عناصر الموضوع
اقتران الصلاة بالأعمال الصالحة
أساليب القرآن في الحث على الصلاة
الصلاة
أولًا: المعنى اللغوي:
اختلف في جذر الصلاة، فمن علماء اللغة من رجح كون الكلمة منحدرة من الجذر « ص ل ي» وهي بمعنى الصلي بالنار، يقال:صليت العود بالنار إذا لينته؛ لأن المصلي يلين بالخشوع1، ومنهم من رجح انحدارها من الجذر « ص ل و» لأن جمعها الصلوات، والتثنية منها صلوان2، وكلا الجذرين اشتركا في إدراج المعنى العام للصلاة، والصلاة من الله تعالى: الرحمة والثناء، وتأتي من المخلوقات بمعنى الاستغفار والدعاء3.
قال الزجاج:الأصل في الصلاة اللزوم. يقال:قد صلي واصطلى إذا لزم، والصلاة لزوم ما فرض الله تعالى، والصلاة:واحدة الصلوات المفروضة، وهو اسمٌ يوضع موضع المصدر، أقول:صليت صلاةً ولا أقول:تصليةً، وهي العبادة المخصوصة، ولأن أصلها الدعاء فسميت ببعض أجزائها، وقيل:أصلها في اللغة التعظيم، وسميت الصلاة المخصوصة صلاةً لما فيها من تعظيم الرب تعالى4.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرفت الصلاة بأنها: «عبارة عن أركان مخصوصة، وأذكار معلومة، بشرائط محصورة في أوقات مقدرة، وقد عرفها أهل الفقه أيضًا بأنها: «أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة»5.
والمتأمل في التعريفين اللغوي والاصطلاحي يجد تناغمًا بينهما؛ فالصلاة المفروضة تجتمع فيها أغلب المعاني اللغوية، فهي دعاء واستغفار وتعظيم لله تعالى، وتقتضي التزامًا ونظامًا، وأثرها في تليين القلب وتقويم السلوك واضح وثابت في النصوص الشرعية.
وردت مادة «صلو» في القرآن الكريم (٩٩) مرة 6.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٣ |
(ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [القيامة:٣١] |
الفعل المضارع |
٦ |
(ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [آل عمران:٣٩] |
الفعل الأمر |
٣ |
(ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الأحزاب:٥٦] |
المصدر |
٨٣ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [البقرة:٢٣٨] |
اسم الفاعل |
٣ |
(ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ) [المدثر:٤٣] |
اسم مكان |
١ |
(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البقرة:١٢٥] |
وجاءت الصلاة في القرآن على أربعة وجوه7:
أحدها: بمعناها اللغوي وهو الدعاء والاستغفار: ومنه قوله تعالى: (ﭐﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [التوبة:١٠٣]. يعني:ادع واستغفر لهم.
الثاني: بمعنى المغفرة والرحمة: ومنه قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [البقرة:١٥٧].
وقوله تعالى: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [الأحزاب:٤٣].
والثالث: الصلاة بمعناها الشرعي: ومنه قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الإسراء:٧٨]. وهي الغالب في الاستعمال القرآني.
الرابع: موضع الصلاة: ومنه قوله تعالى: (ﭐﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الحج:٤٠]. يعني: بيوت الصلاة ومواضعها.
الدعاء:
الدعاء لغة:
مأخوذ من مادة «د ع و» التي تدل في الأصل على إمالة الشيء إليك بصوت وكلام يكون منك، ومن هذا الأصل الدعاء في معنى الرغبة إلى الله عز وجل، وهو واحد الأدعية، والفعل من ذلك دعا يدعو، والمصدر الدعاء والدعوى8.
الدعاء اصطلاحًا:
هو سؤال العبد ربه حاجته.
الصلة بين الدعاء والصلاة:
المفردتان متقاربتان في المعنى، فالصلاة أصلها دعاء وابتهال إلى الله ليغفر الذنوب، وفريضة الصلاة تتضمن الدعاء في تفاصيلها ولا تقوم دونه.
العبادة:
العبادة لغةً:
من الفعل عبد يعبد، عبادةً وعبوديةً، والمفعول: معبود، وعبد الله بمعنى وحده وأطاعه، وانقاد وخضع وذل له، والتزم شرائع دينه، وأدى فرائضه9.
العبادة اصطلاحًا:
قال المناوي: «العبادة فعل المكلف على خلاف هوى نفسه؛ تعظيمًا لربه، وقيل:هي الأفعال الواقعة على نهاية ما يمكن من التذلل والخضوع المتجاوز لتذلل بعض العباد لبعض، ولذلك اختصت بالرب، وهي أخص من العبودية التي تعني مطلق التذلل»10.
وقال الراغب: «العبودية: إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها؛ لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى »11.
الصلة بين العبادة والصلاة:
العبادة أعم من الصلاة، فالصلاة نوع من أنواع العبادات التي شرعها الله تعالى.
كل المخلوقات في هذا الكون عباد لله عز وجل، وإن اختلفت طرائق عباداتهم.
قال الله عز وجل: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [النور:٤١].
وقد ذكر بعض العلماء أن الصلاة بمفهومها الاصطلاحي المعروف هي لبني آدم، أما التسبيح الذي هو التنزيه والتعظيم فلسائر الخلق12.
وذكر الثعلبي تأويلين آخرين للآية بعيدًا عن تصنيف الصلاة للبشر والتسبيح لمن سواهم، أحدهما: أن كل مصل ومسبح قد علم الله صلاته وتسبيحه، والثاني: أن كل مسبح ومصل منهم قد علم صلاة نفسه وتسبيحه الذي كلفه الله، وقد علم كل منهم صلاة الله من تسبيحه، وعلى هذا فالصلاة والتسبيح غير مقصورين على أحد13.
وقد نقل الماوردي قولًا آخر، وهو احتمال أن يكون المقصود في الآية الطير على وجه الخصوص وأن ضرب أجنحتها صلاة وأن أصواتها تسبيح، وأنه قد تكون للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود14.
قال الشوكاني: «وفائدة الإخبار بأن كل واحد قد علم ذلك، أن صدور هذا التسبيح هو عن علم علمها الله ذلك وألهمها إليه، لا أن صدوره منها على طريقة الاتفاق بلا روية، وفي ذلك زيادة دلالة على بديع صنع الله سبحانه وعظيم شأنه، كونه جعلها مسبحة له عالمة بما يصدر منها غير جاهلة له»15.
وقال المراغي: « إن كل مصل ومسبح يعلم ما يجب عليه من الصلاة والتسبيح اللذين كلف بهما، وليس بالبعيد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لا يكاد العقلاء يهتدون إليها، انظر إلى النحل كيف تبنى بيوتها السداسية الأشكال التي لا يتمكن من بنائها فطاحل المهندسين إلا بدقيق الآلات، وإلى العنكبوت كيف تفعل الحيل اللطيفة لاصطياد الذباب»16.
وقد ثبت سجود جميع المخلوقات لله تعالى، قال عز وجل: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الحج:١٨].
وقد ذهب علماء التفسير إلى أن جميع مخلوقات الله من الملائكة في أقطار السموات، والحيوانات في جميع الجهات، من الإنس والجن والدواب والطير، تسجد لله تبارك وتعالى، وقوله: (ﭿ ﮀ ﮁ) [الحج:١٨].
إنما ذكر هذه على التنصيص؛ لأنها قد عبدت من دون الله، فبين أنها تسجد لخالقها، وأنها مسخرة له عز وجل17.
ومذهب أهل السنة أن لله علمًا في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره، ولها صلاة وتسبيح وخشية كما قال عز وجل: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الإسراء:٤٤].
فيجب على المرء الإيمان بذلك وأن يكل علمه إلى الله تعالى18.
وفي الحديث الصحيح عن جابر بن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن)19.
وقد وصف سيد قطب تناغم المخلوقات في كل الكون واجتماعها على العبادة والتسبيح وهي متجهة جميعًا إلى الله تعالى، ثم قال: «والإنسان وحده هو الذي يغفل عن تسبيح ربه وهو أجدر خلق الله بالإيمان والتسبيح والصلاة!» 20.
فالحق سبحانه وتعالى حين يعرض قضية التسبيح والخضوع والقهر من المخلوقات جميعًا لله يأتي الكلام عامًا لكل الأجناس بدون استثناء، إلا عندما يكون الكلام عن الناس فيوصف بالعبادة بعض الناس فقط! والأجدر أن يكون الإنسان هو المدرك الأكبر لفضل الله وعظمته فهو المميز بنعمة العقل دون غيره21.
الصلاة هي أحب الأعمال إلى الله، وقد ورد في فضلها نصوص كثيرة، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: (أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني) 22.
ولعل من أسباب أهمية الصلاة ما تتضمنه من مقاصد شرعية عظيمة، ومن تلك المقاصد ما يأتي23:
١. تحقيق مبدأ الامتثال والانقياد في نفس المصلي.
وتعويده على الطاعة والتعبد والانتظام في منهج التكليف والاستخلاف، وتجديد العهد بالله تعالى في كل صلاة، وهذا المبدأ هو أساس معنى الإسلام، فالإسلام قائم على الاستسلام لله والخضوع له وحده لا شريك له والانقياد له بالطاعة، والإنسان بطبيعته بحاجة إلى أن ينقاد إلى إله يلجأ إليه ويتذلل له، والله تعالى هو الإله الحق المستحق للعبادة وهو المتفضل علينا بسائر النعم، وفي فرض الصلاة تمرين للنفس على النظام والالتزام.
قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النساء:١٠٣].
أي: هي مفروضة علينا حسب الأوقات التي حددها الشارع الحكيم24، ولا يخفى ما في التزام النظام من استقرار نفسي و رقي سلوكي.
٢. إصلاح النفس وتهذيبها، وتخليصها من الفواحش والمنكرات والهواجس والأوهام.
وهذه هي نتيجة الإخلاص والالتزام والخشوع في أداء الصلاة، فإن أقامها المؤمن باطمئنان وسكينة وتذكرٍ للرب العظيم الذي يقف بين يديه فسينتفع بثمراتها لا محالة.
قال تعالى: (ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [العنكبوت:٤٥].
والمعنى أن الصلوات الخمس هي التي تكفر ما بينها من الذنوب، كما جاء عن أبي هريرة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسًا، ما تقول: ذلك يبقي من درنه، قالوا: لا يبقي من درنه شيئًا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله به الخطايا)25.
وذكر القرطبي في تفسيره أن ما يتلى في الصلاة ينهى عن الفحشاء والمنكر، وعن الزنى والمعاصي 26.
وذكر ابن عاشور أن أقوال الصلاة وأفعالها تعمل كمذكرات بالله تعالى وتكون للمصلي كالواعظ المذكر بالله تعالى إذ ينهى سامعه عن ارتكاب ما لا يرضي الله27.
قال ابن تيمية: «نفس فعل الطاعات يتضمن ترك المعاصي ونفس ترك المعاصي يتضمن فعل الطاعات ولهذا كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فالصلاة تضمنت شيئين أحدهما نهيها عن الذنوب والثاني تضمنها ذكر الله»28.
٣. انشراح الصدر وطمأنة القلب وإراحة البال.
وهذه ثمرة عظيمة من ثمرات الصلاة، فالإنسان المؤدي للصلاة في أوقاتها ويراعي شروطها وأركانها يستنير قلبه وتنفرج أساريره ويطمئن قلبه، ويتعطش لها إذا ما أجبرته الظروف للتأخر عنها، فتتكدر نفسه ولا يهدأ إلا بها، وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حينما قال لبلال رضي الله عنه: (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)29.
كما شرعت الطهارة والصلاة للغضبان والمصاب والمكروب وغيرهم، فقد قال المولى تبارك وتعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الرعد:٢٨].
أي: تسكن وتستأنس قلوب المؤمنين بتذكر الله في القلب وذكره على اللسان، وهذا ما يتحصل للمؤمن حين يصلي30، فالأساس في الصلاة هو الذكر، (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [طه:١٤].
وقد استخدم القرآن الكريم الأداة «ألا» للتنبيه على أهمية ذكر الله والإغراء على ذلك الذكر الجالب للطمأنينة 31.
وقد ذكر الشعراوي في تفسيره للآية: «أن الاطمئنان مستوعب لكل القلوب؛ فكل إنسان له زاوية يضطرب فيها قلبه؛ وما أن يذكر الله حتى يجد الاطمئنان ويتثبت قلبه»32.
وفي السجود له سبحانه قرب وأنس، قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [العلق:١٩].
وهذا القرب الحاصل في الصلاة قد لا يحصل في غيرها، فالسجود استكانة واطمئنان والتجاء يقتضي إلطافه تعالى، وإجابته لدعواتهم، وتحقيقه لرغباتهم33.
٤. تحقيق الآثار الاجتماعية والإنسانية وتنميتها؛ كالأخوة والمساواة والتضامن.
ونفي الفرقة والتمييز المبني على اختلاف الجنس أو اللون أو الغنى أو الجاه أو المحسوبية أو ما شابه ذلك؛ فكل الناس موقوفون أما الخالق الكريم، يرجون رحمته ويخشون عذابه، وتجمعهم للصلاة فرصة عظيمة للتآلف والتضامن، فيتبادلون السلام والسؤال عن بعضهم بعضًا، كما يتشاورون في أمورهم الاجتماعية والحياتية، وقيام المسلم للصلاة بين يدي خالقه يساهم في توفير الإشباع الذاتي لحاجة الانتماء الاجتماعي؛ من خلال إحساسه بالانتماء إلى العقيدة الدينية ومشاركته ملايين المسلمين في أداء الفريضة، وهذا مما يساعد في زوال أمراض الشعور بالنقص، والتي قد تتولد لدى الفرد نتيجة مهنة بسيطة أو طبقة متدنية، وهذا يساهم في رفع الشعور بالمساواة لدى الفرد، فيشعر الفقير أنه كالغني، والقوي أنه كالضعيف، وتزال الحواجز الدنيوية البغيضة التي تفرق بين أبناء الأمة، الأمر الذي يزيد من تقبل الأدنى لذاته ورضاه عن واقعه، كما يشعر المصلي بأنه واحد من ملايين من البشر قد اتجهوا نحو مكان واحد لعبادة رب واحد وأداء عمل واحد هو الصلاة، وهذا الشعور يقوي عنده الإحساس بالقوة والعزة.
والصلاة لها آثار إيجابية على المسلم، فهي الجالبة لتوفيق الله عز وجل في أمور الدراسة والعمل والزواج وكل ما يهم الإنسان، وهي المتسببة الأولى في رضا الوالدين، وصحبة الصلاة والمسجد خير صحبة، فهم حفظة القرآن والمتخلقون بالخلق الحميد، الذين يدلون على فعل الخير، ليسوا كصحبة السوء الذين يدفعون بأصحابهم إلى فعل القبائح والبعد عن الخير والفلاح.
اقتران الصلاة بالأعمال الصالحة
اقترنت الصلاة ببعض أعمال البر، ومن تلك الأعمال: الزكاة.
إن أغلب آيات الأمر بالزكاة جاءت بعد الأمر بالصلاة في نفس الآية.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [البقرة:٤٣].
وقال: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [التوبة:١٨].
وقد أرجع بعض العلماء هذا الارتباط إلى أهمية هاتين الفريضتين، فهما من أعظم الفرائض التي حث الإسلام على أدائها، حيث إن الصلاة هي الركن الثاني في الإسلام بعد الشهادتين، والزكاة هي الركن الثالث، كما أن الصلاة حق الله والزكاة حق العباد وحق الله، والصلاة هي العبادة البدنية والمعنوية، والزكاة عبادة مالية ومعنوية34.
ولعل الصلاة والزكاة تشتركان في مفهوم التحرر من العبودية؛ فالصلاة تحرر من العبودية للمخلوقات والمصالح إلى عبودية الله رب الأرباب، والزكاة تحرر من عبودية المال والشهوات، هذه العبودية التي تستذل النفوس، وتنكس الرؤوس، فيتحرر الإنسان بها من الحرص الذي يذل أعناق الرجال35.
واقترنت الصلاة بالصبر في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [البقرة:٤٥].
وقوله عز وجل: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الحج:٣٥].
وقوله: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الرعد:٢٢].
وهذا الاقتران يدلل على أهمية الأمرين، ويلاحظ في الآيات التي قرنت الصلاة بالصبر ذكر الصبر قبل الصلاة ولعل ذلك ترتيب منطقي؛ فالصلاة تحتاج إلى صبر ومجاهدة للنفس، فحسن أن يأتي ذكر الصبر قبلها، والله أعلم.
قال الأصفهاني: «والصلاة أرفع منزلة من الصبر، لأنها تجمع ضروبًا من الصبر، إذ هي حبس الحواس على العبادة، وحبس الخواطر والأفكار على الطاعة، ولهذا قال عز وجل: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [البقرة:٤٥]. وخصها برد الضمير إليها دون الصبر»36.
لكن بعض العلماء أرجع السبب في رد الضمير إلى الصلاة كون الصلاة أعم من الصبر، فهي تتضمن الصبر والخشوع والتذلل وغير ذلك من لوازم الصلاة37.
أساليب القرآن في الحث على الصلاة
الصلاة عمود الدين، وثاني أركان الإسلام، وأول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة، وقد تنوعت الأساليب القرآنية في الحث على إقامتها والالتزام بها، وخاطب الله تعالى عباده بأسلوب الأمر تارة، وبأسلوب الثناء تارة، وبأسلوب الذم للتاركين تارة، كما سيأتي:
أولًا: أسلوب الأمر:
جاء الخطاب القرآني الداعي إلي إقامة الصلاة بصيغة الأمر مرات كثيرة، من ذلك استخدام فعل الأمر في قول الله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [البقرة:٤٣].
وقوله عز وجل: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة:١١٠].
وقوله: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الأحزاب:٣٣].
وكذلك أتى الأمر بالصلاة بصيغة الإخبار بأن الفعل مكتوب على المخاطبين38.
قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النساء:١٠٣].
وكذلك أتى الأمر عن طريق أسلوب المضارع المقرون بلام الأمر، تأمل قول الله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [النساء:١٠٢].
والأمر بكافة صيغه الواردة يقتضي وجوب المأمور به، والمبادرة بفعله فورًا، ومن الأدلة على أن الأمر يقتضي الوجوب قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النور:٦٣].
ووجه الدلالة أن الله حذر المخالفين عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن تصيبهم فتنة، أي زيغ، أو يصيبهم عذاب أليم، والتحذير بمثل ذلك لا يكون إلا على ترك، وقد قال الله عز وجل في شأن الصلاة على وجه الخصوص: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [مريم:٥٩].
والغي لمن أضاع الصلاة دلالة على وجوبها، ومن الأدلة على أن الأمر للفور قوله تعالى: (ﭯ ﭰ) [البقرة:١٤٨].
والمأمورات الشرعية خير، والأمر بالاستباق إليها دليل على وجوب المبادرة إلا إذا جاء دليل يصرفها عن ذلك 39.
ثانيًا: أسلوب الثناء على المقيمين لها والآمرين بها:
أثنى القرآن الكريم على المقيمين للصلاة في كثير من المواضع ووعدهم بالأجر الكبير؛ ليحث على إقامتها والالتزام بها، من ذلك قوله عز وجل: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الأنفال:٣-٤].
فقد وصف الله تعالى المقيمين للصلاة المنفقين من مال الله بأنهم هم المؤمنون الذين لا شك في إيمانهم كشك المنافقين، أولئك لهم الجنة يرتقونها بأعمالهم، والرزق الكريم الذي أعده الله لهم فيها40.
وقال عز وجل: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [لقمان:٤-٥].
واستخدم المولى تبارك وتعالى في هذه الآية محفزًا حسيًا يفهمه البشر، فقد وصف تعالى المصلين المزكين المؤمنين بوجود اليوم الآخر بأنهم على رشاد، ثم استخدم كلمة «المفلحون» في وصفهم، فالبشر يعون تمامًا فكرة الزراعة المبنية على البذر والتكاثر والحصاد، فاستدل بالأمر المشهود على الأمر الغيبي، كأنه تعالى يعدهم إذا فعلوا تلك الأوامر أنه سيبارك في طاعتهم التي هي بذرهم، وسيجزل لهم الحصاد بفضله وكرمه عز وجل41.
وامتدحهم المولى أيضًا عندما وصفهم بالخشية، ثم نعتهم بالمزكين لأنفسهم، قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [فاطر:١٨].
والتزكية تعني التطهير، فالمقيم للصلاة يطهر نفسه بتلك الصلاة من شوائب الأعمال؛ حتى ينال وصف الخاشين لله تعالى، وقد وصفت الصلاة بأنها زكاة الأعمال لا زكاة الأموال، وأن صاحبها سيرى أثرها يوم القيامة عندما تصير النفوس إلى الله راجية رحمته وثوابه عز وجل42.
كما أثنى المولى على المقيمين للصلاة في وقت كسب أرزاقهم، ووصفهم بالرجال الذي يخافون العقاب، ووعدهم بجزاء أحسن من عملهم، وزيادة من الفضل والرزق43.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [النور:٣٧-٣٨].
وأكد تعالى أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بعد التوبة تقتضي الأخوة في الدين، وهذا ثناء عظيم ووعد بحياة جديدة طاهرة للتائب يساند فيها المسلم أخاه المسلم.
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [التوبة:١١].
ثالثًا: ذم المضيعين لها:
ذم الله تعالى تضييع الصلاة والتهاون في أدائها، قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الماعون:٤-٥].
فقد توعد الله تعالى الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ويغفلون عنها بسبب لهوهم في الحياة الدنيا بالويل44 وهو العذاب الأليم أو وادٍ في جهنم، وهذه هي قمة الذم لمن يفرط في صلاته، ولعل العاقل يشمئز من هذا الوصف فيراجع نفسه ويعود لرشده، فيقيم الصلاة في وقتها ولا يهملها45.
وقد ذمهم الحق مرة أخرى عندما وصفهم بتضييعها، وقد ذكر تضييع الصلاة ثم أعقبه باتباع الشهوات، فهذا ما يتبع تضييعها عادةً، ثم توعدهم الله تعالى بالغي، وهو الشرود والضلال، وعاقبة الشرود الضياع والهلاك46.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [مريم:٥٩].
ثم فصل المولى عز وجل في الوصف الذميم لتاركي الصلاة، تأمل قوله عز وجل: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النساء:١٤٢].
فوصفهم بادئ ذي بدء بالنفاق الممقوت؛ فهم يقيمون الصلاة تظاهرًا أمام الناس ليخدعوا المسلمين وليشاهدهم الناس وينخدعوا بهم، وفي الصلاة التي يراؤون بها الناس لا يقولون كل المطلوب منهم لتمامها، بل يقولون المطلوب قوله جهرًا فقط، كأن يتمتموا بالفاتحة وبعض القرآن ولكنهم في أثناء الركوع والسجود لا يسبحون باسم الله تعالى47.
وتأكيدًا على الذم، قرر المولى عز وجل أن الشيطان هو المسؤول عن الصد عن ذكر الله والصلاة، وفي هذا تشنيع على المتمسك بتغييب عقله اللاهث وراء الشيطان وإغوائه.
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة:٩١].
وعندما ذم الله تعالى أعتى ظلمة الجاهلية - أبا جهل- وصفه بتكذيب كلام الله والإعراض عن الصلاة، قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [القيامة:٣١-٣٢].
ولعل اقتران ترك الصلاة مع التكذيب بالله فيه من التشنيع ما يكفي، فضلًا عن أن من وصف به هو أبو جهل! فالأصل أن يتجنب كل ذي لبٍ التشبه بعمل ذلك الكافر48.
أحوال الناس مع الصلاة في القرآن
ذكر القرآن الكريم حالات للناس مع الصلاة، ومن تلك الحالات ما يأتي:
أولًا: المقيمون للصلاة:
إقامة الصلاة هي ما يأمر به الدين، قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الإسراء:٧٨].
وقال على لسان عبده لقمان: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [لقمان:١٧].
وامتدح عباده المؤمنين بإقامة الصلاة، قال عز وجل: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الحج:٤١].
وكذلك وصفهم بإقامتها في قوله عز وجل: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأنفال:٢-٣].
فقد استخدم القرآن الكريم أسلوب الحصر، أي أن هؤلاء المذكورة أوصافهم هم المؤمنون بحق، وغيرهم -ممن لا يتصف بوجل القلب وزيادة الإيمان بتلاوة القرآن والتوكل و إقامة الصلاة والإنفاق- ليسوا بمؤمنين حقًا.
ويؤكد هذا المفهوم ما ورد بعد ذلك بآية، قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأنفال:٤].
ومن لا يؤمن بحق فهو غير مؤمن أصلًا، يقول تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [يونس:٣٢].
أي من لم يتبع الحق فهو بالتأكيد اتبع ما يخالفه49، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الآية تعني أن من اتصف بتلك الأوصاف هو المؤمن كامل الإيمان، بينما من لم يتصف بها هو المؤمن ناقص الإيمان، فلا ينتفي عنه الإيمان بالجملة50، والله تعالى أعلى وأعلم.
وإقامة الصلاة تعني أداءها بشكل كامل، متممًا أركانها وفرائضها وشروطها مع الخضوع والخشوع لله تعالى، مع استحضار الخشية والرجاء لله تعالى51.
وهذه هي الصلاة التي تحقق آثارها المذكورة في قوله عز وجل: (ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [العنكبوت:٤٥].
قال ابن عباس: «في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله، فمن لم تنهه صلاته عن المعاصي لم يزدد إلا بعدًا»52.
ولأهمية الصلاة لم يسقطها الشرع عن المكلف أبدًا، فإن لم يستطع الإنسان تأديتها واقفًا، فقاعدًا، وإن أنهكه المرض عليه أن يؤديها بما بقي لديه من حواس، ولأهميتها أيضا نجد أنها تبقى مع الإنسان إلى آخر رمقٍ في حياته، وهي قد أخذت أهميتها في التشريع على قدر أهميتها في التكليف؛ فكل تكاليف الإسلام قد جاءت بواسطة الوحي إلا الصلاة، فقد جاءت مباشرة من الله تعالى عندما أمر عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بها أثناء رحلة الإسراء والمعراج53.
ولم يأمر الله تعالى بالصلاة ولم يمدح بها إلا بلفظ الإقامة، نحو قوله تعالى: (ﯥ ﯦ) [لقمان:١٧].
وقوله: (ﯿ ﰀ) [النساء:١٦٢].
وقوله: (ﭹ ﭺ ﭻ) [الأنفال:٣].
ولم يقل: «المصلي» إلا في معرض وصف المنافقين، تأمل قوله عز وجل: (ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الماعون:٤-٥].
وذلك تنبيه أن المصلين المؤدين تأديةً مجردة عن الخشوع والإذعان والرجاء كثير والمقيمين لها قليل54.
ثانيًا: التاركون للصلاة:
ذكر القرآن الكريم صنفًا آخر من الناس، وهم الذين يتركون إقامة الصلاة، قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [القيامة:٣١-٣٢].
والمقصود بالآية الكريمة رأس الكفر أبو جهل، فلم يصدق بكتاب الله، ولم يصل له صلاة، وما كان منه إلا التكذيب بالقرآن والرسالة النبوية، والإدبار عن طاعة ربه تبارك وتعالى55.
وقد توعد المولى عز وجل أبا جهل ومن على شاكلته بالعقاب المنتظر يوم القيامة، قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [القيامة:٣٦].
أي: هل يظن الجاهل أن الله سيتركه دون بعث أو حساب؟! 56.
وقد ذكر القرآن الكريم من اتخذ الصلاة هزوا ولعبًا في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [المائدة:٥٨].
وذكر في سبب نزول الآية أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نادى إلى الصلاة وقام المسلمون إليها، قال اليهود والمنافقون: قد قاموا لا قاموا، وصلوا لا صلوا، ويضحكون على طريق الاستهزاء، فأنزل الله هذه الآية57.
فهؤلاء الضالون اتخذوا من الصلاة -على ما لها من العظمة والجد- هزؤا، فيتعمدون الضحك والسخرية، وعلى شاكلتهم بعض الشباب الفاسد الذي ترك الصلاة واستهزأ بمن يصلي، وبين سبحانه أن سبب ذلك عدم انتفاعهم بعقولهم فكأنهم لا عقول لهم، وذلك لأن تأمل مستلزمات الصلاة من التطهر لها وحسن التزين مع التخلي عن الدنيا والإقبال على المولى جل وعلا، والتحلي بالقراءة لأعظم الكلام، والخشوع والخضوع لمالك الملك بمجرده كافٍ في اعتقاد حسنها وعظمتها وهيبتها وكمالها58.
وقد ذكر المولى عز وجل أن جيلًا ظهر بعد ذرية الأنبياء الصالحة، كانوا من العاصين فضيعوا الصلاة ولم يؤدوها واتبعوا شهواتهم الدنيوية، وتوعدهم بالعذاب الشديد، أو هو واد في جهنم، تأمل قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [مريم:٥٩].
وقد ورد في معنى إضاعة الصلاة عدة تأويلات، فقد تكون إضاعتها بتركها وهذا هو الأشهر، أو جحدها، أو تضييع مواقيتها59.
ويلاحظ أن إضاعة الصلاة هي مدخل اتباع الشهوات، كيف لا وهي الناهية عن الفحشاء والمنكر الرادعة عن كل قبيح!
وصور لنا المولى عز وجل موقف العذاب في نار جهنم للضالين، وبدأ أسباب العذاب بترك الصلاة ثم أورد عدم الإطعام، والخوض والتكذيب بيوم الدين، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظمة الصلاة ومنزلتها عند الله تعالى فقد ذكرها قبل كل شيء.
قال تعالى: (ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ) [المدثر:٤٢-٤٣].
والصلاة المقصودة هنا هي الصلوات المفروضة، وسقر اسم من أسماء نار جهنم، قال بشأنها رب العزة (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [المدثر:٢٨].
قال الواحدي: «إن سقر لإحدى الأمور العظام»60.
ولا تخفى ملاءمة العقاب لأهمية المأمور به.
ولعل مما يشير أيضًا إلى أهمية الصلاة، ذم القرآن الآمر بتركها الناهي عن إقامتها، قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [العلق:٩-١٠].
وفي الآية تعجبٌ من تغطرس أبي جهل وجراءته على ربه العظيم، فالله يأمرنا بالصلاة وهذا الفرعون ينهى رسول الله عنها! 61، فكان الرد الرباني متوعدًا ذلك الكافر بالعذاب، وآمرًا نبيه الكريم والمؤمنين بالتقرب والصلاة، قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [العلق:١٩].
ثالثًا: الساهون عن الصلاة:
يعد السهو في الصلاة سببًا رئيسًا لاستحقاق العذاب يوم القيامة، قال المولى عز وجل: (ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ) [الماعون:٤-٧].
وقد توعدت الآيات من يلهو عن إقامة الصلاة وهم المنافقون ومن على شاكلتهم، يؤخرون أداءها حتى يضيع وقتها، وهم في أدائهم للصلاة مراؤون حتى يشكرهم الناس، ومن خصالهم أيضًا منعهم لأدوات المنزل الأساسية التي قد يحتاجها جيرانهم كالماء والنار وغير ذلك62.
والساهي عن الصلاة غير مبالٍ فيها لا يكترث أصلى أم لم يصل63.
وقد ذكر الطبري أن الساهين هم المنافقون يتركون الصلاة في السر، ويصلون في العلانية، والمنافق إن صلاها لوقتها لم يرج ثوابها، وإن تركها لم يخش عقابها، فصلاته لا روح فيها ولا إقبال، وهي وبالٌ عليه، والويل الذي توعدهم به الله تعالى هو الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم64.
وقد امتدح الله عز وجل في المقابل من لا يسهو عن وقت الصلاة مهما بلغت مشاغله الدنيوية، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [النور:٣٧-٣٨].
وهذا وصف المؤمنين المخلصين الذين لا تشغلهم معاملاتهم الرابحة من بيع وشراء عن إقامة الصلاة، رغم ما تقتضيه التجارة من تركيز عقلي وتعامل اجتماعي مع صنوف الناس، ورغم ما تستثيره من حب للدنيا وأرباحها، كل هذا لا يمنع المسلم الحق من إقامة الصلاة وتأدية الزكاة، فعلاقتهم بالله أولى وأوثق، وهو سبحانه العالم بهم المتفضل عليهم، يعدهم بأحسن مما عملوا، وبزيادة من الرزق، فهو الرزاق الذي لا حدود لكرمه65.
والمولى عز وجل إذ يطلب من عباده صلاة مخلصة فهو لا يريد منهم شيئا لذاته سبحانه- فهو الغني عنهم- إنما يريد صلاح أنفسهم، وتقويم اعوجاجهم، وتطهير قلوبهم وسعادة حياتهم، يحب لهم حياة رفيعة قائمة على الشعور الصادق، والتآلف في الله، ونظافة القلب والسلوك66.
رابعًا: المتكاسلون عن الصلاة:
جاء ذكر المتكاسلين في القيام إلى الصلاة في معرض الحديث عن صفات المنافقين، قال الله عز وجل: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النساء:١٤٢].
فالمنافقون يتثاقلون إلى الصلاة، لا يرون أنها حق عليهم67، ويكونون متقاعسين، كما ترى من يفعل شيئًا على كره لا عن طيب نفس68.
قال التستري ذاكرًا عقاب الله على فعل أولئك المنافقين: «يسرع لهم الجزاء على إظهار الإيمان وإضمار الكفر بترك العصمة والتوفيق، وتمديد الأموال والبنين، والإطراق على عاجل الدنيا، وخاتمتهم النار»69.
وفي قول آخر عن عقاب الله لهم: إنهم على الصراط يعطون نورًا كما يعطي المؤمنين، فإذا مضوا على الصراط، يسلبهم ربنا ذلك النور70.
ويبقى المؤمنون ينظرون بنورهم، فينادون المؤمنين: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الحديد:١٣-١٥].
ولا يقبل الله عز وجل ما ينفق هؤلاء المنافقون؛ لأنهم كفروا به تعالى ولم يقيموا الصلاة، ولم ينفقوا إلا وهم كارهون، قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [التوبة:٥٤].
فهؤلاء المنافقون لم يكونوا ليصلوا لولا مخافتهم مذمة المؤمنين، فكانوا إذا أمنوا وضمنوا عدم رؤيتهم من المؤمنين تركوها ولم يقيموها 71.
وكان إتيانهم إلى الصلاة إتيان المتكاسل المتذمر المستاء منها، الذي لا يؤمن بوجوبها ولا بالثواب المترتب عليها ولا بالعقاب المترتب على تركها72، على خلاف المؤمن الذي تتوق نفسه إلى مناجاة خالقه ولا ينتظر من صلاته شكرًا من البشر.
قال القشيري: «من أطاع من حيث العادة- من غير أن تحمله عليها لوعة الإرادة- لم يجد لطاعته راحة وزيادة، ويقال: من لاحظ الخلق في الجهر من أعماله، وركن إلى الكسل في السر من أحواله فقد وسم بالخذلان، وختم بالحرمان، وهذه هي أمارة الفرقة والقطيعة»73.
قال سيد قطب عن فعل المنافقين ومن على شاكلتهم: «فهم يأتونها مظهرًا بلا حقيقة، ولا يقيمونها إقامة واستقامة، يأتونها كسالى؛ لأن الباعث عليها لا ينبثق من أعماق الضمير، إنما يدفعون إليها دفعًا، فيحسون أنهم عليها مسخرون! وكذلك ينفقون ما ينفقون كارهين مكرهين، وما كان الله ليقبل هذه الحركات الظاهرة التي لا تحدو إليها عقيدة، ولا يصاحبها شعور دافع، فالباعث هو عمدة العمل والنية هي مقياسه الصحيح، ولقد كان هؤلاء المنفقون وهم كارهون ذوي مال وذوي أولاد، وذوي جاه في قومهم وشرف، ولكن هذا كله ليس بشيء عند الله، وكذلك يجب ألا يكون شيئًا عند الرسول والمؤمنين، فما هي بنعمة يسبغها الله عليهم ليهنؤوا بها، إنما هي الفتنة يسوقها الله إليهم ويعذبهم بها»74.
ولعل على المسلم الفطن أن يتأمل صلاته جيدًا، ويسأل نفسه: هل أقبل على الله تعالى بكل جوارحي؟ أو أصليها مشغولًا في ملاذ الدنيا؟ هل أذهب لملاقاة ربي في الصلاة بنشاط واجتهاد كما أذهب إلى مقابلة مديري في العمل؟ أو أذهب ذهاب الكسالى المتذمرين؟ هل أقيمها أم أنا من المؤدين؟ هل أتركها وأسهو عنها أم أنا من الملتزمين؟ هل أصلي صلاة المؤمنين؟ أم هي صلاة المنافقين؟
خص الله تعالى بعض الصلوات بالذكر في القرآن الكريم، من تلك الصلوات ما يأتي:
أولًا: الصلوات الخمس:
الصلوات الخمس هن فرض الله تعالى على عباده، وعماد هذا الدين، وقد جاء في الصحيح (أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وصيام رمضان قال: هل علي غيره؟ قال: لا، إلا أن تطوع، قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق) 75.
وقد ذكرت الصلوات المفروضة في القرآن الكريم في أكثر من موضع، من ذلك قول المولى عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة:٢٣٨].
وفي الآية أمر بالمحافظة على إقامة تلك الصلوات، وقد ذكر الطبري أن المقصود بالصلاة الوسطى هي صلاة العصر76، وتخصيصها لأنها في وقت راحة الناس وقد يغفل عنها أو يسهو عن وقتها بعض الناس، أو لفضلها77.
وقيل: هي صلاة الصبح؛ لأن القنوت المذكور في آخر الآية لا يكون إلا في صلاة الصبح78، أو هي صلاة الظهر، لكن الأظهر أنها صلاة العصر؛ لأن قبلها صلاتي نهار وبعدها صلاتي ليل؛ لذلك وصفت بالوسطى79.
وقد نص القرآن الكريم على صلاة العشاء والفجر في قوله عز وجل: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [النور:٥٨].
وجاء الأمر بإقامة الصلاة لدلوك الشمس وغسق الليل والفجر في قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الإسراء:٧٨].
وفي دلوك الشمس تأويلان:
الأول: أن دلوكها هو غروبها فتكون الصلاة المقصودة هي صلاة المغرب.
والثاني: زوالها فتكون المقصودة هي صلاة الظهر.
وفي غسق الليل تأويلان، أنها صلاة المغرب، أو صلاة العشاء80.
ولا يلزم كثير من الترجيح في هذا الجانب؛ فالمؤمن يحافظ على جميع الصلوات، ويجتهد في استرضاء المولى عز وجل بإخلاص التوجه إليه في كل الفرائض، فكلها طاعة وبركة وبأدائها دون انتقاص يحصل الرضا والغفران ودخول الجنان.
ثانيًا: صلاة الجمعة:
ليوم الجمعة وصلاتها خصوصية وفضل عظيم، وقد أمر الله عباده بالامتناع عن البيع والشراء والانشغال بالدنيا إذا بدأت صلاة الجمعة وذلك حتى انتهائها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الجمعة:٩-١٠].
وفي الآية نادى الله عباده بصفة الإيمان، لتحريك الإخلاص في قلوبهم، ولتحريضهم على المسارعة إلى صلاة الجمعة، إذ يلزم المؤمن القوي أن يكون مطيعا لما يأمره خالقه به، والنداء الوارد هو الأذان الخاص بصلاة الجمعة، والسعي المأمور به في الآية هو الاجتهاد في الذهاب إلى الصلاة دون إفراط في السرعة81؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي قتادة، قال: (بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال، فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة؟ قال: فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)82.
وصلاة الجمعة هي الصلاة التي يجتمع فيها المسلمون كل أسبوع ليشهدوا خطبتها، ويستنيروا ببركتها، ولعظمتها ومكانتها أقسم بها المولى عز وجل في قوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ) [البروج:٣].
فالشاهد -على الراجح- هو يوم الجمعة، والمشهود هو يوم عرفة83.
قال الشنقيطي: «ففي كل منهما نداء، وأذان الحج صلاة وسعي وإتيان وذكر لله، ثم انتشار وإفاضة مما يربط الجمعة بالحج في الشكل وإن اختلف الحجم، وفي الكيف وإن تفاوتت التفاصيل، وفي المباحث والأحكام كثرة وتنويع من متفق عليه ومختلف فيه، مما يجعل مباحث الجمعة لا تقل أهمية عن مباحث الحج، وتتطلب عناية بها كالعناية به»84.
وقد أمر الله تعالى بترك البيع في وقت صلاة الجمعة، والبيع هو صفقة سريعة رابحة محببة إلى قلب البائع، وخص البيع دون الشراء؛ لأن البائع يبيع راغبًا منتظرًا للمال أما المشتري فقد يشتري وهو كاره، ومن السهل أن يؤجل الشراء، فالحق سبحانه حينما يأمرنا بترك البيع -على سرعة إتمامه غالبًا- فترك غيره من الأعمال أولى85.
ثالثًا: صلاة الجماعة:
أمر القرآن الكريم بصلاة الجماعة في عدة مواضع، منها قول الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [النساء:١٠٢].
فقد تحدثت الآية الكريمة عن صلاة الخوف، وتضمنت أمرا مباشرا بتأدية صلاة الجماعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء الأمر له عليه السلام بالصلاة مع فئة من المجاهدين، بحيث يكون باقي الجيش في حراستهم، وبعد الانتهاء يأتي من كان في الحراسة للصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك يعني أهمية صلاة الجماعة، ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف دليل على أن ذلك في حال الأمن أوجب86.
وقد استدل بعض العلماء على وجوب صلاة الجماعة بقول المولى عز وجل: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [البقرة:٤٣].
فقد ذكرها ابن عثيمين في فوائد الآية، ولكنه أشار إلى أن الآية قد لا تدل على الجماعة؛ لأنها وردت في قوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران:٤٣].
وصلاة الجماعة غير واجبة في حق المرأة 87.
ومما يدل على وجوب صلاة الجماعة ما جاء في الحديث عن أبي هريرة، قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى، دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب) 88، وهذا شأن الأعمى، فما بالنا بالبصير!
رابعًا: الصلاة على الميت:
من الدلالات القرآنية على صلاة الميت قول المولى عز وجل: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [التوبة:٨٣-٨٤].
فقد تحدثت الآيات الكريمة عن المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم للقتال، وأمر الله نبيه عليه السلام ألا يصلي على من مات منهم وألا يتولى وضعه في القبر أو تكفينه89، وبمفهوم المخالفة هناك دلالة على لزوم الصلاة على المسلم، نحو قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المطففين:١٥].
يعني: أن الكفار محجوبون، فدل على أن غير الكفار يرونه وهم المؤمنون، فذلك مثله، وقد وردت أدلة من السنة على صلاة الميت وأجمع عليها الأئمة. 90.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)91.
خامسًا: صلاة الخوف:
وردت صلاة الخوف في قول الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النساء:١٠٢].
ومعنى الآية: إذا كنت بحضرة العدو وحضرت الصلاة فلتقم فئة من المؤمنين للصلاة معك، وليأخذوا سلاحهم معهم، أو وليأخذ أسلحتهم من بقي بإزاء العدو، فإذا صلوا ركعة فلينصرفوا إلى موضع العدو، وليقفوا هناك ولتأت الفئة التي لم تصل، وكانوا بإزاء العدو فليصلوا معك ركعة أخرى، ولم يذكر في الآية لكل طائفة إلا ركعة واحدة ولكن ذكر في الخبر عن عبد الله بن عمر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى صلاة الخوف صلى بالطائفة الأولى ركعة، وبالطائفة الأخرى ركعة كما ذكر في الآية، ثم جاءت الطائفة الأولى وذهبت هذه الطائفة إلى موضع العدو، حتى قضت الطائفة الأولى الركعة الأخرى وسلموا، ثم جاءت الطائفة الأخرى، وقضوا الركعة الأولى وسلموا، حتى صارت لكل طائفة ركعتان، وهذا اختيار الجمهور في صلاة الخوف92.
واختلف أهل العلم في الأمر بصلاة الخوف هل خص به النبي صلى الله عليه وسلم؟ على قولين: أحدهما: أنه خاص له وليس لغيره من أمته أن يصلي في الخوف كصلاته؛ لأن المشركين عزموا على الإيقاع بالمسلمين إذا اشتغلوا بصلاتهم، فاطلع الله نبيه على سرائرهم وأمره بالتحرز منهم، والقول الثاني: أن ذلك عام للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره من أمته إذا كان على مثل حاله في خوفه؛ لأن ذكر السبب الذي هو الخوف يوجب حمله عليه متى وجد كما فعل الصحابة بعده حين خافوا وهو قول الجمهور93.
سادسًا: صلاة السفر:
ذكرت صلاة السفر في مواضع عدة من القرآن الكريم، من ذلك قول المولى عز وجل: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [النساء:٤٣].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [المائدة:٦].
والآيات فيها دلالة صريحة على وجوب أداء الصلاة في حالة السفر، سواء توضأ بالماء حال وجوده، أو تيمم بالتراب، ولا يعفى من الصلاة أحد يعقل، وإنما يتاح للمسافر أن يقصر الصلاة تخفيفًا عنه؛ لأن السفر مظنة المشقة.
قال السرخسي: «والقصر في السفر في الظهر والعصر والعشاء؛ لأن القصر عبارة عن سقوط شطر الصلاة، وفي هذه الصلاة بعد سقوط الشطر تبقى صلاته كاملة بخلاف الفجر، فإن بعد سقوط الشطر منها لا يبقى إلا ركعة وهي لا تكون صلاة تامة، وكذلك في المغرب بعد سقوط شطر منها لا تبقى صلاة تامة؛ فلهذا لم يدخلها القصر، والسنن والتطوع لا يدخلها القصر»94.
سابعًا: صلاة المريض:
أمر المولى عز وجل بإقامة الصلاة في حال المرض الذي لا يزول معه العقل، أما ما كان معه زوال العقل أو الإغماء فلا صلاة فيه، بدلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر) 95.
ودل على وجوب إقامة الصلاة للمريض قول الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [المائدة:٦].
وقد أجمع أهل العلم على أن من لا يستطيع القيام له أن يصلي جالسًا، فإن عجز عن الصلاة جالسًا فإنه يصلي على جنبه مستقبل القبلة بوجهه، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن، فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقيًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب) 96.
ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام، بل يصلي قائمًا فيومئ بالركوع ثم يجلس ويومئ بالسجود؛ لقوله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [التغابن:١٦].
ومن لم يقدر على الإيماء برأسه كفاه النية والقول، ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتًا بأي حال من الأحوال، ومتى قدر المريض في أثناء الصلاة على ما كان عاجزًا عنه من قيام أو قعود أو ركوع أو سجود أو إيماء، انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته، ولا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال، بل يجب على المكلف أن يحرص على الصلاة أيام مرضه أكثر من حرصه عليها أيام صحته، فعليه أن يؤديها في وقتها حسب استطاعته، فإن شق عليه ذلك فليجمع، فإذا تركها عامدًا وهو عاقل عالم بالحكم الشرعي مكلف يقوى على أدائها ولو إيماءً فهو عالم، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى كفره بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)97.
ثامنًا: صلاة الضحى:
أشار المولى تبارك وتعالى إلى صلاة الضحى في عدة آيات، لما لها من فضل عظيم، قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [ص:١٨].
والمقصود بالآية هو نبي الله داوود عليه السلام حيث إن الله تعالى سخر الجبال يسبحن معه بالعشي، وذلك من وقت العصر إلى الليل، والإشراق وذلك بالغداة وقت الضحى98.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: طلبت صلاة الضحى في القرآن فوجدتها (ﭣ ﭤ) [ص:١٨]99.
وقد ذكر الطبري في تفسيره أن الموعودين بالمغفرة في قوله عز وجل: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الإسراء:٢٥].
هم التائبون أو من يصلون الضحى، فهم الأوابون100.
وصلاة الضحى سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بين فضلها في قوله عليه السلام: (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) 101.
وقد وصانا بها كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر) 102.
تاسعًا: الركعتان بعد المغرب:
ذكرت ركعتا المغرب في قول المولى عز وجل: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [ق:٣٩-٤٠].
قال مقاتل: « (ﮍ ﮎ) [ق:٤٠].
يعني: الركعتين بعد صلاة المغرب، وقتهما ما لم يغب الشفق»103، وقد قال بذلك كثير من المفسرين104.
وفي الوقت بعد صلاة المغرب إلى العشاء بركة كبيرة يجب أن يستغلها الإنسان في الطاعات وصلة الأرحام والجلوس في حلقات الذكر وتحفيظ القرآن الكريم والاجتماع بالأسرة وتذكر الله تعالى وتسبيحه إتباعا لأمر الله تعالى وطمعًا في تحصيل مثوبته عز وجل.
عاشرًا: ركعتا الطواف:
ورد ذكر ركعتي الطواف في قول المولى عز وجل: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البقرة:١٢٥].
والمعنى: اتخذوا من مقام إبراهيم مكانًا تصلون فيه بعد طوافكم105.
قال ابن عاشور: «اتخاذ مقام إبراهيم مصلى كان من عهد إبراهيم عليه السلام ولما جاء الإسلام بقي الأمر على ذلك إلى أن كان عام حجة الوداع أو عام الفتح دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام ومعه عمر بن الخطاب ثم سنت الصلاة عند المقام في طواف القدوم»106.
«وجمهور أهل العلم على أن ركعتي الطواف لا يشترط في صحة صلاتهما أن تكون خلف المقام، بل لو صلاهما في أي موضع غيره صح ذلك»107، قال ابن عادل: «وليس للصلاة تعلق بالحرم، ولا بسائر المواضع إلا بهذا الموضع»108.
الحادي عشر: صلاة العيد:
جاء ذكر صلاة العيد في قول الله عز وجل: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الكوثر:٢].
فالصلاة المذكورة قبل النحر كما قال قتادة: «هي صلاة الأضحى»109.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر يوم الأضحى قبل الصلاة، فأمره الله تعالى أن ينحر بعدها110، وهذا جمع عظيم بين العبادة البدنية القلبية والعبادة المالية111.
وصلاة العيد سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج لها الصغير والكبير والمرأة والرجل، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتخرج العواتق ذوات الخدور - أو العواتق وذوات الخدور -، والحُيَّض فيشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحُيَّض المصلى) 112.
ولصلاة العيد ونحره خصوصية عظيمة؛ فقد ذكرا بعد ذكر الله تعالى لنهر الكوثر الذي أعده الله للمؤمنين، وقد من الله تعالى بفضله ثم أمر بالصلاة والنحر، تحفيزًا وحثًا لهم على الطاعة.
قال الرازي: «قال أولا: إنا أعطيناك، ثم قال ثانيا: فصل لربك وانحر، وهذا يدل على أن إعطاءه للتوفيق والإرشاد سابق على طاعاتنا، وكيف لا يكون كذلك وإعطاؤه إيانا صفته وطاعتنا له صفتنا، وصفة الخلق لا تكون مؤثرة في صفة الخالق إنما المؤثر هو صفة الخالق في صفة الخلق»113.
وفي قوله تعالى: (ﮋ) [الكوثر:٢]تأكيدٌ وتنبيهٌ على ضرورة إخلاص الصلاة لله تعالى، وكذلك النحر وسائر العمل، وأمر لذوي الألباب بالبعد عن الرياء والتصنع والتظاهر، فهو وحده عز وجل العالم بما في قلوب عباده المجازي لهم بما يستحقون.
الصلاة هي عمود الدين؛ لذلك أمر الله تعالى في كثير من المواضع بإقامتها، فمن ذلك قوله جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة:٢٣٨].
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: (أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) 114.
وقد أمرنا بالصلاة طاعة لله تعالى وانقيادًا لأوامره، ثم تهذيبًا لنفوسنا وراحة لأبداننا، وقد أقول: إن لم يكن من وراء الصلاة منفعة بشرية غير تكميل أركان الإسلام العظيم لكفتنا للامتثال والمحافظة عليها. ولعل مما نعرف من فوائد الصلاة ما يأتي:
١. الراحة والطمأنينة.
راحة نفسية روحية: يقول المولى عز وجل: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الرعد:٢٨].
وكان صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة متضرعًا إلى المولى تبارك وتعالى، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)115.
والإنسان بفطرته يحتاج لإله يلوذ إليه ويتضرع إليه، وهذا ما يتحقق في الصلاة فيجلب لصاحبه الراحة والسكينة ويصرف عنه التوتر والقلق والتعب النفسي، والعلاقة الوثيقة بالمولى تعالى أثناء الصلاة والمناجاة تمنح الإنسان طاقة قوية وثقةً بالسند الرباني العظيم، فيقوى توكله على الله تعالى وكيل المؤمنين في هذه الدنيا، ويستشعر عزة وقوة تتأتى باجتماع المسلمين على إمام واحد في الصلاة، يتساوى بعضهم مع بعض في مناجاة الملك لا فرق بين الغني والفقير ولا القوي والضعيف، ولا يخفى ما في الصلاة من تربية للنفس وتعويد على الصبر والالتزام، قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [طه:١٣٢].
هذا الصبر الذي يكسب المسلم معية الله عز وجل وثوابه للصابرين، قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة:١٥٣].
راحة بدنية صحية: في حركات الصلاة والوضوء فائدة صحية عظيمة أثبتتها كثير من الدراسات الطبية، من تلك الفوائد:
٢. تكفير الخطايا وتطهير الذنوب.
٣. تحصيل الثواب الجزيل من الله تعالى.
بالصلاة يتحقق الفلاح في الدنيا والآخرة، وقد ذكر الله تعالى الخشوع في الصلاة كأول صفة من صفات المؤمنين الفالحين.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [المؤمنون:١-٢].
والمفلحون «هم الذين أدركوا البغية ووجدوا النعيم المقيم»118.
والصلاة نور في القلب والوجه، ولصلاة الجماعة خصوصًا أجرٌ عظيم، وفي الحديث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه، خمسًا وعشرين درجةً، فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن، وأتى المسجد، لا يريد إلا الصلاة، لم يخط خطوةً إلا رفعه الله بها درجةً، وحط عنه خطيئةً، حتى يدخل المسجد، وإذا دخل المسجد، كان في صلاةٍ ما كانت تحبسه، وتصلي -يعني عليه الملائكة - ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه) 119.
والتزام المساجد خير كبير، والمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها يكسب المسلم معية الله عز وجل وثوابه للصابرين، قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة:١٥٣].
فالصلاة سبب لسعادة الدنيا والآخرة ونجاة من شقاء الدنيا والآخرة.
موضوعات ذات صلة: |
الحج، الركوع، الزكاة، السجود، الصبر، الصيام، الطهارة، العبادة، المسجد |
1 انظر: المصباح المنير، الفيومي ص٣٤٦.
2 انظر: العين، الفراهيدي ٧/١٥٢.
3 انظر: مختار الصحاح، الرازي ١/١٧٨.
4 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٤/٤٦٥.
5 نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الرملي ١/٣٥٨.
6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص٤١٢-٤١٤، المعجم المفهرس الشامل، عبدالله جلغوم، ص٧٠٣-٧٠٥.
7 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٩٤-٢٩٥، نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، ابن الجوزي، ص٣٩٤-٣٩٦، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٣/٤٣٧-٤٣٨، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، السمين الحلبي، ٢/٣٤٩-٣٥١.
8 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٢٨٠، الصحاح، الجوهري ٦/٢٣٣٧.
9 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار ٢/١٤٤٨.
10 التوقيف على مهمات التعاريف ص ٢٣٤.
11 المفردات ص ٣١٨.
12 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/١٩٩، الجواهر الحسان، الثعالبي ٤/١٢٩.
13 انظر: الكشف والبيان ٧/١١٢.
14 انظر: النكت والعيون ٤/١١٢.
15 فتح القدير ٤/٤٨.
16 تفسير المراغي ١٨/١١٦.
17 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٠٣.
18 انظر: جامع الرسائل، ابن تيمية ١/٤٢.
19 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتسليم الحجر عليه قبل النبوة ٤/١٧٨٢، رقم ٢٢٧٧.
20 في ظلال القرآن ٤/٢٥٢٢.
21 انظر: تفسير الشعراوي ١٥/٩٦٠٨.
22 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها ١/١١٢، رقم ٥٢٧.
23 انظر: علم المقاصد الشرعية، نور الدين الخادمي ١/١٧١.
24 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٢/٣٣٨.
25 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة ١/١١٢، رقم ٥٢٨.
26 انظر: الجامع لأحكام القرآن ١٣/٣٤٧.
27 انظر: التحرير والتنوير ٢٠/٢٥٩.
28 الزهد والورع والعبادة ص١٨١.
29 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في صلاة العتمة ٤/٢٩٦، رقم ٤٩٨٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣٠٧، رقم ٧٨٩٢.
30 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٤٣٢.
31 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٧/٤٧٨.
32 تفسير الشعراوي ١٢/٧٣٢٧.
33 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٨٤.
34 انظر: التفسير المنير، الزحيلي. ١٠/١٣٥.
35 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/١٥٨.
36 تفسير الراغب الأصفهاني ١/١٧٧.
37 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/٤٣.
38 انظر: تاريخ التشريع الإسلامي، مناع القطان ١/٦٢.
39 انظر: الأصول من علم الأصول، ابن عثيمين ١/٢٣.
40 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٢/١٨٩.
41 انظر: تفسير الشعراوي ١/١٣٣.
42 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي ٢٠/٢٨٥.
43 انظر: مختصر معالم التنزيل، البغوي، عبد الله الزيد ٥/٦٥٤.
44 انظر: تفسير ابن فورك ٣/٢٨٢.
45 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٥٦٥.
46 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/٥٦٥.
47 انظر: تفسير الشعراوي ٥/٢٧٤١.
48 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٨١.
49 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٣٨٥، مفاتيح الغيب، الرازي ١٥/٤٥٠، في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٤٧٤.
50 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٣٦٥، أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٤٩.
51 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٠/٢٤٨.
52 التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٢١.
53 انظر: تفسير الشعراوي ١١/٦٧٢٥.
54 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١/٨١.
55 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٥٢٢.
56 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/١١٣.
57 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٥٧.
58 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٦/١٩٦.
59 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٥/٥٢٦.
60 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٩/٦٢.
61 التفسير الوجيز ١/١١٥١.
62 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ٤/٨٧١.
63 انظر: تفسير عبد الرزاق الصنعاني ٣/٤٦٣.
64 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٦٣٠-٦٣٢، تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٥/١٦٦.
65 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٠٨.
66 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٩٨٥.
67 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ١/٤١٦.
68 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٥٧٩.
69 تفسير التستري ١/٥٥.
70 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٣/٤٠٤.
71 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/٤٩٩.
72 انظر: تفسير المراغي ١٠/١٣٧.
73 لطائف الإشارات ٢/٣٥.
74 في ظلال القرآن ٣/١٦٦٥.
75 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام ١/١٨، رقم ٤٦.
76 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/١٦٩.
77 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٢/١٩٤.
78 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٣٠٩.
79 انظر: تفسير السمرقندي ١/١٥٦.
80 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/٢٦٢-٢٦٣.
81 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٤/٣٨٧.
82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب قول الرجل فاتتنا الصلاة ١/١٢٩، رقم ٦٣٥.
83 انظر: تفسير الشافعي ٣/١٤٣٤.
84 أضواء البيان ٨/١٢٠.
85 انظر: تفسير الشعراوي ١٤/٨٣٩٢.
86 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٣٦٥.
87 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، الفاتحة والبقرة ١/١٥٦.
88 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء ١/٤٥٢، رقم ٦٥٣.
89 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/٤٠٥.
90 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٢٢١.
91 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت ٣/٢١٠، رقم ٣١٩٩.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٧٦، رقم ٦٦٩.
92 انظر: تفسير السمرقندي ١/٣٣٣.
93 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٥٢٤.
94 المبسوط ١/٢٤٨.
95 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًا ٤/١٣٩، رقم ٤٣٩٨.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٥٩، رقم ٣٥١٤.
96 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب ٢/٤٨، رقم ١١١٧.
97 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة ١/٨٨، رقم ٨٢.
98 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٣.
99 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٧/١٥١.
100 انظر: جامع البيان ١٧/٤٢٣.
101 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى ١/٤٩٨، رقم ٧٢٠.
102 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب صلاة الضحى في الحضر ٢/٥٨، رقم ١١٧٨.
103 تفسير مقاتل بن سليمان ٤/١١٦.
104 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٣٧٧، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٢٥، التفسير الوجيز، الواحدي ١/١٠٢٥.
105 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٧٨.
106 التحرير والتنوير ١/٧١١.
107 أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٤١٠.
108 اللباب في علوم الكتاب ٢/٤٦٤.
109 تفسير عبد الرزاق الصنعاني ٣/٤٦٦.
110 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١٢/٨٤٦٩.
111 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٣/٧٧٥.
112 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت ٢/١٦٠، رقم ١٦٥٢.
113 مفاتيح الغيب ٣٢/٣١٢.
114 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها ١/١١٢، رقم ٥٢٧.
115 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في صلاة العتمة ٤/٢٩٦، رقم ٤٩٨٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣٠٧، رقم ٧٨٩٢.
116 تفسير ابن فورك ١/٣٩٦.
117 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة ١/١١٢، رقم ٥٢٨.
118 التفسير الوسيط، الواحدي ١/٨٣.
119 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة في مسجد السوق ١/١٠٣، رقم ٤٧٧.