عناصر الموضوع

مفهوم الظل

الظل في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الظل آية ونعمة

الحكمة من الظل

دلالة الظل على قدرة الله وعظمته

الظّل

مفهوم الظل

أولًا: المعنى اللغوي:

الظاء واللام أصلٌ واحد، يدلّ على ستر شيءٍ لشيءٍ، وهو الذي يسمى الظل، والجمع: ظلالٌ وظلولٌ وأظلالٌ وأظلّةٌ وظللٌ، والظل: ضوء شعاع الشمس إذا استتر عنك بحاجز، فاستتار شعاع الشمس ظلٌ، وظلٌّ ظليل: دائمٌ، ومن المجاز أن يقال: بتنا في ظل الليل، وأتانا في ظل الليل، أي: سواده، وظللت أعمل كذا بالكسر ظلولًا، إذا عملته بالنهار دون الليل، وإنما قيل ذلك؛ لأن ذلك شيءٌ يخص به النهار، وذلك أن الشيء يكون له ظلٌّ نهارًا، ولا يقال ظلّ يفعل كذا ليلًا؛ لأن الليل نفسه ظل، قال الخليل: لا تقول العرب «ظلّ» إلا لعملٍ يكون بالنهار1.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

عرّف الجرجاني: «الظل: ما نسخته الشمس، وهو من الطلوع إلى الزوال»2.

وذكر المفسرون «أن الظلّ: هو الأمر المتوسط بين الضوء الخالص والظلمة الخالصة، وهو يحدث على وجه الأرض منبسطًا فيما بين ظهور الفجر إلى طلوع الشمس، ثم إن الشمس تنسخه وتزيله شيئًا فشيئًا إلى الزوال، ثم هو ينسخ ضوء الشمس من وقت الزوال إلى الغروب، ويسمى فيئًا»3، وهذه الحالة أطيب الأحوال؛ لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع، وينفر عنها الحس، وأما الضوء الخالص: وهو الكيفية الفائضة من الشمس فهي لقوتها تبهر الحس البصري، وتفيد السخونة القوية وهي مؤذية، فإذن أطيب الأحوال هو الظل؛ ولذلك وصف الجنة به، فقال عز وجل: ( ) [الواقعة: ٣٠]»4.

فالعلاقة بين المعنيين: أن المعنى الاصطلاحي أخص من المعنى اللغوي؛ فاللغوي ستر شيء لشيء، بخلاف المعنى الاصطلاحي فهو خاص بستر ضوء الشمس من وقت الزوال إلى الغروب.

الظل في الاستعمال القرآني

وردت مادة (ظ ل ل) في القرآن الكريم(٢٤) مرة5.

والصيغ التي وردت كالآتي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٢

( ) [البقرة:٥٧]

الاسم

٢٠

( ) [الفرقان:٤٥]

صيغة المبالغة

٢

( ) [النساء:٥٧]

وجاء (الظّل) في القرآن بمعناه اللغوي، وهو الذي يدل على ستر شيء لشيء6، ولم يخرج عن المعنى اللغوي.

قال الله تعالى: ( ) [النحل:٨١].

أي: جعل لكم مما خلق من الأشجار وغيرها ظلالًا تستظلون بها من شدة الحر7.

الألفاظ ذات الصلة

الظلمة:

الظلمة لغةً:

الظّلمة: ضدّ النّور، وجمع (الظّلمة): ظُلَم، وظُلَماتٌ، وظُلُماتٌ، وظُلْماتٌ، بضمّ اللّام وفتحها وسكونها. وقد أظلم اللّيل، والظّلماء: الظّلمة، وربّما وصف بها، يقال: ليلةٌ ظلماء، أي: مظلمةٌ8.

الظلمة اصطلاحًا:

قال الجرجاني: «الظلمة: عدم الضوء فيما من شأنه أن يكون مضيئًا»9.

الصلة بين الظلمة والظل:

قال الكفوي: «الظل: هو ما يحصل من الهواء المضيء بالذّات كالشّمس، أو بالغير كالقمر، والظل في الحقيقة إنّما هو في ظلّ شعاع الشّمس دون الشعاع، فإذا لم يكن ضوء فهو ظلمة وليس بظل»10. والظل يكون بالليل والنهار11، أما الظلمة فليست إلا في الليل.

الحر:

الحر لغةً:

خلاف البرد، يقال هذا يومٌ ذو حرٍّ، ويومٌ حارٌّ، والحرور: الريح الحارّة في النهار واللّيل12.

الحر اصطلاحًا:

عرّف المناوي الحرارة بقوله: «الحرارة: كيفية شأنها تفريق المؤتلفات، وجمع المتشكلات»13.

الصلة بين الحر والظل:

يتفق كل منهما في أنهما يكونان في الليل والنهار، ولكنهما يختلفان في درجة الحرارة، فالحر شديد الحرارة، والظل بارد، فهما ضدان.

الظل آية ونعمة

بيّن سبحانه وتعالى أن الظل من النعم العظيمة، والمنافع الجليلة، والآيات الكبرى.

قال جل وعلا: ( ﭾﭿ ) [النحل: ٨١].

فهذه الآية وردت في سورة النحل التي تسمى سورة النّعم14، فعدّد الله في هذه الآية من نعمه ما شرح فيها، فمنها الظلال تقي من حر الشمس الذي لا تحتمله الأبدان، ولا يبقى معه ولا دونه الإنسان، من شجر وحجر وغمام، ومن جملتها الجبال15.

ففي الآية امتنان بنعمة الإلهام إلى التوقي من أضرار الحرّ والقرّ في حالة الانتقال، وأعقبت به المنة بذلك في حال الإقامة والسكنى، وبنعمة خلق الأشياء التي يكون بها ذلك التوقي باستعمال الموجود، وصنع ما يحتاج إليه الإنسان من اللباس؛ إذ خلق الله الظلال صالحة للتوقي من حر الشمس، وخلق الكهوف في الجبال ليمكن اللجأ إليها، وخلق مواد اللباس مع الإلهام إلى صناعة نسجها، وخلق الحديد لاتخاذ الدروع للقتال16.

وفي الآية بيان نعمة الله تبارك وتعالى بما هيّأه لعباده من الظل؛ فإن الظل عن الحر من نعم الله على العباد.

ولهذا ذكره الله عز وجل ممتنًا به على بني إسرائيل بقوله تعالى: ( ﯨﯩ) [البقرة: ٥٧]17.

وتظهر فائدة نعمة (الظل) أكثر في البلاد الحارة والبلاد الصحراوية، وخاصة في حالة السفر، يقول صاحب اللباب: «واعلم أن بلاد العرب شديدة الحرّ، وحاجتهم إلى الظلّ ودفع الحرّ شديدة؛ فلهذا ذكر الله تعالى هذه المعاني في معرض النّعمة العظيمة»18.

والقرآن إنما أنزل على قدر معرفة العرب، ألا ترى إلى قوله تعالى: ( ) [النحل: ٨١].

وما جعل من السهل أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب جبال19.

فهذه نعمٌ عدّدها الله عليهم بحسب أحوالهم وبلادهم، وأنها الأشياء المباشرة لهم؛ لأن بلادهم من الحرارة، وقهر الشمس بحيث للظل غناء عظيم، ونفع ظاهر20.

وأيضًا البلاد المعتدلة، والأوقات المعتدلة نادرة جدًا، والغالب إما غلبة الحر، أو غلبة البرد، وعلى كل التقديرات فلابد للإنسان من مسكن يأوي إليه، فكان الإنعام بتحصيله عظيمًا21.

وأما تفسير الظلال في هذه الآية بأنه ظلال أوليائه، كما قال الألوسي: «وأنه يستظل بهم المريدون من شدة حر الهجران، ويأوون إليهم من قهر الطغيان»22؛ لأنهم ظلال الله في أرضه، كما قيل: السلطان ظل الله في أرضه، يأوي إليه كل مظلوم، فهو تفسير غير صحيح، وليس عليه أثرة من علم، ولم يقل به أهل التأويل، بل يقول الطبري في تفسير الظلال في هذه الآية: «يقول تعالى ذكره: ومن نعمة الله عليكم أيها الناس: أن جعل لكم مما خلق من الأشجار وغيرها ظلالًا تستظلون بها من شدة الحر، وهي جمع ظل، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل»23.

والمراد بقوله: () يدخل فيه ظلال الغمام، وظلال البيوت، وظلال الشجر، وظلال الجبال، وكل شيء له ظل من حائط وسقف وشجر وجبل، وغير ذلك24.

وإن اختلفت عبارات المفسرين في المراد بالظل هنا في هذه الآية إلا أنها ترجع إلى معنى واحد؛ فنلحظ أن كل واحد منهم ذكر عبارة تختلف عن عبارة الآخر؛ إلا أن ذلك من باب التمثيل لا التضاد؛ لأن الله قال: ( ) ولم يذكر شيئًا بعينه؛ لأن أنواع ما خلق وكان منه الظلال كثيرة، فالجنات تتفيأ ظلالها بالغدو والآصال، والبيوت فيها ظلال، لمن يكون بجوارها، والغمام يكفّ وهج الشمس وحرارتها، والسحاب تظلل.

فالظلال يعم جميع ما يظل من العرش والفساطيط والسقوف مما يصطنعه الآدميون25.

وقد يقول قائل: إن هذه ظواهر طبيعية فما النعمة فيها؟ ونقول في الجواب عن ذلك: إنها نعم كبيرة تغمر الناس، ولا يحسّون بها، ولكن إذا حرموها يعرفون مقدار الإنعام، فهذه (الظلال) نعمة من الله تعالى يشعر بها أكثر أصحاب المناطق الصحراوية التي لا ماء يرطّب جوها، ولا نسيم عليل يطفيء حرها؛ ولذلك كانت من نعم الله التي أنعم بها على سكانها الذين آتاهم الله تعالى مع ذلك جلدًا، وقوة احتمال؛ فكانت هذه نعمًا أنعم الله بها عليهم ليستطيعوا أن يعيشوا، وأن ينعموا في خيراتها.

ولنعلم أن هناك فرقًا بين الظلال والأكنان؛ فإن الظلال يكون بالشجر ونحوه مما يظل ولا يكنّ، بخلاف ما في الجبال من الغيران فإنه يظل ويكنّ.

فقال: ( ) [النحل: ٨١]؛ لأن الجبل يكنّ الإنسان من فوقه ويمينه ويساره وأسفل منه، ليس مقصودها الاستظلال، بخلاف الظلال فإن مقصودها الاستظلال؛ ولهذا قرن بهذه ما في السرابيل من منفعة الوقاية، فجمع في هذه الآية بين وقاية اللباس المنتقل مع البدن، ووقاية الظلال الثابتة على الأرض26.

فهذا في الأمكنة.

ثم قال في اللباس: ( ) [النحل: ٨١].

واللباس والمساكن كلاهما تقي الناس ما يؤذيهم من حر وبرد وعدو، وكلاهما تسترهم عن أعين الناظرين27.

ومما يدل على أن الظل من النعم العظيمة: أن الله تعالى نفى التساوي بين الظل والحرور، فجعل الظل نعمة قارنها الله عز وجل بالفرق بين العمى والإبصار، وبين الظلام والنور، حيث قال: ( ) [فاطر: ١٩-٢١].

فأخبر تعالى في هذه الآية أنه لا يتساوى الأضداد في حكمة الله، وفيما أودعه في فطر عباده ( ) فاقد البصر ( ) فكما أنه من المتقرر عندكم الذي لا يقبل الشك أن هذه المذكورات لا تتساوى، فكذلك فلتعلموا أن عدم تساوي المتضادات المعنوية أولى وأولى28.

وهو مثل ضربه الله للمؤمنين، وهم الأحياء، وللكافرين، وهم الأموات29.

فكما لا يتساوى المكان الظليل مع المكان الشديد الحرارة كذلك لا يستوي أصحاب الجنة وأصحاب النار.

والحرور بمنزلة السموم، وهي الرياح الحارة، والحرور تكون بالنهار وبالليل، والسموم لا تكون إلا بالنهار30.

وأعيدت (لا) في ( ) تأكيدًا لنفي الاستواء؛ لأن الاستواء لا يكتفي بواحد، أو تكون (لا) مؤسسة غير مؤكدة.

وكرّرت كلمة النفي بين الظلمات والنور، والظل والحرور، والأحياء الأموات، ولم تكرر بين الأعمى والبصير؛ وذلك لأن التكرير للتأكيد، والمنافاة بين الظلمة والنور والظل والحرور مضادة، فالظلمة تنافي النور وتضاده، والعمى والبصر كذلك، أما الأعمى والبصير ليس كذلك، بل الشخص الواحد قد يكون بصيرًا، وهو بعينه يصير أعمى، فالأعمى والبصير لا منافاة بينهما إلا من حيث الوصف، والظل والحرور والمنافاة بينهما ذاتية؛ لأن المراد من الظل عدم الحر والبرد، فلما كانت المنافاة هناك أتم، أكد بالتكرار31.

وأفرد (الظل)، وجمع (الحر) فقال: (الحرور)؛ لأن الظل هو شيء واحد يضاد أنواع الحر: من السموم، ومن حر النار، ومن تصاعد الأبخرة من الأرض الكبريتية، إلى غير ذلك مما يتوهج به الجو، ويسخن به الهواء؛ فلذلك حسن إفراد الصيغة -يعني إفراد الظل-، وتخصيص الحرور بهذه الصيغة.

ومما يدل أيضًا على أن الظل من النعم الجليلة: أن الله تعالى جعل الظل ليستروح فيه بعد النصب والتعب‏، كما حدث مع نبي الله موسى عليه السلام بعد أن سقى للفتاتين.

قال تعالى: ( ﭿ ) [القصص: ٢٤].

أي: بعد أن سقى موسى عليه السلام للمرأتين ماشيتهما، تولى، أي: رجع إلى ظل الشجرة التي كان جالسًا تحتها، فاستظلّ بها.

وفي قوله: ( ﭿ ) دلالة على أنه سقى لهما في شمس وحر32. وفيه: دليل جواز الاستراحة في الدنيا، بخلاف ما يقوله بعض المتقشفة33.

وقوله: ( ) إلى ظل شجرة، وذكر أنها سمرة34. وقيل: هو ظل جدار لا سقف له.

وعن عبد الله مسعود رضي الله عنه قال: «حثثت على جمل ليلتين حتى صبّحت مدين، فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى، فإذا شجرة خضراء ترف، فأهوى إليها جملي -وكان جائعًا- فأخذها جملي فعالجها ساعة، ثم لفظها، فدعوت الله لموسى عليه السلام، ثم انصرفت».

وفي رواية: «أنه ذهب إلى الشجرة التي كلّم الله منها لموسى»35.

وعلى كلٍّ فقد آوى موسى عليه السلام «إلى الظل المادي البليل بجسمه، وآوى إلى الظل العريض الممدود، ظل الله الكريم المنان، بروحه وقلبه»36.

وكذا جعل الله من نعمه على بني إسرائيل أنه سخّر لهم السحاب ليظلهم، ووفّر لهم أشهى المأكولات، فقال: ( ﭴﭵ ) [الأعراف: ١٦٠].

فلما عصوا ربهم، رفع الجبل من فوقهم، فبدا لهم كأنه ظلة.

يقول تعالى: ( ) [الأعراف: ١٧١].

الحكمة من الظل

سبق وقلنا: إن الظل نعمة من نعم الله، يتقى بها من الحر، وهذه إحدى الحكم العظيمة من خلق الظل، والظلال.

أولًا: الظل والعبادة:

من المعلوم أن الله تعالى فرض على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة، مؤقتة بأوقات اقتضتها حكمة الله تعالى؛ ليكون العبد على صلة بربه تعالى في هذه الصلوات مدة هذه الأوقات كلها، فهي للقلب بمنزلة الماء للشجرة، تسقى به وقتًا فوقتًا، لا دفعة واحدة، ثم ينقطع عنها.

ومن الحكمة أيضًا في تفريق هذه الصلوات في تلك الأوقات: أن لا يحصل الملل والثقل على العبد إذا أداها كلها في وقت واحد، فتبارك الله تعالى أحكم الحاكمين.

ونجد أن الله تعالى ربط بعض هذه الصلوات بحركة الظل، فيتم تحديد أوقات الظهرين، وأوقات فضيلتهما بقياس الظل الحادث بعد الزوال.

فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلوات بقوله: (وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)37.

يقول ابن القيم: «وفي دلالة الشمس على الظلال ما تعرف به أوقات الصلوات، وما مضى من اليوم، وما بقي منه، وفي تحركه وانتقاله ما يبرد به ما أصابه من حر الشمس، وينفع الحيوانات والشجر والنبات، فهو من آيات الله الدالة عليه»38.

هكذا يربط النبي صلى الله عليه وسلم هذين الوقتين بحركة الظل، فبيّن أن ابتداء وقت الظهر: هو من زوال الشمس، والمقصود زوالها عن وسط السماء إلى جهة الغرب، وأما نهايته: فهو إلى أن يصير ظل كل شيء مثله -أي: طوله- بعد الظل الذي زالت عليه الشمس.

وأما ابتداء وقت العصر، فيكون بانتهاء وقت الظهر، أي: عند مصير ظل كل شيء مثله، وأما نهاية وقت العصر، فله وقتان:

وقت اختيار: وهو من أول وقت العصر إلى اصفرار الشمس؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)39، أي: ما لم تكن صفراء، وتحديده بالساعة يختلف باختلاف الفصول.

وقت اضطرار: وهو من اصفرار الشمس إلى غروب الشمس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)40.

والزوال: هو ميل الشمس عن كبد السماء بعد انتصاف النهار، وعلامته: زيادة الظل بعد تناهي نقصانه، وذلك أن ظل الشخص يكون في أول النهار طويلًا ممتدًا، فكلما ارتفعت الشمس نقص، فإذا انتصف النهار وقف الظل، فإذا زالت الشمس عاد الظل إلى الزيادة، فإذا أردت أن تعلم هل زالت، فانصب عصًا أو غيرها في الشمس على أرض مستوية، وعلّم على طرف ظلها، ثم راقبه، فإن نقص الظل علمت أن الشمس لم تزل، ولا تزال تراقبه حتى يزيد، فمتى زاد علمت الزوال حينئذٍ.

ويختلف قدر ما يزول عليه الشمس من الظل باختلاف الأزمان والبلاد، فأقصر ما يكون الظل عند الزوال في الصيف عند تناهي طول النهار، وأطول ما يكون في الشتاء عند تناهي قصر النهار41.

وقد أشار الله تعالى لأوقات الصلوات في مواضع من القرآن، منها قوله: ( ﭵﭶ ) [الإسراء: ٧٨].

فأشار بقوله: ( ) وهو زوالها عن كبد السماء على التحقيق إلى صلاة الظهر والعصر، وأشار بقوله: ( ) -وهو ظلامه- إلى صلاة المغرب والعشاء، وأشار بقوله: ( ) إلى صلاة الصبح، وعبّر عنها بالقرآن بمعنى القراءة؛ لأنها ركن فيها من التعبير عن الشيء باسم بعضه.

وهذا البيان أوضحته السنة إيضاحًا كليًّا، ومن الآيات التي أشير فيها إلى أوقات الصلاة -كما قاله جماعة من العلماء- قوله تعالى: ( ) [الروم: ١٧-١٨].

قالوا: المراد بالتسبيح في هذه الآية الصلاة، وأشار بقوله: ( ) إلى صلاة المغرب والعشاء، وبقوله: ( ) إلى صلاة الصبح، وبقوله: () إلى صلاة العصر بقوله: ( ) إلى صلاة الظهر.

وقوله تعالى: ( ﮯﮰ) [هود: ١١٤].

وأقرب الأقوال في الآية: أنه أشار بطرفي النهار إلى صلاة الصبح أوله، وصلاة الظهر والعصر آخره، أي: في النصف الأخير منه، وأشار بزلفٍ من الليل إلى صلاة المغرب والعشاء42.

وكان الصحابة أيضًا يدللون على استعجالهم في صلاة الجمعة بالظل؛ فقد جاء في صحيح البخاري عن إياس بن سلمة بن الأكوع، قال: حدّثني أبي وكان من أصحاب الشجرة، قال: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل فيه)43.

فقوله: (وليس للحيطان ظل) أي: يصلح لأن يستظل فيه، وهو دليل التعجيل بصلاة الجمعة أول الوقت.

وقيل: يحتمل أن تكون الحيطان في ذلك الوقت ليس لها علو ولا رف تقتضي الظل في أول الزوال، أو يكون خبر ابن سلمة عن حيطان معتدلة إلى الجنوب من دور المدينة وغيرها44.

والمقصود: أننا نجد أن بعض العبادات ارتبطت بحركة الظل، في تحديد دخولها وخروجها، وهذا من الحكم والمنافع للظل والظلال.

ثانيًا: الظل وتشبيه الدنيا به:

الدنيا سريعة الفناء، قريبة الانقضاء، تعد بالبقاء ثم تخلف في الوفاء، تنظر إليها فتراها ساكنة مستقرة، وهي سائرة سيرًا عنيفًا، ومرتحلة ارتحالًا سريعًا، ولكن الناظر إليها قد لا يحس بحركتها فيطمئن إليها، وإنما يحس عند انقضائها؛ ولهذا مثّلت بالظل؛ فإنه متحرك ساكن، متحرك في الحقيقة، ساكن الظاهر، لا تدرك حركته بالبصر الظاهر، بل البصيرة الباطنة، ولما ذكرت الدنيا عند الحسن البصري رحمه الله أنشد:

أحلام نوم أو كظل زائل

إن اللبيب بمثلها لا يخدع

وكان الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما يتمثل كثيرًا بقوله:

يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها

إن اغترارًا بظل زائل حمق

ويقال: إن أعرابيًّا نزل بقوم فقدّموا إليه طعامًا فأكل، ثم قام إلى ظل خيمة لهم، فنام هناك، فاقتلعوا الخيمة، فأصابته الشمس فانتبه، فقام وهو يقول:

ألا إنما الدنيا كظل ثنية

ولابد يومًا أن ظلك زائل

وقال آخر45:

وإن امرأ قد عاش سبعين حجة

ولم يتزود للمعاد لجاهل

ودنياك ظل، فاترك الحرص بعدما

علمت؛ فإن الظل لابد زائل

وقال آخر:

وما دنياك إلا مثل فيءٍ

أظلك ثم آذن بالزوال

وقال آخر:

إنما الدنيا كظلٍّ زائلٍ

أو كضيفٍ بات ليلًا فارتحل

وقيل: مثل الدنيا مثل الظل، إن طلبته تباعد، وإن تركته تتابع.

وفى الحديث: (ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب قال في ظل شجرة في يوم حار، ثم راح وتركها)4647.

ثالثًا: إتيان الله في ظلل من الغمام والملائكة:

أخبر الله تعالى أنه يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام والملائكة، فقال: ( ﯸﯹ ) [البقرة: ٢١٠].

وهذا فيه من الوعيد الشديد والتهديد ما تنخلع له القلوب، والمعنى: ما ينتظر هؤلاء المعاندون الكافرون بعد قيام الأدلة البينة إلا أن يأتيهم الله عز وجل على الوجه اللائق به سبحانه في ظلل من السحاب يوم القيامة؛ ليفصل بينهم بالقضاء العادل، وأن تأتي الملائكة، وحينئذٍ يقضي الله تعالى فيهم قضاءه، وإليه وحده ترجع أمور الخلائق جميعها.

والاستفهام في قوله: ( ) بمعنى النفي، و() بمعنى: ينتظرون، أي: ما ينتظر هؤلاء المكذّبون الذين زلوا بعد ما جاءتهم البينات؟! سائقًا له في أسلوب الإنكار، وصيغة الغيبة مجردة عن الافتعال؛ تنبيهًا على أنهم في غاية البعد عن مواطن الرأفة والاستحقاق بمظهر الكبر والنقمة بإعراض الله عن خطابهم، وإقباله من عذابهم على ما لم يكن في حسابهم.

و() إن عدّيت بـ (إلى) فهي للنظر بالعين؛ وإن لم تعدّ فهي بمعنى الانتظار.

وإتيان الله في قوله: ( ) من الصفات الاختيارية التي أخبر بها تعالى عن نفسه، أو أخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فتثبت على وجه يليق بجلال الله وعظمته من غير تشبيه ولا تحريف48.

فوصف الله تعالى هنا بالإتيان في ظلل من الغمام كوصفه بالمجيء في آيات أخر، ونحوهما مما وصف به نفسه في كتابه، أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقول في جميع ذلك من جنس واحد، وهو مذهب سلف الأمة وأئمتها: فهم يصفونه سبحانه بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، والقول في صفاته كالقول في ذاته، والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فلو سأل سائل: كيف يجيء سبحانه ؟ أو كيف يأتي؟ فليقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال: لا أعلم كيفية ذاته! فليقل له: وكذلك لا تعلم كيفية صفاته!

فإن العلم بكيفية الصفة ينبع من العلم بكيفية الموصوف، وقد أطلق غير واحدٍ ممن حكى إجماع السلف منهم الخطابي: مذهب السلف أن صفاته تعالى تجري على ظاهرها، مع نفي الكيفية والتشبيه عنها49.

يقول شيخ الإسلام: «وكذلك ما ورد من نزوله يوم القيامة في ظلل من الغمام، ومن نزوله إلى الأرض لما خلقها، ومن نزوله لتكليم موسى عليه السلام وغير ذلك، كله من باب واحد، كقوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢١٠].

وقوله: ( ) [الفجر: ٢٢].

وقوله: ( ﭞﭟ) [الأنعام: ١٥٨]50.

فمثل هذا من صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه يمرّ كما جاء ويؤمن بها، ويعتقد أنه حق، وأنه لا يشبه شيئًا من صفات المخلوقين، فسبحان من أحاط بكل شيء علمًا51.

فيكون معنى قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢١٠].

أي: يأتيهم الله نفسه، هذا ظاهر الآية، ويجب المصير إليه؛ لأن كل فعل أضافه الله إليه فهو له نفسه، ولا يعدل عن هذا الظاهر إلا بدليل من عند الله.

ولأهل البدع في هذه الآية وجوهًا وتأويلات كلها باطلة، وهي خلاف منهج السلف في تفسير هذه الآية، أعرضنا عن ذكرها.

والمعنى الحق لها: هو إثبات إتيان الله عز وجل في ظلل من الغمام يوم القيامة للفصل بين عباده، وهو إتيان حقيقي يليق بجلاله، لا تعلم كيفيته، ولا يسأل عنها، كسائر صفاته، وما ذهب إليه أهل التعطيل من أن المراد بإتيان الله: إتيان أمره، فتحريف للكلم عن مواضعه، وصرف للكلام عن ظاهره بلا دليل، إلا ما زعموه دليلًا عقليًّا، وهو في الحقيقة وهمي، وليس عقليًّا؛ فنحن نقول: الذي نسب فعل الإتيان إليه هو الله عز وجل، وهو أعلم بنفسه، وهو يريد أن يبيّن لعباده، كما قال تعالى: (ﭿ ﮃﮄ) [النساء: ١٧٦].

وإذا كان يريد أن يبيّن، وهو أعلم بنفسه، وليس في كلامه عيٌّ، وعجز عن التعبير بما أراد، وليس في كلامه نقص في البلاغة، إذًا فكلامه في غاية ما يكون من العلم، وغاية ما يكون من إرادة الهدى، وغاية ما يكون من الفصاحة والبلاغة، وغاية ما يكون من الصدق، فهل بعد ذلك يمكن أن نقول: إنه لا يراد به ظاهره؟! كلا، لا يمكن هذا إلا إذا قال الله هو عن نفسه أنه لم يرد ظاهره. إذًا المراد إتيان الله نفسه، ولا يعارض ذلك أن الله قد يضيف الإتيان إلى أمره، مثل قوله تعالى: ( ) [النحل: ١].

ومثل قوله تعالى: ( ﯬﯭ) [النحل: ٣٣]؛ لأننا نقول: إن هذا من أمور الغيب، والصفات توقيفية، فنتوقف فيها على ما ورد، فالإتيان الذي أضافه الله إلى نفسه يكون المراد به إتيانه بنفسه، والإتيان الذي أضافه الله إلى أمره، يكون المراد به إتيان أمره؛ لأنه ليس لنا أن نقول على الله ما لا نعلم، بل علينا أن نتوقف فيما ورد على حسب ما ورد.

ومن احتج بنفي الظل عن الله تعالى بحجة أن إثبات الظل يلزم منه علو الشمس على الله تعالى، فقد أخطأ من جهتين:

الأولى: خطؤه على لغة العرب، وحصره الظل فقط بأثر الشمس للشاخص القائم، والظل في لغة العرب والقرآن يأتي لمعانٍ منها ما ذكرناه: وهو كل ما يكون فوقنا ويسترنا.

والثاني: توهّمه أن إثبات الظل لله تعالى يلزم منه تشبيه الخالق بالمخلوق، وهو في الحقيقة غير لازم.

فإثبات الظل بهذا المعني -أي: بمعنى أنه يكون فوقنا- لا يخالف فيه أحد من أهل السنة والجماعة، فمن لوازم إثبات علو الله على خلقه إثبات فوقية الله تعالى، وهذا يكون عامًا لجميع الخلق، فالله تعالى فوق خلقه بذاته مستوٍ على عرشه، فهو بهذا المعنى يظلّهم ولا شك.

فالله تعالى بهذا المعنى العام يظلّ العرش وغيره، فهوتعالى مستوٍ على العرش، بائن من خلقه، لا يخرج عن ظله شيء، فالشمس تحت الله ولا شك، ومن قال بأنها فوق الله تعالى فهو كافر.

والظّلل في قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢١٠]: جمع (ظلّة)، كظلم جمع ظلمة، والغمام: اسم جنس جمعي لغمامة، وهي السحاب الرقيق، وسمي بذلك لأنه يغم، أي: يستر.

فالظلة: هي ما يستر من الشمس أو غيره، فهي في غاية الإظلام والهول والمهابة؛ لما لها من الكثافة التي تغم على الرائي ما فيها، وتدمّر ما أتت عليه إلى غير ذلك من أنواع المجد الذي لا يقدره حق قدره إلا الله.

و(الغمام) قالوا: إنه السحاب الأبيض الرقيق، لكن ليس كسحاب الدنيا، فالاسم هو الاسم، ولكن الحقيقة غير الحقيقة؛ لأن المسميات في الآخرة، وإن شاركت المسميات في الدنيا في الاسم، إلا أنها تختلف، مثلما تختلف الدنيا عن الآخرة.

وفي تنكير (ظلل) إثبات عظمة الله عز وجل؛ لأنها تدل على أنها ظلل عظيمة وكثيرة؛ ولهذا جاء في سورة الفرقان: ( ) [الفرقان: ٢٥].

يعني: تثور ثورانًا بهذا الغمام العظيم من كل جانب، كل هذا مقدمة لمجيء الجبار سبحانه وتعالى، وهذا يفيد عظمة الباري سبحانه وتعالى .

وفي قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢١٠].

إشكال؛ لاقتضائه الظرفية، وهي مستحيلة على الله تعالى.

لكن قد أجاب على هذا الإشكال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، حيث قال: «قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢١٠].

(في) معناها (مع)، يعني: يأتي مصاحبًا لهذه الظلل، وإنما أخرجناها عن الأصل الذي هو الظرفية؛ لأنا لو أخذناها على أنها للظرفية صارت هذه الظلل محيطة بالله عز وجل، والله أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته، ونظير ذلك أن نقول: جاء فلان في الجماعة الفلانية، أي: معهم، وإن كان هذا التنظير ليس من كل وجه؛ لأن فلانًا يمكن أن تحيط به الجماعة؛ ولكن الله لا يمكن أن يحيط به الظلل، وهذا الغمام يأتي مقدمة بين يدي مجيء الله عز وجل، كما قال تعالى: ( ) [الفرقان: ٢٥].

فالسماء تشقق لا تنشق، كأنها تنبعث من كل جانب.

وقيل: إن (في) بمعنى الباء، أي: يأتيهم بظلل من الغمام، وهي ظلل تحمل العذاب من الصواعق، أو الريح العاصفة، أو نحو ذلك، فتكون كقوله تعالى: ( ﮨﮩ) [التوبة: ٥٢].

وهذا قول باطل؛ لمخالفته ظاهر الآية.

فيكون في قوله: ( ) وجهان:

الأول: أنه متعلقٌ بمحذوف؛ لأنه صفةٌ لـ(ظلل) التقدير: ظللٍ كائنةٍ من الغمام، و(من) على هذا للتبعيض.

والثاني: أنها متعلقةٌ بـ(يأتيهم)، وهي على هذا لابتداء الغاية، أي: من ناحية الغمام52.

وتجلي الملائكة في ظلل من الغمام أمر مألوف، منه ما في الصحيح عن البراء رضي الله عنه قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين، فتغشّته سحابة فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: (تلك السكينة تنزلت بالقرآن)53.

وعن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده؛ إذ جالت الفرس، فسكت فسكتت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكتت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجترّه رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدّث النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير)، قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبًا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: (وتدري ما ذاك؟) قال: لا، قال: (تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم)5455.

وإسناد الإتيان إلى الملائكة؛ لأنهم الذين يأتون بأمر الله أو عذابه، وهم الموكل إليهم تنفيذ قضائه، فإسناد الإتيان إليهم حقيقة56. ومتى يكون مجيء الملائكة؟ الظاهر أنه يوم القيامة، أو عند الموت57.

رابعًا: التظليل على بني إسرائيل في الصحراء:

لما ذكر الله تعالى ما دفعه عن بني إسرائيل من النّقم، شرع يذكّرهم أيضًا بما أسبغ عليهم من النعم، فقال: ( ) وورد ذلك في موضعين:

الأول: في سورة البقرة، حيث قال: ( ﯨﯩ ﯮﯯ ) [البقرة: ٥٧].

والثاني: في سورة الأعراف حيث قال: ( ﭴﭵ ﭺﭻ ﭿ ) [الأعراف: ١٦٠].

وهذا التظليل من النعم على بني إسرائيل، والمعنى: جعلنا الغمام ظلة عليكم من حرّ الشمس.

وهذا هو الإنعام السابع الذي ذكره الله تعالى، وقد ذكر الله تعالى هذه الآية بهذه الألفاظ في سورة الأعراف، وظاهر هذه الآية يدل على أن هذا الإظلال كان بعد أن بعثهم58.

قال السعدي: «هذا شروع في تعداد نعمه على بني إسرائيل على وجه التفصيل...، ثم ذكر نعمته عليكم في التيه والبرية الخالية من الظلال، وسعة الأرزاق، فقال: ( ) [البقرة: ٥٧].

وهو اسم جامع لكل رزق حسن يحصل بلا تعب، ومنه الزنجبيل والكمأة والخبز، وغير ذلك»59.

وذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين وقتالهم...، فعوقبوا في ذلك الفحص أربعين سنة يتيهون في خمسة فراسخ أو ستة، روي أنهم كانوا يمشون النهار كله، وينزلون للمبيت، فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس60.

وجاء في تفسير ابن كثير: «أنه لما دخل بنو إسرائيل التيه، قالوا لموسى عليه السلام: كيف لنا بما ها هنا؟ أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم المنّ فكان يسقط على الشجر الزنجبيل، والسلوى، وهو طائر يشبه السماني أكبر منه، فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير، فإن كان سمينًا ذبحه وإلا أرسله، فإذا سمن أتاه، فقالوا: هذا الطعام فأين الشراب؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، فشرب كل سبط من عين، فقالوا: هذا الشراب، فأين الظل؟ فظلّل عليهم الغمام، فقالوا: هذا الظل فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما يطول الصبيان، ولا ينخرق لهم ثوب، فذلك قوله تعالى: ( )، وقوله: ( ﭿ ﮂﮃ ﮈﮉ ﮋﮌ ﮎﮏ) [البقرة: ٦٠]»61.

والظاهر أن الخطاب في قوله: () لجميعهم...، وقيل: الذين ظللوا بالغمام بعض بني إسرائيل، وكان الله تعالى قد أجرى العادة فيهم أن من عبد الله ثلاثين سنة، لا يحدث فيها ذنبًا أظلته الغمامة، وكان فيهم جماعة يسمون أصحاب غمائم؛ فامتن الله تعالى لكونهم فيهم من له هذه الكرامة الظاهرة، والنعمة الباهرة62. والأول أصوب.

وإنما خاطب الموجودين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( ) [البقرة: ٥٧].

وأراد به آباءهم، وهم قوم موسى عليه السلام، ولكن لما كان ذلك منّةً على الآباء الذين هم أصلٌ، صار كأنه واقع على الأبناء63.

ومعنى قوله: () أي: جعلناه ظلًا عليكم، وكان ذلك في التيه حين تاهوا...، وما كان عندهم ماء ولا مأوى؛ ولكن الله تعالى رحمهم، فظلّل عليهم الغمام.

فيكون () مفعول على إسقاط حرف الجر، أي: بالغمام، كما تقول: ظللت على فلان بالرداء، أو مفعول به لا على إسقاط الحرف، ويكون المعنى: جعلناه عليكم ظللًا، فعلى هذا الوجه الثاني يكون فعل فيه، بجعل الشيء بمعنى ما صيغ منه، كقولهم: عدّلت زيدًا، أي جعلته عدلًا، فكذلك هذا معناه: جعلنا الغمام عليكم ظلة، وعلى الوجه الأول تكون (فعل) فيه بمعنى (أفعل)، فيكون التضعيف أصله للتعدية، ثم ضمن معنى فعلٍ يعدّى بـ (على)، فكان الأصل: وظللناكم، أي أظللناكم بالغمام...، ثم ضمن (ظلل) معنى كلل أو شبهه، مما يمكن تعديته بـ (على)، فعداه بـ (على)64.

يقول في التبيان: «أي: جعلناه ظلًا، وليس كقولك: ظللت زيدًا بظل؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون الغمام مستورًا بظل آخر»65.

و (): هو ما غمّ السماء فغطّاها من سحاب وقتام، وكلّ مغطٍّ فهو غمام، ومنه: غمّ الهلال، أي: غطاه الغيم، فهو اسم جنس جمعي للغمامة، واسم الجنس الجمعي هو الذي يفرق بينه وبين مفرده بالتاء المربوطة، أو ياء النسب، مثل: روم ورومي، فتكاثف الغمام في الصحراء حتى صار كمظلة تظلهم أينما ساروا، فلا يحسون بوهج الحر يلفح وجوههم.

قال ابن عثيمين في تفسيره: «الغمام: هو السحاب الرقيق الأبيض.

وقيل: السحاب مطلقًا.

وقيل: السحاب البارد الذي يكون به الجو باردًا، ويتولد منه رطوبة، فيبرد الجو، وهذا هو الظاهر»66.

خامسًا: رفع الجبل فوق بني إسرائيل كأنه ظلة:

أخبر الله سبحانه وتعالى أنه رفع فوق بني إسرائيل الجبل كأنه ظلة، فقال: ( ) [الأعراف: ١٧١].

ونظيره: ( ) [البقرة: ٦٣ -٩٣].

ونظيره أيضًا: ( ) [النساء: ١٥٤].

وذلك حين امتنعوا من الالتزام بأحكام التوراة، وظهر منهم إباء عما جاءهم به موسى عليه السلام، رفع الله على رءوسهم جبلًا ثم ألزموا، فالتزموا وسجدوا، وجعلوا ينظرون إلى فوق رءوسهم خشية أن يسقط عليهم67.

والمعنى: واذكر -أيها الرسول- إذ رفعنا الجبل فوق بني إسرائيل كأنه سحابة تظلّهم، وأيقنوا أنه واقع بهم إن لم يقبلوا أحكام التوراة.

و (): النتق: الفصل والقلع، والجبل: الطور، والناتق الرافع، والناتق الباسط، والناتق الفاتق، وامرأة ناتق ومنتاق: كثيرة الولد، وأخذ ذلك من نتق السقاء، وهو نفضه حتى تقتلع الزبدة منه، ونتقنا الجبل: قلعه من أصله68.

ويأتي النتق بمعنى: الرفع، فيكون معنى قوله: ( ) أي: رفعناه، وهو كقوله: ( ) [النساء: ١٥٤].

وعن ابن عباس: رفعته الملائكة فوق رؤوسهم69.

والتشبيه في قوله: ( ) أي: كهيئة الغمام، وجملة: ( ) حال من () في محل نصب70.

وهذه آية أظهرها الله لهم تخويفًا لهم؛ لتكون مذكرة لهم، فيعقب ذلك أخذ العهد عليهم بعزيمة العمل بالتوراة، فكان رفع الطور معجزة لموسى عليه السلام؛ تصديقًا له فيما سيبلّغهم عن الله من أخذ أحكام التوراة بعزيمة ومداومة71.

وقد ذكر الله في القرآن أشياء كثيرة من معجزات موسى عليه السلام...، منها هذه، وهي: إظلال الجبل ( ) [الأعراف: ١٧١]72.

وقد قيل: إنما رفع الله تعالى الجبل فوقهم؛ إظلالًا لهم من الشمس؛ جزاءً لعهدهم، وكرامة لهم، ولا يخفى أن هذا خرق لإجماع المفسرين، وليس له مستند أصلًا73.

وفي هذه الآية من الفوائد: عتوّ بني إسرائيل، حيث لم يؤمنوا إلا حين رفع فوقهم الطور كأنه ظلة، وظنوا أنه واقع بهم، فحينئذٍ آمنوا، وهذا الإيمان في الحقيقة يشبه إيمان المكره الذي قيل له: إما أن تؤمن أو تقتل.

وبيان قوة الله عز وجل وقدرته؛ لقوله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٧١].

فلا أحد من الخلق يستطيع أن يحمل ذلك الجبل، ويجعله ظلة لا يسقط عليهم إلا الله عز وجل؛ فالأحجار العظيمة الثقيلة الكبيرة أمسكها الله تعالى بقدرته.

سادسًا: انتقام الله من قوم شعيب بعذاب يوم الظلة:

بيّن الله تعالى أنه لما ظلم قوم شعيب عليه السلام، وكذّبوا رسولهم، وطفّفوا الكيل، وبخسوا الناس أشياءهم، انتقم الله منهم بعذاب يوم الظلة، وبيّن أن عذاب يوم الظلة عذابٌ عظيم، والظلة: سحابة أظلتهم فأضرمها الله عليهم نارًا، فأحرقتهم.

فقال تعالى في قوم شعيب عليه السلام: ( ﭻﭼ ﭿ ) [الشعراء: ١٨٩].

فإن قيل: الهلاك الذي أصاب قوم شعيب عليه السلام ذكر الله تعالى في (الأعراف) أنه رجفة، وذكر في (هود) أنه صيحة، وذكر في (الشعراء) أنه عذاب يوم الظلة.

فالجواب: ما قاله ابن كثير رحمه الله في تفسيره، حيث قال: «وقد اجتمع عليهم ذلك كله، أصابهم عذاب يوم الظلة، وهي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم، فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام منه»74.

وقد وصف المفسرون عذاب يوم الظلة بأوصاف مختلفة، فيقول ابن عجيبة: «وذلك بأن سلّط عليهم الحر سبعة أيام بلياليها، فأخذ بأنفاسهم، فلم ينفعهم ظل ولا ماء ولا شرب، فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية، فأظلتهم سحابة، وجدوا فيها بردًا ونسيمًا، فاجتمعوا تحتها، فأمطرت عليهم نارًا فاحترقوا جميعًا، وقيل: رفع لهم جبل، فاجتمعوا تحته، فوقع عليهم، وهو الظلة، وقيل: لما ساروا إلى السحابة صيح بهم فهلكوا.

وقوله: ( ﭿ ) أي: في الشدة والهول، وفظاعة ما وقع فيه من الطامة والداهية التامة»75.

وقال السعدي: «أظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها مستلذين؛ لظلها غير الظليل، فأحرقتهم بالعذاب، فظلوا تحتها خامدين، ولديارهم مفارقين، ولدار الشقاء والعذاب نازلين.

( ﭿ ) لا كرّة لهم إلى الدنيا، فيستأنفوا العمل، ولا يفتر عنهم العذاب ساعة، ولا هم ينظرون»76.

إلا أننا نجد أن الله تعالى لم يذكر كيفية عذاب يوم الظلة، حتى إن ابن عباس قال: من حدّثك ما عذاب يوم الظلة فقد كذب، وذكر في حديثها تطويلات77.

وفي إضافة العذاب إلى يوم الظلة دون نفسها إيذان بأن لهم يومئذٍ عذابًا آخر غير عذاب الظلة78.

سابعًا: تشبيه موج البحر بالظلل:

شبّه الله تعالى موج البحر الذي يغشي المشركين بـ (الظلل)، فأخبر تعالى من حال المشركين أنهم إذا ركبوا السفن وعلتهم الأمواج من حولهم كالسحب والجبال، أصابهم الخوف والذعر من الغرق، ففزعوا إلى الله، وأخلصوا دعاءهم له، فلما نجاهم إلى البر فمنهم متوسط، لم يقم بشكر الله على وجه الكمال، ومنهم كافر بنعمة الله جاحد لها، فقال تعالى: ( ﮟﮠ ) [لقمان: ٣٢].

ومعنى قوله: ( ) أي: إذا غشي المشركين موج، وهم على ظهر السفينة، فخافوا ( ) أي: دعوا الله وحده، ولم يذكروا آلهتهم.

والغشي والغشيان: الإحاطة من كل جانب، مأخوذ من الغشاء، بمعنى: الغطاء، فيقال: غشا الظلام المكان، إذا حل به79. وأصل الموج: الحركة والازدحام، ومنه قولهم: ماج البحر: إذا اضطرب وارتفع ماؤه80.

وشبّه الموج وهو واحد بالظلل وهي جمع؛ لأن الموج يأتي شيء منه بعد شيء، ويركب بعضه بعضًا كهيئة الظلل81.

قال الشوكاني: «شبّه الموج لكبره بما يظل الإنسان من جبل أو سحاب أو غيرهما، وإنما شبّه الموج وهو واحد بالظلل وهي جمع؛ لأن الموت يأتي شيئًا بعد شيء، ويركب بعضه بعضًا، وقيل: إن الموج في معنى الجمع؛ لأنه مصدر، وأصل الموج الحركة والازدحام، ومنه يقال: ماج البحر، وماج الناس»82.

وقوله: () أي: كالجبال، وقيل: كالسحاب، والظّلل: جمع ظلة، كغرفة وغرف، وهي ما أظل غيره من سحاب أو جبل أو غيرهما، وشبّه الموج بها في كثرتها وارتفاعها، كقول النابغة في صفة بحر83:

يماشيهن أخضر ذو ظلال

على حافاته فلق الدنان

وفي تشبيه الموج بالظل وجهان:

أحدهما: لسواده.

الثاني: لعظمه84.

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «يخبر تعالى أنه هو الذي سخّر البحر لتجري فيه الفلك بأمره، أي: بلطفه وتسخيره، فإنه لولا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت؛ ولهذا قال: ( ﮇﮈ) أي: من قدرته، ( ﮋﮌ ) أي: صبار في الضراء، شكور في الرخاء.

ثم قال: ( ) أي: كالجبال والغمام، ( ) كما قال تعالى: ( ) [الإسراء: ٦٧].

وقال: ( ) [العنكبوت: ٦٥]»85.

ثامنًا: الظل الظليل في الجنة:

وصف الله تعالى ظل الجنة بأنه ظليل، فقال تعالى: ( ) [النساء: ٥٧].

ووصفه في آية أخرى بأنه دائم، فقال: ( ﭟﭠ) [الرعد: ٣٥].

ووصفه في آية أخرى بأنه ممدود، فقال: ( ) [الواقعة: ٣٠].

وبيّن في موضع آخر أنها ظلال متعددة، فقال تعالى: ( ) [المرسلات: ٤١].

وذكر في موضع أنهم في تلك الظلال متكئون مع أزواجهم على الأرائك، فقال: ( ) [يس: ٥٦].

فإن قلت: إذا لم يكن في الجنة شمس تؤذي بحرها، فما فائدة وصفها بالظل الظليل؟ وأيضًا يرى في الدنيا أن المواضع التي يدوم الظل فيها، ولا يصل نور الشمس إليها يكون هواؤها عفنًا فاسدًا، فما معنى وصف هواء الجنة بذلك؟

والجواب نقول: إن الواجب على المؤمن التصديق بوجود ظل في الجنة -كما أثبتت الآيات السابقة-، ولو لم يكن ثمة شمس ولا حر؛ لأن عالم الآخرة -ومنه الجنة- عالم غيبي، لا يعرف حقيقة ما فيه، ولا يتشابه مع ما في الدنيا إلا بالأسماء فقط، وقد ورد أن: (في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها، واقرءوا إن شئتم: ( ) [الواقعة: ٣٠])86. في هذا الحديث رد على من يقول: إن الأشجار في الجنة لا ظل لها.

وقد سئل السبكي عن الرجل الذي هو آخر أهل الجنة دخولًا إذا تراءت له شجرة يقول: (يا رب أدنني من هذه لأستظل في ظلها...) الحديث87، فمن أي شيء يستظل والشمس قد كوّرت؟

فأجاب بقوله تعالى: ( ) [الواقعة: ٣٠].

وبقوله تعالى: ( ) [يس: ٥٦]؛ إذ لا يلزم من تكوير الشمس عدم الظل؛ لأنه مخلوق لله تعالى، وليس بعدم، بل أمر وجودي له نفع بإذن الله تعالى في الأبدان وغيرها، فليس الظل عدم الشمس كما قد يتوهم88.

أخبر الله عن ظل الجنة بأنه ظليل، فقال تعالى: ( ) [النساء: ٥٧].

أي: وندخلهم ظلًا كثيفًا ممتدًا في الجنة، فوصف في هذه الآية الكريمة ظل الجنة بأنه ظليل، والظليل صفة مشتقة من لفظ الظل؛ للتأكيد89.

دوام ظل الجنة:

قال تعالى: ( ﭟﭠ) [الرعد: ٣٥] أي: ما يؤكل فيها دائم لا يفنى، وظلها دائم لا ينسخ، و () مبتدأ محذوف الخبر، وحذف منه الخبر بدليل الخبر السابق ( )، وفيه من البلاغة الإيجاز بالحذف.

يقول الطبري: «يعني: ما يؤكل فيها، يقول: هو دائم لأهلها، لا ينقطع عنهم، ولا يزول ولا يبيد، ولكنه ثابتٌ إلى غير نهاية، وظلها أيضًا دائم؛ لأنه لا شمس فيها»90. ومشهد الظل الدائم، والثمر الدائم، مشهد تطمئن له النفس وتستريح.

الظل الممدود في الجنة:

قال تعالى: ( ) [الواقعة: ٣٠].

أي: لا نهاية له؛ لأن الجنة ليس فيها شمس، بل هي ظل، وصفها بعض السلف بأنها كالنور الذي يكون قرب طلوع الشمس، تجد الأرض مملوءة نورًا، ولكن لا تشاهد شمسًا، فهو ظل ممدود في المساحة والزمن.

قال الطبري: «وهم في ظل دائم لا تنسخه الشمس فتذهبه...، وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار، وقال به أهل العلم»91.

فيكون معنى: ( ) أي: لا نهاية له؛ لأن الجنة ليس فيها شمس، بل هي ظل، وكل ما لا انقطاع له فإنه ممدود، فالعرب تقول للدهر الطويل والعمر الطويل، وللشيء الذي لا ينقطع: ممدود92، كما قال لبيد93:

غلب البقاء وكنت غير مغلّب

دهرٌ طويلٌ دائم ممدود

وقيل الظل الممدود: المستوعب للزمان والمكان، فهو دائم الاستمداد، كما بين الإسفار وطلوع الشمس، لا فناء له، ولا نهاية94.

وظاهر الآثار يقتضي أنه ظل الأشجار؛ فقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرءوا إن شئتم ( ) [الواقعة: ٣٠])9596.

ظلال المتقين في الجنة:

أخبر سبحانه أن المتقين في الجنة في ظلال، فقال تعالى: ( ) [المرسلات: ٤١].

والمراد بالظلال: ظلال الأشجار، وظلال القصور97.

قال السعدي: «( ) من كثرة الأشجار المتنوعة، الزاهية البهية»98.

وفي قوله: ( ) هذه قراءة العامة، وقرأ الأعمش والزهري وطلحة والأعرج: () جمع ظلّة، يعني في الجنة99.

الظلل التي تظل المؤمنين وأزواجهم في الجنة:

أخبر سبحانه أن المؤمنين وأزواجهم متنعمون بالجلوس على الأسرّة المزيّنة، تحت الظلال الوارفة، فقال تعالى: ( ) [يــس: ٥٦].

قال الطبري: «واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: ( ) بمعنى: جمع ظلّة، كما تجمع الحلة حللًا، وقرأه آخرون: ( )، وإذا قريء ذلك كذلك كان له وجهان:

أحدهما: أن يكون مرادًا به: جمع الظّلل الذي هو بمعنى الكنّ، فيكون معنى الكلمة حينئذٍ: هم وأزواجهم في كنّ لا يضحون لشمس كما يضحى لها أهل الدنيا؛ لأنه لا شمس فيها.

والآخر: أن يكون مرادًا به جمع ظلّة، فيكون وجه جمعها كذلك نظير جمعهم الخلة في الكثرة: الخلال، والقلّة: قلال»100.

وعلى القراءتين فالمراد: الفرش والستور التي تظللهم كالخيام والحجال101.

وفي قوله: ( ) وجهان:

أحدهما: وأزواجهم في الدنيا من وافقهم على إيمانهم.

الثاني: أزواجهم اللاتي زوّجهم الله تعالى بهن في الجنة من الحور العين.

والمراد: أزواجهم المؤمنات، فأطلق حملًا على المقيد، في قوله: ( ) [الرعد: ٢٣].

وذكر الأزواج إبلاغ في الوعيد والإنذار؛ لئلا يحسبوا أن النساء المشركات لا تبعة عليهن102.

وقوله: ( ) يحتمل وجهين:

أحدهما: في ظلال النعيم.

الثاني: في ظلال تسترهم من نظر العيون إليهم103.

وفسّر الظلال -جمع ظلة- بالملابس ونحوها من الأشياء التي تظل كالستور104.

دنو الظلال في الجنة:

قال تعالى: ( ) [الإنسان: ١٤].

والضمير في () عائد إلى ()105 أي: قريبة إليهم أغصانها106، وقربت منهم ظلال أشجارها107.

وإذا دنت الظلال، ودنت القطوف، فهي الراحة والاسترواح على أمتع ما يمتد إليه الخيال108.

فدنو الظلال: قربها منه، وإذ لم يعهد وصف الظل بالقرب يظهر أن دنو الظلال كناية عن تدلي الأدواح التي من شأنها أن تظلل الجنات في معتاد الدنيا، ولكن الجنة لا شمس فيها فيستظل من حرها، فتعين أن تركيب: (دانية عليهم ظلالها) مثل يطلق على تدلي أفنان الجنة؛ لأن الظل المظلل للشخص لا يتفاوت بدنو ولا بعد، وقد يكون (ظلالها) مجازًا مرسلًا عن الأفنان بعلاقة اللزوم، والمعنى: أن أدواح الجنة قريبة من مجالسهم، وذلك مما يزيدها بهجة وحسنًا109.

قال صاحب روح البيان: «فتكون (دانية) من الدنو بمعنى القرب، إما بحسب الجانب، أو بحسب السمك، والضمير إلى الجنة، أو أشجارها، ومعناه: إن ظلال الأشجار في الجنة قربت من الأبرار من جوانبهم، حتى صارت الأشجار بمنزلة المظلة عليهم، وإن كان لا شمس فيها مؤذية لتظلهم منها، ففيه بيان لزيادة نعيمهم، وكمال راحتهم، فإن الظل في الدنيا للراحة»110.

تاسعًا: الظل من يحموم، والظل الذي لا يغني من اللهب:

وصف الله تعالى ظل أهل النار بقوله: ( ) [الواقعة: ٤٣].

وهو دخان جهنم الأسود، الذي لا يقي حرًا، ولا يدفع عطشًا، ولا يجد المستظل به مما يشتهيه لراحته سوى شرر النار الهائل.

وتنوعت عبارات المفسرين في هذا الظل الذي هو من يحموم، فقال ابن كثير: «( ) قال ابن عباس: ظل الدخان، وكذا قال مجاهد وعكرمة وأبو صالح وقتادة والسدي وغيرهم»111.

وقال السعدي: «( ) أي: لهب نار، يختلط بدخان»112.

قال في روح البيان: «ووصف اليحموم بأنه: دخان أسود بهيم، فإن اليحموم الدخان والأسود من كل شيء، كما في القاموس، تقول العرب: أسود يحموم، إذا كان شديد السود، قال الضحاك: النار سوداء، وأهلها سود، وكل شيء فيها أسود؛ ولذا لا يكون في الجنة الأسود إلا الخال، وأشفار العين، والحاجب»113.

وقد وصفه الله بأنه: ( ) يعني: ليس باردًا يقيهم الحر، ولا كريم حسن المنظر يتنعمون به ويستريحون فيه، فهو لا بارد كما هو الشأن في الظل، ولا كريم، أي: حسن المظهر؛ لأنه دخان كريه منظره، حار مخبره، نسأل الله العافية.

«وفي الأمور الثلاثة إشارة إلى كونهم في العذاب دائمًا؛ لأنهم إن تعرّضوا لمهب الهواء أصابهم السّموم، وإن استكنّوا كما يفعله الذي يدفع عن نفسه السموم بالاستكنان في الكنّ يكون في ظل من يحموم، وإن أراد التبرّد بالماء من حرّ السموم يكون الماء من حميم، فلا انفكاك له من العذاب».

أو يقال: إن السموم يعذّبه فيعطش، وتلتهب نار السموم في أحشائه، فيشرب الماء، فيقطع أمعاءه، فيريد الاستظلال بظل، فيكون ذلك الظل ظل اليحموم، وذكر السموم دون الحميم ودون النار تنبيهًا بالأدنى على الأعلى، كأنه قيل: أبرد الأشياء في الدنيا حار عندهم، فكيف أحرها؟!114.

وكذا قال ابن كثير في قوله: «( ): أي: ليس طيب الهبوب، ولا حسن المنظر، كما قال الحسن وقتادة: ( ) أي: ولا كريم المنظر، وقال الضحاك: كل شراب ليس بعذب فليس بكريم»115.

وقال السعدي: «( ) أي: لا برد فيه ولا كرم، والمقصود: أن هناك الهم والغم، والحزن والشر، الذي لا خير فيه؛ لأن نفي الضد إثبات لضده»116.

وتأمل كيف سماه ظِلًّا ثم نفى عنه وصفة البرد والكرم! يعني: لا بارد المنزل، ولا كريم المنظر؛ وذلك لأن فائدة الظل ترجع إلى أمرين:

أحدهما: دفع الحر.

والثاني: حسن المنظر، وكون الإنسان فيه مكرمًا.

وظل أهل النار بخلاف هذا؛ لأنهم في ظل من دخان أسود حار117، فتسميته ظلًا هنا على التشبيه التهكمي.

قال ابن عاشور: «ولتحقيق معنى التهكم وصف هذا الظل بما يفيد نفي البرد عنه، ونفي الكرم فبرد الظل ما يحصل في مكانه من دفع حرارة الشمس، وكرم الظل ما فيه من الصفات الحسنة في الظلال، مثل سلامته من هبوب السموم عليه، وسلامة الموضع الذي يظله من الحشرات والأوساخ، وسلامة أرضه من الحجارة ونحو ذلك؛ إذ الكريم من كل نوع هو الجامع لأكثر محاسن نوعه...، فوصف ظل اليحموم بوصف خاص، وهو انتفاء البرودة عنه، وأُتْبِعَ بوصف عام وهو انتفاء كرامة الظلال عنه، ففي الصفة بنفي محاسن الظلال تذكير للسامعين بما حرم منه أصحاب الشمال، عسى أن يحذروا أسباب الوقوع في الحرمان، ولإفادة هذا التذكير عدل عن وصف الظل بالحرارة والمضرة إلى وصفه بنفي البرد، ونفي الكرم»118.

وهذا الظل ناتج من دخان جهنم، يعذّبون به؛ لأنه وصف الظل بأنه ( )؛ للإشعار بأنه ظل دخان لهب جهنم، والدخان الكثيف له ظل؛ لأنه بكثافته يحجب ضوء الشمس، وإنما ذكر من الدخان ظله لمقابلته بالظل الممدود المعد لأصحاب اليمين، في قوله: ( ) أي: لا ظل لأصحاب الشمال سوى ظل اليحموم، وهذا من قبيل التهكم119.

دلالة الظل على قدرة الله وعظمته

ورد ذكر الظل والظلال في العديد من الآيات القرآنية على أنه نعمة على قوم، ونقمة على آخرين، ولعل في التدبر في ظاهرة الظل والظلال -كإحدى الظواهر اليومية التي يراها الإنسان في كل بقعة من بقاع الأرض- إدراكٌ لبعض جوانب قدرة الله وعظمته سبحانه وتعالى وإليك بيان ذلك.

أولًا: سجود الظلال بالغدو والآصال:

بيّن سبحانه وتعالى أن هذا الكون كله خاضع له، وأنه يسجد له أهل السموات والأرض طوعًا وكرهًا، وتسجد له ظلالهم بالغدو والآصال.

فقال تعالى: ( ) [الرعد: ١٥].

قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: «يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء، ودان له كل شيء؛ ولهذا يسجد له كل شيء طوعًا من المؤمنين، وكرهًا من المشركين، ( ) أي: البكر، () وهو جمع أصيل، وهو آخر النهار»120.

وقال السعدي: «( ) أي: ويسجد له ظلال المخلوقات أول النهار وآخره، وسجود كل شيء بحسب حاله، كما قال تعالى: ( ) [الإسراء: ٤٤]»121.

وقال ابن الأنباري: «لا يبعد أن يخلق تعالى للظلال عقولًا وأفهامًا تسجد بها، وتخشع كما جعل للجبال أفهامًا حتى اشتغلت بتسبيح الله، وظهر اسم التجلي فيها، كما قال تعالى: ( ) [الأعراف: ١٤٣]»122.

وقيل: سجودها ميلها بقدرة الله أول النهار إلى جهة المغرب، وآخره إلى جهة المشرق، وادعى من قال هذا أن الظل لا حقيقة له؛ لأنه خيال، فلا يمكن منه الإدراك.

قال في اللباب: «وقيل: المراد من سجود الظلال ميلانها من جانب إلى جانب، وطولها بسبب انحطاط الشمس، وقصرها بسبب ارتفاع الشمس، وهي منقادة مستسلمة في طولها، وقصرها وميلها من جانب إلى جانب، وإنما خص الغدو والآصال بالذكر؛ لأن الظلال إنما تعظم وتكثر في هذين الوقتين»123.

وذكر الرازي القولين، ثم قال: «وإنما خصص الغدو والآصال بالذكر؛ لأن الظلال إنما تعظم وتكثر في هذين الوقتين»124.

والصواب القول: إن الله جل وعلا قادر على كل شيء، فهو قادر على أن يخلق للظل إدراكًا يسجد به لله تعالى سجودًا حقيقيًّا، والقاعدة المقررة عند علماء الأصول: هي حمل نصوص الوحي على ظواهرها، إلا بدليل من كتاب أو سنة.

وحاصل القولين السابقين أمران:

أحدهما: أن السجود شرعي، وعليه فهو في أهل السموات والأرض من العام المخصوص.

والثاني: أن السجود لغوي بمعنى الانقياد والذل والخضوع، وعليه فهو باقٍ على عمومه.

والمقرر في الأصول: أن النص إن دار بين الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية حمل على الشرعية، وهو التحقيق، خلافًا لمن قال بتقديم اللغوية، ولمن قال: يصير اللفظ مجملًا لاحتمال هذا وذاك، وعقد هذه المسألة صاحب (مراقي السعود) بقوله:

واللفظ محمول على الشرعي، إن لم يكن فمطلق العرفي125.

وإليك بعض عبارات المفسرين في سجود الظل:

قال الطبري: «وهذا كقوله تعالى: ( ) [النحل: ٤٨].

قال: وذلك هو فيئه بالعشي...، وقال ابن عباس: يسجد ظل الكافر حين يفيء عن يمينه وشماله»126. وعن مجاهد: «( ) [الرعد: ١٥].

قال: ظل المؤمن يسجد طوعًا، وهو طائع لله، وظل الكافر يسجد كرهًا، وهو كاره»127.

وقال الشوكاني: «( ) وظلالهم جمع ظل، والمراد به ظل الإنسان الذي يتبعه، جعل ساجدًا بسجوده حيث صار لازمًا له لا ينفك عنه...، فظل المؤمن يسجد لله طوعًا، وظل الكافر يسجد لله كرهًا، وخص الغدو والآصال بالذكر؛ لأنه يزداد ظهور الظلال فيهما، وهما ظرف للسجود المقدر: أي ويسجد ظلالهم في هذين الوقتين...، وجاء بـ( ) تغليبًا للعقلاء على غيرهم، ولكون سجود غيرهم تبعًا لسجودهم، ومما يؤيد حمل السجود على الانقياد ما يفيده تقديم (لله) على الفعل من الاختصاص، فإن سجود الكفار لأصنامهم معلوم، ولا ينقادون لهم كانقيادهم لله في الأمور التي يقرون على أنفسهم بأنها من الله، كالخلق والحياة والموت ونحو ذلك»128.

«والضمير في قوله سبحانه: () يعود على ( ) أي: والله تعالى يخضع له من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا، ويخضع له أيضًا بالغدو والآصال ظلال من له ظل منهم؛ لأن هذه الظلال لازمة لأصحابها، والكل تحت قهره ومشيئته في الامتداد والتقلص والحركة والسكون»129.

ثانيًا: تفيؤ الظلال عن اليمين والشمائل سجدًا لله:

أخبر تعالى أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال -أي: بكرة وعشيًّا- فإنه ساجد بظله لله تعالى.

فقال تعالى: ( ) [النحل: ٤٨].

قال ابن كثير: «يخبر تعالى في الآية السابقة عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شيء، ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها: جمادها وحيواناتها، ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة، فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين، وذات الشمال، أي: بكرة وعشيًا، فإنه ساجد بظله لله تعالى...، إذا زالت الشمس سجد كلّ شيء لله عز وجل، وقوله: ( ) أي: صاغرون» 130.

وقيل أيضًا: سجود كل شيء فيه، فالجبال: سجودها فيها، وقيل: أمواج البحر صلاته، ونزلهم منزلة من يعقل إذ أسند السجود إليهم131.

ومعنى قوله: ( ) أي: تتميّل132. وتميل وتدور من جانب إلى جانب، فهي في أول النهار على حال، ثم تتقلص، ثم تعود في آخر النهار إلى حال أخرى سجدًا لله، فميلانها ودورانها: سجودها لله عز وجل، ويقال للظل بالعشي: فيء؛ لأنه فاء، أي: رجع من المغرب إلى المشرق، فالفيء الرجوع، والسجود الميل، ويقال: سجدت النخلة إذا مالت133.

ثالثًا: مد الظل، ثم جعل الشمس عليه دليلًا:

أخبر تعالى أنه بسط الظل ومدّه، وأنه جعله متحركًا تبعًا لحركة الشمس، ولو شاء لجعله ساكنًا لا يتحرك.

فقال تعالى: ( ) [الفرقان: ٤٥].

فقوله جل ذكره: ( ) أيها الرسول، أي: تنظر إلى صنيع ربك جلَّ جلاله. ويجوز أن تكون هذه الرؤية من رؤية العين، ويجوز أن تكون من العلم134.

( ) أي: ألم تشاهد ببصرك وبصيرتك كمال قدرة ربك وسعة رحمته أنه مدّ على العباد الظل، وذلك قبل طلوع الشمس135.

أي: بسطه حتى عمّ الأرض، وذلك من حين طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس، في قول الجمهور؛ لأنه ظل ممدود، لا شمس معه ولا ظلمة، فهو شبيه بظل الجنة، وقيل: مدّ ظل الأشياء الشاخصة أول النهار من شجر، أو مدر، أو إنسان، ثم قبضها وردها إلى المشرق136.

وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «من ها هنا شرع تعالى في بيان الأدلة الدالة على وجوده، وقدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة، فقال: ( )...، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»137.

وقال الحسن وغيره: «مدّ الظل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

وقيل: هو من غيوبة الشمس إلى طلوعها، والأول أصح، والدليل على ذلك أنه ليس من ساعة أطيب من تلك الساعة؛ فإن فيها يجد المريض راحة والمسافر وكل ذي علة، وفيها ترد نفوس الأموات والأرواح منهم إلى الأجساد، وتطيب نفوس الأحياء فيها، وهذه الصفة مفقودة بعد المغرب.

وقال أبو العالية: نهار الجنة هكذا، وأشار إلى ساعة المصلين صلاة الفجر»138.

وقوله: ( ) أي: ثابتًا على حاله في الطول والامتداد، لا يقصر ولا يطول.

فمعنى جعله ساكنًا، أي: جعله دائمًا لا يزول، ممدود لا تذهبه الشمس، ولا تنقصه139. فسكونه إما بسكون المظهر له والدليل عليه، وإما بسبب آخر140.

وقال ابن كثير في معنى: ( ): «أي: دائمًا لا يزول، كما قال تعالى: ( ﭡﭢ ) [القصص: ٧١ -٧٢]»141.

وقوله: ( ) أي: علامة على وجوده؛ إذ لولا الشمس لما عرف الظل، ولولا النور لما عرفت الظلمة، والأشياء تعرف بأضدادها؛ إذ بضوئها يعرف، والمعنى: ثم جعلنا الشمس علامة يستدلّ بأحوالها على أحواله، ثم تقلّص الظل يسيرًا يسيرًا، فكلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصانه، وذلك من الأدلة على قدرة الله وعظمته، وأنه وحده المستحق للعبادة دون سواه.

قال ابن كثير: «وقوله: ( ) أي: لولا أن الشمس تطلع عليه لما عرف، فإن الضد لا يعرف إلا بضده، وقال قتادة والسدي: دليلًا يتلوه ويتبعه حتى يأتي عليه كله»142.

وقال القرطبي رحمه الله: «أي: دللنا الشمس على الظل حتى ذهبت به، أي: أتبعناها إياه، فالشمس دليل، أي: حجة وبرهان، وهو الذي يكشف المشكل ويوضحه، ولم يؤنث الدليل وهو صفة الشمس؛ لأنه في معنى الاسم، كما يقال: الشمس برهان، والشمس حق»143.

وقوله تعالى: ( ) [الفرقان: ٤٦].

يعني: الظل، يريد ذلك الظل الممدود.

وقوله: () أي: إلى حيث إرادتنا144.

و( ) أي: يسيرًا قبضه علينا، وكل أمر ربنا عليه يسير145.

وقيل: () أي: سريعًا146.

وقيل: أي: أزلناه بضوء الشمس على مهل، جزءًا فجزءًا حتى ينتهي.

فحسب سنته تعالى ففي خفاء كامل، وسرعة تامة، يقبض الظل نهائيًّا، ويحل محله الظلام الحالك147.

وعن قتادة: «() خفيًا، أي: إذا غابت الشمس قبض الظل قبضًا خفيًا، كلما قبض جزء منه جعل مكانه جزء من الظلمة، وليس يزول دفعة واحدة»148.

فيكون معنى: ( ) أي: على مهل قليلًا قليلًا، حسب ارتفاع دليله، وعلى حسب مصالح المخلوقات ومرافقها149.

والقبض: جمع المنبسط من الشيء، معناه: أن الظل يعم جميع الأرض قبل طلوع الشمس، فإذا طلعت الشمس قبض الله الظل جزءًا فجزءًا، ( ) أي: خفيًّا150.

وتوالي الظل والشمس على الخلق الذي يشاهدونه عيانًا، وما يترتب على ذلك من اختلاف الليل والنهار، وتعاقبهما وتعاقب الفصول، وحصول المصالح الكثيرة بسبب ذلك من أدل دليل على قدرة الله وعظمته، وكمال رحمته وعنايته بعباده، وأنه وحده المعبود المحمود المحبوب المعظم، ذو الجلال والإكرام151.

يقول ابن القيم وهو يبين دلالة قدرة الله تعالى في هذه الآية: «ثم أخبر أنه قبضه بعد بسطه قبضًا يسيرًا، وهو شيء بعد شيء لم يقبضه جملة، فهذا من أعظم آياته الدالة على عظيم قدرته، وكمال حكمته، فندب الرب سبحانه عباده إلى رؤية صنعته وقدرته وحكمته في هذا الفرد من مخلوقاته، ولو شاء لجعله لاصقًا بأصل ما هو ظل له من جبل وبناء وشجر وغيره، فلم ينتفع به أحد، فإن كان الانتفاع به تابعًا لمدّه وبسطه، وتحوله من مكان إلى مكان، ففي مدّه وبسطه، ثم قبضه شيئًا فشيئًا من المصالح والمنافع ما لا يخفى ولا يحصى، فلو كان ساكنًا دائمًا، أو قبض دفعة واحدة لتعطلت مرافق العالم ومصالحه به وبالشمس، فمدّ الظل وقبضه شيئًا فشيئًا لازم لحركة الشمس على ما قدّرت عليه من مصالح العالم...

وفي الآية وجه آخر: وهو أنه سبحانه مدّ الظل حين بنى السماء كالقبة المضروبة، ودحا الأرض تحتها، فألقت القبة ظلها عليها، فلو شاء سبحانه لجعله ساكنًا مستقرًا في تلك الحال، ثم خلق الشمس ونصبها دليلًا على ذلك الظل، فهو يتبعها في حركتها، يزيد بها، وينقص ويمتد ويتقلص، فهو تابع لها تبعية المدلول لدليله.

وفيها وجه آخر: وهو أن يكون المراد: قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه، وهي الأجرام التي تلقي الظلال، فيكون قد ذكر إعدامه بإعدام أسبابه كما ذكر إنشاءه بإنشاء أسبابه.

وقوله تعالى: ( ) كأنه يشعر بذلك، وقوله: ( ) يشبه قوله: ( ) [ق: ٤٤].

وقوله: () بصيغة الماضي لا ينافي ذلك، كقوله: ( ) [النحل: ١].

والوجه في الآية هو الأول»152.

وللرازي في هذا كلام ماتع، ننقله كما جاء، يقول: «ثم إن الناظر إلى الجسم الملون وقت الظل كأنه لا يشاهد شيئًا سوى الجسم وسوى اللون، ونقول: الظل ليس أمرًا ثالثًا، ولا يعرف به إلا إذا طلعت الشمس، ووقع ضوؤها على الجسم زال ذلك الظل، فلولا الشمس ووقوع ضوئها على الأجرام لما عرف أن للظل وجودًا وماهية؛ لأن الأشياء إنما تعرف بأضدادها، فلولا الشمس لما عرف الظل، ولولا الظلمة لما عرف النور، فكأنه سبحانه وتعالى لما طلع الشمس على الأرض وزال الظل، فحينئذٍ ظهر للعقول أن الظل كيفية زائدة على الجسم واللون.

فلهذا قال سبحانه: ( ) أي: خلقنا الظل أولًا بما فيه من المنافع واللذات، ثم إنا هدينا العقول إلى معرفة وجوده، بأن أطلعنا الشمس فكانت الشمس دليلًا على وجود هذه النعمة ( ) أي: أزلنا الظل لا دفعة، بل يسيرًا يسيرًا، فإنّ كلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصان الظل في جانب المغرب.

ولما كانت الحركات المكانية لا توجد دفعة، بل يسيرًا يسيرًا فكذا زوال الإظلال لا يكون دفعة، بل يسيرًا يسيرًا، ولأن قبض الظل لو حصل دفعة لاختلت المصالح، ولكن قبضها يسيرًا يسيرًا يفيد معه أنواع مصالح العالم، والمراد بالقبض: الإزالة والإعدام، هذا أحد التأويلين»153.

ووقت قبض الظل: إما عند طلوع الشمس يقبض الظل، وتجمع أجزاؤه المنبسطة بتسليط الشمس عليه حتى تنسخه شيئًا فشيئًا، أو يكون عند غروب الشمس تقبض أجزاء الظل بعد غروبها، ويخلف كل جزء منه جزءًا من الظلام154.

رابعًا: ظل أهل النار:

تقدم معنا صفات ظل أهل الجنة، وهنا يذكر سبحانه وتعالى صفات ظل أهل النار، فيقول: ( ) [الواقعة: ٤٣-٤٤].

ويقول: ( ﮋﮌ ) [المرسلات: ٣٠-٣١].

وقوله تعالى: ( ﮋﮌ ﮐﮑ ﮖﮗ ) [الزمر: ١٦].

أما الآية الأولى فقد سبق الكلام عليها.

وأما الآية الثانية فمعناها: أنه يقال للكفار المكذّبين: سيروا إلى عذاب جهنم الذي كنتم به تكذبون في الدنيا، سيروا فاستظلوا بدخان جهنم الذي يتفرع منه ثلاث قطع، لا يظل ذلك الظل من حر ذلك اليوم، ولا يدفع من حر اللهب شيئًا.

يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: «يقول تعالى مخاطبًا للكفار المكذّبين بالمعاد والجزاء والجنة والنار أنهم يقال لهم يوم القيامة: ( ) [المرسلات: ٣٠].

يعني: لهب النار إذا ارتفع وصعد معه دخان، فمن شدته وقوته أن له ثلاث شعب، ( ﮋﮌ ) أي: ظل الدخان المقابل للهب، لا ظليل هو في نفسه، ولا يغني من اللهب، يعني: ولا يقيهم حر اللهب»155.

فيقال لهم: () أي: سيروا، وهذا خطاب للمكذّبين في يوم الحشر، فهو مقول قول محذوف، دل عليه صيغة الخطاب بالانطلاق، دون وجود مخاطب يؤمر به الآن، والضمير المقدر مع القول المحذوف عائد إلى المكذبين، أي: يقال للمكذبين، والأمر بانطلاقهم مستعمل في التسخير؛ لأنهم تنطلق بهم ملائكة العذاب قسرًا156.

والمراد بالظل: دخان جهنم، وسمي بذلك لشدة كثافته157، كقوله: ( ) [الواقعة: ٤٣].

أو سمي هذا الدخان العظيم الخانق بالظل على سبيل التهكم بهم؛ إذ هم في هذه الحالة يكونون في حاجة شديدة إلى ظل يأوون إلى برده.

وأفرد () هنا؛ لأنه جعل لهم ذلك الدخان في مكان واحد ليكونوا متراصين تحته؛ لأن ذلك التراص يزيدهم ألمًا158.

ووصف الظل هنا بأنه ( ) أي: من دخان جهنم، وكذلك شأن الدخان العظيم. فيقال لهم: كونوا فيه إلى أن يفرغ من الحساب، كما يكون أولياء الله تعالى في ظل عرشه.

وقيل: يخرج عنق من النار فيتشعب ثلاث شعب على رءوسهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم159.

أو شعبة منه عن اليمين، وشعبة عن اليسار، وشعبة من فوق، قال الفخر: «وأقول: هذا غير مستبعد؛ لأن الغضب عن يمينه، والشهوة عن شماله، والقوة الشيطانية في دماغه، ومنبع جميع الآفات الصادرة عن الإنسان في عقائده وفي أعماله ليس إلا هذه الثلاثة»160.

وقيل: إن هذه الآية في عبدة الصليب؛ لأنهم على ثلاث شعب، فيقال لهم: انطلقوا إليه.

( ) نفي عنه أن يظلهم، كما يظل العرش المؤمنين، ونفي أيضًا أن يمنع عنهم اللهب161.

والشّعب: اسم جمع شعبة، وهي الفريق من الشيء والطائفة منه، أي: ذي ثلاث طوائف، وأريد بها طوائف من الدخان، فإن النار إذا عظم اشتعالها تصاعد دخانها من طرفيها ووسطها لشدة انضغاطه في خروجه منها162.

وهو كقوله: ( ) [الكهف: ٢٩].

والسرادق: الدخان، دخان النار، فأحاط بهم سرادقها، ثم تفرّق فكان ثلاث شعب، شعبة ها هنا، وشعبة ها هنا، وشعبة ها هنا163.

ويحتمل في ( ) ما ذكره بعد ذلك، وهو أنه غير ظليل، وأنه لا يغنى من اللهب، وبأنه يرمي بشرر164، فتكون الثلاث الشعب هو ما فسّره الله: ( ﮋﮌ ) أي ثلاث صفات.

وقيل: إن الشّعب الثلاث من الضّريع، والزّقّوم، والغسلين165، أو شعبة من النار، وشعبة من الدخان، وشعبة من الزمهرير166.

ومعنى قوله: ( ) أي: ليس كالظلّ الذي يقي حر الشمس، وهذا تهكم بهم، وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين، وأنه لا يمنع حر الشمس167، وهو في معنى قوله تعالى: ( ).

وقوله: ( ) أي: وغير مغنٍ عن حر اللهب شيئًا؛ لعدم البرودة فيه. والإغناء: جعل الغير غنيًّا، أي: غير محتاج في ذلك الغرض، وتعديته بـ() على معنى البدلية، أو لتضمينه معنى: يبعد، ومثله قوله تعالى: ( ﮯﮰ) [يوسف: ٦٧].

وبذلك سلب عن هذا الظل خصائص الظلال؛ لأن شأن الظل أن ينفس عن الذي يأوي إليه ألم الحر168.

أما هذا فهو ظل الدخان اللافح الخانق، ظل ساخن لا روح فيه ولا برد.

فيكون سبحانه وتعالى قد وصف هذا الظل بصفات ثلاث:

الصفة الأولى: قوله: ( ).

والصفة الثانية: لذلك الظل قوله: ( )، المعنى: أن ذلك الظل لا يمنع حر الشمس.

والصفة الثالثة: قوله تعالى: ( )، يقال: أغن عني وجهك، أي: أبعده؛ لأن الغني عن الشيء يباعده، كما أن المحتاج يقاربه169.

وأشار الشنقيطي وهو يتحدث عما حواه القرآن من العلوم، إلى لطيفة من هذه الآية، حيث قال: «وأما الهندسة: ففي قوله: ( ﮋﮌ ) [المرسلات: ٣٠-٣١].

فإن فيه قاعدة هندسية، وهو أن الشكل المثلث لا ظل له»170.

وهكذا يقول السيوطي في قوله تعالى: ( ): «الآية فيها عنوان علم الهندسة؛ فإن الشكل المثلث أول الأشكال، وإذا نصب في الشمس على أي ضلع من أضلاعه لا يكون له ظل لتحديد رءوس زواياه، فأمر الله تعالى أهل جهنم بالانطلاق إلى ظل هذا الشكل؛ تهكمًا بهم»171.

وأما ظلل أهل النار التي من فوقهم ومن تحتهم، فقال تعالى: ( ﮋﮌ ﮐﮑ ﮖﮗ ) [الزمر: ١٦].

أخبر تعالى في هذه الآية بأن لأولئك الخاسرين يوم القيامة في جهنم من فوقهم قطع عذاب من النار، كهيئة الظّلل المبنية، ومن تحتهم كذلك، ذلك العذاب الموصوف يخوّف الله به عباده؛ ليحذروه، يا عباد فاتقوني، بامتثال أوامري، واجتناب معاصيّ، وهو كقوله: ( ) [الأعراف: ٤١].

وكقوله: ( ) [العنكبوت: ٥٥].

وهذا يقابل ما أعده الله للمؤمنين، حيث قال: ( ) [الزمر: ٢٠].

وهذه موعظة من الله بالغة، منطوية على غاية اللطف والرحمة، جعلنا الله من أهلها بمنّه وكرمه.

فجعل للمتقين غرف موصوفة بأنها فوقها غرف، وجعلت للمشركين ظلل من النار، وعطف عليها أن من تحتهم ظللًا؛ للإشارة إلى أن المتقين متنعمون بالتنقل في تلك الغرف، وإلى أن المشركين محبوسون في مكانهم، وأن الظلل من النار من فوقهم، ومن تحتهم لتتظاهر الظلل بتوجيه لفح النار إليهم من جميع جهاتهم172.

و() في قوله: ( ) خبر الظلل، والضمير للخاسرين، و( ) حال من ().

والظّلل: جمع ظلّة، كغرف جمع غرفة، وهي سحابة تظل كهيئة الصفة، أي: قطع عذاب كالسحاب العظيم، كهيئة الظلل المبنية من النار.

والمعنى: للخاسرين ظلل من النار كثيرة متراكبة بعضها فوق بعض، حال كون تلك الظل من فوقهم، والمراد: طباق وسرادقات من النار ودخانها، وسمى النار ظلة؛ لغلظها وكثافتها.

وفيه: إشعار بشدة حالهم في النار، وتهكم بهم؛ لأن الظلة إنما هي الاستظلال والتبرد، فإذا كانت من النار نفسها، كانت أحر، ومن تحتها أغمّ.

ويكون قوله: ( ) صفة لـ()، والمراد: أن النار محيطة بهم من جميع الجوانب173. وتسمية النار بالظّل مجاز، من حيث إنها محيطةٌ بهم من كل جانب...، كقوله تعالى: ( ) [العنكبوت: ٥٥]174.

قال النيسابوري: «أي: أطباق من النار من ظلل الآخرين، فإن لجهنم دركات، كما أن للجنة درجات، وقال المفسرون: سمَّى النار ظلة بغلظها وكثافتها؛ ولأنها تمنع من النظر إلى ما فوقهم، فصارت محيطة بهم من جميع الجوانب، حائلة من النظر إلى شيء آخر»175.

وقوله: ( ) قال في التبيان: «لهم من فوقهم ظلل من النار، ومن تحتهم ظلل، فالظلل التي فوقهم لهم، والتي تحتهم لغيرهم، ممن تحتهم؛ لأن الظلل إنما تكون من فوق»176.

وقال الخازن: «فإن قلت: الظلة ما فوق الإنسان، فكيف سمي ما تحته بالظلة؟! قلت: فيه وجوه:

الأول: أنه من باب إطلاق اسم أحد الضدين على الآخر.

الثاني: أن الذي تحته من النار يكون ظلة لآخر تحته في النار؛ لأنها دركات.

الثالث: أن الظلة التحتانية لما كانت مشابهة للظلة الفوقانية في الإيذاء والحرارة سميت باسمها؛ لأجل المماثلة والمشابهة»177.

ويكون على هذا تسميتها ظللًا من باب المشاكلة، وقيل: هي ظلل لمن تحتهم في طبقة أخرى من طبقات النار، ولا يطرد في أهل الطبقة الأخيرة من هؤلاء الخاسرين؛ إلا أن يقال: إن للشياطين ونحوهم مما لا ذكر لهم هنا، وقيل: إن ما تحتهم يلتهب ويتصاعد منه شيء حتى يكون ظلة، فسمّي ظلة باعتبار ما آل إليه أخيرًا، وليس بذاك، والمراد أن النار محيطة بهم، ذلك العذاب الفظيع178.

موضوعات ذات صلة:

الآيات الكونية، الأرض، السحاب، الشمس، القمر


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٤٦١، أساس البلاغة، الزمخشري ٢/٨٤، المصباح المنير، الفيومي ١/٢٠٠، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ١/١٣٢٧.

2 التعريفات ١/١٨٦.

3 صفوة التفاسير، الصابوني ٢/٣٣٥.

4 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٤٦٤.

5 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٤٣٤.

6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/ ٤٦١.

7 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/ ٣٢٠.

8 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص١٩٧.

9 التعريفات ص١٤٤.

10 الكليات ص٥٩٥.

11 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٣٤٠.

12 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٤.

13 التوقيف ص١٣٧.

14 انظر: البرهان في علوم القرآن، الزركشي ١/ ٢٦٩، الإتقان في علوم القرآن، السيوطي ١/ ١٩٣.

15 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ٥/٢١٦.

16 انظر: التحرير والتنوير ١/٢٣٨٠.

17 تفسير سورة البقرة، ابن عثيمين ٣/١٣٨.

18 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٠/١٧٥.

19 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٩١.

20 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٨٨.

21 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٤٤٤.

22 روح المعاني، ١٠/٢٧١.

23 جامع البيان، ١٧/٢٦٩.

24 انظر: زاد المسير ٤/٤٧٧.

25 مجموع الفتاوى، ابن تيمية ٣ / ٣٩٤.

26 انظر: المصدر السابق.

27 المصدر السابق.

28 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٨٨.

29 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٤٢.

30 زاد المسير ٦/٤٨٣.

31 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٦٥.

32 انظر: المصدر السابق ١٢/٧٢.

33 مدارك التنزيل، النسفي ٣/٢٣٢.

34 النكت والعيون ٣/٢٧٠.

35 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٢٧.

36 انظر: في ظلال القرآن ٥/٤١٩.

37 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب أوقات الصلوات الخمس، رقم ٦١٢.

38 التفسير القيم، ٢/٦٤.

39 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب أوقات الصلوات الخمس، رقم ٦١٢.

40 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الفجر ركعة، رقم ٥٧٩، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، رقم ٦٠٨.

41 انظر: المجموع ٣/٢٤.

42 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي٥/١١٦.

43 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، رقم ٤١٦٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس، رقم ٨٦٠.

44 المنتقى شرح الموطأ، الباجي ١/١٣.

45 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ١/٣٠٨.

46 أخرجه أحمد، رقم ٣٧٠٩، والترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب منه، رقم ٢٣٧٧، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، رقم ٤١٠٩.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم ٤٣٩ و ٤٤٠.

47 بصائر ذوى التمييز، الفيروزآبادي ١/١٠٧٠.

48 انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص٩٤.

49 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٢/٢٠.

50 مجموع الفتاوى، ابن تيمية ٤/١٧٣.

51 انظر: أضواء البيان، الشوكاني ٧/١٥٢.

52 انظر: الدر المصون، السمين الحلبي ١/٧٦٢.

53 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة الكهف، رقم ٤٧٢٤، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب نزول السكينة لقراءة القرآن، رقم ١٨٩٢.

54 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن، رقم ٤٧٣٠.

55 محاسن التأويل، القاسمي ٣ /٤٥.

56 التحرير والتنوير ١/٥٧٧.

57 انظر: زاد المسير ١/٢٢٦.

58 مفاتيح الغيب، الرازي ٢/١١٧.

59 تيسير الكريم الرحمن، ص٥٢.

60 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٤٠٦.

61 تفسير القرآن العظيم، ١/٢٧٢.

62 روح المعاني، الألوسي ١/٣٢٤.

63 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٩١.

64 إعراب القرآن، ابن سيده ١/١٦٤.

65 التبيان في إعراب القرآن، العكبري ١/٦٥.

66 تفسير سورة البقرة، ابن عثيمين ٣/١٣٨.

67 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٤٦.

68 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٤٣٦.

69 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٩٩.

70 مشكل إعراب القرآن، الخراط ١/١٧٣.

71 التحرير والتنوير ١/١٦٦٩.

72 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/١٤٣.

73 روح المعاني، الألوسي ٤/٢٩٦.

74 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٤٩.

75 البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٣٤٩.

76 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ١/٥٩٧.

77 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٨/٤٢٨.

78 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٢٦٣.

79 الوسيط، سيد طنطاوي ١/٣٣٧٤.

80 المصدر السابق .

81 جامع البيان، الطبري ٢٠/١٥٦.

82 فتح القدير ٤/٣٤٨.

83 الكشف والبيان، الثعلبي ١١/٥٣.

84 النكت والعيون ٣/٣٤٢.

85 تفسير القرآن العظيم، ٦/٣٥١.

86 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم ٣٠٨٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها، رقم ٢٨٢٦.

87 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجًا، رقم ٤٨١.

88 السراج المنير، الشربيني ١/٤٤٦٠.

89 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٩٦٩.

90 جامع البيان، الطبري ١٦/٤٧٢.

91 جامع البيان، ٢٣/١١٤.

92 الكشف والبيان، الثعلبي ١٣/١٠١.

93 البيت للبيد نسبه إليه أبو عبيدة في مجاز القرآن ٢/٢٥٠.

94 نظم الدرر، البقاعي ٨/٣٢٩.

95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم ٣٠٨٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها، رقم ٢٨٢٦.

96 روح المعاني، الألوسي ٢٠/٢٢٤.

97 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/١٦٧.

98 تيسير الكريم الرحمن، ص٩٠٥.

99 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٦/١٧٧.

100 جامع البيان، ٢٠/٥٣٨.

101 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٥٣٤.

102 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٣٥٥٨.

103 النكت والعيون، الماوردي ٣/٤٤٩.

104 انظر: روح المعاني، الألوسي ٢٣/٣٥.

105 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٦٥٨.

106 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٩١.

107 جامع البيان، الطبري ٢٤/١٠٣.

108 في ظلال القرآن، سيد قطب ٧/٤١٧.

109 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٦٥٨.

110 روح البيان، إسماعيل حقي ١٠/٢٠٩.

111 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٥٣٧.

112 تيسير الكريم الرحمن، ص٨٣٤.

113 روح البيان، إسماعيل حقي ٩/٢٦٧.

114 اللباب في علوم الكتاب ١٥/٩٠.

115 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٥٣٨.

116 تيسير الكريم الرحمن، ص٨٣٤.

117 لباب التأويل، الخازن ٦/٤١.

118 التحرير والتنوير ١/٤٢٧١.

119 المصدر السابق.

120 تفسير القرآن العظيم، ٤/٤٤٦.

121 تيسير الكريم الرحمن، ص٤١٥.

122 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٩/٤١١.

123 المصدر السابق.

124 مفاتيح الغيب، ٩/١٦٢.

125 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٧٣.

126 المصدر السابق.

127 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٤/٦٣٠.

128 فتح القدير ٣/١٠٥.

129 الوسيط، سيد طنطاوي ١/٢٣٧٢.

130 تفسير القرآن العظيم، ٤/٥٧٥.

131 انظر: المصدر السابق.

132 جامع البيان، الطبري ١٧/٢١٦.

133 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٥/٢٢.

134 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٣٧.

135 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٨٤.

136 البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٣٠١.

137 تفسير القرآن العظيم، ٦/١١٣.

138 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٣٧.

139 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٧٥.

140 التفسير القيم، ابن القيم ٢/٦٤.

141 تفسير القرآن العظيم، ٦/١١٣.

142 المصدر السابق.

143 الجامع لأحكام القرآن، ١٣/٣٧.

144 البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٣٠١.

145 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٣٧.

146 المصدر السابق.

147 أيسر التفاسير، الجزائري ٣/٦٢٠.

148 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٣٧.

149 البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٣٠١.

150 معالم التنزيل، البغوي ٦/٨٦.

151 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٨٤.

152 التفسير القيم، ٢/٦٤.

153 مفاتيح الغيب، ٢٤/٤٦٥.

154 زاد المسير، ابن الجوزي ٦/٩٣.

155 تفسير القرآن العظيم، ٨/٢٩٩.

156 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٦٧٦.

157 الوسيط، سيد طنطاوي ١/٤٤١٠.

158 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٦٧٧.

159 لباب التأويل، الخازن ٦/٢٠٦.

160 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٦٧٧.

161 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٣/٢٧٠.

162 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٦٧٧.

163 الدر المنثور، السيوطي ٨/٣٨٤.

164 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٦/١٧٠.

165 المصدر السابق.

166 غرائب التفسير، النيسابوري ٢/١٢٩٤.

167 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٦/١٧٠.

168 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٦٧٧.

169 مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/٢٦٥.

170 أضواء البيان ١٧/٢٠٧.

171 الإتقان في علوم القرآن ٢/٢٥٠.

172 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٣٦٨٠.

173 روح المعاني، الألوسي ٦/١٧٠.

174 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٦/١٧٠.

175 غرائب التفسير، النيسابوري ٦/٣٩٩.

176 التبيان تفسير غريب القرآن، ابن الهائم ص٣٦٢.

177 لباب التأويل، الخازن ٥/٣٠٨.

178 روح المعاني، الألوسي ٢٣/٢٥١.