عناصر الموضوع

مفهوم الطلاق

الطلاق في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع الطلاق

الأحكام المتعلقة بالطلاق

حقوق المطلقة

موضوعات لها صلة بالطلاق

منهج القرآن في تقرير أحكام الطلاق

التدابير الوقائية من الطلاق

شبهات حول الطلاق

الطلاق

مفهوم الطلاق

أولًا: المعنى اللغوي:

الطلاق لغة: الحلّ ورفع القيد، وهو اسمٌ مصدره التّطليق، ويستعمل استعمال المصدر، وأصله: طلقت المرأة تطلق فهي طالقٌ بدون هاءٍ، وروي بالهاء (طالقةٌ) إذا بانت من زوجها، والطالق من الإبل: الّتي طلقت في المرعى، وقيل: هي الّتي لا قيد عليها، ونعجةٌ طالق: مخلّاة ترعى وحدها، وحبسوه في السّجن طلقًا، أي: بغير قيدٍ ولا كبل. وأطلقه، فهو مطلق وطليق، والجمع طلقاء، والطّلقاء: الأسراء العتقاء. والطّليق: الأسير الّذي أطلق عنه إساره وخلّي سبيله. وطلاق النّساء لمعنيين:

أحدهما: حلّ عقدة النّكاح.

والآخر: بمعنى التّخلية والإرسال1.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

لا يختلف كثيرًا معنى الطلاق اصطلاحًا عن معناه اللغوي إلا أن له في الاصطلاح الشرعي شروطًا وأحكامًا وصورًا يميزها عما كانت عليه في الجاهلية، ويعرّف الفقهاء الطّلاق بأنه: رفع قيد النّكاح في الحال أو المآل، بلفظٍ مخصوصٍ، أو ما يقوم مقامه2.

الطلاق في الاستعمال القرآني

وردت مادة (طلق) في القرآن (١٤) مرة 3.

والصيغ التي وردت كالآتي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٩

( ﯿ ) [البقرة:٢٣٠]

فعل الأمر

١

( ) [الطلاق:١]

المصدر

٢

( ) [البقرة:٢٢٧]

اسم المفعول

٢

( ) [البقرة:٢٢٨]

وجاء الطلاق في القرآن بمعناه الشرعي المعروف، وهو: حل عقدة النكاح، وفيه معناه اللغوي أيضًا -وهو التخلية من الوثاق-؛ لأنه تخليةٌ للمرأة من وثاق الزوج4. ولم يخرج في الاستعمال القرآني عن هذا المعنى.

الألفاظ ذات الصلة

السراح :

السراح لغةً:

قال ابن فارس: «السين والراء والحاء أصلٌ مطّرد واحد، وهو يدلّ على الانطلاق. يقال منه: أمر سريح، إذا لم يكن فيه تعويق ولا مطل، ثمّ يحمل على هذا السّراح وهو الطّلاق؛ يقال: سرّحت المرأة»5.

السراح اصطلاحًا:

هو «إطلاق الشي على وجه لا يتهيأ للعود»6.

الصلة بين السراح والطلاق:

إذا كان الطلاق هو رفع قيد النكاح، وإنهاء العلاقة الزوجية بين الزوجين على وجه لا يتوقع أن يعودا إلى ما كانا عليه سابقًا، فإنه -على هذا المعنى- يرادف معنى السراح.

الفراق:

الفراق لغةً:

مادة (فرق) تدلّ على تمييز وتزييلٍ بين شيئين. ومنه: فرق الشعر. يقال: فرقته فرقًا. والفرق: القطيع من الغنم. والفرق: الفلق من الشّيء إذا انفلق7.

الفراق اصطلاحًا:

يعني: إنهاء العلاقة الزّوجيّة بين الزّوجين بحكم القاضي بناءً على طلب أحدهما لسببٍ، كالشّقاق والضّرر وعدم الإنفاق، أو بدون طلبٍ من أحدٍ حفظًا لحقّ الشّرع، كما إذا ارتدّ أحد الزّوجين...8.

الصلة بين الفراق والطلاق:

بما أن الطلاق هو رفع قيد النكاح، فإنه في ذات الوقت يعني: انفصال كل من الزوجين عن بعضهما البعض، فهو يرادف الفراق على هذا المعنى.

النكاح:

النكاح لغةً:

يقصد به الضم والجمع، وهو مأخوذ من نكحه الدّواء إذا خامره وغلبه، أو من تناكح الأشجار، إذا انضمّ بعضها إلى بعض، أو من نكح المطر الأرض، إذا اختلط في ثراها9.

النكاح اصطلاحًا:

هو «عقد يرد على تمليك منفعة البضع قصدًا»10.

الصلة بين النكاح والطلاق:

العلاقة بينهما واضحة، وهي متمثلة في التقابل، فالطلاق يقصد به التفريق بين الزوجين، والنكاح يقصد به الجمع بينهما.

أنواع الطلاق

ينقسم الطلاق إلى نوعين: من جهة وقته، ومن جهة عدده، وسوف نتناولهما فيما يأتي:

أولًا: أنواعه من جهة وقته:

١. الطلاق السني والطلاق البدعي.

شرع الإسلام الطلاق وقرنه بأحكامٍ وآدابٍ يهدف من خلالها إلى إنقاذ سفينة الحياة الزوجية، ورأب صدعها قبل فوات الأوان، وقيادتها إلى شاطئ الأمان، ومن تلك التشريعات الحكيمة: مشروعية الطلاق السّنّي، وهو أن يطلّق زوجته في طهر لم يجامعها فيه، والهدف من ذلك منح الزوجين فرصةً للمصالحة والمراجعة، كذلك من فوائد الطلاق السّنّيّ تقصير مدة العدة؛ تيسيرًا على المرأة، ورحمة بها.

قال تعالى: ( ﭙﭚ ) [الطلاق: ١].

وقد ورد في سبب نزول هذه الآية: عن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أنّه طلّق امرأته وهي حائضٌ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها، ثمّ ليمسكها حتّى تطهر، ثمّ تحيض، ثمّ تطهر، ثمّ إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ، فتلك العدّة الّتي أمر اللّه أن تطلّق لها النّساء)11.

قال مجاهد: أي: طاهرًا من غير جماع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليراجعها، ثمّ يمسكها حتّى تطهر، ثمّ تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلّقها فليطلّقها طاهرًا قبل أن يمسّها، فتلك العدّة كما أمر اللّه عز وجل)12.

وقال الخازن: «أي: لزمان عدتهن وهو الطهر؛ لأنها تعتد بذلك الطهر من عدتها، وتحصل في العدة عقيب الطلاق، فلا يطول عليها زمان العدة»13.

وإنما نهي عن طلاق المرأة وقت الحيض لئلا تطول عليها العدة فتضارّ؛ ولأن حالة الحيض قد تكون سببًا في نفور الزوج، فيتسرع في طلاقها بخلاف ما إذا كانت طاهرًا، ولعل الزوج إذا تمهّل حتى يتحرّى السنة في تطليق زوجته فلربّما تنقشع سحابة الهجر والخصام، وتشرق شمس الصفا والوئام، هذا ويراعي الإسلام حالة المرأة النفسية والعضوية في فترة حيضها، فيرجئ الرجل عزمه على الطلاق لحين طهرها؛ لعلها تعود إلى حالتها وطبيعتها بعد انقضاء الحيض.

٢. الطلاق قبل الدخول.

يتضمّن حديث القرآن عن الطلاق قبل الدخول أمرين، كلاهما يفصح عن رحمة الإسلام بالمرأة، وتخفيفه عنها:

أولهما: أن المرأة لا تعتدّ منه.

وثانيهما: أن لها الحق في نصف المهر أو في المتعة.

قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮒﮓ ) [الأحزاب: ٤٩].

فليس على المطلقة قبل الدخول بها عدة؛ لأن الغرض من العدة استبراء الرحم.

وللمطلقة قبل الدخول حقوق مالية.

قال تعالى: ( ﮭﮮ ﯘﯙ ﯳﯴ ﯸﯹ ﯽﯾ ﯿ ) [البقرة: ٢٣٦-٢٣٧].

رفع الله تعالى الحرج عن الرجل إذا طلق المرأة قبل الدخول، ولم يسمّ مهرًا، فلا يجب عليه مهرٌ، لكن إذا طلّقها قبل الدّخول وقد فرض لها مهرًا فلها نصف هذا المهر المسمّى.

والمطلقات أربع:

  1. مطلقةٌ مدخولٌ بها مفروضٌ لها، فلها حقّها كاملًا في المهر، ولا يجوز للزوج أن يأخذ مما آتاها شيئًا، وعليها العدة.
  2. ومطلقة مدخول بها غير مفروض لها فلها مهر المثل.
  3. ومطلقة مفروض لها غير مدخول بها، وهي المذكورة بقوله سبحانه هنا: ( ) فلها نصف المهر المسمّى.
  4. ومطلقة غير مفروض لها، ولا مدخول بها، وهي المذكورة في قوله تعالى: ( ﮭﮮ ﯘﯙ ) [البقرة: ٢٣٦].

    والمراد بالفريضة هنا: تسمية المهر، فلا مهر لها، بل المتعة، ولا عدّة عليها، وتسمية المهر بالفريضة تعظيمًا له، وتشديدًا على أدائه فهو حقٌّ للزوجة، يجب على زوجها الوفاء به.

    وقوله: () أي: أعطوهن شيئًا يكون متاعًا لهنّ، وظاهر الأمر الوجوب، وبه قال عليٌّ وابن عمر والحسن البصريّ وسعيدٌ بن جبير والزهري وقتادة والضحاك، ومن أدلة الوجوب قوله تعالى: ( ﮋﮌ ﮒﮓ ) [الأحزاب: ٤٩].

    وقال مالك وأبو عبيد والقاضي شريح وغيرهم: إن المتعة للمطلقة المذكورة مندوبة لا واجبة؛ لقوله تعالى: ( ) ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين، ويجاب عنه بأن ذلك لا ينافي الوجوب، بل هو تأكيد له14.

    والمتعة هنا على حساب حال الزوج يسارًا أو إعسارًا، قال تعالى: ( ) ، وقال تعالى: ( ﯘﯙ ) أي: أن الوفاء بذلك، والقيام به شأن أهل التقوى والإحسان، وكل مسلم يجب عليه أن يتقي الله سبحانه، وأن يراعي الإحسان.

    قال تعالى: ( ﯳﯴ ﯸﯹ ﯽﯾ ﯿ )

    ( ) أي: المطلقات، فيتنازلن عن حقّهن في المهر أو عن جزء منه ( ) أي: الزوج، بأن يمنحها المهر كلّه.

    ( ) الخطاب هنا للرجال وللنساء، ترغيبٌ للجميع في العفو والتسامح، فتقوى الله تعالى درجاتٌ، هناك التقي وهناك الأتقى، والناس يتفاوتون في القرب من تقوى الله تعالى، فإذا كان العادل يتحرّى التقوى فإن العفو أعظم درجةً في التقوى، وإن العفوّ أقرب إلى التقوى، وكون عفو الزوج أقرب للتقوى من حيث إنه كسر قلب مطلقته، فيجبرها بدفع جميع الصداق لها؛ إذ كان قد فاتها منه صحبته، فلا يفوتها منه نحلته؛ إذ لا شيء أصعب على النساء من الطلاق، فإذا بذل لها جميع المهر لم تيأس من ردّها إليه، واستشعرت من نفسها أنه مرغوب فيها، فانجبرت بذلك 15.

    ( ) والمعنى: أن الزوجين لا ينسيان التفضّل من كل واحد منهما على الآخر، ومن جملة ذلك أن تتفضل المرأة بالعفو عن النصف، أو يتفضل الرجل عليها بإكمال المهر16.

    وقد تضمّنت هذه الآيات أحكامًا منها:

  1. جواز طلاق المرأة قبل الدخول بها، والفرض لها، مع مراعاة حقها في المتعة.
  2. المتعة تقدّر على الرجال بحسب اليسار أو الإعسار.
  3. للمرأة المطلقة قبل الدخول بها نصف المهر المسمّى لها إلا أن تتنازل عنه، أو عن جزء منه، أو يتنازل الزوج عنه كلّه، فيوفّيها المهر كاملًا، وهذا هو الأقرب للتقوى.
  4. الترغيب في مراعاة الفضل والإحسان ومراقبة المولى عز وجل، في هذه الأحوال خاصةً، وفي سائر الأحوال.
  5. المتعة واجبةٌ لكل مطلّقة لم يسمّ لها مهر، ومندوبةٌ لغيرها من المطلقات.
  6. المطلّقة قبل الدخول لها نصف المهر إذا كان المهر مذكورًا.

    ثانيًا: أنواعه من جهة عدده:

    وهو نوعان: طلاق رجعي، وطلاق بائن.

    ١. الطلاق الرجعي.

    الطلاق الرجعي: «هو: ما يجوز معه للزّوج ردّ زوجته في عدّتها من غير استئناف عقدٍ»17.

    ورد الحديث عن الطلاق الرجعي أحكامه وآدابه في سورة البقرة، وفي سورة الطلاق.

    قال تعالى في سورة البقرة: ( ﮧﮨ ) [البقرة: ٢٢٩].

    وقال تعالى في سورة الطلاق: ( ﭙﭚ ﭝﭞ ﭩﭪ ﭭﭮ ﭵﭶ ﭿ ﮋﮌ ) [الطلاق: ١-٢].

    عدده:

    في سورة البقرة بيّن تعالى عدده، فقال تعالى: ( ) أي: مرة بعد مرة، وهو الطلاق الرّجعيّ، حيث يمكن للزوج إرجاع زوجته ما دامت في العدة، فإذا انقضت عدّتها لا ترجع إليه إلا بعقدٍ جديد ومهر جديد وبرضاها ( ) إمساكٌ بمعروف إذا راجعها، أي: بما هو معروفٌ عند الناس من حسن العشرة، أو تسريحٌ بإحسان إذا لم يرغب في إرجاعها، فيفارقها ويوفّيها حقّها، فهذا من الإحسان الذي أمر الله به.

    حقّ الرجل في إرجاع زوجته التي طلّقها مرة أو مرتين:

    للزوج أن يراجع زوجته في مدة عدتها، فإذا انتهت العدة سقط حقّه في مراجعتها، وله أن ينكحها بعقد ومهر جديدين، والأمر إليها إن شاءت قبلته أو ردّته، قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٢٨].

    وقال: ( ﮧﮨ ) إما أن يمسكها ويراجعها بالمعروف، وإما أن يفارقها ويسرّحها بإحسان.

    قال تعالى: ( ) وبعولتهن: أي أزواجهن، وإنما عبّر بالبعولة لأنها من التبعّل وهو حسن المعاشرة، وباعل الرجل أهله لاعبها، وكذلك سمي الزوج بعلًا لأنه قيّمٌ على زوجته مسئول عنها ( ) أي: في خلال مدة العدة، وهذا خاصٌّ بالطلاق الرجعيّ، أما إذا طلّقها ثلاثًا فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ( ﮖﮗ) أي: بالمراجعة، أي: إصلاح حاله معها وحالها معه.

    فإذا اتفق الزوجان على استئناف الحياة الزوجية فلابدّ من مراعاة الحقوق الزوجية، ومعرفة كلّ زوجٍ بما له وما عليه.

    قال تعالى: ( ) أي: لهنّ من الحقوق الزوجية كما عليهن من الواجبات ( ) بقوامة الرجل على زوجته، وإنفاقه عليها، ولزوم طاعته.

    وجاء الحديث عن الطلاق الرجعي في سورة الطلاق.

    قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮎﮏ ﮘﮙ ) [الطلاق: ٢].

    ( ) أي: فإذا شارفت المطلقة المعتدة على انقضاء عدتها، وقاربت ذلك، فالخيار للزوج فيها إن شاء أن يمسكها بمعروف، أو يفارقها بإحسان ( ) أي: فراجعوهنّ إلى عصمة النكاح مع الإحسان في صحبتهن كما أمر الله، أو اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيملكن أنفسهن.

    ٢. الطلاق البائن.

    إذا طلّق الزوج زوجته الطلقة الثالثة فقد بانت منه، وحرمت عليه، فلا تحلّ له إلا إذا نكحت غيره نكاحًا شرعيًّا، والنكاح هنا بمعنى العقد والدخول، فلا يكفي العقد عليها، بل لابدّ من الدخول بها.

    قال تعالى: ( ﯿ ﰅﰆ ﰓﰔ ) [البقرة: ٢٣٠].

    وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رجلًا طلّق امرأته ثلاثًا فتزوجت، فطلّق، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أتحلّ للأوّل؟ قال: (لا حتّى يذوق عسيلتها، كما ذاق الأوّل)18.

    فإذا طلّقت المرأة ثلاثًا، ثم تزوجت بآخر، ثم طلّقها بعد دخوله بها فإنها تحلّ للزوج الأول إذا عقد عليها، على أن يستأنفا حياتهما الجديدة على أسسٍ متينةٍ، فكما أن الخوف من عدم إقامة حدود الله في الحياة الزوجية يعطي للمرأة الحقّ في الخلع وللرجل الحقّ في الطلاق، فإنه إن ظنّا إمكان المعاشرة والاستمتاع مع رعاية الحقوق والواجبات فيجوز لهما الرجوع ما لم تكن متزوجة بغيره، أي: إن طلّق الرجل زوجته طلقة ثالثة فقد بانت منه وحرم عليه مراجعتها إلا إذا تزوجت زواجًا شرعيًّا من غيره وطلّقت منه.

    قال الإمام القرطبي: «قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٣٠]شرط، قال طاووس: إن ظنا أن كل واحد منهما يحسن عشرة صاحبه، وقيل: حدود الله فرائضه؛ أي: إذا علما أنه يكون بينهما الصلاح بالنكاح الثاني، فمتى علم الزوج أنه يعجز عن نفقة زوجته أو صداقها أو شيء من حقوقها الواجبة عليه، فلا يحل له أن يتزوجها حتى يبيّن لها، أو يعلم من نفسه القدرة على أداء حقوقها، وكذلك لو كانت به علةٌ تمنعه من الاستمتاع كان عليه أن يبيّن؛ كيلا يغر المرأة من نفسه.

    وكذلك لا يجوز أن يغرها بنسب يدّعيه ولا مال له ولا صناعة يذكرها وهو كاذب فيها.

    وكذلك يجب على المرأة إذا علمت من نفسها العجز عن قيامها بحقوق الزوج، أو كان بها علة تمنع الاستمتاع من جنون أو جذام أو برص لم يجز لها أن تغره، وعليها أن تبيّن له ما بها من ذلك، كما يجب على بائع السلعة أن يبيّن ما بسلعته من العيوب.

    ومتى وجد أحد الزوجين بصاحبه عيبًا فله الرد، فإن كان العيب بالرجل فلها الصداق إن كان دخل بها، وإن لم يدخل بها فلها نصفه، وإن كان العيب بالمرأة ردّها الزوج، وأخذ ما كان أعطاها من الصداق»19.

    ( ) والإشارة إليها تنبيهٌ لها وتنويهٌ وتعظيمٌ لشأنها، وإضافتها لله تعالى لأنها شرعه، وفي الإضافة أيضًا تعظيمٌ لها ( ) يعني: يعلمون ما أمرهم الله تعالى به، وفي هذا تنويهٌ بشرف العلم ومكانة العلماء، وتوجيهٌ لمعرفة الحكم من التشريعات ومقاصدها.

    حكم المطلقة ثلاثًا، ومتى تحلّ للزوج الأول:

    المطلقة ثلاثًا تحرم على زوجها الأول حتى تتزوج بزوج آخر، وهي التي يسمّيها الفقهاء (بائنة بينونة كبرى)، وذلك لأن الله تعالى ذكر الطلاق وبيّن أنه مرتان، ثم ذكر حكم الخلع وأعقبه بقوله: ( ) فدلّ على أن المراد به: الطلاق الثالث، والنكاح في قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٣٠].

    ( ) المراد به: الوطء لا العقد، فلا تحلّ للزوج الأول حتى يطأها الزوج الثاني.

    حرمة وبطلان نكاح المحلّل:

    المحلّل -بكسر اللام- هو الذي يتزوج المطلّقة ثلاثًا بقصد أن يحلّها للزوج الأول، وقد سمّاه صلى الله عليه وسلم بالتيس المستعار، ففي الحديث: (ألا أخبركم بالتّيس المستعار؟)، قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: (هو المحلّل، لعن اللّه المحلّل، والمحلّل له)20.

    قال السيد رشيد رضا: «ألا فليعلم كلّ مسلمٍ أنّ الآية صريحةٌ في أنّ النّكاح الّذي تحلّ به المطلّقة ثلاثًا هو ما كان زواجًا صحيحًا عن رغبةٍ، وقد حصل به مقصود النّكاح لذاته، فمن تزوّج بامرأةٍ مطلّقةٍ ثلاثًا بقصد إحلالها للأوّل كان زواجه صوريًّا غير صحيحٍ، ولا تحلّ به المرأة للأوّل، بل هو معصيةٌ لعن الشّارع فاعلها، وهو لا يلعن من فعل فعلًا مشروعًا ولا مكروهًا فقط، بل المشهور عند جمهور العلماء أنّ اللّعن إنّما يكون على كبائر المعاصي، فإن عادت إليه كانت حرامًا، ومثال ذلك مثال من طهّر الدّم بالبول؛ وهو رجسٌ على رجسٍ، وبهذا قال مالكٌ وأحمد والثّوريّ وأهل الظّاهر وخلائق غيرهم من أهل الحديث والفقه»21.

    الأحكام المتعلقة بالطلاق

    للطلاق أحكام، نتناولها فيما يأتي:

    أولًا: الإشهاد على الرجعة والطلاق:

    قال تعالى: ( ) أي: وأشهدوا عند الطلاق أو الرجعة شخصين من أهل العدالة والاستقامة ممن تثقون في دينهما وأمانتهما، والإشهاد ليس شرطًا لصحة الفراق أو الرجعة، بل هو مندوب «احتياطًا لهما، ونفيًا للتّهمة عنهما إذا علم الطّلاق ولم يعلم الرّجعة، أو لم يعلم الطّلاق والفراق، فلا يؤمن التجاحد بينهما»22.

    ( ) أي: اشهدوا بالحقّ دون تحيّزٍ لأحدٍ، مبتغين بذلك وجه الله تعالى.

    ثانيًا: عدّة المطلّقات:

    جعل الله تعالى للمطلقة عدةً شرعيةً، وبيّن مقدارها في كتابه، فعدة الحامل وضع الحمل، وعدة الحائل ثلاثة قروء، فإن كانت صغيرة لم تحض أو يائسة لم تعد تحيض فعدتها ثلاثة أشهر، والحكمة من ذلك استبراء رحمها، ومنح الزوج فرصة لمراجعتها إذا كان الطلاق مرة أو مرتين، وتهيئتها نفسيًّا وعضويًّا، لحياة زوجية جديدة إن كانت مطلقة ثلاثًا، أو إذا كانت رجعيةً ولم يرغب الزوج في استرجاعها.

    ١. الحث على إحصاء العدة.

    قال تعالى: ( ﭙﭚ) [الطلاق: ١].

    قال ابن العربي رحمه الله: «والصّحيح أنّ المخاطب بهذا اللّفظ الأزواج؛ لأنّ الضّمائر كلّها من () () و( ) على نظامٍ واحدٍ يرجع إلى الأزواج، ولكنّ الزّوجات داخلةٌ فيه بالإلحاق بالزّوج؛ لأنّ الزّوج يحصي ليراجع، وينفق أو يقطع، وليسكن أو يخرج، وليلحق نسبه أو يقطع، وهذه كلّها أمورٌ مشتركةٌ بينه وبين المرأة، وتنفرد المرأة دونه بغير ذلك، وكذلك الحاكم يفتقر إلى الإحصاء للعدّة للفتوى عليها وفصل الخصومة عند المنازعة فيها؛ وهذه فوائد الإحصاء المأمور به»23.

    ٢. عدة المطلقة الحائل.

    قال تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮖﮗ ﮜﮝ ﮠﮡ ) [البقرة: ٢٢٨].

    واللام في المطلقات لام الاستغراق، فتشمل جميع المطلقات، لكن يستثنى من ذلك الحامل، فعدّتها بوضع الحمل، أما اليائسة والتي لم تحض فعدّتها ثلاثة أشهر.

    قال الله تعالى: ( ﯨﯩ ﯯﯰ ) [الطلاق: ٤].

    ومعنى: () أي: ينتظرن، واللفظ ينمّ عن حرص الإسلام على اختصار هذه المدّة إلى أقلّ زمنٍ يمكن أن يؤدّى فيه الغرض من إيجاب هذه المدّة، لاستبراء الرّحم، وتهيئة نفس المرأة لحياةٍ زوجيّةٍ جديدة، وكذلك إعطاء الزوج مهلةً لمراجعة زوجته، إذا كان قد طلّقها مرةً أو مرتين، أما الثالثة فلا رجعة منها إلا بعد أن تنكح زوجًا غيره، وفي اختصار المدّة على المرأة رحمةٌ بها، وتخفيفٌ عليها، ومراعاةٌ لطبيعتها.

    وجملة: ( ) جملةٌ خبريةٌ في لفظها، طلبيةٌ في معناها؛ وذلك لتأكيد الأمر وتقريره.

    والقرء: هو مدّة الطهر، وقيل: الحيضة، قال أبو عمرو بن العلاء: من العرب من يسمّي الحيض قرءًا، ومنهم من يسمّي الطّهر قرءًا، ومنهم من يجمعهما جميعًا، فيسمّي الحيض مع الطّهر قرءًا، وينبغي أن يعلم أن القرء في الأصل: الوقت، يقال: هبّت الرياح لقرئها ولقارئها، أي: لوقتها، فيقال للحيض: قرء، وللطهر: قرء؛ لأن كل واحد منهما له وقت معلوم، وقد أطلقته العرب تارة على الأطهار، وتارة على الحيض.

    وفي اللسان: «والقرء والقرء الحيض والطّهر ضدّ؛ وذلك أنّ القرء الوقت؛ فقد يكون للحيض والطّهر، قال أبو عبيد: القرء يصلح للحيض والطهر، قال: وأظنّه من أقرأت النّجوم إذا غابت، والجمع أقراء، وفي الحديث: (دعي الصلاة أيام أقرائك)»24 25.

    ( ﭿ ) ولا يحلّ للمطلقات أن يكتمن الحيض أو الحمل إن وجد بقصد الإضرار بالزوج، كأن تقول: حضت، وهي لم تحض؛ لتذهب بحق الزوج من الارتجاع، أو تنفي الحيض وهي قد حاضت لتلزمه بالنفقة، وكذلك الحمل ربّما تكتمه لتقطع حقّه من الارتجاع، وربما تدّعيه لتوجب عليه النفقة، ونحو ذلك مما يضرّ بالزوج ( ﮋﮌ ) فإن من تؤمن بالله واليوم الآخر لا تخالف شرع الله تعالى.

    ٣. عدة اليائسة، والتي لم تحض، والحامل.

    قال تعالى: ( ﯨﯩ ﯯﯰ ) [الطلاق: ٤].

    وهذه الآية متصلة بما قبلها من حيث بيان ما يتعلق بالطلاق من أحكام العدة، فضلًا عما ورد في هذا الشأن في سورة البقرة فهي متممةٌ لما ورد هناك، كما ترشد الآيات إلى بعض حقوق المطلقات.

    وقد ورد في سبب النزول: عن أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه أنّ ناسًا من أهل المدينة لمّا أنزلت الآية الّتي في البقرة في عدّة النّساء، قالوا: لقد بقي من عدّة النّساء مدّةٌ لم تذكر في القرآن: الصّغار والكبار اللائي قد انقطع عنهم الحيض، وذوات الحمل، فأنزل اللّه الّتي في سورة النّساء القصرى: ( ) إلى آخر الآية26.

    بيّن تعالى عدة المرأة التي يئست من المحيض لكبر سنها؛ وكذلك من رابها الأمر من البالغات مبلغ اليأس، وقد نزل الدم فلا تدري أهو دم حيض أم استحاضة؟ وكذلك من لا تحيض إما لعدم بلوغها أو لطبيعةٍ فيها: فعدتهن ثلاثة أشهر ( ) أما الحامل فعدتها تنتهي بوضع الحمل سواء كانت مطلقة أو مات عنها زوجها ( ) فالحامل سواءً كانت مطلقةً أو متوفّى عنها زوجها عدتها بوضع الحمل.

    وفي الصحيحين من حديث سبيعة بنت الحارث الأسلميّة أنّها كانت تحت سعد بن خولة، وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممّن شهد بدرًا، فتوفّي عنها في حجّة الوداع وهى حاملٌ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلمّا تعلّت من نفاسها تجمّلت للخطّاب، فدخل عليها أبو السّنابل بن بعككٍ -رجلٌ من بني عبد الدّار- فقال لها: ما لي أراك تجمّلت للخطّاب، ترجّين النّكاح، فإنّك واللّه ما أنت بناكحٍ حتّى تمرّ عليك أربعة أشهرٍ وعشرٌ، قالت سبيعة: فلمّا قال لي ذلك جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت، وأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأنّي قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتّزوّج إن بدا لي27.

    وفي رواية لمسلم بسنده عن أمّ سلمة قالت: إنّ سبيعة الأسلميّة نفست بعد وفاة زوجها بليالٍ، وإنّها ذكرت ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تتزوّج28.

    وهذا من تيسير الإسلام ورحمته بالمطلقة والأرملة أن شرع لها الزواج بعد انقضاء عدتها التي قدّر لها هذه المدة اليسيرة؛ رحمةً بها، ورعايةً لها.

    ٤. عدة المطلقة قبل الدخول.

    ليس على المطلقة قبل الدخول عدة؛ إذ الغرض من العدة استبراء الرحم، وزوجها لم يدخل بها.

    قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮒﮓ ) [الأحزاب: ٤٩].

    حقوق المطلقة

    للمطلقة حقوق بيّنها الوحي، نذكرها فيما يأتي:

    أولًا: حق المطلقة في مؤخّر الصداق:

    نهى الله عز وجل عن ظلم المرأة وهضم حقوقها، وحرمانها من صداقها؛ ففي ذلك كفرانٌ للعشرة، ونسيان للمودة، ونقض لذلك الميثاق الغليظ الذي أخذه الرجل على نفسه حين عقد بها أن يحسن معاشرتها، وأن يتقي الله فيها، وأن تدوم الألفة بينهما، لكن إذا تبين للرجل بعد الصبر والتجمل استحالة العشرة مع زوجته، وأخفق في تقويمها ولم يكن بدٌّ من الفراق فعليه أن يوفيّها حقّها في الصداق، وأن يسرّحها بمعروف.

    قال تعالى في سورة النساء: ( ﭝﭞ ﭥﭦ ) [النساء: ٢٠-٢١].

    وهكذا تخاطب الآية الكريمة المشاعر والوجدان، وتذكّر الرجل بكلّ لحظة سعادةٍ عاشها مع زوجته، أفضى إليها وأفضت إليه، يذكّر القرآن بأوقات الصّفا التي مرّت وبقيت ذكرياتٍ جميلةٍ، ألا تستحقّ أن يوفي لتلك المرأة حقّها، ألا يدور في ذاكرته إلا مشاهد النّكد مع تلك الزوجة التي كرهها! إن أيّ حياةٍ زوجيةٍ لا يمكن أن تخلو من أوقات ممتعةٍ، فضلًا عن قيامها على مبدأ أساس: إمساكٌ بمعروف، أو تسريح بإحسانٍ، من هنا كان التذكير بهذه الذكريات الجميلة، والليالي الطيّبة التي جمعت بين الزوجين علّ تذكّرها يرقق قلب الزوج، وصدق من قال29:

    أجل بيننا رسل الذكريات

    وماضٍ يطيف ودمعٌ يجود

    يقول القشيري رحمه الله: «يعلّمهم حسن العهد، ونعت الكرم في العشرة، فيقول: لا تجمع الفرقة، واسترداد المال عليها، فإن ذلك ترك الكرم؛ فإن خوّلت واحدة مالًا كثيرًا ثم جفوتها بالفراق، فما آتيتها يسيرٌ في جنب ما أذقتها من الفراق، قوله: ( ) يعني: أن للصحبة السالفة حرمةً أكيدةً، فقفوا عند مراعاة الذّمام، وأوفوا بموجب الميثاق»30.

    وقال البيضاوي: «( ) [النساء: ٢١].

    إنكار لاسترداد المهر والحال أنه وصل إليها بالملامسة، ودخل بها، وتقرر المهر ( ) عهدًا وثيقًا، وهو حق الصحبة والممازجة، أو ما أوثق الله عليهم في شأنهن بقوله: ( ) أو

    ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله)»31.

    وقال صاحب الظلال: «ويدع الفعل () بلا مفعول محدد، يدع اللفظ مطلقًا يشع كل معانيه، ويلقي كل ظلاله، ويسكب كل إيحاءاته، ولا يقف عند حدود الجسد وإفضاءاته، بل يشمل العواطف والمشاعر والوجدانات والتصورات والأسرار والهموم والتجاوب في كل صورة من صور التجاوب، يدع اللفظ يرسم عشرات الصور لتلك الحياة المشتركة آناء الليل وأطراف النهار، وعشرات الذكريات لتلك المؤسسة التي ضمتهما فترة من الزمان.

    وفي كل اختلاجة حبٍّ إفضاء، وفي كل نظرة ودٍّ إفضاء، وفي كل لمسة جسم إفضاء، وفي كل اشتراك في ألم أو أمل إفضاء، وفي كل تفكر في حاضر أو مستقبل إفضاء، وفي كل شوق إلى خلف إفضاء، وفي كل التقاء في وليد إفضاء.

    كل هذا الحشد من التصورات والظلال والأنداء والمشاعر والعواطف يرسمه ذلك التعبير الموحي العجيب ( ) فيتضاءل إلى جواره ذلك المعنى المادي الصغير، ويخجل الرجل أن يطلب بعض ما دفع وهو يستعرض في خياله وفي وجدانه ذلك الحشد من صور الماضي، وذكريات العشرة في لحظة الفراق الأسيف! ثم يضم إلى ذلك الحشد من الصور والذكريات والمشاعر عاملًا آخر من لون آخر ( )»32.

    ثانيًا: حق المطلقة في المتعة:

    ومن الحقوق المترتّبة على الطّلاق متعة المطلقة. قال تعالى: ( ﮋﮌ ) [البقرة:٢٤١ - ٢٤٢].

    فلكلّ مطلّقةٍ متعةٌ على كلّ تقيٍّ؛ جبرًا لخاطرها، وتسليةً لفؤادها، وهذه المتعة واجبةٌ على من طلّقت قبل الدخول بها إن لم يسمّ لها مهرًا، ومندوبةٌ لمن طلّقت قبل أو بعد الدخول إن سمّي لها المهر.

    ثالثًا: حق المطلقة الرجعية في البقاء ببيت الزوجية:

    للمطلقة الحقّ في البقاء ببيت الزوجية، وليس للزوج أو لغيره إخراجها منه؛ حتى تنقضي عدتها، والحكمة من بقائها في بيت الزوجية حرص الإسلام على التأليف بين الزوجين، فضلًا عن حقها في السكنى؛ لأن الزوجية لا تزال قائمة بالنسبة للرجعية ما لم تنقض عدتها.

    قال تعالى: ( ﭙﭚ ﭝﭞ ﭩﭪ ﭭﭮ ﭵﭶ ) [الطلاق: ١].

    وقوله: ( ﭩﭪ) أي: ولا يخرجن من البيوت حتى تنقضي عدتهن، إلا إذا قارفت المطلقة عملًا قبيحًا كالزنا، فتخرج لإقامة الحد عليها، فنهى الله سبحانه وتعالى أن يخرج الرجل المرأة المطلّقة من المسكن الذي طلّقها فيه، ونهاها هي أن تخرج باختيارها، فلا يجوز لها المبيت خارجًا عن بيتها، ولا أن تغيب عنه نهارًا إلا لضرورة؛ وذلك لحفظ النسب، وصيانة المرأة، أما الفاحشة التي تبيح خروج المعتدة فقيل: إنها الزنا، فتخرج لإقامة الحد عليها، وقيل: إنه سوء الكلام مع الأصهار، وبذاءة اللسان، فتخرج ويسقط حقها من السكنى.

    قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الفاحشة المبينة بذاءتها على أهل زوجها، فيحلّ إخراجها لسوء خلقها»33.

    وأضاف البيوت إليهنّ وهي لأزواجهنّ لتأكيد النهي، وبيان كمال استحقاقهنّ للسكنى في مدّة العدّة34.

    ولا يجوز للمرأة أن تخرج ما لم تنقض عدتها، فإن خرجت لغير ضرورة أثمت، فإن وقعت ضرورة بأن خافت هدمًا أو غرقًا جاز لها أن تخرج إلى منزل آخر، وكذلك إذا كان لها حاجة ضرورية من بيع غزل أو شراء قطن جاز لها الخروج نهارًا ولا يجوز ليلًا، يدل على ذلك أن رجالًا استشهدوا بأحد، فقالت نساؤهم: نستوحش في بيوتنا، فأذن لهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحدثن عند إحداهنّ، فإذا كان وقت النوم تأوي كلّ امرأةٍ إلى بيتها، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن، فإذا أردتن النوم فلتؤب كل امرأة منكن إلى بيتها)35.

    وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالة جابر وقد كان طلّقها زوجها أن تخرج لجذاذ نخلها.

    فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: طلّقت خالتي، فأرادت أن تجدّ نخلها، فزجرها رجلٌ أن تخرج، فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: (بلى، فجدّي نخلك، فإنّك عسى أن تصدّقي، أو تفعلي معروفًا)36.

    ( ) أي: وهذه الأحكام هي شرائع الله ومحارمه ( ) أي: ومن يخرج عن هذه الأحكام، ويتجاوزها إلى غيرها ولا يأتمر بها فقد ظلم نفسه بتعريضها للعقاب، وأضرّ بها حيث فوّت على نفسه إمكان إرجاع زوجته إليه، وأضرّ بها، وأخلّ ببعض حقوقها.

    وفي هذا تشديدٌ لكل من يتعدى حدود الله تعالى التي حدّها في أمر الطلاق من ذلك طلاق المرأة في حيضها، أو في طهر جامعها فيه، وإخراجها من بيتها بغير حقٍّ وفي غير ذلك من المخالفات التي نهت عنها الشريعة، فتلك حدود الله لا يتجاوزها ولا يتعدّاها إلا من ظلم نفسه فعرّضها لسخط الله تعالى، وأوردها موارد الهلاك.

    أما من يقيم حدود الله، ويمتثل لأوامر الله، ويجتنب ما نهى عنه، فإنه يتعرض لرحمة الله، ويحظى بلطف الله، وينال ثمرة تقواه واستقامته.

    رابعًا: الحكمة من بقاء المطلقة في بيت الزوجية:

    قال تعالى: ( ) [الطلاق: ١].

    لعلّ الله يحدث في قلبه ما يغيّر حاله، ويرغّبه في إبقاء زوجته وتقرّ عينه بها، ويصلح الله بالها، ولعلّ اجتماعهما تحت سقف واحد يؤلّف القلبين، وقد قيل37:

    وأقرب ما يكون الشوق يومًا

    إذا دنت الخيام من الخيام

    فالأمر الذي يحدثه الله: أن يقلّب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه؛ فيراجعها، وتهبّ نسائم المودّة من جديد، وترجع طيور الحب للتغريد، في هذا البيت السعيد.

    قال صاحب الظلال: «والحكمة من إبقاء المطلقة في بيت الزوج هي إتاحة الفرصة للرجعة، واستثارة عواطف المودة، وذكريات الحياة المشتركة، حيث تكون الزوجة بعيدة بحكم الطلاق قريبة من العين؛ فيفعل هذا في المشاعر فعله بين الاثنين! فأما حين ترتكس في حمأة الزنا، وهي في بيته! أو تؤذي أهله، أو تنشز عليه، فلا محل لاستحياء المشاعر الطيبة، واستجاشة المودة الدفينة، ولا حاجة إلى استبقائها في فترة العدة، فإن قربها منه حينذاك يقطع الوشائج ولا يستحييها!»38.

    خامسًا: حق المطلقة البائن في إرضاع ولدها:

    قال تعالى: ( ﮮﮯ ﯕﯖ ﯜﯝ ﯢﯣ ﯫﯬ ﯰﯱ ﯻﯼ ﯿ ﰉﰊ ) [البقرة: ٢٣٣].

    الرضاعة حقٌّ للولد، والإرضاع حقٌّ للأم، فللمطلقة إرضاع ولدها حولين كاملين إذا أرادت ذلك باختيارها ما لم يتمكّن الأب من استئجار مرضع، وتجب النفقة على الوالد مدة إرضاعها الولد، قال القرطبي: «ولما ذكر الله سبحانه النكاح والطلاق ذكر الولد؛ لأن الزوجين قد يفترقان وثمّ ولد، فالآية إذا في المطلقات اللاتي لهن أولاد من أزواجهن»39.

    وقوله تعالى: ( ) أمرٌ جاء بصيغة الخبر للمبالغة في تقريره، وهذا الأمر للندب والاستحباب وليس للوجوب؛ لأن الإرضاع ليس واجبًا على المرأة، كما قال الفقهاء، إلا إذا لم يتمكّن الأب من استئجار ظئرٍ، أي: امرأةٍ ترضع ولده في مقابل أجر، أو لم يقبل ثدي غير أمه، والتعبير عنهن بلفظ (الوالدات) دون قوله: والمطلقات لبيان حقوقهن كأمهات ولاستعطافهن نحو الأولاد، فحصول الطلاق لهن لا ينبغي أن يحرمهن من عاطفة الأمومة، ولا يحرم الأبناء من حقوقهن المشروعة، قال السدي والضحاك وغيرهما: أي: هن أحقّ برضاع أولادهن من الأجنبيات لأنهن أحنى وأرقّ، وانتزاع الولد الصغير إضرار به وبها، وهذا يدل على أن الولد وإن فطم فالأمّ أحق بحضانته ما لم تتزوج؛ لفرط حنوّها وشفقتها40.

    ( ) أي: عامين على التمام ( ) لبيان أن الرضاعة ليست واجبة على المرأة إلا إذا عجز الزوج عن استئجار ظئر، أي: مرضع، فتعيّن على الأم إرضاع ولدها ( ) المطلقة لها الحق في الأجرة لإرضاعها ولدها كما في قوله تعالى: ( ) [الطلاق: ٦].

    وإنما عطف الكسوة على الرزق لئلا يتوهّم أن الرزق قاصر على الطعام والشراب، وهذا من مراعاة حق المرأة وإكرامها، والعدول عن قوله: (وعلى الوالد) إلى قوله: ( ) فيه لطيفة، وهي أن الأولاد يتبعون الأب ويلتحقون بنسبه دون الأم، وهذا مما يحفّزهم على العناية بالمولود، والتّعبير بالمولود له مقابل التّعبير بالوالدات إشارةٌ إلى أن المسئولية مشتركةٌ بين الوالدين؛ وكذلك في التعبير بالمولود له ترقيقٌ لقلب الوالد على ولده الذي قد يهمله نكايةً في أمه التي طلّقها، أو يجافيه كراهيةً لها، فهذا الولد الّذي يرضعنه ينسب إليه، ويحفظ سلسلة نسبه، فعليه أن ينفق عليهنّ ما يكفيهنّ حاجات المعاش من الطّعام واللّباس ليقمن بذلك حقّ القيام.

    ( ) لا يكلّف الوالد فوق طاقته، ولا تكلّف الوالدة فوق طاقتها، كأن يطالب الرجل بالزيادة في الأجرة، وهو معسرٌ، أو يضيّق على الأم مع يسار الأب.

    ( ) فلا ضرر ولا ضرار؛ لا يكلّف الرجل بما لا يطيق من نفقةٍ، ولا تكلّف المرأة بإرضاع ولدها وهي لا تقوى على ذلك، أو بدون الوفاء بحقها في النفقة، أو ببخس هذا الحق أو التقتير، ولا تمتنع الأم عن إرضاع ولدها نكايةً وإضرارًا بأبيه الذي طلقها؛ كذلك لا يحرم الأب الأم من حقها في إرضاع ولدها؛ حتى لا تستفيد بالنفقة.

    ( ) الوارث هو القائم مقام الوالد، عليه مثل ذلك من الواجبات، حتى وإن لم يترك الأب مالًا؛ لأن الغرم بالغنم ( ) الفصال والفصل: الفطام ( ) أي: قبل الحولين ( ) أي: في فصله؛ وذلك أن الله سبحانه لما جعل مدة الرضاع حولين بيّن أن فطامهما هو الفطام، وفصالهما هو الفصال ليس لأحد عنه منزع، إلا أن يتفق الأبوان على أقل من ذلك العدد من غير مضارة بالولد؛ فذلك جائز بهذا البيان، إن استقرّ أمرهما على الفصال قبل نهاية الحولين، وتراضيا على ذلك فلا حرج في ذلك، ما لم يترتب على ذلك ضررٌ للطفل، فينبغي مراعاة حق الولد، وإن أدى ذلك إلى تشاور المطلقة مع من طلّقها في شأن الولد؛ لأنهما مسئولان عنه، حريصان على صلاحه.

    ( ﯿ ) أي: تطلبوا لهم من يرضعهم في حالة امتناع الأم عن الإرضاع أو مطالبتها بنفقةٍ باهظةٍ إرهاقًا للأب، أو عدم تمكّنها، فيضطرّ الأب إلى أن يستأجر لهم من ترضعه، وتسمى المرضعة المستأجرة ظئرًا ( ) أي: سلّمتم إلى الأمهات أجرهن بحساب ما أرضعن إلى وقت إرادة الاسترضاع، وسلّمتم الأجرة إلى المرضعة الظئر.

    وقيل: الخطاب للوالدين، والمعنى: سلّمتم ما أتيتم من إرادة الاسترضاع، أي: سلّم كل واحد من الأبوين ورضي، وكان ذلك على اتفاق منهما وقصد خير وإرادة معروف من الأمر.

    والخطاب للرجال، أي: ما آتيتم من النفقة، أو للرجال وللنساء معًا، أي: سلّم كلّ واحدٍ للآخر.

    وقيل: المعنى: إذا سلّمتم لمن أردتم استرضاعها أجرها، فيكون المعنى: إذا سلمتم ما أردتم إيتاءه، أي: إعطاءه إلى المرضعات بالمعروف، أي: بما يتعارفه الناس من أجر المرضعات من دون مماطلة لهنّ، أو حطّ بعض ما هو لهنّ من ذلك، فإن عدم توفير أجرهنّ يبعثهنّ على التساهل بأمر الصبيّ، والتفريط في شأنه41.

    سادسًا: النفقة للبائن الحامل، والأجرة للمرضع البائن:

    قال تعالى: ( ﭚﭛ ﭤﭥ ﭪﭫ ﭮﭯ ﭺﭻ ﭿ ﮃﮄ ﮋﮌ ) [الطلاق:٦- ٧].

    يجب للمعتدة من طلاق رجعيٍّ النفقة والسكنى، أما المطلقة طلاقًا بائنًا فإن كانت حاملًا فلها النفقة والسكنى؛ حتى تضع الحمل، فإذا أرضعت ولدها استحقت الأجر على ذلك، وهذا من رحمة الإسلام بها، فالمرضع تحتاج إلى رعاية صحية وغذائية؛ لذا أوجب الله تعالى على الرجل إعطاء الأجرة لمطلقته على إرضاعها لولدهما؛ رعايةً لحقّها وحقّ الطفل.

    كما أمر الله الآباء والأمهات بالتشاور في شئون الأولاد بما هو أصلح لهم في أمورهم الصحية، والخلقية، والتربوية، والتعليمية، وغيرها؛ من باب التناصح والتعاون على الخير.

    قال تعالى: ( ) أي: وليأمر كلٌّ منهما صاحبه بالخير، من المسامحة والرفق والإحسان، قال الخازن: «( ) أي: ليقبل بعضكم من بعض إذا أمره بالمعروف، وقيل: يتراضى الأب والأم على أجرٍ مسمى، والخطاب للزوجين جميعًا أمرهم أن يأتوا بالمعروف، وما هو الأحسن ولا يقصدوا الضرار، وقيل: المعروف هاهنا أن لا يقصّر الرجل في حق المرأة ونفقتها، ولا المرأة في حق الولد وإرضاعه»42.

    أما إذا لم يحصل وئامٌ واتفاقٌ بين الأبوين في تحديد الأجرة، فليس للأب إكراه الأم على الإرضاع إن أبت، بل يستأجر مرضعة أخرى، فإن لم يجد أو عجز عن إعطاء الأجرة لزم الأمّ إرضاع ولدها؛ حفاظًا على حقه في الحياة، قال تعالى: ( ) أي: في حق الولد وأجرة الرضاع، فأبى الزوج أن يعطي المرأة أجرة رضاعها، وأبت الأم أن ترضعه، فليس له إكراهها على إرضاعه، بل يستأجر للصبي مرضعًا غير أمه.

    ( ) أي: فليستأجر لولده مرضعةً غيرها، وهو خبرٌ بمعنى الأمر، أي: فليسترضع لولده مرضعةً أخرى «إلا أن لا يقبل المولود غير أمه فتجبر حينئذٍ على إرضاعه بأجرة مثلها، ومثل الزوج في حالهما وغناهما»43.

    قال أبو حيان: «وفيه عتابٌ للأم لطيفٌ كما تقول لمن تطلب منه حاجة فيتوانى عنها: سيقضيها غيرك، تريد أنها لن تبقى غير مقضية، وأنت ملوم»44.

    ( ﭺﭻ ﭿ ﮃﮄ ﮋﮌ ) [الطلاق: ٧].

    بيانٌ لقدر الإنفاق، والمعنى: لينفق الأب على قدر وسعه وطاقته، فلا يكلّف ما لا يطيق، ولا يضيّع الولد أو الأم، بل لابدّ من الاعتدال والموازنة بين الحقوق.

    ( ﭿ) أي: ومن ضيّق عليه رزقه فكان دون الكفاية ( ) أي: فلينفق على مقدار طاقته، وعلى قدر ما آتاه الله من المال ( ) أي: لا يكلّف الله أحدًا إلا بقدر طاقته واستطاعته، فلا يكلّف الفقير مثل ما يكلف الغني، قال أبو السعود: «وفيه تطييبٌ لقلب المعسر، وترغيبٌ له في بذل مجهوده، وقد أكد ذلك الوعد بقوله: ( ) أي: سيجعل الله بعد الضيق الغنى، وبعد الشدة السعة والرخاء، وفيه بشارةٌ للفقراء بفتح أبواب الرزق عليهم»45.

    سابعًا: حق المطلقة في الزواج، وحرمة عضلها:

    للمطلقة الرجعية بعد انقضاء عدتها الحق في الرجوع لزوجها إن شاء ذلك، بعقد جديد، ومهر جديد، ولها الحق في الزواج بغيره، أما البائن فلها أن تتزوج بعد انقضاء عدتها، ولا يجوز عضل المرأة، أي: منعها من الزواج سواء كان هذا العضل من جهة الزوج أو من جهة وليها.

    قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮑﮒ ﮜﮝ ﮡﮢ ) [البقرة: ٢٣١].

    فنهى تعالى في هاتين الآيتين عن عضل الزوجة سواءً كان من قبل الزوج الذي يتعمّد إمساكها للإضرار بها وتعطيلها عن حقّها بإطالة مدة اعتدادها، أو من قبل وليّها الذي قد يعضلها عن الرجوع لزوجها الأول بعد انقضاء عدتها، أو يعضلها عن الزواج بغيره لشيءٍ في نفسه.

    نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن عضل المرأة إذا انقضت عدّتها أن تتزوج، أو شارفت على الانقضاء أن ترجع إلى زوجها إذا كان الطلاق رجعيًّا، وعلى هذا فقوله تعالى: ( ) أي: أشرفن على أن يبنّ بانقضاء العدة ولم يرد حقيقة انقضاء العدة؛ لأن العدة إذا انقضت لم يكن للزوج إمساكها، فالبلوغ ها هنا بلوغ مقاربة، يقال: بلغ المدينة إذا قرب منها وإذا دخلها، والمراجعة بالمعروف أن يشهد على رجعتها وأن يراجعها بالقول لا بالوطء، والتسريح بالمعروف: أي: تركهن حتى تنقضي عدتهن.

    وقوله تعالى: ( ﭚﭛ ) أي: لا تقصدوا بالرجعة المضارة بتطويل المدة عليهن ( ) أي: أضرّ بنفسه بمخالفة أمر الله تعالى ( ) بمخالفة شرعه، والاستهانة به، أو الاستهزاء والاستخفاف أو التلاعب.

    قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «هو أن الرجل كان يطلّق امرأته ثم يقول: كنت لاعبًا، ويعتق ويقول: مثل ذلك، وينكح ويقول مثل ذلك»46.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثٌ جدّهنّ جدٌّ، وهزلهنّ جدٌّ، النّكاح والطّلاق والرّجعة)47.

    وصور العضل من الزوج متعددة: منها أن يجحد الطلاق، أو يدّعي رجعةً في العدة، أو يتوعّد من يتزوّجها، أو يسيء القول فيها؛ لينفّر الناس عنها، فنهوا عن العضل مطلقًا بأيّ سببٍ كان مما ذكرناه ومن غيره.

    وقال تعالى: ( ﮋﮌ ﮑﮒ ﮜﮝ ﮡﮢ ) [البقرة: ٢٣٢].

    وقد ورد في سبب النزول عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قوله: ( ﮋﮌ ) نزلت في الرّجل يطلّق امرأته تطليقةً، أو تطليقتين فتنقضي عدّتها، ثمّ يبدو له في تزويجها وأن يراجعها، وتريد المرأة فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى اللّه سبحانه أن يمنعوها»48.

    وعن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه أنّها نزلت فيه: قال: «زوّجت أختًا لي من رجلٍ فطلّقها، حتّى إذا انقضت عدّتها جاء يخطبها، فقلت له: زوّجتك وأكرمتك فطلّقتها، ثمّ جئت تخطبها، لا واللّه لا تعود إليك أبدًا، وكان رجلًا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أنّ ترجع إليه، فأنزل اللّه هذه الآية: ( ) فقلت: الآن أفعل يا رسول اللّه، قال: فزوّجها إيّاه»49.

    نهى الله تعالى عن منع الوليّ للمرأة المطلّقة إذا انقضت عدّتها من العودة إلى زوجها إذا تراضيا بالمعروف، أو الزواج بغيره، فإن المؤمن حقًّا يجتنب ما نهى الله عنه، ويمتثل ما أمر الله تعالى به، ويقدم حكم الله على هواه، فهوتعالى أعلم بما يصلح عباده في عاجلهم وآجلهم، وقد شرع لهم ما فيه صلاحهم وخيرهم.

    موضوعات لها صلة بالطلاق

    تحدث القرآن عن أمور لها صلة بالطلاق، نبيّنها فيما يأتي:

    أولًا: الخلع:

    من الحقوق التي قرّرها الإسلام للمرأة من أجل إنهاء عقدة النكاح إذا خافت من عدم الوفاء بحقوق الزوج الذي لا تطيق البقاء معه؛ سيّما إذا امتلأ قلبها بغضًا له، أو نفورًا منه؛ بسبب دمامة خلقةٍ، أو ضعفٍ أو عجزٍ ونحوه، أو بسبب سوء خلقٍ، فتضطرّ الزوجة إلى المخالعة، أو بسبب عضل الرجل لزوجته، بحيث يكرهها ولا يريد أن يطلّقها، فيجعلها كالمعلّقة، فتفتدي نفسها بمالها، وإن كان يحرم عليه فعل ذلك.

    قال تعالى: ( ﯔﯕ ﯠﯡ ﯣﯤ ) [النساء: ١٩].

    وقال تعالى: ( ﮧﮨ ﮭﮮ ﯞﯟ ﯫﯬ ﯱﯲ ) [البقرة: ٢٢٩].

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنهما أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام!50 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتردّين عليه حديقته؟) قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقبل الحديقة وطلّقها تطليقةً)51.

    وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيّما امرأةٍ سألت زوجها طلاقًا في غير ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحة الجنّة)52.

    ( ) الخطاب للأزواج، أي: لا يحل لهم أن يأخذوا مما دفعوه إلى نسائهم من المهر شيئًا على وجه المضارّة لهن «وخصّ ما دفعوه إليهن بعدم حلّ الأخذ منه مع كونه لا يحلّ للأزواج أن يأخذوا شيئًا من أموالهن التي يملكنها من غير المهر؛ لكون ذلك هو الذي تتعلق به نفس الزوج، وتتطلع لأخذه دون ما عداه مما هو في ملكها، على أنه إذا كان أخذ ما دفعه إليها لا يحل له كان ما عداه ممنوعًا منه بالأولى»53.

    ( ) يخاف الزوج أو تخاف الزوجة من التقصير في الحقوق الشرعية الواجبة، فإن خاف الزوجان أو أحدهما، واستشعر القاضي ذلك ( ) أي: خاف الحاكم أو الولي أو القاضي أو من يتوسّط بين الزوجين ( ) أي: لا جناح على الرجل في الأخذ، وعلى المرأة فيما أعطت بأن تفتدي نفسها من ذلك النكاح ببذل شيء من المال يرضى به الزوج، فيطلقها لأجله، وهذا هو الخلع، وقد ذهب الجمهور إلى جواز ذلك للزوج، وأنه يحل له الأخذ.

    قال البغوي: «تخاف المرأة أن تعصي الله في أمر زوجها، ويخاف الزوج إذا لم تطعه امرأته أن يعتدي عليها، فنهى الله الرجل أن يأخذ من امرأته شيئًا مما آتاها إلا أن يكون النشوز من قبلها، فقالت: لا أطيع لك أمرًا، ولا أطأ لك مضجعًا ونحو ذلك»54.

    ( ) ما سبق من أحكام الطلاق والعدة والخلع وغيرها ( ) أي: فلا تضيّعوها، ولا تنتهكوها، ولا تتجاوزوها.

    ( ) زجرٌ لمن يتجاوز ما حدّه الله تعالى، ويضيّع فرائضه، وينتهك محارمه، فهو ظالمٌ من جملة الظالمين، ظلم نفسه، وظلم غيره.

    ثانيًا: الإيلاء:

    الإيلاء: حلف الرجل أن لا يطأ زوجته، وقد كان الرجل في الجاهلية إذا غضب من زوجته حلف أن لا يطأها السنة والسنتين، أو أن لا يطأها الدهر كله، فتبقى كالمعلقة، فلا هي زوجة تتمتع بحقوقها الزوجية، ولا هي مطلقة تنكح زوجًا غيره، وجاء الإسلام ليرفع الظلم عن المرأة، ويضع حدًّا لهذا الأمر، فجعل للإيلاء مهلةً نهايتها أربعة أشهر، فإما أن يعود لزوجته، وإما أن يطلّقها، فلا تبقى معلقةً.

    قال تعالى: ( ﭧﭨ ) [البقرة ٢٢٦-٢٢٧].

    عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان إيلاء أهل الجاهليّة السّنة والسّنتين وأكثر من ذلك، فوقّت اللّه أربعة أشهرٍ، فمن كان إيلاؤه أقلّ من أربعة أشهرٍ فليس بإيلاءٍ».

    وقال سعيد بن المسيّب: «كان الإيلاء من ضرار أهل الجاهليّة، كان الرّجل لا يريد المرأة، ولا يحبّ أن يتزوّجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبدًا، وكان يتركها كذلك لا أيّمًا، ولا ذات بعلٍ، فجعل اللّه تعالى الأجل الّذي يعلم به ما عند الرّجل في المرأة أربعة أشهرٍ، وأنزل اللّه تعالى: ( ) الآية»55.

    فإن اللّه سميع لإيلائهم وطلاقهم، عليم بنياتهم، وبما ارتكبوه مما يحرم أو يحلّ، فليراقبوه فيما يفعلون، فإن أرادوا إيذاء النساء ومضارتهن، فهو يتولى عقابهم، وإن كان لهم عذر شرعي مثل حملهن على إقامة حدود اللّه، فاللّه يغفر لهم56.

    «والحكمة في موقف الشّريعة الإسلاميّة من الإيلاء: أنّ هجر الزّوجة قد يكون من وسائل تأديبها، كما إذا أهملت في شأن بيتها، أو معاملة زوجها، أو غير ذلك من الأمور الّتي تستدعي هجرها، علّها تثوب إلى رشدها، ويستقيم حالها، فيحتاج الرّجل في مثل هذه الحالات إلى الإيلاء، يقوّي به عزمه على ترك قربان زوجته؛ تأديبًا لها، ورغبةً في إصلاحها، أو لغير ذلك من الأغراض المشروعة؛ فلهذا لم تبطل الشّريعة الإسلاميّة الإيلاء جملةً، بل أبقته مشروعًا في أصله؛ ليمكن الالتجاء إليه عند الحاجة»57.

    فالتأديب بالهجر ينبغي ألا يتجاوز هذه المدة، فالمرأة ينفد صبرها عن هجر بعلها هذه المدة، ولا تستطيع أن تصبر أكثر منها.

    «عن عبد اللّه بن دينار قال: خرج عمر بن الخطّاب من اللّيل فسمع امرأة تقول 58:

    تطاول هذا اللّيل واسودّ جانبه

    وأرّقني أن لا ضجيع ألاعبه

    فو اللّه لولا اللّه أنّي أراقبه

    لحرّك من هذا السّرير جوانبه

    فسأل عمر ابنته حفصة رضي الله عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستّة أشهر أو أربعة أشهر، فقال عمر: لا أحبس أحدًا من الجيوش أكثر من ذلك»59.

    ثالثًا: الظهار:

    هو مأخوذ من الظهر، والظهر من كل شيء خلاف البطن، وظاهر الرجل امرأته مظاهرة وظهارًا، قال لها: أنت علي كظهر ذات رحم60.

    والظهار في الاصطلاح: هو أن يشبّه امرأته أو عضوًا منها بمن تحرم عليه، ولو إلى أمد، أو بعضو منها61.

    وكان الظهار في الجاهلية أمرًا شائعًا من الأمور التي ابتدعها أهل الجاهلية، ودرجوا عليها، وألـفوها حتى صارت عندهم شرعًا، فكان الرجل منهم إذا كره زوجته أو غضب عليها قال لها: أنت عليّ كظهر أمي؛ فتصير محرمة عليه، وحدث في عهد الإسلام أن ظاهر أوس بن الصامت رضي الله عنه من زوجته خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها، ثم بدا له بعد ذلك أن يواقعها فلم تمكّنه من نفسها، وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في هذا الأمر، وتجادله في هذا الشأن، فأنزل الله عز وجل في ذلك قرآنًا يتلى.

    روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني، وانقطع له ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قالت عائشة: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات ( ) الخ الآيات62.

    وروى الإمام أبو داود في السنن عن خويلة63 بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه، ويقول: (اتق الله، فإنه ابن عمك) فما برحت حتى نزل القرآن ( ) إلى آخر الآيات، فقال صلى الله عليه وسلم: (يعتق رقبة). قلت: لا يجد، فقال: (فيصوم شهرين متتابعين). قلت: يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: (فليطعم ستين مسكينًا). قلت: ما عنده من شيء يتصدق به، قالت: فَأُتِيَ ساعتئذٍ بِعَرَق من تمر، قلت: يا رسول الله، فإني أعينه بعرق آخر، قال: (قد أحسنت، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينًا، وارجعي إلى ابن عمك)64.

    قال تعالى: ( ) سمع الله تعالى قول تلك المرأة التي جاءت تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر زوجها الذي ظاهر منها ( ) تبث شكواها إلى الله تعالى ( ) أي: يسمع ذلك الحوار الذي دار بين خولة بنت ثعلبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ( ) سميع لكل مسموع، بصير بكل مبصر، فعلى المؤمن أن يراقب الله عز وجل في معاملته لزوجته وفي جميع معاملاته.

    حرمة الظهار:

    قال تعالى: ( ﭬﭭ ﭲﭳ ﭹﭺ ) [المجادلة: ٢].

    وقوله تعالى: ( ﭬﭭ ﭲﭳ ﭹﭺ ) [المجادلة: ٢].

    أي: لا تعتبر المرأة بقوله: أنت علي كظهر أمي، أو كأمي، أو مثل أمي، أو ما أشبه ذلك لا تصير أمه بذلك، إنما أمه التي ولدته.

    قال ابن عاشور: «توبيخًا لهم على صنيعهم، أي: هو مع كونه لا يوجب تحريم المرأة هو قول منكر، أي: قبيح لما فيه من تعريض حرمة الأم بتخيلات شنيعة تخطر بمخيلة السامع عندما يسمع قول المظاهر: أنت علي كظهر أمي، وهي حالة يستلزمها ذكر الظهر في قوله: كظهر أمي»65.

    كما قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮅﮆ ﮊﮋﮌ ﮎﮏ ) [الأحزاب: ٤].

    ( ﭹﭺ ) [المجادلة: ٢].

    دل هذا على تحريم الظهار؛ لأنه قول منكر وزور.

    قال ابن حجر: «واستدل بقوله تعالى: ( ) على أن الظهار حرام»66.

    وقال الإمام ابن القيم: «والظهار حرام، لا يجوز الإقدام عليه؛ لأنه كما أخبر الله عنه منكر من القول وزور، وكلاهما حرام، والفرق بين جهة كونه منكرًا وجهة كونه زورًا أن قوله: أنت علي كظهر أمي، يتضمن إخباره عنها بذلك، وإنشاء تحريمها، فهو يتضمن إخبارًا وإنشاء، فهو خبر زور وإنشاء منكر، فإن الزور هو الباطل بخلاف الحق الثابت، والمنكر بخلاف المعروف، وختم سبحانه الآية بقوله: ( ) وفيه إشعار بقيام سبب الإثم الذي لولا عفو الله ومغفرته لأخذ به»67.

    كفارة الظهار:

    قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮍﮎ ﮑﮒ ﮡﮢ ﮨﮩ ﮭﮮ ﮱﯓ ) [المجادلة: ٣-٤].

    بيّن المولى عز وجل في هاتين الآيتين الكريمتين كفارة الظهار لمن أراد أن يرجع عما قال، ويعود إلى معاشرة زوجته بعد أن ظاهر منها.

    قال تعالى: ( ) فالعود هنا هو الرجوع عن مقولة الظهار ( ) عتق رقبة سليمة من العيوب صغيرة كانت أو كبيرة ذكرًا أو أنثى ( ﮋﮌ ) أي: من قبل حدوث أي مسيس بينهما من جماع أو تقبيل أو أي وجه من وجوه الاستمتاع، وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة، وقال الشافعي في أحد قوليه: المحرم على المظاهر هو الوطء فقط68؛ لأن المسيس كناية عن الجماع ( ) أي: تزجرون حتى تتركوا الظهار لحرمته؛ ولعظم كفارته.

    قال صاحب الظلال: «( ) فالكفارة تذكرة وعظة بعدم العودة إلى الظهار الذي لا يقوم على حق ولا معروف ( ) خبير بحقيقته، وخبير بوقوعه، وخبير بنيتكم فيه، وهذا التعقيب يجيء قبل إتمام الحكم لإيقاظ القلوب، وتربية النفوس، وتنبيهها إلى قيام الله على الأمر بخبرته وعلمه بظاهره وخفيه»69.

    قوله: ( ﮡﮢ ) أي: من لم يتمكن من عتق رقبة فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن عجز عن صيام الشهرين فعليه أن يطعم ستين مسكينًا ( ) أي: ذلك المشار إليه من تحريم الظهار وكفارته ( ) فمن لوازم الإيمان ومقتضياته أن تلتزموا بهذه الأحكام ( ) فلا تعتدوها ( ) لأنهم كفروا بالله، وانتهكوا محارمه، وتعدوا حدوده.

    قال ابن عاشور: «الإشارة إلى ما ذكر من الأحكام، أي: ذلك المذكور لتؤمنوا بالله ورسوله، أي: لتؤمنوا إيمانًا كاملًا بالامتثال لما أمركم الله ورسوله، فلا تشوبوا أعمال الإيمان بأعمال أهل الجاهلية، وهذا زيادة في تشنيع الظهار، وتحذير للمسلمين من إيقاعه فيما بعد، أو ذلك النقل من حرج الفراق بسبب قول الظهار إلى الرخصة في عدم الاعتداد به، وفي الإخلاص منه بالكفارة، لتيسير الإيمان عليكم»70.

    وفي موقف الإسلام من الظهار: حجة ساطعة، ودلالة واضحة على تكريم الإسلام للمرأة، وصيانته وحمايته لحقوقها، وحرصه على إصلاح واستقرار الأسرة المسلمة.

    وفي هذه الكفارة ما يعود بالفائدة على الفرد والمجتمع، فعتق الرقبة هو سبيل إلى تحرير الرقيق، وللإسلام موقف فريد، ومنهج رشيد في تحرير العبيد من خلال تجفيف منابع الاسترقاق، وفتح الأبواب على مصاريعها للعتق عن طريق الكفارات والقربات.

    وفي صوم شهرين متتابعين تهذيب للأخلاق، وتقويم للسلوك، ورياضة للنفوس، وتزكية لها، وسمو بالأرواح، فالصوم تأديب بالجوع، وخشوع للمولى وخضوع، وكل عبادة لها حكمة، والصوم ظاهره العذاب، وباطنه فيه الرحمة، يعلم الصبر، ويعين على خصال البر، ويقدح زناد التأمل والفكر، وينشرح به الصدر، وفى إطعام ستين مسكينًا لفتة كريمة إلى الرحمة بالمساكين، والإحساس بمعاناتهم، ومعايشة أحوالهم، وفي هذا إرهاف للحس، وترقيق للمشاعر، وتطبيب للقلوب، وتزكية للنفوس، وهكذا نجد في الكفارة حكمًا رائعة، وثمرات يانعة للنفس والمجتمع، وهي مع شدتها وثقلها إلا أنها رحمة للناس ولطف بهم، وزجر عن الوقوع في هذا المنكر الزور.

    منهج القرآن في تقرير أحكام الطلاق

    تربية المسلم تربية راشدة، فعليه تدور الأحكام الشرعية، والقرآن كلّه كتاب تربيةٍ وتهذيبٍ وتزكيةٍ وتقويمٍ، وفي ثنايا الحديث عن أحكام الطلاق نلمس هذه اللطائف التربوية من ترسيخٍ للإيمان، وتهذيبٍ للنفوس، وتزكية لها، وتحليق بها في أجواء الفضيلة، ومن تغذية للعقول، وتوعيةٍ لها، وتبصرةٍ للقلوب، وغرسٍ للقيم.

    ١. الهدف من وجود الأسرة المسلمة إقامة حدود الله؛ وذلك مؤشر بقائها، وغاية وجودها، ومنارة مسارها.

    تأمل في قوله تعالى: ( ﮧﮨ ﮭﮮ ﯞﯟ ﯫﯬ ﯱﯲ ﯿ ﰅﰆ ﰓﰔ ) [البقرة ٢٢٩-٢٣٠].

    حيث يتكرر الحديث عن حدود الله تعالى في ستّ مراتٍ؛ لبيان الأساس الذي قام عليه البناء الأسري، والحصن الذي يحميه، بل والغاية من وجوده، وهو إقامة حدود الله تعالى التي حذّر من تعدّيها، فلا يتعداها إلا ظالمٌ، وتأتي الآية التالية لتقرر هذا الأصل الشرعي، والمقصد السامي، وهو إقامة حدود الله تعالى التي هي أساس قيام الأسرة، وهدفٌ من أهداف الزواج، والله تعالى يبيّنها لأهل العلم حتى يمتثلوا لها، ويدعوا غيرهم إلى مراعاتها.

    ٢. مجيء القرآن بقواعد رشيدة للحياة الزوجية السعيدة، من ذلك:

    قوله تعالى: ( ﮜﮝ ﮠﮡ ) [البقرة: ٢٢٨].

    فللزوجة حقوق كما أن عليها واجبات، وللرجال على النساء درجة ليس تعاليًا على النساء، بل لتنظيم الحياة الزوجية التي لابد لها من قيّم وقائد.

    وقوله تعالى: ( ﯣﯤ ) [النساء: ١٩].

    وقوله جل وعلا: ( ﭞﭟ ) [النساء: ٣٤].

    وقوله سبحانه: ( ) [النساء: ٣٤].

    أثر الإيمان بالله واليوم الآخر في امتثال ما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، تأمل أهمية الإيمان ودوره في السلوك والمعاملات في قوله تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ﮋﮌ ).

    فالمرأة المؤمنة لا تخادع ولا تخفي الحقائق، وتلك أخلاق المؤمنة الصالحة صريحةٌ وواضحة وصادقةٌ وناصحة، كما ندرك أثر الإيمان بالله واليوم الآخر في الامتثال لأوامر الله، واجتناب ما نهى عنه الله، وأن هذا الطريق أزكى وأطهر، فلا يزيده التمسك به إلا سموًّا وارتقاء ورفعةً وانتصارًا على حظ النفس والتقاليد الجاهلية، وفي تقرير علمه تعالى مع نفي العلم عن الخلق ما يزيد المؤمنين يقينًا وتسليمًا لحكم الله تعالى، وتجرّدًا من الأهواء والآراء.

    قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮑﮒ ﮜﮝ ﮡﮢ ) [البقرة: ٢٣٢].

    ٣. استحضار أسماء الله الحسنى، له أثر في المسارعة إلى امتثال أوامره، والفيء إلى شرائعه.

    قال تعالى: ( ) فالعزة لمن اتبع شرع الله، وبعزته تعالى حكم، وهو الحكيم في أقداره وسننه وأحكامه، ومن تمسّك بشرعه الحكيم نال العزّة في الدارين.

    وقال تعالى: ( ) وفيها تسليةٌ وبشرى لكل من قدّم عملًا صالحًا، وإن لم ينل جزاءه في الدنيا فإنه لن يضيع عند خالقه جل وعلا، فهوتعالى بصير بأعمال عباده، وإن غفل عنها الغافلون، وإن تجاهلها الناس، أو تنكّروا لفاعلها.

    وقال تعالى: ( ﭿ ) [البقرة: ٢٣١].

    يأمر الله عباده بتقواه، وأن يعلموا علم اليقين أنه العليم بما يصلحهم في معاشهم ومعادهم، العليم بسرائرهم، وما تنطوي عليه نفوسهم، العليم بحاضرهم ومستقبلهم، العليم بأعمالهم وأقوالهم، وفي الآية دعوةٌ إلى اليقين بأحكام الله تعالى وسننه في عباده وأقداره، وفيها دعوة لمراقبته تعالى، فلابد من أن نؤمن ونوقن ونسلّم بإحاطة علمه تعالى بكل شيء، وهذا يزيدنا إيمانًا وتسليمًا لأحكام الله تعالى وأقداره.

    وقال تعالى: (ﮋﮌ ﮑﮒ ) [النساء: ١٣٠].

    أي: كثير الفضل واسع الرحمة، يعطي ويمنع، ويفرّق ويجمع، بعلمه تعالى وحكمته، وناسب هنا ذكر السعة، تقريرًا لما تقدّم من توسعته، قال الرازي: «... فهو تعالى واسع الرزق، واسع الفضل، واسع الرحمة، واسع القدرة، واسع العلم، فلو ذكر تعالى أنه واسعٌ في كذا لاختصّ ذلك بذلك المذكور، ولكنه لما ذكر الواسع، وما أضافه إلى شيء معينٍ، دلّ على أنه واسعٌ في جميع الكمالات»71.

    وناسب ذكر وصف الحكمة لبيان أنه تعالى حكيم في سعته وفضله على عباده، حكيم في أحكامه وأقداره، وفي الآية وعدٌ من الله تعالى بإغناء كلٍّ من الزوجين إذا تفرقا من سعته؛ حتى لا يلتفت كل منهما لغير الله، ولا تعتلج في قلبه همومٌ على مستقبله، ولا حزنٌ وحسرةٌ على ماضيه، وكذلك وصف الحكمة فيه ما يوحي بالرضا والتسليم بأقدار الله تعالى، فهي صادرةٌ عن حكمةٍ بالغةٍ، فهذه السعة التي وعد الله به عباده سعةٌ قائمةٌ على حكمته تعالى، وفي الآية الكريمة تسليةٌ لكل من ابتلي بالفراق، بأن فرج الله قريبٌ، وفضله واسعٌ.

    وقال سبحانه في ختام سورة الطلاق: ( ) [الطلاق: ١٢].

    فالإيمان بقدر الله تعالى وعلمه التام يزيد المؤمن يقينًا وثباتًا على الحق، وحرصًا على تحقيق مراد الله تعالى، فهو تعالى القادر على كل شيء، وهو العليم بما يصلح عباده في عاجلهم وآجلهم، في معاشهم ومعادهم.

    ٤. التسليم لأقدار الله تعالى وحكمه وأحكامه ومراعاة سننه في عباده.

    قال تعالى: ( ) [الطلاق: ١].

    وقال: ( ﮥﮦ ﮬﮭ ﮱﯓ ) [الطلاق: ٢-٣].

    وقال: ( ) [الطلاق: ٤].

    وقال: ( ) [الطلاق: ٧].

    وقال: ( ) [الطلاق: ١٢].

    ٥. استحضار نعم الله تعالى على عباده، والتي من أجلها نعمة الهداية، وما أنزل الله عليهم من الكتاب والسنة لصلاحهم وإرشادهم.

    قال تعالى: ( ﭚﭛ ﭟﭠ ﭦﭧ ﭬﭭ ﭹﭺ ﮋﭾ ﭿ ) [البقرة: ٢٣١].

    تذكيرٌ بنعم الله التي لا تحصى، والتي من أجلّها ما أنزله في كتابه وسنة نبيه من مواعظ يسعد من ينتفع بها، ويرشد من يتبصّرها، وقال تعالى في سورة الطلاق: ( ) فهذه التشريعات الربانية التي اشتمل عليها القرآن يتلوها المؤمن دائمًا ويستحضر معانيها ومقاصدها ( ) [الطلاق: ١١].

    أي: هذا الوحي يتلوه عليكم رسول الله، آياتٌ من عند الله، واضحاتٌ جلياتٌ، تبيّن الحلال والحرام، وتفرّق بين الحق والباطل، والهدى والضلال ( ) أي: ليخرج المؤمنين المتقين من الضلالة إلى الهدى، ومن ظلمة الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم.

    ٦. العدل ضرورة شرعية، والإحسان والفضل من أخلاق الكرام في الرضا والغضب؛ سيّما في أداء حق المطلقة ترضيةً لخاطرها، وجبرا لفؤادها.

    ٧. الترغيب في العمل الصالح، واختيار ما هو أزكى وأطهر.

    قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮑﮒ ﮜﮝ ﮡﮢ ) [البقرة: ٢٣٢].

    ٨. تقوى الله تعالى، والتوكل عليه، واليقين بما عنده خير ما يواجه به العبد ما يعتريه من هموم، وما يعترضه من مشكلات وأزمات، وللتقوى أثرها في حياة المسلم ومعاملاته وسلوكه؛ والأتقياء أوفى الناس وأحرصهم على أداء الحقوق، من هنا تأتي أهمية التقوى في الامتثال لشرع الله تعالى.

    قال سبحانه: ( ﮋﮌ ) [البقرة: ٢٤١].

    وتكرر الحثّ على التقوى في سورة الطلاق، في قوله: ( ) [الطلاق: ٢].

    وقوله: ( ) [الطلاق: ٤].

    وقوله: ( ) [الطلاق: ٥].

    ٩. الصلاة هي زاد المؤمن وسلواه وملاذه.

    قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٣٨].

    ورود الحديث عن الصلاة في سياق الحديث عن أحكام الطلاق؛ لبيان أن الإسلام منهاجٌ كامل، وتشريعٌ شاملٌ، فكما يجب الالتزام بما سبق من أحكام؛ كذلك يجب المحافظة على الصلاة.

    والذي يؤدي حقّ العباد لابدّ من باب أولى أن يؤدّي حقّ الله تعالى، فإنه أعظم الحقوق، كذلك لما كانت المشكلات الزوجيّة والأزمات الأسرية ممّا قد يشغل الإنسان عن غاية وجوده ذكّره المولى بتلك الغاية الكبرى، ألا وهي عبادته تعالى التي من أجلها خلقنا، فلا ينبغي أن يشغلنا شاغلٌ عن تلك الغاية؛ لذا جاء التذكير بالصلاة في هذا السياق.

    كذلك فإن الصلاة ترويحٌ للنفوس، وتطبيبٌ للقلوب، وزادٌ للأرواح إلى ظلالها يفيء أهل الإيمان، وفي رياضها يستروحون، وعلى أبواب المساجد يخلعون همومهم، فعلى المؤمن أن يستعين بالصلاة على مواجهة مشكلاته، ويفيء إلى ظلالها من بيداء همومه ورمضاء أزماته.

    قال سبحانه: ( ﯵﯶ ) [البقرة: ١٥٣].

    والصلاة قرّةٌ للعيون، وتربيةٌ للنفوس، وتهذيبٌ لها، وتزكيةٌ للقلوب، وخليقٌ بمن يحافظ عليها أن يحافظ على حقوق العباد، وأن تظهر ثمرات الصلاة.

    حاجة المشكلات الزوجية إلى تعقّلٍ، وقد بيّن الله لنا من الآيات ما يهدينا إلى ذلك، ثم مسك الختام دعوة إلى التدبر في آيات الله، وشكر الله تعالى على هذا البيان، وأنه دعوة إلى التعقّل والنظر، قال تعالى: ( ) ففي الختام دعوةٌ إلى التفكّر والنظر في آيات الله تعالى الشرعية والكونية؛ ليزداد المؤمن تقوى لله تعالى، بالمبادرة إلى امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ومراقبته تعالى، ويزيد تبصّرًا بما حوله، ووعيًا بحاضره، وحكمةً في مواجهة مشكلاته، وقال تعالى: ( ﯖﯗ ) فالموعظة إنما ينتفع بها، ويمتثل لها أصحاب الإيمان الراسخ والعقول النيّرة.

    النظر في أحوال الأمم الهالكة، والوقوف على أسباب هلاكها، والتي في مقدمتها التمرد والعصيان، والحذر من عاقبة تعطيل شرع الله تعالى، ومجاوزة حدوده، فكم عطّلت كثيرٌ من أحكام الإسلام في كثير من البلدان بسبب كيد الأعداء وجهل الأبناء، فضيّعت الحقوق، واختلت الموازين، وسلب الأمن، وتأججت الصراعات، وطالت النزاعات، وتعطّلت المصالح، وتفكّكت الأسر، وانفرط عقد المجتمع، قال تعالى: ( ﮡﮢ ﮮﮯ ﯖﯗ ) [الطلاق: ٩-١٠].

    وفي الآيات دعوةٌ إلى الاعتبار بأحوال ومصير الأمم والشعوب الناكبة عن منهج الله، المعطّلة لشرائع الله تعالى.

    السعادة الأبدية في الإيمان، والعمل الصالح ( ﯻﯼ ﯿ ) [الطلاق: ١١].

    استحضار عظمة الله تعالى وقدرته، وسعة ملكه وتدبيره لهذا الكون، وإحاطة علمه، فإن هذا يزيد العبد إيمانًا ويقينًا واطمئنانًا وتسليمًا لله تعالى في هذه الأزمات ( ) [الطلاق: ١٢].

    التدابير الوقائية من الطلاق

    تتحدث هذه السطور عن حكمة مشروعية الطلاق، والتدابير الواقية من الطلاق، والتدابير الواقية من العجلة في الطلاق:

    أولًا: حكمة مشروعية الطلاق:

    الطلاق كما أشرنا آنفًا دواءٌ مرٌّ، أو بمثابة جراحةٍ مؤلمة؛ لما يترتّب عليه من حرقةٍ وفرقةٍ، وشتاتٍ وحرمانٍ، وانفراط عقد الأسرة، فيحرم الولد من التربية في المحضن الطبيعيّ، وتحرم البنت من رعاية أبيها، أو من حنان أمّها، أو منهما معًا، لكنّ الإسلام أجازه مع ما فيه من ضرر إذا سدّت الأبواب، وانقطعت الأسباب، وأخفقت المساعي، واستحالت العشرة، وهنا يصبح ضرورة لا مفرّ منها، واختيارًا لا بديل له، وهو بلا شكٍّ اختيارٌ لأخفّ الضررين؛ إذ إجبار متنافرين على التآلف والعشرة، وإرغام المرأة على العيش مع زوجٍ تبغضه، أو إرغام الرجل على البقاء مع امرأةٍ يبغضها أمرٌ يتنافى مع حقّ الإنسان في حياةٍ طيّبة، ويتعارض مع الحرية التي وهبها الله للعباد، فأخرجهم من بطون أمهاتهم أحرارًا، وقد قيل72:

    ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى

    عدوًّا له ما من صداقته بدٌّ

    فكيف بمن يؤاكله ويضاجعه ويقتسم معه اللقمة والشّربة، ويلتحف معه في ثوب واحد، ويظلّهما سقفٌ واحدٌ! ويغلق عليهما بابٌ واحدٌ، كيف تستقيم حياتهما مع ما بينهما من تنافرٍ وتضادٍّ! إن إمساك المرأة ضرارًا وقهرها وقسرها على حياةٍ لا ترتضيها، وعلى قرينٍ لا تطيق عشرته أشدّ ضررًا من تسريحها.

    لقد حرص الإسلام على منع الطلاق بأن دعا إلى حسن الاختيار والتكافؤ، ومعرفة مقاصد الزواج وأحكامه، وحقوق الزوجين وواجباتهما؛ ذلك أن كثيرًا من حالات الطلاق إنما تقع بسبب الجهل بذلك، أو الغفلة عنه، أو التقصير فيه، كما أمر بالمبادرة إلى رأب الصدع، وإزالة أسباب الشقاق، وتجنب الوقوع في النشوز بالإصلاح والوعظ، وربما يصل الأمر لحد التأديب، ولكن برفق ولطف، وليس بعنف.

    والحياة الأسرية لا قيمة لها، ولا ثمرة من ورائها إن قامت على الشحناء والبغضاء والتنافر والتمرّد، أو فقدان الثقة بين الطرفين، بل تحتاج لمشاعر صادقة وقلوب مؤتلفة، تحتاج لجوٍّ هادئ، وعشّ دافئ، وبيتٍ هانئ؛ كي تنتج وتخرج جيلًا سويًّا، وهل ينبت الزرع ويستوي على عوده إذا كان في أرضٍ عاصفة!

    ويمنح الشرع فرصةً تلو فرصة للزوجين النافرين؛ لعل الأيام تجمع بينهما، ومصلحة الأسرة والأولاد توحّد بينهما وتؤلف القلوب، ومن ثمّ كان الطلاق الرجعيّ لعل الطائرين يؤوبان إلى عشّهما ويثوبان إلى رشدهما، ويحدبان على صغارهما، ويستأنفان حياتهما الزوجية بحبٍّ وصفاء، فترفرف السعادة على البيت من جديد.

    لقد وضع الإسلام حدًّا للفوضى التي كانت سائدةً في المجتمعات الجاهلية، وأوقف الظلم الذي كان على المرأة أن تتجرّعه إن نفر منها زوجها أو رغب عنها، فيذرها معلقةً، أو تبقى الحياة الزوجية متأرجحةً بسبب الطلاق الذي لا حدّ له، حيث كان للرجل أن يطلّق متى شاء وكيفما شاء، وأن يراجع حيث شاء، وتبقى المرأة هي الضحية لهذا الظلم الاجتماعي، وقد نزل القرآن ليصحح هذه الأوضاع، وليزيح هذه الحواجز، وليعيد للمرأة كرامتها وحريّتها، ويرفع عنها الظلم، ويضع عنها كلّ ما يثقل كاهلها ويرهقها من أغلال وآصار الجاهلية التي تهيض جناحها، وتكسر قلبها، وتنكّد حياتها، وتذوي عودها، وتذهب نضارتها، وتأكل شبابها.

    من هنا كان الطلاق حمايةً لحق المرأة، وهو أيضًا حماية للرجل، وصيانة للأسرة؛ لئلا تقوم على أنقاضٍ متهالكةٍ، بل الهدم قد يكون مقدمةً للبناء الراسخ، والفراق قد يفضي إلى وصالٍ.

    والحادثات وإن أصابك بؤسها

    فهي التي تنبيك كيف نعيمها73

    ثانيًا: التدابير الواقية من الطلاق:

    من أهم التدابير الواقية للحياة الزوجية حسن الاختيار، فإذا بني الزواج على أسس متينة، ولبنات صالحة متناسقة، كان ذلك أرجى لدوامه، وأوثق لعراه، كذلك فهم الزوجين لمقاصد الزواج وأهدافه السامية، وفي القرآن آياتٌ كثيرةٌ تبيّن مباهج الزواج وثمراته، ومقاصده السامية، وأهدافه النبيلة، وضرورة معرفة الرجل بطبيعة المرأة، ومعرفة المرأة بطبيعة الرجل، فإن فهم الآخر من أسباب الانسجام والتآلف بين الزوجين، والتغاضي عن الهفوات، والصبر والتجمّل.

    قال تعالى: ( ﯣﯤ ) [النساء: ١٩].

    إذ قد تجتمع في الزوجة كثير من خصال الخير خلا خصلة واحدة، لا تقدح في دينها ولا في عرضها وشرفها، خصلة يتأذى منها زوجها، ولا يجد سبيلًا إلي إصلاحها وتقويمها، ففي هذه الحالة يدعوه الإسلام إلى الصبر على تلك الزوجة والإحسان إليها ونصحها؛ لعلها تستجيب.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك74 مؤمنٌ مؤمنةً؛ إن كره منها خلقًا رضي منها آخر، أو قال: غيره)75.

    قال أبو السعود: «( ﯣﯤ) خطاب للذين يسيئون العشرة معهن، والمعروف ما لا ينكره الشرع والمروءة، والمراد هاهنا: النصفة في المبيت والنفقة والإجمال في المقال، ونحو ذلك، ( ) فاصبروا عليهن مع الكراهة، فلعل لكم فيما تكرهونه خيرًا كثيرًا ليس فيما تحبونه...، وجعل الله فيه خيرًا كثيرًا فإن النفس ربما تكره ما هو أصلح في الدين وأحمد عاقبة وأدنى إلى الخير، وتحب ما هو بخلافه، فليكن نظركم إلى ما فيه خير وصلاح دون ما تهوى أنفسكم»76.

    قال ابن عاشور: «أعقب النهي عن إكراه النساء والإضرار بهن بالأمر بحسن المعاشرة معهن، فهذا اعتراض فيه معنى التذييل لما تقدم من النهي؛ لأن حسن المعاشرة جامع لنفي الإضرار والإكراه، وزائد بمعاني إحسان الصحبة»77.

    وجهل طبيعة الآخر من أسباب النفور والشقاق، ومن أسباب دوام العشرة الوفاء بحقوق الزوجين، والمحبة والتفاهم بين الزوجين، والانسجام بينهما، وقيام كلٍّ بدوره المنوط به، فالرجل قيّمٌ على أهله، وللمرأة دورها العظيم كزوجة وأم، ومعالجة النشوز، والسعي إلى الإصلاح بين الزوجين.

    قال تعالى: ( ﮜﮝ ﮠﮡ ) [البقرة: ٢٢٨].

    وقال سبحانه: ( ﭞﭟ ﭦﭧ ﭯﭰ ﭶﭷ ﭿ ﮋﮌ ) [النساء: ٣٤-٣٥].

    فحماية الحياة الزوجية يقع نصيبٌ منها على عاتق المجتمع، فعلى المجتمع أن يكون عونًا للزوجين، داعمًا لهما.

    أعطى الشرع الحنيف الحق للزوج في تأديب زوجته إذا أخلّت أو قصّرت في حقوقه على نحو يعتبر نشوزًا منها، ويجب على الزوج التدرج في استعمال وسائل التأديب حيث يبدأ أولًا بوعظ زوجته، فإن لم ينفع معها الوعظ تحوّل إلى الوسيلة الثانية، وهي هجرها في المضاجع؛ وذلك بأن يوليها ظهره عند نومه، أو يهجر مضجعها فينام بعيدًا عنها78، فإن لم ينفع معها الهجر لجأ إلى الوسيلة الثالثة وهي الضرب.

    قال الإمام الرازي: «الذي يدل عليه نص الآية أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى منه إلى الضرب؛ وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق»79.

    على أن الزوج لا يتعجّل في اللجوء إلى وسيلة الضرب، بل يصبر على زوجته، ويتحمّل تقصيرها، ويكرّر المحاولة في إصلاحها بالوعظ وإلا فبالهجر، فإذا عيل صبره ولم يعد يتحمّل شططها، ورأى أن الضرب قد يأتي بالإصلاح المنشود باشر وسيلة الضرب كعلاج لها، وليس كانتقام منها؛ لأن بعض النساء قد لا ينفع معهن إلا الضرب.

    أما عن صفة الضرب فإنه يكون غير مبرح، أي: غير شديد شائن، قال الإمام النووي: «الضرب المبرح هو الشديد الشاق»80.

    وسئل ابن عباس عن الضرب غير المبرح، فقال: «بالسواك ونحوه»81.

    وعلى الزوج أن يتقي ضرب الوجه، ويجتنب ضرب البطن وغيره من المواضع المخوفة.

    وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم!)82.

    وضرب الزوجة الناشز: القصد منه زجرها وتأديبها حين لا يجدي معها النصح «ولا يحل استعمال هذه الرخصة إذا عرف أنها لا تنفع في تهذيبها وزجرها عما هي عليه»83.

    كما شرع الإسلام علاجًا حاسمًا لنشوز الزوجة، فلقد وضع علاجًا حاسمًا لنشوز الزوج، قال تعالى في سورة النساء: ( ﭟﭠ ﭢﭣ ﭦﭧ ) [النساء: ١٢٨].

    والخوف لا يكون إلا بظهور بوادر وأمارات تنذر بعاقبة ما يخاف الإنسان من أجله، فخوف المرأة هنا من بعلها مبني على بوادر قد تؤدي إلى نشوز عنها، وترفّع وسوء عشرة وعدم لين في قول، أو رقة في سلوك، وقد يرافقه عبوس وتقطيب وتغيّر في المعاملة، وقد يتطور إلى عدم مؤانستها ومعاشرتها.

    أما في حال الإعراض وهو أخف درجة من النشوز فتبدو أعراضه بالسكوت عن الخير والشر والجفوة والتذمر من الصغائر مع تجاهل وعدم مبالاة، فإذا ظهرت هذه العوارض على بنية الحياة الزوجية، وأفلست المرأة في إصلاح ذات البين من قبلها بطريقتها غير المباشرة فبإمكانها أن تضع حدًّا لهذه المعاناة بالمصارحة والمصالحة بينها وبين زوجها، لاسيما إذا لمست بحاستها الأنثوية أن زوجها قد لوى عنان فرسه منصرفًا عنها، أو أنها لم يعد لها في قلبه متسع84.

    فالزوجة العاقلة هي التي تستشعر دائمًا مدى قرب زوجها وحبه لها، فإذا حدث فإنها تبادر بمعالجة الأمور بحكمة ورويّة، والزوج العاقل الكريم يقدر لزوجته حرصها على استرجاع المودة والوصل «فيسمو عنده قدرها، ويرى فيها نفسًا وفيّة، وروحًا نقية»85.

    عن عائشة رضي الله عنها قالت: سبب نزول قوله تعالى: ( ) الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حل، فنزلت هذه الآية86.

    وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رجلًا سأله عن هذه الآية، فقال: «هي المرأة تكون عند الرجل فتنبو عيناه عنها من دمامتها، أو فقرها أو كبرها، أو سوء خلقها وتكره فراقه؟ فإن وضعت له من مهرها شيئًا حل له، وإن جعلت له من أيامها فلا حرج»87.

    وقوله تعالى: ( ) لفظ عام مطلق يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس، ويزول به الخلاف خير على الإطلاق، ويدخل في هذا المعنى جميع ما يقع عليه الصلح من الرجل وامرأته في مال أو وطء أو غير ذلك88، والإسلام يدعو إلى بذل كل الجهود لتثبيت دعائم الحياة الزوجية وتقوية عراها؛ لأن رابطة الزوجية من أعظم الروابط وأحقها بالحفظ، وميثاقها أغلظ المواثيق، وأجدرها بالوفاء89.

    وقوله تعالى: ( ) فالشح طبيعة وجبلّة في الإنسان، قال ابن جبير: «هو شحّ المرأة بالنفقة من زوجها وبقسمه لها أيامها»، وقال ابن زيد: «الشح هنا منه ومنها»، وقال ابن عطية: «وهذا أحسن؛ فإن الغالب على المرأة الشح بنصيبها من زوجها، والغالب على الزوج الشح بنصيبه من الشابة»90.

    وقوله تعالى: ( ) أي: إن تحسنوا وتتقوا في عشرة النساء بإقامتكم عليهن مع كراهيتكم لصحبتهن، واتقاء ظلمهن فهو أفضل لكم91، ثم بيّن الله تعالى أن الميل القلبي أمر لا يؤاخذ عليه الإنسان؛ لأنه لا يملكه، وإنما يؤاخذ على الميل الحسي الذي يقع باختياره؛ كميله إلى إحدى نسائه وتفضيلها على غيرها في النفقة، أو في المعاشرة، فهذا لا يجوز.

    «فالإحسان والتقوى هما مناط الأمر في النهاية، ولن يضيع منهما شيءٌ على صاحبه، فإن الله خبيرٌ بما تعمله كل نفس؛ خبيرٌ ببواعثه وكوامنه، والهتاف للنفس المؤمنة بالإحسان والتقوى؛ والنداء لها باسم الله الخبير بما تعمل، هتافٌ مؤثر، ونداءٌ مستجابٌ، بل هو وحده الهتاف المؤثّر والنداء المستجاب»92.

    قال الإمام القرطبي: «وهذا خطاب للأزواج...، أي: إن تحسنوا وتتّقوا في عشرة النّساء بإقامتكم عليهنّ مع كراهيتكم لصحبتهنّ، واتّقاء ظلمهنّ، فهو أفضل لكم»93.

    وفي حاشية زاده: «وإن تحسنوا بإمساكهنّ بمعروفٍ وحسن المعاشرة، مع عدم موافقتهن لطباعكم، وتتّقوا ظلمهن بالنشوز والإعراض، فالله تعالى يثيبكم عليه»94.

    «ولا يخفى ما في خطاب الأزواج بطريق الالتفات، والتعبير عن رعاية حقوقهن بالإحسان، ولفظ التقوى المنبئ عن كون النشوز والإعراض مما يتوقّى منه، وترتيب الوعد الكريم على ذلك، من لطف الاستمالة والترغيب في حسن المعاملة»95.

    وفي الآية بيانٌ لحرص الإسلام على حماية الأسرة المسلمة، وحلّ مشكلاتها، ولـمّ شملها، وتنقية أجواء البيت المسلم؛ ليؤدي رسالته المنوطة به، وحثٌّ على إحسان العشرة والتضحية والإيثار والصبر والإحسان.

    وقوله: ( ﭹﭺ ﭿ ﮀﮁ ) [النساء: ١٢٩].

    لأن الأمر ليس بمقدوركم ( ﭿ ) وفي هذا ظلم لها، وهضم لحقها، وجرح لكرامتها، والواجب على ذلك الزوج الظالم أن يراجع نفسه، ويتقي الله في امرأته التي أهملها ( ) فلابد أن يحرص الزوجان على الصلح لما فيه من الاستقرار العائلي، لاسيما إذا كان لهما أولاد.

    مرحلة الشقاق بين الزوجين:

    في حالة عجز الرجل عن علاج نشور زوجته، أو فشل الزوجة في علاج نشوز زوجها، فالحل الحاسم هنا هو اللجوء إلى التحكيم العادل بينهما عن طريق حكمين عدلين من أهل الزوج والزوجة، يجتهدان في الإصلاح بينهما، وتقويم المعوجّ منهما، قال تعالى في سورة النساء: ( ﭿ ﮋﮌ ﮎﮏ ) [النساء: ٣٥].

    مفترق الطريق:

    وإذا تعسّرت السبل، وغلّقت الأبواب، وباءت كل محاولات الصلح بالفشل، حينئذٍ فلا سبيل إلا الفراق، قال تعالى في سورة النساء: (ﮋﮌ ﮑﮒ ) [النساء: ١٣٠].

    إذا استحالت العشرة، وتعذّر الوفاق، فلا بأس بالفراق (ﮋﮌ) بطلاقٍ أو خلعٍ ( ) من الزوجين ( ) من فضله وإحسانه، بأن يعوّض الزوج بزوجة صالحة توافقه، ويعوّض الزوجة بزوجٍ صالحٍ يحسن صحبتها ( ) أي: كثير الفضل، واسع الرحمة () يعطي ويمنع، ويفرّق ويجمع، بعلمه تعالى وحكمته.

    وناسب هنا ذكر السعة، تقريرًا لما تقدّم من توسعته، قال الرازي: «فهو تعالى واسع الرزق، واسع الفضل، واسع الرحمة، واسع القدرة، واسع العلم، فلو ذكر تعالى أنه واسعٌ في كذا لاختصّ ذلك بذلك المذكور، ولكنه لما ذكر الواسع وما أضافه إلى شيء معينٍ، دلّ على أنه واسعٌ في جميع الكمالات»96.

    وناسب ذكر وصف الحكمة، لبيان أنه تعالى حكيم في سعته وفضله على عباده، حكيم في أحكامه وأقداره، قال الإمام القرطبي: «وإن لم يصطلحا بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقرّ بها عينه، وللمرأة من يوسّع عليها»97.

    وفي الآية وعدٌ من الله تعالى بإغناء كلٍّ من الزوجين إذا تفرقا من سعته؛ حتى لا يلتفت كل منهما لغير الله، ولا تعتلج في قلبه همومٌ على مستقبله، ولا حزنٌ وحسرةٌ على ماضيه، وكذلك وصف الحكمة فيه ما يوحي بالرضا والتسليم بأقدار الله تعالى فهي صادرةٌ عن حكمةٍ بالغةٍ، فهذه السعة التي وعد الله به عباده سعةٌ قائمةٌ على حكمته تعالى، وتسليةٌ لكل من ابتلي بالفراق، بأن فرج الله قريبٌ، وفضله واسعٌ.

    ومن مآثر حضارتنا الإسلامية الزاخرة بالمآثر والمفاخر والقيم الرائعة: أنه كانت هناك أوقاف لعلاج بعض مشكلات الأسرة، منها أوقاف لسكن الأيامى من النساء اللاتي لا مأوى لهن، حيث تخصص لهن دار يشرف عليها نسوة فضليات يقمن برعاية الأيامى، من هذه الدور: دار الدقة التي كانت بمدينة مرّاكش، وكانت ملجأً للنساء اللاتي يقع نفور بينهن وبين بعولتهن، فكن يقمن في هذه الدار إلى أن يزول الخلاف الزوجي، وكان على رأس هذه الدار مرشدة تعالج أسباب الغضب، وتهيئ نفوس الزوجات لعودة العلاقة الطيبة بينهن وبين أزواجهن98.

    ثالثًا: التدابير الواقية من العجلة في الطلاق:

    إذا كان الطلاق مشروعًا عند استحالة الحياة الزوجية ووصولها إلى طريقٍ مسدودٍ، وتباين الطباع، وتنافر النفوس، واحتدام المشكلات، وتعذّر الحلول، فإن الإسلام يدعو إلى التريّث في اتخاذ القرار، وينهى عن العجلة؛ ذلك أن التسرّع في الطلاق زلزالٌ مفاجئٌ يهدم بنيان الأسرة، ويشتت أفرادها، من هنا شرع الرّجعة في الطلاق، فجعل الطلاق مرتين، مرة بعد مرة، كما رغّب في الطلاق السّني، وهو أن يطلّق الزوج زوجته في طهر لم يجامعها فيه، وشرع العدّة في الطلاق الرجعي، وأمر ببقاء المرأة في بيت الزوجية، كلّ هذه التدابير مدعاةٌ لعودة المودة والرحمة والسكن.

    وقد يجمع الله الشتيتين بعدما

    يظنّان كلّ الظّنّ أن لا تلاقيا99

    شبهات حول الطلاق

    مما يشغب به أعداء الإسلام ويرددونه: أن في الإسلام يطلّق الرجل المرأة متى شاء، وليس لها الحق في إنهاء حياتها الزوجية، وأن الطلاق ضرر كبير على المرأة والأطفال، وهدم لأركان البيت.

    وقصدهم الطعن في شريعة الرحمن، وصرف الناس عنها لقوانين وضعية جائرة لا تحقّق مصلحة المرأة ولا الرجل ولا البيت، وصدّ الناس عن سبيل الله.

    ولاشك أن الطلاق قد يترتب عليه أضرار، لكن بقاء الحياة الزوجية بين زوجين متنافرين متباغضين كارثة كبرى، والإسلام لم يبتدع الطلاق، بل كان معروفًا ومألوفًا في كثير من التشريعات والنظم والأديان والمذاهب ولا يزال، ففي اليهودية نجد ما يدل في العهد القديم على إباحته بلا سبب منصف.

    ففي العهد القديم سفر التثنية: «إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها، فلم تجد نعمة من عينيه؛ لأنه وجد فيها عيبًا، فله أن يطلّقها، ويخرجها من بيته»100.

    بل نجد نصوصًا تبيح بيع المرأة، حيث أعطت اليهودية المحرفة للأب سلطة مطلقة على جميع أولاده، فأتاحت له حق بيع إحدى بناته إذا احتاج إلى المال.

    وقديمًا في اليونان: إلى جانب احتقار المرأة وازدرائها واعتبارها رجسًا من عمل الشيطان، فلقد كانت العذارى من النساء يقدّمن قرابين في المعابد، أما البنت فإنها تابعة لأبيها، يحق له أن يبيعها أو يهبها لمن يشاء، وكذلك الزوجة تعد مملوكةً لزوجها، وكان من حق الزوج أن يطلّق زوجته، ويطردها من بيته متى شاء.

    وعند الرومان: كان من حق الأب أن يبيع أي فرد من أفراد أسرته، وكان باب الطلاق مفتوحًا على مصراعيه.

    أما الهنود: فلم يكن للمرأة عندهم الحق في طلب الطلاق مهما كانت الأسباب، أما الرجل فكان من حقه أن يتزوج بما شاء من النساء.

    وفي الصين: لم يكن يسمح للبنت برؤية من سيتزوجها إلا في ليلة الزفاف، وللزوج الحق في بيع زوجته متى شاء كما تباع الإماء، وما كان للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها مهما كان السبب، أما الرجل فله أن يطلّقها بأي سبب101.

    أما الفرس فقد جعلت المزدكية المال والنساء كُلًّا مباحًا، فهتكت الأعراض، واختلطت الأنساب، وعمت الفوضى في المجتمع102.

    بينما لم يرد في الإنجيل نصٌّ صريحٌ في تحريم الطلاق، بل جاء نصٌّ موهمٌ ليس صريحًا لكنه حمّل ما لا يحتمل، وأوقع فهمه الخاطئ، وتفسيره المنحرف النصارى في عنت شديد، وشقاء ونكد؛ إذ ليس من حق الرجل أن يطلّق زوجته، ولا من حق المرأة أن تطلب الطلاق، فتعيش مقهورة مكبوتة في بيت لا تطيقه، وزوج لا ترغبه، ولربما يصل بها الأمر إلى الجنون أو الانتحار، الأمر الذي دفع بعض النصارى إلى التخلي عن هذا الدين الذي يقيّد الحريات، وينتقلوا لدين آخر، أو يقلّصوا دور الدين، ويفصلوه عن الحياة، كما حدث في العلمانية، أو ينسلخوا من الأديان، حتى انتشر الإلحاد في الغرب بسبب فساد النصرانية وتناقضاتها وإفلاسها وعنتها وجمودها وإفلاسها، ومجافاتها للواقع، أو يبتدعوا مذهبًا جديدًا كما وقع في أوروبا حيث ظهرت البروتستانتية كحركة معارضة ومناهضة لكثير من تعاليم الكنيسة، وكان من نتائجها إباحة الطلاق لا بسبب الزنا فحسب، بل بسبب استحالة العشرة بين الزوجين، كذلك لما نشبت الثورة الفرنسية أباحت الكاثوليكية في فرنسا الطلاق، وفي مصر على سبيل المثال لا يزال كثير من الأزواج النصارى يعيشون منفصلين عازبين تحت سقف واحد؛ لأن الكنيسة تحرّم الطلاق إلا في حالة الزنا، وربما كاد الرجل لزوجته ودسّ لها ليدبّر فضيحةً حتى يخلص منها، ومن غرائب القوانين في الغرب أنه في عام ١٩٢٣م صدر تعديل يسمح للزوجة بطلب الطلاق لخيانة الزوج ولو لمرة واحدة، وأصبح ممكنًا للزوج الذي يرغب في الانفصال عن زوجته أن يقيم ليلة بفندق مع امرأة أخرى مسجلًا ذلك في فاتورة الفندق، أو أن يصوّر نفسه في وضع مخلٍّ مع عاهرة، ويرسل بالصورة إلى زوجته نكايةً فيها، وجرحًا لمشاعرها، وتخلّصًا منها!

    ولقد ثار النصارى على الكنيسة، وطالبوا بتغيير هذه التشريعات الجائرة، ولم تسمع لهم الكنيسة، بل تدخلت الدولة في عهد النظام المخلوع لحل هذه المشكلة المزمنة، وسنت قوانين جديدة للنصارى تعتق الأزواج من ربقة النظام الكنسي وتعنته، واستعانت ببعض النصارى في سن هذه القوانين، ثم قدّموها للكنيسة لتطبّقها على رعاياها؛ رفعًا للحرج عنهم، فضرب رؤساء الكنيسة بها عرض الحائط، بل هددوا وتوعدوا من ينفّذ هذا القانون من القساوسة بالعزل.

    لقد شرع الإسلام الطلاق لأنه تشريع واقعي متوازن، يلبي حاجة النفس البشرية، ويوازن بين المصالح ويقدّمها على المفاسد، وجعل الطلاق بيد الرجل على أن يمنح المرأة حقها بالمعروف، ويسرّحها بإحسان، فأحاط الطلاق بتشريعات حكيمة، وآداب قويمة، وقيم سامية، بينما كان الأمريكان يعزفون عن الطلاق لغلاء تكاليفه، والآن اتجه العالم الغربي بأسره إلى إباحة الطلاق، بل في دول الشرق التي كانت تحرّمه وتجرّمه كالصين واليابان والهندوس والبوذيين في الهند.

    كما جعل للمرأة حق إنهاء الحياة الزوجية بالخلع، أو فسخ العقد إذا اختل فيه شيء، أو كان الزوج مصابًا بما يحول بين المعاشرة، ويحرم المرأة من حقوقها، وهناك أيضًا حق التفريق بين الزوجين، ولها ضوابطها كما في كتب الفقه.

    موضوعات ذات صلة:

    الأسرة، الحدود، النساء، النكاح


1 انظر: المحيط في اللغة، الصاحب ابن عباد ٥ /٣٢٥، لسان العرب، ابن منظور، ١٠/٢٢٥، تاج العروس، الزبيدي ٢٦/٩٣.

2 الدر المختار، ابن عابدين ٣/٢٢٦، وانظر: الشرح الكبير، الدسوقي ٢/٣٤٧، المغني، ابن قدامة ٧/٢٩٦، مغني المحتاج، الشربيني ٣/٢٧٩، الموسوعة الفقهية الكويتية، ٢٩/٥.

3 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي ص ٤٢٧-٤٢٨، المعجم المفهرس الشامل، عبدالله جلغوم، ص٧٢١-٧٢٢.

4 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٣/٥١٤، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٢/٤١٢.

5 مقاييس اللغة ٣/١٢٢.

6 التوقيف، المناوي ص٩٦.

7 انظر: مقاييس اللغة، ٤/٣٩٢.

8 ‏ الموسوعة الفقهية الكويتية ٢٩/٧.

9 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٤/٢٤٠.

10 التعريفات، الجرجاني ص ٢٤٦.

11 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق، ٧/٤١، رقم ٥٢٥١، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، وأنه لو خالف وقع الطلاق ويؤمر برجعتها، ٢/١٠٩٣، رقم ١٤٧١.

12 ‏‏أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الطلاق، ٦/١٥٥، رقم ٤٩٠٨.

13 لباب التأويل، الخازن ٦/١١٧.

14 فتح القدير، الشوكاني ١/٣٤٢.

15 البحر المحيط، أبو حيان ٢/٥٣٩.

16 فتح القدير، الشوكاني ١/٣٤٢.

17 الموسوعة الفقهية الكويتية ٢٩/٢٩.

وانظر: حاشية ابن عابدين ٣/٢٩٣، وحاشية الدسوقي ٢/٣٨٥، ومغني المحتاج، الشربيني ٣/٣٩٦، والمغني، ابن قدامة ٧/٤١٧.

18 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب من أجاز طلاق الثلاث، ٧/٤٣، رقم٥٢٦١، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب لا تحل المطلقة ثلاثًا لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره ويطأها ثم يفارقها وتنقضي عدتها، ٢/١٠٥٧، رقم ١٤٣٣.

19 الجامع لأحكام القرآن، ٣/١٥٣.

20 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب المحلل والمحلل له، ٣/١١٦، رقم ١٩٣٤.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع ١/٥٠٧، رقم ٢٥٩٦.

21 المنار ٢/٣١٢.

22 أحكام القرآن، الجصاص ٥/٣٥٠.

23 أحكام القرآن ٤/٣٧٨.

24 أخرجه الدارقطني في السنن، ١/٣٩٤، رقم ٨٢٢، والبيهقي في السنن الصغرى، ٣/١٥١، رقم ٢١٦٢.

25 لسان العرب، ابن منظور ١/١٢٨.

26 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، ١٠/٣٣٦٠.

27 أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرًا، ٥/٨٠، رقم ٣٩٩١، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل، ٢/ ١١٢٢، رقم ١٤٨٤.

28 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل، ٢/١١٢٢، رقم ١٤٨٥.

29 البيت لأحمد شوقي في ديوانه ٢/٦٠.

30 لطائف الإشارات، القشيري ١/٣٢٣.

31 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٦٦.

32 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٧٦.

33 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٨/١٥٠.

34 لباب التأويل، الخازن ٦/١١٨.

35 أخرجه عبد الرزاق في المصنف، ٧/٣٦، رقم ١٢٠٧٧، والبيهقي في السنن الكبرى، ٧/٧١٧، رقم ١٥٥١٢.

وضعفه الألباني في الضعيفة، ١٢/٢٠٦، رقم ٥٥٩٧.

36 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب جواز خروج المعتدة البائن، والمتوفى عنها زوجها في النهار لحاجتها، ٢/١١٢١، رقم ١٤٨٣.

37 البيت في ديوان الصبابة، ابن أبي حجلة ص٩.

38 في ظلال القرآن ٦/٣٦٠٥.

39 الجامع لأحكام القرآن، ٣/١٦٠.

40 المصدر السابق ٣/١٦٠.

41 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/٣٣٢.

42 لباب التأويل، الخازن ٦/١٢٠.

43 المحرر الوجيز، ابن عطية ٦/٣٧٣.

وانظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٦٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٦٩.

44 البحر المحيط، ١٠/٢٠٥.

45 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٢٦٣.

46 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/٤٢٥.

47 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب في الطلاق على الهزل، ٣/١١٨، والترمذي في سننه، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق، ٢/٤٨١، رقم ١١٨٤، وابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب من طلق أو نكح أو راجع لاعبًا، ١/٦٥٨، رقم ٢٠٣٩.

قال: «هذا حديث حسن غريب».

وحسنه الألباني في صحيح الجامع ١/٥٨١، رقم ٣٠٢٧.

48 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/١٩١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤١٥.

49 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، ٣/٣٧٩، رقم ٥١٣٠.

50 قال السندي: «قوله: (أكره الكفر في الإسلام) أي: أخلاق الكفر في حال الإسلام، أو أكره الرجوع إلى الكفر بعد الدخول في الإسلام، وعدم الموافقة مع الزوج، وشدة العداوة في البين قد يفضي إلى ذلك، فلذلك أريد الخلع».

انظر: حاشية السندي على النسائي ٦/١٢٣.

51 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب الخلع وكيفية الطلاق فيه، ٣/٤١٨، رقم ٥٢٧٣.

52 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب في الخلع، ٢/٢٣٥، رقم ٢٢٢٨، والترمذي في سننه، أبواب الطلاق واللعان، باب ما جاء في المختلعات، ٢/٤٨٤، رقم ١١٨٧، وابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب كراهية الخلع للمرأة، ١/٦٦٢، ٢٠٥٥.

قال الترمذي: «هذا حديثٌ حسنٌ».

وصححه الألباني صحيح الجامع ١/ ٥٢٦، رقم ٢٧٠٦.

53 فتح القدير، الشوكاني ١/٣١٩.

54 معالم التنزيل، البغوي ١/٢٦٩.

55 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٢/١٦٨.

56 التفسير المنير، الزحيلي ٢/٣١٣.

57 الموسوعة الفقهية الكويتية ٧/٢٢٢.

58 البيتان في: الأوائل، العسكري ص ٤١٥، لسان العرب، ابن منظور ٨/١٤١.

59 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٩/٨٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٣٣.

60 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/٥٢٨.

61 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/١٢.

62 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب الظهار، ١/٦٦٦، رقم ٢٠٦٣ والحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، باب تفسير سورة المجادلة، ٢/٥٢٣، رقم ٣٧٩١.

وصححه الألباني بشواهده في إرواء الغليل ٧/١٧٥.

63 خويلة تصغير خولة.

64 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب الظهار، ٢/٢٦٦، رقم ٢٢١٤.

وصححه الألباني بشواهده في إرواء الغليل ٧/١٧٥.

65 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي ٧/٥٨٥.

66 فتح الباري ٩/٣٤٢.

67 زاد المعاد ٤/٨٢.

68 انظر: العناية شرح الهداية، البابرتي ٤/٢٤٨، المبسوط، السرخسي ٦/٢٣٠، البيان والتحصيل، ابن رشد ٥/١٧٧، المجموع شرح المهذب، النوور ١٧/٣٦٦، الكافي في فقه الإمام أحمد، ابن قدامة ٣/١٦٩.

69 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٥٠٦-٣٥٠٧.

70 التحرير والتنوير ٢٨/٢٠.

71 مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٦٩.

72 البيت للمتنبي في ديوانه ١/٣٨٨.

73 البيت لأبي تمام في ديوانه ٢/١٣٨.

74 الفرك البغض.

انظر: غريب الحديث، القاسم بن سلام ٤/٩١.

75 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، ٢/١٠٩١، رقم ١٤٦٩.

76 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/١٥٨.

77 التحرير والتنوير، ٤/٧١.

78 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٩٠.

وانظر: الأم، الإمام الشافعي ٥/١١٤، بدائع الصنائع، لكاساني ٢/٣٣٤، المغني، ابن قدامة ٧/٤٦.

79 مفاتيح الغيب، ١٠/٧٢.

80 المنهاج شرح صحيح مسلم ٨/١٨٤.

وليس المراد بالفاحشة المبينة هنا: الزنا؛ لأن حد الزنا للمرأة المحصنة هو الرجم، وإنما المراد بالفاحشة المبينة هنا أن يدخلن من يكرهه أزواجهن أو أن يعصين أزواجهن.

81 أخرجه الطبري في تفسيره ٦/٧١٢.

82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب ما يكره من ضرب النساء، ٧/٣٢، رقم ٥٢٠٤.

83 الخلافات الزوجية، مجدي الشهاوي ص٨٦.

84 انظر: الخلافات الزوجية، رعد الحيالي ص٧٧-٧٨.

85 انظر: الأسرة في الإسلام، مصطفى عبدالواحد ص١٠١.

86 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب إذا حلله من ظلمه فلا رجوع فيه، ٣/١٣٠، رقم ٢٤٥٠.

87 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٤٠٤.

88 المصدر السابق ٥/٤٠٦.

89 بناء الأسرة المسلمة، خالد العك ص٣١٤.

90 انظر: المحرر الوجيز ١/٢٢٩.

91 المصدر السابق ٥/٤٠٧.

92 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٢٥٢.

93 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٤٠٧.

94 حاشية محي الدين شيخ زادة على تفسير البيضاوي ٢/٤٥٠.

95 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/٢٣٩.

96 مفاتيح الغيب، ١١/٦٩.

97 الجامع لأحكام القرآن ٥/٤٠٨.

98 انظر: مجلة رسالة الإسلام السنة الثانية ص٤٢٧، مجلة منار الإسلام السنة الرابعة والعشرين، عدد ٧، ص٨٣.

99 البيت لمجنون ليلى في ديوانه ص١٢٢.

100 سفر التثنية ٢٤/١.

101 انظر: قصة الحضارة، ديورانت ٤/٢٧٤.

102 انظر: الملل والنحل، لشهرستاني ١/٨٦، مركز المرأة في الشريعة اليهودية، محمد عاشور ص٩٥ .