عناصر الموضوع
الضلال
أولًا: المعنى اللغوي:
الضاد واللام أصل يدل على ضياع الشيء، وذهابه في غير حقه، يقال: ضَلَّ اللبن في الماء، بمعنى: استهلك وضاع، وأضل الميت، إذا دفن، وكأنه شيء قد ضاع، يقال: ضَلَلْت أَضِلُّ وأَضَلُّ، لغتان، وضَلَلْتُ أَضِلُّ وأَضَلُّ، وهما لغتان أيضًا، والضَّلَال والضَّلَالة بمعنىً واحدٍ، ورجلٌ ضِلِّيلٌ ومُضَلِّلٌ، إذا كان صاحب ضلالٍ وباطلٍ1.
وكل جائرٍ عن القصد فهو ضالٌ، وما كان ضد الهدى والرشاد فهو ضلالٌ وضلالةٌ2، وكل حيادةٍ عن طريق الحق فهو ضلالٌ أيضًا، والنسيان من الضلال3.
وأما قولهم: الضالة، فإنها لا تقع إلا على الحيوان ذكرًا كان أو أنثى، وأما الأمتعة من غير الحيوان، فلا يقال لها ضالة، ولكنها تسمى لقطة4.
إن مادة ضل جاءت في اللغة على معانٍ متعددة، منها: ضاع، ومات، وصار ترابًا وعظامًا، وخفي وغاب، ونسي5.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
إن الضلال والضلالة مصطلحان متقاربان، لكنهما يختلفان في نقاط، أهمها6:
إن الضلالة والضلال يشتركان في أن كليهما يعني فقد ما يوصل إلى المطلوب، إلا أن الضلال يختص بأنه خطأ الشيء في مكانه دون الاهتداء إليه.
والضلالة بمعنى الهلاك والإضاعة، والضلال بمعنى الضياع والعدول عن الطريق المستقيم.
وعلى هذا فإن الضلالة أعم من الضلال، لكن الضلال أخص وأدق في طبيعة تشخيص أمراض الأمة، كما أنه محل هذه الدراسة، ومن ثم فقد فطن العلماء للفرق بينهما، وهذه بعض تعريفاتهم لمصطلح الضلال، وذلك فيما يأتي:
عرفه السيوطي رحمه الله بأنه: «اعتقاد الباطل حقًا، أو الكذب صدقًا، أو القبح جميلًا، وبالعكس» 7.
وعرفه الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى بأنه: «العدول عن الطريق المستقيم، ويضاده الهداية» 8.
وعرفه الجرجاني والمناوي رحمهما الله تعالى بأنه: «فقدان ما يوصل إلى المطلوب»9.
وذكر البعض تعريفًا له بأنه: كل عدول عن النهج عمدًا أو سهوًا قليلًا كان أو كثيرًا10.
وبالنظر إلى التعريفات السابقة لمصطلح الضلال يتبين أن التعريف الأخير هو الراجح؛ لموافقته المعنى اللغوي من جهة، ولاشتماله على جميع المعاني المتفرعة من مادة ضل في القرآن الكريم من جهة أخرى، والله أعلم.
وردت مادة (ض ل ل) في القرآن الكريم(١٩١) مرة 11.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٥٨ |
(ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المائدة:٧٧] |
الفعل المضارع |
٥٩ |
(ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [النساء:١١٣] |
المصدر |
٤٨ |
(ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [يونس:٣٢] |
اسم الفاعل |
١٧ |
(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الشعراء:٨٦] |
أفعل التفضيل |
٩ |
(ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الفرقان:٤٤] |
وجاء الضلال في القرآن الكريم على ثلاثة وجوه12:
الأول: الضلال بمعناه اللغوي الذي هو ضد الهدى، وهو الحيرة والضياع والبعد عن الصواب، ويدخل فيه الغواية والخطأ والخسران وغير ذلك: ومنه قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [يس:٦٢].يعني: أغوى.
الثاني: الإبطال: ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [محمد:١].يعني: أبطلها.
الثالث: الجهل أو النسيان: ومنه قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [البقرة:٢٨٢] يعني: تنسى.
الغي:
الغي لغةً:
الإمعان في الضلال، قال تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [النجم: ٢].
فهو غاوٍ، وغويٌ وغيان، وأغواه أضله وأغراه13.
الغي اصطلاحًا:
«سوء التصرف في الشيء، وإجراؤه على ما يسوء عاقبته» 14.
الصلة بين الغي والضلال:
الضلال أوسع دلالةً، إذ إنه يعني: أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقًا أصلًا، سواء أكان حكمًا أو عملًا، والغواية: أن لا يكون له إلى المقصد طريق مستقيم.
الكفر:
الكفر لغة:
الستر والتغطية، يقال لمن غطى درعه بثوب: قد كفر درعه، والمكفر: الرجل المتغطي بسلاحه، وهو ضد الإيمان، لأنه تغطية للحق15.
الكفر اصطلاحًا:
«الجحود بالوحدانية أو النبوة، أو الشريعة، أو بثلاثتها»16.
وقيل: هو تغطية الحق بالباطل، بما يكون نقيض الإيمان17.
الصلة بين الكفر والضلال:
الضلال أوسع مضمونًا من الكفر؛ إذ إن الكفر يعني الجانب العمد من العدول عن المنهج، بما يكون نقيضًا للإيمان.
الشرك:
الشرك لغة:
مأخوذ من شرك، ومنه: «أشرك بالله: كفر أي: جعل له شريكًا في ملكه تعالى الله عن ذلك»18، وقد يأتي بمعنى المخالطة والنصيب، لكن المراد هنا هو الكفر.
الشرك اصطلاحًا:
تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائصه سبحانه19.
الصلة بين الشرك والضلال:
الشرك والضلال يتفقان أن كونهما عدولٌ عن المنهج، لكن الضلال أعم كونه يشمل العدول سهوًا أو عمدًا، وأن الضلال العمد أعم من الشرك؛ إذ إن من الضلال ما لا يخرج من الدين، ومنه ما يخرج.
الهلاك:
الهلاك لغةً:
الموت، يقال: هلك هلاكًا، وهلكًا، وتهلوكًا وهلوكًا، واستهلك المال: أنفقه وأنفذه، وأهلكه: باعه، والمهلكة: المفازة20.
الهلاك اصطلاحًا:
«تداعي الشيء إلى أن يبطل ويفنى» 21.
الصلة بين الهلاك والضلال:
الضلال أعم وأشمل من كون أن الهلاك يعني النفاذ والموت والإنفاق والبيع، فقد لا يترتب على فعله حكم شرعي، وقد يترتب، أما الضلال فهو جانب له علاقة بالقلب أولًا من كونه يترتب عليه حكم شرعي غالبًا.
الحق:
الحق لغة:
هو نقيض الباطل وخلافه، وهو مصدر من حق الشيء إذا ثبت وكان واجبا22، ولا يصح إنكاره، يقول ابن فارس: يدل على إحكام الشيء وصحته23.
الحق اصطلاحًا:
هو الحكم المطابق للواقع في الأقوال والعقائد والأديان، ويقابله الباطل24.
الصلة بين الحق والضلال:
الحق هو ضد الباطل، الذي أعم من الضلال، والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير بتغير زمان أو مكان.
الضلال والهداية بيد الله تعالى
من الأمور المسلم بها أن الضلال والهداية بيد الله تعالى؛ فلا يضل أحدٌ إلا بعلمه، ولا يهتدي أحدٌ إلا بإذنه، وسوف يتم تناول هذا -إن شاء الله تعالى- بالتفصيل فيما يلي:
أولًا: الضلال والهداية بمشيئة الله تعالى:
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الأنعام: ٣٩].
أي: مثلهم في جهلهم، وقلة علمهم، وعدم فهمهم، كمثل أصم، وهو الذي لا يسمع، أبكم وهو الذي لا يتكلم، وهو مع هذا في ظلماتٍ لا يبصر، فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق أو يخرج مما هو فيه، ولهذا فهو المتصرف في خلقه بما يشاء25.
وقوله: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) دل على أنه شاء ضلال الكافر وأراده؛ لينفذ فيه عدله، وقوله: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) أي: على دين الإسلام؛ لينفذ فيه فضله، والمشيئة راجعة إلى الكاذبين، فمنهم من يضله ومنهم من يهديه26.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الأنعام: ١٢٥].
أي: فمن يرد الله تعالى أن يكتب له الهداية التوفيقية فضلًا عن الإرشادية يشرح صدره، فيوسع قلبه لقبول الإيمان، والخير، وذلك أن الإنسان إذا اعتقد في عملٍ من الأعمال أن نفعه زائد، وخيره راجح، مال بطبعه إليه، وقويت رغبته فيه، فتسمى هذه الحالة سعة النفس وانشراح الصدر، والشرح نورٌ يقذفه الله تعالى في قلب العبد، فيعرف بذلك النور الحق، فيقبله وينشرح صدره له.
وأما من يريد الله تعالى أن يكتب له الضلالة فإنه يجعل صدره ضيقًا؛ حتى لا يدخله الإيمان، فليس للخير فيه منفذ27.
وقد وردت آية أخرى قريبة من هذا المعنى، وهي قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الكهف: ١٧].
وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) 28، ولا يكون ذلك إلا بشرح الصدر وتنويره29.
وقد وضع القرآن الكريم عدة معالم في هذا الموضوع، منها:
١. لا هادي لمن أضله الله تعالى.
قد ورد معنى كون الهداية والإضلال بيده سبحانه في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الإسراء: ٩٧].
قال الإمام الرازي: «فالمقصود تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أن الذين سبق لهم حكم الله بالإيمان والهداية وجب أن يصيروا مؤمنين، ومن سبق لهم حكم الله بالضلال والجهل استحال أن ينقلبوا عن ذلك الضلال، واستحال أن يوجد من يصرفهم عن ذلك الضلال» 30.
ثم تبين هذه الآية الكريمة أن هؤلاء الضالين الذين أضلهم الله تعالى سيسحبون يوم القيامة على وجوههم، أو يمشون بها، فكما مشوا في الدنيا على أقدامهم سيمشون يوم القيامة على وجوههم31.
ثم تأتي الفاصلة القرآنية في هذه الآية لتبين عاقبة الضالين بأنهم «كلما أكلت لحومهم، فسكن لهبها، بدلوا أجسادًا أخر، ثم صارت ملتهبةً أكثر مما كانت» 32.
وإن هذه الآية الكريمة حالها كحال الآيات المكية، تبين أن الهداية هنا هداية إلى الإيمان، والضلال فهو استحباب الكفر على الإيمان، ولذلك فإن سحب الولاية المذكور في الآية يأتي في سياق أن الكافرين الضالين إذا اختاروا الضلالة سوف يكتب لهم الغواية، وسيستدرجون إلى مزيد من الذنوب؛ حتى يأخذهم الله تعالى للعذاب الأليم، يضاف إلى أن مبدأ النصرة لهم من دون الله تعالى محالٌ في حقهم.
٢. عِلْم الله تعالى بالضالين.
قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الأنعام: ١١٧].
فقد بينت الآية السابقة أن الرسول صلى الله عليه وسلم إن يطع أكثر أهل الأرض من كفار قريش فيما يدعونه إلى ملة آبائهم؛ فإن أكثر أهل الأرض كانوا كفارًا، وإن هؤلاء الكفار ما يتبعون إلا الظن في أكل الميتة واستحلالها، وما هم إلا كاذبون في استحلالهم الميتة33.
وتأتي هذه الآية لتبين أن الله تعالى الذي هو رب كل شيءٍ، هو أعلم من يضل عن سبيل الله الذي هو الدين34.
فهو يعلم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم على الهدى، وأن المشركين ضلوا عن سبيله، وفي هذا بشارةٌ للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أنك على الصراط المستقيم، أما المشركون فهم الذين عدلوا عن الصراط المستقيم عمدًا وإمعانًا في الضلال35.
وقال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [القلم: ٧].
أي: إن الله تعالى الذي هو ربك يا محمد صلى الله عليه وسلم هو أعلم بمن عدل عن طريق الحق وهو أعلم أيضًا بالمهتدين الذين يتبعون ذلك الحق.
والمقصود أن الله تعالى يبين بأنه هو الأعلم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأنه المهتدي وأن قومه هم الضالون36.
٣. الإضلال بعد إقامة الحجة بالرسل وورثتهم.
قد ورد ذكر الإضلال بعد إقامة الحجة جليًا في قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [إبراهيم: ٤].
فالمعنى: لست يا محمد صلى الله عليه وسلم ببدعٍ من الرسل، وإنما أرسلناك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، على عادتنا في رسلنا، في أن نبعثهم بألسنة القوم الذين أرسلوا إليهم؛ ليقع البيان والعبارة المتمكنة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يطلب منه أن يبلغ ويبين، ولم يكلف أن يهدي ويضل، بل إن ذلك بيد الله تعالى، ينفذ فيه سابق قضائه، وله في ذلك العزة التي لا تعارض37.
وإن من لطفه تعالى أنه يرسل إلى خلقه رسلًا منهم بلغاتهم؛ ليفهموا عنهم ما يريدون، وما أرسلوا به إليهم38، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لم يبعث الله عز وجل نبيًا إلا بلغة قومه)39.
وقد أفردت كلمة «لسان» رغم إضافته إلى القوم؛ لأن المراد اللغة، وهي اسم جنس يقع على القليل والكثير40.
وثمة سؤال يتم طرحه، وهو: كيف تذكر هذه الآية أنه ما من رسولٍ إلا ويبعث بلغة قومه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى كافة الخلق، مع اختلاف لغاتهم؟ وجواب ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث من العرب بلسانهم، والناس تبعٌ لهم41.
ثانيًا: نسبة الضلال إلى الإنسان:
قد ورد ذكر نسب الضلال إلى الإنسان جليًا في قوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [سبأ: ٥٠].
أي: قل يا محمد صلى الله عليه وسلم إن عدلت عن الطريق الواضحة، فإن إثم ضلالتي وعدولي عن المنهج يكون على نفسي42، فإن ما تدينت به من الدين إن كان ضلالًا -كما تقولون- فإنما وبال ضلالي يعود إلى نفسي، فكيف أختار الوبال على نفسي، مع أنه لا جنون بي، ولا منفعة دنيوية تعود إلي؟!
وإن كان هذا هدايةً، فليس من قبل نفسي، ولا من عند أحدٍ من أهل هذا البلد؛ لأن ظاهر الأمر أني أميٌ ما كتبت ولا قرأت، فلا يمكن أن يكون هذا القرآن إلا مستقىً من الله تعالى وحيًا فلزم، بل وجب عليكم أن تتبعوني، فتهتدوا كما اهتديت43.
إن الرد القرآني في هذه الآية الكريمة على الكفار -الذين زعموا أنه صلى الله عليه وسلم غير صادق في دعوى الرسالة، وأنه على ضلال- كان قاطعًا بأنه على هدىً، بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [سبأ: ٤٩].
وانتقل هنا إلى متاركة جدالهم، وتركهم وشأنهم؛ لقلة جدوى مراجعتهم، وصيغة القصر هنا لتبين أن الضلال المفروض على نفسي لا عليكم؛ لأنهم كانوا يحاولون أن يقلعوه عما دعاهم إليه، ولم يقتصروا على صدودهم44.
ورد شراء الضلالة في موضعين من القرآن الكريم، وهما:
الأول: قوله تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [البقرة: ١٦].
حيث إن هذه الآية جاءت في سياق الحديث عن المنافقين وصفاتهم؛ حتى حكم عليهم بأنهم أخذوا الضلالة، وتركوا الهدى، فيكونون بذلك قد استبدلوا الكفر بالإيمان؛ لأن استبدالهم الضلالة بالهدى كان استحبابًا فيه، ومثل هؤلاء المنافقين في الوصف القرآني قوم ثمود؛ حيث قال الله تعالى فيهم: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [فصلت: ١٧].
وتأتي الفاصلة القرآنية لتبين أن النتيجة عند الله تعالى أن صفقتهم في هذه البيعة كانت خاسرة، ومن ثم فإنهم لم يكونوا راشدين في صنيعهم ذلك45؛ إذ إنهم أضاعوا ما سعوا له، ولم يعرفوا ما يوصل إلى خير الآخرة، ولا ما يضر المسلمين، وهذا نداءٌ عليهم بسفه الرأي، وهو العلة لعدم ربح التجارة، حيث شبه سوء تصرفهم بسوء تصرف من يريد الربح، فيقع في الخسران46.
قال السمرقندي رحمه الله: «وفي الآية دليل أن الشراء قد يكون بالمعنى دون اللفظ وهو المبادلة؛ لأن الله تعالى سمى استبدالهم الضلالة بالهدى شراء، ولم يكن هنالك لفظ شراء» 47؛ ولذلك فإن الربح قد أسند إلى التجارة على عادة العرب في قولهم: ربح بيعك، وخسرت صفقتك، وهو من الإسناد المجازي48.
الثاني: قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة: ١٧٥].
حيث وردت هذه الآية في معرض الحديث عن اليهود عامة، وعلمائهم خاصة، فقد بينت الآية السابقة أن هناك وعيدًا شديدًا لمن كتم ما أنزل تعالى على رسله من العلم الذي أخذ الله تعالى الميثاق على أهله أن يبينوه ولا يكتموه، فيكونون يبتغون بذلك تحصيل المال، فمن تعوض عنه بالحطام الدنيوي، ونبذ أمر الله تعالى فإن هذا المال الذي يأخذونه نارٌ في بطونهم؛ لأنه اكتسابٌ حصل لهم بأقبح المكاسب، وأعظم المحرمات، وليس الأمر كذلك فحسب، بل يسخط الله تعالى عليهم، ويعرض عنهم يوم القيامة، ولا يطهرهم من الأخلاق الرذيلة، وفوق كل هذا أعد الله لهم عذابًا كثير الألم49.
وتبين هذه الآية الكريمة جرأة اليهود في استهانتهم بعذاب النار، الذي أعده الله تعالى لهم، وفي ذلك يقول الإمام الرازي -رحمه الله تعالى-: «اعلم أنه تعالى لما وصف علماء اليهود بكتمان الحق وعظم في الوعيد عليه، وصف ذلك الجرم؛ ليعلم أن ذلك العقاب إنما عظم لهذا الجرم العظيم، واعلم أن الفعل إما أن يعتبر حاله في الدنيا أو في الآخرة، أما في الدنيا فأحسن الأشياء الاهتداء والعلم، وأقبح الأشياء الضلال والجهل، فلما تركوا الهدى والعلم في الدنيا، ورضوا بالضلال والجهل، فلا شك أنهم في نهاية الخيانة في الدنيا، وأما في الآخرة فأحسن الأشياء المغفرة، وأخسرها العذاب، فلما تركوا المغفرة ورضوا بالعذاب، فلا شك أنهم في نهاية الخسارة في الآخرة.
وإذا كانت صفتهم على ما ذكرناه، كانوا لا محالة أعظم الناس خسارًا في الدنيا وفي الآخرة، وإنما حكم تعالى عليهم بأنهم اشتروا العذاب بالمغفرة لأنهم لما كانوا عالمين بما هو الحق، وكانوا عالمين بأن في إظهاره وإزالة الشبهة عنه أعظم الثواب، وفي إخفائه وإلقائه الشبهة فيه أعظم العقاب، فلما أقدموا على إخفاء ذلك الحق كانوا بائعين للمغفرة بالعذاب لا محالة» 50.
ثم تأتي الفاصلة القرآنية باستفهام توبيخي، يعني: ما الذي أصبرهم، وأي شيء صبرهم على النار؛ حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل، ويحتمل أن يكون الاستفهام للتعجب والتقرير بأن الراضي بموجب الشيء لابد أن يكون راضيًا بمعلومه ولازمه، إذا علم ذلك اللزوم، فلما أقدموا على ما يوجب النار، ويقتضي عذاب الله تعالى مع علمهم بهذه العاقبة المنتظرة صاروا كالراضين بعذاب الله تعالى، والصابرين عليه51.
إن ما بدر من علماء اليهود بهذه الصفقة الغبية أشبه بكونها «صفقة يدفعون فيها الهدى، ويقبضون الضلالة، ويؤدون المغفرة ويأخذون فيها العذاب، فما أخسرها من صفقة وأغباها! ويا لسوء ما ابتاعوا وما اختاروا! وإنها لحقيقة، فقد كان الهدى مبذولًا لهم فتركوه وأخذوا الضلالة، وكانت المغفرة متاحة لهم فتركوها واختاروا العذاب» 52.
وصف الله تعالى في القرآن الكريم الضلال بأنه بعيدٌ تارةً، وبأنه مبين تارةً أخرى، وسيتم الوقوف إن شاء الله تعالى هنا على هذه المواضع كما وردت في السياق القرآني؛ لتجلية ما في ذلك من حكمٍ وأسرار أطلعنا الله تعالى عليها، وذلك فيما يأتي:
أولًا: وصف الضلال بالمبين:
وقد ورد ذلك في ستة عشر موضعًا، ومنها:
قوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنعام: ٧٤].
أتتنسك لصنمٍ تعبده من دون الله؟! إني أراك وكل السالكين مسلكك تائهين لا تهتدون أين تسلكون، بل أنتم في حيرة وجهلٍ، وأمركم في الجهالة والضلال، وهذا بينٌ واضحٌ لكل ذي عقلٍ سليمٍ53.
كما وصف قوم نوحٍ نوحًا عليه السلام بالضلال بالمبين في قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ٦٠].
والقوم هنا هم قوم نوح عليه السلام، والمعنى: إنا لنراك يا نوح في دعوتك إيانا قد صرت من الضالين التائهين عن طريق الحق، وهكذا حال الفجار، ومثل هذا قوله تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [المطففين: ٣٢]54.
كما وصفت امرأة العزيز بالضلال بالمبين في قوله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [يوسف: ٣٠].
إن هذا القول جاء على لسان نسوةٍ وصفًا لامرأة العزيز على حبها ليوسف عليه السلام، وتعلق قلبها به، لكن الله تعالى عصمه منها55.
كما وُصِفَ أبو يوسف بالضلال المبين في قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [يوسف: ٨].
والمقصود بالضلال هنا الذهاب عن وجه التدبير في إيثار اثنين على عشرة مع استوائهم في الانتساب إليه56.
كما وصف الكافرين بالضلال المبين في قوله تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [مريم: ٣٨].
والضلال هنا هو ضلال عن طريق الجنة بخلاف المؤمنين57.
كما وصف قوم إبراهيم عليه السلام بالضلال المبين في قوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنبياء: ٥٤].
الضلال هو العدول عن المنهج عدولًا ظاهرًا لا يخفى على عاقل58.
كما وصف جنود إبليس بالضلال المبين في قوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الشعراء: ٩٧].
الضلال هنا هو الخطأ البين59.
ويتبين -بعد الرجوع إلى تفسير بعض النماذج القرآنية التي وصفت الضلال بالمبين- الملاحظات الآتية:
الملاحظة الأولى: إن السواد الأعظم من الآيات التي وصفت الضلال بالمبين مكيةٌ؛ حيث بلغ عدد المكيات منها أربع عشرة آية، في مقابل آيتين مدنيتين.
الملاحظة الثانية: إن الضلال المبين الذي ورد في المواضع التي ذكر فيها تحتمل المعاني الآتية:
ولا شك أن جميعها تدور حول المعنى العام للضلال، الذي هو عدول عن المنهج عمدًا كان أو سهوًا، مما يبين أن الضلال له وجوه متعددة، متفرعة عن المعنى العام له؛ لتعالج الموقف المناسب بمعنىً يختص به.
ثانيًا: وصف الضلال البعيد:
وقد ورد ذلك في سبعة مواضع، منها:
وصف الله تعالى الكافرين بالضلال البعيد في قوله: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النساء: ١٦٧].
أي: إن الذين كفروا بالله تعالى صدوا عن سبيله قد بعدوا عن المنهج بعدًا عظيمًا شاسعًا60.
كما وصف الله تعالى الكافرين أيضًا بقوله: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [إبراهيم: ٣].
الضلال هنا هو عدولٌ عن طريق الحق، وقيل: يجوز أن يراد بالضلال البعيد، أي: ذي بعدٍ، أو فيه بعدٌ؛ لأن الضال يبعد عن الطريق61.
كما وصف الله تعالى قرين السوء بالضلال البعيد في قوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [ق: ٢٧].
الضلال ثابت للإنسان الضال بالأصالة ملازم لتكوينه، والبعيد مستعارٌ للبالغ في قوة النوع حدًا لا يبلغ إليه إدراك العاقل بسهولة، كما لا تبلغ سير السائر إلى المكان البعيد إلا بمشقة أو بعيد الزمان، أي: قديم أصيل، والمعنى: إن تمكن الضلال منه يدل على أنه ليس فيه بتابع لما يمليه غيره عليه62.
ويتضح هنا أن مصطلح الضلال البعيد في المواضع السابقة التي ذكر فيها يعني أحد خمسة احتمالات:
ويتضح أيضًا أن للضلال البعيد أسبابًا، منها: استحباب الحياة الدنيا على الآخرة، والصد عن سبيل الله تعالى والكفر به، والشرك بالله، والتحاكم إلى الطاغوت، والكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والدعاء من دون الله تعالى ما لا ينفع ولا يضر.
ورد في القرآن الكريم ما يبين أن الضلال منه ما كان عن عمدٍ يحاسب عليه المرء عند الله تعالى، ومنه ما كان عن جهلٍ ونسيان، وتوضيح ذلك فيما يأتي:
أولًا: ضلال التعمد:
وقد أخذ هذا الموضوع مساحةً في الخطاب القرآني، ومن أمثلته:
١. ضلال قوم نوح عليه السلام.
قال تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [نوح: ٢٧].
أي: إنك إن تتركهم دون أن تهلكهم، فأبقيت أحدًا منهم حيًا، سيدعون عباد الله تعالى المؤمنين إلى الضلال، ولا يلدوا إلا كفرةً فجرةً من أمثالهم، وهذا تعليلٌ لدعائه عليهم جميعًا بالهلاك63.
فسيدنا نوحٌ صلى الله عليه وسلم عرف أن قومه لن يؤمنوا، بل سيزدادون في الكفر، من خلال أمرين: الأول: النص القرآني، كما قال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [هود: ٣٦].
والآخر: الاستقراء؛ فقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، تعرف على طباعهم وجربهم، حيث كان القوم يتوارثون عمليات التضليل، والتكذيب لنبي الله نوح صلى الله عليه وسلم، وقوله: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)، أي: أنهم يكونون في علمك كذلك، أو أنهم سيصيرون كذلك، ولا شك أن هذا الطلب من نبي الله نوح صلى الله عليه وسلم يحمل معنىً عظيمًا في الرحمة بذرية القوم التي ستأتي تباعًا إن لم ينالوا عقابهم؛ حتى لا تحاسب هذه الذرية على ممارسات التضليل64.
٢. حرص أهل الكتاب على التضليل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [آل عمران: ٦٩].
حيث تبين هذه الآية الكريمة أن فريقًا من أهل الكتاب كانوا يتمنون إضلال المؤمنين، وفتنتهم عن دينهم، بإلقاء الشبه التي توهن الاعتقاد65، والحال أن وبال ضلال هؤلاء المضلين عائدٌ عليهم، وأما نفس الضلال فمحالٌ؛ لأنهم يضلون المؤمنين بالانتقال من الإيمان إلى الكفر، وهم لا يعرفون الإيمان قط66.
٣. الوصف بالضلال لمن أمعن في الكفر.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [آل عمران: ٩٠].
ومقصود هذه الآية فيه «أربعة تأويلات:
أحدها: أنهم اليهود كفروا بالمسيح، ثم ازدادوا كفرًا لمحمد، لن تقبل توبتهم عند موتهم، وهذا قول قتادة.
الثاني: أنهم أهل الكتاب لن تقبل توبتهم؛ لذنوبٍ ارتكبوها مع الإقامة على كفرهم، وهذا قول أبي العالية.
الثالث: أنهم قومٌ ارتدوا ثم عزموا على إظهار التوبة على طريق التورية، فأطلع الله نبيه على سريرتهم، وهذا قول ابن عباس.
الرابع: أنهم اليهود والنصارى كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم قبل مبعثه، ثم ازدادوا كفرًا إلى حضور آجالهم، وهذا قول الحسن» 67.
والذي يترجح من خلال السياق القرآني أن رأي الحسن هو الأقرب إلى الصواب؛ ولذلك وصفوا بعد كل ما صدر منهم بأنهم هم الضالون68 الذين عدلوا عن المنهج الحق عمدًا وظلمًا.
ثانيًا: ضلال الجهل والنسيان:
ورد ضلال الجهل والنسيان في القرآن الكريم من خلال جوانب عديدة، منها:
١. الضلال في حق النبي صلى الله عليه وسلم معناه الجهل بالأحكام الشرعية.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ) [الضحى: ٧].
ويترجح أن الضلال هنا يعني أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم كان ضالًا جاهلًا عن علم الشرائع والأحكام في دين الله تعالى، فهداه الله تعالى إلى ذلك.
ودليل ذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الشورى: ٥٢]69.
٢. تعليم الله للمؤمنين شرائعهم حتى لا يضلوا.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النساء: ١٧٦].
إن الله تعالى يذكر في هذه الآية الكريمة سبب تولي القرآن الكريم لبيان أحكام الميراث، وهو ألا يذهب الناس إلى طرقٍ ضالةٍ بأمور، منها إهمال الميراث جملةً، وألا يعطوا أحدًا من الورثة شيئًا، وجعل الحرية للمورث يوصي بماله لمن يشاء من غير قيد، وفي ذلك ضلالٌ أي ضلالٍ، إذ يترك ورثته ضياعًا، ويعطي المال غيرهم، وحرمان من يشاء المورث وإعطاء من يشاء، وفي ذلك إثارة للبغضاء والعداوة70.
وتأتي هذه الآية الكريمة في فاصلتها لتبين أنه تعالى يبين أحكامه التي يحتاجونها، ويشرحها فضلًا منه وإحسانًا؛ لكي يهتدوا ببيانه، ويعملوا بأحكامه، ولأن لا يضلوا عن الصراط المستقيم بسبب جهلهم وعدم علمهم71.
ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)72.
٣. الشعور بالضلال عند الصدمة.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [القلم: ٢٦].
فإن هذه الآية جاءت في معرض الحديث عن ابتلاء أصحاب الجنة، حيث اجتهدوا في اجتماعاتهم السرية على أن يمنعوا الفقراء من حقهم في خيرات جنتهم، وتعاهدوا فيما بينهم أن يأتوا صباح اليوم التالي لمؤامرتهم، فيقطفوا جميع الثمار ويبيعوها أو يدخروها؛ حتى لا ينتفع الفقراء من هذا الخير، فأحرقت بأمر الله تعالى ليلًا، فلما رأوها في اليوم التالي قالوا: إنا لضالون عن الطريق، من قوة الصدمة، كأنهم لما رأوا جنتهم محترقة سبق إلى ذهنهم أنها ليست هي، وأنهم ضلوا الطريق، فلما تأملوا وعرفوا أنها هي قالوا: بل نحن من حرم خيرها؛ لشؤم عزمنا على البخل، وبسبب ما وقع منا من العزم على منع المساكين من خيرها، ولخساستنا وخباثة نفوسنا، وبعدما بان لهم ذلك، قال أعدلهم رأيًا وعقلًا على وجه التقريع والتشنيع لإخوانه: ألم أقل لكم وقت مشاورتكم على حرمان الفقراء هلا تذكرون الله تعالى بالخير، ولم لا تشكرون نعمه بالإنفاق على الفقراء73.
٤. ضلال المرأة بنسيانها.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [البقرة: ٢٨٢].
ووجه قوله: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)، أنه لما كان الضلال سبب الإذكار، وهو متقدم عليه صار لتعلق كل واحدٍ منهما بالآخر، أي: فتذكرها إن ضلت74.
٥. ضلال المسلمين عن معرفة أحكام الدين قبل الإسلام.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [البقرة: ١٩٨].
أي: لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده، فما دام الأمر كذلك فاذكروا الله تعالى بتوحيده وتعظيمه كما ذكركم بالهداية، وما كنتم من قبله إلا من الضالين، والضلال هنا بمعنى الجهل بالمعارف الحقيقية75.
وإن الشاهد هنا هو فاصلة الآية التي تطلب من المسلمين أن يذكروا الله تعالى؛ لهدايته لهم الإرشادية لأحكام الدين بعد هدايته التوفيقية للإسلام.
ورد في القرآن الكريم ما يبين أسباب الضلالة، ومنها:
أولًا: مخالفة أمر الله تعالى ومعصيته:
ورد الحديث عن مخالفة أمر الله ومعصيته واضحًا في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأحزاب: ٣٦].
فقد وردت هذه الآية بعد الآية التي سميت آية النساء؛ لما ثبت أن أم عمارة الأنصارية أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء، فنزل قوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الأحزاب: ٣٥] الآية76.
وتأتي هذه الآية لتبين أنه ما صح وما استقام لرجل ولا امرأة من المؤمنين والمؤمنات إذا قضى رسول الله أن يختار رأيًا غير ما قضاه الله ورسوله77.
ولما كان الإيمان قد يدعى كذبًا لخفاء به، قال: (ﭓ) أي: عبد الله بن جحش وزيد، (ﭔ ﭕ)، أي: زينب بنت جحش وغيرها، فعلق الأمر بالإيمان؛ إعلامًا بأن من اعترض غير مؤمن، وإن أظهر الإيمان بلسانه78.
والخيرة هنا تعني أن يختاروا من أمرهم ما شاؤوا، بل يجب عليهم أن يجعلوا آراءهم واختيارهم تبعًا لرأيه عليه السلام، واختياره، والمقصود هنا كل مؤمن وكل مؤمنة؛ لوقوع ذلك في سياق النفي79.
إن هذه الآية تبين أن من يعص الله ورسوله في أمر من الأمور، ويعمل برأيه، فخالف الكتاب والسنة، فقد ضل طريق الحق، وعدل عن الصراط المستقيم؛ فهو بين الانحراف عن سنن الصواب80.
ثانيًا: عدم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لقد برز عدم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واضحًا في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النور: ٥٤].
تأتي هذه الآية في معرض الحديث عن المنافقين، بأنهم أقسموا بالله طاقة ما قدروا، لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا ونسائنا وأموالنا لخرجنا، ولو أمرتنا بالجهاد لجاهدنا، فيقول الله تعالى لهم: لا تقسموا، فإن الأولى بكم من إيمانكم أن تطيعوا الطاعة المعروفة، والقول المعروف، بإخلاص القلب، ولا حاجة إلى اليمين، والمعنى: قد عرفت طاعتكم، وهي الكذب والتكذيب، أي: المعروف منكم الكذب دون الإخلاص، فالله تعالى خبير بما تعملون من طاعتكم بالقول، ومخالفتكم بالفعل81.
لأن طاعة الله وطاعة الرسول بإخلاص الطاعة، وترك النفاق، فإن تولوا فإنما على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما حمل من تبليغ الرسالة، وعليهم ما حملوا من الطاعة له، ثم يأتي هذا الشرط وهو إن تطيعوا رسولكم صلى الله عليه وسلم تهتدوا، وما على الرسول إلا التبليغ المبين82.
وقد سبقت الإشارة إلى أن الهداية تأتي في مقابل الضلالة بكل جوانبها، ومن ثم فإن الاستدلال بهذه الآية يكون من باب المخالفة.
وقد كان بعض السلف يقول: من أَمَّرَ السنة على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحكمة، ومن أمر البدعة والهوى على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالبدعة؛ لقوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) 83.
ثالثًا: اتباع الهوى:
لقد ورد اتباع الهوى في آيات عديدة، منها:
قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الأنعام: ٥٦].
أي: قل إني صرفت وزجرت بما نصب لي من الأدلة وأنزل علي من الآيات في أمر التوحيد عن عبادة ما تعبدون من دون الله تعالى، أو ما تسمونها آلهة، وتأتي (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) تأكيدًا لقطع أطماعهم، وإشارة إلى علة الامتناع عن متابعتهم، واستجهالًا لهم، وبيانًا لمبدأ ضلالهم، فإن المطلوب لمن تحرى الحق أن يتبع الحجة ولا يقلد84.
وقال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الأنعام: ١١٩].
أي: وإن كثيرًا من الكافرين ليعدلون عن المنهج المستقيم، متسلحين بما تهواه أنفسهم من تحيل الميتة وتحريمها بغير علم يعتمدونها في ذلك، ثم تأتي الفاصلة القرآنية (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)، أي: بالمتجاوزين حدودهم، الذين تسلحوا بالهوى85.
وقال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [ص: ٢٦].
أي: يا داود صلى الله عليه وسلم إنا جعلناك خليفةً في الأرض لتدبر الناس بأمرٍ نافذ الحكم فيهم، حيث يأمر الله تعالى أن يحكم بين الناس بالعدل، وألا يميل مع ما يشتهي إذا خالف أمر الله تعالى، فيضله ذلك الهوى عن دين الله تعالى وطريقه جل جلاله، ثم تأتي الفاصلة القرآنية لتبين أن الذين تركوا الإيمان بيوم الحساب، فضلوا عن هذا الدين لهم عذابٌ شديدٌ يوم القيامة86.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الجاثية: ٢٣].
أي: إنما يأتمر بهواه فمهما رآه حسنًا فعله، ومهما رآه قبيحًا تركه، فيكون بذلك قد استحق إضلال الله تعالى له على علمٍ منه، بأنه يضله لعلمه أنه يستحق ذلك، أو أنه يضله الله بعد بلوغ العلم إليه، ولا شك أن الثاني يستلزم الأول، ولا ينعكس87.
رابعًا: اتباع الشيطان:
لقد ورد اتباع الشيطان واضحًا في آياتٍ عديدة، منها:
قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الحج: ٣، ٤].
حيث جاءت هذه الآيات إثر بيان عظيم شأن الساعة المنبئة عن البعث بيانًا لحال بعض المنكرين لها، حيث بينت أن بعض الناس من يجادل في شأن الله تعالى، ويقول فيه ما لا خير فيه من الأباطيل ملابسًا بغير علمٍ، أي: دون دليلٍ من القرآن الكريم أو من السنة النبوية، ويتبع فيما يتعاطاه من المجادلة، أو في كل ما يأتي، وما يذر من الأمور الباطلة، التي من جملتها اتباع كل عاتٍ متمرد متجرد للفساد، والمراد هنا إما رؤساء الكفر الذين يدعون من دونهم إلى الكفر؛ فهم شياطين الإنس، وإما إبليس وجنوده؛ فهم شياطين الجن88.
وقال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [القصص: ١٥].
إن هذه الآية تبين أن نبينا موسى صلى الله عليه وسلم بعد أن بلغ أشده واستوى وأوتي من الحكم والعلم الشيء الكثير -وأن هذا جزاء كل محسن في طاعته- قد دخل المدينة على حين غفلة من أهلها، إما وقت مقولته، أو غير ذلك من الأوقات التي بها يغفلون عن الانتشار، (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)، أي: يتخاصمان ويتضاربان، (ﭨ ﭩ ﭪ) من بني إسرائيل، (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) من القبط، (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)؛ لأنه قد اشتهر وعلم الناس أنه من بني إسرائيل.
واستغاثته لموسى صلى الله عليه وسلم دليل على أنه صلى الله عليه وسلم بلغ مبلغًا يخاف منه، ويرجى من بيت المملكة والسلطان، فوكز الذي من عدوه استجابةً لاستغاثة الإسرائيلي، فأماته من تلك الوكزة؛ لشدتها وقوة موسى صلى الله عليه وسلم، فندم موسى عليه السلام لما جرى منه، وقال هذا من تزيين الشيطان، بوسوسته، فلذلك أجريت ما أجريت، بسبب عداوته البينة، وحرصه على الإضلال89.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء: ٦٠].
أي: ألم تر يا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بالقرآن والتوراة، ووصفهم بادعاء الإيمان بالقرآن؛ لتأكيد العجيب من حالهم، وتشديد التوبيخ والاستقباح؛ لبيان كمال المباينة بين دعواهم المقتضية حتمًا للتحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين ما صدر عنهم من مخالفة الأمر المحتوم، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت الداعي إلى الطغيان، بالحكم على خلاف المنزل إليك، والمنزل على من قبلك، فيعصون الله تعالى، ويطيعون الشيطان، ويريد الشيطان جنًا كان أو إنسًا أن يضلهم ضلالًا بعيدًا عن الحق والهدى90.
وقال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [النساء: ١١٩].
أي: لأحرفنهم عن دين الله تعالى إلى دينٍ شرعه لهم إبليس كهيئة البحائر والسوائب91، وقيل: لأضلنهم عن الحق، ولأمنينهم الأماني الباطلة، كطول الحياة، وألا بعث ولا عقاب، ومعنى (ﯔ): يشقون آذان الأنعام؛ لتحريم ما أحل الله تعالى 92.
خامسًا: اتباع الكبراء والرؤساء:
قد برز اتباع الكبراء والرؤساء واضحًا في قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الأحزاب: ٦٧].
تبين هذه الآية الكريمة أن الكبراء والسادة هم الذين لقنوا الكافرين الأتباع، والتعبير عنهم بعنوان السيادة والكبر؛ لتقوية الاعتذار، وإلا فهم في مقام التحقير والإهانة، وقد قرئ «سادة»؛ و«سادات» على جمع الجمع -كما ورد عن ابن عامر الشامي-؛ للدلالة على الكثرة، تم تأتي الفاصلة القرآنية لتبين اعتراف الأتباع بأن الكبراء والسادة الذين هم رؤساؤهم في الشرك والشر، صرفوهم عن طريق الإسلام والتوحيد، بما زينوه لهم من الكفر والشرك، ولا شك أن حال الأتباع حينما قالوا كانت معاناة، وقسوة، وشدة في العذاب في النار93.
ويلاحظ في هذه الآية الكريمة أن الكفار ينادون الله تعالى بصفة الربوبية؛ لأنهم يتحننون إليه، ويتوسلون إليه تعالى؛ لعل هذه الغمة تذهب عنهم، وتبين هذه الآية الكريمة أن الأتباع يقولون عن السادات والكبراء بأنهم أضلوهم السبيل؛ ليبينوا أنهم كانوا الحريصين على الإسلام، لكن قادة الكفر قد نصبوا المصائد والفخوخ والمشانق؛ حتى يحرفوهم عن الحق.
سادسًا: اتباع الآباء:
وقد ورد اتباع الآباء واضحًا في قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الصافات: ٦٦-٦٩].
حيث إن الآية التاسعة والستين جاءت تعليلًا بما جازى الله تعالى الكافرين به من العذاب، وإبداءً للمناسبة، بينه وبين جرمهم، فإن جرمهم كان تلقيًا لما وجدوا عليه آباءهم من الشرك وشعبه، بدون نظر ولا اختيار لما يختاره العقل، فكان جزاؤهم أنهم يطعمون طعامًا مؤلمـًا، ويسقون شرابًا قذرًا، بدون اختيارٍ منهم، كما تلقوا دين آبائهم تقليدًا واعتباطًا94.
فإن أولئك القوم وجدوا آباءهم على ضلالة، فهم على آثار آبائهم يسرعون، ولقد ضل عن قصد السبيل قبلهم من الأمم الخالية95.
وبعد كل ما تقدم من بيان تقليدهم لآبائهم في الكفر، يتضح أنهم عريقون في الضلالة، وهم في الوقت ذاته مقلدون، لا يفكرون ولا يتدبرون، بل يطيرون معجلين يقفون خطى آبائهم الضالين غير ناظرين، ولا متعقلين، وقد كان ضلالهم بعد الإنذار والتحذير، وفي ذلك يقول تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الصافات:٧٢ -٧٣]96.
ويقصد بمجالات الضلال هنا تلك الجوانب التي يقع فيها انحراف وضلال، وهي:
أولًا: العقائد:
سنتناول هنا بيان ضلال الكافرين عن اتباع الدين، في أصوله ومعتقداته؛ حيث إن القرآن الكريم بين ضلالهم من خلال جوانب عديدة، منها:
١. ضلالهم بالكفر بكل الدين مجمله ومفصله.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [النساء: ١٣٦].
والضلال هنا بعدٌ عن الحق، وقد جاء في رأس هذه الآية أمرٌ للمؤمنين بأن يؤمنوا بالله تعالى، أي: يثبتوا على الإيمان، كأن تقول للرجل الواقف: اثبت واقفًا، وقال البعض: هو خطابٌ للمنافقين، الذين آمنوا باللسان أن يؤمنوا بالقلب، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه خطابٌ لأهل الكتاب، أي: أنهم كما آمنوا بموسى وعيسى -عليهما السلام-، يؤمرون في هذه الآية بأن يؤمنوا بمحمد، والكتاب الذي نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن، والكتاب الذي أنزل من قبل، أي: كل الكتب المنزلة من قبل القرآن97.
٢. الضلال بعبادة غير الله تعالى.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الأعراف: ١٤٩].
ولما ندم الذين عبدوا العجل الذي وصف جل ثناؤه صفته عند رجوع موسى صلى الله عليه وسلم إليهم، واستسلموا لموسى صلى الله عليه وسلم، وحكمه فيهم، ورأوا أنهم قد جاروا عن قصد السبيل، وذهبوا عن دين الله تعالى، وكفروا بربهم، عندها قالوا تائبين إلى الله تعالى، منيبين إليه من كفرهم به: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) 98.
وفي هذه الآية دليلٌ على أن بني إسرائيل الذين اجتازوا البحر مع نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم، ونجوا بفضل الله تعالى من فرعون وقومه، قد ضلوا حينما أخرج لهم السامري عجلًا جسدًا له خوارٌ، وقال لهم: هذا إلهكم وإله موسى، وبعد تلبسهم بعبادته أرادوا أن يرجعوا إلى الله تعالى تائبين منيبين، وقبل أن يقبل الله تعالى توبتهم رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا؛ لأن الله تعالى كان قد أخبره أن قومه قد فتنوا، وأن السامري قد أضلهم؛ فكان حال رجوعه حال غضبٍ وأسف، فلا تنفع بني إسرائيل الشرائع ما داموا قد كفروا بالعقائد؛ ولذلك ألقى الألواح وفعل ما فعل بأخيه هارون، إذ إنه أوصاه قبل أن يذهب إلى ربه أن يصلح ولا يتبع سبيل المفسدين، فابتدره أخوه هارون صلى الله عليه وسلم قائلًا له: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الأعراف: ١٥٠].
وعندها استغفر موسى صلى الله عليه وسلم له ولأخيه هارون صلى الله عليه وسلم وطلب أن يدخلا في رحمة الله تعالى.
وقد ورد في آياتٍ أخرى أنه ليس هنالك أضل ممن يدعو من دون الله تعالى من لا ينتصر ولا يستجيب، وذلك مثل قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأحقاف: ٥].
والمراد: ليس هناك أضل ممن يقف أمام الأصنام والأوثان، ويطلب منهم الرزق والخير، وما شابه؛ لأنهم لا يمكن أن يستجيبوا له إلى يوم القيامة، فهم لا يسمعون، ولا يفهمون؛ إذ إنهم غافلون99.
وقد وردت آية أخرى في السياق نفسه تبين أن الذي يختار الكفر بعد إيمانه فهو ضالٌ، قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [البقرة: ١٠٨].
حيث قيل في معنى هذه الآية: إنه من يتبدل الشدة بالرخاء فقد عدل عن السبيل100، وقيل: من يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما لا يعنيه بعد وضوح الحق فقد ضل سواء السبيل101، والراجح أن الكفر هنا ما هو مخرجٌ من الملة، وإن كان السياق القرآني حمالًا للمعاني السابقة.
٣. ضلال الكافرين في يأسهم من رحمة الله.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الحجر: ٥٦].
حيث إن نبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين طلب من ضيوفه الملائكة بعدما بشروه بغلامٍ عليم -وهو النبي إسحاق صلى الله عليه وسلم - أن يبينوا له بأي شيء يبشرون؟ فقالوا له: بشرناك بالصدق، فلا تكن من اليائسين من رحمة الله تعالى، فأجابهم بسؤال فيه دهشة واستغراب، ومن ييأس من رحمة ربه إلا الضالون الجاهلون الذين خسروا الدنيا والآخرة؟! حيث إن القنوط من رحمة الله تعالى كبيرةٌ، سيما إذا كان من جهة الولد102.
٤. حكم الله تعالى على الضالين بأنهم لن يهتدوا.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النحل: ٣٧].
أي: إن تحرص يا محمد صلى الله عليه وسلم على هدى هؤلاء المشركين على الإيمان بالله تعالى، واتباع الحق، فإن من أضله الله تعالى لا هادي له، فلا تجهد نفسك في أمره، وبلغه ما أرسلت به؛ لتتم الحجة، ثم إنهم ما لهم من ناصرٍ ينصرهم من الله تعالى إذا أراد عقوبتهم103.
٥. المفاصلة العقدية بين الحق والباطل.
قال تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [يونس: ٣٢].
أي: هذا الدين كله الالتزام به هو الحق، وليس هؤلاء الذين جعلتموهم معه شركاء، فماذا بعد عبادة الله تعالى الحق إلا الضلال الذي هو عبادة الشيطان، فكيف تصرف عقولكم إلى عبادة من لا يرزق ولا يحيي ولا يميت؟!104.
ثانيًا: الأحكام الشرعية:
نتناول هنا بيان ضلال المضلين في الأحكام الشرعية، التي تعتبر المفصل للعقائد، التي سبق ذكر بعضها، ومن هذه الأحكام الشرعية: العبادات، والمعاملات.
وسيتم الوقوف على كل واحدٍ من هذين التفرعين، بما يعالج هذا الموضوع -إن شاء الله تعالى-.
أما العبادات: فقد وردت آية توضح ضلال المتمسكين بغير الله تعالى، وهم يظنون أن هذا خيرٌ لهم عند الله تعالى، قال الله عز وجل: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [يونس: ١٨].
أي: ومن شأن المعبود القدرة على النفع والضر، وليس هذا متوفرًا لدى الأوثان، التي هي جمادٌ لا تقدر على فعل أي شيء، فهلا تخبرون الله تعالى بكونهم شفعاء عنده، وهذا إنباء بما ليس بمعلوم الله تعالى، فإن قيل: كيف أنبأوا الله بما لا يعلم؟
فالجواب هو أن هذا تهكمٌ بهم، وبما ادعوه من الحال الذي هو شفاعة الأصنام، وإعلام بأنه الذي أنبأوا به باطل؛ فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق علمه به، كما يخبر الرجل بما لا يعلمه105.
وأما المعاملات: فقد ورد ذلك في آياتٍ تبين أن العلاقة بين الإنسان وربه ليست علاقة ضلال؛ لأن الله تعالى يبين الحق من الباطل؛ فإما أن يشكر الإنسان فيهتدي، وإما أن يكفر فيضل، قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [التوبة: ١١٥].
هذه الآية من تتمة ما تقدم من تأكيد مباينة المشركين، والبراءة منهم، وترك الاستغفار؛ وذلك لأنهم حقت عليهم الكلمة، حيث قامت عليهم الحجة بإبلاغ الرسول إليهم ما يتقون، ودلالته إياهم على الصراط السوي، فضلوا عنه فأضلهم الله، فاستحقوا عقابه، إنه تعالى عليمٌ بجميع الأشياء106.
وليس من قبيل العادة في القرآن الكريم أن يصف الله تعالى المشركين بأنهم ضالون عن طريق الحق، وأن أحكامه تجري عليهم بعد أن هداهم للإسلام؛ حتى يبين لهم بالوحي صريحًا أو دلالةً ما يجب اتقاؤه من محظورات الدين، فلا ينزجر أحدٌ عما نهي عنه قبل إنزال الشرائع الحقة؛ لأنه لا يسمى ما صدر عنهم ضلالًا، ولا يؤاخذون به، فكأنه تسليةٌ للذين استغفروا للمشركين قبل ذلك، وفيه دليلٌ على أن الغافل غير مكلف بما لا يستند بمعرفته العقل107.
ثم وردت آية أخرى في سياق الضلال في المعاملات، تبين العلاقة بين الناس بعضهم لبعض، بين فريق المؤمنين المهتدين، وبين فريق الكافرين الضالين، فقال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [المائدة: ١٠٥].
أي: الزموا أمر أنفسكم وإصلاحها، واحفظوها من ملابسة المعاصي والإصرار على الذنوب، فواجبٌ عليكم أنفسكم108.
والضلال هنا ليس ضلال الكفر، ولكن في الضلال عن الحق في الإسلام؛ لأن من المسلمين من يقصرون فيجب دعوتهم إلى الحق، وإذا لم يلتزموا فعندها لا يضر من دعاهم هذه الضلالة التي هم فيها109.
وقد وردت آية كريمة تبين أن المشركين حينما أقيمت عليهم الحجة بأمرهم بالإنفاق في سبيل الله تعالى توطئةً لأمرهم بالإسلام إذا بهم يقلبون الحق ضلالًا، وهذه الآية هي قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [يس: ٤٧].
فإن هذه الآية تأتي في سياق الحديث عن المشركين الذين من الكفر ما بلغوا؛ حيث تبين أنهم إذا قيل لهم من قبل المؤمنين الداعين إلى الله تعالى: أنفقوا مما منحكم الله تعالى من الرزق، وهذا لإقامة الحجة عليهم؛ لبيان ضلالهم؛ إذ إنه ليس بعد الكفر ذنب، حينها يردون على المؤمنين بقولهم: إذا لم يشأ الله أن يطعمهم لم نطعمهم؟ ثم تأتي الفاصلة القرآنية لتبين أن المشركين وصلوا إلى عمىً عن الحقيقة؛ حتى قلبوا الموازين فقالوا للمؤمنين: ما أنتم إلا غارقون في الضلال البائن بينونةً واضحةً110.
ثالثًا: الأخلاق:
ورد في القرآن الكريم ما يبين أن أهل الضلال لازمهم صفة البعد الكامل عن الأخلاق، كما أن القرآن الكريم بين أن الدعاة استخدموا مصطلح الضلالة في دعوتهم لأقوامهم، وسيتم الوقوف -إن شاء الله تعالى- هنا على بعض النماذج القرآنية لكل نقطة من النقطتين السابقتين، وذلك فيما يأتي:
قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الفرقان: ٤١، ٤٢].
حيث يبين الله تعالى في هاتين الآيتين أن المشركين إذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم لا يتخذونه إلا هزوًا، متسائلين سؤالًا فيه عدم تقدير، أهذا الذي بعث الله رسولًا، ثم يتمادون في قلة أدبهم، وبشاعة ألفاظهم، وزيادة تعديهم على حدود الإنسانية، بقولهم: لقد كاد محمد صلى الله عليه وسلم أن يصرفنا عن طريق الحق، وعن عبادتنا، ولكننا حبسنا أنفسنا على عبادتها، ويبين الله تعالى أنهم سوف يعلمون حين يرون العذاب -وكانت يوم بدر-من أضل دينًا؟ أهم أم محمد صلى الله عليه وسلم111، ويجوز أن يكون العذاب في الآخرة عند الله تعالى112.
وقد ورد ذلك في حق نبي الله تعالى موسى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [الشعراء: ٢٠].
أي: «قال موسى لفرعون: فعلت تلك الفعلة التي فعلت، أي: قتلت تلك النفس التي قتلت إذًا وأنا من الضالين. يقول: وأنا من الجاهلين قبل أن يأتيني من الله وحي بتحريم قتله علي» 113.
ولا شك أن هذا المصطلح يحمل بين جنباته تأدبًا عظيمًا من النبي موسى صلى الله عليه وسلم؛ إذ إنه حسم النقاش بكونه فعل تلك الفعلة، وكان من الجاهلين عن معرفة ذلك الحكم، فهو يبين أن عذره فيما فعل كونه جاهلًا، ولم تأته الرسالة بعد.
وقد ورد في القرآن الكريم ما يبين أن العبد الصالح الذي انتصر للرسل الثلاثة الذين كذبهم قومهم، قال لقومه: إن اتخذت آلهةً من دون الله تعالى إني إذًا لمن المنحرفين عن المنهج، والكافرين بالله، حيث قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [يس: ٢٤].
إن الضلال بكل جوانب معناه الشامل تتحدد له مظاهر، يحكم من خلالها على أن هذا المظهر دالٌ على الضلال، وسيتم هنا -إن شاء الله تعالى- توضيح لكل مظهرٍ على حدة، من خلال الآتي:
أولًا: الشرك بالله تعالى:
إن الشرك بالله تعالى من الأمور التي يصل من خلالها الإنسان إلى الضلال الكبير، ويمكن توضيح هذه الظاهرة من خلال ما يأتي:
١. تفضيل الحياة الدنيا على الآخرة، والصد عن سبيل الله يؤدي إلى الضلال.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [إبراهيم: ٣٠].
إن كفار قريش وأمثالهم ممن هم على طريقتهم نفسها قد جعلوا لله تعالى أمثالًا في العبادة، أو في التسمية، وكل هذا لأجل الإضلال عن طريق الحق114.
وإن الإضلال عن سبيل الله يعني الإضلال عن التوحيد، حيث يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم على سبيل التوبيخ بأن يتمتعوا بشهواتهم وعبادة الأوثان، والأمر يحمل معنى التهديد أيضًا إيذانًا بأن المهدد عليه كالمطلوب للإفضاء إلى المهدد به، وأن الأمرين كائنان لا محالة، ولذلك علله بقوله: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)، وأن المخاطب لانهماكه فيه كالمأمور به من أمر المطاع115.
٢. الإشراك بالله تعالى ضلالٌ بعيد.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء: ١١٦].
هذه الآية تعقيب على الآية السابقة؛ للإشارة إلى أن المراد باتباع غير سبيل المؤمنين اتباع سبيل الكفر، من شرك وغيره، فعقبه بالتحذير من الشرك116.
ومعنى الآية إذًا: فقد سلك غير طريق الحق، وضل عن الهدى، وبعد عن الصواب، وأهلك نفسه وخسرها في الدنيا والآخرة، وفاتته سعادة الدارين117، وإن كل ذنبٍ قابلٌ للغفران إلا الإشراك بالله تعالى، وعبادة غيره، ومعاندة رسول الله الحق، فإن الله تعالى من شأنه المغفرة إلا أن يشرك في عبادته، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء118.
ثانيًا: عبادة الأصنام والأوثان:
وقد برز ذلك واضحًا في آياتٍ، منها:
قوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنعام: ٧٤].
أي: اذكر أيها الرسول لهؤلاء المشركين الذين تبين لك بالحجج بطلان شركهم، حين قال إبراهيم عليه السلام لأبيه آزر منكرًا عليه وعلى قومه شركهم وعائبًا عليهم جميعًا عبادة الأصنام دون الله تعالى، ثم قال له: إني أراك وقومك الذين يعبدون هذه الأصنام في ضلال عن الصراط المستقيم؛ فهو ضلالٌ بينٌ لا شبهة فيه للهدى119.
وقال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [إبراهيم: ٣٥، ٣٦].
وهذا دعاءٌ من نبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم لله تعالى أن يجعل مكة المكرمة بلدًا آمنًا، وأن يباعده الله تعالى وبنيه عن عبادة الأصنام، ثم تعلل الآية الثانية بأن هذه الأصنام أضلت عن الطريق المستقيم كثيرًا من الناس، وتأتي الفاصلة القرآنية لتدلل على تأدب نبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم في الطلب من الله تعالى لصالح بنيه، حيث يقول: من اتبع منهجي التوحيدي لله فهو مني، ومن عصاني بضلاله أو إضلاله عن الدين فيما دون الشرك فإنك غفور رحيم120.
وقال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنبياء: ٥٤].
أي: في ضلال بين واضحٍ، وأي ضلال أبلغ من ضلالهم في الشرك وترك التوحيد، أي: فليس ما قلتم يصلح للتمسك به، وقد اشتركتم وإياهم في الضلال الواضح البين لأي أحد121.
ثالثًا: الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم:
ورد في القرآن الكريم ما يبين أن الكفار بلغوا من ضلالهم ما جعلهم يستهزئون برسلهم، وهناك نموذجان من هذا الاستهزاء:
١. الاستهزاء بنبي الله نوح صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ٦٠].
حيث رد الكفار - وهم أشراف القوم ورؤساؤهم، حيث سموا بالملأ؛ لما يلتمس عندهم من المعروف وجودة الرأي؛ أو لأنهم يملؤون العيون أبهة- على نبيهم نوح صلى الله عليه وسلم، حينما دعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده، وبين لهم خوفه وشفقته عليهم من العذاب الأبدي، والشقاء السرمدي؛ لاستكبارهم وعدم انقيادهم له، وقدحهم فيه أعظم قدحٍ، ونسبوه إلى الضلال الذي هو عدول عن الطريق، ولم يكتفوا بمجرد الضلال، حتى جعلوه ضلالًا مبينًا واضحًا لكل أحد122.
٢. دفع شبهة الضلال والإغواء عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [النجم: ٢].
فبعد أن أقسم الله تعالى بالقرآن الذي نزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وعبر عنه بالنجم يبين في هذه الآية أن النبي محمدًا الذي أنزل عليه القرآن، والذي هو من قريش التي تعرف نسبه، وشرفه فهو ليس بضالٍ ولا بمجنون، وليس بغويٍ يعتقد باطلًا، بل هو رشيد مرشد، دالٌ على الله تعالى، لم يتكلم بالقرآن عن هوى نفسه، ولا عن رأيه أصلًا، فما القرآن إلا وحيٌ من الله تعالى، يجدد إيحاؤه إليه صلى الله عليه وسلم وقتًا بعد وقت123.
ولا شك أنهم قصدوا الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هذه الآية جاءت لتدفع هذا الاستهزاء.
وقد سبقت الإشارة إلى آية أخرى، وهي قوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الفرقان: ٤١، ٤٢].
حيث يقول المشركون إذا رأوك رأي العين فيتخذونك مهزوءًا به: هل هذا الذي بعثه الله رسولًا؟! فقد قارب أن يضلنا عن عبادة الله، ولو لم نصبر عليها لصرفنا عنها، ثم تأتي الفاصلة القرآنية لتبين أنه سوف يعلم المشركون حين يأتيهم عذاب الله تعالى من أخطأ طريقًا124.
رابعًا: تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله:
وقد ورد ذلك جليًا في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [التوبة: ٣٧].
فبعد أن بينت الآيات السابقة بعض أحكام الأشهر الحرم، وأنها أربعة، يوم خلق الله تعالى السماوات والأرض، وأن الله تعالى معيته مع المتقين، تبين هذه الآية الكريمة بأسلوب الحصر أن تأخير المحرم إلى صفر زيادة مبالغة في الكفر والإثم125؛ فإن هذا التأخير عدولٌ عن المنهج الحق، من قبل الكافرين، حيث يحلونه إذا قاتلوا فيه، ويحرموا مكانه صفرًا، وأما إذا لم يقاتلوا فيه حرموه126.
وكأنهم يستهزئون بهذه الأشهر الحرم؛ فإن الذي التزموا به فقط هو موافقة عدة هذه الأشهر، وهي أنها أربعة خلال العام، فالمصيبة أنهم أحلوا ما حرم الله تعالى، وقد زين لهم عملهم السيئ، ثم تأتي الفاصلة لتقرير أن الله تعالى لا يكتب الهداية التوفيقية للقوم الذين وصلوا إلى مرحلة الكفر الخارج عن الملة، والمقصود هنا كفار قريش، رغم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
خامسًا: القتل:
لقد برز ضلال القتل واضحًا في قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنعام: ١٤٠].
فقد بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن كفار قريش وغيرهم ممن سار على نفس طريقتهم قد خسروا؛ لأنهم وأدوا بناتهم، وحرموا البحيرة بعقولهم، فقتلوا الأولاد سفهًا في الرأي خوف الفقر، وحجروا على أنفسهم في أموالهم، ولم يخشوا في ذلك الفقر، فأبان ذلك عن تناقض آرائهم، وكان من العرب من تقتل الولد سفهًا بغير حجة منهم في قتلهم، وهم ربيعة ومضر، وكانوا يقتلون لأجل الحمية، ومنهم من يقول: الملائكة بنات الله127.
وتأتي الفاصلة القرآنية لتبين أن من فعل هذا قد ضل عن طريق الحق والرشاد، وما كان مهتديًا إلى طريق الصواب128.
سادسًا: موالاة الأعداء:
لقد عالج القرآن الكريم هذا المظهر الذي هو علامةٌ دالةٌ على ضلال كل من وقع في شركه، وذلك من خلال الآتي:
١. دفع شبهة الموالاة للادعاء في حق الله.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الكهف: ٥١].
أي: وما كنت متخذ المضلين أعوانًا129.
وفي هذا بيان لقبح ما اقترفوه من ادعاء باطل.
٢. اعتراف الكافرين بأن المجرمين هم من أضلهم.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الشعراء: ٩٩].
أي: وما دعانا إلى الضلال إلا المجرمون الأوائل ممن سبقنا130.
٣. نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن طاعة أكثر أهل الأرض.
قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الأنعام: ١١٦].
إن أهل الله تعالى قليلون عددًا، وإن كانوا كثيرين وزنًا وخطرًا، وأما الأعداء ففيهم كثرة، فإن لاحظتهم يا محمد صلى الله عليه وسلم فتنوك، وإن صاحبتهم منعوك عن الحق وقلبوك131؛ لأن المشركين كانوا يدعون إلى عبادة الأوثان فما يتبعون بعبادتهم الأوثان إلا ادعاء آلهة بظن منهم132، وإن ما كان من ظنٍ في القرآن الكريم فهو يقين133.
إن للضلال آثارًا عظيمة تحل بكل ضالٍ في الدنيا والآخرة؛ إذ إن الله تعالى قد يمهلهم، لكنه قطعًا لا يهملهم، ويمكن تقسيم هذه الآثار إلى:
أولًا: آثار الضلال في الدنيا:
بالنظر في آيات القرآن الكريم التي أوردت موضوع الضلال يمكن الخروج بمعرفة آثار الضلال في الدنيا، ومن خلال جوانب، أهمها:
١. الضال يضيق صدره، ولا يتسع للهداية.
قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأنعام: ١٢٥].
أي: شديد الضيق، كأنما يصعد في السماء؛ لشدته وثقله عليه134.
٢. العذاب الأليم في الدنيا.
ومثال هذا ما لحق بقوم نوح صلى الله عليه وسلم وغيره من الغرق، وغير ذلك من العذابات؛ فقد قال الله تعالى عن قوم نوح عليه السلام: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأعراف: ٦٤].
أي: «فكذب نوحًا قومه إذ أخبرهم أنه لله رسولٌ إليهم، يأمرهم بخلع الأنداد، والإقرار بوحدانية الله، والعمل بطاعته، وخالفوا أمر ربهم، ولجوا في طغيانهم يعمهون، فأنجاه الله في الفلك والذين معه من المؤمنين به»135.
٣. الضالون من الإنس يوبخهم القرآن بأن الأنعام أعلى منهم شأنًا في الهداية.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الفرقان: ٤٤].
أي: «أخطأ طريقًا» 136.
٤. الختم على سمع وقلب الضال، وكذلك الغشاوة على بصره.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الجاثية: ٢٣].
أي: أفرأيت الكافر الذي اتخذ دينه ما يهواه، وعدله الله عن المنهج المستقيم على ما سبق في علمه قبل أن يخلقه أنه ضالٌ137.
٥. الضال بغير علم يكون في الدنيا أسوأ الظالمين.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأنعام: ١٤٤].
فإن الله تعالى بين أنه يوجد أظلم ممن كذب على الله تعالى، وافترى بتحريم شيء لم يحرمه الله تعالى؛ لأجل أن يضل الناس بجهلٍ، أو افتراء عليه جاهلًا بصدور التحريم138.
٦. تمكن الشيطان من الضالين.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الحج: ٤].
فإن من جعل الشيطان وليًا له من دون الله تعالى فشأنه أن يضله ذلك الشيطان عن طريق الجنة، أو طريق الحق139.
٧. ضلال الأعمال للكافرين.
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [محمد: ٨].
وضلال الأعمال هنا: جعلها على غير هدىً واستقامة140، وذلك من خلال إبطالها؛ لأنها كانت في طاعة الشيطان141.
ثانيًا: آثار الضلال في الآخرة:
من آثار الضلال في الآخرة:
١. اعتراف الشيطان القرين بضلال من كان معه.
قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [ق: ٢٧].
أي: «قال شيطانه الذي كان معه في الدنيا: ربنا ما أضللته، ولكن كان في طريق بعيدٍ عن سبيل الهدى» 142.
٢. العمى عن الهدى إلى الجنة يوم القيامة، ومن ثم دخول النار.
قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الإسراء: ٧٢].
أي: «من كان في الدنيا أعمى عن حجج الله تعالى الدالة على وجوده وعلمه وقدرته، فلم يؤمن به، ولم يعبده فهو في الآخرة أشد عمىً وأضل سبيلًا» 143.
٣. يحشر الضالون يوم القيامة عميًا وصمًا وبكمًا.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الإسراء: ٩٧].
فإن الإضلال هنا يعني: العدول عن المنهج؛ لفساد الطبع144.
إن القرآن الكريم قد بين أن هذا المرض الخطير الذي يوصل مرتكبه إلى الخروج من الملة له علاج، لكنه يحتاج إلى صدقٍ في الطلب من الله تعالى لأن ينجيه من ذلك المرض، ويمكن تلخيص العلاج القرآني لهذا الضلال، من خلال الآتي:
١. عدم اتباع الشيطان.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النساء: ٨٣].
والخطاب للجميع فإن الكل لولا فضل الله لاتبع الشيطان إلا القليل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم 145.
٢. الرجوع إلى الله تعالى بصدق التوبة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الفرقان: ٦٨-٧١].
فإن إخلاص التوحيد، ونبذ كل أثر للشرك في العبادة لله تعالى، والتنزه عن قتل النفوس التي حرم الله تعالى، والبعد عن الزنى الذي عليه إثم عظيم في الدنيا والآخرة إلا التائبين إلى الله تعالى عن الذنوب، الذين صدقوا في إيمانهم، وأتبعوا ذلك بالطاعات، والأعمال الصالحات، فهؤلاء يجعل الله لهم مكان السيئات الحسنات، فيثابون عليها أجزل الثواب، وهكذا مضى أمر الله تعالى، فإن من تاب من إثمه، وظهر أثر ذلك في إقباله على الطاعة، واجتنابه المعصية، فهو الذي يقبل الله توبته، وبها يرجع إلى ربه بعد نفاره146.
٣. ذكر الله تعالى كثيرًا.
قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الأحزاب: ٤١].
حيث «أمر سبحانه عباده بأن يستكثروا من ذكره، بالتهليل والتحميد والتسبيح والتكبير، وكل ما هو ذكر لله تعالى » 147.
٤. طاعة الله تعالى، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النور: ٥٤].
«أي: أطيعوا طاعة من صميم قلوبكم، لا من ظاهر أقوالكم، وذكر الرسول مع الله؛ للإشارة إلى التلازم بينهما، وإلى أن طاعة الرسول واجبة على الأمة؛ لكيلا يتململ اليهود، والمنافقون من إجابة الرسول، زاعمين في نفوسهم الفاسدة الفصل بين طاعة الله وطاعة رسوله، فيعصون الرسول، ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا، والخطاب للمنافقين ومن في قلوبهم مرض» 148.
٥. اتباع سبيل المؤمنين.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النساء: ١١٥].
فإن سبيل المؤمنين هو دين الله تعالى149.
موضوعات ذات صلة: |
الاستقامة، الصد عن سبيل الله، الغلو، الفساد، الكفر، الهداية |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٣٥٦، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٨/١٥٣.
2 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٣٥٦، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٨/١٥٣، لسان العرب، ابن منظور ١١/٣٩٠.
3 انظر: مشارق الأنوار، القاضي عياض ٢/٥٨،
4 انظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، الأزهري ص١٧٧.
5 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١٠٢٤.
6 انظر: الكليات، الكفوي ص٥٧٦.
7 مقاليد العلوم، السيوطي ص٢٠٢.
8 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٠٩.
9 التعريفات، الجرجاني ص١٣٨، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢٢٣.
10 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢٢٣.
11 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٤٢١-٤٢٤، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الضاد ص٧١٤-٧١٧.
12 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٣١٠-٣١٢، نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، ابن الجوزي، ص٤٠٦-٤٠٩، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٣/٤٨١-٤٨٥.
13 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٦٦٧.
14 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢٥٥.
15 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/١٩١.
16 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٧٩، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٧٩١.
17 انظر: مقاليد العلوم، السيوطي ص٧٤.
18 تاج العروس من جواهر القاموس، الزبيدي، ٢٧/٢٢٤.
19 أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة، نخبة من العلماء، ص ٥٨.
20 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٩٥٨.
21 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٣٤٤.
22 انظر: العين، الفراهيدي ٣/٦، المصباح المنير، الفيومي ١/١٤٣.
23 مقاييس اللغة ٢/١٥-١٧ بتصرف.
24 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ٨٩.
25 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٥٥.
26 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٤٢٢.
27 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/١٥٤-١٥٥.
28 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ١/٢٥، رقم ٧١، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة ٢/٧١٨، رقم ١٠٣٧.
29 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٨١.
30 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٤١١.
31 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٢٦٧.
32 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٤٥٥.
33 انظر: تفسير السمرقندي ١/٤٧٧.
34 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٤/١٣٧٥.
35 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٢/٩٤.
36 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١٢/٧٦٢٣.
37 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٣٢٣.
38 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٧٧.
39 أخرجه أحمد في مسنده، حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، ٣٥/٣٢٣، رقم ٢١٤١٠.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٢٢، رقم ٥١٩٧.
40 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٣٤٠.
41 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٣٠.
42 انظر: فتح البيان، القنوجي ١١/٢١٠.
43 انظر: التفسير المظهري، ٨/٣٨.
44 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٢٣٩.
45 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٨٥.
46 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٢٩٨.
47 تفسير السمرقندي ١/٣٠.
48 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/٥٤.
49 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٢.
50 مفاتيح الغيب، الرازي ٥/٢٠٦.
51 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٥/٢٠٦.
52 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/١٥٨.
53 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٨٩.
54 انظر: المصدر السابق ٣/٤٣٢.
55 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٧٧.
56 انظر: المصدر السابق ٩/١٣٠.
57 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/١٨٨.
58 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/٤٠٨.
59 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٥٦٠.
60 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٧٦.
61 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٢٨.
62 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٣١٤.
63 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٣/٥٤٦، التفسير الوسيط، طنطاوي ١٥/١٢٥.
64 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٦٥٩.
65 انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ص٨١.
66 انظر: تفسير ابن عرفة ١/٣٧١.
67 النكت والعيون، الماوردي ١/٤٠٨.
68 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ١/٣٠٢.
69 انظر: غاية الأماني، شهاب الدين الشافعي ص٤٠٤.
70 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٤/٢٠٠١.
71 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢١٧.
72 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر ٢/٩٧٥، رقم ١٣٣٧.
73 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٦/٣٣٨، فتح القدير، الشوكاني ٥/٣٢٥.
74 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١/٥٩٠.
75 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/١٦٣، الوجيز، الواحدي ص١٥٧.
76 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأحزاب ٥/٢٠٧، رقم ٣٢١١.
وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي، ٧/٢١١.
77 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١٠٤.
78 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٥/٣٥٤.
79 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ٧/١٧٧.
80 انظر: مراح لبيد، محمد بن عمر الجاوي ٢/٢٥٤.
81 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٩٦.
82 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٩٦
83 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٣٠٣.
84 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٦٤.
85 انظر: تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص١٨٣.
86 انظر: لباب التأويل، الخازن ٤/٣٩.
87 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٦٨.
88 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٩٢.
89 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦١٣.
90 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٣/١٩٣.
91 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٢/٦٨٨.
92 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ١/٥٦٢.
93 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ٧/٢٤٤، التفسير المظهري ٧/٣٨٦، الصحيح المسبور، حكمت ياسين ٤/١٤٦.
94 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/١٢٦.
95 انظر: الموسوعة القرآنية، الأبياري ١١/٥٠، أوضح التفاسير، محمد الخطيب ص٥٤٧.
96 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٩٩١.
97 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ١/٤٩٠، تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ١/٤١٣.
98 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/١١٩.
99 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٩/٦.
100 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١/٢٠٤.
101 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/١٩٣.
102 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٢٥٨، معالم التنزيل، البغوي ٣/٦١.
103 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٢٠٢.
104 انظر: الوجيز، الواحدي ص٤٩٧.
105 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٦/١٤.
106 انظر: المصدر السابق ٥/٥١٧.
107 انظر: إرشاد العقل السليم أبو السعود ٤/١٠٨.
108 انظر: المصدر السابق ٣/٨٧، مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٤٨.
109 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٢/٥١.
110 انظر: المصدر السابق ٤/٤٦.
111 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٣٥.
112 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٣/٢٦١.
113 جامع البيان، الطبري ١٩/٣٤٠.
114 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ١/١٧٣.
115 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٩٩.
116 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٢٠٢.
117 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤١٤.
118 انظر: المنتخب، لجنة من علماء الأزهر ص١٣٠.
119 انظر: تفسير المراغي ٧/١٦٨.
120 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/١٣٤، ١٣٥.
121 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٢٥.
122 انظر: المصدر السابق ص٢٩٢.
123 انظر: مراح لبيد، محمد بن عمر الجاوي ٢/٤٦٣.
124 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٤٤٧.
125 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٥٧.
126 انظر: الوجيز، الواحدي ص٤٦٣.
127 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٩٦-٩٧.
128 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/١٦٣.
129 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٣/٦٩.
130 انظر: الوجيز، الواحدي ص٧٩٢.
131 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ١/٤٩٦.
132 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٢/٩٣.
133 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٤/١٣٧٥.
134 انظر: الوجيز، الواحدي ص٣٧٤.
135 جامع البيان، الطبري ١٢/٥٠٢.
136 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٣/٢٦٢.
137 انظر: الوجيز، الواحدي ص٩٩١.
138 انظر: فتح البيان، القنوجي ٤/٢٦١.
139 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٩٣.
140 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٨/٤٦٩.
141 انظر: التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير ص٥٠٧.
142 المصدر السابق ص٥١٩.
143 أيسر التفاسير، الجزائري ٣/٢١٥.
144 انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ص٤٢٣.
145 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٣/١٠١٧.
146 انظر: المصدر السابق ص٥٤٠.
147 فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٣٠.
148 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥٢١٨.
149 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ١/٤٠٦.