الظلمات
أولًا: المعنى اللغوي:
ظلم: الظّاء واللّام والميم أصلان صحيحان، أحدهما: خلاف الضّياء والنّور، والآخر- وضع الشّيء غير موضعه تعدّيًا، فالأول: الظّلمة، والجمع ظلماتٌ، والظّلام: اسم الظّلمة، وقد أظلم المكان إظلامًا، والأصل الآخر: ظلمه يظلمه ظلمًا، والأصل الثاني: وضع الشّيء في غير موضعه.
والظّلمة: ضدّ النّور، وضمّ اللّام لغةٌ، وجمع الظّلمة: ظُلَمٌ وظُلْماتٌ وظُلَماتٌ وظُلُماتٌ، بضمّ اللّام وفتحها وسكونها، وقد (أظلم) اللّيل، والظّلماء: الظّلمة، وربّما وصف بها، يقال: ليلةٌ ظلماء، أي: مظلمةٌ، وأظلم القوم دخلوا في الظّلام1.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الجرجاني: «الظلمة: عدم الضوء فيما من شأنه أن يكون مضيئًا»2، والظلمة هي: «ما يظلم عليك من الأفق، أو المكان، أو الأمر»3.
وبالتأمل يلحظ أنه يوجد تلازم وصلة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي.
وردت مادة (ظلم) في القرآن على صيغ متعددة، بلغت(٣١٥) مرة، يخص موضوع البحث منها(٢٦) مرة4.
والصيغ التي وردت عليها هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١ |
(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [البقرة:٢٠] |
اسم الفاعل |
٢ |
(ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [يونس:٢٧] |
الجمع |
٢٣ |
(ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [البقرة:١٧] |
وجاءت الظّلمات في الاستعمال القرآني على أربعة أوجه5:
الأول: أهوال البر والبحر، ومنه قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأنعام:٦٣].يعني: أهوال البرّ والبحر.
الثاني: الظّلمات المعروفة، وهي ضد النور، ومنه قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الزمر:٦]. يعني: ظلمة البطن والرّحم والمشيمة.
الثالث: الشرك، ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [البقرة:٢٥٧]. يعني: من الشرك إلى الإيمان.
الرابع: الليل، ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الأنعام:١]. يعني: جعل الليل والنهار.
النور:
النور لغةً:
قال ابن فارس: «النون والواو والراء أصلٌ صحيح يدلّ على إضاءةٍ واضطراب وقلّة ثبات، منه النور والنار، سمّيا بذلك من طريقة الإضاءة، ولأنّ ذلك يكون مضطربًا سريع الحركة»6.
النور اصطلاحًا:
قال الراغب: «النّور: الضّوء المنتشر الذي يعين على الإبصار»7.
الصلة بين النور والظلمات:
هما ضدان فلا يجتمعان، فالنور ضوء يعين على رؤية الأشياء، والظلمة ليس فيها كذلك، كما أن النور واحد لا يتعدد، والظلمات كثيرة ومتعددة.
الضياء:
الضياء لغةً:
هو جمع ضوء كسوط وسياط، أو مصدر ضاء ضياءً كقام قيامًا، والضَّوء والضُّوء بالضّمّ، وضاءت النّار تضوء ضَوءًا وضُوءًا، وأضاءت غيرها، فالفعل يكون لازمًا ومتعديًا8.
الضياء اصطلاحًا:
هو: «اسم لهذه الكيفيّة إذا كانت كاملة تامّة قويّة»9، وقال الراغب: «الضّوء: ما انتشر من الأجسام النّيّرة»10.
الصلة بين الضياء والظلمات:
هما ضدان فلا يجتمعان، فالضياء شدة الإنارة، والظلمات شدة العتمة.
الليل:
الليل لغةً:
هو ضدّ النّهار وخلافه11، وهو الظلام الذي يحلّ فيه12، وتبتدئ فترته الزّمنيّة من غروب الشمس إلى طلوعها.
الليل اصطلاحًا:
هو «من مغرب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق»13.
الصلة بين الليل والظلمات:
هناك علاقة اقتران بين الظلمة والليل، فالظلام مقترن بالليل، كالضياء مقترن بالنهار.
تنقسم الظلمات إلى ظلمات حسية وظلمات معنوية، نتناول بيانها فيما يأتي:
أولًا: الظلمة الحسية:
١. ظلمات البر والبحر.
قال عز وجل الهادي للسّير في الظّلمات بما خلق في الإنسان من المدارك، وبما خلق في السماء والأرض من دلائل: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [النمل: ٦٣].
أي: بما خلق من الدّلائل السّماويّة والأرضيّة، كما قال تعالى: (ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل: ١٦].
وقال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأنعام: ٩٧]14.
«والناس -ومنهم المخاطبون أول مرة بهذا القرآن- يسلكون فجاج البر والبحر في أسفارهم، ويسبرون أسرار البر والبحر في تجاربهم، ويهتدون، فمن يهديهم؟ من أودع كيانهم تلك القوى المدركة؟ من أقدرهم على الاهتداء بالنجوم وبالآلات وبالمعالم؟ من وصل فطرتهم بفطرة هذا الكون، وطاقاتهم بأسراره؟ من جعل لآذانهم تلك القدرة على التقاط الأصوات، ولعيونهم تلك القدرة على التقاط الأضواء؟ ولحواسهم تلك القدرة على التقاط المحسوسات؟ ثم جعل لهم تلك الطاقة المدركة المسماة بالعقل أو القلب للانتفاع بكل المدركات، وتجميع تجارب الحواس والإلهامات؟ من؟ أإله مع الله؟»15.
وقال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الأنعام: ٥٩].
ظلمات الأرض بطونها، وقيل: الصّخرة الّتي هي أسفل الأرضين السّابعة16. «أي: في الأمكنة المظلمة»، وقيل: «في بطن الأرض»17.
«وقيل: ما في الأرض من شجرة ولا مغرز إبرة إلا وعليها ملكٌ موكّلٌ، يأتي اللّه بعلمها، رطوبتها إذا رطبت، ويبوستها إذا يبست»18.
وقيل: «وما تسقط من حبّةٍ بفعل فاعلٍ مختارٍ في ظلمات الأرض كالحبّ الّذي يلقيه الزّرّاع في بطون الأرض يسترونه بالتّراب فيحتجب عن نور النّهار، والّذي تذهب به النّمل وغيرها من الحشرات في قراها وجحورها»19.
وقيل: «وفي ظلمات الأرض صفةٌ لـ(حبّةٍ) أي: ولا حبّةٍ من بذور النّبت مظروفةٍ في طبقات الأرض إلى أبعد عمقٍ يمكن»20.
وقد عبر بـ(في الظّلمات) الدّالّة على انغماس صاحبه، وانقماعه وتدسّسه فيه.
وقال تعالى للمشركين: أعبادة ما تشركون بالله خير أم الذي يرشدكم في ظلمات البر والبحر إذا ضللتم فأظلمت عليكم السبل؟! قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [النمل: ٦٣].
وقال تعالى آمرًا رسوله: قل أيها الرسول للمشركين: من تدعون إذا أخطأتم الطّريق وخفتم الهلاك؟ (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنعام: ٦٣].
روى الطبري بسنده عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: «يقول: إذا أضلّ الرّجل الطّريق دعا اللّه (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [يونس: ٢٢]»21.
وظلمات البرّ والبحر يراد به: شدائدهما، فهو لفظ عام يستغرق ما كان من الشدائد بظلمة حقيقية، وما كان بغير ظلمة، والعرب تقول: عام أسود، ويوم مظلم، ويوم ذو كواكب ونحو هذا، يريدون به الشدة، قال قتادة رحمه الله: «المعنى من كرب البر والبحر»22.
وقال ابن عاشور رحمه الله: «(ﮎ ﮏ) ظلمة اللّيل الّتي يلتبس فيها الطّريق للسّائر، والّتي يخشى فيها العدوّ للسّائر وللقاطن، أي: ما يحصل في ظلمات البرّ من الآفات.
و(ظلمات البحر) يخشى فيها الغرق والضّلال والعدوّ، وقيل: أطلقت الظّلمات مجازًا على المخاوف الحاصلة في البرّ والبحر، كما يقال: يومٌ مظلمٌ إذا حصلت فيه شدائد»23.
فحيثما «وقع الناس في ظلمة من ظلمات البر والبحر لم يجدوا في أنفسهم إلا الله يدعونه متضرعين أو يناجونه صامتين، إن الفطرة تتعرى حينئذٍ من الركام، فتواجه الحقيقة الكامنة في أعماقها، حقيقة الألوهية الواحدة، وتتجه إلى الله الحق بلا شريك؛ لأنها تدرك حينئذٍ سخافة فكرة الشرك، وتدرك انعدام الشريك»24.
٢. ظلمات البطون.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ) [الزمر: ٦].
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ﭨ ﭩ ﭪ) «يعني بالظلمات الثلاث: بطن أمه، والرحم، والمشيمة»25.
قال سيد قطب رحمه الله عن الظلمات الثلاث: «ظلمة الكيس الذي يغلّف الجنين، وظلمة الرحم الذي يستقر فيه هذا الكيس، وظلمة البطن الذي تستقر فيه الرحم، والله يخلق هذه الخلية الصغيرة خلقًا من بعد خلق، وعين الله ترعى هذه الخليقة وتودعها القدرة على النمو، والقدرة على التطور، والقدرة على الارتقاء، والقدرة على السير في تمثيل خطوات النفس البشرية كما قدّر لها بارئها.
وتتبّع هذه الرحلة القصيرة الزمن، البعيدة الآماد، وتأمّل هذه التغيرات والأطوار، وتدبّر تلك الخصائص العجيبة التي تقود خطى هذه الخلية الضعيفة في رحلتها العجيبة، في تلك الظلمات، وراء علم الإنسان وقدرته وبصره.
هذا كله من شأنه أن يقود القلب البشري إلى رؤية يد الخالق المبدع، رؤيتها بآثارها الحية الواضحة الشاخصة، والإيمان بالوحدانية الظاهرة الأثر في طريقة الخلق والنشأة، فكيف يصرف قلب عن رؤية هذه الحقيقة؟»26.
ظلمات البطون في العلم الحديث:
يقول العلماء: «يحاط الجنين في داخل الرحم بمجموعة من الأغشية هي من الداخل إلى الخارج كما يلي: غشاء السلي أو الرهل (amnion)، والغشاء المشيمي (chorion)، والغشاء الساقط (decidua)، وهذه الأغشية الثلاثة تحيط بالجنين إحاطة كاملة، فتجعله في ظلمة شاملة هي الظلمة الأولى، ويحيط بأغشية الجنين جدار الرحم، وهو جدار سميك يتكون من ثلاث طبقات تحدث الظلمة الكاملة الثانية حول الجنين وأغشيته.
والرحم المحتوي على الجنين وأغشيته في ظلمتين متتاليتين، يقع في وسط الحوض، ويحاط إحاطة كاملة بالبدن المكون من كل من البطن والظهر، وكلاهما يحدث الظلمة الثالثة»27.
ظلمات بطن الحوت: قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأنبياء: ٨٧].
عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما: «معترفًا بذنبه، تائبًا من خطيئته»28، وعن قتادة رحمه الله قال: «ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل»29.
روى الترمذي بسنده عن سعدٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) فإنّه لم يدع بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطّ إلّا استجاب اللّه له)30.
٣. ظلمات السحاب.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [النور: ٤٠].
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «يعني بالظلمات: الأعمال، وبالبحر اللجّي: قلب الإنسان، قال: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)، قال: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)، يعني بذلك الغشاوة التي على القلب والسمع والبصر»31.
ونور الله هدى في القلب، وتفتح في البصيرة، واتصال في الفطرة بنواميس الله في السماوات والأرض، والتقاء بها على الله نور السماوات والأرض.
فمن لم يتصل بهذا النور فهو في ظلمة لا انكشاف لها، وفي مخالفة لا أمن فيها، وفي ضلال لا رجعة منه، ونهاية العمل سراب ضائع يقود إلى الهلاك والعذاب؛ لأنه لا عمل بغير عقيدة، ولا صلاح بغير إيمان، إن هدى الله هو الهدى، وإن نور الله هو النور32.
قال ابن القيم رحمه الله: «ذكر سبحانه للكافرين مثلين: مثلًا بالسّراب، ومثلًا بالظّلمات المتراكمة؛ وذلك لأنّ المعرضين عن الهدى والحقّ نوعان...، النّوع الثّاني: أصحابٌ مثل الظّلمات المتراكمة، وهم الّذين عرفوا الحقّ والهدى، وآثروا عليه ظلمات الباطل والضّلال، فتراكمت عليهم ظلمة الطّبع، وظلمة النّفوس، وظلمة الجهل، حيث لم يعملوا بعلمهم، فصاروا جاهلين، وظلمة اتّباع الغيّ والهوى، فحالهم كحال من كان في بحرٍ لجّيٍّ لا ساحل له، وقد غشيه موجٌ، ومن فوق ذلك الموج موجٌ، ومن فوقه سحابٌ مظلمٌ، فهو في ظلمة البحر، وظلمة الموج، وظلمة السّحاب، وهذا نظير ما هو فيه من الظّلمات الّتي لم يخرجه اللّه منها إلى نور الإيمان.
وهم أيضًا أصحاب العلم الّذي لا ينفع والاعتقادات الباطلة؛ ولهذا مثّل لحالم في تلاطم أمواج الشّكوك والشّبهات والعلوم الفاسدة في قلوبهم بتلاطم أمواج البحر فيه، وأنّها أمواجٌ متراكمةٌ من فوقها سحابٌ مظلمٌ، وهكذا أمواج الشّكوك والشّبه في قلوبهم المظلمة الّتي قد تراكمت عليها سحب الغيّ والهوى والباطل.
وأخبر سبحانه أنّ الموجب لذلك أنّه لم يجعل لهم نورًا، بل تركهم على الظّلمة الّتي خلقوا فيها فلم يخرجهم منها إلى النّور؛ فإنّه سبحانه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور»33.
وفي هذا المعنى روى عبد اللّه بن عمر أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ اللّه خلق خلقه في ظلمةٍ، وألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النّور اهتدى، ومن أخطأه ضلّ؛ فلذلك أقول: جفّ القلم على علم اللّه)34.
٤. ظلمة الليل.
أقسم سبحانه وتعالى بالليل عندما يغطي الأرض فيكون ما عليها مظلمًا، فقال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ) [الشمس: ٤].
وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ) [الليل: ١].
وأقسم بالليل إذا سكن بالخلق، واشتد ظلامه، قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ) [الضحى: ٢].
ولقّن سبحانه وتعالى بـ(قل) التلقينية الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول للناس: أخبروني -أيها الناس- إن جعل الله عليكم الليل دائمًا إلى يوم القيامة، من إله غير الله يأتيكم بضياء تستضيئون به؟ أفلا تسمعون سماع فهم وقبول؟
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ) [القصص: ٧١].
ثانيًا: الظلمات المعنوية:
العبد إذا سدّ أمام أذنه وعينه وقلبه أنوار الهدى، عاش في ظلمات الكفر والنفاق والجهل.
١. ظلمة الكفر والنفاق.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [البقرة: ١٧].
هذه الآيات نزلت في المنافقين، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «مثلهم في نفاقهم كمثل رجل أوقد نارًا في ليلة مظلمة في مفازة، فاستدفأ ورأى ما حوله، فاتّقى مما يخاف، فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره، فبقي في ظلمة خائفًا متحيّرًا؛ فكذلك المنافقون بإظهار كلمة الإيمان أمنوا على أموالهم، وأولادهم، وناكحوا المؤمنين، ووارثوهم، وقاسموهم الغنائم، فذلك نورهم، فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف»35.
شبّه سبحانه وتعالى في الآية «أعداءه المنافقين بقوم أوقدوا نارًا؛ لتضيء لهم، وينتفعوا بها، فلما أضاءت لهم النار فأبصروا في ضوئها ما ينفعهم وما يضرهم، وأبصروا الطريق بعد أن كانوا حيارى تائهين، فهم كقوم سفر ضلوا عن الطريق، فأوقدوا النار تضيء لهم الطريق، فلما أضاءت لهم فأبصروا، وعرفوا طفئت عنهم تلك الأنوار، وبقوا في الظلمات لا يبصرون، قد سدّت عليهم أبواب الهدى الثلاث، فإن الهدى يدخل إلى العبد من ثلاثة أبواب، مما يسمعه بأذنه، ويراه بعينه، ويعقله بقلبه، وهؤلاء قد سدت عليهم أبواب الهدى، فلا تسمع قلوبهم شيئًا، ولا تبصره، ولا تعقل ما ينفعها، وقيل: لما لم ينتفعوا بأسماعهم وأبصارهم وقلوبهم، نزّلوا منزلة من لا سمع له، ولا بصر، ولا عقل، والقولان متلازمان»36.
وفي قوله تعالى: (ﭠ ﭡ) حذف مفعول (ﭡ) إيذانًا بالعموم، أي: لا يبصرون مسلكًا من مسالك الهداية، ولا يرون طريقًا من طرقها؛ لأنّه صرف عنايته عنهم بتركهم سنّته، وإهمالهم هدايته، ووكلهم إلى أنفسهم.
وقال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة: ١٩].
فشبّه نصيبهم مما بعث الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم من النور والحياة بنصيب أصحاب الصيّب، وهو المطر الذي يصوب، أي: ينزل من علو إلى سفل، فشبّه الهدى الذي هدى به عباده بـ (الصيب)؛ لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر، وشبّه نصيب المنافقين من هذا الهدى بنصيب من لم يحصل له نصيب من الصيب إلا ظلمات ورعد وبرق، ولا نصيب له فيما وراء ذلك، مما هو المقصود بالصيب من حياة البلاد والعباد، والشجر والدواب، فإن تلك الظلمات التي فيه، وذلك الرعد والبرق مقصود لغيره، وهو وسيلة إلى كمال الانتفاع بذلك الصيب.
فالجاهل لفرط جهله يقتصر على الإحساس بما في الصيب من ظلمة ورعد وبرق، ولوازم ذلك: من برد شديد، وتعطيل مسافر عن سفره، وصانع عن صنعته، ولا بصيرة له تنفذ إلى ما يئول إليه أمر ذلك الصيب من الحياة والنفع العام، وهكذا شأن كل قاصر النظر ضعيف العقل، لا يجاوز نظره الأمر المكروه الظاهر إلى ما وراءه من كل محبوب، وهذه حال أكثر الخلق إلا من صفت بصيرته، فإذا رأى ضعيف البصيرة ما في الجهاد من التعب والمشاق، والتعرض لإتلاف المهجة والجراحات الشديدة، وملامة اللوام، ومعاداة من يخاف معاداته لم يقدم عليه؛ لأنه لم يشهد ما يئول إليه من العواقب الحميدة، والغايات التي إليها تسابق المتسابقون، وفيها تنافس المتنافسون.
وحال هؤلاء حال الضعيف البصيرة والإيمان الذي يرى ما في القرآن من الوعد والوعيد، والزواجر والنواهي، والأوامر الشاقة على النفوس التي تفطمها عن رضاعها من ثدي المألوفات والشهوات، والفطام على الصبي أصعب شيء وأشقه، والناس كلهم صبيان العقول إلا من بلغ مبلغ الرجال العقلاء الألبّاء، وأدرك الحق علمًا وعملًا ومعرفة، فهو الذي ينظر إلى ما وراء الصيب، وما فيه من الرعد والبرق والصواعق، ويعلم أنه حياة الوجود»37.
وتأمل قول سيد قطب في تصوير مشهد هؤلاء رحمه الله: «إنه مشهد عجيب، حافل بالحركة، مشوب بالاضطراب، فيه تيه وضلال، وفيه هول ورعب، وفيه فزع وحيرة، وفيه أضواء وأصداء.
صيِّبٌ من السماء هاطل غزير (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ١٩].
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ٢٠].
وقال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [البقرة: ٢٠].
أي: وقفوا حائرين لا يدرون أين يذهبون! وهم مفزعون: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [البقرة: ١٩].
إن الحركة التي تغمر المشهد كله من الصيب الهاطل، إلى الظلمات والرعد والبرق، إلى الحائرين المفزعين فيه، إلى الخطوات المروعة الوجلة التي تقف عند ما يخيم الظلام، إن هذه الحركة في المشهد لترسم -عن طريق التأثر الإيحائي- حركة التيه والاضطراب والقلق والأرجحة التي يعيش فيها أولئك المنافقون، بين لقائهم للمؤمنين، وعودتهم للشياطين، بين ما يقولونه لحظة، ثم ينكصون عنه فجأة، بين ما يطلبونه من هدى ونور، وما يفيئون إليه من ضلال وظلام، فهو مشهد حسي يرمز لحالة نفسية، ويجسم صورة شعورية.
وهو طرف من طريقة القرآن العجيبة في تجسيم أحوال النفوس كأنها مشهد محسوس، وعندما يتم استعراض الصور الثلاث يرتد السياق في السورة نداء للناس كافة، وأمرًا للبشرية جمعاء أن تختار الصورة الكريمة المستقيمة، الصورة النقية الخالصة، الصورة العاملة النافعة، الصورة المهتدية المفلحة»38.
وفي الآية: أن لضرب الأمثال شأنًا في إبراز خبيئات المعاني، ورفع الأستار عن الحقائق، حتّى تريك المتخيّل في صورة المحقّق، والمتوهّم في معرض المتيقّن، والغائب كالمشاهد، فليكثر منه العلماء والمربون.
٢. ظلمة الجهل.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الأنعام: ٣٩].
أي: مثلهم في جهلهم، وقلّة علمهم، وعدم فهمهم، كمثل أصمّ، وهو الّذي لا يسمع، أبكم وهو الّذي لا يتكلّم، وهو مع هذا في ظلمات لا يبصر، فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق؟ أو يخرج مما هو فيه؟39.
«إن الذين كذّبوا بآيات الله هذه المبثوثة في صفحات الوجود، وآياته الأخرى المسجلة في صفحات هذا القرآن إنما كذبوا؛ لأن أجهزة الاستقبال فيهم معطّلة، إنهم صُمٌّ لا يسمعون، بُكْمٌ لا يتكلمون، غارقون في الظلمات لا يبصرون! إنهم كذلك لا من ناحية التكوين الجثماني المادي، فإن لهم عيونًا وآذانًا وأفواهًا، ولكن إدراكهم معطل، فكأنما هذه الحواس لا تستقبل ولا تنقل! وإنه لكذلك فهذه الآيات تحمل في ذاتها فاعليتها وإيقاعها وتأثيرها، لو أنها استقبلت وتلقاها الإدراك! وما يعرض عنها معرض إلا وقد فسدت فطرته، فلم يعد صالحًا لحياة الهدى، ولم يعد أهلًا لذلك المستوى الراقي من الحياة»40.
وسائل النجاة من الظلمات الحسية
بيّن القرآن وسائل النجاة من الظلمات الحسية، وسوف نتناولها بالشرح فيما يأتي:
أولًا: ضوء النهار:
أقسم سبحانه وتعالى بالشمس ونهارها، وإشراقها ضحى، وهي أروق ما تكون في هذه الفترة وأحلى، في الشتاء يكون وقت الدفء المستحب الناعش، وفي الصيف يكون وقت الإشراق الرائق قبل وقدة الظهيرة وقيظها، فالشمس في الضحى في أروق أوقاتها وأصفاها، قال تعالى: (ﭑ ﭒ) [الشمس: ١].
وابتدئ بالشّمس لمناسبة المقام إيماءً للتّنويه بالإسلام؛ لأنّ هديه كنور الشّمس لا يترك للضّلال مسلكًا، وفيه إشارةٌ إلى الوعد بانتشاره في العالم كانتشار نور الشّمس في الأفق41.
وقد أخبر سبحانه أنه جعل الشمس مصباحًا مضيئًا يستضيء به أهل الأرض، قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [نوح: ١٦].
وأخبر سبحانه على نفوذ مشيئته، وكمال قدرته في إزالة الضياء الذي طبّق الأرض فيبدله ظلامًا، وكذلك يزيل الظلمة التي عمتهم وشملتهم فتطلع الشمس فتضيء الأقطار، وينتشر الخلق لمعاشهم ومصالحهم، فقال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ)[يس: ٣٧-٤٠].
وفي الآيات تنبيه على عظم خلق الشمس، وكثرة منافعها الدالة على رحمته وسعة إحسانه، فالعظيم الرحيم يستحق أن يعظّم ويحب ويعبد ويخاف ويرجى.
وأخبر سبحانه أنه هو الذي جعل الشمس مضيئة نهارًا، والقمر منيرًا ليلًا.
قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [يونس: ٥].
قال العلماء: «عند مرور ضوء الشمس في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض يتعرض للعديد من عمليات الامتصاص والتشتت والانعكاس على كل من هباءات الغبار، وقطيرات الماء وبخاره، وجزيئات الهواء الموجودة بتركيز عالٍ نسبيًا في هذا الجزء من الغلاف الغازي للأرض، فيظهر بهذا اللون الأبيض المبهج الذي يميز فترة النهار، كذلك يتعرض ضوء الشمس للعديد من عمليات التشتت والانعكاس عندما يسقط على سطح القمر المكسو بالعديد من الطبقات الزجاجية الرقيقة والناتجة عن ارتطام النيازك بهذا السطح، والانصهار الجزئي للصخور على سطح القمر، بفعل ذلك الارتطام، فالقمر-غيره من أجرام مجموعتنا الشمسية- هي أجسام معتمة باردة لا ضوء لها، ولكنها يمكن أن ترى لقدرتها على عكس أشعة الشمس فيبدو منيرًا42.
ثانيًا: النجوم:
أخبر سبحانه أنه جعل للناس النجوم علامات، يعرفون بها الطرق ليلًا إذا ضلوا بسبب الظلمة الشديدة في البر والبحر، فقال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الأنعام: ٩٧].
قال بعض السّلف رحمه الله: «من اعتقد في هذه النّجوم غير ثلاثٍ فقد أخطأ وكذب على الله سبحانه: أنّ اللّه جعلها زينةً للسّماء، ورجومًا للشّياطين، ويهتدى بها في الظلمات البرّ والبحر»43.
روى البغوي في سننه عن عمر رضي الله عنه أنّه قال: «تعلّموا من النّجوم ما تعرفون به القبلة والطّريق، ثمّ أمسكوا»44.
قال ابن رجب رحمه الله: «والمأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير، فإنه باطل محرّم، قليله وكثيره»45.
وروى أحمد بن حنبل بسنده عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (ما اقتبس رجلٌ علمًا من النّجوم، إلا اقتبس بها شعبةً من السّحر، ما زاد زاد)46.
«فالاهتداء بالنجوم في ظلمات البر والبحر يحتاج إلى علم بمسالكها ودوراتها ومواقعها ومداراتها، كما يحتاج إلى قوم يعلمون دلالة هذا كله على الصانع العزيز الحكيم، فالاهتداء هو الاهتداء في الظلمات الحسية الواقعية، وفي ظلمات العقل والضمير، والذين يستخدمون النجوم للاهتداء الحسي، ثم لا يصلون ما بين دلالتها ومبدعها، هم قوم لم يهتدوا بها تلك الهداية الكبرى، وهم الذين يقطعون بين الكون وخالقه، وبين آيات هذا الكون ودلالتها على المبدع العظيم»47.
ودلت الآية على مشروعية تعلم سير الكواكب ومحالّها الذي يسمى علم التسيير، فإنه لا تتم الهداية ولا تمكن إلا بذلك.
وأخبر سبحانه أنه خلق للإنسان النجوم؛ ليهتدي بها بالليل في البراري أو في البحار، قال تبارك وتعالى : (ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل: ١٦].
قال العلماء: «يقع النجم القطبي على امتداد محور دوران الأرض حول نفسها تمامًا، وبذلك يحدد لنا اتجاه الشمال الحقيقي، ويتعامد على هذا الاتجاه يمينًا شرق الأرض ويسارًا غربها، أي: اتجاه الشرق الحقيقي والغرب الحقيقي بالنسبة للأرض ككوكب، ويتضح من ذلك جانب من جوانب الحكمة الإلهية المبدعة بخلق هذه العلاقة حتى يبقى النجم القطبي بمثابة البوصلة الكونية المعلقة في السماء الدنيا؛ لإرشاد أهل الأرض إلى الاتجاهات الأربعة الأصلية»48.
ثالثًا: الدعاء والالتجاء إلى الله:
بيّن سبحانه وتعالى للناس في كتابه أنهم إذا ادلهمت بهم الخطوب في البر والبحر لجأوا إليه مخلصين في الدعاء، قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [يونس: ٢٢].
عن قتادة رحمه الله قال: «إذا مسّهم الضّرّ في البحر أخلصوا له الدّعاء»49. ومعنى: (ﮋﮌ ﮍ) ممحضين له العبادة في دعائهم50.
وكان صلى الله عليه وسلم يعلّم الصحابة اللجأ إلى ربهم؛ ليخرجهم من الظلمات بأنواعها، روى أبو داود في سننه بسنده عن عبد الله رضي الله عنه قال: «وكان يعلّمنا كلماتٍ ولم يكن يعلّمناهنّ كما يعلّمنا التّشهّد: (اللّهمّ ألّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السّلام، ونجّنا من الظّلمات إلى النّور)»51.
وأخبر سبحانه أنه يرحم عباده المؤمنين، ويثني عليهم، وتدعو لهم ملائكته؛ ليخرجهم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الإيمان والهداية.
قال تعالى: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الأحزاب: ٤٣].
قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما: «لمّا نزل: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأحزاب: ٥٦].
قال المهاجرون والأنصار: هذا لك يا رسول الله خاصة، وليس لنا فيه شيء، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».
وهذه نعمةٌ من اللّه تعالى على هذه الأمّة من أكبر النّعم، ودليلٌ على فضلها على سائر الأمم، والصّلاة من اللّه على العبد: هي رحمته له وبركته لديه، وصلاة الملائكة: دعاؤهم للمؤمنين، واستغفارهم لهم، كما قال: (ﯛ ﯜ ﯝ) [غافر: ٧]52.
ونور الله واحد متصل شامل وما عداه ظلمات تتعدد وتختلف، وما يخرج الناس من نور الله إلا ليعيشوا في ظلمة من الظلمات، أو في الظلمات مجتمعة، وما ينقذهم من الظلام إلا نور الله الذي يشرق في قلوبهم، ويغمر أرواحهم، ويهديهم إلى فطرتهم، وهي فطرة هذا الوجود، ورحمة الله بهم، وصلاة الملائكة ودعاؤها لهم، هي التي تخرجهم من الظلمات إلى النور حين تتفتح قلوبهم للإيمان53.
وسائل النجاة من الظلمات المعنوية
بيّن القرآن الكريم وسائل النجاة من الظلمات المعنوية، وسوف نتحدث عنها فيما يأتي:
أولًا: الإيمان بالله عز وجل وطاعته:
قال تعالى: (ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الأنعام: ١٢٢].
هذا مثلٌ ضربه اللّه تعالى للمؤمن الّذي كان ميتًا، أي: في الضّلالة هالكًا حائرًا، فأحياه اللّه، أي: أحيا قلبه بالإيمان، وهداه له، ووفّقه لاتّباع رسله، (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) أي: يهتدي كيف يسلك! وكيف يتصرّف به!
والنّور: هو القرآن، كما رواه العوفيّ، وابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه، وقال السّدّيّ: «الإسلام»، والكلّ صحيحٌ. (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) أي: الجهالات والأهواء والضّلالات المتفرّقة. (ﮦ ﮧ ﮨ) أي: لا يهتدي إلى منفذٍ، ولا مخلصٍ ممّا هو فيه54.
وقوله: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) يتضمن أمورًا:
أحدها: أنه يمشي في الناس بالنور، وهم في الظلمة، فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم الليل، فضلوا ولم يهتدوا للطريق، وآخر معه نور يمشي به في الطريق ويراها، ويرى ما يحذره فيها.
وثانيها: أنه يمشي بنوره، فهم يقتبسون فيه لحاجتهم إلى النور.
وثالثها: أنه يمشي بنوره يوم القيامة على الصراط إذا بقي أهل الشرك والنفاق في ظلمات شركهم ونفاقهم55.
«فالأول: هو المؤمن، استنار بالإيمان بالله ومحبته ومعرفته وذكره، والآخر: هو الغافل عن الله تعالى المعرض عن ذكره ومحبته، والشأن كل الشأن والفلاح كل الفلاح في النور، والشقاء كل الشقاء في فواته.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبالغ في سؤال ربه تبارك وتعالى حين يسأله أن يجعل النور في لحمه وعظامه وعصبه وشعره وبشره وسمعه وبصره، ومن فوقه ومن تحته، وعن يمينه وعن شماله، وخلفه وأمامه، حتى يقول: (واجعلني نورًا)56، فسأل ربه تبارك وتعالى أن يجعل النور في ذراته الظاهرة والباطنة، وأن يجعله محيطًا به من جميع جهاته، وأن يجعل ذاته وجملته نورًا»57.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده فيما روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما: (اللهمّ اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، واجعل لي نورًا) أو قال: (واجعلني نورًا)58.
وقد ضرب سبحانه وتعالى النور في قلب عبده مثلًا لا يعقله إلا العالمون، فقال سبحانه وتعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [النور: ٣٥].
عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: «مثل هداه في قلب المؤمن كما يكاد الزّيت الصّافي يضيء قبل أن تمسّه النّار، فإذا مسّته النّار ازداد ضوءًا على ضوءٍ، كذلك يكون قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدًى على هدًى»59.
«وهذا هو النور الذي أودعه في قلبه من معرفته ومحبته والإيمان به وذكره، وهو نوره الذي أنزله إليهم فأحياهم به، وجعلهم يمشون به بين الناس، وأصله في قلوبهم، ثم تقوى مادته فتتزايد حتى يظهر على وجوههم وجوارحهم وأبدانهم، بل ثيابهم ودورهم، يبصره من هو من جنسهم وسائر الخلق له منكر.
فإذا كان يوم القيامة برز ذلك النور، وصار بإيمانهم يسعى بين أيديهم في ظلمة الجسر حتى يقطعوه، وهم فيه على حسب قوته وضعفه في قلوبهم في الدنيا»60.
وفي هذا المعنى ورد عن عبد اللّه رضي الله عنه: «فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، قال: فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النّخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه حتّى يكون آخر ذلك من يعطى نوره على إبهام قدمه، يضيء مرّةً، ويطفئ مرّةً، فإذا أضاء قدمه، وإذا طفئ قام، فيمرّ ويمرّون على الصّراط، والصّراط كحدّ السّيف، دحض مزلّةٍ، فيقال: انجوا على قدر نوركم، فمنهم من يمرّ كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمرّ كالطّرف، ومنهم من يمرّ كالرّيح، ومنهم من يمرّ كشدّ الرّجل، ويرمل رملًا، فيمرّون على قدر أعمالهم حتّى يمرّ الّذي نوره على إبهام قدمه»61.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن نور فقراء المهاجرين يوم القيامة، روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يومًا آخر حين طلعت الشّمس، فقال: (سيأتي ناسٌ من أمّتي يوم القيامة، نورهم كضوء الشّمس) قلنا: ومن أولئك يا رسول اللّه؟ قال: (فقراء المهاجرين الّذين يتّقى بهم المكاره، يموت أحدهم، وحاجته في صدره، يحشرون من أقطار الأرض)62.
«إن هذه العقيدة تنشيء في القلب حياة بعد الموت، وتطلق فيه نورًا بعد الظلمات، حياة يعيد بها تذوّق كل شيء، وتصوّر كل شيء، وتقدير كل شيء بحس آخر لم يكن يعرفه قبل هذه الحياة، ونورًا يبدو كل شيء تحت أشعته وفي مجاله جديدًا كما لم يبد من قبل قط لذلك القلب الذي نوّره الإيمان، إن الإيمان اتصال، واستمداد، واستجابة، فهو حياة، وإن الإيمان تَفَتُّحٌ ورؤية، وإدراك واستقامة، فهو نور بكل مقومات النور، وإن الإيمان انشراح ويسر وطمأنينة، وظل ممدود، ويجد الإنسان في قلبه هذا النور فتتكشف له حقائق الوجود، وحقائق الحياة، وحقائق الناس، وحقائق الأحداث التي تجري في هذا الكون وتجري في عالم الناس.
ويجد الإنسان في قلبه هذا النور، فيجد الوضوح في كل شأن، وفي كل أمر، وفي كل حدث، يجد الوضوح في نفسه، وفي نواياه وخواطره وخطته وحركته، ويجد الوضوح فيما يجري حوله سواء من سنة الله النافذة، أو من أعمال الناس ونواياهم وخططهم المستترة والظاهرة!
ويجد الإنسان في قلبه هذا النور، فيجد الوضاءة في خواطره ومشاعره وملامحه!
ويجد الراحة في باله وحاله ومآله!
ويجد الرفق واليسر في إيراد الأمور وإصدارها، وفي استقبال الأحداث واستدبارها!
ويجد الطمأنينة والثقة واليقين في كل حالة، وفي كل حين!»63.
ثانيًا: اتباع الرسول وطاعة أمره:
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [المائدة: ١٥].
يعني بالنور: محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحقّ، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبيّن الحق64.
وأخبر سبحانه وتعالى أن الذين يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم ويطيعونه هم المفلحون، قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأعراف: ١٥٧].
أي: آمنوا بمحمّدٍ صلى الله عليه وسلم واتّبعوه فيما جاء به من الشّرائع، وعظّموه ووقّروه، ومنعوه من عدوّه، وقاموا بنصره على من يعاديه، واتّبعوا القرآن المنزّل إليه مع اتّباعه بالعمل بسنّته ممّا يأمر به، وينهى عنه، أولئك هم الفائزون بالخير والفلاح لا غيرهم من الأمم65.
قال ابن القيم رحمه الله: «إن الخارجين عن طاعة الرسل يتقلّبون في عشر ظلمات: ظلمة الطبع، وظلمة الجهل، وظلمة الهوى، وظلمة القول، وظلمة العمل، وظلمة المدخل، وظلمة المخرج، وظلمة القبر، وظلمة القيامة، وظلمة دار القرار، فالظلمة لازمة لهم في دورهم الثلاث.
وأتباع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم يتقلّبون في عشرة أنوار، ولهذه الأمة ونبيها صلى الله عليه وسلم من النور ما ليس لأمة غيرها، ولنبيّها صلى الله عليه وسلم من النور ما ليس لنبي غيره»66.
ثالثًا: اتباع شرع الله وكتابه المنزل:
سمّى سبحانه وتعالى وحيه وأمره الذي أنزله على رسوله روحًا؛ لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح، وسمّاه نورًا لما يحصل به من الهدى، واستنارة القلوب والفرقان بين الحقّ والباطل، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى: ٥٢].
وقال جل وعلا: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الأنعام: ١٢٢].
فأحياه سبحانه وتعالى بروحه الّذي هو وحيه وهو روح الإيمان والعلم، وجعل له نورًا يمشي به بين أهل الظّلمة كما يمشي الرّجل بالسّراج المضيء في الظّلمة.
وأخبر سبحانه وتعالى أنه أنزل كتابه على رسوله لغاية ومقصد إخراج البشر من الضلال والغيّ إلى الهدى والنور، وهو الإسلام بتوفيق من الله، قال تعالى: (ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [إبراهيم: ١].
أي: بالكتاب، وهو القرآن، أي: بدعائك إليه، من ظلمات الكفر والضلالة والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وهذا على التّمثيل؛ لأنّ الكفر بمنزلة الظّلمة، والإسلام بمنزلة النّور، وقيل: من البدعة إلى السّنّة، ومن الشّكّ إلى اليقين، والمعنى متقاربٌ. (ﭭ ﭮ) أي: بتوفيقه إيّاهم، ولطفه بهم، والباء في (ﭭ ﭮ) متعلقة بـ(ﭧ) وأضيف الفعل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأنّه الدّاعي والمنذر الهادي67.
فالمقصد من إنزال الكتاب: إخراج البشرية من الظلمات، ظلمات الوهم والخرافة، وظلمات الأوضاع والتقاليد، وظلمات الحيرة في تيه الأرباب المتفرقة، وفي اضطراب التصورات والقيم والموازين؛ لتخرج البشرية من هذه الظلمات كلها إلى النور، النور الذي يكشف هذه الظلمات، يكشفها في عالم الضمير، وفي دنيا التفكير، ثم يكشفها في واقع الحياة والقيم والأوضاع والتقاليد.
والإيمان بالله نور يشرق في القلب، فيشرق به هذا الكيان البشري، والإيمان بالله نور تشرق به النفس، فترى الطريق واضحة إلى الله، لا يشوبها غبش ولا يحجبها ضباب، غبش الأوهام، وضباب الخرافات، أو غبش الشهوات، وضباب الأطماع، ومتى رأت الطريق سارت على هدى لا تتعثر ولا تضطرب ولا تتردد ولا تحتار.
والإيمان بالله نور تشرق به الحياة، فإذا الناس كلهم عباد متساوون، تربط بينهم آصرتهم في الله، وتتمحض دينونتهم له دون سواه، فلا ينقسمون إلى عبيد وطغاة، وتربطهم بالكون كله رابطة المعرفة، معرفة الناموس المسير لهذا الكون وما فيه ومن فيه، فإذا هم في سلام مع الكون وما فيه ومن فيه.
والإيمان بالله نور، نور العدل، ونور الحرية، ونور المعرفة، ونور الأنس بجوار الله، والاطمئنان إلى عدله ورحمته وحكمته في السراء والضراء، ذلك الاطمئنان الذي يستتبع الصبر في الضراء والشكر في السراء على نور من إدراك الحكمة في البلاء68.
وقال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الحديد: ٩].
أي: «حججًا واضحاتٍ، ودلائل باهراتٍ، وبراهين قاطعاتٍ؛ ليخرجكم من ظلمات الجهل والكفر والآراء المتضادّة إلى نور الهدى واليقين والإيمان»69.
وقال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الطلاق: ١١].
يعني: من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، ومن ظلمة الشّبهة إلى نور الحجّة، ومن ظلمة الجهل إلى نور العلم70.
وعن غاية إرسال موسى عليه السلام بالآيات، قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [إبراهيم: ٥].
عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما: «من الضّلالة إلى الهدى»71.
يخبر تعالى أنه أرسل موسى عليه السلام بآياته العظيمة الدالة على صدق ما جاء به وصحته، وأمره بما أمر الله به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، بل وبما أمر به جميع الرسل قومهم (ﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯗ) أي: ظلمات الجهل والكفر وفروعه، إلى نور العلم والإيمان وتوابعه72.
وقد حثّ صلى الله عليه وسلم على كتاب الله ورغّب فيه، فقال: (أمّا بعد: ألا أيّها النّاس فإنّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به)73.
وفي هذا المعنى ورد عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أنّه سمع خطبة عمر رضي الله عنه الآخرة حين جلس على المنبر، وذلك الغد من يومٍ توفّي النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فتشهّد وأبو بكرٍ رضي الله عنه صامتٌ لا يتكلّم، قال: «كنت أرجو أن يعيش رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتّى يدبرنا، -يريد بذلك- أن يكون آخرهم، فإن يك محمّدٌ صلى الله عليه وسلم قد مات، فإنّ اللّه تعالى قد جعل بين أظهركم نورًا تهتدون به، هدى اللّه محمّدًا صلى الله عليه وسلم»74.
والمقصود بالنور الذي قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو القرآن العظيم؛ لأن فيه الهدى والنور، فمن عمل بما فيه كان على الصراط المستقيم وعلى الحق المبين75.
وضّح القرآن الكريم عاقبة البقاء في الظلمات؛ ليتجنبها العباد، وسوف نبيّنها فيما يأتي:
أولًا: تعطيل الطاقات البشرية:
أخبر عز وجل أن الإنسان مسئول عما استعمل فيه سمعه وبصره وفؤاده، فإذا استعملها في الخير نال الثواب، وإذا استعملها في الشر نال العقاب، قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الإسراء: ٣٦].
فالعلوم مستفادة من هذه الحواس، فإنّ الإنسان إذا سمع شيئًا ورآه فإنّه يرويه ويخبر عنه، وإلى العلوم التي تعتمد على التفكير أشار بذكر الفؤاد.
فهذه الكلمات القليلة -في الآيات- تقيم منهجًا كاملًا للقلب والعقل، يشمل المنهج العلمي الذي عرفته البشرية حديثًا جدًّا، ويضيف إليه استقامة القلب، ومراقبة الله، ميزة الإسلام على المناهج العقلية الجافة!
فالتثبت من كل خبر، ومن كل ظاهرة، ومن كل حركة قبل الحكم عليها هو دعوة القرآن الكريم، ومنهج الإسلام الدقيق، ومتى استقام القلب والعقل على هذا المنهج لم يبق مجال للوهم والخرافة في عالم العقيدة، ولم يبق مجال للظن والشبهة في عالم الحكم والقضاء والتعامل، ولم يبق مجال للأحكام السطحية والفروض الوهمية في عالم البحوث والتجارب والعلوم76.
لكن يوجد صنف من الناس عطّلوا هذه الحواس التي تستعمل في اقتباس العلوم النافعة، فأصبحوا كأنهم كائنات ميّتة، وإن بدت حيّة في صورة الأحياء، وأظلمت قلوبهم وعقولهم.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الأنعام: ٣٩].
أي: مثلهم في جهلهم، وقلّة علمهم، وعدم فهمهم كمثل أصمّ، وهو الّذي لا يسمع، أبكم وهو الّذي لا يتكلّم، وهو مع هذا في ظلمات لا يبصر، فالآية «استعارةٌ عن عدم الانتفاع الذّهنيّ بهذه الحواسّ»77.
إن الذين كذّبوا بآيات الله هذه المبثوثة في صفحات الوجود، وآياته الأخرى المسجلة في صفحات هذا القرآن إنما كذّبوا لأن أجهزة الاستقبال فيهم معطّلة، إنهم صم لا يسمعون، بكم لا يتكلمون، غارقون في الظلمات لا يبصرون!
إنهم كذلك لا من ناحية التكوين الجثماني المادي، فإن لهم عيونًا وآذانًا وأفواهًا، ولكن إدراكهم معطل، فكأنما هذه الحواس لا تستقبل ولا تنقل!
وإنه لكذلك فهذه الآيات تحمل في ذاتها فاعليتها وإيقاعها وتأثيرها لو أنها استقبلت وتلقاها الإدراك!
وما يعرض عنها معرض إلا وقد فسدت فطرته، فلم يعد صالحًا لحياة الهدى، ولم يعد أهلًا لذلك المستوى الراقي من الحياة78.
إن ترقي الحياة يحتاج ابداعات وانطلاقات أصحاب العقول النيرة والفطر السليمة؛ لكي يوظّفوها في صناعة الحياة، صناعة تعود بالمخلوق الضعيف إلى الخالق العظيم، صناعة تترقى بحواس الإنسان، وترقّي هي حواس الإنسان، أما إذا كانت حواس الإدراك معطّلة فقد تعطلت الطاقات التي أودعها الله فيها، والقدرات التي وهبها الله إياها، وعاش الناس في ظلمات منغمسين فيها، فلا تجد تطورًا في الطب ينقذ الإنسان من أمراض فتاكة، ولا تجد تطورًا في اقتصاد ينقذ الإنسان من جوع قاتل، ولا تجد تطورًا في الحياة يحفظ إنسانية الإنسان المكرّم عند خالقه سبحانه.
ثانيًا: عدم الإفادة من المدّخرات الكونية:
إن الله أودع في الكون مدّخرات مسخّرة للإنسان بقدرته وتدبيره، فيها عبرة لمن ينظر إليها بالقلب المفتوح، والحس البصير، ويتدبر ما وراءها من حكمة ومن تقدير، ومن منافع للناس لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وقد كثر ورود لفظ سخّر في القرآن؛ لينتبه لها الإنسان وليتفكر فيها؛ فيعود بعد التفكر والتدبر؛ ليقول بقلبه قبل لسانه: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١٩١].
ثم يوظّف هذه المدخرات في مصالح العباد.
ففي تسخير الفلك لتسير في البحر بأمره عز وجل؛ لمنافعكم أيها الناس، وذلّل لكم الأنهار؛ لسقياكم، وسقيا دوابكم وزروعكم وسائر منافعكم.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [إبراهيم: ٣٢].
وفي تسخير الشمس والقمر والليل والنهار؛ لتتحقق المصالح بهما، وذلّل لكم الليل؛ لتسكنوا فيه وتستريحوا، والنهار؛ لتبتغوا من فضله، وتدبّروا معايشكم.
قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀ) [إبراهيم: ٣٣].
وفي تسخير البحر؛ لتأكلوا مما تصطادون من سمكه لحمًا طريًا، وتستخرجوا منه زينة تلبسونها كاللؤلؤ والمرجان، وترى السفن العظيمة تشق وجه الماء تذهب وتجيء، وتركبونها لتطلبوا رزق الله بالتجارة والربح فيها.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النحل: ١٤].
وهذا التسخير لغاية ذكر نعمه، وحمده عليها.
قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الزخرف: ١٣].
ثالثًا: عدم استواء الأعمى والبصير، ولا الظلمات والنور في الفطر السليمة:
فهل يستوي البصير الذي يرى بالنور الذي ألهمه الله إياه، فتكشفت له حكمة ربه في المدّخرات الكونية، واستعملها في منافع الخلق، كمن في الجهل منغمس فيه؟
قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الرعد: ١٦].
«يقول تعالى ذكره: وهل تستوي الظّلمات الّتي لا ترى فيها المحجّة فتسلك، ولا يرى فيها السّبيل فيركب، والنّور الّذي يبصر به الأشياء ويجلو ضوءه الظّلام؟ يقول: إنّ هذين لا شكّ لغير مستويين، فكذلك الكفر باللّه، إنّما صاحبه منه في حيرةٍ يضرب أبدًا في غمرةٍ لا يرجع منه إلى حقيقةٍ، والإيمان باللّه صاحبه منه في ضياءٍ يعمل على علمٍ بربّه، ومعرفةٍ منه بأنّ له مثيبًا يثيبه على إحسانه، ومعاقبًا يعاقبه على إساءته، ورازقًا يرزقه، ونافعًا ينفعه»79.
وبنظرة فاحصة لحال الغرب الذين اتّجهوا إلى تحصيل المعارف عن الكون والإنسان فاستكشفوا الأرض وباطنها، والفضاء وأرجاءه، والبحار وأعماقها، ووقفوا على سنن التسخير والقوانين التي أودعها الله في الطبيعة، وبرّزوا في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلك والطبّ والهندسة وغيرها، وفجّروا الذرّة، وغاصوا في أسرار الخلايا والجينات، ودرسوا خبايا جسم الإنسان وخفاياه، ووسّعوا نطاق العلوم الإنسانية والاجتماعية، وأحدثوا اكتشافات واختراعات مذهلة بهرت العقول، وغيّرت مجرى حياة البشر في جميع الميادين، لكن نتج عن هذا التفوّق العلمي مشكلتان أساسيّتان:
الأولى: استخدام هذا العلم فيما يهلك الإنسان والبشرية والحياة، كالأسلحة الفتّاكة والتصرّف الجنوني في الخلايا والجينات لتغيير خلق الله، فنتج عن ذلك أمراض غريبة كجنون البقر، وانفلونزا الطيور، وانفلونزا الخنازير، تنذر بالمزيد ممّا يهدّد النوع البشري والكون كلّه.
الثانية: الغرور والغطرسة، حتى توهم بعض هؤلاء أنه مستقل بنفسه غير محتاج إلى الله سبحانه وتعالى، أو إلى دين يقوده ويوجهه.
إنّ الغرب ينطبق عليه قول الله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [العلق: ٦-٧].
فهو شديد الافتخار والاغترار بإنجازاته، وهي إنجازات لا ينكرها أحد، ولا يكابر فيها، بل امتدّ نفعها إلى البشريّة كلّها، لكن المشكلة تكمن في غرور الغربيّين بذلك حتّى أنساهم خالقهم وحدود آدميّتهم، ومال بهم إلى الاستخفاف بالله والدين والغيب؛ لاعتقادهم أنّ العلم الّذي يمتلكون ناصيته يغنيهم عن كلّ ذلك؛ لأنّه -في نظرهم- يجيب عن كلّ الأسئلة، ويحلّ جميع المشكلات، فلا يترك موضعًا لدين ولا وحي ولا نبوّة، وذلك هو الاستغناء الممقوت الذي لا يفسد العلاقة بالله فحسب، بل يلقي بظلاله على البشريّة في هذه الحياة، فالغرب أبدع في الماديات، وأفلس في الروحيات، وعظّم من شأن العقل، وأهمل القلب، واعتنى بجسم الإنسان طبيًّا ورياضيًّا ومعيشيًّا وجماليًّا إلى حدّ الإسراف، وأهال التراب على الروح، بل ازدراها وقلّل من شأنها، ووضعها في خانة الأوهام، فجلب الشقاء لنفسه وكان قدوةً سيّئةً للبلدان والشعوب، وقد أضحت بلاد الازدهار هي مرتع الانتحار، وانتشرت هناك العيادات النفسية، وتكاثرت بشكل عجيب عساها تخلّص الإنسان من نفسه بعد سيطرة الأمراض النفسية والقلق والاضطرابات والانهيارات العصبيّة عليه رغم علمه وثرائه، ورغد عيشه.
قال سيّد قطب رحمه الله: «العلم -بغير إيمان- فتنة، فتنة تعمي وتطغي؛ ذلك أن هذا اللون من العلم الظاهريّ يوحي بالغرور؛ إذ يحسب صاحبه أنه يتحكّم بعلمه هذا في قوى ضخمة، ويملك مقدّرات عظيمةً، فيتجاوز بنفسه قدرها ومكانها!
وينسى الآماد الهائلة التي يجهلها، وهي موجودة في هذا الكون، ولا سلطان له عليها، بل لا إحاطة له بها، بل لا معرفة له بغير أطرافها القريبة؛ وبذلك ينتفخ فيأخذ أكثر من حقيقته، ويستخفّه علمه، وينسى جهله، ولو قاس ما يجهل إلى ما يعلم، وما يقدر عليه في هذا الكون إلى ما يعجز حتّى عن إدراك سرّه لطامن من كبريائه، وخفّف من فرحه الذي يستخفّه»80.
ونحن لا ننكر وجود علماء قادتهم المعرفة إلى الإيمان؛ لاتصافهم بالتجرّد والتواضع، لكنّهم قلّة نوعية، بينما تتمادى الأغلبية في خطّ عام ينحو منحى الغرور والاستغناء: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الحجّ: ٤٦].
إنّ الحلّ يكمن في بديل تنتجه الأمّة الشاهدة يعيد للعلم وجهه الحقيقي، يسير بمعيّة الإيمان، فيكتسب التواضع والخشوع؛ لينفع ولا يضرّ، ويوفّر سعادة الدنيا والآخرة معًا.
قال سيد قطب رحمه الله: «ولو اتصلت العلوم الكونية التي تبحث في تصميم الكون، وفي نواميسه وسننه، وفي قواه ومدخراته، وفي أسراره وطاقاته بتذكر خالق هذا الكون وذكره، والشعور بجلاله وفضله؛ لتحوّلت من فورها إلى عبادة لخالق هذا الكون وصلاة، ولاستقامت الحياة -بهذه العلوم- واتجهت إلى الله.
ولكن الاتجاه المادي الكافر يقطع ما بين الكون وخالقه، ويقطع ما بين العلوم الكونية والحقيقة الأزلية الأبدية، ومن هنا يتحول العلم -أجمل هبة من الله للإنسان- لعنة تطارد الإنسان، وتحيل حياته إلى جحيم منكرة، وإلى حياة قلقة مهددة، وإلى خواء روحي يطارد الإنسان كالمارد الجبار!
إن الذين يكتفون بظاهر من الحياة الدنيا، ويصلون إلى أسرار بعض القوى الكونية بدون الاتصال بخالق الكون يدمّرون الحياة، ويدمّرون أنفسهم بما يصلون إليه من هذه الأسرار، ويحوّلون حياتهم إلى جحيم نكد، وإلى قلق خانق، ثم ينتهون إلى غضب الله وعذابه في نهاية المطاف»81.
رابعًا: التخلف عن ركب الحضارة:
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الحديد: ٩].
فمن أراد الانتفاع بعقله فيما ينفعه وينفع الخلق فعليه بالتأمل والتفكر في آيات الله المسطورة في كتابه، وآيات الله المبثوثة في كونه فهما مفتاحا التحضر في الدنيا والسعادة في الآخرة؛ لأن ظلمات العقل وفساده أكثر خطورة على الحضارة من الأمراض المعدية التي قصر علماء الصحة والأطباء اهتمامهم عليها حتى الآن.
فإذا قرأ أو استمع ثم تفكر في قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [يونس: ٥].
علم أنه من معرفة اللّيالي تعرف الأشهر، ومن معرفة الأشهر تعرف السّنة، وفي ذلك رفقٌ بالنّاس في ضبط أمورهم وأسفارهم ومعاملات أموالهم وهو أصل الحضارة، وفي هذه الآية إشارةٌ إلى أنّ معرّفة ضبط التّاريخ نعمةٌ أنعم اللّه بها على البشر82.
وإذا قرأ أو استمع ثم تفكر في قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النحل: ٨].
علم أن ذلك من معجزات القرآن الغيبيّة العلميّة، وأنّها إيماءٌ إلى أنّ اللّه سيلهم البشر اختراع مراكب هي أجدى عليهم من الخيل والبغال والحمير83.
ويعلم أيضًا أن اللّه ألهم النّاس لاختراعها، فهو سبحانه وتعالى الّذي ألهم المخترعين من البشر بما فطرهم عليه من الذّكاء والعلم، وبما تدرّجوا في سلّم الحضارة، واقتباس بعضهم من بعضٍ إلى اختراعها، فهي بذلك مخلوقةٌ للّه تعالى؛ لأنّ الكلّ من نعمته84.
وإذا قرأ أو استمع ثم تفكر في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النحل: ٨٠].
علم نعمة الإلهام إلى اتّخاذ المساكن، وذلك أصل حفظ النّوع من غوائل حوادث الجوّ من شدّة بردٍ أو حرٍّ، ومن غوائل السّباع والهوام، وهي أيضًا أصل الحضارة والتّمدّن؛ لأنّ البلدان ومنازل القبائل تتقوّم من اجتماع البيوت، وأيضًا تتقوّم من مجتمع الحلل والخيام85.
وإذا قرأ أو استمع ثم تفكر في قصة داود عليه السلام اعتبر بما بلغ إليه ملكه من عظمة الحضارة، وحفظ الله لملكه؛ لأنه كان كثير الرجوع إلى ما يرضي الله، قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [سبأ: ١٠].
وإذا قرأ أو استمع ثم تفكر في قصة سبأ اعتبر بما بلغ ملكها من عظمة الحضارة، لكنها عوقبت بزوالها؛ لأنهم كفروا نعمة الله عليهم، فمن لم يشكر النّعم فقد تعرّض لزوالها، ومن شكرها فقد قيّدها بعقالها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [سبأ: ١٥-١٩].
فقد أتم الله عليهم النعمة بتوطيد أسس الحضارة باقتراب المدن، وتيسير الأسفار، فلمّا تمّت النّعمة بطروها، فحلّت بهم أسباب سلبها عز وجل عنهم.
ومن ذلك يتضح أن الظلمات تسد منافذ التفكر والتأمل في العقول، فلا يعترف الباحث في مدخرات الكون بالخالق، فيحرم إلهامه له بما ينفعه وينفع الخلق.
وهو عند إيمانه بالله وخروجه من الظلمات الكثيفة يلهمه الله الابتكارات والاختراعات النافعة للبشر؛ لترتقي بحياتهم إلى الكمال الإنساني الذي قدره الله لهم متعبّد لله بأجل العبادات؛ لأن الله أثنى على أصحاب العقول النيرة، والفطر المستقيمة في كتابه في أكثر من ستة عشر موضعًا، تارة بأولي الألباب.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [آل عمران: ١٩٠].
وتارة بأولي النهى، قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [طه: ٥٤].
وتارة بذي حجر، قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الفجر: ٥].
خامسًا: التعاسة في الحياة الدنيا:
قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [طه: ١٢٣-١٢٦].
قال ابن القيم رحمه الله: «وفسّرت المعيشة الضّنك بعذاب القبر، والصّحيح أنّها في الدّنيا وفي البرزخ، فإنّ من أعرض عن ذكره الّذي أنزله، فله من ضيق الصّدر، ونكد العيش، وكثرة الخوف، وشدّة الحرص والتّعب على الدّنيا، والتّحسّر على فواتها قبل حصولها وبعد حصولها، والآلام الّتي في خلال ذلك ما لا يشعر به القلب؛ لسكرته، وانغماسه في السّكر، فهو لا يصحو ساعةً إلّا أحسّ وشعر بهذا الألم، فبادر إلى إزالته بسكرٍ ثانٍ، فهو هكذا مدّة حياته، وأيّ عيشةٍ أضيق من هذه لو كان للقلب شعورٌ؟»86.
فمن اتبع هدى الله «فهو في أمان من الضلال والشقاء، والشقاء ثمرة الضلال، ولو كان صاحبه غارقًا في المتاع، فهذا المتاع ذاته شقوة، شقوة في الدنيا وشقوة في الآخرة، وما من متاع حرام إلا وله غصة تعقبه، وعقابيل87 تتبعه، وما يضل الإنسان عن هدى الله إلا ويتخبط في القلق والحيرة والتكفؤ والاندفاع من طرف إلى طرف، لا يستقر ولا يتوازن في خطاه، والشقاء قرين التخبط، ولو كان في المرتع الممرع!
ثم الشقوة الكبرى في دار البقاء، ومن اتبع هدى الله فهو في نجوة من الضلال والشقاء في الأرض، وفي ذلك عوض عن الفردوس المفقود، حتى يئوب إليه في اليوم الموعود»88.
سادسًا: العذاب في الحياة الآخرة:
أخبر سبحانه عن مصير من أعرض عن النور الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم أن له عذاب البرزخ الذي هو أول منازل الآخرة، وعذاب دار البوار في الآخرة، فقال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [طه: ١٢٤-١٢٦].
أي: تترك في العذاب كما تركت العمل بآياتنا.
ونظيره قوله تعالى في حق آل فرعون: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) فهذا في البرزخ (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [غافر: ٤٦].
فهذا في القيامة الكبرى، ونظيره قوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأنعام: ٩٣].
فقول الملائكة: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) المراد به: عذاب البرزخ الّذي أوله يوم القبض والموت، ونظيره قوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأنفال: ٥٠].
فهذه الإذاقة هي في البرزخ وأولها حين الوفاة.
فهذا مصير من أعرض عن نور الله إلى ظلمات الضلال.
وروى مسلم بسنده عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: كنت قائمًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء حبرٌ من أحبار اليهود فقال: السّلام عليك يا محمّد، فدفعته دفعةً كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول الله، فقال اليهوديّ: إنّما ندعوه باسمه الّذي سمّاه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ اسمي محمّدٌ الّذي سمّاني به أهلي) فقال اليهوديّ: جئت أسألك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أينفعك شيءٌ إن حدّثتك؟) قال: أسمع بأذنيّ، فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعودٍ معه، فقال: (سل)، فقال اليهوديّ: أين يكون النّاس يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هم في الظّلمة دون الجسر)89.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الظلم، فإنّ الظلم ظلمات يوم القيامة)90.
ظاهر الحديث: «أن الظالم يعاقب يوم القيامة بأن يكون في ظلمات متوالية، يوم يكون المؤمنون في نور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، حين يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الحديد: ١٣].
فيقال لهم: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ)[الحديد: ١٣]»91.
موضوعات ذات صلة: |
الكفر، الليل، النور |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٤٦٨، مختار الصحاح، الرازي١/١٩٧.
2 التعريفات ص١٤٤.
3 تفسير غريب القرآن، كاملة الكواري ص٤٥٧.
4 انظر: المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص٧٢٩-٧٣٥.
5 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٣٧٢، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٤٢٣-٤٢٤.
6 مقاييس اللغة ٥/٢٩٤.
7 المفردات ص٨٢٧.
8 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص١٨٦.
9 الكليات ، الكفوي ص٥٧٨.
10 المفردات ص٥١٤.
11 تهذيب اللغة، الأزهري، ١٥/٣١٨، مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/٢٢٥، لسان لعرب، ابن منظور، ٨/١٧٨.
12 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٥/٣١٨، لسان لعرب، ابن منظور ٨/١٧٨.
13 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٨٢٠.
14 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٨٦.
15 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٦٥٩.
16 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٥.
17 فتح القدير، الشوكاني ٢/١٤٠.
18 جامع البيان، الطبري ٥/٢١١.
19 المنار، رشيد رضا ٧/٣٨١.
20 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٢٧٣.
21 جامع البيان، الطبري ٩/٢٩٥.
22 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٣٠٢.
23 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٢٨١.
24 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/١١٢٤.
25 جامع البيان، الطبري ٢١/٢٥٨.
26 في ظلال القرآن ٥/٣٠٤٠.
27 الموقع الشخصي للدكتور زغلول النجار: www.elnaggarzr.com .
28 أخرجه الطبري في تفسيره ١٦/٣٨٤.
29 أخرجه الطبري في تفسيره ١٨/٥١٧.
30 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب منه، ٥/٤٠٩، رقم ٣٥٠٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع ١/٦٣٧، رقم ٣٣٨٣.
31 أخرجه الطبري في تفسيره ١٩/١٩٨.
32 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٥٢١.
33 إعلام الموقعين ١/١٢٢.
34 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الإيمان، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، ٤/٣٢٣، رقم ٢٦٤٢.
وصححه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح ١/٣٧، رقم ١٠١.
35 انظر: معالم التنزيل، البغوي ١/٥٣.
36 التفسير القيم، ابن القيم ص١٢٠.
37 المصدر السابق ص١٢٤.
38 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٦.
39 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٢٨.
40 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/١٠٨١.
41 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٣٦٧.
42 السماء في القرآن الكريم، زغلول النجار ص٣٩٥-٥٠٨.
43 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٧٣.
44 شرح السنة، البغوي ١٢/١٨٣.
45 فيض القدير ٣/٢٥٦.
46 أخرجه أحمد في مسنده، ٣/٤٥٤، رقم٢٠٠٠.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٧٩٣.
47 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/١١٥٩.
48 الأرض في القرآن الكريم، زغلول النجار ص٤٨٧-٥٠٢.
49 جامع البيان، الطبري ١٢/١٤٦.
50 تفسير التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/١٣٨.
51 أخرجه أبو داود في سننه، أبواب الركوع والسجود، باب التشهد، ١/٢٥٤، رقم ٩٦٩.
وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود رقم ١٧٢.
52 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/١٩٨.
53 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٨٧٢.
54 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٩٦.
55 التفسير القيم، ابن القيم ص٣٠١.
56 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، ١/ ٥٢٨، رقم ٧٦٣.
57 الوابل الصيب، ابن القيم ص٥٠.
58 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، ١/ ٥٢٨، رقم ٧٦٣.
59 أخرجه الطبري في تفسيره ١٧/٣٠٣.
60 الوابل الصيب، ابن القيم ص٥٧.
61 أخرجه الحاكم في المستدرك، تفسير سورة مريم، ٢/٤٠٨، رقم ٣٤٢٤.
قال الحاكم: «على شرط البخاري ومسلم».
62 أخرجه أحمد في مسنده، ١١/٢٣٠، رقم ٦٦٥٠.
قال محقق المسند: حديث حسن لغيره.
63 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢٠١.
64 جامع البيان، الطبري ١٠/١٤٣.
65 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٨٨.
66 المصدر السابق ٢/٤٣.
67 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٣٣٨.
68 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٠٨٥.
69 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٥.
70 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٥٦٥.
71 أخرجه الطبري في تفسيره ١٣/٥٩٤.
72 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٢١.
73 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ٤/١٨٧٣، رقم ٢٤٠٨.
74 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب الاستخلاف ٩/٨١، رقم ٧٢١٩.
75 انظر: فتح الباري، ابن حجر ١٣/٢٠٩، إرشاد الساري، القسطلاني ١٥/١٨٠.
76 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٢٧.
77 البحر المحيط، أبو حيان ٤/٥٠٥.
78 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/١٠٨١.
79 جامع البيان، الطبري ١٣/٤٩٤.
80 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣١٠١.
81 في ظلال القرآن ١/٥٤٥.
82 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/٩٦.
83 المصدر السابق ١٤/١١١.
84 انظر: المصدر السابق.
85 المصدر السابق ١٤/٢٣٧.
86 مدارج السالكين ١/٤٢٣.
87 يقال العقبول، والجمع عقابيل، وهو باقي المرض في الجسم، يقال: بفلان عقابيل من مرضه إذا كانت به بقيّة منه.
انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/١١٢٧، تاج العروس، الزبيدي ٣/٤٢١.
88 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٥٥.
89 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما، ١/٢٥٢، رقم٣١٥.
90 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، ٤/١٩٩٦، رقم ٢٥٧٨.
91 المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، أبو العباس القرطبي ٦/٥٥٦.