عناصر الموضوع

مفهوم الصلاح

الصلاح في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع الصلاح

صلاح الخلق

صلاح الأعمال

جزاء الصلاح في الدنيا والآخرة

الصلاح

مفهوم الصلاح

أولًا: المعنى اللغوي:

الصلاح لغة: ضد الفساد، يقال: أصلح الشيء بعد فساده، أي: أقامه، وأصلح الدابة، إذا أحسن إليها1. قال ابن فارس: «صلح» الصاد واللام والحاء أصل واحد يدل على خلاف الفساد، يقال: صلح الشيء يصلح صلاحًا»2.

والصلاح والفساد، يختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال، وقوبل الصلاح في القرآن تارة بالفساد، وأخرى بالسوء3.

وقال ابن سيده: «الصلاح ضد الطلاح، صلح يصلح ويصلح صلاحًا وصلوحًا، فهو صالح وصليح، والجمع صلحاء، وصلوح، والصالح هو: الذي يؤدي إلى الله عز وجل ما افترض عليه، ويؤدي إلى الناس حقوقهم، أي القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق العباد4، وقيل الصالح: المستقيم الحال في نفسه»5.

والمصلح هو: المقيم على الإيمان المؤدي فرائضه اعتقادًا وعملًا6.

ثانيا: المعنى الاصطلاحي:

ذكر المفسرون عدة تعريفات للصلاح منها ما يأتي:

أولًا: الصلاح عند الإمام أبي جعفر الطبري: لفظ عام يشمل الصلاح في استواء الخلق، والصلاح في الدين، والصلاح في العقل والتدبير7.

ثانيًا: عرف السمعاني الصلاح بقوله: «الصلاح هو الاستقامة على ما توجبه الشريعة»8.

ثالثًا: عرفه الزمخشري بقوله: «هو الحصول على الحالة المستقيمة النافعة»9.

الصلاح في الاستعمال القرآني

وردت مادة «صلح» في القرآن الكريم (١٨٠) مرة، يخص موضوع البحث منها (١٦٨) مرة10.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٢

( ) [الرعد:٢٣]

اسم الفاعل

١٣٦

( ) [فصلت:٤٦]

وجاء الصلاح في الاستعمال القرآني على أربعة أوجه11:

الأول: الإيمان: ومنه قوله تعالى: ( ) [الرعد:٢٣] يعني: ومن آمن من آبائهم.

الثاني: حسن المنزلة: ومنه قوله تعالى: ( ) [يوسف:٩] يعني: تحسن منزلتكم عند أبيكم.

الثالث: تسوية الخلق: ومنه قوله تعالى: ( ﮐ ﮑ ) [الأعراف:١٨٩-١٩٠] يعني: سوي الخلق في صورة الإنس.

الرابع: الطاعة: ومنه قوله تعالى: ( ) [الشعراء:٢٢٧] يعني: الطاعات التي أطاعوا الله عز وجل.

الألفاظ ذات الصلة

الإصلاح:

الإصلاح في اللغة :

خلاف الإفساد12.

الإصلاح اصطلاحًا:

التغيير إلى استقامة الحال13.

وقيل: هو «إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله بإزالة ما طرأ عليه من الفساد»14.

الصلة بين الصلاح والإصلاح:

أن الصلاح قاصر على الشخص نفسه، والإصلاح متعدي إلى الغير، بحيث يشمل إصلاح العقائد عن طريق إرشاد الخلق إلى حقائق المبدأ والمعاد وما بينهما تحت عنوان الإيمان بالله تعالى وملائكته ورسله واليوم الآخر، وإصلاح العبادات عن طريق إرشاد الخلق إلى ما يزكي النفوس ويغذي الأرواح ويقوم الإرادة ويفيد الفرد والمجموع منها، وإصلاح الأخلاق عن طريق إرشاد الخلق إلى فضائلهم وتنفيرهم من رذائلها في قصد واعتدال وعند حد وسط لا إفراط فيه ولا تفريط 15.

الصلح:

الصلح لغة:

الصلح بالضم هو السلم-بكسر السين وفتحها-من تصالح القوم بينهما، والصلح أيضًا:اسم جماعةٍ متصالحين، يقال:هم لنا صلحٌ:أي مصالحون16.

الصلح اصطلاحًا:

عبارة عن عقد وضع لرفع المنازعة بالتراضي17.

الصلة بين الصلاح والصلح:

أن الصلح سبب للصلاح والاستقامة؛ لأن القيام بالصلح بين الناس من أخلاق الصالحين.

الفساد:

الفساد لغة هو:

خروج الشيء عن الاعتدال، قليلًا كان الخروج عنه أو كثيرًا، ويضاده الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة18.

الفساد اصطلاحًا:

كلمة عامة تتناول كل ما هو خلاف الصلاح من المعاصي والهلاك قحط المطر

وقلة النبات القتل السحر وغيرها19.

الصلة بين الصلاح والفساد:

أن الفساد ضد الصلاح ونقيضه.

أنواع الصلاح

الصلاح في القرآن الكريم يأتي على نوعين هما:

أولًا: صلاح الخلق:

وصلاح الخلق على قسمين:

١. الصلاح المادي.

وهو استواء الخلق والعقل كما قال تعالى: ( ﭻﭼ ﭿ ﮃﮄ ﮐﮑ ﮘﮙ ) [الأعراف:١٨٩-١٩٠].

قال أبو جعفر الطبري: « ( )، يقول: نادى آدم وحواء ربهما وقالا يا ربنا: ( )، واختلف أهل التأويل في معنى الصلاح الذي أقسم آدم وحواء عليهما السلام أنه إن آتاهما صالحًا في حمل حواء: ( )، فقال بعضهم: ذلك هو أن يكون الحمل غلامًا، وقال آخرون: بل هو أن يكون المولود بشرًا سويًا مثلهما، ولا يكون بهيمة، فقد أشفقا أن لا يكون إنسانًا».

ثم قال أبو جعفر: «والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن آدم وحواء أنهما دعوا الله ربهما بحمل حواء، وأقسما لئن أعطاهما ما في بطن حواء، صالحًا ليكونان لله من الشاكرين »20.

وفي هذه الآية اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله تعالى: ( )هل يعود إلى آدم وحواء، أم يعود إلى غيرهما، على أقوال، والراجح أن الضمير يرجع إلى ذرية بني آدم، ممن جاء بعده جعلا لله شركاء من الآلهة والأوثان حين رزقهما ما رزقهما من الولد21.

قال الإمام الرازي: « قال الإمام القفال: إنه تعالى ذكر هذه القصة على تمثيل ضرب المثل وبيان أن هذه الحالة صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم، وقولهم بالشرك، وتقرير هذا الكلام كأنه تعالى يقول: هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل من جنسها زوجها إنسانا يساويه في الإنسانية، فلما تغشى الزوج زوجته وظهر الحمل، دعا الزوج والزوجة ربهما لئن آتيتنا ولدا صالحا سويا لنكونن من الشاكرين لآلائك ونعمائك. فلما آتاهما الله ولدا صالحا سويا، جعل الزوج والزوجة لله شركاء فيما آتاهما، لأنهم تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع كما هو قول الطبائعيين، وتارة إلى الكواكب كما هو قول المنجمين، وتارة إلى الأصنام والأوثان كما هو قول عبدة الأصنام، ثم قال تعالى: ( ) أي: تنزه الله عن ذلك الشرك، وهذا جواب في غاية الصحة والسداد»22.

ومن الصلاح المادي في القرآن ما ورد في قوله تعالى: ( ﯜﯝ ﯤﯥ ﯭﯮ ) [الأنبياء:٨٩-٩٠].

( ) جعلناها صالحة للولادة بعد العقار أي: بعد عقرها، أو حسنة وكانت سيئة الخلق23.

«قال قتادة وسعيد بن جبير وأكثر المفسرين: إنها كانت عاقرًا فجعلت ولودًا، وقال ابن عباس وعطاء: كانت سيئة الخلق، طويلة اللسان، فأصلحها الله تعالى فجعلها حسنة الخلق. قلت: ويحتمل أن تكون جمعت المعنيين فجعلت حسنة الخلق ولودا»24.

وعموم اللفظ يتناول جميع الإصلاح25.

قال الراغب الأصفهاني: «وإصلاح الله تعالى الإنسان يكون تارة بخلقه إياه صالحًا، وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده، وتارة يكون بالحكم له بالصلاح، قال تعالى: ( ) [محمد:٢].

قال تعالى: ( ) [الأحزاب:٧١].

وقال تعالى: ( ) [الأحقاف:١٥] قال تعالى: ( ) [يونس:٨١].

أي: المفسد يضاد الله في فعله، فإنه يفسد والله تعالى يتحرى في جميع أفعاله الصلاح، فهو إذا لا يصلح عمله»26.

٢. الصلاح المعنوي.

والمراد به الإيمان والاستقامة على الدين، وهذا الصلاح قد يكون في جماعات وأمم، وقد يكون في أفراد، على ما يأتي:

الأول: فمن الصلاح المعنوي الذي يكون في جماعات وأمم، قوله تعالى في بني إسرائيل: ( ﮟﮠ ﮥﮦ ) [الأعراف:١٦٨].

أي: فرقًا متباينين في أقطار الأرض فقل أرض لا يكون منهم فيها شرذمة، وهذا حالهم في كل مكان تحت الصغار والذلة سواء كان أهل تلك الأرض مسلمين أم كفارًا ومنهم منحطون عن الصالحين وهم الكفرة، وذلك إشارة إلى الصلاح أي ومنهم قوم دون أهل الصلاح؛ لأنه لا يعتدل التقسيم إلا على هذا التقدير27.

«يذكر تعالى أنه فرق بني إسرائيل في الأرض أممًا أي طوائف وفرقًا كما قال: ( ﯿ ) [الإسراء:١٠٤].

منهم الصالحون ومنهم دون ذلك أي فيهم الصالح وغير ذلك»28، وجعل كل فرقة منهم في قطر من أقطارها، بحث لا تخلو ناحية منها، منهم، تكملة لإدبارهم، حتى لا تكون لهم شوكة منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، أي من ينحط عن درجة الصلاح، لكفر أو فسق29.

وقال تعالى: ( ﮭﮮ ﯜﯝ ) [آل عمران:١١٣-١١٤].

فقد بين الله تعالى في الآية أن أهل الكتاب ليسوا سواء بل إن منهم أمة أهل الإيمان، ومنهم أمة أهل الكفر، فهم غير متساوين، ولكنهم متفاوتون في الصلاح والفساد، والخير والشر 30.

الثاني: وقد يكون الصلاح المعنوي في أفراد وصفهم الله بذلك، قال تعالى في يحيى عليه السلام: ( ) [آل عمران:٣٩].

والصالح الذي يؤدي لله ما افترض عليه، وإلى الناس حقوقهم31.

وقال سبحانه في عيسى عليه السلام: ( ) [آل عمران:٤٦] يعني أنه من العباد الصالحين مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وغيرهم من الأنبياء وإنما ختم أوصاف عيسى عليه السلام بكونه من الصالحين بعد ما وصفه بالأوصاف العظيمة؛ لأن الصلاح من أعظم المراتب وأشرف المقامات؛ لأنه لا يسمى المرء صالحًا حتى يكون مواظبًا على النهج الأصلح والطريق الأكمل في جميع أقواله وأفعاله، فلما وصفه الله تعالى بكونه وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين وأنه يكلم الناس في المهد وكهلًا أردفه بقوله ومن الصالحين ليكمل له أعلى الدرجات وأشرف المقامات32.

وهذا كقوله تعالى: ( ﮋﮌ ) [الأنعام:٨٥].

والآيات الواردة في وصف الأنبياء بالصلاح كثيرة وما ذكرناه هو على سبيل المثال لا الحصر.

وقال تعالى في وصف الأفراد من غير النبيين: ( ﯲﯳ ﯷﯸ ﯿ ) [الكهف:٨٢].

فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده ويحفظه في ذريته والدويرات حوله، فما يزالون في ستر من الله وعافية33

أما صلاح الجن فإنه من الصلاح المعنوي، قال تعالى: ( ﯩﯪ ) [الجن:١١] «يقول تعالى مخبرًا عن الجن أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم: ( ﯩﯪ) أي غير ذلك ( ) أي طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة، قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد( ) أي منا المؤمن، ومنا الكافر»34.

والمعنى كما قال القرطبي: «أي لم يكن كل الجن كفارا بل كانوا مختلفين: منهم كفار، ومنهم مؤمنون صلحاء، ومنهم مؤمنون غير صلحاء»35.

ثانيًا: صلاح الأعمال:

إن صلاح الأعمال يكون فى إخلاصها لله سبحانه وتعالى، فالعمل الصالح هو ما أريد به وجه الله تعالى وينتظم جميع أنواعه من الصلاة والزكاة وغيرهما36، كما يكون العمل صالحًا، بالمتابعة على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جمع الله ذلك في قوله تعالى: (ﭿ ﮏﮐ ﮜﮝ ) [النساء:١٢٤-١٢٥]37.

صلاح الخلق

أولًا: صلاح الأنبياء عليهم السلام:

وصف الله سبحانه وتعالى الأنبياء عليهم السلام بالصلاح، فقال في إبراهيم عليه السلام: ( ﮎﮏ ﮓﮔ ) [البقرة:١٣٠].

وقال في يحيى عليه السلام: ( ) [آل عمران:٣٩].

وقال في عيسى عليه السلام: ( ) [آل عمران:٤٦].

وقال سبحانه في زكريا وإلياس عليهم السلام مع السابقين: ( ﮋﮌ ) [الأنعام:٨٥].

وقال في لوط عليه السلام: ( ﭬﭭ ﭳﭴ ﭶﭷ ) [الأنبياء:٧٤-٧٥].

وقال في إسماعيل عليه السلام: ( ﭿ ﮀﮁ ﮅﮆ ﮈﮉ ) [الأنبياء:٨٥-٨٦].

وقال في يونس عليه السلام: (ﭿ ﮊﮋ ﮕﮖ ) [القلم:٤٨-٥٠].

ويمكن بيان الحكمة من وصفهم بالصلاح فيما يأتي:

أولًا: تعظيم صفة الصلاح، وتعظيم للموصوف بها، قال الزمخشري مبينًا الحكمة من وصف الأنبياء عليهم السلام بالصلاح: «واعلم أن الصفة قد تذكر للعظم في نفسها ولينوه بها إذا وصف بها عظيم القدر، كما يكون تنويها بقدر موصوفها. فالحاصل أنه كما يراد إعظام الموصوف بالصفة العظيمة، قد يراد إعظام الصفة بعظم موصوفها، وعلى هذا الأسلوب جرى وصف الأنبياء بالصلاح في قوله تعالى: (ﭿ )[الصافات:١١٢] وأمثاله، تنويهًا بمقدار الصلاح إذ جعل صفة الأنبياء، وبعثًا لآحاد الناس على الدأب في تحصيل صفته»38.

وقال الرازي: «والمعنى وأولئك الموصوفون بما وصفوا به من جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عند الله تعالى ورضيهم، واعلم أن الوصف بذلك غاية المدح ويدل عليه القرآن والمعقول، أما القرآن، فهو أن الله تعالى مدح بهذا الوصف أكابر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال: بعد ذكر إسماعيل وإدريس وذي الكفل وغيرهم: ( ﮈﮉ ) [الأنبياء:٨٦]وذكر حكاية عن سليمان عليه السلام أنه قال: ( ) [النمل:١٩].

وقال: ( ) [التحريم:٤].

وأما المعقول فهو أن الصلاح ضد الفساد، وكل ما لا ينبغي أن يكون فهو فساد، سواء كان ذلك في العقائد، أو في الأعمال، فإذا كان كل ما حصل من باب ما ينبغي أن يكون، فقد حصل الصلاح، فكان الصلاح دالًا على أكمل الدرجات»39.

ثانيًا: خص الأنبياء بذكر الصلاح؛ لأنه لا يتخلل صلاحهم خلاف ذلك، وقال الزجاج: الصالح هو الذي يؤدي ما افترض عليه وإلى الناس حقوقهم.

ثالثًا: ومن الحكمة أيضًا أن الصلاح والإصلاح هو الغاية للنبوة؛ لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الإطلاق، كما أن وصفهم بالصلاح فيه بيان بأنهم من المستعدين لقبول الفيض الإلهي بلا واسطة40.

رابعًا: ووصف الأنبياء عليهم السلام بالصلاح يدل على أن الصلاح درجة عالية لا ينالها إلا أهل الاجتباء41.

وذكرها للتنويه بشأن الصلاح، فإن الأنبياء معدودون في زمرة أهله، وإلا فإن كل نبي لا بد أن يكون صالحًا، والنبوة أعظم أحوال الصلاح42، وفي ذلك إيماء إلى أن الصلاح هو أصل الخير ورفع الدرجات43.

خامسًا: أن الصلاح وصف للأنبياء عليهم السلام، ومن دونهم؛ فيوصف النبي بأنه صالح، ويوصف متبع الرسول بأنه صالح44.

والصلاح على إطلاقه هو أكمل صفة وأتمها يمكن أن يظفر بها إنسان حتى الأنبياء فهى الكمال الإنسانى فى أعلى مراتبه وأشرف منازله، ولهذا كان من دعوات الأنبياء عليهم السلام أن يكونوا من عباد الله الصالحين.

كما قال الله تعالى على لسان سليمان عليه السلام: ( ) [النمل:١٩].

وقال تعالى على لسان إبراهيم، وهو يطلب الولد الصالح: ( ) [الصافات:١٠٠].

وقال سبحانه فى وصف عيسى عليه السلام: ( ) [آل عمران:٤٦]ومعنى هذا أن الصلاح صفة ملازمة له، قبل النبوة ومع النبوة، فلو لم يكن نبيا من الأنبياء لكان صالحا من عباد الله الصالحين45.

أما الحكمة من طلب الذرية الصالحة:

الحكمة من الدعاء بطلب الصالحين في قوله تعالى: ( ) [الصافات:١٠٠]؛ لأن الصلاح أفضل الصفات بدليل أن الخليل عليه السلام طلب الصلاح لنفسه، فقال: ( ) [الشعراء:٨٣].

وطلبه للولد فقال: ( ) [الصافات:١٠٠]؛ وذلك يدل على أن الصلاح أشرف مقامات العباد46.

والمعنى: ( ) أي بعض الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة ويؤنسني في الغربة يعني الولد لأن لفظ الهبة على الإطلاق خاص به 47، ولقوله تعالى سأل إبراهيم رب هب لي من الصالحين [الصافات:١٠٠].

وكقوله: ( ) [الفرقان:٧٤].

هكذا الواجب أن يطلب الولد، لا ما يطلبون من الاستئناس والاستنصار والاستعانة بأمر المعاش بهم48.

لأن نعمة الولد تكون أكمل إذا كان صالحًا فإن صلاح الأبناء قرة عين للآباء، ومن صلاحهم برهم بوالديهم49.

وفي قوله تعالى: ( ﭔﭕ ﭚﭛ ﭟﭠ ﭺﭻ ﭿ ) [الأحقاف:١٥].

( ) أي: واجعل الصلاح ساريًا في ذريتي راسخًا فيهم، أو: اجعل ذريتي موقعا للصلاح دائمًا فيهم، إني تبت إليك من كل ذنب، وإني من المسلمين الذين أخلصوا لك أنفسهم، وانقادوا إليك بكليتهم50.

وفي الآية إشارة لرغبة المؤمن في أن يتصل عمله الصالح في ذريته، وأن يؤنس قلبه شعوره بأن في عقبه من يعبد الله ويطلب رضاه، والذرية الصالحة أمل العبد الصالح، وهي آثر عنده من الكنوز والذخائر، وأروح لقلبه من كل زينة الحياة. والدعاء يمتد من الوالدين إلى الذرية ليصل الأجيال المتعاقبة في طاعة الله51.

ولأن في صلاح الولد الإحسان إلى الوالدين في المشاهدة والغيبة وبجميع وسائل الإحسان الذي غايته حصول النفع لهما، وهو معنى قوله تعالى: ( ) [الإسراء:٢٤].

وأن الله لما أمر بالدعاء للأبوين وعد بإجابته على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)52.

ثانيًا: أسباب صلاح الخلق:

١. الاصطفاء الإلهي.

إن من أسباب صلاح الخلق الاصطفاء الإلهي، قال تعالى: ( ﮎﮏ ﮓﮔ ) [البقرة:١٣٠]

والاصطفاء حال يستحقه العبد بكونه صالحًا، والاصطفاء ضربان، أحدهما في الآخرة والأخر في الدنيا، وهو اختصاص الله بعض العبيد بولايته ونبوته لخصوصيته فيه 53.

والاصطفاء: الاختيار بإخراج الصفوة من العباد والصالح من بني آدم: هو المؤدي حقوق الله عليه54.

وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن أن من خالف إبراهيم فيما سن لمن بعده، فهو لله مخالف، وإعلام منه خلقه أن من خالف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فهو لإبراهيم مخالف. وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أنه اصطفاه لخلته، وجعله للناس إمامًا، وأخبر أن دينه كان الحنيفية المسلمة، ففي ذلك أوضح البيان من الله تعالى ذكره عن أن من خالفه فهو لله عدو لمخالفته الإمام الذي نصبه الله لعباده55.

وبسبب الصلاح اصطفى الله تعالى من ذكرهم وآباءهم وإخوانهم وذريتهم في قوله: ( ﭱﭲ ﭴﭵ ﭹﭺ ﭿ ﮂﮃ ﮇﮈ ﮋﮌ ﮐﮑ ﮔﮕ ﮚﮛ ﮞﮟ ) [الأنعام:٨٤-٨٧].

وقوله: (ﭿ ﮕﮖ ) [القلم:٤٨-٥٠].

وهذا الاصطفاء هو بمشيئة الله تعالى واختياره، قال تعالى: ( ) [الشورى:١٣].

والمعنى: أن الله يصطفي إليه من يشاء من خلقه، ويختار لنفسه وولايته من أحب، ويوفق للعمل بطاعته، واتباع ما بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم من الحق من أقبل إلى طاعته، وراجع التوبة من معاصيه56.

قال الشنقيطي: «وقد دلت هذه الآية الكريمة على أنه تعالى يجتبي من خلقه من يشاء اجتباءه، وقد بين في مواضع أخر بعض من شاء اجتباءه من خلقه، فبين أن منهم المؤمنين من هذه الأمة في قوله تعالى: ( ﮡﮢ ﮦﮧ ) [الحج:٧٧-٧٨].

وقوله تعالى: ( ﭩﭪ ﭴﭵ ) [فاطر:٣٢].

وبين في موضع آخر أن منهم آدم، وهو قوله تعالى: ( ) [طه:١٢٢].

وذكر أن منهم إبراهيم في قوله: ( ﭰﭱ ﭲﭳ ) [النحل:١٢٠-١٢١].

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اجتباء بعض الخلق بالتعيين»57.

٢. المسارعة في الخيرات.

إن من أسباب صلاح الخلق المسارعة في الخيرات، فقد ذكر سبحانه أن من أسباب صلاح بعض أهل الكتاب وغيرهم هو المسارعة في الخيرات.

قال تعالى: ( ) [آل عمران:١١٤].

قال ابن باديس: «ذكر الله تعالى في الآية الكريمة الأعمال، ثم حكم لأهلها بأنهم من الصالحين، فأفادنا أن الأعمال هي دلائل الصلاح، وأن الصلاح لا يكون إلا بها، ولا يستحقه إلا أهلها، ثم إن العباد يتفاوتون في درجات الصلاح على حسب تفاوتهم في الأعمال، ويكون لنا أن نقضي بتفاوتهم في الظاهر بحسب ما نشاهد. ولكن ليس لنا أن نقضي بين أهل الأعمال الصالحة في تفاوتهم عند الله في الباطن؟ فندعي أن هذا أعلى درجة في صلاحه عند الله تعالى من هذا، لأن الأعمال قسمان: أعمال الجوارح، وأعمال القلوب، وهذه أصل لأعمال الجوارح»58.

والمسارعة في الخيرات سبب لصلاح الذرية والأزواج، ماديًّا ومعنويًّا، خَلْقًا وخُلُقًا، قال تعالى: ( ﯤﯥ ﯭﯮ ) [الأنبياء:٩٠].

( )يروى أنها كانت عقيمًا فجعلها الله عز وجل ولودًا، ويروى أنه كان في خلقها سوء فأصلح الله ذلك وحسن خلقها59.

٣. الدعاء.

إن من أسباب صلاح الخلق الدعاء، فقد أرشد الله تعالى الإنسان إلى ذلك في قوله: ( ﭔﭕ ﭚﭛ ﭟﭠ ﭺﭻ ﭿ ) [الأحقاف:١٥].

ففي الآية إرشاد بالدعاء بصلاح الذرية، وإرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله عز وجل ويعزم عليها 60

وروي: أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق وأبيه أبي قحافة عثمان بن عمرو، وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أسلم أبواه غيره أوصاه الله بهما، ولزم ذلك من بعده، وكان أبو بكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة في تجارة إلى الشام، فلما بلغ أربعين سنة، ونبئ النبي صلى الله عليه وسلم آمن به ودعا ربه فقال رب أوزعني، ألهمني، أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، بالهداية والإيمان، وأن أعمل صالحًا ترضاه.

قال ابن عباس رضي الله عنه: وأجابه الله عز وجل فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله، ولم يرد أبو بكر رضي الله عنه شيئًا من الخير إلا أعانه الله عليه، ودعا أيضا فقال: وأصلح لي في ذريتي، فأجابه الله فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعا، فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعا فأدرك أبو قحافة النبي صلى الله عليه وسلم وابنه أبو بكر وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبد الرحمن أبو عتيق كلهم أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة. قوله: إني تبت إليك وإني من المسلمين61.

و لما كان الدعاء سببًا في صلاح الخلق كان من سنة الأنبياء عليهم السلام، فقد قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ( ﯪﯫ ﯯﯰ ﯴﯵ ﯹﯺ ﯿ ﰂﰃ ) [الشعراء:٧٨-٨٣].

والمعنى في قوله: ( ) أي كمالًا في العلم والعمل أستعد به لخلافة الحق ورئاسة الخلق. وألحقني بالصالحين ووفقني للكمال في العمل لأنتظم به في عداد الكاملين في الصلاح الذين لا يشوب صلاحهم كبير ذنب ولا صغيره62.

وقال عن سليمان عليه السلام: ( ) [النمل:١٩]

فقد دعا سليمان ربه بأن يوفقه؛ لأن يعمل صالحًا، وأن يدخله في عباده الصالحين في الجنة63 مما يدل على أن الدعاء سبب في صلاح الخلق.

وقال عن يوسف عليه السلام: ( ﯧﯨ ﯰﯱ ) [يوسف:١٠١].

يقول: وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك64، أو ألحقني بالصالحين قال: يعني أهل الجنة65.

وفي الآية إشارة إلى أن الدعاء سبب في صلاح الخلق الذي هو سبب للحوق الصالحين في الجنة.

٤. التواصي بالحق والتواصي بالصبر.

إن من أسباب الصلاح التواصي بالحق بين الناس، ويدل على ذلك قوله تعالى: ( ﭗﭘ ) [العصر:١-٣].

والحق الذي ذكر الله بالتواصي به هو كتاب الله تعالى، وقوله: ( ) يقول: وأوصى بعضهم بعضا بالصبر على العمل بطاعة الله66.

فأما الصبر فلأنه ملاك استقامة الأعمال ومصدرها فإذا تخلق به المؤمن صدرت عنها الحسنات والفضائل بسهولة67.

ثالثًا: مظاهر صلاح الخلق:

١. تحري أكل الطيبات.

إن من مظاهر صلاح الخلق تحري أكل الطيبات، قال تعالى: ( ﮧﮨ ) [المؤمنون:٥١].

فقد أمر الله كل نبى فى زمانه بأن يأكل من المال الحلال مالذ وطاب، وأن يعمل صالح الأعمال، ليكون ذلك جزاء ما أنعم به عليه من النعم الظاهرة والباطنة.

وهذا الأمر، وإن كان موجهًا إلى الأنبياء، فإن أممهم تبع لهم، وكأنه يقول: أيها المسلمون فى جميع الأقطار، كلوا من الطيبات أي من الحلال الصافي القوام، والحلال ما لا يعصى الله فيه، والصافي ما لا ينسى الله فيه، والقوام ما يمسك النفس ويحفظ العقل واعملوا صالح الأعمال68.

والمراد بالأكل الانتفاع من جميع الوجوه. وقيل: هو الأكل المعتاد69.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ( ﮧﮨ ) [المؤمنون:٥١].

وقال: ( ﭿ ) [البقرة:١٧٢].

ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟)70.

وفي تقديم أكل الطيبات على العمل الصالح إيماء إلى أن العمل الصالح لا يتقبل إلا إذا سبق بأكل المال الحلال.

ثم علل هذا الأمر بقوله: ( )أي إني بأعمالكم عليم، لا يخفى على شيء منها، وأنا مجازيكم بجميعها، وموفيكم أجوركم، وثوابكم عليها، فخذوا في صالح الأعمال، واجتهدوا قدر طاقتكم فيها، شكرًا لربكم على ما أنعم به عليكم، وفي هذا تحذير من مخالفتهم ما أمروا به، وإذا قيل للأنبياء ذلك فما أجدر أممهم أن تأخذ حذرها، وترعوي عن غيها، وتخشى بأس الله وشديد عقابه71.

٢. الصدقات.

إن من مظاهر الصلاح الصدقات بكل أنواعها، وذلك لارتباط العمل الصالح بها، سواء أكان ذلك في الصدقات الواجبة، قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٧٧]

فقد وعد سبحانه الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة بالأجر العظيم، والرحمة والرضوان، والأمن يوم الفزع الأكبر ذلك لأنهم استقاموا على الصراط المستقيم، وجاءتهم الموعظة فاستمعوا إليها، وامتثلوا لها، وانتهوا عما نهوا عنه من منكرات كانوا يأتونها وهم جاهلون، و«إيتاء الزكاة» هنا له آثاره فى التحريض على البذل والإنفاق على ذوي الحاجات، حتى لا تضطرهم الحاجة إلى التعامل بالربا72.

أو كان ذلك في صدقات التطوع والتي منها الصدقات في الجهاد، قال تعالى: ( ﭿ ﮌﮍ ﮩﮪ ﮱﯓ ) [التوبة:١٢٠-١٢١].

فقد بينت الآية ارتباط صدقات التطوع في الجهاد بالعمل الصالح، مما يدل على ان الصدقات من مظاهر الصلاح.

وقد بين الله تعالى أن غير المتصدقين من المؤمنين قد أخلوا بسبب رئيس من أسباب الصلاح حيث قال الله تعالى: ( ) [المنافقون:١٠].

فقد ذكر الله المؤمنين بما في الإنفاق من الخير بأن عليهم أن يكثروا منه ما داموا مقتدرين قبل الفوت، أي قبل تعذر الإنفاق والإتيان بالأعمال الصالحة، وذلك حين يحس المرء بحالة تؤذن بقرب الموت ويغلب على قواه فيسأل الله أن يؤخر موته ويشفيه ليأتي بكثير مما فرط فيه من الحسنات طمعا أن يستجاب له فإن كان في أجله تأخير فلعل الله أن يستجيب له، فإن لم يكن في الأجل تأخير أو لم يقدر الله له الاستجابة فإنه خير كثير73.

كما بين تعالى أن البخل بالإنفاق من أعمال المنافقين، قال تعالى: ( ﮟﮠ ﮩﮪ ) [التوبة:٧٥-٧٧].

أي: ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه لئن أغناه من فضله مالا وثروة ليشكرن له نعمته بالصدقة منها، وليعملن عمل أهل الصلاح بأموالهم من صلة الرحم به والإنفاق فى سبيل الله: كإعداد العدة للجهاد وبذل المستطاع لخير الأمة وسعادتها بما يرقى بها فى مختلف شئونها.

( ) أي فلما رزقهم وأعطاهم ما طلبوا بخلوا بما آتاهم وأمسكوه فلم يتصدقوا منه بشىء، وتولوا وانصرفوا عن الاستعانة به على الطاعة وإصلاح حالهم وحال أمتهم كما عاهدوا الله عليه، ولم يكن ذلك التولي عارضا طارئا، بل تولوا بكل ما أوتوا من قوة بحافز نفسى ملك عليهم أمرهم ومنعهم عن التصدق، بحيث إذا ذكروا بما يجب عليهم لا يذكرون، وإذا دعوا لا يستجيبون74.

[انظر: الإصلاح: الإصلاح في الأخلاق]

صلاح الأعمال

أولًا: اقتران الإيمان بالعمل الصالح:

يقترن العمل الصالح بالإيمان في القرآن الكريم في خمس وسبعين مرة، مع الوعد والبشرى بأن من يعمل صالحا وهو مؤمن، فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا، ولا كفران لسعيه، له جزاء الحسنى، وحياة طيبة.

وقد أخبر الله تعالى عن الذين يؤمنون بالله ويعملون الصالحات، وقليل ما هم، بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن لهم الدرجات العلى، وأن لهم أجرهم عند ربهم، وأن لهم أجر كريم، وعظيم وكبير، وغير منون، ولهم مغفرة ورزق كريم، وليستخلفنهم الله في الأرض، ويزيدهم من فضله، وسيجعل لهم الرحمن ودًا، وهو خير البرية، وأصحاب الجنة، طوبى لهم وحسن مآب75.

ومن هذه الآيات التي اقترن فيها العمل الصالح بالإيمان قوله تعالى: ( ﭜﭝ ﭣﭤ ﭪﭫ ﭮﭯ ﭳﭴ ) [البقرة:٢٥].

وقوله تعالى: ( ﮰﮱ ) [البقرة:٨٢].

وقوله تعالى: ( ) [البقرة:٢٧٧].

وقوله تعالى: ( ﮗﮘ ) [آل عمران:٥٧].

وغيرها من الآيات الكثير.

وتظهر الحكمة من اقتران العمل الصالح بالإيمان فيما يأتي:

أولًا: أنه لابد مع الإيمان من العمل الصالح؛ فمجرد الإيمان لا ينفع العبد حتى يقوم بواجبه، أي واجب الإيمان: وهو العمل الصالح.

ثانيًا: أن العمل لا يفيد حتى يكون صالحًا؛ والصلاح أن ينبني العمل على أمرين: الإخلاص لله عز وجل، وضده الشرك؛ والمتابعة، وضدها البدعة؛ فمن أخلص لله في شيء، ولكنه أتى بعمل مبتدع لم يقبل منه؛ ومن أتى بعمل مشروع لكن خلطه بالشرك لم يقبل منه؛ وأدلة هذا معروفة76.

ثالثًا: الإيمان أفرد وحده في آيات كثيرة، وقرن مع العمل الصالح في آيات كثيرة، فالآيات التي أفرد فيها يدخل فيه جميع عقائد الدين وشرائعه الظاهرة والباطنة، ولهذا يرتب الله عليه حصول الثواب، والنجاة من العقاب، ولولا دخول المذكورات ما حصلت آثاره، وهو عند السلف: قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح.

والآيات التي قرن الإيمان فيها بالعمل الصالح، كقوله تعالى: ( ) [البقرة:٢٧٧].

يفسر الإيمان فيها بما في القلوب من المعارف والتصديق، والاعتقاد والإنابة، والعمل الصالح بجميع الشرائع القولية والفعلية77.

رابعًا: أن عامة ذكر الإيمان في القرآن مقرونة بالأعمال الصالحة تنبيهًا إلى أن جملة الاعتقاد والمقال لا اعتداد بها ما لم يضامها الأعمال الصالحة، إذ الاعتقاد كالأس، والعمل كالبناء، ولا غناء في أس بلا بناء، كما لا ثبات لبناء بلا أس78.

خامسًا: أن الأعمال الصالحة من تمام الإيمان، ومن لم يأت بذلك فإنه يقال له مؤمن على المجاز79.

سادسًا: أن العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان؛ لأنه تعالى قال: ( ) فلو دل الإيمان على العمل الصالح لكان ذكر العمل الصالح بعد الإيمان تكرارًا، وإن كان يدخل فيه جميع الأعمال الصالحة80؛ لأن العمل الصالح معتبر مع الإيمان، فإن الإيمان المجرد مفيد للنجاة دون رفع الدرجات ولا يبلغ المؤمن الدرجة العالية إلا بإيمانه وعمله الصالح، وأما الكافر فهو في الدركات بمجرد كفره فلو قال: والذين كفروا وعملوا السيئات في العذاب محضرون، لكان العذاب لمن يصدر منه المجموع، فإن قيل فمن يؤمن ويعمل السيئات غير مذكور في القسمين، فنقول: له منزلة بين المنزلتين لا على ما يقوله المعتزلة، بل هو في الأول في العذاب ولكن ليس من المحضرين دوام الحضور، وفي الآخرة هو في الرياض ولكنه ليس من المحبورين غاية الحبور كل ذلك بحكم الوعد81.

وقوله تعالى: ( ﭯﭰ ) [يونس:٩] دلت هذه الآية على أن الإيمان الذي يستحق به العبد الهداية والتوفيق والنور يوم القيامة، هو إيمان مقيد، وهو الإيمان المقرون بالعمل الصالح والإيمان الذي لم يقرن بالعمل الصالح فصاحبه لا توفيق له ولا نور82.

وبهذا يتبين أن الإيمان هو الاعتقاد فقط، أما الأعمال الصالحات والإيمان فكل منهما غير الآخر ولكن الجمع بينهما شرط لاستحقاق البشارة بالجنات83.

ثانيًا: أسباب صلاح الأعمال:

إن أسباب العمل الصالح تتمثل في: الإخلاص لله تعالى ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن الآيات التي جمعت بين ذلك قوله تعالى:. (ﭿ ﮏﮐ ﮜﮝ ) [النساء:١٢٤-١٢٥].

فالآيتان تبينان شرطا العمل الصالح اللذان لا يصح عمل عامل بدونهما، وهما الإخلاص والمتابعة فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد، فمتى فقد الإخلاص كان منافقا وهم الذين يراءون الناس، ومن فقد المتابعة كان ضالًا جاهلًا، ومتى جمعهما كان عمله من أعمال المؤمنين ( ) [الأحقاف:١٦]84.

وكل عمل لا يقوم على أسباب العمل الصالح يكون يوم القيامة لا قيمة له ولا وزن، قال تعالى: ( ) [الفرقان:٢٣].

قال ابن كثير: «هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر، فأخبر أنه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء، وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي إما الإخلاص فيها وإما المتابعة لشرع الله. فكل عمل لا يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية فهو باطل، فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معا فتكون أبعد من القبول حينئذ، ولهذا قال تعالى: ( ) قال مجاهد والثوري () أي: عمدنا، وكذا قال السدي، وبعضهم يقول: أتينا عليه.

وقوله تعالى: ( ) قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه في قوله: ( ) قال: شعاع الشمس إذا دخل الكوة، وكذا روي من غير هذا الوجه عن علي وروي مثله عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي والضحاك وغيرهم، وكذا قال الحسن البصري: هو الشعاع في كوة أحدهم، ولو ذهب يقبض عليه لم يستطع. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( ) قال: هو الماء المهراق. وقال أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ( ) قال: الهباء رهج الدواب، وروي مثله عن ابن عباس أيضًا والضحاك، وقاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم»85.

وكذلك قوله تعالى: ( ﰎﰏ ) [الكهف:١١٠]

إن العمل لا يكون صحيحًا مقبولًا عند الله إلا إذا توفرت فيه ثلاثة شروط على وجه الإجمال، دل عليها الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وهذه الشروط هي:

الشرط الأول: أن يكون العامل مؤمنًا موحدًا.

الشرط الثاني: الإخلاص وهو أن يقصد بعمله وجه الله عز وجل.

الشرط الثالث: المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو أن يعمل مهتديا بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم من دون غلو أو ابتداع86.

والدليل على وجوب المتابعة قوله تعالى: ( ) [آل عمران:٣١].

قال ابن المنذر: «جعل الله اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم علما لحبه، وكذب من خالفها، ثم جعل على كل قول دليلا من عمل يصدقه أو يكذبه، فإذا قال العبد قولا حسنا، وعمل عملا حسنا رفع الله قوله بعمله، وإذا قال العبد قولا حسنا، وعمل عملا حسنا رفع الله قوله بعمله، وإذا قال العبد قولا حسنا، وعمل عملا سيئا رد الله القول على العمل، وذلك في كتابه: ( ) [فاطر:١٠]»87.

ثالثًا: تمني القيام بالعمل الصالح بعد الموت:

بين الله تعالى أن من لا يعمل صالحًا يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيعمل صالحًا، قال تعالى: ( ﯥﯦ ﯯﯰ ) [فاطر:٣٧]

فهم يستغيثون ربهم يقولون: ( ﯥﯦ)، أي أخرجنا إلى الدنيا فنؤمن بدل الكفر ونطيع بدل المعصية، فوبخهم الله فقال: ( )88.

قال الماوردي: ( ) فيه خمسة تأويلات:

أحدها: أنه البلوغ، قاله الحسن لأنه أول زمان التذكر.

الثاني: ثماني عشرة سنة.

الثالث: أربعون سنة، قاله ابن عباس ومسروق.

الرابع: ستون سنة، قاله علي بن أبي طالب مرفوعًا.

الخامس: سبعون سنة؛ لأنه آخر زمان التذكر، وما بعده هرم.

قوله عز وجل: ( ) فيه أربعة أقاويل:

أحدها: محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن زيد.

الثاني: الشيب، حكاه الفراء والطبري.

الثالث: الحمى.

الرابع: موت الأهل والأقارب.

ويحتمل خامسًا: أنه كمال العقل89.

وقوله تعالى: ( ) [السجدة:١٢].

«يخبر تعالى عن حال المشركين يوم القيامة وقالهم حين عاينوا البعث وقاموا بين يدي الله عز وجل، حقيرين ذليلين ناكسي رؤوسهم، أي من الحياء والخجل يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا أي: نحن الآن نسمع قولك ونطيع أمرك، كما قال تعالى: ( ) [مريم:٣٨].

وكذلك يعودون على أنفسهم بالملامة إذا دخلوا النار بقولهم: ( ) [الملك:١٠]، وهكذا هؤلاء يقولون: ( ) أي: قد أيقنا وتحققنا فيها أن وعدك حق ولقاءك حق، وقد علم الرب تعالى منهم أنه لو أعادهم إلى دار الدنيا لكانوا كما كانوا فيها كفارًا يكذبون بآيات الله ويخالفون رسله»90.

ولا يقتصر تمني من لا يعمل صالحًا على ذلك في الآخرة بل يتمنى قبل ذلك عند حضور الموت، قال تعالى: ( ﯖﯗ ﯘﯙ ﯝﯞ ) [المؤمنون:٩٩-١٠٠].

يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت من الكافرين أو المفرطين في أمر الله تعالى، وقيلهم عند ذلك وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته، ولهذا قال: ( ﮰﮱ )، كما قال تعالى: ( ﯦﯧ ﯭﯮ ) [المنافقون:١٠-١١]91.

ولما تمنى أن يرجع ليعمل رد الله عليه ذلك بقوله: كلا إنها كلمة هو قائلها فجاء بكلمة الردع والزجر، والضمير في «إنها» يرجع إلى قوله: رب ارجعون أي: إن هذه الكلمة هو قائلها لا محالة، وليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا، أو المعنى: أنه أجيب إلى ذلك لما حصل منه الوفاء، كما في قوله: ( ) [الأنعام:٢٨]. وقيل: إن الضمير في () يرجع إلى الله، أي: لا خلف في خبره92.

جزاء الصلاح في الدنيا والآخرة

بين الله تعالى في كتابه الكريم الجزاء على الصلاح، وأنه يكون في الدنيا للصالحين، ويكون كذلك في الآخرة بسبب صلاحهم.

أولًا: جزاء الصلاح في الدنيا:

إن جزاء الصلاح في الدنيا يتمثل في وراثة الأرض، وصلاح الأولاد، وولاية الله تعالى، والنجاة من المجرمين، والاصطفاء الإلهي، والتوفيق للهداية للحق والصواب، والمودة والمحبة في قلوب الخلق، وفضل الله تعالى على الصالحين، والخروج من الظلمات إلى النور، والخيرية بين الخلق، وبيان ذلك فيما يأتي:

١. وراثة الأرض.

قال تعالى: ( ﭿ ) [الأنبياء:١٠٥].

يقول تعالى مخبرًا عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين من السعادة في الدنيا والآخرة ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة؛ كقوله تعالى: ( ﭿ ) [النور:٥٥].

وأخبر تعالى أن هذا مسطور في الكتب الشرعية والقدرية وهو كائن لا محالة، ولهذا قال تعالى: ( ﭿ )93.

وقد اختلف المفسرون في معنى الأرض المذكورة في الآية، على أقوال، والراجح من هذه الأقوال: إن الأرض هي الدنيا94، ورجح هذا القول الإمام الزجاج95؛ وذلك لما مضى في السورة ذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأممهم، وختم الحديث عنهم بذكر الساعة وقربها ومقدماتها، وأحوال الخلق يوم القيامة جاء في هذه الآية ذكر الأمة التي جاءت بعد تلك الأمم كلها، وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما كانت هذه الآية في أمة محمد؛ لأنه لما تكلم على الأمم الخالية لم يسبق الكلام إلا عليها؛ فخوطبت بما قضاه الله وكتبه من إرث الصالحين الأرض.

ولأن المخاطبين بهذه الآية المكية هم المؤمنون بالله، الموحدون له، المتبعون لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم المصدق لجميع الرسل صلوات الله عليهم، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم الصالحون الموجودون يوم ذاك على وجه الأرض، فكانت الآية إعلامًا بما كتبه الله لهم، ووعدًا بإرثهم الأرض96.

٢. صلاح الأولاد.

ذكر الله سبحانه وتعالى أن من جزاء الصلاح في الدنيا صلاح الأولاد، قال تعالى: ( ﯲﯳ ﯷﯸ ﯿ ) [الكهف:٨٢].

فقد أخرج ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله: ( ) قال: حفظا بصلاح أبيهما، وما ذكر منهما صلاح97.

وعن ابن عباس أيضا قال: إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده ويحفظه في ذريته والدويرات حوله، فما يزالون في ستر من الله وعافية98، وبهذه الروايات يتبين أن صلاح الأولاد ثمرة وجزاء لصلاح الآباء في الدنيا.

٣. ولاية الله تعالى.

ثبتت ولاية الله تعالى للصالحين في قوله تعالى: ( ﭖﭗ ) [الأعراف:١٩٦].

والمعنى: أن الله تعالى هو حسبي وكافي، وهو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ، وهو وليي في الدنيا والآخرة وهو ولي كل صالح بعدي، وهذا كما قال هود عليه السلام لما قال له قومه: ( ﭗﭘ ﭢﭣ ﭤﭥ ﭫﭬ ﭱﭲ ﭹﭺ ﭿ ) [هود:٥٤-٥٦].

وكقول الخليل عليه السلام: ( ﯚﯛ ﯞﯟ ﯥﯦ ) [الشعراء:٧٥-٧٨].

وكقوله لأبيه وقومه: ( ﮊﮋ ﮐﮑ ) [الزخرف:٢٦-٢٨]99.

قال الخازن: «إن وليي الله يعني: أن الذي يتولى حفظي وينصرني عليكم هو الله الذي نزل الكتاب، يعني القرآن، والمعنى كما أيدني بإنزال القرآن علي، كذلك يتولى حفظي وينصرني، وهو يتولى الصالحين يعني يتولاهم بنصره وحفظه، فلا تضرهم عداوة من عاداهم من المشركين وغيرهم ممن أرادهم بسوء أو كادهم بشر، قال ابن عباس: يريد بالصالحين الذين لا يعدلون بالله شيئًا ولا يعصونه وفي هذا مدح للصالحين لأن من تولاه الله يحفظه فلا يضره شيء»100.

وقال الشعراوي في قوله تعالى: ( )« أي أنه لا يجعل الولاية خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم، بل يقول لكل واحد من أتباعه: كن صالحًا في أي وقت، أمام أي عدو، ستجد الله وهو يتولاك بالنصر، وساعة يعمم الله الحكم؛ فهو ينشر الطمأنينة الإيمانية في قلوب أتباعه صلى الله عليه وسلم، وكل من يحمل من أمر دعوته صلى الله عليه وسلم شيئًا ما سوف يكون له هذا التأييد، وهو سبحانه الذي جعل رسوله مبلغًا عنه هذا المنهج، وهو سبحانه يتولى الصالحين لعمارة الكون؛ لأن الله قد جعل الإنسان خليفة ليصلح في الكون، وأول مراتب الإصلاح أن يبقى الصالح على صلاحه، أو أن يزيده صلاحًا إن أمكن»101.

٤. النجاة من المجرمين.

إن الله تعالى ينجي الصالحين من المجرمين ومكرهم وتآمرهم كما نجى الله تعالى نبيه إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: ( ﯖﯗ ﯞﯟ ﯭﯮ ﯲﯳ ) [الأنبياء:٦٨-٧٢].

والمعنى: ونجينا إبراهيم ولوطًا من أعدائهما نمرود وقومه من أرض العراق ( ) وهي أرض الشام، فارق صلوات الله عليه قومه ودينهم وهاجر إلى الشام102.

وكما نجى الله تعالى نبيه لوط عليه السلام، قال تعالى: ( ﭬﭭ ﭳﭴ ﭶﭷ ) [الأنبياء:٧٤-٧٥].

والمعنى: ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث يعني: قرية سدوم وأراد أهلها وأراد بالخبائث إتيان الذكور في أدبارهم، وكانوا يتضارطون في مجالسهم مع أشياء أخرى كانوا يعلمونها من المنكرات إنهم كانوا قوم سوء فاسقين وأدخلناه في رحمتنا قيل: أراد بالرحمة النبوة وقيل أراد بها الثواب إنه من الصالحين أي الأنبياء103.

كما نجى الله تعالى نبيه موسى عليه السلام وبني إسرائيل من فرعون وقومه، قال تعالى: ( ﭿ ﮁﮂ ﮌﮍ ﮔﮕ ) [طه:٨٠-٨٢].

كقوله تعالى: ( ﮇﮈ ﮌﮍ ﮔﮕ ﮠﮡ ) [الأعراف:١٤١-١٤٢].

فهذه الآيات الكريمة وغيرها مما هي في معناها فيها تذكير لبنى إسرائيل بنعمة من أجل نعم الله عليهم، حيث أنجاهم سبحانه ممن أراد لهم السوء، وعمل على قتلهم وإبادتهم واستئصال شأفتهم، وفي ذلك ما يدعوهم إلى الاجتهاد في شكر الله عز وجل لو كانوا ممن يحسنون شكر النعم104.

وهذا كقوله تعالى: ( ﮭﮮ ) [يونس:١٠٣].

قال أبو جعفر: «يقول تعالى ذكره: قل يا محمد، لهؤلاء المشركين من قومك: انتظروا مثل أيام الذين خلوا من قبلكم من الأمم السالفة الذين هلكوا بعذاب الله، فإن ذلك إذا جاء لم يهلك به سواهم، ومن كان على مثل الذي هم عليه من تكذيبك، ثم ننجي هناك رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم ومن آمن به وصدقه واتبعه على دينه، كما فعلنا قبل ذلك برسلنا الذين أهلكنا أممهم، فأنجيناهم ومن آمن به معهم من عذابنا حين حق على أممهم( )، يقول: كما فعلنا بالماضين من رسلنا فأنجيناها والمؤمنين معها وأهلكنا أممها، كذلك نفعل بك، يا محمد، وبالمؤمنين، فننجيك وننجي المؤمنين بك، حقا علينا غير شك»105.

والنجاة للصالحين تكون من أعدائهم، ومن مكاره الدنيا والآخرة، وشدائدهما( ) أوجبناه على أنفسنا ( ) وهذا من دفعه عن المؤمنين، قال تعالى: ( ﯿ )[الحج:٣٨]

فإنه -بحسب ما مع العبد من الإيمان- تحصل له النجاة من المكاره106.

٥. الاصطفاء الإلهي.

إن الاصطفاء حال يستحقه العبد بكونه صالحًا، والاصطفاء ضربان، أحدهما في الآخرة والآخر في الدنيا، وهو اختصاص الله بعض العبيد بولايته ونبوته لخصوصيته فيه 107، والاصطفاء: الاختيار بإخراج الصفوة من العباد والصالح من بني آدم: هو المؤدي حقوق الله عليه108.

وبسبب الصلاح اصطفى الله تعالى من ذكرهم وآباءهم وإخوانهم وذريتهم في قوله تعالى: ( ﭿ ) [الأنعام:٨٤-٨٧].

وقوله: (ﭿ ﮊﮋ ﮕﮖ ) [القلم:٤٨-٥٠].

وهذا الاصطفاء هو بمشيئة الله تعالى واختياره، قال تعالى: ( ) [الشورى:١٣].

والمعنى: أن الله يصطفي إليه من يشاء من خلقه، ويختار لنفسه وولايته من أحب، ويوفق للعمل بطاعته، واتباع ما بعث به نبيه عليه صلى الله عليه وسلم من الحق من أقبل إلى طاعته، وراجع التوبة من معاصيه109.

٦. التوفيق للهداية للحق والصواب.

من الجزاء على الصلاح في الدنيا التوفيق للهداية للحق والصواب، قال تعالى: ( ﭯﭰ ) [يونس:٩].

والهداية هي: الإرشاد على المقصد النافع والدلالة عليه، فمعنى: ( ) يرشدهم إلى ما فيه خيرهم، والمقصود الإرشاد التكويني، أي يخلق في نفوسهم المعرفة بالأعمال النافعة وتسهيل الإكثار

منها، وأما الإرشاد الذي هو الدلالة بالقول والتعليم فالله يخاطب به المؤمنين والكافرين.

وفي تكوين هدايتهم إلى الخيرات بجعل الله تعالى، بأن يجعل الله للإيمان نورًا يوضع في عقل المؤمن، ولذلك النور أشعة نورانية تتصل بين نفس المؤمن وبين عوالم القدس فتكون سببًا مغناطيسيًا لانفعال النفس بالتوجه إلى الخير والكمال لا يزال يزداد يومًا فيومًا، ولذلك يقترب من الإدراك الصحيح المحفوظ من الضلال بمقدار مراتب الإيمان والعمل الصالح110.

والهداية هي التسديد والمعنى: يسددهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك الطريق السديد المؤدي إلى الثواب ولذا جعل ( ) بيانًا له وتفسيرًا إذ التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها، أو يهديهم في الآخرة بنور إيمانهم إلى طريق الجنة111.

٧. المودة والمحبة في قلوب الخلق.

ومن الجزاء على الصلاح في الدنيا أن الله تعالى يجعل المودة والمحبة في قلوب الخلق للصالحين بسبب صلاحهم، قال تعالى: ( ) [مريم:٩٦].

أي: حبًا يحبهم ويحببهم إلى عباده المؤمنين من أهل السموات والأرضين112.

يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، - وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة-، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه 113، منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)114.

وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض)115.

ومودة الناس تكسب بأسباب متعارفة بينهم منها القرابة، ومنها الصداقة، ومنها صنائع المعروف، ومآثر الإحسان، أما هذا الود الذي وعد الله به الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فسببه جعل من الله له في قلوب العباد لهم، دون تردد منهم، ولا توقف على تلك الأسباب، فيودهم من لم يكن بينه وبينهم علاقة نسب أو صداقة، ولا وصل إليه منهم معروف، فهذا نوع من الود خاص يكرمهم الله به، وينعم عليهم به الرحمن من جملة نعمه التي يحدثها ويجددها لهم، زيادة على ما يقتضيه الإيمان والعمل الصالح وهما سبب لإكرامات كثيرة من الله تعالى، هذا الجعل للود منها116.

٨. فضل الله.

إن من جزاء العمل الصالح في الدنيا أن الله تعالى يتفضل على الذين آمنوا وعملوا الصالحات بنعمه ورزقه زيادة على ما يطلبوه منه سبحانه، قال تعالى: ( ﮠﮡ ) [الشورى:٢٦].

قال الإمام ابن جرير في قوله تعالى: ( ) يقول تعالى ذكره: ويزيد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع إجابته إياهم دعاءهم، وإعطائه إياهم مسألتهم من فضله على مسألتهم إياه، بأن يعطيهم ما لم يسألوه. وقيل: إن ذلك الفضل الذي ضمن جل ثناؤه أن يزيد هموه، هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم إذا هم شفعوا في إخوانهم، فشفعوا فيهم117.

٩. الخروج من الظلمات إلى النور.

إن الله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب كي يخرج الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بما أمرهم الله به وأطاعوه من الظلمات إلى النور، يعني من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمة الباطل إلى ضياء الحق، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الباطل إلى الحق، وما أشبه ذلك، قال تعالى: ( ﯬﯭ ﯻﯼ ﯿ ) [الطلاق:١١] 118.

قال ابن كثير: «( ) أي في حال كونها بينة واضحة جلية ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور، كقوله تعالى: ( ) [إبراهيم:١].

وقال تعالى: ( ) [البقرة:٢٥٧].

أي: من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وقد سمى الله تعالى الوحي الذي أنزله نورًا لما يحصل به من الهدى كما سماه روحًا لما يحصل به من حياة القلوب، فقال تعالى: ( ﭖﭗ ﭧﭨ ) [الشورى:٥٢]» 119.

١٠ الخيرية بين الخلق.

إن الخيرية بين الخلق جزاء للعمل الصالح قال تعالى: ( ) [البينة:٧].

يعني أنهم بسبب أعمالهم الصالحة واجتنابهم الشرك استحقوا هذا الاسم120.

والمعنى: «إن الذين آمنوا أي بالله ورسوله محمد، صلى الله عليه وسلم وعملوا الصالحات، أي من بذل النفس في سبيل الجهاد للحق، وبذل المال في أعمال البر، مع القيام بفرائض العبادات، والإخلاص في سائر ضروب المعاملات؛ لأن إذعانهم الصحيح، ووجدانهم لذة معرفة الحق، ملكت الحق قيادهم، فعملوا الأعمال الصالحة، وقوله: ( ) أي أفضل الخليقة؛ لأنهم بمتابعة الحق عند معرفته بالدليل القائم عليه، قد حققوا لأنفسهم معنى الإنسانية التي شرفهم الله بها، وبالعمل الصالح، قد حفظوا نظام الفضيلة الذي جعله الله قوام الوجود الإنساني، وهدوا غيرهم بحسن الأسوة إلى مثل ما هدوا إليه من الخير والسعادة فمن يكون أفضل منهم؟»121.

ثانيًا: جزاء الصلاح في الآخرة:

يتمثل جزاء الصلاح في الآخرة في مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، والجنة ونعيمها، والدرجات العليا، ومرافقة الذين أنعم الله عليهم، ورضا الله ورؤية وجهه الكريم، وبيان ذلك في النقاط الآتية:

١. مغفرة الذنوب وتكفير السيئات.

ذكر الله تعالى في آيات كثيرات أن جزاء العمل الصالح في الآخرة هو مغفرة الذنوب وتكفير السيئات. منها قوله تعالى: ( ﭦﭧ ) [محمد:٢].

وقوله تعالى: ( ) [طه:٨٢].

وقوله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [الفرقان:٧٠].

وقوله تعالى: ( ﯭﯮ ) [المائدة:٩].

وقوله تعالى: ( ) [العنكبوت:٧].

وغيرها من الآيات.

والمراد بالغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب122، والمراد بتكفير السيئات: سترها بالإيمان والعمل الصالح، والمراد إزالها ولم يؤاخذهم بها123.

٢. الجنة و نعيمها.

بين الله تعالى في آيات كثيرات أنه سيدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات الجنة وأن لهم فيها نعيم دائم وأزواج مطهرة وظلال وارف، منها قوله تعالى: ( ﮬﮭ ﮱﯓ ) [النساء:٥٧].

والجنات، يعني: بساتين تجري من تحتها الأنهار، وهم خالدون، أي باقون فيها أبدًا بغير نهاية ولا انقطاع، دائما ذلك لهم فيها أبدًا، ولهم في تلك الجنات أزواج مطهرة، يعني: بريئات من الأدناس والريب والحيض والغائط والبول والحبل والبصاق، وسائر ما يكون في نساء أهل الدنيا( ) أي وندخلهم ظلًا كنينًا، كما قال جل ثناؤه: ( ) [الواقعة:٣٠].

وكما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، واقرؤوا إن شئتم ( ) [الواقعة:٣٠])124125.

وقال تعالى: ( ﯽﯾ ﯿ ) [الحج:٢٣].

والأساور جمع أسورة، وأسورة واحدها سوار، وفيه ثلاث لغات: ضم السين وكسرها وإسوار، قال المفسرون: لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور والتيجان جعل الله ذلك لأهل الجنة، وليس أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة: سوار من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ، وفي فاطر: ( ﭿ ) [فاطر:٣٣].

وقال في سورة الإنسان: ( ) [الإنسان:٢١].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)126127.

وفي الجملة إن الله تعالى يهب للذين آمنوا وعملوا الصالحات نعمًا كثيرة، وتنعيمًا عظيمًا في الجنة، قال تعالى: ( ) [الحج:٥٦]:والنعيم:النعمة الكثيرة، وتنعم:تناول ما فيه النعمة وطيب العيش، يقال:نعمه تنعيما فتنعم. أي:جعله في نعمة. أي:لين عيش وخصب128.

٣. الدرجات العليا.

بين الله تعالى أن الدرجات العلى هي جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، قال تعالى: ( ) [طه:٧٥].

أي: الجنة ذات الدرجات العاليات، والغرف الآمنات، والمساكن الطيبات129.

وهذه الدرجات العليا هي جنات الفردوس على أحد المعاني الواردة في قوله تعالى: ( ) [الكهف:١٠٧].

قال الإمام الماوردي: « في () خمسة أقاويل:

أحدها: أن الفردوس وسط الجنة وأطيب موضع فيها، قاله قتادة.

الثاني: أنه أعلى الجنة وأحسنها، رواه ضمرة مرفوعًا.

الثالث: أنه البستان بالرومية، قاله مجاهد.

الرابع: أنه البستان الذي جمع محاسن كل بستان، قاله الزجاج.

الخامس: أنه البستان الذي فيه الأعناب، قاله كعب»130.

قال قتادة: الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأعلاها وأفضلها وأرفعها. وقال أبو أمامة الباهلي: الفردوس سرة الجنة. وقال كعب: ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس، فيها الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر131.

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من آمن بالله وبرسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها)، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نبشر الناس؟ قال: (إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة - أراه - فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة)132.

والدرجات العليا هي الغرفات المذكورة في قوله تعالى: ( ) [سبأ:٣٧].

وفي قوله تعالى: ( ﮓﮔ ) [العنكبوت:٥٨].

والغرفة في اللغة: العلية وكل بناء عال فهو غرفة والمراد به الدرجات العالية133.

٤. مرافقة الذين أنعم الله عليهم.

أخبر الله تعالى أن مرافقة الذين أنعم الله عليهم من جزاء الصلاح في الآخرة، قال تعالى: ( ﭿ ﮇﮈ ) [النساء:٦٩].

والمعنى: ومن يطع الله والرسول بالتسليم لأمرهما، وإخلاص الرضى بحكمهما، والانتهاء إلى أمرهما، والانزجار عما نهيا عنه من معصية الله، فهو مع الذين أنعم الله عليهم بهدايته والتوفيق لطاعته في الدنيا من أنبيائه، وفي الآخرة إذا دخل الجنة والصديقين وهم جمع صديق، والصالحين، وهم جمع صالح، وهو كل من صلحت سريرته وعلانيته، وحسن، هؤلاء الذين نعتهم ووصفهم، رفقاء في الجنة134.

والآية تدل على أن مرتبة الصلاح مرتبة عظيمة جامعة لجميع المراتب؛ لأن الصالح إذا ترقى من مقامه يسمى شهيدا ثم صديقا ثم نبيًا135

٥. رضا الله ورؤية وجهه الكريم.

ثبت رضا الله تعالى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، بقوله تعالى: ( ﭜﭝ ﭢﭣ ) [البينة:٧-٨].

( ) بما أطاعوه في الدنيا، وعملوا لخلاصهم من عقابه في ذلك ( ) بما أعطاهم من الثواب يومئذ، على طاعتهم ربهم في الدنيا، وجزاهم عليها من الكرامة136.

وهذا الرضا هو بسبب عملهم الصالح جزاءلهم قال تعالى: ( ﭜﭝ ﭢﭣ ) [البينة:٨].

ومقام رضاه عنهم أعلى مما أوتوه من النعيم المقيم، ورضوا عنه فيما منحهم من الفضل العميم137.

أما النظر إلى وجهه الكريم فيدل على ذلك قوله تعالى: ( ﭕﭖ ﭜﭝ ﭠﭡ ) [يونس:٢٦].

قال الإمام ابن كثير: «يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح: الحسنى في الدار الآخرة كقوله تعالى: ( ) [الرحمن:٦٠].

وقوله: () هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وزيادة على ذلك أيضا، ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه لا يستحقونها بعملهم بل بفضله ورحمته، وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن بن سابط ومجاهد وعكرمة وعامر بن سعد وعطاء والضحاك والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم من السلف والخلف»138.

والزيادة هي النظر إلى وجه الله في قول أبي بكر الصديق، وأبي موسى الأشعري، وحذيفة، وابن عباس رضي الله عنهم، وقتادة، والضحاك، ونحو ذلك فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه صهيب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: (تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، ثم تلا هذه الآية: ( ) [يونس:٢٦]) 139140.


1 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٢/٥١٦، تاج العروس، الزبيدي ٦/٥٤٧.

2 مقاييس اللغة ٣/٣٠٣.

3 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢١٨.

4 المحكم والمحيط الأعظم ٣/١٥٢.

5 انظر: الكليات، الكفوي ص ٥٦١.

6 انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٣/١٥٢.

7 جامع البيان ١٣/٣٠٨.

8 تفسير السمعاني ٣/٤٧٨.

9 الكشاف ١/٦٢.

10 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الصاد، ص٦٩٩-٧٠٣.

11 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٩٩-٣٠٠، نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، ابن الجوزي، ص٣٩٧-٣٩٨.

12 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٤/١٤٢.

13 انظر: التبيان في تفسير غريب القرآن، ابن الهائم ص٥١.

14 القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ص٢١٥.

15 انظر: مناهل العرفان، الزرقاني ٢/٣٥١.

16 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٦/٥٤٨.

17 انظر: أنيس الفقهاء، القونوي ص٩١.

18 انظر: المفردات، الراغب ص٦٣٦، لسان العرب، ابن منظور ٣/٣٣٥.

19 انظر: تفسير يحيى بن سلام ص ١١٥.

20 جامع البيان ١٣/٣٠٦.

21 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٣١٤.

22 مفاتيح الغيب ١٥/٤٢٧.

23 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/٤١٨.

24 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣٣٦.

25 انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي ٤/٩٩.

26 المفردات ص٤٨٩.

27 انظر: البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٥/٢٠٩.

28 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٤٨.

29 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٥/٢١٤

30 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/١١٨.

31 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٧٩.

32 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٢٤٦.

33 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٣٧٥.

34 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٥٤.

35 انظر: الجامع لأحكام القرآن ١٩/١٥.

36 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ٢/٢٩٠.

37 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٧٣.

38 الكشاف ١/٦٣٦.

39 مفاتيح الغيب ٨/٣٣٤.

40 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ٧/٤٧٩.

41 انظر: المصدر السابق ١٠/١٢٧.

42 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/١٦٢.

43 انظر: المصدر السابق ٢٩/١٠٧.

44 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، الفاتحة والبقرة ٢/٧١.

45 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٢/٤٤٠.

46 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٤٥.

47 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١٩٩.

48 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٢/٣١٠.

49 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/١٤٨.

50 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٣٣٤.

51 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٢٦٣.

52 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الهبات، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، رقم ١٦٣١ ٣/١٢٥٥، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

53 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣١٧.

54 انظر: تفسير ابن فورك ٢/١٧١.

55 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٩١.

56 انظر: المصدر السابق ٢١/٥١٤.

57 أضواء البيان ٧/٦٣.

58 انظر: تفسير ابن باديس ص٧٥.

59 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٠٣.

60 أضواء البيان ٧/٢٥٩.

61 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٩/١٢، معالم التنزيل، البغوي ٤/١٩٥.

62 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٤٢.

63 انظر: تفسير السمعاني ٤/٨٧.

64 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٢٧٨.

65 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٢٠٤.

66 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٥٩٠.

67 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/١٢٨.

68 تفسير المراغي ١٨/٢٩.

وانظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٨٩.

69 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢١٥.

70 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، رقم ١٠١٥، ٢/٧٠٣.

71 انظر: تفسير المراغي ١٨/٢٩.

72 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٢/٣٥٩.

73 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/٢٥٣.

74 انظر: تفسير المراغي ١٠/١٦٨.

75 انظر: التفسير البياني للقرآن الكريم، عائشة بنت الشاطئ ٢/٨٦.

76 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، الفاتحة والبقرة ٣/٣٨١.

77 انظر: القواعد الحسان لتفسير القرآن، السعدي ص٤٨.

78 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١/٢٤٥.

79 انظر: المصدر السابق ٤/٢٠٨.

80 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٥٨٤.

81 انظر: المصدر السابق ٢٥/٨٥.

82 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٣٣٠.

83 انظر: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر، فهد الرومي ١/٣٣٩.

84 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٧٣.

85 تفسير القرآن العظيم ٦/٩٣.

86 انظر: الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله، الجربوع ٢/٥٤١.

87 تفسير ابن المنذر ١/١٦٩.

88 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/٢٧١.

89 النكت والعيون ٤/٤٧٦.

90 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٢٣.

91 المصدر السابق ٥/٤٢٩.

92 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٥٨٩.

93 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٣٧.

94 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/١٩٢.

وانظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٥٥٠، النكت والعيون، الماوردي ٣/٤٧٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣٤٩.

95 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٠٧.

96 انظر: تفسير ابن باديس ص٣٤٥.

97 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٩١، تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٣٧٥.

98 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٣٧٥.

99 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٧٩.

100 انظر: لباب التأويل ٢/٢٨٣.

101 انظر: تفسير الشعراوي ٨/٤٥٣٠.

102 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٤٦٨.

103 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٢٣٢

104 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١/١٢٤.

105 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٢١٦.

106 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٧٥.

107 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣١٧

108 انظر: تفسير ابن فورك ٢/١٧١

109 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٥١٤.

110 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/١٠١.

111 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/٨.

112 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٦/٢٣٣.

113 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢٣٦.

114 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، رقم ٣٢٠٩، ٤/١١١.

115 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدًا حببه لعباده، رقم ٢٦٣٧، ٤/٢٠٣٠.

116 انظر: تفسير ابن باديس ص٣٤٠.

117 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٥١٤.

118 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٦٨، النكت والعيون ٦/٣٦، تفسير السمعاني ٥/٤٦٨.

119 تفسير القرآن العظيم ٨/١٧٧.

120 انظر: لباب التأويل، الخازن ٤/٤٥٦.

121 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٩/٥٢٤.

122 انظر: المفردات، الراغب ص ٦٠٩.

123 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٣/١٩٥.

124 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم ٣٢٥٢، ٤/١١٩.

125 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٤٨٨.

126 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء، رقم ٢٥٠، ١/٢١٩.

127 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٨.

128 انظر: المفردات، الراغب ص ٨١٥.

129 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢٦٩.

130 النكت والعيون ٣/٣٤٨.

131 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٦٨.

132 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، يقال: هذه سبيلي وهذا سبيلي، رقم ٢٧٩٠، ٤/١٦.

133 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٤٨٧.

134 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٥٣٠.

135 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ٤/٣٢٥.

136 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٥٤٢.

137 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٣٩

138 المصدر السابق ٤/٢٢٩.

139 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، رقم ١٨١، ١/١٦٣.

140 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٥٤٤.