عناصر الموضوع

مفهوم الطهارة

الطهارة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الحث على الطهارة

أنواع الطهارة

آثار الطهارة

الطهارة

مفهوم الطهارة

أولًا: المعنى اللغوي:

الطهارة لغة:

النظافة، والتنزّه عن الأدناس1، قال ابن فارس: «الطاء والهاء والراء أصل واحد يدل على نقاءٍ وزوال دنس، ومن ذلك الطّهر خلاف الدنس، والتّطهّر: التنزّه عن الذم، وكل قبيح»2.

والطّهر بالضم: نقيض النجاسة3، والمرأة طاهرٌ من الحيض، وطاهرةٌ من النجاسة ومن العيوب4.

ممّا سبق يظهر أنّ الطهارة في اللغة إما أن تكون حسية؛ كالطهارة من النجاسة، وإما أن تكون معنوية؛ كالطهارة من العيوب.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

هي «رفع ما يمنع الصلاة من حدث أو نجاسة، بالماء أو رفع حكمه بالتراب»5، وعرّفها الدكتور وهبة الزحيلي بأنها: «النظافة من النجاسة حقيقية كانت وهي الخبث، أو حكمية وهي الحدث»6، وبالرجوع إلى كتب الفقه نجد تعريفاتٍ أخرى، وكلها متقاربة في المعنى، وتدور حول محور واحد وهو: رفع الحدث، وإزالة الخبث7.

العلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي:

الطهارة اصطلاحًا لها معنى خاص يختلف عن المعنى اللغوي، ويشتركان في إزالة الخبث، إلا أن رفع الحدث مما اختص به الطهارة اصطلاحًا.

الطهارة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (طهر) في القرآن الكريم (٣١) مرة8.

والصيغ التي وردت كالآتي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٢

( ) [آل عمران:٤٢]

الفعل المضارع

٩

( ) [المائدة:٤١]

فعل الأمر

٤

( ﭿ ) [الحج:٢٦]

اسم فاعل

٣

( ) [آل عمران:٥٥]

اسم مفعول

٦

( ) [البقرة:٢٥]

اسم تفضيل

٤

( ) [هود:٧٨]

مصدر

١

( ) [الأحزاب:٣٣]

صيغة المبالغة

٢

( ) [الفرقان:٤٨]

وذكر أصحاب الوجوه والنظائر عشرة أوجه للطهارة في القرآن9، وزاد بعضهم ثلاثة أوجه أخرى10، لكن كل هذه الأوجه في الأغلب لا تخرج عن معنى الطهارة في اللغة الذي هو النقاء وزوال الدنس، والتنزه عن كل قبيح11، وهي ضربان: حسية، ومعنوية 12.

الألفاظ ذات الصلة

الرجس:

الرجس لغةً:

الراء والجيم والسين أصلٌ يدلّ على اختلاطٍ، ومنه: الرّجس: القذر؛ لأنّه لطخٌ وخلط13.

الرجس اصطلاحًا:

«هو النتن والقذر، قال الفارابي: كل شيء يستقذر فهو رجس، وقيل: الرجس: النجس»14.

الصلة بين الرجس والطهارة:

إذا كان الرجس هو الشيء الذي خالطه القذر، والطهارة هي إزالة هذا القذر، فالعلاقة بينهما علاقة تضاد.

النجس:

النجس لغةً:

النّجس: الشّيء القذر من النّاس ومن كل شيء قذرته، ورجل نجسٌ، وقوم أنجاسٌ15.

النجس اصطلاحًا:

هو «صفة حكمية توجب لموصوفها منع استباحة الصلاة ونحوها»16.

الصلة بين النجس والطهارة:

إذا كان النجس وصفًا يمنع أداء العبادة على الوجه المطلوب، والطهارة هي إزالة ذلك النجس وتلك القذارة حتى يمكن أداء العبادة على الوجه المطلوب، فالعلاقة بينهما علاقة تضاد.

الخبث:

الخبث لغةً:

الخبيث ضد الطيب، وخبث خبثًا وخباثةً وخباثيةً، وهو النجس17.

الخبث اصطلاحًا:

هو «العين المستقذرة شرعًا، أي: النجاسة الحقيقية»18.

الصلة بين الخبث والطهارة:

الخبث نجاسة حسية، وإزالة هذه النجاسة ورفع هذا الخبث يسمى طهارة، إذن فالعلاقة بينهما علاقة تقابل وتضاد.

الطّيّب:

الطيب لغةً:

الطيب خلاف الخبيث، إلا أنه قد تتسع معانيه حسب ما يضاف إلى الطيب، فمثلًا يقال: أرضٌ طيبة للتي تصلح للنبات، وريحٌ طيبة إذا كانت لينة، وطعمةٌ طيبة إذا كانت حلالًا 19، ويقال: شيء طيب إذا كان طاهرًا نظيفًا20، وماء طيب إذا كان عذبًا أو طاهرًا21.

الطيب اصطلاحًا:

«ما تستلذّه الحواسّ، وما تستلذّه النّفس، والطّعام الطّيّب في الشّرع: ما كان متناولًا من حيث ما يجوز، ومن المكان الّذي يجوز، فإنّه متى كان كذلك كان طيّبًا عاجلًا وآجلًا لا يستوخم، وإلا فإنه -وإن كان طيّبًا عاجلًا- لم يطب آجلًا»22.

الصلة بين الطيب والطهارة:

الطيب صورة من صور الطهارة، فالطيب طاهرٌ، سواء كان طيبه حسيًّا أو معنويًّا.

الحث على الطهارة

تنوّعت أساليب القرآن الكريم في الحثّ على الطهارة، وبيان منزلتها، بين الأسلوب المباشر كالأمر الصريح، وغير المباشر كالثّناء على أصحاب الطهارة، وذكر محبة الله تعالى للمتطهرين، وضرب أمثلة ممّن اتصف بالطهارة، مثل: أمّهات المؤمنين رضي الله عنهن، وزوجات أهل الجنّة.

أولًا: الأمر الصريح:

قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ )[التوبة: ١٠٣].

يأمر الله تبارك وتعالى نبيّه الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم بأخذ الصدقات وجمعها؛ تطهيرًا للأموال، وتزكية للنفوس، وهذا أمر صريحٌ من الله تعالى في فعل ما هو مطهّرٌ لهذه الأموال التي بين أيدينا، بل ويطهّر النّفس من أن تتعلّق بهذا العرض الزائل.

قال سبحانه: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮢﮣ ﮧﮨ ) [التوبة:١٠٣].

وهذه الآية نزلت في الصحابي أبي لبابة، ونفرٍ معه رضي الله عنهم، كانوا قد تخلّفوا عن غزوة تبوك، وهم الذين قال الله فيهم في الآية السابقة للآية التي بين أيدينا: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕﮖ ﮗ ﮘ) [التوبة: ١٠٢].

المراد بالعمل الصالح الذي خلطوه بالعمل السيّئ: اعترافهم بذنوبهم، وتوبتهم منها، والآخر السيئ هو تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين خرج غازيًا، وتركهم الجهاد مع المسلمين، وكانوا قد ربطوا أنفسهم بسواري المسجد النبوي عند عودة النبي صلى الله عليه وسلم من الغزوة، وقالوا: لا نطلق أنفسنا حتى يأمر الله تعالى فينا، فنزلت الآية، فأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: جاؤوا بأموالهم -يعني: أبا لبابة وأصحابه- حين أطلقوا، فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدّق بها عنا، واستغفر لنا! قال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئًا! فأنزل الله: ( ).

وهنا يتبادر إلى الذّهن سؤال: إذا كان هذا هو سبب نزول الآية فهل يكون الأمر بأخذ الصدقة خاصًّا فيمن نزلت فيهم الآية؟

الجواب: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وعليه تحمل الآية على عمومها، فيكون الخطاب موجّها للنبي صلى الله عليه وسلم بأخذ الصّدقة منهم ومن غيرهم، بل ويشمل كل إمام للمسلمين من بعده عليه الصلاة والسلام 23.

ومعنى: () أي: تطهّرهم، ولكن ما الحكمة من ذكرها مباشرة بعد قوله: ()؟

يقول الرازي رحمه الله: «واعلم أن التزكية لما كانت معطوفة على التطهير وجب حصول المغايرة، فقيل: التزكية مبالغة في التطهير، وقيل: التزكية بمعنى الإنماء، والمعنى: أنه تعالى يجعل النقصان الحاصل بسبب إخراج قدر الزكاة سببًا للإنماء، وقيل: الصدقة تطهّرهم عن نجاسة الذنب والمعصية، والرسول عليه السلام يزكّيهم ويعظّم شأنهم، ويثني عليهم عند إخراجها إلى الفقراء»24.

وقال تعالى: (ﯖﯗ) [المدثر: ٤].

هذا أمر مباشر صريح في تطهير الثياب، ولكن ما المراد بالثياب في الآية؟ وما المقصود بتطهيرها؟

الثياب في اللغة تطلق ويراد بها: حقيقة الثياب، وهي الملابس التي نرتديها، وتطلق ويراد منها المعنى المجازي، كما في قوله تعالى: (ﭙﭚﭛﭜﭝﭞ) [البقرة: ١٨٧].

فالمراد منها في الآية: الأهل25، والطهارة -كما مرّ معنا- تطلق على الحقيقة والمجاز، وعليه تنوّعت أقوال المفسرين في المقصود بقوله سبحانه: (ﯖﯗ) [المدثر: ٤]26.

وخلاصة ما ذكروه أنها تحتمل الوجهين المجازي والحقيقي؛ المجازي بتطهير النفس من المعاصي وسيء الأخلاق، والحقيقي بتطهير الثياب من النجاسات27.

وقال الله تبارك وتعالى: ( ﯧﯨ ) [البقرة: ١٢٥].

والمقصود من تطهير البيت في الآية: تطهيره من الأصنام، وعبادة الأوثان فيه، ومن الشرك بالله.

وقيل: تطهيره من الكفار، وقيل: تطهيره من النجاسات وطواف الجنب والحائض وكل خبيث28.

قال الألوسي رحمه الله: «المراد بالطهارة ما يشمل الحسية والمعنوية»29.

ومن حكمة هذا التطهير: تعظيم بيت الله الحرام، وتهيئته (ﯰﯱ) وهم ضيوف الرحمن، الزائرون له من حجاجٍ ومعتمرين، والمقيمون فيه من أهله، أو غيرهم ممن يعتكف في المسجد، أو المجاورين له30، (ﯲﯳ) المصلّين: لأن الركوع والسجود هيئات المصلي، وفي سورة الحج: ( ) [الحج:٢٦]31.

وهل يفهم من هذه الخطاب شمول جميع بيوت الله تعالى في الأمر بتطهيرها وتنزيهها؟

قال القرطبي رحمه الله: «لما قال الله تعالى: (ﯭﯮﯯ) دخل فيه بالمعنى جميع بيوته تعالى، فيكون حكمها حكمه في التطهير والنظافة، وإنما خص الكعبة بالذكر لأنه لم يكن هناك غيرها، أو لكونها أعظم حرمة»32.

ومن هذه الآية نستنتج:

أمر الله تبارك وتعالى بتطهير البيت الحرام من النجاسات والآفات، حسيةً كانت أو معنويّة، ومن دخول الكفار إليه، ومن كل مظاهر الشرك.

والأمر وإن كان لإبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، فإنه يشمل من يأتي بعدهما.

ولا يقتصر الأمر على البيت الحرام، بل يتعداه ليشمل جميع بيوت الله تبارك وتعالى، فعلى المسلم التأسّي بأبي البشر وابنه عليهما الصلاة والسلام وأن يحرص على تطهير بيوت الله تعالى ورعايتها.

وإنّ أعظم ما يكون به معنى الرعاية الحقيقية لبيوت الله تبارك وتعالى، هو عمارتها بما هي غايته، وهو إقامة الصلاة وذكر الله جل وعلا.

قال سبحانه: (ﰂﰃﰄﰅﰆ ﰈﰉﰊ) [النور: ٣٦].

وهذا المعنى يتجسّد فيه مقصد الإسلام من تزكية النفس وتطهيرها، وزيادة الإيمان وصفاء القلب، وبه يبني الإنسان حصنًا متينًا يردعه بإذن الله تعالى من ارتكاب الفواحش واقتراف الآثام، فيعيش طاهرًا عفيفًا، نقيًّا تقيًّا.

ثانيًا: محبة الله تعالى للمتطهرين:

ذكر الله تعالى حبّه لعباده المتطهرين صراحة في موضعين.

قال سبحانه: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮯ ﮰ ﯘ ﯙ ) [البقرة: ٢٢٢].

السّياق هنا حول طهارة المرأة من الحيض، وإتيانها من حيث أحل الله تعالى، ولاشك أنّ هذا من الطهارة الحسيّة، ولكن حين يكون التعقيب بـ (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ) نجد أن المسألة امتدت للبعد المعنوي، وهذا من أظهر الدلائل على وجود رابط وثيق بين الطهارتين: الحسية والمعنوية، فلا تكاد تنفك إحداهما عن الأخرى، فما الرابط بينهما في هذا الموضع؟

نهى الله سبحانه وتعالى عن إتيان النساء وقت الحيض، والمقصود أن الجماع في هذا الوقت محرّم، فعن أنس رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [البقرة: ٢٢٢].

إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)33.

وفي الآية أمرٌ بإتيان النّساء من حيث أمر الله تعالى، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: يعني الفرج34. وليس أحدٌ معصومًا من الخطأ، والوقوع في ذلك وارد، ففتح الله تبارك وتعالى برحمته وفضله باب التوبة، بل رغّب فيه، وجعل التوابين صنفًا ممن يحبهم سبحانه.

وحتى لا يسوّل لأحد أن يقول: أعصي ثم أتوب؛ فالله تعالى يحب التوابين!، جاء التعقيب: (ﯞﯟ) [البقرة: ٢٢٢].

فلاشك أن منزلة الطهارة على أصلها، أرفع من أن يتلطّخ المرء بالذنب، ثم لا يدري: أيدرك التوبة، أم تسبقه المنيّة؟ وإن قدّمها -أي: التوبة- فهو لا يدري أتقبل منه أم ترد؟ ومع هذا، فلا يأس مع الرحمة الواسعة من الإله الكريم؛ لأنه غفور حليم، يحب () وهي من صيغ المبالغة، وفيها معنى تكرر التوبة لتكرر الذنب35، ويحب سبحانه () المتنزّهين عن الأقذار الحسية والمعنوية، فيدخل فيها المتطهّرون من الجنابة والأحداث، ويدخل فيها التطهّر بالتوبة من الذنب، سواءٌ كان هذا الذنب من إتيان النساء في أدبارهن، أو إتيانهن حال الحيض36.

يقول الشيخ السعدي رحمه الله: «وهذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث...، ويشمل التطهر المعنوي عن الأخلاق الرذيلة، والصفات القبيحة، والأفعال الخسيسة»37.

وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭟ ﭠ ﭥﭦ ﭯ ﭰ ﭻﭼ ﭿ ﮁﮂ ) [التوبة: ١٠٧ - ١٠٨].

سورة التوبة من السور الفاضحة للمنافقين38، وهنا يفضح الله تعالى سرًّا من أسرارهم، ويكشف لرسوله صلى الله عليه وسلم حقيقة المسجد الذي بنوه؛ ذلك أنّ رجلًا من الخزرج يسمى أبا عامر الرّاهب، قد حمل في نفسه كل الحقد والكراهية للإسلام، وساءه قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرًا من مكة إلى المدينة، فوصل به الأمر أن كان في صف قريشٍ يوم أحد، وبعدها رحل مستنصرًا بهرقل ملك الروم فوعده بالنّصر، وبدأ يراسل المنافقين في المدينة، وأمرهم ببناء مسجدٍ يكون لهم مقرًا لتجمعهم، ومرصدًا يرصدون به أخبار المسلمين وتحركاتهم، وحتى يثبتوا شرعية مسجدهم -وليس له من اسم (المسجد) أدنى نصيب-، دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه39.

ففضحهم الله تعالى من فوق سبع سماوات، وكشف خبثهم ومكرهم، ونهى رسوله عليه الصلاة والسلام أن يذهب إليهم، فما مسجدهم إلا رجسٌ ونجس، ومرتع لثلّة من الخبثاء -حاشا للمساجد أن تكون بؤرًا لدنس قومٍ كهؤلاء-، ثمّ يأتي الالتفات إلى منارة المتقين، ومورد المتطهرين، إنّه المسجد الذي أسّس على التقوى من أوّل يوم، قيل: هو مسجد قباء، وقيل: المسجد النبوي40.

وعلى أية حال فكلاهما بني على تقوى الله تعالى، بل انظر إلى المفهوم الأوسع.

يقول ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: ( ﭻ ﭼ ﭿ ﮁﮂ ) [التوبة: ١٠٨].

«دليل على استحباب الصلاة في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها على عبادة الله وحده لا شريك له، وعلى استحباب الصلاة مع جماعة الصالحين، والعباد العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء، والتنزه عن ملابسة القاذورات»41.

والمتأمّل في سياق الآية، ربّما يظنّ من الوهلة الأولى أن المراد بالطهارة هنا: هو طهارة القلب والنّفس؛ فالسياق يدور حول التحذير من مرتعٍ للمنافقين، والالتفات إلى ما هو خير منه، حيث المؤمنون الطاهرون، ولكنه التداخل الذي لا ينفك، من ارتباط الطهارة الحسية بالمعنوية.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نزلت هذه الآية في أهل قباء) (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [التوبة: ١٠٨].

قال: (كانوا يستنجون بالماء، فنزلت هذه الآية فيهم)42.

وهذا لا يعني أن الطهارة المعنوية غير مرادة في الآية، بل دلالة السياق، والمعنى من حيث اللغة يحتمل الوجهين، قال أبو العالية: «إن الطهور بالماء لحسن، ولكنهم المطهّرون من الذنوب»43.

«ومن المعلوم أن من أحب شيئًا لابد أن يسعى له، ويجتهد فيما يحب، فلابد أنهم كانوا حريصين على التطهر من الذنوب والأوساخ، والأحداث؛ ولهذا كانوا ممن سبق إسلامه، وكانوا مقيمين للصلاة، محافظين على الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقامة شرائع الدين، وممن كانوا يتحرزون من مخالفة الله ورسوله»44 عليه الصلاة والسلام.

ومعنى محبتهم للتطهر: أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه حرص المحب للشيء؛ فلذلك أحبهم الله وأحسن إليهم، كما يفعل المحب بمحبوبه 45.

ثالثًا: الثناء على أصحاب الطهارة:

أثنى الله تبارك وتعالى على رسله وأنبيائه، فهم دعاة الطهارة، وقدوة الناس فيها، فهذا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أطهر خلق الله تعالى، أثنى الله سبحانه وتعالى على خلقه، فقال: (ﮛﮜﮝﮞ) [القلم: ٤].

وأرسله الله سبحانه طاهرًا ومطهرًا، فقال سبحانه: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ) [آل عمران: ١٦٤].

وقدّم سبحانه التزكية على التعليم لبيان أهميتها، والمقصود: «يدعوهم إلى ما يكونون به زاكين طاهرين مما كان فيهم من دنس الجاهلية، أو من خبائث الاعتقادات»46.

والصحابة الكرام رضي الله عنهم هم أكثر النّاس اطلاعًا على سنّته صلى الله عليه وسلم، وهم أكثر حرصًا على اتباعها، وقد ذكر الله تعالى كثيرًا من صفاتهم في كتابه، وأقف هنا مع آيتين كريمتين تبيّنان ما في قلوبهم رضي الله عنهم من الطهارة والسّلامة.

يقول جل ثناؤه: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯽ ﯾ ﯿ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﭑﭒ ﭕ ﭖ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ) [الحشر: ٩-١٠].

يذكر لنا الله تبارك وتعالى حال قلوب الأنصار الذين تبوؤا المدينة وسكنوها من قبل إخوانهم المهاجرين الذين أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم أموال الفيء، الذي امتن الله به عليهم من أموال بني النضير بعد أن أجلوهم من المدينة؛ وذلك إثر غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقضهم ميثاقه47.

وهم مع صفاء قلوبهم على إخوانهم المهاجرين، يؤثرونهم على أنفسهم مع ما بهم من الحاجة، والإيثار كما يقول القرطبي رحمه الله: «هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية، ورغبة في الحظوظ الدينية؛ وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة»48.

يقول حجازي رحمه الله: «وهذا بلاشك يدل على صفاء النفس من أكدار المادة والدنيا، ويدل على قوة الروح، ومبلغ العزوف عنها، (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ) لا غير، فالشح داء عضال لا يصدر عنه خير، وهو سبب الكثير من الجرائم»49.

ثم يعرّج الله تبارك وتعالى على الذين جاؤوا من بعد هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وهم التابعون لهم بإحسان، يتبعون آثارهم الحسنة، وأوصافهم الجميلة، ويدعون لهم في السر والعلانية50.

ويؤكدون على معنى الطهارة القلبية من الحسد والغلّ تجاه إخوانهم المؤمنين، فمن دعائهم: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) وهذا يدل على صفاء قلوبهم، وشدة حبهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا صدّيق الأمة: أبو بكر رضي الله عنه، أوّل من آمن من الرجال، وأول من صدّق حبيبه صلى الله عليه وسلم بخبر الإسراء والمعراج، جاد بنفسه قبل ماله، فاستحق ثناء ربّه: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰ) [الليل:١٤-٢١].

يقول ابن عطية رحمه الله: «ولم يختلف أهل التأويل أن المراد بـ () إلى آخر السورة: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ثم هي تتناول كل من دخل في هذه الصفات»51.

وأثنى الله تعالى على أهل قباء، فقاله سبحانه: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ) [التوبة:١٠٨].

يقول ابن العربي رحمه الله: «هذا ثناء من الله تعالى على من أحب الطهارة، وآثر النظافة، وهي مروءة آدمية، ووظيفة شرعية»52.

ويثني الله تعالى على كل من يسعى لتزكية نفسه وتطهيرها من دنس المعاصي، ورذائل الأخلاق، قال تعالى: (ﯿﰀﰁ ) [الأعلى: ١٤].

وقال سبحانه: (ﭰﭱﭲﭳ) [الشمس: ٩].

يقول السعدي رحمه الله: «قد فاز وربح من طهّر نفسه، ونقّاها من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق»53.

رابعًا: وصف زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالطهارة:

يقول الله تبارك وتعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأحزاب: ٣٣].

هذه الآية العظيمة تتجلى فيها عناية الله سبحانه ببيت حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، وحتى نفهم ما في هذه الآية من المعاني العظيمة، والحكم الجليلة، لابد من تسليط الضوء على السياق الذي وردت فيه.

يقول تبارك وتعالى: ( ﯖﯗ ﯵﯶ ﯻﯼ ﭦﭧ ﭽﭾ ﭿ ﮅﮆ ﮋﮌ ﮚﮛ ) [الأحزاب: ٢٨-٣٤].

وبعد هذا الخطاب والتوجيه بكل ما حواه من التشريف والتكليف، تتجلى حكمته، وتأتي ثمرته: (ﮇﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) إنها العناية الخاصة من الله تعالى ببيت حبيبه صلى الله عليه وسلم، يتولى سبحانه أن يذهب كل ما من شأنه أن يخدش بطهارة هذا البيت وأهله الكرام، ويريد تعالى أن يطهّرهم تطهيرًا.

والرجس: «اسم يقع على الإثم، وعلى العذاب، وعلى النجاسات والنقائص، فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت»54، وفيه صورة بيانية؛ إذ «استعار للذنوب: الرجس، وللتقوى الطهر؛ لأن عرض المقترف للمقبحات يتلوّث بها، ويتدنس كما يتلوث بدنه بالأرجاس، وأما المحسنات فالعرض معها نقي مصون كالثوب الطاهر، وفي هذه الاستعارة ما ينفّر أولي الألباب عما كرهه الله لعباده، ونهاهم عنه، ويرغبهم فيما رضيه لهم وأمرهم به»55.

والمراد بأهل البيت: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين 56.

قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرطٌ مرحلٌ57 من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: ( ﮋ ﮌ )58.

( ﮚ ﮛ ) تأتي هذه الآية ختامًا لما تقدم من الأوامر الإلهية لحفظ بيت النبوة وتطهيره؛ لينطلق منه النور، ويرسل شعاعه في العالمين، ينقل لهم ما نزل فيه من القرآن الكريم، وما نطق به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الحكمة، وهي: ما أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحكام دين الله، ولم ينزل به قرآن، وذلك السنة59، «وهذا التذكير يجيء كذلك في ختام الخطاب الذي بدأ بتخيير نساء النبي صلى الله عليه وسلم بين متاع الحياة الدنيا وزينتها، وإيثار الله ورسوله والدار الآخرة، فتبدو جزالة النعمة التي ميّزهن الله بها؛ وضآلة الحياة الدنيا بمتاعها كله وزينتها»60.

(ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) «إن الله كان ذا لطف بكن؛ إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة، خبيرًا بكن؛ إذ اختاركن لرسوله أزواجًا»61.

وفي صورة أخرى من صور العناية الإلهية ببيت النبوة يأتي الأمر الإلهي للصحابة الكرام رضي الله عنهم: ( ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأحزاب: ٥٣].

والمتاع: عام في جميع ما يمكن أن يطلب على عرف السكنى والمجاورة من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا62.

و«تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم»63.

«وفي هذا أدب لكل مؤمن، وتحذير له من أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له، والمكالمة من دون حجاب لمن تحرم عليه»64.

وما أحوجنا في هذا الزمن إلى الالتزام بهذه التعاليم السمحة، والأخلاق الراقية، وما فساد كثير من بيوت المسلمين اليوم إلا بسبب إهمال المرأة لأسرتها، وعدم اهتمامها ببيتها، بل أصبحت العناية بالتزين للخروج إلى السوق والعمل يشغل كثيرًا من النساء على حساب العناية بالزوج والتزين له، وأصبح كثير من الرجال تلاحق أنظاره المتبرجات من النساء، ولا يكتف بما أحل الله تعالى له في زوجته، فانعكست المفاهيم، وضاع كثير من البيوت، وتشتّت الأسر، وغدت العيادات النفسية، ودور الشعوذة والدجل تعجّ بالتائهين الباحثين عن علاج لمشكلاتهم الأسرية، ولو أنهم عادوا إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، لاستقرّت أوضاعهم، وعاشوا في سعادة وهناء، وطهارة ونقاء.

خامسًا: وصف نساء أهل الجنة بالطهاة:

الحور العين نعيمٌ أعدّه الله تعالى لأهل الجنة، وذكره في وصف الجنة ونعيمها في أكثر من موضعٍ في القرآن الكريم، وبيّن عددًا من صفاتهنّ وسماتهنّ، ومنها: طهارتهنّ، ووصفهنّ بالطهارة صراحةً جاء في مواضع ثلاثة:

  1. قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭪ ﭫ ﭮﭯ ﭳ ﭴ ) [البقرة: ٢٥].
  2. وقال تعالى: ( ﯡ ﯢ ﯲﯳ ) [آل عمران: ١٥].
  3. وقال تعالى: ( ﮬ ﮭ ﮱ ﯓ ) [النساء: ٥٧].

    عند تأمّل الآيات السابقة يلاحظ أن هذه الزوجات الطاهرات هنّ مكافأة وجزاء لأهل الطهارة في الدنيا المتقين؛ الذين رضوا بالله ربًّا، واستقاموا على عمل الصالحات، فاستحقوا بإذن ربهم زوجات طاهرات؛ جزاء لهم أن حفظوا عهود ربهم ومواثيقه عليهم، فالتزموا بالطهارة ظاهرًا وباطنًا، وبتأمل السياق لكل آية أجد أنّ لها جوها الذي يميزها، ومعطياتها التي تتفق مع حال المخاطبين وأحوالهم.

    ففي سورة البقرة: ( ﭜﭝ ﭣﭤ ﭪﭫ ﭮﭯ ﭳ ﭴ ﭶ ﭷ) [البقرة:٢٥].

    وقبل هذه الآية ذكر تعالى حال الكافرين، وقال عن مصيرهم: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰁﰂ ) [البقرة: ٢٤].

    «لما ذكر تعالى ما أعده لأعدائه من الأشقياء الكافرين به وبرسله من العذاب والنكال عطف بذكر حال أوليائه من السعداء المؤمنين به وبرسله، الذين صدّقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة»65.

    «وهكذا جرت العادة في القرآن -غالبًا- متى جرى ذكر الكفار وما لهم أعقب بالمؤمنين وما لهم وبالعكس؛ لتكون الموعظة جامعة بين الوعيد والوعد واللطف والعنف؛ لأن من الناس من لا يجذبه التخويف ويجذبه اللطف، ومنهم من هو بالعكس»66.

    والبشارة: أصلها الخبر بما يسر المخبر به67، وسمّيت بذلك لما يظهر من أثر على البشرة بتغيرها68.

    وعند تأمّل هذه الآية نجد فيها: «ذكر المُبَشِّر والمُبَشَّر والمُبَشَّر به، والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمُبَشِّر: هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته، والمُبَشَّر: هم المؤمنون العاملون الصالحات، والمُبَشَّر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات، والسبب الموصل لذلك هو الإيمان والعمل الصالح، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة، إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة، على يد أفضل الخلق، بأفضل الأسباب»69.

    وفي آية آل عمران نجد موازنة وتفاضلًا بين أمرين، بين ما في الدنيا من شهوات زائلة فانية: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘﯙ ﯚ) [آل عمران: ١٤].

    وبين النعيم الدائم في جنات الخلود: ( ﯡﯢ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [آل عمران: ١٥].

    «وفي هذه الآية تسلية عن زخارف الدنيا، وتقوية لنفوس تاركها، وتشريف الالتفات من الغيبة إلى الخطاب؛ ولما قال: (ﮱ ﯓ) فأفرد، جاء ( ) فأفرد اسم الإشارة»70.

    وفي سورة النساء يأتي السياق بذكر أحوال أهل النار أعاذنا الله منها وما يلاقونه من أشد العذاب (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮛﮜ ) [النساء: ٥٦].

    وكعادة القرآن في الوعد والوعيد يأتي بعد ذكر هذه الحال المخزية لمن تنجسّت قلوبهم بدنس الكفر بالله عز وجل، ذكر مآل المؤمنين الطاهرين (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮬﮭ ﮱﯓ ) [النساء: ٥٧].

    روي عن بعض السلف أنّ معنى () أي: من النجاسات والقذارات الحسية، و«لكن ظاهر اللفظ يقتضي أنهن مطهرات من كل ما يشين؛ لأن من طهّره الله تعالى ووصفه بالتطهير كان في غاية النظافة والوضاءة»71. فلفظ () أبلغ من طاهرة72.

    وجاء وصف نساء أهل الجنة بالطهارة عمومًا، حتى يكون المعنى شاملًا جامعًا لما يتناوله من معان الطهارة «فلم يقل: (مطهّرة من العيب الفلاني) ليشمل جميع أنواع التطهير، فهن مطهّرات الأخلاق، مطهّرات الخلق، مطهّرات اللسان، مطهّرات الأبصار، فأخلاقهن أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن، وحسن التبعّل، والأدب القولي والفعلي، ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني، والبول والغائط، والمخاط والبصاق، والرائحة الكريهة، ومطهّرات الخلق أيضًا، بكمال الجمال، فليس فيهن عيب، ولا دمامة خلق، بل هن خيرات حسان، مطهّرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن، وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح»73.

    أنواع الطهارة

    أولًا: الطهارة المعنوية:

    الأصل أن تكون البداية مع المحسوسات؛ لأنها الطريق المؤدي لمعرفة الماديات وإدراكها، ولكن لما كانت الطهارة المعنوية هي الأصل، والطهارة الحسية فرعٌ منها بدأت بها، وهنا سأسلّط الضوء على الجوانب التي يشملها معنى الطهارة المعنوية:

    ١. الطهارة من الشرك.

    إن أعظم نجاسة يتلطخ بها المرء هي الإشراك بربه وقد خلقه ورزقه؛ ولذلك استحق المشركون بأن يصفهم الله تعالى بـ(النّجس) فقال: (ﭢﭣﭤ) [التوبة: ٢٨].

    «لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس؛ ولأنهم لا يتطهّرون، ولا يغتسلون، ولا يجتنبون النجاسات، فهي ملابسة لهم، أو جعلوا كأنهم النجاسة بعينها، مبالغة في وصفهم بها»74.

    يقول سيد رحمه الله: «يجسّم التعبير نجاسة أرواحهم فيجعلها ماهيتهم وكيانهم، فهم بكليتهم وبحقيقتهم نجس، يستقذره الحس، ويتطهر منه المتطهرون! وهو النجس المعنوي لا الحسي في الحقيقة، فأجسامهم ليست نجسة بذاتها، إنما هي طريقة التعبير القرآنية بالتجسيم»75.

    ومع وجود الآيات والشواهد الدالة على وحدانية الله جل وعلا، نجد أكثر الناس أبى إلا كفورًا؛ ولذا حذرنا المولى تبارك وتعالى من الكفر والشرك أشد الحذر.

    قال تعالى: ( ﮮﮯ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ) [النساء: ٤٨].

    فوصف الله تعالى الشرك: بالإثم العظيم، وفي موضع آخر وصفه بالضلال البعيد: (ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ) [النساء: ١١٦].

    ولذا كان الشرك من أعظم الموبقات، وأكبر الخطيئات التي تؤدي بصاحبها إلى الهلكات، ومنه حذرنا حبيبنا الرحيم بنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله من السبع الموبقات المهلكات، وما ذاك إلا لخطورته وشناعته.

    فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)76.

    يقول ابن القيم رحمه الله: «فأما نجاسة الشرك فهي نوعان: نجاسة مغلّظة، ونجاسة مخفّفة، فالمغلّظة الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل، والمخفّفة الشرك الأصغر، كيسير الرياء، والتصنع للمخلوق، والحلف به، وخوفه، ورجائه»77.

    وبيّن لنا الله تبارك وتعالى خطورة الشرك على الأعمال الصالحة، كيف أنه يمحقها، فقال سبحانه: (ﮯﮰ ) [الزمر: ٦٥].

    ولذلك لا يقبل من أحدٍ عملًا مهما كان فيه من منفعة وإحسان إلا أن يكون لوجه الله تعالى خالصًا، من قلبٍ لا يشرك بالله أحدًا ( ﰎﰏ ) [الكهف: ١١٠].

    وهذا لقمان الحكيم يوصي فلذة كبده، ويعطيه خلاصة الحكم والدروس، وعلى رأسها عبادة الله وحده لا شريك له، فيبدأ وصاياه ويستهلّها بقوله: (ﭬ ﭭﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [لقمان: ١٣].

    و«وجه كونه عظيمًا أنه لا أفظع وأبشع ممن سوّى المخلوق من تراب بمالك الرقاب، وسوّى الذي لا يملك من الأمر شيئًا بمن له الأمر كله، وسوّى الناقص الفقير من جميع الوجوه بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه...، وهل أعظم ظلمًا ممن خلقه الله لعبادته وتوحيده فذهب بنفسه الشريفة فجعلها في أخس المراتب، جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئًا، فظلم نفسه ظلمًا كبيرًا»78.

    وهذا نبي الله عيسى ابن مريم الطاهر ابن الطاهرة عليه السلام يتولى الله تعالى تطهيره وتخليصه من دنس الكفر والكافرين: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [آل عمران: ٥٥].

    يقول ابن عطية رحمه الله: «حقيقة التطهير إنما هي من دنس ونحوه، واستعمل ذلك في السب والدعاوى والآثام وخلطة الأشرار ومعاشرتهم، تشبيهًا لذلك كله بالأدناس، فطهّر الله العظيم عيسى من دعاوى الكفرة ومعاشرتهم القبيحة له»79.

    ٢. الطهارة من المعاصي.

    الراجح من عقيدة المسلمين أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية80.

    والعاقل يدرك هذا المعنى، فتعظم في نفسه المعاصي، وتشتدّ عنده حرمتها، ولو كانت في أعين الغافلين هيّنةً صغيرة؛ لأن الصغيرة مع الصغيرة كبيرة، والذنوب تأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما المفلس؟) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: (إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)81.

    قال ابن القيم رحمه الله: «وقد وسم الله سبحانه الشرك والزنا واللواطة بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب، وإن كانت مشتملة على ذلك، لكن الذي وقع في القرآن قوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ) [التوبة: ٢٨].

    وقوله تعالى في حق اللوطية: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأنبياء: ٧٤].

    وقالت اللوطية: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النمل: ٥٦].

    فأقرّوا مع شركهم وكفرهم أنهم هم الأخباث الأنجاس، وأن لوطًا وآله مطهّرون من ذلك باجتنابهم له، وقال تعالى في حق الزناة: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [النور: ٢٦]82.

    وفي سورة الإسراء يوجّه الله تبارك وتعالى مجموعة من الوصايا لعباده83، بدأها بإفراده سبحانه بالعبادة، وأردف مع التوحيد الوصية بالوالدين إحسانًا، وتوالت التعليمات والوصايا، وكان منها:

    قوله تعالى: (ﮊﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الإسراء: ٣٢].

    فلم يكتف الشارع بالأمر بترك الزنا فقط، أو تحريمه فحسب، بل منعنا الله تبارك وتعالى من مجرد الاقتراب منه.

    يقول السعدي رحمه الله: «والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه، فإن: (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه)84.

    ووصف الله الزنا بأنه () أي: إثمًا يستفحش في الشرع والعقل والفطر، لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله، وحق المرأة، وحق أهلها، أو زوجها، وإفساد الفراش، واختلاط الأنساب، وغير ذلك من المفاسد»85.

    يقول حجازي رحمه الله: «الزنا عادة تتنافى مع مبادئ الإنسانية الأولى، لم يقرّه شرع أبدًا، ولم يؤيده قانون، فيه هتك الأعراض، واختلاط الأنساب، وقضاء على الحرمات، وتقويض86 دعائم الاجتماع والعمران، وما شاع الزنا في قوم إلا ابتلاهم الله بالأمراض والأوجاع، وسلّط عليهم الفقر والذل والهوان»87.

    ولشدة عظم هذه الكبيرة عند الله تبارك وتعالى جعل الاقتراب منها منهيًّا عنه، سواء كان نظرًا أو خلوة، أو مصافحة، أو غيرها، ولو التزم أفراد المجتمع بهذه التعاليم الإلهية لطهرت بيوتهم، ولأمنوا على أعراضهم، فالزنا جريمة متعدية، وقد سبك الإمام الشافعي رحمه الله دررًا من شعره في التحذير منه، فقال88:

    عفوا تعف نساؤكم في المحرم

    وتجنبوا ما لا يليق بمسلم

    إن الزنا دين فإن أقرضته

    كان الزنا من أهل بيتك فاعلم

    ومن الذنوب الكبيرة التي لها أثر عظيم في فساد النفوس وتلويثها: اللواط، وهي فعلة شاذة، حتى الحيوانات العجماوات التي لا عقل لها ولا حس لم يذكر فيها أن نزا فحل على آخر، ولكنّها النفوس المريضة من بني البشر، وها هم قوم لوط عليه الصلاة والسلام بعد أن استفحل فيهم الأمر واستهانوا به، صار عندهم عادة طبيعية، بل أكثر من ذلك!

    فقد جرّموا نبي الله فيهم عليه السلام وآله الأطهار، وليت شعري بأي جريمة رموهم؟

    إنها جريمة الطهارة! (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النمل: ٥٦].

    ضاعت عقولهم، وسلبت قلوبهم، فقلبوا الموازين، وتركوا ما أحل الله لهم من النساء، وفعلوا فعلتهم النكراء، فاستحقوا أن خسف الله بهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [هود: ٨٢-٨٣].

    ويهدد الله القوي العزيز، كل من تسوّل له نفسه بتلك الجريمة البشعة، فيقول محذّرًا ومتوعّدًا: ( ).

    ٣. الطهارة من أمراض القلوب.

    القلب وسلامته من الآفات والأمراض مطلب مهم، وغاية تسمو لها أرواح المؤمنين؛ لأنهم يدركون مدى أهمية تطهيره مما يشوبه من الأدناس والأرجاس، فبصلاحه صلاح النفس، وتفسد بفساده، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)89.

    وقد بيّن الله تبارك وتعالى ما ينجّي العبد يوم القيامة، فقال سبحانه: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الشعراء: ٨٨-٨٩].

    فالقلب السليم الطاهر هو من يأتي يوم القيامة فائزًا.

    وأمراض القلوب يدخل فيها الشرك والشهوات (المعاصي) وقد تقدم ذكرها، وهنا أقف على أنواع أخرى منها قد تعرّض لها القرآن الكريم، وبيّن لنا مدى خطرها على طهارة القلب وسلامته، وهي: النفاق والهوى والكبر والحسد والغلّ.

    حذرنا الله تبارك وتعالى من مرض النفاق، وتوعّد المنافقين بالعذاب الشديد، فقال سبحانه: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯡ ﯢ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ) [التوبة: ٦٨].

    وخطورة المنافق أشد من خطر الكافر؛ لأنه يخفي عداوته، فيفسد في صفوف المسلمين، وينشر بينهم سمّه وخبثه، ولذا كان جزاؤهم أنهم (ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [النساء: ١٤٥].

    ومن الأمراض الخطيرة على القلب اتباع الهوى، فالله جل وعلا أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ووضع الأدلة والبراهين الدالة على الحق المبين، فيدركه الإنسان عقلًا ونقلًا، وأما إن صدّ عنه واتّبع هواه.

    فقد توعّده الله جل في علاه (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰊﰋ ﰓﰔ ) [ص: ٢٦].

    وضرب الله تعالى لنا مثلًا فيمن جاءه الحق وعرفه، ولكنه أبى إلا أن يصد عنه ويتبع هواه، فكان له مثل السوء: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮧﮨﮩ ﯓﯔ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأعراف: ١٧٥- ١٧٦].

    وفي المقابل بيّن الله تعالى جزاء المتقين، الذين لا يستجيبون لهوى نفوسهم إيثارًا لرضا ربهم، فقال سبحانه: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ) [النازعات: ٤٠-٤١].

    ومن الأمراض التي تدنس القلب: الكبر، فقد خلق الله جل وعلا البشرية من ماء مهين، ولم يجعل لهم ما بأيديهم من نعمه عليهم، من المال والبنين، وغيرها، إلا لينفع بعضهم بعضًا: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الزخرف: ٣٢].

    فليست هذه النّعم للتفاوت والتفاضل؛ لأن معيار التفاوت هو المسارعة في الخيرات، والتزود بالطاعات (ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ) [الحجرات: ١٣].

    وهذا قارون لما تكبّر على خلق الله، وتطاول على خالقه ومولاه، جعله الله عبرة وعظة: (ﮗﮘﮙﮚ) [القصص: ٨١].

    ومن خطورة هذا المرض: أن يعمي البصيرة، فيرى الإنسان أمامه الشواهد والدلائل، ولكنه لكبره يعرض عنها ويدبر (ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ) [النمل: ١٤].

    ومن حسرة أهل النار يوم القيامة أعاذنا الله منها يوم أن يروا العذاب قد أحاط بهم، فيندموا على ما فات من خبيث أعمالهم، ويقول قائلهم: (ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ) [الحاقة: ٢٨-٢٩].

    فهذا الشحّ الذي لطّخ قلوبهم، حملهم على أن تكبّروا على خلق الله، فلم تنفعهم تلك الأموال، بل دنست قلوبهم، وجعلتهم يتسلطون على الناس بغير حق، فاستحقوا العذاب من ربهم.

    ومن أمراض القلوب الحسد، وهو داء خطير، وشرٌّ مستطير، به قتل الأخ أخاه، كما في قصة قابيل وهابيل، وبسببه عاند اليهود، فلم يؤمنوا بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، مع إيقانهم بصدق نبوته، بل لشدة حسدهم أرادوا أن يصدوا المسلمين عن دينهم ( ﮐﮑ ﮢﮣ ﮩﮪ ) [البقرة: ١٠٩].

    وأما المؤمنون الطاهرون، فيسألون الله تبارك وتعالى أن ينزّههم عن هذا النجس فيقولون: ( ﭙﭚ ﭛﭜ ) [الحشر: ١٠].

    ثانيًا: الطهارة الحسية:

    ١. الطهارة من النجاسات.

    قال تعالى: (ﭟﭠﭡ ﭫﭬ ﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷ ) [التوبة: ٢٨].

    هذه الآية وإن كان الراجح فيها أن النجاسة المرادة هي نجاسة الباطن بالشرك، إلا أن فيها معنى النجاسة الحسية؛ ذلك أن المشركين بعيدون عن شرع الله تعالى، وأحكام دينه المقتضية من عباده البعد عن النجاسات والتطهر منها، كما هو حال المسلمين مع الوضوء والاغتسال والاستنجاء وغيرها من الأمور التي يتحصّل بها التحرز من النجاسات والتطهر منها، وبهذا يصح أن يكون المراد بنجاسة المشركين هذا المعنى الحسيّ تبعًا على أن الأصل هو نجاستهم المعنوية.

    وقال تبارك وتعالى: (ﯖﯗ) [المدثر: ٤].

    في هذه الآية، يأمر الله تبارك وتعالى حبيبه وصفيّه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم، بتطهير الثياب، والمراد: تطهيرها حسًّا ومعنًى، وقد كان المشركون لا يتطهّرون، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتطهّر، وأن يطهّر ثيابه90.

    وقال بعضهم: المراد بالثياب: الجسم، وتنظيفه يكون عن النجاسة، وهو آكد وقت الصلاة، ومندوب في غيرها، والدليل على أنه التنظّف للصلاة قوله تعالى في الآية السابقة لها: (ﯓﯔ) [المدثر: ٣].

    وقيل: المراد بتنظيف الثياب: تقصيرها حتى لا تقع على النجاسات91.

    يقول ابن القيم رحمه الله: «الآية تعم هذا كله، وتدل عليه بطريق التنبيه واللزوم، إن لم تتناول ذلك لفظًا؛ فإن المأمور به إن كان طهارة القلب، فطهارة الثوب وطيب مكسبه تكميل لذلك، فإن خبث الملبس يكسب القلب هيئة خبيثة...، والمقصود: أن طهارة الثوب وكونه من مكسب طيب هو من تمام طهارة القلب وكمالها»92.

    ويؤكّد هذا المعنى الشيخ السعدي رحمه الله بقوله: «وإذا كان مأمورًا بتطهير الظاهر فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن»93.

    والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما النجاسات التي أمرنا الله تعالى بالتطهر منها؟

    النّجاسة: ضد الطهارة، وهي ضربان: ضرب يدرك بالحاسة، وضرب يدرك بالبصيرة، والثاني وصف الله تعالى به المشركين فقال: (ﭢﭣﭤ) [التوبة: ٢٨].

    ونحن في هذا الباب يعنينا المعنى الحسيّ، ويشمل: الخبث والحدث، أمّا الخبث فهو العين المستقذرة، ويتعلّق: بالبدن والثوب والمكان، ومن أمثلته: البول والغائط، وأمّا الحدث: فهو وصف شرعي يحل في الأعضاء يزيل الطهارة، وهو نوعان: حدث أصغر وأكبر، وطهارة الأول: الوضوء، والثاني: الغسل، وعند تعذر استعمال الماء يستبدلان بالتيمم94.

    ومن مرادفات النجاسة: الرجس، وهو الشيء القذر95.

    قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮯﮰ ﯖﯗ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنعام: ١٤٥].

    الميتة: يراد بها الحيوان الذي فارقته الحياة بغير ذبح شرعي96.

    والدّم المسفوح: هو الجاري الذي يسيل ويتدفّق من عروق المذبوح97.

    ويستثنى منه ما كان في اللحم والعروق، وكذلك الكبد والطحال، وقد اتفق العلماء على نجاسة الدّم98.

    وأما لحم الخنزير فهو معروف، ولا زال كثير من غير المسلمين يحرصون على أكله مع ما توصّلوا إليه بأنفسهم من نجاسته وقذره، وخطره على الصحة، فبيّنت الآية نجاسة كلٍّ من: الميتة والدّم ولحم الخنزير99.

    ومن الأمور التي جاء في القرآن الكريم وصفها بالرجس: الخمر والميسر والأنصاب والأزلام.

    قال جل وعلا: ( ﭖﭗ ) [المائدة: ٩٠].

    ما هذه الأمور التي ذكرتها الآية؟ وما مدى نجاستها؟

    بداية الخمر معروفة، والميسر هو: القمار، والأنصاب: حجارة كانت توضع عند الكعبة المشرفة، وكان المشركون يذبحون عندها قرابينهم، والأزلام، مثل: السّهام، وهي ثلاثة، مكتوب على الأول: نعم، وعلى الثاني: لا، والثالث لا كتابة عليه، وكانت توضع عند الأصنام أو الكهّان، وكانوا يستقسمون -يستهمون- بها عند إرادة فعل شيء أو سفر أو غيره، فكانوا يتفاءلون أو يتشاءمون بناءً على ما يظهر لهم منها، فبيّن الله تبارك وتعالى أنها: رجس، أي: نجس، ونجاستها معنوية؛ لما فيها من الإثم، وأمّا الخمر فهي نجس حسًّا ومعنى100.

    وعلاقة ذكر هذه الآية في هذا الباب: هي نجاسة الخمر، وأمّا بقية الأمور الواردة في الآية مع الخمر -المقصود شربها- فهي من المحرّمات التي من تلطخ بها يتلوث ويتنجس قلبه.

    كما قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩١].

    فهذه المحرّمات من شأنها أن تحول بين مقترفها وبين ذكر الله تعالى والصلاة، اللذين هم من أهم أسباب تطهير القلب والنّفس.

    ٢. التطهر من الجنابة.

    قد ورد في القرآن الكريم معنى التطهر من الجنابة في ثلاثة مواضع، بإشارة مباشرة، وأمر صريح، وإشارة غير مباشرة:

    أما الإشارة المباشرة ففي سورة النساء، قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﯖ ﯗ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯴ ) [النساء: ٤٣].

    ينبّه الله تعالى عباده المؤمنين على التطهر من الجنابة بالاغتسال، أو التيمّم لمن تعذر عليه الغسل، وفي سورة المائدة، جاء الأمر مباشرًا صريحًا: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [المائدة: ٦].

    فهذا أمر صريح مباشر بالتطهر من الجنابة.

    أما الإشارة غير المباشرة، ففي سورة الأنفال، قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭿ ) [الأنفال: ١١].

    يتحدّث الله تعالى عن ما امتن به على أوليائه المؤمنين في غزوة بدر، وقد كان الكفار من قريش سبقوا إلى موضع الماء، فغلبوا المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين الظمأ والنصب101، فأنزل الله تعالى عليهم المطر، «لأنهم كانوا أصبحوا يومئذٍ مجنبين على غير ماء؛ فلما أنزل الله عليهم الماء اغتسلوا وتطهروا، وكان الشيطان قد وسوس إليهم بما حزنهم به من إصباحهم مجنبين على غير ماء، فأذهب الله ذلك من قلوبهم بالمطر؛ فذلك ربطه على قلوبهم، وتقويته أسبابهم، وتثبيته بذلك المطر أقدامهم؛ لأنهم كانوا التقوا مع عدوهم على رملة هشّاء فلبّدها المطر، حتى صارت الأقدام عليها ثابتة لا تسوخ فيها، توطئة من الله عز وجل لنبيه عليه السلام وأوليائه أسباب التمكن من عدوهم والظفر بهم»102.

    وأمّا عن الحكمة من الاغتسال من الجنابة، يقول ابن القيم رحمه الله: الغسل من المني من أعظم محاسن الشريعة، وما اشتملت عليه من الرحمة والحكمة والمصلحة، فإن المني يخرج من جميع البدن؛ ولهذا سماه الله سبحانه وتعالى () 103 لأنه يسيل من جميع البدن، وأيضًا فإن الجنابة توجب ثقلًا وكسلًا، والغسل يحدث له نشاطًا وخفة، وقد صرح أفاضل الأطباء بأن الاغتسال بعد الجماع يعيد إلى البدن قوته، ويخلف عليه ما تحلل منه، وأنه من أنفع شيء للبدن والروح، وتركه مضر، ويكفي شهادة العقل والفطرة بحسنه، وبالله التوفيق104.

    ٣. التطهر من الحيض.

    وصف الله تعالى الحيض بأنه: () لنتن ريحه وقذره ونجاسته105.

    قال تعالى: ( ﮢﮣ ﮪﮫ ﮯﮰ ﯘﯙ ) [البقرة: ٢٢٢].

    قال قتادة: «فكان أهل الجاهلية لا تساكنهم حائض في بيت، ولا تؤاكلهم في إناء، فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك، فحرّم فرجها ما دامت حائضًا، وأحل ما سوى ذلك: أن تصبغ لك رأسك، وتؤاكلك من طعامك، وأن تضاجعك في فراشك، إذا كان عليها إزار محتجزة106 به دونك»107.

    والمقصود بالأذى أي: الشيء يستقذر منه، ويؤذي من يقربه نفرةً منه وكراهةً له108 (ﮱﯓ) المقصود الغسل ( ) من المأتى الذي حلّله لكم وهو القبل109.

    ويلحق بالحيض النفاس في وجوب التطهّر منه، وهو ما يخرج من المرأة بعد الولادة، وإن كان القرآن الكريم لم يذكره؛ ولكنه ألحق بالحيض في الاغتسال منه؛ إذ إنه -أي: النفاس- دم حيض مجتمع110.

    ثالثًا: وسائل التطهير الحسية والمعنوية:

    ١. الماء.

    قال تعالى: ( ):

    من أعظم نعم الله تبارك وتعالى علينا: نعمة الماء، قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ) [الأنبياء: ٣٠].

    وقال سبحانه: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ) [الفرقان: ٤٨].

    وصف الله تعالى الماء بأنه طهور على وزن (فعول) من صيغ المبالغة، أي: فهو طاهرٌ في نفسه، مطهّرٌ لغيره111، قال تعالى: عن المؤمنين في غزوة بدر: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنفال: ١١].

    يقول أبو السعود رحمه الله: «ووصف الماء به إشعار بتمام النعمة فيه، وتتميم للنعمة فيما بعده؛ فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهوريته، وتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهّروها فبواطنهم أحق بذلك وأولى»112.

    إذن فالماء لا يقتصر في كونه سببًا في طهارة الظاهر فحسب، بل هو سبب مهم في طهارة الباطن كذلك.

    قال سبحانه: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [ق: ٩].

    وصف الماء النازل من السماء بالبركة يفتح أمامنا آفاقًا كبيرة في سرّ هذه النعمة، فالبركة في اللغة: تعني النّماء والزيادة والسعادة113.

    يقول أبو حيّان الأندلسي رحمه الله: «(ﮢﮣ) أي: كثير المنفعة»114.

    فالمطر كما نعلم سببٌ في سعادة الكبار قبل الصغار، وبه يحيي الله تعالى الأرض، فتخرج بركاتها بإذن ربها، بل فيه شفاء بإذن الله تعالى، ومما يؤيد أنه سبب في طهارة الباطن الآية المتقدمة من سورة الأنفال: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) يقول السعدي رحمه الله في قوله تعالى: ( ﮐ ﮑ ) [الفرقان: ٤٨-٤٩].

    «يطهّر من الحدث والخبث، ويطهّر من الغش والأدناس، وفيه بركة، من بركته أنه أنزله ليحيي به بلدة ميتًا، فتختلف أصناف النوابت والأشجار فيها، مما يأكل الناس والأنعام»115.

    بعد هذه الوقفة مع الماء في كونه سببًا في الطهارة يأتي الحديث عن طرائق التطهر به التي ذكرها القرآن الكريم، وهي: الوضوء والاغتسال.

    • الوضوء.

      والقرآن الكريم ذكر الوضوء في موضعٍ واحد، وهو قوله جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ) [المائدة: ٦].

      هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين، يأمرهم سبحانه بالوضوء للصلاة (ﭔﭕﭖﭗ) والمراد: إذا أردتم الصلاة، وليس المقصود الوضوء عند القيام في الصلاة116، والأمر بالوضوء عند القيام للصلاة واجب على المحدث، ومندوب للمتوضئ117.

      ثم بدأ تبارك وتعالى يشرح كيفيته النية، وقد دلّ عليها قوله تعالى: (ﭔﭕﭖﭗ) وقد نصّ النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب النية في كل عمل، وكونها شرطًا لقبوله.

      في الحديث المتفق عليه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)118.

      ثم قال تعالى: (ﭘﭙ) والغسل: إسالة الماء على الشيء لإزالة ما عليه من وسخ وغيره119، وحدّ الوجه: طولًا: من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين -أسفل الذقن-، وعرضًا: من الأذن إلى الأذن الأخرى120.

      ثم غسل اليدين إلى المرفقين، قال تعالى: (ﭚﭛﭜ) فعطف الأيدي على غسل الوجه، فدل على أن فرضهما الغسل، ثم قال سبحانه: (ﭝﭞ) والمراد: مسح الرأس دون الوجه؛ لأنه قيّد الوجه بالغسل أولًا، ثم ذكر مسح الرأس؛ فدلّ على أنه -أي: الوجه- غير داخل في المسح، واختلف العلماء في المقدار الواجب في مسح الرأس، وخلافهم راجع إلى معنى حرف الجر (الباء) في قوله تعالى: () هل هي للتبعيض أم مؤكدة أم زائدة؟

      والإجماع على أن من مسح رأسه كله فقد أحسن وفعل ما يلزمه121.

      ثم قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ) والمراد: غسلهما؛ لأنها منصوبة، فصارت معطوفة على المنصوب قبلها، وهو غسل الوجه واليدين، ولابدّ في هذه الأركان من الترتيب؛ بدليل أن الآية ذكرتها مرتبة، حتى أنها جعلت الممسوح -وهو الرأس- بين المغسول، فدل على وجوب الترتيب122.

      وهذه الأمور التي ذكرتها الآية هي فرائض الوضوء، ولا يصح الإخلال بها أو بأحدها، وهناك سنن بيّنتها السنة، ويمكن تلخيصها في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يعلّمنا كيف كان حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم يتوضأ، روى البخاري ومسلم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بوضوء فتوضأ فغسل كفّيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه)123.

      هذا الحديث يبيّن لنا مدى حرص الصحابة الكرام رضي الله عنهم على السنة، وأنهم كانوا يحرصون عليها أشد الحرص؛ لأنها سنة، بينما نحن اليوم يفرّط الكثير منّا فيها، ويتهاون بها لأنها سنّة!

      والحديث كذلك يبرز مدى صلة الطهارة الحسية بالمعنوية، وعمق الترابط بينهما، فمن وسائل الطهارة المعنوية أداء ما افترض الله تعالى، وأعظم هذه الفرائض بعد الشهادتين الصلاة، والتي من شروطها الوضوء، الذي هو مع كونه طهارة حسية فهو طهارة معنوية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ العبد المسلم -أو المؤمن- فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء أو نحو هذا، و إذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب)124.

    • الغسل.

      قدّ بيّن القرآن الكريم أنه يجب التطهر من الجنابة.

      قال سبحانه: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ) [المائدة: ٦].

      والطهارة من الجنابة تكون بالاغتسال.

      قال سبحانه: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮭﮮ ﮯﮰ ﯖﯗ) [النساء: ٤٣].

      ولم يبيّن القرآن كيفية الغسل، وبيّنته السنّة، وهو: إفاضة الماء على جميع البدن على وجه مخصوص.

      ٢.الصعيد الطاهر.

      وقد شرع الله تعالى لنا في بعض الأحوال الانتقال من التطهّر بالماء -وهو الأصل- إلى التطهّر بالتراب، أو الصعيد سواءٌ كان ترابًا أو حجارة، أو سبخة ونحوه125.

      وهذه مزيّة اختصّ الله تعالى بها أمة حبيبه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي) وذكر منها: (وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا)126.

      قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ) أي: اقصدوا الصعيد الطيب127، وفي الشرع: القصد إلى الصعيد الطيب لمسح الوجه، واليدين منه بنية استباحة الصلاة عند عدم الماء، أو العجز عن استعماله128.

      وذكر الله تعالى التيمّم في سورة المائدة بعد أن ذكر الوضوء والغسل.

      فقال سبحانه: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭿ ﮀﮁ ﮋﮌ ﮏﮐ) [المائدة: ٦].

      وذكر التيمم كذلك في سور النساء.

      قال تعالى: (ﮣﮤ ﯖﯗ ﯯﯰ ) [النساء: ٤٣].

      والآيتان السابقتان بيّنتا موجبات التيمم وكيفيته، ويمكن اختصارها فيما يأتي:

      مسوّغات التيمّم:

    1. المرض، يباح التيمّم للمريض الذي يخاف إن استعمل الماء زيادة المرض، أو تأخر الشفاء، وتيمم الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه لما خاف أن يهلك من شدة البرد، وأقرّه رسول الله صلى الله عليه وسلم 129.
    2. السفر، والمقصود: السفر الذي لا يجد فيه صاحبه الماء، وكذلك المقيم الذي لا يجد الماء فإنه يتيمّم، وإنما خصّ سبحانه السفر بالذكر لأنه الغالب في عدم الماء، بخلاف المقيم فإنه من النادر أن يفقده130.
    3. ووجود ناقض للوضوء؛ لقوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) المقصود بالغائط: ما انخفض من الأرض، وكان الناس يذهبون لقضاء الحاجة في هذه الأماكن المنخفضة لأجل الستر فلا يراهم أحد، ويراد به في الآية الكناية عن كل الأحداث التي تنقض الطهارة الصغرى، كزوال العقل، والخارج من السبيلين131.
    4. ملامسة النساء: (ﯤﯥﯦ) بعد أن ذكر الله تعالى الغائط، وأن المراد منه الطهارة من الحدث الأصغر، ذكر الطهارة من الحدث الأكبر: ملامسة النساء، ويراد به الجماع، وهذا من لطافة القرآن الكريم وعنايته باختيار الألفاظ، ويدخل فيه كل ما يلزم منه الغسل، وهو الحدث الأكبر، من الجماع، والتطهّر من الحيض، وكذا النفاس132.

      والشرط المبيح للتيمّم في كل ما تقدّم، هو: فقد الماء، أو تعذّر استعماله: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) والمقصود انعدام الماء، بعد طلبه والسعي في الحصول عليه، أو كان عنده، ولكن يتعذّر عليه استعماله لمرض أو خطر يهدّده، كوجود حيوان مفترس عند مصدر الماء، أو غيرها من الموانع، فعندها ينتقل من الوضوء أو الغسل إلى التيمّم133.

      وصفته كما قال عز وجل: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) وفسّرته السنة النبوية.

      فعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنه قال: أجنبت فلم أصب الماء، فتمعّكت134 في الصعيد وصلّيت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (إنما كان يكفيك هكذا)، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفّيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفّيه135.

      ثم ختم الله تعالى الكلام حول الوضوء والغسل والتيمم بقوله: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [المائدة: ٦].

      فليس المقصود من هذه التشريعات هو العنت والحرج على عباد الله تعالى، ولكن هي نعمة من الله تبارك وتعالى؛ ليطهّر بها الأرواح والنفوس، فتلتزم بأوامره وشرعه، وتحافظ على طهارة ظاهرها؛ فتكتمل فيها صورة الطهارة حسًّا ومعنى، فهذه الطهارة الحسية هي مقدّمات للوقوف بين يدي الله جل وعلا في الصلاة، حيث تسمو فيها الروح، وهي تعرج إلى بارئها، فكان لزامًا على هذا العبد وهو في موقفه العظيم بين يدي خالقه أن يكون طاهر الأعضاء والجوارح، احترامًا وتقديرًا وتقديسًا لوقوفه بين يدي مولاه.

      «وقد شرع الإسلام الوضوء والغسل للمؤمن ليكون مظهرًا دالًّا على طهارة الظاهر، كما دعا إلى اجتناب المعاصي والآثام ليكون عنوانًا على طهارة الباطن، فالوضوء والغسل إنما يقصد منهما النظافة وهي «طهارة حسية» تعوّد الإنسان على حياة الطهر في النفس والخلق والدين...، إن الإسلام دين الطهارة وطهارة الظاهر فرع، وطهارة الباطن أصل، وطهارة الظاهر شرط لصحة الصلاة، كما أن طهارة الباطن شرط لدخول الجنة (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ) [الشعراء: ٨٨-٨٩].

      وهما جميعًا سبب لمحبة الله (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة: ٢٢٢]»136.

      وبهذا يتأكّد لنا معنى الرباط الوشيج بين الطهارة المادية والحسية، ويتأكّد لنا أن الأصل في الطهارة هو طهارة النفس، ومن ثم تكون طهارة الظاهر ثمرة لتلك الشجرة الطيبة.

      ٣. الإيمان والتقوى.

      التقوى: خشية الله تعالى، وهي ثمرة العبادات التي شرعها الله تعالى.

      قال سبحانه: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [البقرة: ٢١].

      ولذلك قال سبحانه وهو يذكر شرائع الحج والهدي: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الحج: ٣٧].

      ومن الأمثلة على أن التقوى هي الهدف من وراء العبادات، ما ذكره الرازي رحمه الله وهو يتحدث عن سورة النساء، فيقول: «اعلم أن هذه السورة مشتملة على أنواع كثيرة من التكاليف؛ وذلك لأنه تعالى أمر الناس في أول هذه السورة بالتعطف على الأولاد والنساء والأيتام، والرأفة بهم، وإيصال حقوقهم إليهم، وحفظ أموالهم عليهم؛ وبهذا المعنى ختمت السورة...، وذكر في أثناء هذه السورة أنواعًا أخر من التكاليف، وهي الأمر بالطهارة والصلاة وقتال المشركين؛ ولما كانت هذه التكاليف شاقة على النفوس لثقلها على الطباع لاجرم افتتح السورة بالعلة التي لأجلها يجب حمل هذه التكاليف الشاقة، وهي تقوى الرب الذي خلقنا، والإله الذي أوجدنا»137.

      ومن النماذج العملية التي ذكرها الله تعالى في القرآن قصة يوسف عليه السلام الذي نشأ على الإخلاص لربّه، وتربى على خشيته تعالى، فبنى في نفسه قاعدة صلبة حفظته بحفظه لربه من الوقوع في نتن الفاحشة وخبثها.

      قال سبحانه: ( ﭓﭔ ﭜﭝ ﭠﭡ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪ) [يوسف: ٢٣].

      يوسف عليه السلام أمام هذه المحنة العظيمة أحاطت به الدواعي الكثيرة التي تغري الشاب الغريب، الممتلئ قوة واندفاعًا، وهو في حضرة امرأة العزيز، وقد تهيّأت له بالجمال، وغلّقت الأبواب، بابًا وراء باب، ودعته لنفسها بلسان الحال قبل المقال، ولكنه قال بكل ثقة: (ﭟﭠ).

      يقول السعدي رحمه الله: «والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما منّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر»138.

      ولذا جعل الله تبارك وتعالى التقوى شعار الطاهرين، الذين يحبّهم ويرضى عنهم، ويتقبّل منهم أعمالهم.

      قال سبحانه: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [التوبة: ١٠٨].

      «ولما كان من شأن الأساس أن تطلب له صلابة الأرض لدوامه جعلت التقوى في القصد الذي بني له أحد المسجدين، فشبّهت التقوى بما يرتكز عليه الأساس»139.

      فإذا ما تحقّقت التقوى في قلب المؤمن، كان عمله صالحًا متقبلًا، وعاش طاهرًا نقيًّا، فالتقوى تحثه على التزام طاعة ربه، وخشيته جلا وعلا، وترك ما يكدر صفو إيمانه، من التلطخ برجس المعاصي ونتنها، فيعيش ملتزمًا بصراط الله المستقيم (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮆﮇ ﮋﮌ) [الأنعام: ١٥٣].

      ٤. إخراج الزكاة والصدقات.

      ومن العبادات التي افترضها الله تعالى علينا: الزكاة، قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [التوبة:١٠٣].

      ولا يقتصر أثر الزكاة على تطهير المال ونمائه فحسب، بل لها أثر عظيم في تربية النفس وتزكيتها، وتطهيرها من الذنوب والشّح؛ فنفس الغني تطهر من البخل، ونفس الفقير تطهر من الحسد، وتكسبه القناعة والرضا140، ولذلك حثّ الله تبارك وتعالى عباده على تأدية الزكاة، والتطوّع بالصدقات، وقد أثنى سبحانه وتعالى على ( ﭞﭟﭠ) [الليل:١٨].

      فيحرص المؤمن على إخراج ماله في سبيله سبحانه، رجاء أن يطهّره الله بذلك من أمراض القلوب وأدرانها، وأن ينقيّه مما كان منه من الخطأ أو التقصير.

      وأمر الله سبحانه بتقديم الصدقات عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم ومخاطبته، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭛﭜ ﭠﭡ ) [المجادلة: ١٢].

      يقول الشيخ محمد علي الصابوني: «أمر تعالى عباده المؤمنين إذا أرادوا مناجاته عليه الصلاة والسلام لأمرٍ من الأمور أن يتصدّقوا قبل هذه المناجاة تعظيمًا لشأن الرسول صلى الله عليه وسلم ونفعًا للفقراء، وتمييزًا بين المؤمن المخلص، والمنافق المراوغ؛ فإن ذلك أزكى للنفوس، وأطهر للقلوب، وأكرم عند الله تعالى، فإذا لم يتيسر للمؤمن الصدقة فلا بأس عليه ولا حرج»141.

      ومن حكمة الله تعالى في ندبه للصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم: تطهير قلوب المؤمنين، وتزكية نفوسهم «لما فيه من تعويدها على عدم الاكتراث بالمال، وإضعاف علاقة حبّه المدنّس لها، وفيه إشارة إلى أن في ذلك إعداد النفس لمزيد الاستفاضة من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عند المناجاة»142.

      فالصدقة هنا تطهّر القلب من الأدناس «التي من جملتها ترك احترام الرسول صلى الله عليه وسلم والأدب معه بكثرة المناجاة التي لا ثمرة تحتها، فإنه إذا أمر بالصدقة بين يدي مناجاته صلى الله عليه وسلم صار هذا ميزانًا لمن كان حريصًا على الخير والعلم، فلا يبالي بالصدقة، ومن لم يكن له حرص ولا رغبة في الخير، وإنما مقصوده مجرد كثرة الكلام، فينكف بذلك عن الذي يشق على الرسول» 143 صلى الله عليه وسلم.

      وفي المقابل حرّم الله جلّ وعزّ الربا لشدة خطره وضرره على المجتمع، وكونه سببًا رئيسًا في تلويث القلوب بالأحقاد والحسد والغل، يقول الشيخ محمد علي الصابوني: «الصدقة عطاء وسماحة، وطهارة وزكاة، وتعاون وتكافل...، والربا شحّ وقذارة ودنس وجشع وأثرة وأنانية...، فلا عجب إذًا أن يعده الإسلام أعظم المنكرات والجرائم الاجتماعية والدينية، وأن يعلن على المرابين الحرب (ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ) [البقرة: ٢٧٩].

      وذلك للأضرار الفادحة والمساوئ التي تترتب عليه»144.

      ٥. اتباع دين الله تعالى وأحكام شرعه.

      من أعظم ما يطهّر النفس: اتباع أوامر الله تعالى، والتزام شرعه، والمسارعة في الأعمال الصالحة؛ لأنها «أهم وسائل التزكية العملية التي يعيش المسلم حياته معها، وبقدر ما يكثر منها يكون مزكّيًا لنفسه، بشرط أن يأتي بها على وجهها الذي شرعه الله، ويخلص فيها لله»145.

      وأول أمر ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [البقرة: ٢١].

      وهذا نداء عام لجميع الناس، فهو للمؤمنين باستدامة العبادة، وللكافرين بأن يعبدوا الله وحده لا شريك له، والعبادة هنا تعني: توحيده تعالى، والتزام شرائع دينه146.

      وأعظم شرائع الدين بعد الشهادتين: الصلاة، وقد حثّ الله تبارك وتعالى عليها في مواضع عدّة، وأوصانا بها حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، وما ذلك إلا لعظم منزلتها وقدرها، وهذه الصلاة لها روحٌ، كما أن للجسد روحًا يموت بدونها، وروح الصلاة الخشوع، وهي التي ميّز الله بها المؤمنين، وأثنى عليهم بها، فقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [المؤمنون: ١-٢].

      ومن حقّق الخشوع في الصلاة جنا ثمرتها، وتحقق له ما أراد الله منها بقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ) [العنكبوت: ٤٥].

      يقول الإمام الطبري رحمه الله: «تنهى من كان فيها، فتحول بينه وبين إتيان الفواحش؛ لأن شغله بها يقطعه عن الشغل بالمنكر؛ ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: من لم يطع صلاته لم يزدد من الله إلا بعدًا؛ وذلك أن طاعته لها إقامته إياها بحدودها، وفي طاعته لها مزدجر عن الفحشاء والمنكر» 147.

      ومن العبادات التي تطهّر النفس: الصوم، وهو عبادة جليلة، فيه تربّية النفس على العفو والتسامح، وقد بيّن الله تعالى الحكمة من افتراضه صوم شهر رمضان، فقال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ) [البقرة: ١٨٣].

      ومن شرائع الله: الحج، وهو عبادة عظيمة، من أدّاها كما أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، رجع منها وقد طهّر من ذنوبه وخطاياه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حجّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه)148.

      والحج يربّي النفس على التواضع والمساواة والعفو، ويطهر النّفس من أمراضها.

      قال تعالى: ( ﭓﭔ ﭠﭡ ﭧﭨ ﭭﭮ ) [البقرة: ١٩٧].

      والرفث هو الفحش والقول القبيح، وقيل: هو جماع المرأة ومقدماته، والفسوق: المعاصي149، ولاشك أنّ الابتعاد عن هذه الأمور من أعظم ما يتطهر به القلب.

      وفي سورة البقرة بعد أن ذكر الله تعالى جملة من أحكام الطلاق والعدّة قال: (ﮞﮟﮠﮡ) [البقرة: ٢٣٢].

      يقول حجازي رحمه الله: «ذلك أزكى لكم وأطهر من دنس الوقوع في المحرم، وهو أزكى نظام وأطهره»150.

      وفي سورة الأحزاب ذكر الله تعالى آية الحجاب، وبيّن فيها أدب زيارة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وفرض فيها الحجاب على أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وبيّن لنا الحكمة في ذلك، فقال: (ﯧ ﯨ ﯩ ) [الأحزاب: ٥٣].

      وهكذا في سائر العبادات، إذا ما التزم المسلم بها، وأخلص لربّه تعالى فيها، فإنها تؤتي أكلها في تطهير النفس والقلب، وبهذا يتبين لنا مدى أهمية التزام شرع الله تعالى في تطهير النفس وصفائها.

      آثار الطهارة

      أولًا: محبة الله:

      قال تعالى: ( ):

      المتطهر يحبه الله تعالى، ومن أحبّه الله عاش في ظلال رحمته، يقول حجازي رحمه الله: «أما محبة الله لهم فهذا شيء هو أعلم به إلا أنا نعرف من الحديث أن الله يحب من عباده الصالحين الموفّقين إلى الخير»151.

      وذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنّه)152.

      ولهذه المحبة أثرها البالغ في نفس المؤمن؛ لأنه ما وصل إلى هذه المنزلة إلا بعد أن ترقّى في تطهير روحه، فسما بها في طاعة ربه، وتنزّه عمّا يلوث قلبه ونفسه وجسده ومحيطه من النجاسات الحسية والمعنوية، فعرفه الناس بتقواه وصدقه، فكتب له الله تعالى حبّهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانًا فأحبّه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبّوه. فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض)153.

      فمحبّة الله تعالى -كما بيّن الحديث الشريف- تجلب محبة الخلق، والإنسان متى ما كان محبوبًا عند الله تعالى وعند الناس كان في سعادة وهناء، فمحبة الله تعالى تعني له حفظ الله سبحانه له وتوفيقه إيّاه، ومحبة الخلق تعني له حسن العشرة معهم.

      ثانيًا: صحة العبادة:

      من أعظم أركان الدّين، وأرفعها منزلة وقدرًا: الصلاة.

      قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ) [المائدة: ٦].

      وقد أجمع العلماء على وجوب الطهارة لها154، «والله سبحانه بحكمته جعل الدخول عليه موقوفًا على الطهارة، فلا يدخل المصلي عليه حتى يتطهر؛ وكذلك جعل الدخول إلى جنته موقوفًا على الطيب والطهارة، فلا يدخلها إلا طيّب طاهر، فهما طهارتان: طهارة البدن، وطهارة القلب»155.

      فالطهارة شرط للصلاة وغيرها من العبادات كالطّواف ومسّ المصحف الشريف، وهذا يجعل للطهارة منزلة عظيمة في الإسلام؛ إذ إنها شرط لأول أركان الدين بعد الشهادتين، والمسلم يصلي في اليوم والليلة خمس صلوات مكتوبات فضلًا عن الرواتب والمستحبات؛ وذلك يجعله على طهارة مستمرة، وهذه الطهارة لأداء الصلاة لا يقتصر أثرها في رفع الحدث وإزالة الخبث فحسب، بل ترتقي لتكون سببًا بإذن الله تعالى في محو الذنوب، وتكفير الخطايا. عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء)، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهنّ الخطايا)156.

      يبيّن لنا الحديث مدى أهمية الصلاة، وأثرها في طهارة الباطن والظّاهر، فالوضوء للصلاة سبب في النّقاء من الأدران، وهي: الأوساخ157.

      والصلاة تلو الصلاة سبب في النّقاء ممّا يتلوّث به الإنسان من أدران الخطايا.

      ثالثًا: شكر النعمة ودوامها عليه:

      من أعظم نعم الله تعالى على عباده: نعمة المال، وهو من ضروريات الحياة، ومن حصلت له هذه النعمة فعليه أن يشكر الله جل وعلا عليها؛ حتى تزيد وتدوم.

      قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [إبراهيم: ٧].

      ومن الأمور التي أوجبها الله تعالى علينا في المال: الزكاة، كما ندبنا الشّرع الحنيف إلى الصدقة، وهذه من أوجه الإنفاق التي لها أكبر الأثر في حصول البركة، وتزكية النفس.

      قال الله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮢﮣ ﮧﮨ ) [التوبة: ١٠٣].

      الخطاب موجّه لأشرف الخلق محمد عليه السلام: «خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم من دنس البخل، وشحّ النفس، ولؤم الطبع، وقسوة القلب، وتزكيهم بها حتى تنمو نفوسهم على حب الخير، وتزرع في قلوبهم شجر العطف على الفقير والضعيف والمحتاج، بهذا تنمو النفس وترتفع»158.

      ومن أهم مقاصد الدّين: السمو بالنفس، والارتقاء بالإنسان في مراتب الإيمان، وهذا لا يكون مع نفس متعلّقة بحطام الدنيا الزائل، وديننا الحنيف يحثنا على الكسب الطّيب، إلا أنه حذّرنا أشد الحذر من أن تدخل شهوة المال شغاف قلوبنا، بل جعله وسيلة لتيسير أمور الحياة، وحتى يعيش المؤمن هذه المعاني شرع الله تعالى الصدقة والزكاة، فالزكاة: طهارة ونماء، والصدقة: دليل على صدق الإيمان، وتوافق الظاهر مع الباطن159.

      وانظر وتأمّل في الآية الموالية للآية المتقدّمة، قال سبحانه: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [التوبة: ١٠٤].

      «التوبة تغسل الذنب وتمحوه، وتجدّد العهد وتقويه، ولذلك جاءت بعد الأمر بأخذ الصدقة لبيان السبب في الجملة»160.

      فمجرد إخراج المال دون قلب مخلص، ولا نية صادقة لا يرقى إلى تزكية النفس والسمو بها، بل لابد معه من توبة نصوح، وإيمان وخضوع لله رب العالمين، حينها تكون الصدقة معراجًا للنفس للسمو بها في آفاق الطهارة القلبية والروحية.

      وفي مقابل إخراج الزكاة وإنفاق المال في أوجه الخير فإن منعه سبب رئيسٌ في زوال النعمة، ونزول النقمة، فكم من أموال محقت، وتجارة كسدت؛ لمّا منع أصحابها حق الله تعالى فيها؛ ولك أن تتأمّل وأنت تتلو سورة (القلم) حين تصل إلى قصة أصحاب الجنّة التي أنعم الله عليهم بها بالخيرات والثمرات، ولكنهم حين أصاب قلوبهم مرض الشحّ، وبيّتوا النية على أن يحصدوا ثمارهم في الصباح الباكر احترازًا من أن يراهم الفقراء والمساكين؛ ليحرموهم منها من أيّ حظٍّ أو نصيب، فإذا بالجزاء يدركهم قبل أن يدركوا مرادهم، ويقطفوا ثمارهم، فبينما هم يمكرون إذ بطائف من ربك يمرّ على جنتهم وهم نائمون (ﭫﭬ) [القلم: ٢٠].

      أي: كالليل الأسود161، والله تبارك وتعالى حين يقصّ علينا أنباءهم، يريد أن نتعظ ونتدبر، فالأيام دول، وقد عشنا قبل سنوات قليلة الأزمة المالية العالمية؛ وما ذاك إلا لمنع الزكاة والصدقات، والتعامل بالربا والجهر بالمحرمات، فمرضت القلوب، وتدنست بالذنوب، فجاء من ربك العذاب، ويتوب الله على من تاب.

      رابعًا: جنّات النّعيم في الآخرة:

      إن غاية ما يطلبه العارف بالله هو الوصول إلى رضاه جل وعلا، فبرضاه تهنأ بمحبته لك، وتفوز بجنته، فيضاعف لك الحسنات، ويمحو عنك السيئات، والطهارة بمفهومها الشامل تصل بالمؤمن إلى كل ذلك.

      عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان)162.

      والمقصود بالطهور هو: «أن يتطهر الإنسان طهارة حسية ومعنوية من كل ما فيه أذى»163.

      يقول ابن رجب رحمه الله: «إن خصال الإيمان من الأعمال والأقوال كلها تطهر القلب وتزكيه، وأما الطهارة بالماء فهي تختصّ بتطهير الجسد وتنظيفه، فصارت خصال الإيمان قسمين: أحدهما يطهّر الظاهر، والآخر يطهّر الباطن، فهما نصفان بهذا الاعتبار»164.

      وأوّل ما يحرص عليه المؤمن هو طهارة باطنه من الشرك ومن النفاق، ومن كل ما يخدش الإيمان من أمراض القلب والنّفس؛ لأنه يعلم عظم جرم الإشراك بالله.

      قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء: ٤٨].

      ويعلم عاقبة المنافقين (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النساء: ١٤٥].

      وحينئذٍ يحرص كل الحرص على تحقيق التوحيد الخالص لربه، ويسعى في عمل الصالحات لينال أعلى الدرجات.

      قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الكهف: ١٠٧].

      بل كلما ترقّى المؤمن في درجات الإيمان صار قلبه أكثر نقاءً وصفاءً، فيكون حاله كحال عباد الرحمن الذين ذكر الله تبارك وتعالى صفاتهم في أواخر سورة الفرقان، وبيّن منزلتهم العالية، وكما وصفهم سبحانه -كذلك- في مستهلّ سورة المؤمنين، وذكر جزاءهم العظيم (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ) [المؤمنون: ١٠-١١].

      وبحرص المؤمن على طاعة الله تبارك وتعالى، واجتناب معاصيه يصل إلى رضاه سبحانه، فما غاية الأوامر والنواهي إلا اختبار من الربّ لعباده؛ ليمحّصهم وينقّيهم، فيختبرهم بالأعمال والتكاليف ليظهر صدقهم، وليصلوا إلى مراد الله تعالى من تلك العبادات وهو التقوى.

      قال سبحانه: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الحج: ٣٧].

      يقول الشيخ محمد علي الصابوني: «فلا شيء من هذا يصل إلى الله أو يرضيه، وإنما يرضيه جل وعلا امتثال الأوامر منكم وطاعته وتقواه، فلا يظن أحد أنه ينال ثواب الله باللحم يقطّعه وينشره، وإنما ينال ذلك بتقوى الله»165.

      يقول ابن القيم رحمه الله: «حرّم الله سبحانه الجنة على من في قلبه نجاسة وخبث، ولا يدخلها إلا بعد طيبه وطهره، فإنها دار الطيبين؛ ولهذا يقال لهم: (ﯦ ﯧ ﯨ) [الزمر: ٧٣].

      كما قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [النحل: ٣٢].

      فالجنّة لا يدخلها خبيث، ولا من فيه شيء من الخبث، فمن تطهر في الدنيا ولقي الله طاهرًا من نجاساته دخلها بغير معوّق، ومن لم يتطهر في الدنيا فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال، وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر في النّار من تلك النّجاسة، ثم يخرج منها»166.

      والحرص على الطهارة كما هو سبب مهم في نيل رضا الله تعالى وضمان دخول جناته سبحانه وبحمده هو بالإضافة إلى ذلك رفعة للدرجات، وسبب لمحو الخطايا والسيئات.

      فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة)167.

      في هذا الحديث ربط عجيب بين مفهوم الطهارة الحسيةّ والمعنويّة؛ فالمسلم وهو يمررّ الماء على أعضائه بنية الوضوء، ثمّ يذهب إلى المسجد، فإنّه في ذلك ينقّى بإذن ربّه من الأوساخ الظاهرة، والأدران الباطنة.

      موضوعات ذات صلة:

      الصلاة، مكة


1 انظر: تهذيب الأسماء واللغات، النووي ٣/١١٨.

2 مقاييس اللغة ٣/٤٢٨.

3 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٣٨٩.

4 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٣٥٥.

5 المغني، ابن قدامة ١/١٢.

6 الفقه الإسلامي وأدلته ١/٢٠١.

7 انظر: المجموع، النووي ١/١١، فتح باب العناية، الهروي ١/٤١.

8 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٤٢٨-٤٢٩.

9 انظر: الوجوه والنظائر، مقاتل بن سليمان، ص٦٩- ٧١، الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٣١٨- ٣١٩.

10 انظر: نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص ٤١٩- ٤٢٢.

11 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/ ٤٢٨.

12 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ١/ ١٠٦٣.

13 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٤٠٧.

14 الموسوعة الفقهية الكويتية، ١٩/١٢.

15 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ١٠/٣١٣.

16 الموسوعة الفقهية الكويتية، ٨/٥٦.

17 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ١/١٦٨.

18 الموسوعة الفقهية الكويتية، ١٦/٤٧.

19 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٤٣٥، مختار الصحاح، الجوهري ص١٧٣، تاج العروس، الزبيدي ٣/٢٨١.

20 المغرب، المطرزي، ص ٢٩٦.

21 تاج العروس، الزبيدي، ٢/١٩١.

22 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٢٧.

23 انظر: التفسير الواضح، محمد حجازي ١١/٢.

24 مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/١٥٢.

25 انظر: المصدر السابق ٢/ ٢٠٩-٢١٠.

26 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٤٢-٤٥.

27 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ٤/٢٥١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٠٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٢٩٧.

28 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٦٨٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٧٧.

29 روح المعاني، الألوسي ٩/١٣٦.

30 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/١٨٤.

31 الكشاف، الزمخشري ١/٩٦.

32 الجامع لأحكام القرآن، ٢/٤٠٥-٤٠٦.

33 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها، ١/٢٤٦، رقم ٣٠٢.

34 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٥١.

35 انظر: المصدر السابق.

36 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/٢٩٣، التفسير الواضح، محمد حجازي ٢/١٣٢.

37 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٠٠.

38 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٣.

39 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٦٧-٣٦٨.

40 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٥١٩.

41 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٧٠.

42 أخرجه أبو داود في صحيحه، كتاب الطهارة، باب في الاستنجاء بالماء، ١/١١، رقم ٤٤، والترمذي في سننه، أبواب التفسير، سورة التوبة، ٥/٢٨٠، رقم ٣١٠٠، وابن ماجه في سننه، كتاب الطهارة وسننها، باب الاستنجاء بالماء، ١/١٢٨، رقم ٣٥٧ .

قال الترمذي: «هذا حديث غريب من هذا الوجه».

وصححه الألباني في إرواء الغليل ١/٨٤-٤٥.

43 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٧٠.

44 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٥٢.

45 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/٢١٠.

46 روح المعاني، الألوسي ٢/٣٢٥.

47 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٨/٤٧.

48 الجامع لأحكام القرآن، ١٨/١٨.

49 التفسير الواضح، ٢٨/١٩.

50 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣١٣.

51 المحرر الوجيز، ٥/٤٩٢.

52 أحكام القرآن، ٢/٤٥٧.

53 تيسير الكريم الرحمن، ص٩٢١.

54 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٨٤.

55 الكشاف، الزمخشري ص٨٥٥.

56 أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٣٦٣.

57 هو كساء عليه صور رحال الإبل.

انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ٨/١٩٧-١٩٨.

58 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ٤/١٨٨٣، رقم ٢٤٢٤.

59 جامع البيان، الطبري ٢٢/١٢.

60 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٨٦٢.

61 جامع البيان، الطبري ٢٢/١٢.

62 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٩٦.

63 أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٣٦٧.

64 فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٨٩.

65 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٤.

66 البحر المحيط، أبو حيان ١/١١٠.

67 جامع البيان، الطبري ١/٢٢٥.

68 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/١٧٥.

69 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٦.

70 البحر المحيط، أبو حيان ٢/٣٩٩.

71 البحر المحيط، أبو حيان ١/١١٨.

72 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/٥٠٥.

73 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٦-٤٧.

74 الكشاف، الزمخشري ص٤٢٩.

75 في ظلال القرآن، ٣/١٦١٨.

76 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب رمي المحصنات، ٨/١٧٥، رقم ٦٨٥٧ ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، ١/٩٢، رقم ٨٩.

77 إغاثة اللهفان ١/٥٤.

78 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٤٨.

79 المحرر الوجيز، ١/٤٤٤.

80 انظر: شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العزّ ٢/٥١١.

81 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، ٤/١٩٩٧، رقم ٢٥٨١.

82 إغاثة اللهفان ١/٥٣-٥٤.

83 من الآية ٢٢ إلى ٣٩.

84 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، ١/٢٠، رقم ٥٢، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، ٣/١٢١٩، رقم ١٥٩٩.

85 تيسير الكريم الرحمن، ص٤٥٧.

86 التقويض نقض من غير هدم، وقولهم: قاض البناء هدمه.

انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٥٨٦.

87 التفسير الواضح، ١٥/٢٣.

88 ديوان الإمام الشافعي ص١٠٣.

89 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، ١/٢٠، رقم ٥٢، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، ٣/١٢١٩، رقم ١٥٩٩.

90 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٠٩.

91 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/ ٤٢- ٤٥، روح المعاني، الألوسي ١٥/١٣٢.

92 إغاثة اللهفان ١/٥٠.

93 تيسير الكريم الرحمن، ص٨٩٥.

94 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي ١/٢٠١.

95 المفردات، الراغب ص١١٨.

96 الوسيط، الزحيلي ١/٦٢٠.

97 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٧٧، الوسيط، الزحيلي ١/٦٢٠.

98 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/١٤٧.

99 انظر: أحكام الإزالة في الفقه الإسلامي، فاطمة الفارس ص١١٤- ١١٨.

100 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/١٤٧-١٤٨، الوسيط، الزحيلي ١/٤٩٥- ٤٩٦.

101 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/ ٢٧٨- ٢٧٩.

102 جامع البيان، الطبري ٩/٢٣٢.

103 قال تعالى:( ) [السجدة:٨].

104 إعلام الموقعين، ابن القيم ٢/٧٧.

105 جامع البيان، الطبري ٢/٤٦٩.

106 احتجز بإزاره شده على وسطه، والحجزة معقد الإزار، وحجزه منعه، وكفه.

انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٤٥٧.

107 أخرجه الطبري في تفسير ٢/٤٦٨.

108 الكشاف، الزمخشري ١/١٢٩.

109 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ١/١١٥.

110 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي ١/٤٥٨.

111 انظر: الكشاف، الزمخشري ص٧٤٨.

112 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٢١١.

113 القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٨٣٩.

114 البحر المحيط، أبو حيان ٩/٥٣١.

115 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٨٤.

116 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٢٨٠.

117 الوسيط، الزحيلي ١/٤٣٥.

118 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدأ الوحي، باب كيف كان بدأ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ١/٦، رقم ١، ومسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنية)، ٣/١٥١٥، رقم ١٩٠٧.

119 تفسير آيات الأحكام، الصابوني ١/٣٨١.

120 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣٥.

121 المصدر السابق ٦/٣٧.

122 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٦.

123 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ١/٤٣، رقم ١٥٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله، ١/٢٠٤، رقم ٢٢٦.

124 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء، ١/٢١٥، رقم ٢٤٤.

125 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢٩.

126 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا)، ١/٩٥، رقم ٤٣٨، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، ١/٣٧٠، رقم ٥٢١.

127 مختار الصحاح، الرازي ص٦٣٤.

128 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٣١.

129 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٣٠.

130 أحكام القرآن، ابن العربي ١/٤٦١.

131 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٣٢-١٣٣.

132 انظر: المصدر السابق ٥/١٣٤-١٣٦، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٣١.

133 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ١/٤٦٣.

134 يعني: تقلّب.

انظر: فتح الباري، ابن حجر ٢/٥٨٤.

135 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التيمم، باب المتيمم هل ينفخ فيهما، ١/٧٥، رقم ٣٣٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب التيمم، ١/٢٨٠، رقم ٣٦٨.

136 تفسير آيات الأحكام، الصابوني ١/٣٨٩.

137 مفاتيح الغيب، الرازي ٥/٣٢.

138 تيسير الكريم الرحمن، ص٣٩٦.

139 مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/١٥٤.

140 انظر: التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، مجموعة باحثين ٣/٢٦٧- ٢٦٨.

141 تفسير آيات الأحكام ٢/٣٩٠.

142 روح المعاني، الألوسي ١٤/٢٢٥.

143 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٤٧.

144 تفسير آيات الأحكام ١/٢٨٠ بتصرف يسير.

145 التزكية على منهج النبوة، معاذ سعيد حوى ص٢٧.

146 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/١٦٨.

147 جامع البيان، ٢٠/١٦٧.

148 أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب قول الله تعالى: (الحج أشهر معلومات)، ٣/١١، رقم ١٨١٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، ٢/٩٨٣، رقم ١٣٥٠.

149 معالم التنزيل، البغوي ١/٢٢٦.

150 التفسير الواضح، ٢/١٤١.

151 التفسير الواضح، ١١/١٥.

152 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب التواضع، ٨/١٠٥، رقم ٦٥٠٢.

153 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ٤/١١١، رقم ٣٢٠٩، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب إذا أحب الله عبدًا حببه إلى عباده، ٤/٢٠٣٠، رقم ٢٦٣٧.

154 الإجماع، ابن المنذر ص٢٩.

155 إغاثة اللهفان، ابن القيّم ١/٥١.

156 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة، ١/١١٢، رقم ٥٢٨، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات، ١/٤٦٢، رقم ٦٦٧.

157 مختار الصّحاح، الرازي ص١٩٣.

158 التفسير الواضح، حجازي ١١/٢.

159 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/ ١١٨.

160 التفسير الواضح، حجازي ١١/١١.

161 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٤٩.

162 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، ١/٢٠٣، رقم ٢٢٣.

163 شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين ١/١٨٨.

164 جامع العلوم والحكم، ابن رجب ص٤٩٦.

165 تفسير آيات الأحكام ١/٤٣٧.

166 إغاثة اللهفان ١/٥١.

167 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، ١/٤٦٢، رقم ٦٦٦.