عناصر الموضوع
الطّعام
أولًا: المعنى اللّغوي:
لفظ الطّعام مصدر مشتق من مادة (طعم)، بمعنى أكل، قال ابن فارس: «الطاء والعين والميم أصلٌ مطّردٌ منقاسٌ في تذوّق الشّيء، يقال: طعمت الشيء طعمًا، والطّعام هو المأكول» 1، فالطعام اسم جامع لكل ما يؤكل، ويأتي الطعام مجازًا بمعنى الشبع؛ يقال: ما يطعم آكل هذا الطّعام، أي: ما يشبع، ويقال: إنّ هذا الطّعام طعمٌ، أي: يطعم من أكله، أي: يشبع، وفي الحديث عن أبي ذرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال في زمزم: (إنّها طعام طعمٍ) 2، أي: يشبع الإنسان إذا شرب ماءها، كما يشبع من الطّعام 3، وقال الراغب: «إنّه يغذي بخلاف سائر المياه» 4، وقد يطلق لفظ (الطعام) ويراد به صنفًا معينًا دون غيره، كالبر مثلًا؛ فإنّ أهل الحجاز إذا أطلقوا لفظ (الطعام) عنوا به البرّ خاصّةً 5.
والخلاصة أنّ الطعام في اللغة يطلق على كلّ ما يؤكل ويتغذّى عليه مما خلقه الله عز وجل.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يختلف المعنى الاصطلاحي للطعام عن معناه اللغوي؛ إذ الطعام في الاصطلاح يطلق على: كلّ ما يتناول من الغذاء 6.
وكلّ شيء يأكله الإنسان أو غير الإنسان يسمى طعامًا، فالطعام «اسم لكل ما يؤكل ويطعم»7؛ فلا يختص لفظ الطعام بأصناف معيّنة مما يؤكل؛ بل كلّ ما يؤكل فهو طعام، سواء كان مما أحلّه الله عز وجل لعباده أو مما لم يحلّه لهم.
وردت مادة (طعم) في القرآن (٤٨) مرة8.
والصيغ التي وردت كالآتي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٥ |
(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [قريش:٤] |
الفعل المضارع |
١٢ |
(ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الإنسان:٨] |
فعل الأمر |
٢ |
(ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الحج:٢٨] |
المصدر |
٢٨ |
(ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البلد:١٤] |
اسم الفاعل |
١ |
(ﮢ ﮣ) [الأنعام:١٤٥] |
وجاء الطعام في القرآن على أربعة أوجه9:
الأول: كل ما يطعم منه، ومنه قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [قريش:٤].
الثاني: السمك، ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [المائدة:٩٦].
الثالث: الذبائح، ومنه قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [المائدة:٥] أي: ذبائحهم.
الرابع: الشراب، ومنه قوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [البقرة:٢٤٩] أي: ومن لم يشربه.
الأكل:
الأكل لغةً:
من أكل الطعام يأكله أكلًا، فهو آكلٌ، والإكلة -بالكسر- الحال التي يأكل عليها؛ متكئًا أو قاعدًا، يقال: إنه لحسن الإكلة، والأكلة - بالفتح - المرة الواحدة المشبعة، والأكلة -بالضم- اسم للّقمة 10.
الأكل اصطلاحًا:
ليس هناك تعريفٌ اصطلاحيٌ للأكل يختلف عن تعريفه اللغوي، فالأكل معروف ولا يحتاج إلى تعريف، ويطلق لفظ الأكل ويراد به فعل الأكل، أي: تناول الطعام، وقد يطلق ويراد به الطعام نفسه.
الصّلة بين الأكل والطعام:
يغلب استعمال لفظ الأكل في التعبير عن عمليّة الأكل، وقد يستعمل للدلالة على ما يؤكل، أمّا الطعام فيراد به دائمًا ما يؤكل؛ لذا يقال: تناولت طعامي، ويندر أن يقال: تناولت أكلي.
الغذاء:
الغذاء لغة:
من الفعل غذا بمعنى: نما، والغذاء كل ما يتغذّى به، وقيل: ما يكون به نماء الجسم وقوامه؛ من الطّعام والشّراب واللّبن، وقيل: اللّبن غذاء الصغير وتحفة الكبير11.
الغذاء اصطلاحًا:
يعرّف علماء التغذية الغذاء بأنّه: «موادٌّ تؤخذ عن طريق الفم؛ للإبقاء على الحياة والنمو، حيث تمد الجسم بالطاقة، وتبني الأنسجة، وتعوض التالف منها»12.
الصّلة بين الغذاء والطعام:
من خلال التعريفات السابقة يظهر أنّ الغذاء والطعام لهما نفس المعنى، ولا يكاد يظهر فرق بين اللفظين؛ إلا أنّ لفظ الغذاء فيه تركيز على معنى التغذية والنمو المستفاد من تناول الغذاء، أمّا لفظ الطعام ففيه تركيز على الطعم الذي يجده الإنسان عند تناول طعامه، ولفظ الطعام أعمّ من لفظ الغذاء.
الشراب:
الشراب لغة:
مشتق من الفعل: شرب، يقال: شربت الماء أشربه شربًا، والشّرب الاسم، وكذا الشّراب، والشّرب: الحظّ من الماء13.
الشراب اصطلاحًا:
المعنى الاصطلاحي للشراب نفس المعنى اللغوي؛ إذ الشراب في الاصطلاح من الشّرب، والشرب «تناول كل مائع؛ ماء كان أو غيره»14، فالشراب كل مائع يشرب؛ سواء كان ماءً أو غير الماء.
الصّلة بين الشراب والطعام:
الفرق بين الشراب والطعام ظاهرٌ بيّنٌ؛ إذ الشراب ما كان مائعًا كالماء، ويتناوله الإنسان شربًا، أمّا الطعام فيشمل كل ما يتناول من الأكل، فهو بذلك قد يطلق على الشراب أيضًا.
لقد خلق الله عز وجل الخلق، وتكفّل سبحانه برزقهم والعناية بهم؛ فهو وحده سبحانه يطعمهم ويسقيهم، وهو سبحانه يرزقهم ويهديهم، لم يخلق سبحانه الخلق لحاجةٍ لهم، ولم يرد منهم أن ينفعوه بشيءٍ؛ فهو سبحانه وتعالى الغنيّ عن خلقه؛ فالخلق خلقه، والملك ملكه، والكلّ تحت سلطانه وحكمه، قال عز وجل: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [لقمان: ٢٦].
وقال سبحانه: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ¡ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ¨ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ¯) [فاطر: ١٥ - ١٧].
وهو سبحانه الواحد الأحد، الفرد الصمد، كلّ الخلق محتاج إليه، وهو غير محتاج لأحد.
ولقد أخبر الله سبحانه عن غاية خلقه للعباد، وبيّن أنّه ما يريد منهم رزقًا ولا طعامًا؛ وإنّما خلقهم سبحانه لعبادته وطاعته، قال عز وجل: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸI ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂS ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الذاريات: ٥٦ - ٥٨].
فعبادة الله هي الغاية العظمى لخلق الجنّ والإنس؛ فما خلقوا إلا ليستجيبوا لربّهم، وليذعنوا له سبحانه بالطاعة والعبادة؛ وذلك من خلال طاعة رسله، والتزام أمره، واجتناب نهيه، والخضوع لشرعه عز وجل15.
أولًا: تنزيه الله تعالى عن الحاجة للطعام:
إنّ الله عز وجل ليس محتاجًا من عباده أن يطعموه، أو أن يرزقوه، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا، وليس محتاجًا من عباده أن يرزقوا خلقه؛ بل ليس محتاجًا إليهم ليرزقوا أنفسهم؛ فهو سبحانه قد تكفّل برزقهم ومعاشهم، وبرزق الخلق أجمعين، وهو سبحانه الغني الحميد، والخلق كلهم فقراء إليه16؛ ولهذا قال سبحانه: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) أي: كثير الرزق، الذي ما من دابّة في الأرض ولا في السماء إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، وهو سبحانه (ﮈ ﮉ ﮊ) أي: الذي له القوة والقدرة كلها، ونفذت مشيئته في جميع البريات، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يعجزه هارب، ولا يخرج عن سلطانه أحدٌ، ومن قوته سبحانه أنّه أوصل رزقه إلى جميع خلقه 17.
إنّ من كملت صفاته، وكمل غناه عن خلقه، وعظم ملكه وسلطانه هو وحده من يجب أن يتّخذه العباد وليًّا؛ ولا يتّخذ وليٌّ سواه؛ فهو سبحانه الخالق الرازق، فاطر السماوات والأرض، يسدي لعباده النفع، ويدفع عنهم الضّر، وهو غير محتاج لغيره، قال سبحانه وتعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأنعام: ١٤].
فلا ينبغي للعبد أن يتّخذ وليًّا إلا الله وحده لا شريك له؛ فإنّه فاطر السموات والأرض؛ خلقهما وأبدعهما على غير مثال سبق، وهو سبحانه (ﮧ ﮨ ﮩ) فهو من يطعم الخلق ويرزقهم، وهو الرزاق المتفضّل على الخلق أجمعين، وهو سبحانه منزّه عن الطعام والشراب؛ فلا يحتاج لطعام ولا لشراب، ولا يحتاج لأحدٍ من خلقه، ومن كانت هذه صفاته فهو الإله الحقّ، الذي لا إله غيره، ولا معبود بحقٍ سواه 18.
ولقد ردّ الله عز وجل على الضالين المفترين الذين اتخذوا عيسى عليه السلام وأمّه إلهين من دون الله عز وجل بأنهما كانا محتاجين إلى الطعام والشراب، وكيف لمن كان محتاجًا لطعامه فقيرًا لغيره أن يكون إلهًا يعبد؟! قال الله عز وجل: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [المائدة: ٧٥].
قال البغوي: «أي: كانا يعيشان بالطعام والغذاء كسائر الآدميين، فكيف يكون إلهًا من لا يقيمه إلا أكل الطعام؟!» 19.
وإنّ حقيقة رزق الله عز وجل لعباده وإطعامه لهم حقيقة لا ينكرها أيّ عاقل، ولا يستطيع أن يتجاهلها حتى المشرك الكافر؛ فالمشركون يقرون بأنّ الخالق الرازق هو الله سبحانه، قال الله عز وجل عنهم: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ¬ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ¾ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ×) [العنكبوت: ٦١ - ٦٣].
فسبحان من يرزق العباد ويطعمهم، وسبحان من تنزّه عن الحاجة للطعام والشراب، وسبحان الغني عن كل العباد.
ثانيًا: الطعام نعمة إلهية تستوجب الشكر:
لا شكّ بأنّ إطعام الله عز وجل لخلقه ولعباده نعمة عظيمة منه سبحانه عليهم، ولولا إطعام الله عز وجل للخلق ورزقه لهم لفنيت حياتهم، وانعدم وجودهم؛ فحياة الخلق أجمعين إنّما هي من الحيّ القيوم، ومعاشهم وقوام أمرهم إنما هو بإطعام الله عز وجل ورزقه لهم.
والعبد الشاكر لربّه عز وجل يستشعر دائمًا نعم الله عز وجل عليه، ويقابل تلك النعم بالشكر والثناء على المنعم سبحانه، وقد أخبر الله عز وجل عن نبيه إبراهيم عليه السلام كيف حاجّ قومه، وقدم بين يديهم الأدلة والبراهين على أنّ الله وحده هو الإله الحق الذي يجب على العباد أن يعبدوه دون سواه؛ لأنّه سبحانه وحده المنفرد بالإنعام على خلقه وعباده بأصناف النعم والعطايا، قال الله عز وجل مخبرًا عن إبراهيم عليه السلام وهو يحاجً قومه: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙª ﯛ ﯜ ﯝ¯ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ¶ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ¼ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮÁ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳÆ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸË ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الشعراء: ٧٥ - ٨٢].
فالله سبحانه هو المنفرد بالإنعام على العباد؛ فهو وحده المنفرد بنعمة الخلق، ونعمة الهداية للمصالح الدينية والدنيوية، وهو وحده المنفرد بإطعام العباد ورزقهم، وهو وحده الذي بيده الشفاء من الأمراض والأسقام، وهو وحده الذي بيده الموت والحياة؛ فيجب أن يفرد وحده بالعبادة والطاعة، ويترك ما سواه من الأصنام والآلهة التي لا تخلق، ولا تهدي، ولا تمرض، ولا تشفي، ولا تطعم ولا تسقي، ولا تميت، ولا تحيي، ولا تنفع عابديها، بكشف الكروب، ولا مغفرة الذنوب 20.
إنّ من أنعم على عباده بالخلق والهداية، وتفضّل عليهم بالإطعام وبأصناف الرزق هو وحده من يعبد، وهو وحده من يطاع، قال سبحانه آمرًا قريشًا خاصةً والناس عامةً: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ- ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [قريش: ٣ - ٤].
فقد علل سبحانه أمره لهم بالعبادة له بأنّه سبحانه قد أسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، وجمع لهم أعظم نعمتين؛ حيث أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، وفي الجمع بين هاتين النعمتين نعمة عظمى؛ لأنّ الإنسان لا ينعم ولا يسعد إلا بتحصيل النعمتين معًا؛ إذ لا عيش مع الجوع، ولا أمن مع الخوف، وتكمل النعمة باجتماعهما 21.
فمن الواجب على العباد الذين يتمتعون بنعمة إطعام الله عز وجل لهم أن يقابلوا تلك النعم بالشكر الجميل والثناء الحسن على المنعم المتفضل على خلقه وعباده، ولا ينبغي أن يشركوا به سواه؛ فإنّ غاية الظلم أن يشرك العبد بربّه، وأن يعبد معه سواه، (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥv ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ~ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ® ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ¿) [الأعراف: ١٩١ - ١٩٤].
ثالثًا: التحليل والتحريم لا ينبغي إلا لله عز وجل:
إنّ من عقيدة أهل الإيمان أنّهم يؤمنون بأنّ التحليل والتحريم والتشريع لا ينبغي إلا لله عز وجل؛ فلا يحلل ولا يحرّم إلا هو سبحانه، وليس لأحد من الخلق أن يصدر حكمًا على أمر من الأمور أو على طعام أو شراب بالحلّ أو الحرمة من غير دليل ثابت من شرع الله عز وجل؛ فالتحليل والتحريم حقٌّ خالصٌ لله عز وجل، فهو سبحانه خالق الخلق، ربّ العالمين، يعلم ما يصلح عباده، وهو أحكم الحاكمين، (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الأعراف: ٥٤].
ولقد أنكر الله عز وجل على عباده أن يتخذوا مشرّعًا غيره سبحانه فقال عز وجل: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الشورى: ٢١].
وأنكر عز وجل على من يحلّلون ويحرّمون بأهوائهم فقال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [يونس: ٥٩].
وقال جل ذكره ناهيًا عباده عن التحليل والتحريم من غير علم من الله عز وجل، ومبينًا جزاء من فعل ذلك الذنب العظيم: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ´ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [النحل: ١١٦ - ١١٧].
فهذه الآية خطاب للمشركين الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وصفوه واصطلحوا عليه من الأسماء بآرائهم وأهوائهم مما كان شرعًا لهم، ابتدعوه في جاهليتهم، قال ابن كثير: «ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلّل شيئًا مما حرم الله، أو حرّم شيئًا مما أباح الله عز وجل بمجرد رأيه وتشهّيه» 22.
ولقد قرن الله تعالى القول عليه سبحانه في التحليل والتحريم بلا علم بالشرك به فقال: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأعراف: ٣٣].
قال الشيخ الفوزان: «وكذلك التحليل والتحريم حق لله تعالى، لا يجوز لأحدٍ أن يشاركه فيه، قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأنعام: ١٢١].
فجعل سبحانه طاعة الشياطين وأوليائهم في تحليل ما حرّم الله شركًا»23.
وعلى هذا فلا ينبغي للعباد أن يحللوا أو يحرموا إلا بما جاء في شرع الله عز وجل، فالحلال ما أحله الله عز وجل، والحرام ما حرّمه الله تعالى، وليس لأحد في هذا الأمر من شيء، حتى النبي صلى الله عليه وسلم قال عن نفسه حين أكل الصحابة رضي الله عنهم من الثوم عام فتح خيبر وكانوا جياعًا ثم راحوا إلى المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئًا فلا يقربنا في المسجد)، فقال الناس: حرّمت، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس إنّه ليس بي تحريم ما أحل الله لي؛ ولكنها شجرةٌ أكره ريحها)24.
ولقد أبطل الله عز وجل ما افتراه المشركون على الله عز وجل من تحريم بعض أصناف الأنعام التي أحلها الله عز وجل، وما ذلك إلا افتراءً وكذبًا منهم على الله سبحانه، قال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [المائدة: ١٠٣].
وهذه الآية الكريمة ردٌّ وإنكارٌ لما ابتدعه هؤلاء المشركون الجاهلون من تحريم ما أحلّ الله عز وجل؛ حيث كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها -أي: شقوها-، وخلوا سبيلها، فلا تركب ولا تحلب، وكان الرجل منهم يقول: إن شفيت فناقتي سائبة، ويجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها، وإذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم، وإن ولدت ذكرًا فهو لألهتهم، وإن ولدتهما قالوا: وصلت الأنثى أخاها؛ فلا يذبح لها الذكر، وإذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن حرموا ظهره، ولم يمنعوه من ماء ولا مرعى، وقالوا: قد حمي ظهره، وكلّ ذلك ما أنزل الله به من سلطان، وما هو إلا افتراء على الله عز وجل، وما هو إلا من أهوائهم ورغباتهم، يجعلون من أنفسهم مشرعين من دون الله عز وجل 25.
إنّ الإله الحق الذي يطعم عباده ويرزقهم هو وحده من يحلل لهم ما يشاء، ويحرّم عليهم ما يشاء، ومن ادعى تحليلًا أو تحريمًا من غير هدًى من الله عز وجل فقد افترى على الله الكذب، وحمّل نفسه إثمًا مبينًا.
إنّ الله عز وجل قد أرسل الرسل والأنبياء لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، يدعونهم إلى عبادة ربّهم، مبشرين ومنذرين، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأنبياء: ٢٥].
وقال سبحانه: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [النساء: ١٦٥].
وكان من حكمة الله عز وجل ورحمته بعباده أن اصطفى هؤلاء الرسل والأنبياء من بين البشر، ولم يجعلهم من الملائكة أو خلقًا آخر؛ وذلك لأنّ الرّسول إذا كان من جنس من أرسل إليهم كان أقدر على حمل الرسالة، وأعلم بحال المرسل إليهم، وكان أدعى لقبول دعوته، وهذا أمر بدهي واضح، لا يحتاج إلى حجة وبرهان، وهذا ما يقتضيه العقل، وتوجبه الفطرة؛ بل إنّ من حكمة الله عز وجل أن يبعث الرسول من نفس القوم المرسل إليهم، يعرفهم ويعرفونه؛ يعرف حالهم، ويعرفون حسبه ونسبه وخلقه وصدقه، ليكون أدعى إلى إيمانهم به، وأسرع لاستجابتهم له.
فكلّ من بعث الله عز وجل من الرسل والأنبياء كانوا رجالًا من البشر، قال الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [النحل: ٤٣].
وكانوا جميعًا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويسعون في قضاء حوائجهم كغيرهم من البشر، قال الله سبحانه: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفرقان: ٢٠].
وهذا كلّه لا ينقص من قدرهم، ولا يقلل من شأنهم، ولا يخدش رسالتهم التي بعثهم الله عز وجل بها؛ إذ الرّسل والأنبياء بشر كسائر البشر، إلا أنّ الله عز وجل قد اصطفاهم بإنزال وحيه عليهم، وبتكليفهم بحمل رسالته، وتبليغ دعوته.
ولقد أنكر الله عز وجل على الكافرين المعاندين -من مشركي مكة- حينما عجبوا من كون الرسول المرسل إليهم بشر مثلهم، وأنكروا أن يرسل الله عز وجل إليهم محمدًا وهو بشرٌ يأكل الطعام كما يأكلون، ويمشي في الأسواق للبيع والشراء وابتغاء المعاش كما يمشون26، وليس لهؤلاء المكذبين في دعواهم تلك من حجّةٍ أو دليل، وما أرادوا بذلك إلا أن يلبسوا الحق بالباطل، ويضلوا العباد عن الصراط المستقيم، قال الله عز وجل مخبرًا عن أولئك المكذبين الجاحدين: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الفرقان: ٧].
فهؤلاء المشركون المكذبون الذين كفروا بنبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وكذبوا بها، وجحدوها مع علمهم بصدقه فيما يخبر به عن ربّه عز وجل اعتمدوا في تكذيبهم هذا على شبهة واهية، وهي كون النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم بشرًا مثلهم؛ يأكل الطعام، ويمشي في الطرق والأسواق كما يمشي سائر الناس؛ يطلب المعيشة، فهو ليس بملك ولا بملك؛ لأنّ الملائكة لا تأكل، والملوك لا تتبذّل في الأسواق، فعجب -أولئك المكذبون- أن يكون الرسول مساويًا للبشر، لا يتميز عليهم بشيء27.
وشبهتهم تلك مردودة عليهم، إذ لا يقبلها عقل، ولا يرتضيها منطق؛ فما العجيب في كون الرسول بشرًا؟!، وإنّما جعله الله بشرًا ليكون قريبًا ممن أرسل إليهم، مجانسًا لهم، ولم يجعله الله عز وجل ملكًا من الملوك المتكبرين، الذين يمتنعون من المشي في الأسواق؛ لأنّ ذلك من فعل الجبابرة، ولأنّه أمر بدعائهم فاحتاج أن يمشي بينهم يبلغهم دعوة ربهم عز وجل28.
ولقد بيّن الله عز وجل أنّ هذا القول الباطل من أولئك المكذبين قد سبقهم به إخوانهم الذين سبقوهم بالكفر والتكذيب ممن كذبوا رسل الله عز وجل على مر العصور؛ فقد قالت عاد عن نبيّهم هود عليه السلام: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡr ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [المؤمنون: ٣٣- ٣٤]، وقالت ثمود عن نبيّهم صالح عليه السلام: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [القمر: ٢٤].
وقال فرعون وقومه عن موسى وهارون عليهما السلام: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [المؤمنون: ٤٧].
ولذا قال الله عز وجل مخاطبًا كفار قريش: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙj ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [التغابن:٥-٦].
فهذا ديدن المكذبين المعاندين، يثيرون الشّبه والأباطيل، ويجعلون منها سببًا يحرمهم من الإيمان بالله عز وجل وبرسله، ويصدّون بها الناس عن سبيل الله عز وجل، قال تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الإسراء: ٩٤].
ولقد ردّ الله عز وجل على تلك الشبهة الباطلة، وكذّب من قال بها، «وبيّن سبحانه أنّ الرسل يأكلون، ويمشون في الأسواق، ويتزوجون، ويولد لهم، وأنّهم من جملة البشر؛ إلا أنّه فضلهم بوحيه ورسالته، وأنّه سبحانه لو أرسل للبشر ملكًا لجعله رجلًا، وأنّه لو كانت في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين، لنزّل عليهم ملكًا رسولًا؛ لأنّ المرسل من جنس المرسل إليهم» 29، وقد جاء بيان ذلك في كثير من آيات الكتاب العزيز؛ من ذلك قوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفرقان: ٢٠].
وقوله عز وجل: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الأنبياء: ٧ - ٨].
وقوله عز وجل: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الرعد: ٣٨].
وقوله: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [يوسف: ١٠٩].
وقد أمر الله عز وجل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يصدع أمام قومه بأنّه بشرٌ مثلهم، ليس غريبًا عنهم، وما يميّزه عنهم أنّ الله عز وجل قد أوحى إليه، واصطفاه ليكون مرسلًا إليهم -والبشرية لا تنافي الرسالة-، قال تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [الكهف: ١١٠].
وأخبر سبحانه وتعالى أنّ الرسل السابقين قد قالوا مثل ذلك لأقوامهم (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [إبراهيم: ١١].
فهذه من سنّة الله عز وجل، أن يبعث الرسول من جنس المرسل إليهم، وما ينبغي أن يقال: لم لم يبعث الله عز وجل ملكًا رسولًا؟، إذ كيف للبشر أن يستفيدوا من ملك يغايرهم في أصل الخلقة؟، ويخالفهم في الحقيقة والصفات؟ قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الإسراء: ٩٥].
«فلو كان في الأرض ملائكة يسكنوها مطمئنين لكان الرسول إليهم من الملائكة؛ ليقع الإفهام، وأمّا البشر فلو بعث إليهم ملكٌ لنفرت طبائعهم من رؤيته، ولم تحتمله أبصارهم، ولا تجلدت له قلوبهم» 30.
ولقد ردّ الله عز وجل على الذين غالوا في عيسى عليه السلام، وقالوا بأنّه إله من دون الله عز وجل، وبيّن سبحانه أنّ عيسى عليه السلام ما هو إلا بشر اصطفاه الله عز وجل بالرسالة، له صفات البشر؛ يأكل الطعام، ويبتغي المعاش، وهذا حال الرسل أجمعين، (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [المائدة: ٧٥]؛ وبهذا فإنّ أكل الرسل عليهم السّلام للطعام ليس نقصًا فيهم ولا عيبًا؛ بل هذه طبيعتهم كغيرهم من البشر، ولا يعتبر أكلهم للطعام متناقضًا مع كونهم رسلٌ من الله عز وجل.
أنواع الأطعمة في القرآن الكريم
لقد ذكر الله عز وجل في كتابه العزيز أصنافًا عديدةً من الأطعمة؛ حيث ذكر سبحانه أصنافًا من الفاكهة؛ كالأعناب، والرمان، والنخيل، والتين، والثمرات، وذكر سبحانه الحبّ، والزيتون، والأبّ31، والعسل، واللّبن، وأصنافًا من اللحوم، كلحوم الطير، والأنعام، ولحوم ما أخرج من البحر، وغير ذلك من الأطعمة.
ومن تأمل فيما ذكر من الأطعمة في كتاب الله عز وجل يجد أنّ الله عز وجل قد ذكر تلك الأطعمة إمّا على سبيل تعداد نعمه سبحانه على عباده، والتنبيه على منافع بعض الأطعمة، ودعوة الإنسان إلى التفكر والـتأمل كما في قوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ§ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ¬ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ² ﯢ ﯣ ﯤ¶ ﯦ ﯧ º ﯩ ﯪ ½ ﯬ ﯭ À ﯯ ﯰ Ã ﯲ ﯳ ﯴÇ) [عبس: ٢٤- ٣٢].
وإمّا على سبيل بيان قدرة الله عز وجل في خلقه وبديع صنعه، كما في قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الرعد: ٤].
وإمّا على سبيل التشريع، وبيان ما أباح سبحانه لعباده، وما حرّم عليهم من الأطعمة، كقوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنعام: ١٤٥].
وإمّا على سبيل بيان طعام أهل الجنّة، وما أعد الله عز وجل لهم من نعيم مقيم، وذلك كثيرٌ في القرآن المجيد، منه قول الله سبحانه: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇX ﮉ ﮊ ﮋ\ ﮍ ﮎ _ ﮐ ﮑb ﮓ ﮔ e ﮖ ﮗ h ﮙ ﮚ ﮛ ﮜm) [الواقعة: ٢٧ - ٣٣].
وقوله: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الواقعة: ٢٠- ٢١].
ونقف في هذا المبحث بإذن الله تعالى على أنواع الأطعمة في القرآن الكريم من حيث الحلّ والحرمة، والتعرف على شيء من حكمة الباري سبحانه في التحليل والتحريم.
أولًا: الأطعمة المباحة:
إنّ من رحمة الله عز وجل بعباده، وعظيم فضله عليهم أن خلق لهم أصنافًا متنوعةً من الأطعمة والأغذية والأشربة؛ فمنها الجامد ومنها اللّين، ومنها الحلو ومنها المالح، ومنها الحار ومنها البارد، ومنها ما ينبت في الصيف ومنها ما ينبت في الشتاء، ومنها غير ذلك؛ ولم يجعل سبحانه طعام العباد شيئًا واحدًا؛ تسأم منه النفوس، وتملّه الأجساد.
ومن كرمه سبحانه أن جعل عامّة ما خلق لعباده من الطعام حلالًا طيبًا، ولم يحرّم عليهم إلا قليلًا من ذلك، وجعل سبحانه كلّ ما كان طيبًا رزقًا حلالًا للعباد، وأمر سبحانه عباده أن يأكلوا منه، ويشكروا ربّهم عليه.
قال عز وجل: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [البقرة: ١٧٢].
وهذا الأمر قد أمر الله عز وجل به من قبل رسله عليهم السلام (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [المؤمنون: ٥١].
والطيبات يراد بها: كلّ ما أحلّ الله عز وجل لعباده من الطعام والشراب، فطاب بتحليل الله عز وجل له32، والطيبات أيضًا هي ما يستطاب ويستلذ من مباحات المأكل والفواكه 33.
فما أعظم نعم الله عز وجل على العباد؛ إذ أباح لهم الطيبات؛ يأكلون منها، ويستلذون بطعمها وريحها، وتتقوى أجسامهم بالتغذي عليها، قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [المائدة: ٤].
قال الفخر الرازي: «واعلم أنّ الطيب في اللغة هو المستلذ، والحلال المأذون فيه يسمى أيضًا طيبًا تشبيهًا بما هو مستلذ؛ لأنّهما اجتمعا في انتفاء المضرة؛ فلا يمكن أن يكون المراد بالطيبات هاهنا المحللات، وإلا لصار تقدير الآية: قل أحلّ لكم المحللات، ومعلومٌ أنّ هذا ركيك؛ فوجب حمل الطيبات على المستلذ المشتهى، فصار التقدير: أحلّ لكم كلّ ما يستلذ ويشتهى»، ثم قال: «ثم اعلم أنّ العبرة في الاستلذاذ والاستطابة بأهل المروءة والأخلاق الجميلة» 34.
وقد امتنّ الله عز وجل على عباده بأن أحلّ لهم الطيبات، وذلك في سياق تذكير العباد بعظيم نعم الله عز وجل عليهم، وسعة رحمته بهم، وجزيل عطائه لهم، قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀQ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ_ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖg ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [غافر: ٦١ - ٦٤].
يقول السعدي في تفسير قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ): «وهذا شامل لكل طيب؛ من مأكل، ومشرب، ومنكح، وملبس، ومنظر، ومسمع، وغير ذلك من الطيبات التي يسّرها الله عز وجل لعباده، ويسر لهم أسبابها» 35.
فالطعام الحلال هو كل طعام طيب، أحلّه الله عز وجل لعباده، وغالب الأطعمة طيبة محللة، ولا ينبغي أن يقال عن طعام: إنّه حرام إلا إذا ثبت تحريمه في كتال الله عز وجل، أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والقاعدة في ذلك أنّ الأصل في الأطعمة الحل إلا ما ثبتت حرمته.
وقد ذكر الله عز وجل أنّ من خصائص النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنّه يحلّ لمن اتبعه الطيبات، ويحرّم عليهم الخبائث، فقال تعالى مادحًا من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، ومبيّنًا بعض أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأعراف: ١٥٧].
فمما جاء به هذا النبي الكريم أنّه يحلّ الطيبات.
ولما أحلّ الله عز وجل لعباده الطيبات؛ فإنّه سبحانه نهاهم أن يحرّموا على أنفسهم شيئًا من تلك الطيبات التي أحلّها سبحانه وتعالى لهم؛ فإنّ الله عز وجل أراد من عباده أن يتمتعوا بنعمه، وأن يأكلوا مما أحلّه لهم، ولا ينبغي أن يحرّم العبد على نفسه شيئًا أحلّه الله عز وجل له، فقال عز وجل: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢs ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [المائدة: ٨٧- ٨٨].
فليس لأحد من المسلمين أن يتعدّ حدود الله عز وجل، بتحريم شيء على نفسه مما أحل الله لعباده المؤمنين من طيبات المطاعم والملابس والمناكح، ولا فضل في ترك شيء مما أحله الله لعباده، وإنّما الفضل والبر في فعل ما ندب الله عز وجل عباده إليه، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنه لأمته، واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون 36.
ويفهم من هاتين الآيتين أنّ الأكل من الحلال، والتلذذ بالطيبات لا يتنافي مع تقوى الله عز وجل؛ بل العبد التقي ينعم بما أحلّ الله له، ويشكر المنعم سبحانه على عطائه ونعمه، وليس من التقوى تحريم الطيبات، وهجر المباحات، وقد أكل النبي صلى الله عليه وسلم ثريد اللحم ومدحه، وكان يحب الحلوى، ويحب الطيب، ويتزوج النساء37.
قال القرطبي: «قال علماؤنا: في هذه الآية وما شابهها، والأحاديث الواردة في معناها ردٌّ على غلاة المتزهدين، وعلى كل أهل البطالة من المتصوفين؛ إذ كل فريقٍ منهم قد عدل عن طريقه، وحاد عن تحقيقه»38.
فالعبد التقي ينعم بما أحلّ الله من الطيبات، ولا يعتدي بالإسراف أو التقتير، ولا يتعدّى الحلال إلى الحرام، ولا يحرّم ما أحل الله سبحانه وتعالى 39.
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)40.
ومن نعمته سبحانه على عباده أنّه أباح لهم التمتع بالحلال الطيب من الأطعمة وغيرها، قال الصنعاني: «في هذه الأحاديث دلالة أنّ الله تعالى يحب من العبد إظهار نعمته في مأكله وملبسه؛ فإنّه شكر للنعمة فعليّ، ولأنّه إذا رآه المحتاج في هيئة حسنة قصده ليتصدق عليه»41.
ثانيًا:الأطعمة المحرّمة:
لقد حرّم الله عز وجل بعض الأطعمة وبعض الأشربة على عباده، ولا شكّ أنّ لهذا التحريم حكمًا عظيمةً أرادها الله عز وجل؛ قد يظهر للعباد بعضها، ويخفى عليهم بعضها الآخر، والله عز وجل يحل ما يشاء، ويحرّم ما يشاء، والعبد يسمع ويطيع مولاه، ولا يتجاوز حدوده، فالعبد عبدٌ، والرّب ربٌ.
وإنّ من رحمة الله عز وجل بعباده أن جعل الأطعمة المحرمة قليلةً محصورةً، يسهل على العباد معرفتها، ويسهل عليهم تجنبها، ولا يتضررون بالامتناع عنها؛ بل الخير كلّه في التزام أمر الله عز وجل، وعدم مجاوزة حدوده؛ فإنّه سبحانه يشرع لعباده ما يصلحهم، وهو سبحانه أعلم بما ينفعهم، (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الملك: ١٤].
وقد بيّن الله عز وجل المحرمات من الأطعمة منذ العهد المكي، حيث أنزل الله عز وجل قوله: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنعام: ١٤٥].
فهذه الآية المكية جاءت في سياق الردّ على المشركين الذين كانوا يحرّمون على أنفسهم بعض الأطعمة، ويفترون على الله عز وجل الكذب بأنّه قد حرّمها، قال تعالى: (ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الأنعام: ١٤٣].
ثمّ جاءت هذه الآية: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) لتبين أنّ الحرام ليس ما حرّمه أولئك الجهال على أنفسهم، ونسبوا التحريم إلى الله كذبًا وافتراءً عليه؛ وإنّما الحرام ما حرّم الله عز وجل، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم42.
فالمحرمات الواردة في هذه الآية ليست جميع المحرمات؛ لأنّ هذه الآية مكيّة، وقد نزل بعدها تحريم بعض الأطعمة في العهد المدني؛ كما في سورة المائدة، في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ) [المائدة: ٣].
وقد ورد في السّنة تحريم بعض الأطعمة أيضًا؛ كلحوم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير.
والحصر الوارد في آية الأنعام محمول على أنّه لم يكن في الشريعة في ذلك الوقت محرّمٌ غير هذه الأشياء، ثم نزلت سورة «المائدة» بالمدينة. وزيد في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة والخمر وغير ذلك، وكذلك فقد حرّم الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أكل كلّ ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وعلى هذا فلا تعارض بين الآيتين، وليست آية الأنعام منسوخة بآية المائدة -وقد ذهب بعض المفسرين إلى القول بذلك-؛ بل كلتا الآيتين محكمتين43.
ونلاحظ في الأطعمة المحرّمة أنّها إمّا محرمة لذاتها؛ كلحم الخنزير، والدم المسفوح، وكل ذي ناب من السباع وغيرها، وهذه المحرمات مستقذرة في ذاتها، وإمّا أن تكون تلك الأطعمة في الأصل حلالًا، ثم عرض عليها ما جعلها محرّمة؛ كالميتة، والمنخنقة، والموقوذة..، فهذه المحرمات إنّما حرّمت لما طرأ عليها من الموت دون تذكية شرعية.
ثالثًا: حكمة التحليل والتحريم:
إنّ ممّا لا شك فيه أنّ تحليل الله عز وجل لكثيرٍ من الأطعمة، وتحريمه لبعضها ينطوي على كثيرٍ من الحكم التي أرادها الله عز وجل؛ وقد يظهر للعباد بعض هذه الحكم، ويخفى عليهم بعضها، والذي يجب أن يقال أولًا: إنّ الله عز وجل يتصرّف في ملكه كيف شاء، ويشرع لعباده ما يريد، وهو سبحانه (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنبياء: ٢٣].
ولا ينبغي للعبد أن يقول: لم أحلّ الله هذا الطعام وحرّم ذاك؟ بل الواجب على العبد أن يسلم لأمر الله عز وجل وهو مطمئن البال، واثق بربّه العليم الحكيم سبحانه وتعالى، وبعد ذلك إن ظهر له شيء من حكم التحليل والتحريم فحسن، وإن لم يظهر له فإنّه لا يعترض على أمر الله عز وجل؛ بل يسلّم ويطيع.
والمسلم يعلم أولًا أنّ الله عز وجل يبتلى العباد ويختبرهم؛ يبتليهم بما شرع لهم من الأحكام، وبما فرض عليهم من الواجبات، يبتليهم بالحلال والحرام، يبتليهم بالأوامر والنواهي ليميز سبحانه المطيع من غيره، وليعلم الله -وهو سبحانه أعلم بعباده- من يسلّم ويستجيب لربّه ممن يعترض وينقلب على عقبيه، وقد أخبر الله عز وجل بهذه الحكمة من التشريع في الآيات التي أمر فيها المؤمنين بتحويل قبلتهم إلى المسجد الحرام، حيث قال سبحانه وتعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [البقرة: ١٤٣].
قال السعدي عن هذه الآية: «دلّت الآية على أنّه لا يعترض على أحكام الله عز وجل إلا سفيهٌ جاهلٌ معاندٌ؛ وأمّا الرشيد المؤمن العاقل فيتلقى أحكام ربّه بالقبول والانقياد والتسليم، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأحزاب: ٣٦].
وقال سبحانه: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [النور: ٥١]»44.
ولا شكّ بأنّ فيما أحلّ الله عز وجل لعباده منافع جمّة، ومصالح عظيمة؛ ففي تغذي الإنسان على الطعام الحلال سلامة بدنه، وقوام صلبه، واستقامة صحته، ووفرة قوته، وتقويه على القيام بما أمره الله عز وجل من العبادة وعمارة الأرض.
وبتغذي الإنسان بالأطعمة الحلال يشعر العبد بنعم الله الوفيرة عليه، وبتلذذه بالطيبات تزيد محبته لمن خلق تلك الطيبات، وأحلّها للعباد، ولا شكّ بأنّ المؤمن كلما ازداد شعورًا بنعمة الله عز وجل عليه زاد لربّه شكرًا، وامتلأ قلبه محبّة للمنعم سبحانه وتعالى، وازداد علمًا ومعرفة بفضل الله عز وجل عليه، ولا شك أنّ ذلك كله من مقاصد الدين.
وإنّ الله عز وجل ما خلق الطيبات ليحرّمها على العباد؛ وما خلقها ليتخذها العباد وسيلة للمعصية والفساد؛ بل خلقها سبحانه ليتنعموا بها، ولتكون وسيلة يصلون بها إلى مرضاة ربّهم جل وعلا، وتحصيل النعيم الأكبر بالفوز بدار النعيم في الآخرة.
هذه بعض الحكم من تحليل الطيبات؛ أمّا عن حكم تحريم الخبائث فلا شكّ بأنّ في تحريم الله عز وجل لتلك الأطعمة المحرّمة نفعٌ للعباد، ومصلحة عظيمة لهم؛ فإنّ تلك الأطعمة المحرّمة إنّما هي ممّا تأباه الفطر السليمة، وتستقذره النفوس الرشيدة، ولا يمكن لعبدٍ عاقلٍ أن يجد في تلك المحرمات أمرًا طيبًا، أو فائدة مرجوّة؛ فالحرام ضررٌ محض، وفي اجتنابه السلامة والمعافاة.
ومن الحكم التفصيليّة لتحريم بعض الأطعمة والأشربة:
أولًا: الحفاظ على العقل الذي به تتم عبادة الله عز وجل، وعمارة الأرض؛ وذلك بتحريم كلّ ما يعطل العقل كالخمر والمسكرات والمخدرات.
ثانيًا: الحفاظ على النفس؛ وذلك بتحريم كلّ ما يحدث الضرر بها، أو يشكّل خطرًا عليها.
ثالثًا: حفظ المال بعدم إضاعته فيما لا نفع فيه.
رابعًا: الوقاية من الأمراض الناتجة عن تلك الأطعمة المحرمة؛ كالدم المسفوح الذي يعد أنسب مكان لانتشار الجراثيم ونموها.
خامسًا: من حكم تحريم لحم الخنزير أنّه قد اكتشف أنّ له قابلية كبرى لجميع الأمراض الميكروبية المعدية؛ أمّا الميتة فينحبس الدم فيها في الشرايين، مما يؤدي إلى التعفن وتجمع الجراثيم والميكروبات الضارة والسامة.
وهناك حكمٌ خاصة بتحريم أصناف معينة من الأطعمة ذكرها العلماء، ولا زال العلماء يكتشفون في الأطعمة المحرمة أضرارًا وأمراضًا خطيرة، وكلما اكتشفوا شيئًا علموا عظمة شرع الله عز وجل في تحريم تلك الخبائث.
والعبد المؤمن لا ينتظر العلماء وأهل الطب ليكشفوا له عن أسرار التحريم؛ لأنّه يعلم أنّ ذاك التحريم إنّما هو من عند العليم الحكيم، ولا يشرع لعباده إلا الشرع الحكيم، الذي فيه استقامة الحياة، والسعادة والسرور، يقول الشيخ القرضاوي: «وليس من اللازم أن يكون المسلم على علمٍ تفصيليٍّ بالخبث أو الضرر الذي حرّم الله من أجله شيئًا من الأشياء، وقد لا ينكشف خبث الشيء في عصره، ويتجلى في عصر لاحق، وعلى المؤمن أن يقول دائمًا: (ﮮ ﮯ) [البقرة: ٢٨٥].
ألا ترى أنّ الله حرّم لحم الخنزير فلم يفهم المسلم من علة لتحريمه غير أنّه مستقذر، ثم تقدم الزمن فكشف العلم فيه من الديدان والجراثيم القاتلة ما فيه، ولو لم يكشف العلم شيئًا في الخنزير، أو كشف ما هو أكثر من ذلك فإنّ المسلم سيظل على عقيدته بأنّه رجس» 45.
ولا بدّ من الإشارة -أخيرًا- إلى أنّ من رحمة الله عز وجل، وعظيم كرمه على عباده أنّه سبحانه إذا حرّم على العباد شيئًا عوضهم خيرًا منه، وأبدلهم ما هو أجلّ وأنفع46، فيعلم العبد أنّ الله عز وجل ما يريد أن يحرم عباده؛ وإنّما شرع لهم ما تستقيم به حياتهم، وتسعد به أنفسهم، وفي الحلال كفاية للعباد عن الحرام، قال ابن القيم: «فما حرّم الله على عباده شيئًا إلا عوضهم خيرًا منه؛ كما حرّم عليهم الاستقسام بالأزلام، وعوضهم منه دعاء الاستخارة، وحرّم عليهم الرّبا، وعوضهم منه التجارة الرابحة..، وحرّم عليهم الحرير، وأعاضهم منه أنواع الملابس الفاخرة؛ من الصوف والكتان والقطن، وحرّم عليهم الزنا واللواط، وأعاضهم منهما بالنكاح والتسري بصنوف النساء الحسان، وحرّم عليهم شرب المسكر، وأعاضهم عنه بالأشربة اللذيذة النافعة للروح والبدن..، وحرّم عليهم الخبائث من المطعومات، وأعاضهم عنها بالمطاعم الطيبات، ومن تلمّح هذا وتأمّله هان عليه ترك الهوى المردي، واعتاض عنه بالنافع المجدي، وعرف حكمة الله ورحمته وتمام نعمته على عباده فيما أمرهم به ونهاهم عنه، وفيما أباحه لهم، وأنّه لم يأمرهم بما أمرهم به حاجةً منه إليهم، ولا نهاهم عنه بخلًا منه تعالى عليهم؛ بل أمرهم بما أمرهم إحسانًا منه ورحمةً، ونهاهم عمّا نهاهم عنه صيانةً لهم وحميةً» 47.
[انظر: الأكل: أنواع المأكولات من حيث الطيب والخبث]
إنّ الحديث عن الإطعام ممّا لا ينبغي أن يغفل عنه في سياق الحديث عن الطعام في كتاب الله عز وجل؛ فلقد ذكر الإطعام في القرآن الكريم -مكيّه ومدنيّه- مرارًا، وبيّن الله عز وجل قيمة الإطعام وأهميته، وبيّن فضل المطعمين، وأنواع الإطعام، وفي ذلك تنبيه على أهمية الإطعام في دين الله عز وجل.
ومن تأمّل في الآيات التي تحدّثت عن الإطعام يجد أنّ الإطعام له مكانةٌ عظيمةٌ في الإسلام، فهو شعيرةٌ من شعائر الدين، وقربةٌ من أجلّ القربات إلى العلي الكبير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله رجلٌ: أيّ الإسلام خير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)48.
لقد أخبر القرآن الكريم بأنّ إطعام الطعام للمساكين والفقراء والأسرى المحتاجين من خصال عباد الله المخلصين، فقال عز وجل مادحًا لهم، ومبينًا لفضلهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الإنسان: ٦ - ٩].
وكيف لا يكون للإطعام تلك المكانة الرفيعة في دين الله عز وجل ؟! وقد جعله الله سبحانه من الأمور التي بها يجوز العبد العقبة الكبرى يوم القيامة، فهو سبب للنجاة، وموصل للفلاح، قال الله عز وجل: (ﮣ ﮤ ﮥv ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [البلد: ١١ - ١٨].
وإنّ ممّا يدلّ على أهمية الإطعام في الإسلام أنّ القرآن الكريم أخبر بأنّ عدم إطعام الفقراء والمساكين سيكون سببًا للوقوع في عذاب الله عز وجل يوم القيامة، قال الله عز وجل مخبرًا عن أصحاب النار: (ﰖ ﰗ ﰘ ﰙì ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟò ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ) [المدثر: ٤٢ - ٤٤].
بل إنّ الله عز وجل قد ذمّ الذي لا يحضّ على طعام المسكين، فقال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ: ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ? ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الماعون: ١ - ٣].
فقد قرن الله عز وجل عدم الحضّ على طعام المسكين مع الكفر بالله، والتكذيب بالدين، والتهاون في الصلاة، ولا شكّ بأنّ في ذلك تشنيع على الذي لا يحضّ على طعام المسكين، فلا هو يطعم، ولا هو يحضّ غيره على الإطعام.
ولقد أكّد النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية الإطعام، وعظيم أجره عند الله عز وجل، وقد قرنه مع فضائل الأعمال، فقال صلى الله عليه وسلم: (أيّها النّاس؛ أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) 49
وحذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من البخل بالطعام والشراب عن الفقراء والمساكين؛ من الأقارب والجيران وغيرهم، وبيّن أنّ ذلك ليس من شيم الإيمان، ولا من أخلاق الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن الذي يشبع و جاره جائع إلى جنبه) 50.
وفي النقاط الآتية بإذن الله تعالى بيان لأصناف المطعمين، وأنواع الإطعام وشروطه.
أولًا: أصناف المُطْعَمين:
لقد بيّن الله عز وجل أنّ في المجتمع أصنافًا من الناس يستحقون الإطعام، ويقدمون على غيرهم في ذلك؛ لأنّهم أشدّ حاجة للطعام، بسبب ما ابتلاهم الله عز وجل من فقرٍ أو يتمٍ أو حاجةٍ، ومعلومٌ أنّ العمل الصالح يكون أعظم إذا ما كان نفعه أكبر.
ومن تتبع آيات الكتاب العزيز يجد أنّ الله عز وجل وجّه المطعمين إلى توجيه إطعامهم إلى الأصناف الآتين من الناس:
١. المساكين.
وهم أكثر من أمر الله عز وجل بإطعامهم في القرآن الكريم، وأغلب الآيات التي ذكرت الإطعام إنّما جعلته للمساكين، والمساكين جمع مسكين، والمسكين هو الذي لا شيء له، وقيل: هو الذي له بعض الشيء؛ ولكن لا يسدّ حاجته، ولا يكفيه51، وقد اختلف أهل اللغة والمفسرون والفقهاء في تحديد الفرق بين المسكين والفقير، ومن منهم أشدّ حاجة، فقال البعض: هما مترادفان52، وقال بعضهم: الفقير أشدّ حاجة، وقال آخرون: المسكين أشدّ حاجة53، والذي يعنينا هنا أنّ المسكين هو من كان في عوز وحاجة، ويدخل الفقير في هذه الصفة.
ولعلّ الحكمة في الإكثار من الوصية بإطعام المساكين أنّ هذا النوع من الناس في حاجة شديدة إلى العناية والرعاية؛ لأنّهم -في الغالب- يفضلون الاكتفاء بالقليل على إراقة ماء وجوههم بالسؤال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن المسكين: (ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان؛ ولكنّ المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به فيتصدّق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس)5455.
وقد أخبر الله عز وجل أنّ في إطعام هؤلاء المساكين منفعة كبيرة للعبد يوم القيامة؛ إذ بهذا العمل الصالح تقتحم العقبة، وتنال الجنة، قال الله عز وجل: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البلد: ١١ - ١٦].
والمسكين ذو المتربة هو صاحب الفقر الشديد؛ كأنّه لصق بالتراب لشدّة حاجته، وقال ابن عباس رضي الله عنه: هو المطروح في التراب لايقيه شيء 56.
وقد جعل الله عز وجل للمساكين حظًّا وافرًا من الإطعام، إذ إنّ كثيرًا من الكفارات إنّما هي طعامٌ يصرف للمساكين، ففي كفارة اليمين أمر الله عز وجل بإطعام عشرة مساكين: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [المائدة: ٨٩].
ومن ظاهر من زوجته، ولم يستطع تحرير رقبة ولا صيام ستين يومًا فعليه إطعام ستين مسكينًا، قال سبحانه وتعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖg ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [المجادلة: ٣- ٤].
وكذلك فقد جعل الله عز وجل فدية الإفطار في رمضان بسبب كبر سنٍّ، أو مرضٍ لا يرجى برؤه فدية طعام مسكين، قال تعالى: (ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [البقرة: ١٨٤].
ومن قتل صيد البر وهو محرم فعليه كفارة طعام مساكين، قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [المائدة: ٩٥].
٢. اليتامى.
ولا يخفى حال اليتيم من ضعف وعوز، وفقدان للمعيل؛ فكانت الوصية باليتامى عظيمة في كتاب الله عز وجل، ومن الوصية بهم أنّ الله عز وجل حثّ على إطعامهم ورعايتهم؛ بل وجعل ذلك من عظيم القربات، وأجلّ الطاعات، قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البلد: ١١ - ١٦].
فإطعام اليتامى في أيام المجاعات من خير ما تجتاز به العقبة، وتنال به الرحمة، وإنّما خص الإطعام في يوم المسغبة والمجاعة لأنّ الحاجة إليه أشدّ، ويكون الطعام في مثل تلك الأوقات عزيزًا، قال الفخر الرازي: «واعلم أنّ إخراج المال في وقت القحط والضرورة أثقل على النفس، وأوجب للأجر» 57.
ولا شكّ بأنّ في إطعام اليتامى مصلحة عظيمة للمجتمع، وخير كبير للأمة، إذ في إطعامه سدٌّ لحاجته، ومواساة لحاله، ومن ثمّ صلاح لأمره، قال ابن عاشور: «ووجه تخصيصه بالإطعام أنّه مظنة قلة الشبع؛ لصغر سنّه، وضعف عمله، وفقد من يعوله، ولحيائه من التعرض لطلب ما يحتاجه؛ فلذلك رغّب في إطعامه، وإن لم يصل حدّ المسكنة» 58.
٣. الأسرى.
ولقد ذكر الله عز وجل إطعامهم رفقًا بحالهم، فالأسير محبوس، ممنوع من أهله وماله، وهو في ضعف وحاجة، فكان في إطعامه الفضل والطاعة، وقد مدح الله عز وجل من يطعمون الأسرى بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الإنسان: ٦ - ٨].
وقد ذكر المفسرون أقوالًا في المراد بالأسرى في الآية؛ فقالوا: هو الأسير المشرك، وقالوا: المحبوس بحق من المسلمين، وقالوا: هو العبد؛ إذ هو أسير عند سيده، وقالوا: المرأة؛ فهي أسيرة عن زوجها، وقد رجح القرطبي أنّ جميع من ذكروا داخلون في الآية 59.
والراجح -والله أعلم- أنّ المعنيين في الآية الأسرى المحبوسين؛ من المسلمين والمشركين؛ أمّا العبيد عند أسيادهم، والنساء عند أزواجهنّ فهم ليسوا بأسرى على الحقيقة، وقد جاء الحثّ على إطعامهم والإحسان إليهم -في غير هذه الآية- في نصوصٍ كثيرةٍ من الشرع الحكيم.
٤. البائس الفقير.
لقد أمر الله عز وجل بإطعام هذا الصّنف من الناس من بهيمة الأنعام التي تذبح أو تنحر تقربًا إلى الله عز وجل من الهدي والأضاحي، قال الله عز وجل: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔe ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الحج: ٢٧- ٢٨].
والمراد بالبائس الفقير في الآية: من كان شديد الفقر، عظيم الحاجة، وقد وصفه الله بالفقير بعد وصفه بالبائس لمزيد إيضاح وبيان60.
٥. القانع والمعتر.
وقد أمر الله عز وجل بإطعامهم من البدن التي تذبح هديًا أو أضحية، وذلك في قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الحج: ٣٦].
وللمفسرين أقوال كثيرة في معنى القانع والمعتر:
منها: أنّ القانع هو الذي يسأل الناس، والمعتر هو الذي لا يسأل.
ومنها: أنّ القانع هو المتعفف، والمعتر هو السائل.
ومنها: أنّ القانع هو السائل، والمعتر هو الذي يعتريك ولا يسأل.
وغير ذلك من أقوال61.
والجامع بين تلك الأقوال جميعًا أنّ القانع والمعتر من أصناف الناس الفقراء في المجتمع، ولا شكّ بأنّ الشرع قد أوصى بالعناية بهم وإطعامهم.
فهؤلاء هم الذين حثّ القرآن الكريم على إطعامهم، ورغّب في ذلك ترغيبًا عظيمًا؛ بل أوجب إطعامهم في الكفارات والفدية، ولا شكّ بأنّ في ذلك تنبيهٌ على فضل الإطعام وأهميته.
ثانيًا: شروط الإطعام:
إنّ الإطعام عبادة لله عز وجل، يتقرب بها العبد لربّه سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أنّ لأيّ عبادة من العبادات التي ينال بها رضا الله عز وجل شرطين:
الأول: الإخلاص لله عز وجل.
والثاني: مطابقة العمل لشرع الله عز وجل، وموافقته لما في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الله سبحانه: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [البينة: ٥].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا وابتغى به وجهه) 62.
وقد بيّن الله عز وجل أنّ الإطعام الذي ينال صاحبه الأجر والمثوبة هو ما كان خالصًا لوجهه الكريم، ولم يكن فيه شرك أو رياء، فلقد مدح الله عز وجل من يطعمون المساكين واليتامى ابتغاء وجه الله عز وجل، لا يطعمونهم طلبًا للشكر والثناء من الناس، قال الله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الإنسان: ٨-٩].
وإنّما يريدون بهذا العمل الصالح وجه الله عز وجل، وابتغاء مرضاته، فهم مؤمنون بالله واليوم الآخر، مؤمنون بالجزاء في الآخرة، (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الإنسان: ١٠].
ولمّا كانت نيتهم خالصة، وأعمالهم صافية، كان لهم الثواب الجزيل، والأجر الكريم، (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃT ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉZ ﮋﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕf ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الإنسان: ١١ - ١٤].
ومعلوم أنّ العمل الصالح لا بدّ أن يكون مقرونًا بالإيمان؛ إذ العمل الصالح من غير المؤمن لا ينفع، ولا يقبل الله عز وجل من الكافرين عملًا صالحًا، وكثيرًا ما قرن الله عز وجل بين الإيمان والعمل الصالح في كتابه العزيز63، كقوله تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة: ٨٢].
ولمّا بيّن الله عز وجل أنّ إطعام اليتامى والمساكين في أيام الجوع والشدة من أفضل الأعمال الصالحات، فقال سبحانه: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البلد: ١١ - ١٦]. أتبع ذلك ببيان أنّ تلك الصالحات لا تنفع العبد إذا لم يكن معها إيمان بالله عز وجل. قال سبحانه: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [البلد: ١٧- ١٨].
قال البغوي: «بيّن أنّ هذه القرب إنّما تنفع مع الإيمان»64.
ثالثًا: أنواع الإطعام:
لقد ذكر القرآن الكريم أصنافًا من الإطعام، فذكر الإطعام المطلق للفقراء والمساكين والأسرى، وذكر الإطعام من الهدي والأضاحي، وذكر الإطعام في الفدية والكفارات، وذكر الإطعام ضيافة، وفيما يأتي بيان أنواع الإطعام في القرآن الكريم:
١. الإطعام المطلق.
والمراد بذلك الإطعام في أيّ وقت، ولأيّ صنف من أصناف الناس الذين سبقت الإشارة إليهم في المطلب الأول من هذا المبحث؛ بل ويدخل في ذلك أيضًا إطعام ذوي القربى، والجيران، والأصحاب، وحتى الزوجة والأهل، فقد ورد في الشرع الحنيف ما يدلّ على فضل ذلك جميعًا.
ولا شكّ أنّ هذا الإطعام المطلق مراتب ودرجات؛ فكلّما كانت حاجة المطعم للطعام أشدّ، كان ذلك الإطعام أفضل وأجلّ، وقد مدح الله المطعمين في وقت الجوع والمسغبة، قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الإنسان: ٨-٩]. فمعنى على حبّه: أي في حال محبتهم لهذا الطعام وشهوتهم له 65.
وهذا النوع من الإطعام -الإطعام المطلق- قد ذمّ الله عز وجل الممتنعين عنه، وأخبر سبحانه أنّ الامتناع عنه سبب من أسباب الوقوع في العذاب يوم القيامة، فقال سبحانه: (ﰓ ﰔç ﰖ ﰗ ﰘ ﰙì ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟò ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ) [المدثر: ٤١ - ٤٤].
وذمّ الله عز وجل من لا يحضّ على هذا الإطعام فقال سبحانه: (ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ¡ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الفجر: ١٧ - ١٨].
٢. الإطعام في الكفارات.
وهو إطعام واجب على من وجب عليه ذلك، كمن حنث في يمينه ولم يشأ أن يعتق رقبة، أو أن يكسو عشرة مساكين، فهذا يجب عليه أن يطعم عشرة مساكين إلا أن يكون عاجزًا عن ذلك فعليه صيام ثلاثة أيام.
قال الله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [المائدة: ٨٩].
وغير ذلك من الكفارات، وقد أشرنا إلى ذلك في المطلب الأول من هذا المبحث.
٣. الإطعام في الفدية.
وقد جعل الله عز وجل هذا النوع من الإطعام واجبًا أيضًا، فمن أفطر في رمضان لكبر سنٍّ أو مرض لا يرجى برؤه، وجب عليه إخراج الفدية؛ طعام مسكين عن كلّ يوم أفطره.
قال الله تعالى: (ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [البقرة: ١٨٤].
وكذلك الحال فيمن أحرم بالحج، ثمّ أحصر وأصبح مريضًا أو به أذى من رأسه جاز له أن يحلق رأسه قبل أن يذبح الهدي، ووجبت عليه الفدية: صيام أو صدقة أو نسك، قال الله عز وجل: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [البقرة: ١٩٦].
والمراد بالصدقة في الآية: إطعام ستّة مساكين 66.
٤. الإطعام ضيافة.
فإنّ من شعائر الإسلام إكرام الضيف، ومن أهم صور الإكرام تقديم الطعام والشراب، وقد أخبر الله عز وجل عن كرم ضيافة إبراهيم عليه السلام لضيفه.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ¸ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [هود: ٦٩- ٧٠].
لقد ظنّ إبراهيم عليه السلام أنّ رسل الله عز وجل من الملائكة الكرام ضيفان من البشر، فما كان منه إلا الإسراع في إكرامهم، والتعجل في إعداد الطعام لهم، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في كتابه مدحًا لإبراهيم الخليل عليه السلام، وبيانًا لمناقبه وفضله، وحثًّا للعباد على التأسي به، والسير على خلقه.
ويؤخذ من قصة إبراهيم عليه السلام مع ضيفه هؤلاء أشياء كثيرة من آداب الضيافة؛ منها: تعجيل القرى والطعام، ومنها: أن يقدم للضيف أحسن الموجود، ومنها: تقريب الطعام إلى الضيف، ومنها: ملاطفته بالكلام بغاية الرفق67.
وفي مقابل مدح إبراهيم عليه السلام في إكرامه لضيف، أخبر الله عز وجل عن قرية تخلق أهلها باللؤم والبخل وسوء معاملة الضيفان، وبلغ بهم الحدّ في البخل أن طلب منهم عابرا سبيل -موسى عليه السلام والرجل الصالح- أن يطعموهما فأبوا وبخلوا، قال الله عز وجل مخبرًا عن حال موسى عليه السلام والعبد الصالح مع أهل تلك القرية: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الكهف: ٧٧].
لقد بلغ البخل واللؤم بأهل تلك القرية أن منعوا طعامهم عن عابر السبيل، وقد طلب منهم عابر السبيل الطعام فأبوا، مع أنّ الضيافة كانت شائعة في الأمم من عهد إبراهيم عليه السلام، وهي من العادات الفاضلة المتعارف عليها بين الناس68.
وقد أكّد النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية إكرام الضيف، وبيّن عليه السلام أنّ ذلك من الإيمان؛ ولا ينفك إكرام الضيف عن المؤمنين، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) 69.
وفي ختام ذلك المبحث تبيّن مدى اهتمام القرآن الكريم بفضيلة إطعام الطعام، وأنّ تلك الفضيلة يشترط لها الإخلاص لله عز وجل، وأن تكون مقرونة بالإيمان -كغيرها من الأعمال الصالحة-، وبيّن القرآن أصناف المطعمين، وأكّد على حقّ المساكين واليتامى، وبيّن أنّ الإطعام له أنواع وصور متعددة، وكلّما كان الطعام المقدم محتاجًا إليه، كان جزاؤه أعظم.
والناس اليوم يحتاجون إلى تلك الشعائر الربانية، وتلك الرحمات الإلاهية، من إطعام الطعام، والسعي على المساكين والأيتام، فكم من بيوت لا يجد أهلها كسرة خبز، وكم من دول يموت شعبها جوعًا، وكم من طفل بات باكيًا لم تجد أمّه ما تسد به رمقه، وفي جانب آخر من حياة الناس نرى أكوامًا من الطعام قد ألقيت، وأصنافًا من الخيرات قد أتلفت، والله المستعان.
إنّ المتتبع لآيات القرآن الكريم التي تحدّثت عن الطعام يجد أنّ كثيرًا من هذه الآيات قد تحدّثت عن طعام الآخرة؛ حيث يخبر الله عز وجل في آيات عدّة من كتابه العزيز عن طعام أهل الجنة، ويصف لعباده ما أعدّ للمتقين منهم من طعام ناعم، وأكلٍ دائم، ويخبر سبحانه عن طعام أهل النار، ويصف لعباده ما أعدّ للمجرمين من طعام أثيم، وشراب من حميم.
أولًا: طعام أهل الجنة:
لقد أخبر الله عز وجل في مواضع كثيرة من كتابه العزيز عمّا أعدّ لعباده المتقين من نعيم مقيم في الجنّة، وأخبر سبحانه عن ظلال الجنة وأنهارها، وأخبر عن أشجارها وثمارها، وأسهب سبحانه في الحديث عن تنعّم أهل الجنة بما فيها من أصناف النعيم؛ فأخبر سبحانه عن طعامهم وشرابهم، وأخبر عن مساكنهم وبيوتهم، وأخبر عن أزواجهم وخدمهم، وأخبر عن لباسهم وحليّهم، وأخبر حتى عن كؤوسهم وصحافهم، وفي هذا كلّه ترغيب للعباد في جنّة الرحمن، وتشويق لهم للدار الآخرة، وتحفيز لهم على الجد والاجتهاد في الطاعة والعبادة لنيل ذلك الجزاء العظيم، والفوز بذلك الفوز الكبير.
فمن إخبار الله عز وجل عن طعام الجنّة أنّه سبحانه ذكر دوام ذلك الطعام، وأنّه لا ينقطع، ولا يمنع؛ بل هو يسير المنال، قريبٌ ممن اشتهاه.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الرعد: ٣٥].
ومعنى دوام طعام أهل الجنة في هذه الآية: أنّه لا ينقطع أبدًا، ولا تنقطع لذته؛ فلا تزيد بجوع، ولا تملّ من شبع 70.
وقد قال سبحانه عن فاكهة الجنة: (ﮖ ﮗh ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الواقعة: ٣٢- ٣٣].
فثمار الجنة وفاكهتها دائمة؛ لا تنقطع في حين دون حين، ولا تمنع بالحيطان والنواطير، ولا تنقطع إذا جنيت ولا تمنع من أحد إذا أريدت؛ إنّما هي مطلقة لمن أرادها، قريبة لمن اشتهاها 71.
قال ابن كثير: «أي: لا تنقطع شتاءً ولا صيفًا؛ بل أُكُلُها دائمٌ مستمرٌ أبدًا، مهما طلبوا وجدوا، لا يمتنع عليهم بقدرة الله شيء، وقال قتادة: لا يمنعهم من تناولها عودٌ ولا شوكٌ ولا بعدٌ» 72.
وهذا الحال لطعام الجنّة وفاكهتها على خلاف ثمار الدنيا التي تنقطع وتمنع؛ فحتى ملوك الدنيا وأغنياؤها قد يشتهون ثمرًا، ويجدون قيمته، ولكنّهم قد لا يحصلون عليه؛ لأنّه في غير وقته، أو لأنّه بعيد مكانه، وقد يشتهون طعامًا أو شرابًا موجودًا؛ ولكنه يحتاج إلى وقتٍ في صنعه وإعداده؛ فلا يأتيهم في وقت مرادهم؛ فتنقطع شهوتهم أثناء انتظاره، ولا شكّ بأنّ أعظم لذة بالطعام والشراب في وقت اشتهائه وطلبه.
ولقد أخبر الله عز وجل عن ثمار الجنّة وقطوفها، فبيّن سبحانه أنّ قطوفها دانية مذللة لأهلها في كل وقت ومكان، وشرابها جاهز على الدوام، وعيونها تتفجر في الحال، كي لا يظنن ظانٌّ أنّ ثمار الجنة في الحصول عليها كثمار الدنيا، تحتاج إلى من يجلبها من سوقها، أو يصعد شجرها ليقطفها؛ بل هي ثمار لصاحبها تأتيه حيث كان، وتدنو منه متى أراد، وما عليه إلا أن يشتهيها لينالها.
قال الله عز وجل: (ﮝ ﮞ ﮟ) [الرحمن: ٥٤].
وقال سبحانه: (ﮭ ﮮ ﮯ¡ ﮱ ﯓ) [الحاقة: ٢٢- ٢٣].
قال البراء بن عازب رضي الله عنه: «أي: قريبة، يتناولها أحدهم وهو نائم على سريره» 73.
إنّها ثمار في رؤوس أشجارها؛ ولكنها مذللة لأصحابها؛ يقطفونها يانعة ناضجة متى اشتهوها.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الإنسان: ١٤].
قال مجاهد رحمه الله: «إن قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلت له حتى ينالها، وإن اضطجع تدلت له حتى ينالها، فذلك قوله: (ﮜ)»74.
لقد أخبر الله عز وجل أنّ لأهل الجنّة فيها ما تشتهيه الأنفس من المآكل والمشارب، وأصناف الأطعمة والفواكه.
قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الواقعة: ٢٠- ٢١].
وقال سبحانه: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ´ ﯤ ﯥ ﯦ¹ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [المرسلات: ٤١ - ٤٣].
وقال سبحانه: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الزخرف: ٧١].
وقد أباح الله عز وجل لأهل الجنّة أن يتناولوا من خيراتها وألوان طعامها وشرابها ما يشتهون (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الحاقة: ٢٤]75.
ولا شكّ بأنّ أعظم شيء في الطعام والشراب لذته، وكلما كان طيبًا شهيًّا عظم الفرح به، وزاد التلذذ بأكله، وأقبل الآكل والشارب عليه؛ ولذا يعطى أهل الجنة قوةً عظيمةً لتكمل لذتهم بما يجدون من مآكلها ومشاربها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنّ الرّجل من أهل الجنّة ليعطي قوّة مائة رجلٍ في الأكل والشّرب والجماع والشّهوة، فقال رجلٌ من اليهود: إن الذي يأكل ويشرب تكون منه الحاجة، فقال: يفيض من جلده عرقٌ فإذا بطنه قد ضمر)76.
لقد أخبر الله عز وجل أنّ ثمار الجنّة كثيرة عظيمة، فقال عز وجل: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲÅ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الزخرف: ٧٢- ٧٣].
ومن كثرة ثمار الجنة يظنّ أهلها -كلما رزقوا منها رزقًا- أنّهم قد رأوها من قبل، فإذا هي أنواعٌ جديدةٌ متشابهةٌ في شكلها ولونها، مختلفةٌ في طعمها وريحها.
قال الله عز وجل: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة: ٢٥]77.
وعلى كثرة ثمار الجنة وفاكهتها إلا أنّها لا تشبه ما في الدنيا من ثمار، وليس بين ثمار الجنّة وثمار الدنيا من الشبه إلا في الاسم، أمّا الحقيقة والطعم والرائحة فثمار الجنة تعظم ثمار الدنيا بما لا يعلمه إلا الله عز وجل.
قال ابن القيم بعد أن ذكر الآيات والأحاديث في طعام الجنّة: «قد تضمنت هذه النصوص أنّ لهم فيها الخبز واللحم والفاكهة والحلوى وأنواع الأشربة من الماء واللبن والخمر؛ وليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء؛ وأمّا المسميات فبينها من التفاوت ما لا يعلمه البشر» 78.
ومن خصائص ثمار الجنة أنّ لكلّ فاكهةٍ منها نوعين (ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الرحمن: ٥٢].
وذلك من جميع أصناف الفواكه، كلّ صنف له لذة ولون ليس للنوع الآخر، أو يكون فيها من كل نوع ما يؤكل رطبًا وما يؤكل يابسًا؛ كالعنب والزبيب، والرطب والتمر، ونحو ذلك79.
وأكثر شيءٍ ينغّص على أهل الدنيا عيشهم القلة بعد الجدة، وفقد الشيء بعد نيله، واشتهاء الشيء مع عدم القدرة عليه، ومن الناس من يشتهي طعامًا فيأكل من الطعام ما يضره؛ لمرض فيه، ومنهم من يرى الطعام فيحبس نفسه عنه وإن كان يشتهيه؛ خوفًا من عاقبته، ومن الناس من يسرف في مأكله فيضر نفسه، ويحبس نفسه.. وأمّا أهل الجنة فيتنعمون بأنواع المآكل والمشارب وهم آمنون من كل هذا التنغيص.
قال الله عز وجل عنهم: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الدخان: ٥٥].
فهم آمنون من فقدها وقلتها، وآمنون من ضررها وعاقبتها، وآمنون من حبس نفوسهم عنها لعلة من العلل؛ فالجنة ليس فيها مرض ولا قلة، ولا فقر ولا ضرر على أهلها مما يأكلون ويشربون80.
ومن تمام نعمة الله عز وجل على أهل الجنة في طعامهم وشرابهم أنّ سبحانه جعل تصريف الطعام والشراب في الجنّة ليس كما هو في الدنيا؛ فليس في تصريفه شيء من الأذى أو الخبث؛ بل هو جشاء ورشح يفيض مسكًا؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يأكل أهل الجنّة فيها ويشربون، ولا يتغوّطون ولا يمتخطون ولا يبولون، ولكن طعامهم ذاك جشاءٌ كرشح المسك)81.
إنّ كلّ هذا النعيم من الطعام والشراب جعله الله عز وجل لأهل الجنة؛ يتنعمون به، ويتلذذون به، وليس طعامهم هذا وشرابه عن شعور بالجوع أو العطش؛ بل هو نعيم وسرور ما بعده سرور، قال القرطبي في التذكرة: «نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم؛ فليس أكلهم عن جوع، ولا شربهم عن ظمأ، ولا تطيبهم عن نتن؛ وإنّما هي لذاتٌ متواليةٌ، ونعمٌ متتابعةٌ، ألا ترى قوله تعالى لآدم: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ_ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [طه: ١١٨ - ١١٩].
وحكمة ذلك أنّ الله تعالى عرفهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا، وزادهم على ذلك ما لا يعلمه إلا الله عز وجل»82.
ثانيًا: طعام أهل النار:
وكما أخبر الله سبحانه عن نعيم الجنّة وطعامها؛ فإنّه سبحانه قد أخبر عن عذاب النار وأهوالها، وبيّن سبحانه ما فيها من سموم وحميم، وطعام الأثيم، وخزي وعذاب أليم؛ ليكون العباد على بيّنة، وليجنّب العقّال منهم أنفسهم عن ذلك العذاب قبل أن يأتي وقت لا ينفع فيه الندم.
لقد بيّنت آيات الكتاب العزيز أنّ لأهل النار أصنافًا من العذاب؛ فلا يقتصر عذابهم على حرّها وإحراقها؛ بل فيها مع ذلك الإحراق عذاب الحسرة والندم، وعذاب السلاسل والأغلال، وعذاب الصّراخ والفزع، وألم الجوع والعطش، وعذاب الريح الخبيثة والنتن، وأصنافًا غير ذلك من العذاب المهين.
فأمّا طعام أهل النار فقد أخبر الله عز وجل بأنّه ليس لهم طعام إلا الضريع، فقال سبحانه: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الغاشية: ٦].
وفي موضع آخر من الكتاب العزيز أخبر سبحانه أنّه ليس لأهل النار طعام غير الغسلين، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ& ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ, ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الحاقة: ٣٥ - ٣٧].
فهذا هو طعامهم: الغسلين والضريع، وليس لهم طعام سوى ذلك.
والمتأمل في هاتين الآيتين الكريمتين يجد أنّ كلّ آية منهما حصرت طعام أهل النار بنوع من الطعام غير النوع الآخر؛ فذكرت الآية الأولى أنّ الكافر لا طعام له يوم القيامة إلا من ضريع، وذكرت الآية الثانية أنّ الكافر لا طعام له يوم القيامة إلا من غسلين، وهذا الحصر في كلا الآيتين قد يفهم منه البعض أنّ فيه تعارضًا وتناقضًا؛ وقد جمع المفسرون بين الآيتين بما لا يبقي تعارضًا؛ ولكن قبل بيان ذلك لا بدّ من بيان معنى الضريع، ومعنى الغسلين.
فأصل الغسلين في اللغة: ما يخرج من الثوب ونحوه بالغسل؛ ثمّ استعمل في كل جرح غسل فخرج منه شيء، فهو غسلين، واستعمل القرآن لفظ الغسلين في كل ما يسيل من جلود أهل النار؛ كالقيح والصديد وغيرهما، كأنه يغسل عنهم83.
وللمفسرين أقوال متعددة في المقصود بالغسلين في القرآن الكريم؛ والمنقول عن ابن عباس رضي الله عنه أنّه: الصديد والدم والماء يسيل من لحوم أهل النّار، والمنقول عن قتادة أنّ الغسلين: شر الطعام وأخبثه وأبشعه 84.
أمّا الضريع: فهو نبت يقال له: الشبرق، ويسمّيه أهل الحجاز: الضريع إذا يبس، وهو نبات ذو شوك، لا تقربه دابّة إذا يبس، وهذا المعنى في الضريع مروي عن ابن عباس رضي الله عنه، وعن عكرمة، وعن مجاهد وقتادة، وقال بعض المفسرين: الضريع شوك من النار85.
وعلى ضوء معنى الغسلين ومعنى الضريع يتبين أنّهما ليسا شيئًا واحدًا، وأنهما ليسا اسمين لمسمى واحد؛ بل هما شيئان مختلفان، وقد جمع المفسرون بين الآيتين بما بعدة أقوال:
الأول: أنّ العذاب يوم القيامة ألوان وأشكال، والمعذبون طبقات ودرجات؛ فمنهم من لا طعام له إلا من غسلين، ومنهم من لا طعام له إلا من ضريع؛ يرشد لهذا التنوع في العذاب قوله تعالى في وصف النار: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الحجر: ٤٤]؛ فكلّ باب من هذه الأبواب اختص بفريق من أهل الكفر، وكل باب من هذه الأبواب داخله مغاير لما في داخل الباب الآخر، فإذا تعددت الأبواب، وتنوعت المقامات دلّ ذلك على تنوع أنواع العذاب والطعام.
وبحسب هذا التوجيه، يكون كل نوع من الطعام مخصصًا لفريق من أهل النار؛ ففريق يكون طعامه الغسلين، وفريق آخر يكون طعامه الضريع، وفريق ثالث يكون طعامه الزقوم، وهكذا؛ فغاية ما في الأمر أنّ كلّ آيةٍ تحدثت عن نوع من الطعام المخصص لهذا الفريق أو ذاك 86.
الثاني: أنّ المعنى في الآيتين أنّهم لا طعام لهم أصلًا؛ لأنّ الضريع لا يصدق عليه اسم الطعام، ولا تأكله البهائم -فضلًا عن الآدميين-، وكذلك الغسلين ليس من الطعام في شيء؛ فمن طعامه الضريع لا طعام له، ومن طعامه الغسلين كذلك، ويكون التعبير بهذا الأسلوب من باب المبالغة. ومنه قولهم: فلان لا ظل له إلا الشمس، ومرادهم. لا ظل له أصلًا 87.
الثالث: أن تحمل الآيتان على حالتين، حالة يكون فيها طعامهم الضريع دون غيره، وحالة ثانية يكون طعامهم الغسلين، ولا شيء غيره. ويستنبط هذا المعنى قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الرحمن: ٤٤].
أي: تارة يعذّبون في الجحيم، وتارة يسقون من الحميم، وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب، يقطع الأمعاء والأحشاء، وعلى هذا يكون طعامهم الضريع في وقت، وفي وقت آخر يكون طعامهم الغسلين، والله أعلم.
وقد وصف الله عز وجل طعام الضريع الذي أعدّه سبحانه لأهل الجنّة بأنه: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الغاشية: ٧].
وذلك لبيان أنّ ذلك الطعام كلّه ضرر، لا نفع فيه أبدًا؛ «فلا يعود على آكليه بسمنٍ يصلح بعض ما التفح من أجسادهم، ولا يغني عنهم دفع ألم الجوع» 88.
وهناك طعام ثالث لأهل النار، وهو شجرة الزقوم، وقد أخبر الله عز وجل عنها في غير موضع من كتابه العزيز، من ذلك قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑb ﮓ ﮔ ﮕ ﮖg ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝn ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ s ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩz ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ£ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الصافات: ٦٢ - ٦٨].
وقوله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ? ﭰ ﭱB ﭳ ﭴ ﭵ ﭶG ﭸ ﭹ) [الدخان: ٤٣ - ٤٦].
إنّها لشجرة شنيعة المنظر، فظيعة المظهر، مرّة المذاق، وهي شجرة خلقها الله في نار جهنم، وسمّاها الشجرة الملعونة، فإذا جاع أهل النار التجؤوا إليها فأكلوا منها، فغلت في بطونهم كما يغلي المهل، وهو النحاس المذاب 89، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن شدّة مرارة تلك الشجرة فقال: (ولو أنّ قطرةً من الزقوم قطرت؛ لأمرّت على أهل الأرض عيشهم؛ فكيف من ليس لهم طعام إلا الزقوم؟!) 90.
وكل طعامٍ يأكله أهل النار يجمع عليهم مرارة الطعام وغصته، كما قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟp ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [المزمل: ١٢- ١٣].
والغصة هي التي يعلق بها الطعام في الحلق؛ فلا يسهل عليه دخوله إلى الجوف، ولا يسهل خروجه عنه للتخلص منه، وفي هذا غاية الألم وغاية العذاب91.
والخلاصة أنّه لا طعام لأهل النار إلا الضريع والغسلين والزقوم، وكلّ ذلك ما هو إلا عذاب فوق العذاب، ليس فيه من خصال الطعام الطيّب شيء؛ فيا قبح طعم ما يأكلون! ويا بشاعة ما يطعمون؛ لا تستسيغه أذواقهم، ولا تقبله ألسنتهم، ومن شدّة ما هم فيه من آلام الجوع ومرارة الطعم يتمنّون الموت فلا يموتون، بل يزدادون عذابًا فوق عذابهم، قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ¡ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [إبراهيم: ١٦- ١٧].
نعوذ بالله العظيم من النار وما فيها من طعام ذي غصة وعذاب أليم.
وبعد الحديث عن طعام أهل الجنّة وطعام أهل النّار فإنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ إخبار الله عز وجل عن ذلك في سياق الحديث عن نعيم الجنّة وعذاب النّار فيه أعظم النفع للعباد؛ إذ فيه الترغيب العظيم في نعيم الجنّة، والتنفير الشديد من عذاب النّار، وإذا ما علم العبد ما أعدّ الله سبحانه لعباده الطائعين من النعيم، وعلم ما أعدّ الله عز وجل للعصاة من العذاب الأليم فإنّه سيسعى سعيًا حثيثًا للفوز بذلك النعيم، وللنجاة من ذلك العذاب الأليم.
إنّ التفكر في خلق الله عز وجل، وفي آياته وآلائه عبادة قلبية عظيمة؛ يزيد بها الإيمان، وينشرح بها الصدر، وتطمئن بها النفس، ويستنير بها القلب، ولقد حثّ الله عز وجل عباده بأن ينظروا في آياته، ويتفكروا في خلقه، وذلك في مواضع عديدة من الكتاب العزيز، من ذلك قوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [يونس: ١٠١].
وقوله عز وجل: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ\ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗh ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [ق: ٦ - ٨].
ولقد مدح الله عز وجل عباده الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض، فقال سبحانه: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓd ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١٩٠- ١٩١].
وختمت آيات عديدة من كتاب الله عز وجل بقول الله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الرعد: ٣].
وقد ذم الله عز وجل من لا يعتبر بمخلوقاته وآياته الدالّة على ربوبيته وألوهيته، فقال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [يوسف: ١٠٥].
فالتفكر في آيات الله عز وجل مستحبٌّ، مندوبٌ إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «النظر إلى المخلوقات العلوية والسفلية على وجه التفكر والاعتبار مأمور به مندوب إليه»92، والتفكر في آيات الله عز وجل «من أفضل أعمال القلب وأنفعها»93.
وآيات الله عز وجل مبثوثة في مخلوقاته؛ في أرضه وسمائه؛ فالكون كلّه كتاب مفتوح، جعله الله تبارك وتعالى دليلًا قاطعًا، وبرهانًا ساطعًا على وحدانيته وعظمته، يقف العاقل فيه على صنع الله (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [النمل: ٨٨].
والذي (ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [طه: ٥٠].
قال الله عز وجل منبهًا عباده إلى بعض آياته وعظيم مخلوقاته: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [البقرة: ١٦٤].
وإنّ في الطعام الذي خلقه الله عز وجل، وجعله غذاءً نافعًا للإنسان لآياتٍ باهراتٍ تدلّ على عظمة الخالق سبحانه، وبديع صنعه، وعظيم فضله على عباده، والعبد المؤمن كلّما أكل طعامًا أذهب جوعه، وأقام صلبه، وأمدّه بالقوة والنشاط زاد شعوره بعظيم نعم الله عز وجل عليه، وكلّما تأمّل في أصناف الأطعمة، وألوان الطيبات التي أحلّها الله عز وجل لعباده زاد يقينه بالله، وزادت معرفته لربّه، وازدادت خشيته ومهابته للخالق بديع السماوات والأرض.
ولقد أمر الله عز وجل الإنسان أمرًا صريحًا بأن يتفكر ويتأمل في طعامه؛ ليصل بهذا التفكر إلى الإيمان الراسخ بعظمة الخالق وألوهيته، فقال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ§ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ¬ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ² ﯢ ﯣ ﯤ¶ ﯦ ﯧº ﯩ ﯪ½ ﯬ ﯭÀ ﯯ ﯰÃ ﯲ ﯳ ﯴ) [عبس: ٢٤ - ٣٢].
فليتأمل الإنسان أولًا في الماء النازل من السماء، من الذي خلقه وأنزله؟ وهل يقدر أحدٌ غير الله أن ينزله إلى الأرض على هذا الوجه الذي يحصل به النفع؛ رشًّا صغيرًا رقيقًا حتى تروى به تدريجًا، من غير أن يحصل به هدم ولا غرق، وهل يقدر أحدٌ غير الله أن يشق الأرض، ويخرج منها النبات؟ وهل يقدر أحدٌ غير الله أن يخرج السنابل والثمار من ذلك النبات؟ وهل يقدر أحد غير الله أن ينمي حبّه وينقله من طور إلى طور حتى ينضج ويكون صالحًا للغذاء والقوت؟ ومن يقدر على إنبات الثمار والعنب والزيتون والنخيل؟ ومن خلق الحدائق وجعل فيها أصناف الفواكه؟ لا يقدر على شيء من ذلك إلا الله، الواحد الأحد، (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنعام: ٩٩]94.
ولينظر الإنسان إلى الحبّة إذا وضعت في الأرض؛ ينشق أعلاها وأسفلها؛ فيخرج من أعلاها النبتة الصاعدة، ويخرج من أسفلها الجذور الضاربة في الأرض، والحبّة واحدة، والتربة واحدة، والماء واحد.
فمن الذي سيّرها؟ ومن الذي يرعاها ؟
ومن الذي جعل منها غذاءً للإنسان والدّواب ؟
إنّه الله عز وجل (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰA ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [طه: ٥٣- ٥٤].
ومن عجيب آيات الله عز وجل في خلق الطعام والغذاء أنّه سبحانه يخرج من التربة الواحدة، والتي تسقى بماء واحد، يخرج منها سبحانه أصناف الثمار، وألوان الطعام، فلينظر الإنسان وليتأمل فيما يخرج من قطع الأرض المتجاورة، ليرى زروعًا مختلفةً، وزهورًا يانعةً، وفاكهةً كثيرةً متنوعةً، وثمارًا عديدة، ولكلّ صنف منها طعمٌ مختلفٌ، ولونٌ متباينٌ، وحجمٌ متفاوتٌ، ولكلّ صنف منها خصائصه ومنافعه وفوائده، فسبحان من أبدعها، وسبحان من يرعاها.
وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الرعد: ٤]95.
إنّ من تأمّل في تلك الآيات، وتفكّر في تلك الجنات وتنوع ثمارها وأكلها علم بأنّ لها صانعًا حكيمًا، قادرًا مدبرًا، لا يعجزه شيء، ولا تخفى عليه خافيه، له سبحانه آياتٌ بيناتٌ في خلقه تدلّ على ربوبيته وقدرته، وتشهد بوحدانيته96.
ومن آيات القرآن الكريم التي تدعو العباد للتفكر فيما خلق الله عز وجل لهم من خيرات وطيبات قول الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل: ٦٥ - ٦٧].
إنّها آياتٌ عظيمةٌ من آيات الله عز وجل؛ يخرج سبحانه اللبن الخالص، ناصع البياض، طيّب الرائحة من بين الفرث والدم؛ فليس عليه لون الدم، ولا رائحة الفرث؛ بل هو خالصٌ من الكدر، سائغٌ للشاربين، يروى من العطش، ويشبع من الجوع، ويشهد بعظمة الخالق سبحانه 97.
إنّ الطعام الذي يأكله الإنسان مليء بالآيات والعبر؛ فلو تأمل الإنسان في تنوع الأطعمة واختلافها لوجد منها الرطب ومنها اليابس، ومنها الحلو ومنها المالح، ومنها ما ينبت صيفًا ومنها ما ينبت شتاءً، ومنها الكبير ومنها الصغير، ومنها اللين ومنها القاسي، ومنها ما يؤكل نيًا ومنها ما يحتاج للطبخ، ومنها ما يؤكل للغذاء ومنها ما يؤكل للتفكه، ومنها ما يناسب الإنسان في الصيف فينبته الله عز وجل صيفًا، ومنها ما يحتاجه الإنسان في الشتاء فينبته الله عز وجل شتاءً، فسبحان الخالق ما أعظمه، وما أعظم منّه وفضله على عباده، ولا يسع المؤمن حين يتأمل في تلك الآيات البيّنات إلا أن يقول كما قال ربّ العالمين: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [لقمان: ١١].
موضوعات ذات صلة: |
الأكل، الحلال، الحرام، الحيوان، الخبيث، الشرب، الطير، الطيبات |
1 مقاييس اللغة ٣/٤١٠.
2 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه، رقم ٦٥١٣، ٧/١٥٢.
3 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٣/١٢٥.
4 المفردات ص٣٠٤.
5 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/٢٦٧٣.
6 انظر: المفردات، الراغب ص٣٠٤.
7 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٥/٣٩١.
8 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبدالباقي ص ٤٢٥-٤٢٦.
9 انظر: والوجوه والنظائر، مقاتل بن سليمان ص ١٩٤- ١٩، نزهة الأعين، ابن الجوزي ص ٤١٢-٤١٣، الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ٣٢٢-٣٢٣.
10 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/١٠٠.
11 انظر: المصدر السابق ٥/٣٢٢٣.
12 معجم الصناعات الغذائية والتغذية، محمد فهمي صديق ص٢٠٧.
13 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٢٦٧.
14 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٥٧.
15 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٥٥.
16 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٤٤٥.
17 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨١٣.
18 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٣٥.
19 معالم التنزيل ٣/٨٣.
20 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٩٢.
21 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٩/١١٢.
22 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٦٤.
23 كتاب التوحيد ص١٢٤.
24 أخرجه الإمام مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهى من أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا أو نحوها عن حضور المسجد، رقم ١٢٨٤، ٢/٨٠.
25 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/١١٦.
26 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٤٠.
27 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٠/٢٨٧.
28 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٦/٧٣.
29 أضواء البيان، الشنقيطي ٦/١٨.
30 البحر المحيط، أبو حيان ٦/٧٩.
31 الأب هو كل ما أنبتت الأرض مما يأكله الدواب ولا يأكله الناس.
انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٢٢٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٤/٢٥٢
32 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٣١٧.
33 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٨/٤٠.
34 مفاتيح الغيب ١١/٢٩٠.
35 تيسير الكريم الرحمن ص٧٤١.
36 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٥٢٢.
37 انظر: الوسيط، طنطاوي ٤/٢٦٢.
38 الجامع لأحكام القرآن ٦/٢٦٢.
39 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٧٤.
40 أخرجه الترمذي في سننه، باب ما جاء إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، رقم ٢٨١٩، ٤/٥١٠.
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
والحديث صححه الألباني في غاية المرام، رقم ٧٥.
41 سبل السلام ٢/٨٦.
42 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٩٤، فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٥٠.
43 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١١٥، البحر المحيط، أبو حيان ٤/٢٤٣.
44 تيسير الكريم الرحمن ص٧٠.
45 الحلال والحرام في الإسلام ص٢٩.
46 انظر: المصدر السابق ص٣٠.
47 روضة المحبين، ابن القيم ص١١.
48 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، رقم ١٦٩، ١/٤٧، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
49 أخرجه الترمذي في سننه، رقم ٢٤٨٥، ٤/٢٦٤، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في الصحيحة، رقم ٥٦٩.
50 أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب البيوع، رقم ٢١٢٦، ٢/١٢، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وأخرجه الطبراني في الكبير عن أنس رضي الله عنه، بلفظ (ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه)، رقم ٧٥١، ١/٢٥٩.
والحديث صححه الألباني في الصحيحة، رقم ١٤٩.
51 انظر: معاني القرآن، النحاس ٤/٢٧٤، النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٢/٣٨٥.
52 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ١/٤٤٨.
53 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٦٧، وقد فصل القرطبي القول في المسألة، فذكر تسعة أقوال لأهل اللغة والمفسرين والفقهاء انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٦٨.
54 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: (لا يسألون الناس إلحافًا)، رقم ١٤٧٩، ٢/١٢٥.
55 انظر: الوسيط، محمد سيد طنطاوي ١/٣٦٣.
56 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٩/١٣٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٤/٣٦١.
57 مفاتيح الغيب ٣١/١٦٩.
58 التحرير والتنوير ٣٠/٣٥٨.
59 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٨/٤٣٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/١٢٩.
60 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٦٤٢.
61 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٦٣٦، زاد المسير، ابن الجوزي ٥/٤٣٣.
62 أخرجه النسائي في سننه، باب من غزا يلتمس الأجر والذكر، رقم ٣١٤٠، ٦/٣٣٢.
وصححه الألباني في الصحيحة، رقم ٥٢.
63 ورد قول الله عز وجل: ( ﮫ ﮬ ﮭ) في القرآن الكريم خمسين مرة.
انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي ص٤١١- ٤١٢.
64 معالم التنزيل ٨/٤٤٣.
65 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٤/٢٠٩.
66 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ١/١٧٧.
67 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٢/١٨٦.
68 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/٧.
69 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الحثّ على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا من الخير وكون ذلك كله من الإيمان، رقم ١٨٢، ١/٤٩، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
70 انظر: البحر المحيط، أبو حيّان ٥/٣٨٦.
71 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٨/١٤١.
72 تفسير القرآن العظيم ١٣/٣٧٠.
73 انظر: المصدر السابق ١٤/١١٩.
74 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/١٠٣، الدر المنثور،السيوطي ٨/٣٧٤.
75 انظر: الجنة والنار، عمر الأشقر ص٢٢٩.
76 أخرجه الدارمي في سننه، باب في أهل الجنة ونعيمها، رقم ٢٨٦٧، ٣/١٨٦٥.
77 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٢١.
78 حادي الأرواح ص١٣٠.
79 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٨/١٢٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/١٧٩.
80 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٧/٢٣٧، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٧٤.
81 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في صفات الجنة وأهلها وتسبيحهم فيها بكرة وعشيًا، رقم ٧٣٣٣، ٨/١٤٧.
82 التذكرة ص٤٧٥.
83 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٤٢٤، لسان العرب، ابن منظور ٥/٣٢٥٧.
84 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٨/٣٥٤، البحر المحيط، أبو حيان ٨/٣٢٠.
85 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٣٨٤، معالم التنزيل، البغوي ٨/٤٠٨.
86 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٦٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/٣١.
87 انظر: روح المعاني، الألوسي ٣٠/١١٣، دفع إيهام الاضطراب، الشنقيطي ص٢٤٣.
88 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٢٩٧.
89 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/١٤٩.
90 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٧٣٥، ١/٣٠٠.
والحديث ضعفه الألباني في الضعيفة، رقم ٦٧٨٢، ١٤/٦٣٣.
91 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٤/١٦٩.
92 مجموع فتاوى ابن تيمية ١٥/٣٤٣.
93 مفتاح دار السعادة، ابن القيم ١/١٨٣.
94 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٢٢٦، أضواء البيان، الشنقيطي ٧/١٨٢.
95 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٢١٧،
96 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٣/١٠٣.
97 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٥/٢٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٤٣.