول: مرجعهم ومآبهم، فقال: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [ص: ٥٥].
وهذا في مقابلة قوله: (ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [ص: ٤٩].
فبيّن تعالى أن حال الطاغين مضاد لحال المتقين»131.
وقال سبحانه: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [النبأ: ٢١-٢٣].
والمآب: المرجع، يقال: آب يؤوب إذا رجع132.
قال أبو جعفر الطبري: «يعني تعالى ذكره بقوله: إن جهنم كانت ذات رصد لأهلها الذين كانوا يكذّبون في الدنيا بها وبالمعاد إلى الله في الآخرة، ولغيرهم من المصدّقين بها، ومعنى الكلام: إن جهنم كانت ذات ارتقاب ترقب من يجتازها وترصدهم»133.
فالطغاة في حقوق الله وفي حقوق العباد هم أهل النار والعياذ بالله؛ ولهذا قال: (ﮮ ﮯ) 134.
وقال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [النازعات: ٣٧-٣٩].
«والطغيان هنا أشمل من معناه القريب، فهو وصف لكل من يتجاوز الحق والهدى، ومداه أوسع من الطغاة ذوي السلطان والجبروت، حيث يشمل كل متجاوز للهدى، وكل من آثر الحياة الدنيا، واختارها على الآخرة، فعمل لها وحدها، غير حاسب للآخرة حسابًا، واعتبار الآخرة هو الذي يقيم الموازين في يد الإنسان وضميره، فإذا أهمل حساب الآخرة، أو آثر عليها الدنيا اختلّت كل الموازين في يده، واختلّت كل القيم في تقديره، واختلّت كل قواعد الشعور والسلوك في حياته، وعدّ طاغيًا وباغيًا، ومتجاوزًا للمدى»135.
موضوعات ذات صلة: |
الاستكبار، الظلم، فرعون، الفساد، الفتنة، القتل |
1 مقاييس اللغة ٣/٤١٢.
2 مختار الصحاح، الرازي ص١٩١.
3 العين، الفراهيدي ٤/٤٣٥.
4 تهذيب اللغة، الأزهري ٨/١٥٤.
5 تهذيب اللغة ٨/١٥٤.
6 التعريفات ص١٤١.
7 الجامع لأحكام القرآن، ٦/٢٤٥.
8 إعلام الموقعين ١/٤٠.
9 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٤٢٦، ٤٢٧.
10 انظر: الوجوه والنظائر في القرآن العظيم، مقاتل بن سليمان، ص٢١٤. الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٣٢٣- ٣٢٤.
11 لسان العرب، ابن منظور ١٤/٧٧ .
12 المفردات، الراغب الأصفهاني ص١٣٦.
13 الكليات، ص٥٨٤.
14 العين، الفراهيدي ٢/٢١٣.
15 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٥٣.
16 لسان العرب، ابن منظور ١٥/٢٨ .
17 مفاتح الغيب، الرازي ٤/٤٥٤.
18 الفروق اللغوية ص٢٣٠.
19 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٥٤.
20 في ظلال القرآن ٤/١٩٣١.
21 تفسير المراغي ١٦/١٣٦.
22 تفسير القرآن العظيم، ٥/٣٠٨.
23 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/١٥٤.
24 جامع البيان، الطبري ٢٠/ ١٢٦.
25 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/ ١٧٧.
26 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٩/ ٩٠.
27 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/ ١٧٧.
28 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥١٥.
29 في ظلال القرآن ٤/٢١١١.
30 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢٦٢.
31 في ظلال القرآن ٤/٢٣٢٠.
32 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله: (وكذلك أخذ ربك)، ٦/٧٤، رقم ٤٦٨٦.
33 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٦٢.
34 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٩٠٤.
35 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٥٣.
36 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٧٣٥-٢٧٣٦.
37 جامع البيان ٢٣/٢٠٨.
38 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٦٦٦.
39 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٢٥١.
40 المصدر السابق ٥/١٦٣.
41 التفسير المنير، الزحيلي ٥/٤٥.
42 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، ٨/١٩، رقم ٦٠٦٤، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها، ٤/١٩٨٥، رقم ٢٥٦٣.
43 تيسير الكريم الرحمن، ص١٨٢.
44 جامع البيان، ١٠/٤٥٧.
45 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٩٢٩.
46 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٦٩.
47 في ظلال القرآن ٥/٣١١٧.
48 المصدر السابق ٥/٣١٩٣.
49 جامع البيان، الطبري ٢١/٦١٧.
50 تفسير المراغي ٢٠/٩٧-٩٨.
51 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/١٦٣.
52 المنار، رشيد رضا ٩/٤٧١.
53 فتح القدير، الشوكاني ٣/٢٨٤.
54 جامع البيان، الطبري ١١/٣٣١.
55 انظر: الوسيط، الواحدي ٢/٢٦٥.
56 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٢٠.
57 فتح القدير، الشوكاني ٤/٢٠٠.
58 جامع البيان، ١٥/١٦٧.
59 روح المعاني، ٦/١٥٩.
60 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/٢٦٠.
61 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٥٥.
62 المصدر السابق ٧/٥٣٨.
63 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٢٦٤-٣٢٦٥.
64 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٣٧.
65 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب قوله: (كلا إن الإنسان ليطغى)، ٤/٢١٥٤، رقم ٢٧٩٧.
66 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٤٤٤-٤٤٥.
67 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٤٤٢.
68 المصدر السابق ٥/٦٤.
69 جامع البيان، الطبري ٢١/٤٤٤.
70 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٦٨.
71 روح المعاني، الألوسي ٨/٣٣٣-٣٣٤.
72 الجامع لأحكام القرآن، ١١/٣٧.
73 تفسير القرآن العظيم، ٥/١٨٥.
74 في ظلال القرآن ٤/٢٢٨١.
75 تفسير القرآن العظيم، ٧/٢٣٢.
76 فتح القدير، ٤/٦٤١.
77 في ظلال القرآن ٥/٣١٩٤.
78 المصدر السابق ٦/٣٨١٥.
79 طبائع الاستبداد، الكواكبي ص٥٢.
80 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣٤٣.
81 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٥.
82 انظر: الدر المنثور، السيوطي ١/١٦٩.
83 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٨٤.
84 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٤٠٧.
85 جامع البيان، الطبري ١٣/٢٩١.
86 انظر: المنار، رشيد رضا ١١/٢٥٦.
87 في ظلال القرآن ٣/١٣٠٦.
88 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٥٠.
89 في ظلال القرآن ٦/٣٨١٨.
90 في ظلال القرآن ٦/٣٤١٠.
91 الإسلام والاستبداد السياسي، محمد الغزالي ص٨٢.
92 طبائع الاستبداد، الكواكبي ص٥٠.
93 انظر: وحي القلم، الرافعي ٢/٢١٨.
94 وحي القلم ٢/٢٣٧.
95 طبائع الاستبداد، الكواكبي ص٥٠.
96 في ظلال القرآن ٦/٣٩٠٤.
97 جامع البيان، الطبري ١٩/٥١٧.
98 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٥٣٤.
99 جامع البيان، الطبري ١٢/١٣.
100 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٥٢.
101 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٠٧.
102 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣٠٧٨.
103 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٣٦.
104 في ظلال القرآن ٥/٢٧١٢.
105 في ظلال القرآن ٥/٣٠٨٠.
106 تيسير الكريم الرحمن، ص٧٣٧.
107 طبائع الاستبداد، الكواكبي ص٣٣.
108 فرعون والطغيان السياسي، أحمد بهجت ص٨.
109 الإسلام والاستبداد السياسي، محمد الغزالي ص١٤٦.
110 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢١٢٩.
111 المصدر السابق ٥/٢٥٩٨.
112 مآلات الخطاب المدني، إبراهيم السكران ص١٦٣.
113 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣٤٨.
114 المنار، رشيد رضا ٩/٦٣.
115 جامع البيان، الطبري ٢١/١٥٢.
116 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣٤٩.
117 جامع البيان، الطبري ١٨/٣٢٣.
118 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٥٩٤.
119 المصدر السابق.
120 المصدر السابق.
121 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٠٠.
122 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٥٩٣.
123 أيسر التفاسير، الجزائري ٤/٤٣٩.
124 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٤٠.
125 المصدر السابق ٤/٢٣٤٥.
126 جامع البيان، الطبري ٢٣/٦٩٣.
127 المنار ٩/٨٨.
128 الجامع لأحكام القرآن، ١٣/٢٨٩.
129 جامع البيان، الطبري ١٩/٥٨٣.
130 تفسير القرآن العظيم، ٦/٢٣٨.
131 مفاتيح الغيب، ٢٦/٤٠٣.
132 فتح القدير، الشوكاني ٥/٤٤٢.
133 جامع البيان، الطبري ٢٤/١٥٨.
134 تفسير جزء عم، ابن عثيمين ص٣٠.
135 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٨١٨.