عناصر الموضوع
الصراط
أولًا: المعنى اللغوي:
أصل الصراط بالسين؛ لأنه من السرط، والصاد لغة، قال الفراء: وهي بالصاد لغة قريش الأولين التي جاء بها الكتاب، قال وعامة العرب تجعلها سينًا1.
والصراط، بالكسر: الطريق، وجسر ممدود على متن جهنم2.
قال الراغب: السراط: الطريق المستسهل، أصله من: سرطت الطعام وزردته: ابتلعته، فقيل: سراطٌ، تصورًا أن يبتلعه سالكه، أو يبتلع سالكه3.
والأصل الذي تفيده كلمة الصراط في اللغة هو البلع، ففي لسان العرب: سرط الطعام سراطًا: بلعه، وانسرط الشيء في حلقه سار فيه سيرًا سهلًا، وسراط وسراطي إذا كان قاطعًا يمر في الضريبة، كأنه يسترط كل شيء يلتهمه، وإنما قيل للطريق الواضح: صراط؛ لأنه كأنه يسترط المارة لكثرة سلوكهم فيه4.
والمستقيم لغة: المستوي القويم الذي لا اعوجاج فيه ولا التواء، يقال: طريق مستقيم. كما يطلق على العادل الذي لا ميل فيه عن الحق. فيقال: ميزان مستقيم5.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الصراط من السبيل: ما لا التواء فيه ولا اعوجاج، بل على جهة القصد، فهو أخص من السبيل الأخص من الطريق6.
وعرفه بعضهم بأنه: الطريق مستقيمًا كان أو غيره، ويطلق على الجسر الممدود على متن جهنم، يعبره أهل الجنة على حسب أعمالهم7.
والمستقيم اصطلاحًا: المستوي، والمراد به طريق الحق، وهي الملة الحنيفية السمحة المتوسطة بين الإفراط والتفريط8.
وقال ابن عاشور: المستقيم اسم فاعل، استقام مطاوع قومته فاستقام، والمستقيم الذي لا عوج فيه ولا تعاريج، وأحسن الطرق الذي يكون مستقيما وهو الجادة؛ لأنه باستقامته يكون أقرب إلى المكان المقصود من غيره، فلا يضل فيه سالكه، ولا يتردد ولا يتحير. والمستقيم مستعار للحق البين الذي لا تخلطه شبهة باطل فهو كالطريق الذي لا تتخلله بنيات9
فتبين أن الصراط المستقيم هو: الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه10. وهو المعارف الصالحات كلها من اعتقاد وعمل11.
وفائدة وصف الصراط في الفاتحة بالمستقيم هو: أن الصراط يطلق على ما فيه صعود أو هبوط، والمستقيم ما لا ميل فيه إلى جهة من الجهات الأربع12.
وردت لفظة (الصراط) في القرآن الكريم (٤٥) مرة 13.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
المصدر |
٤٥ |
(ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [آل عمران: ٥١] |
وجاء (الصراط المستقيم) في القرآن الكريم تعبيرًا عن منهج الإسلام المتمثل بعبادة الله تعالى وحده.
قال الله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الأنعام: ١٦١].
وقال عز وجل: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [آل عمران: ٥١]. أي: أنا وأنتم عبيد له، فقراء إليه، مشتركون في عبادته وحده لا شريك له، وهذا الذي جئتكم به هو الصراط المستقيم، وهو عبادة الرب، عز وجل، وحده14.
وتعبدنا الله تعالى بدعائه في كل ركعة من الصلاة أن يهدينا لهذا المنهج القويم، قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الفاتحة: ٦-٧].
ولم تأت كلمة الصراط بغير هذا المعنى إلا في آيتين، واستعمل (الصراط) فيهما بمعنى: الطريق، قال الله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الأعراف: ٨٦].
وهو خطاب موجه من النبي شعيب إلى قومه، فنهاهم عن رذائل كانوا متلبسين بها فقال: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) أي: ولا تقعدوا بكل طريق من الطرق المسلوكة تهددون من آمن بي بالقتل، وتخيفونه بأنواع الأذى، وتلصقون بي - وأنا نبيكم - التهم التي أنا بريء منها، بأن تقولوا لمن يريد الإيمان برسالتي: إن شعيبا كذاب وإنه يريد أن يفتنكم عن دينكم15.
وقد روي عن ابن عباس أن بلادهم كانت خصبة، وكان الناس يمتارون منهم، فكانوا يقعدون على الطريق، ويخوفون الناس أن يأتوا شعيبا، ويقولون لهم: إنه كذاب فلا يفتننكم عن دينكم16.
وقال الله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [يس: ٦٦].
والمعنى: لو نشاء لأعميناهم وتركناهم عميًا يترددون، وكيف يبصرون الطريق حينئذ؟17.
الطريق:
الطريق لغة:
الطريق: السبيل، يذكر ويؤنث، تقول: الطريق الأعظم، والطريق العظمى، والجمع أطرقة وطرق. وطرقات: جمع الجمع.
وطريقة الرجل: مذهبه. يقال: ما زال فلان على طريقة واحدة، أي: حالة واحدة18.
الطريق اصطلاحًا:
لا يختلف معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي.
الصلة بين الصراط والطريق:
الطريق أعم، فمنه السهل ومنه الصعب، ومنه المستقيم ومنه المعوج، وأما الصراط فهو طريق سهل لا اعوجاج فيه19.
السبيل:
السبيل لغة:
الطريق وما وضح منه يذكر ويؤنث، وسبيل الله: طريق الهدى الذي دعا إليه20.
السبيل اصطلاحًا:
السبيل: طريق الجادة السائلة عليه الظاهر لكل سالك منهجه، فهو أخص من الطريق، فإنه كل ما يطرق الطارق معتادًا كان أو غيره، وسبيل الله: طريقه التي أمر بسلوكها، واشتقاقه من الجريان من قولك سبل السحاب مطر، والستر أرسله وطوله فسمي الطريق سبيلًا؛ لكثرة الجريان فيه بالمشي21.
الصلة بين الصراط والسبيل:
الصراط طريق سهل، والسبيل: اسم يقع على ما يقع عليه الطريق، وعلى ما لا يقع عليه الطريق، تقول: سبيل الله، وطريق الله.
والفرق بينهما كالفرق بين الصراط والطريق.
العوج:
العوج في اللغة:
العين والواو والجيم أصل صحيح يدل على ميلٍ في الشيء أو ميلٍ، وفروعه ترجع إليه22.
والعَوَج، بالتحريك: مصدر قولك: عَوِجَ الشيء بالكسر فهو أعوج. والاسم العِوَج بكسر العين. قال ابن السكيت: وكل ما كان ينتصب كالحائط والعود قيل فيه عَوَجٌ بالفتح، والعِوَج بالكسر ما كان في أرض أو دين أو معاشٍ، يقال: في دينه عِوَج23.
والعِوَج: الانعطاف فيما كان قائما فمال، كالرمح والحائط.
والعوج في الأرض ألا تستوي. وفي التنزيل: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [طه: ١٠٧].
وعَوَج الطريق وعِوَجُه: زيغه.
وعِوَج الدين والخلق: فساده وميله، على المثل24.
العوج في الاصطلاح:
وهو بفتح العين مختص بكل شيء مرئي كالأجسام، وبالكسر فيما ليس بمرئي، كالرأي والقول. وقيل: الكسر يقال فيهما معا، والأول أكثر25.
وقال الكفوي: هو في المحسوسات عدم الاستقامة الحسية، وفي غيرها: عدم كونها على ما ينبغي26.
الصلة بين العوج والاستقامة:
الاستقامة ضد العوج، فالعلاقة بينهما ضدية.
الله الهادي إلى الصراط المستقيم
من أسماء الله الحسنى: الهادي، فهو الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع، وإلى دفع المضار، ويعلمهم ما لا يعلمون، ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويلهمهم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه منقادة لأمره27.
قال سبحانه وتعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الفرقان: ٣١].
أي: وكفى ربك-أيها الرسول الكريم- هاديا يهدى عباده إلى ما تقتضيه حكمته ومشيئته، وكفى به سبحانه نصيرا لمن يريد أن ينصره على كل من عاداه28.
وأجل محصول يحصل عليه العبد: أن يهديه الله إلى الصراط المستقيم، وهذه أكبر نعمة ينعم بها الهادي سبحانه على من يشاء من عباده، ولذلك كان وجوبا على العبد أن يسأل ربه الهداية في كل ركعة من صلاته ويردد: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الفاتحة: ٦].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والعبد مضطر دائما إلى أن يهديه الله الصراط المستقيم، فهو مضطر إلى مقصود هذا الدعاء؛ فإنه لا نجاة من العذاب، ولا وصول إلى السعادة إلا بهذه الهداية، فمن فاته فهو إما من المغضوب عليهم، وإما من الضالين، وهذا الهدى لا يحصل إلا بهدى الله، وأما سؤال من يقول: فقد هداهم، فلا حاجة بهم إلى السؤال وجواب من أجابه بأن المطلوب دوامها كلام من لم يعرف حقيقة الأسباب، وما أمر الله به؛ فإن الصراط المستقيم أن يفعل العبد في كل وقت ما أمر به في ذلك الوقت من علم وعمل، ولا يفعل ما نهي عنه، وهذا يحتاج في كل وقت إلى أن يعلم ويعمل ما أمر به في ذلك الوقت، وما نهي عنه، وإلى أن يحصل له إرادة جازمة لفعل المأمور، وكراهة جازمة لترك المحظور، فهذا العلم المفصل والإرادة المفصلة لا يتصور أن تحصل للعبد في وقت واحد، بل كل وقت يحتاج إلى أن يجعل الله في قلبه من العلوم والإرادات ما يهتدي به في ذلك الصراط المستقيم»29.
ومعنى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الفاتحة: ٦] أي: دلنا وأرشدنا، ووفقنا للصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط. فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علمًا وعملًا.
فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته، لضرورته إلى ذلك30.
قال الرازي: «اعلم أن أهل الهندسة قالوا: الخط المستقيم هو أقصر خط يصل بين نقطتين، فالحاصل أن الخط المستقيم أقصر من جميع الخطوط المعوجة، فكأن العبد يقول: اهدنا الصراط المستقيم لوجوه:
الأول: أنه أقرب الخطوط وأقصرها، وأنا عاجز فلا يليق بضعفي إلا الطريق المستقيم.
الثاني: أن المستقيم واحد وما عداه معوجة وبعضها يشبه بعضا في الاعوجاج فيشتبه الطريق علي، أما المستقيم فلا يشابهه غيره فكان أبعد عن الخوف والآفات وأقرب إلى الأمان.
الثالث: الطريق المستقيم يوصل إلى المقصود، والمعوج لا يوصل إليه.
والرابع: المستقيم لا يتغير، والمعوج يتغير، فلهذه الأسباب سأل الصراط المستقيم، والله أعلم»31.
وقد أرشدنا الله إلى طلب الهداية منه، ليكون عونا لنا ينصرنا على أهوائنا وشهواتنا بعد أن نبذل ما نستطيع من الجهد في معرفة أحكام الشريعة، ونكلف أنفسنا الجري على سننها، لنحصل على خيري الدنيا والآخرة32.
والهداية هنا هي البيان والدلالة، ثم التوفيق والإلهام، وهو بعد البيان والدلالة، ولا سبيل إلى البيان والدلالة إلا من جهة الرسل. فإذا حصل البيان والدلالة والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق.
وللهداية مرتبة أخرى -وهي آخر مراتبها- وهي الهداية يوم القيامة إلى طريق الجنة. وهو الصراط الموصل إليها. فمن هدى في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله، وأنزل به كتبه، هدي هناك إلى الصراط المستقيم، الموصل إلى جنته ودار ثوابه. وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم. وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على ذاك الصراط. فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الركاب، ومنهم من يسعى سعيا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يحبو حبوا، ومنهم المخدوش المسلم، ومنهم المكردس في الناس.
فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا، حذو القذة بالقذة جزاء وفاقا (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)33.
وقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [هود: ٥٦].
أي: إن ربي على طريق الحق، يجازي المحسن من خلقه بإحسانه، والمسيء بإساءته، لا يظلم أحدًا منهم شيئًا، ولا يقبل منهم إلا الإسلام والإيمان به34.
ولقد هدى الله تعالى رسله عليهم الصلاة والسلام وثبتهم على الصراط المستقيم، فعلى هذا الصراط المستقيم أقام الله نبيه الكريم من أول خطوه في الحياة35، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الأنعام: ١٦١].
فأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يقول ويعلن بما هو عليه من الهداية إلى الصراط المستقيم: الدين المعتدل المتضمن للعقائد النافعة، والأعمال الصالحة، والأمر بكل حسن، والنهي عن كل قبيح، الذي عليه الأنبياء والمرسلون، خصوصا إمام الحنفاء، ووالد من بعث من بعد موته من الأنبياء، خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو الدين الحنيف المائل عن كل دين غير مستقيم، من أديان أهل الانحراف، كاليهود والنصارى والمشركين36.
وفي قوله: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) دليل على أن الهداية لا تحصل إلا بالله تعالى37.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الفتح: ١-٢].
والمعنى: يثبتك على الصراط المستقيم، ويزيدك هداية على هداية، ويهدى بك الخلق إلى الحق38.
والاستقامة على الصراط المستقيم وإن كانت حاصلة قبل الفتح، لكن حصل بعد ذلك من اتضاح سبيل الحق، واستقامة مناهجه، ما لم يكن حاصلًا قبل39.
وقال ابن عاشور: «ومعنى ويهديك صراطا مستقيما: يزيدك هديا لم يسبق وذلك بالتوسيع في بيان الشريعة والتعريف بما لم يسبق تعريفه به منها، فالهداية إلى الصراط المستقيم ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم من وقت بعثته، ولكنها تزداد بزيادة بيان الشريعة، وبسعة بلاد الإسلام، وكثرة المسلمين مما يدعو إلى سلوك طرائق كثيرة في إرشادهم وسياستهم وحماية أوطانهم، ودفع أعدائهم، فهذه الهداية متجمعة من الثبات على ما سبق هديه إليه، ومن الهداية إلى ما لم يسبق إليه وكل ذلك من الهداية»40.
وقد امتن الله سبحانه على نبيه صلى الله عليه وسلم بالفتح المبين والفتح لا يكون إلا لمن هو على صراط الله، ولعل المراد بهذا الخطاب هو أمته41.
وقال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأنعام: ٨٣-٨٨].
ومعنى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) أي: وسددناهم فأرشدناهم إلى طريق غير معوج، وذلك دين الله الذي لا عوج فيه، وهو الإسلام الذي ارتضاه الله ربنا لأنبيائه، وأمر به عباده42.
وقوله: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) أي: ذلك الهدى إلى صراط مستقيم الذي اهتدى إليه أولئك الأخيار هو هدى الله الذي يهدى به من يشاء هدايته من عباده وهم المستعدون لذلك.
وفي قوله: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) من الإبهام ما يبعث النفوس على طلب هدى الله تعالى والتعرض لنفحاته43.
وأخبر سبحانه وتعالى عن هدايته لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام، فقال: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الصافات: ١١٨].
أي: دللناهما على طريق الحق عقلا وسمعا، وأمددناهما بالتوفيق والعصمة، وتشبيه الدلائل الحقة بالطريق المستقيم واضح44.
وقال الشوكاني: (ﮦ ﮧ ﮨ) أي: القيم لا اعوجاج فيه، وهو دين الإسلام فإنه الطريق الموصلة إلى المطلوب45.
وإذا أراد الله بعبده خيرا أمده بنور التحقيق، وأيده بحسن العصمة، فيميز بحسن البصيرة بين الحق والباطل فلا يظله غمام الريب، وينجلى عنه غطاء الغفلة، فلا تأثير لضباب الغداة في شعاع الشمس عند متوع النهار، وهذا معنى قوله: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الحج: ٥٤]46.
فيهديهم في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فيرشدهم إلى الحق واتباعه، ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه، وفي الآخرة يهديهم إلى الصراط المستقيم، الموصل إلى درجات الجنات، ويزحزحهم عن العذاب الأليم والدركات47.
وهدى الله تعالى عباده المؤمنين إلى الصراط المستقيم، فقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [المائدة: ١٥-١٦].
فقوله: (ﮅ ﮆ ﮇ) أي: بالكتاب المبين من اتبع رضوانه من كان مطلوبه من طلب الدين اتباع الدين الذي يرتضيه الله تعالى، فأما من كان مطلوبه من دينه تقرير ما ألفه ونشأ عليه وأخذه من أسلافه مع ترك النظر والاستدلال، فمن كان كذلك فهو غير متبع رضوان الله تعالى.
ثم قال تعالى: (ﮋ ﮌ) أي: طرق السلامة، ثم قال: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) أي: من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وذلك أن الكفر يتحير فيه صاحبه كما يتحير في الظلام، ويهتدي بالإيمان إلى طرق الجنة كما يهتدي بالنور، وقوله: (ﮒ) أي: بتوفيقه، والباء تتعلق بالاتباع أي: اتبع رضوانه بإذنه، ولا يجوز أن تتعلق بالهداية ولا بالإخراج؛ لأنه لا معنى له، فدل ذلك على أنه لا يتبع رضوان الله إلا من أراد الله منه ذلك.
وقوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) وهو الدين الحق، لأن الحق واحد لذاته، ومتفق من جميع جهاته، وأما الباطل ففيه كثرة، وكلها معوجة48.
وهذه الهداية عين الهداية إلى سبل السلام، وإنما عطفت عليها؛ تنزيلا للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي49.
والله تعالى يهدي من يشاء إلى الطريق الذي لا عوج فيه، قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النور: ٤٦].
أي: لقد أنزلنا أيها الناس علامات واضحات دالات على طريق الحق وسبيل الرشاد (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) يقول: والله يرشد من يشاء من خلقه بتوفيقه، فيهديه إلى دين الإسلام، وهو الصراط المستقيم والطريق القاصد الذي لا اعوجاج فيه50.
فعمم البيان التام لجميع الخلق، وخصص بالهداية من يشاء، فهذا فضله وإحسانه، وما فضل الكريم بممنون وذاك عدله، وقطع الحجة للمحتج، والله أعلم حيث يجعل مواقع إحسانه51.
قال سيد قطب: «فآيات الله مبينة كاشفة تجلو نور الله، وتكشف عن ينابيع هداه. وتحدد الخير والشر، والطيب والخبيث، وتبين منهج الإسلام في الحياة كاملا دقيقا لا لبس فيه ولا غموض وتحدد أحكام الله في الأرض بلا شبهة ولا إبهام. فإذا تحاكم الناس إليها فإنما يتحاكمون إلى شريعة واضحة مضبوطة، لا يخشى منها صاحب حق على حقه ولا يلتبس فيها حق بباطل، ولا حلال بحرام.
(ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) والمشيئة مطلقة لا يقيدها قيد. غير أن الله سبحانه قد جعل للهدى طريقا، من وجه نفسه إليه وجد فيه هدى الله ونوره، فاتصل به، وسار على الدرب، حتى يصل- بمشيئة الله- ومن حاد عنه وأعرض فقد النور الهادي ولج في طريق الضلال حسب مشيئة الله في الهدى والضلال»52.
وقال سبحانه: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الأنعام: ٣٩] أي: من تعلقت مشيئة الله تعالى بإضلاله يضلله، كما أضل هؤلاء الذين استحبوا العمى على الهدى، فلم يستعملوا أسماعهم، ولا أفواههم، ولا عقولهم في آيات الله تعالى على أحقية ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما إضلاله إياهم اقتضاء سننه في عقول البشر وغرائزهم وأخلاقهم أن يعرض المستكبر عن دعوة من يراه دونه واتباع من يراه مثله، وإن ظهر له الحق معه.
(ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) أي: ومن يشأ أن يجعله على طريق يرضاه، وهو الإسلام، يجعله عليه، ويهده إليه، ويمته عليه، فلا يضل من مشى إليه، ولا يزل من ثبت قدمه عليه53.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [البقرة: ١٤٢].
فالمشرق لله والمغرب لله، فكل متجه فهو إليه في أي اتجاه، فالجهات والأماكن لا فضل لها في ذاتها. إنما يفضلها ويخصصها اختيار الله وتوجيهه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فإذا اختار لعباده وجهة، واختار لهم قبلة، فهي إذن المختارة، وعن طريقها يسيرون إلى صراط مستقيم54.
قال ابن عاشور: قوله: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) إيماء إلى قبلة الإسلام، والمراد بالصراط المستقيم هنا وسيلة الخير وما يوصل إليه فيشمل ذلك كل هدي إلى خير، ومنه الهدي إلى استقبال أفضل جهة55.
وقال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة: ٢١٣]
فالله تعالى يسدد من يشاء من خلقه ويرشده إلى الطريق القويم على الحق الذي لا اعوجاج فيه، كما هدى الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، لما اختلف الذين أوتوا الكتاب فيه بغيًا بينهم، فسددهم لإصابة الحق والصواب فيه56.
والخلاصة أن الله تعالى رسم حدود الصراط المستقيم وبين معالمه وتولى أمر الهداية إليه بواسطة الذين اصطفاهم واجتباهم من الأنبياء والمرسلين وورثتهم من العلماء العاملين.
المتأمل في آيات القرآن الكريم، يجد أن كلمة الصراط المستقيم قد وسعت كل شيء أحبه الله لعباده، فالداخل في الإسلام يقول: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الفاتحة: ٦].
وراسخ القدم فيه يقول: (ﭧ ﭨ ﭩ)، والنبيون والشهداء والصالحون كلهم يقولون: (ﭧ ﭨ ﭩ).
فالواجب على كل عبد أن يقول ويقرأ في صلاته: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الفاتحة: ٦-٧].
وهذا دعاء ورغبة من المربوب إلى الرب، والمعنى: دلنا على الصراط المستقيم وأرشدنا إليه، وأرنا طريق هدايتك الموصلة إلى أنسك وقربك57.
وقد بين الله تعالى حقيقة الصراط المستقيم في آيات عديدة من كتابه، فقال في سورة الأنعام: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الأنعام: ١٢٦].
أي: هذا الذي بينا طريق ربك، والذي ارتضاه لنفسه دينا وجعله مستقيما لا عوج فيه، وهو الإسلام58.
قال ابن الجوزي: (ﭰ ﭱ ﭲ) فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه القرآن، قاله ابن مسعود.
والثاني: التوحيد، قاله ابن عباس.
والثالث: ما هو عليه من الدين، قاله عطاء59.
وقال ابن عاشور: والإشارة بهذا إلى حاضر في الذهن وهو دين الإسلام، ويجوز أن تكون الإشارة إلى حاضر في الحس وهو القرآن60.
وقال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأنعام: ١٥٣].
فيه قولان:
أحدهما: القرآن.
والثاني: الشرع وسمي ذلك صراطًا61.
وقال ابن عاشور: «والإشارة إلى الإسلام: أي: وأن الإسلام صراطي، فالإشارة إلى حاضر في أذهان المخاطبين من أثر تكرر نزول القرآن وسماع أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام، بحيث عرفه الناس وتبينوه، فنزل منزلة المشاهد، فاستعمل فيه اسم الإشارة الموضوع لتعيين ذات بطريق المشاهدة مع الإشارة، ويجوز أن تكون الإشارة إلى جميع التشريعات والمواعظ التي تقدمت في هذه السورة، لأنها صارت كالشيء الحاضر المشاهد»62.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الصراط المستقيم في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (خط رسول الله صلى الله عليه وسلم، خطا بيده، ثم قال: (هذا سبيل الله مستقيما)، قال: ثم خط عن يمينه، وشماله، ثم قال: (هذه السبل، ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه) ثم قرأ: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأنعام: ١٥٣]63.
فوحد لفظ الصراط، وجمع السبل المخالفة له، وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد، وهو ما بعث به رسله وأنزل به كتبه، لا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق، ولو أتى الناس من كل طريق، واستفتحوا من كل باب، فالطرق عليهم مسدودة، والأبواب عليهم مغلقة إلا من هذا الطريق الواحد، فإنه متصل بالله، موصل إلى الله64.
وقال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الأنعام: ١٦١].
قال ابن عاشور: قوله: (ﮡ ﮢ ﮣ) متصل بقوله: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الأنعام: ١٥٣].
الذي بينه بقوله: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأنعام: ٩٢].
فزاده بيانًا بقوله هذا: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)، ليبين أن هذا الدين إنما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بهدي من الله، وأنه جعله دينا قيما على قواعد ملة إبراهيم عليه السلام، إلا أنه زائد عليه بما تضمنه من نعمة الله عليه؛ إذ هداه إلى ذلك الصراط الذي هو سبيل النجاة. وافتتح الخبر بحرف التأكيد؛ لأن الخطاب للمشركين المكذبين65.
وقال تعالى: (ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [إبراهيم: ١].
فكشفت هذه الآية عن حقيقة الكتاب الذي دلت الآيات السابقة على أنه صراط الله المستقيم وخاصيته في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، بتوفيق الله وهدايته حيث الانطلاق إلى رحاب المعية الإلهية بكل ما فيها من عزة وكرامة وحمد وثناء وشكر وولاء.
وقد أخرج صلى الله عليه وسلم أمته من ظلمات عديدة إلى أنوار متعددة: أولها: ظلمة الكفر والشرك إلى نور الإيمان والإسلام، ثم من ظلمة الجهل والتقليد إلى نور العلم والتحقيق، ثم من ظلمة الذنوب والمعاصي إلى نور التوبة والاستقامة، ثم من ظلمة الغفلة والبطالة إلى نور اليقظة والمجاهدة، ثم من ظلمة الحظوظ والشهوات إلى نور الزهد والعفة، ثم من ظلمة رؤية الأسباب، والوقوف مع العوائد، إلى نور شهود المسبب، وخرق العوائد، ثم من ظلمة الوقوف مع الكرامات وحلاوة الطاعات إلى نور شهود المعبود، ثم من ظلمة الوقوف مع حس الأكوان الظاهرة إلى شهود أسرار المعاني الباطنة، فيغيب عن الأكوان بشهود المكون66.
وقال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الحجر: ٤١-٤٢].
أي: هذا الطريق الذي سلكه أهل الإخلاص في عبوديتهم هو طريق وارد علي، وموصل إلى جواري، لا سبيل لك على أهله؛ لأنه مستقيم لا عوج فيه67.
وقال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الزخرف: ٤٣]
والمعنى: فتمسك يا محمد بما يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربك، (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) ومنهاج سديد، وذلك هو دين الله الذي أمر به، وهو الإسلام68.
وقد لخص الماوردي رحمه الله أقوال المفسرين في المراد بالصراط المستقيم في أربعة أقاويل:
أحدها: أنه كتاب الله تعالى، وهو قول علي وعبد الله، ويروى نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه الإسلام، وهو قول جابر بن عبد الله، ومحمد بن الحنفية.
والثالث: أنه الطريق الهادي إلى دين الله تعالى، الذي لا عوج فيه، وهو قول ابن عباس.
والرابع: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخيار أهل بيته وأصحابه، وهو قول الحسن البصري وأبي العالية الرياحي69.
والمتأمل في الأقوال المتعددة التي أوردها المفسرون للصراط المستقيم يجد: أن اختلافهم في تعريف الصراط اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، فتفسير بعض أهل العلم للصراط المستقيم بالقرآن والبعض الآخر بالإسلام قولان متفقان؛ لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، حيث نبه أحدهما على وصف غير الوصف الآخر.
وبعد أن نقل الإمام ابن كثير رحمه الله قول الإمام الطبري: «أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعًا على أن الصراط المستقيم، هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه»70.
قال: ثم اختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في تفسير الصراط، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد، وهو المتابعة لله وللرسول71.
وقال رحمه الله: وقيل: هو الإسلام ونسبه إلى ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم، ثم أورد عن مجاهد تفسيره للصراط بأنه الحق، ثم قال: وهذا أشمل ولا منافاة بينه وبين ما تقدم، ونسب إلى أبي العالية تفسيره للصراط المستقيم بأنه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه من بعده، وأنه ذكر ذلك للحسن فقال: صدق أبو العالية ونصح.
ثم عقب على هذا الذي أورده من الأقوال بقوله: وكل هذه الأقوال صحيحة، وهي متلازمة، فإن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم، واقتدى باللذين من بعده أبي بكر وعمر، فقد اتبع الحق، ومن اتبع الحق فقد اتبع الإسلام، ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن، وهو كتاب الله وحبله المتين، وصراطه المستقيم، فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضا، ولله الحمد.
ثم يتبع ابن كثير ذلك برأي الإمام الطبري رحمه الله الذي رجح فيه من الأقوال بأنه التوفيق للثبات على ما ارتضاه الله ووفق له من أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين مع بيانه لوجه كونه جامعا لغيره حيث قال: فقد وفق للإسلام72.
وتابع الإمام القرطبي ابن جرير في الترجيح بالمراد بالصراط المستقيم، بأنه صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ونسبه إلى جمهور المفسرين وعقب عليه بقوله: «وجميع ما قيل إلى هذا يرجع، فلا معنى لتعديد الأقوال والله المستعان»73.
وقال ابن عاشور: «المراد بالصراط المستقيم المعارف الصالحات كلها من اعتقاد وعمل بأن يوفقهم إلى الحق والتمييز بينه وبين الضلال على مقادير استعداد النفوس وسعة مجال العقول النيرة والأفعال الصالحة، بحيث لا يعتريهم زيغ وشبهات في دينهم وهذا أولى ليكون الدعاء طلب تحصيل ما ليس بحاصل وقت الطلب، وإن المرء بحاجة إلى هذه الهداية في جميع شؤونه كلها حتى في الدوام على ما هو متلبس به من الخير للوقاية من التقصير فيه أو الزيغ عنه. والهداية إلى الإسلام لا تقصر على ابتداء اتباعه وتقلده بل هي مستمرة باستمرار تشريعاته وأحكامه بالنص أو الاستنباط»74.
وقال ابن القيم: فإن الناس قد تنوعت عباراتهم فيه وترجمتهم عنه بحسب صفاته ومتعلقاته وحقيقته شيء واحد، وهو طريق الله الذي نصه لعباده على ألسن رسله وجعله موصلا لعباده إليه، ولا طريق لهم إليه سواه، بل الطرق كلها مسدودة إلا هذا، وهو إفراده بالعبودية وإفراد رسوله بالطاعة، فلا يشرك به أحدا في عبوديته، ولا يشرك برسوله أحدًا في طاعته، فيجرد التوحيد، ويجرد متابعة الرسول.
وهذا معنى قول بعض العارفين: «إن السعادة والفلاح كله مجموع في شيئين: صدق محبته، وحسن معاملته».
وهذا كله مضمون شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فأي شيء فسر به الصراط فهو داخل في هذين الأصلين.
ونكتة ذلك وعقده: أن تحبه بقلبك كله، وترضيه بجهدك كله، فلا يكون في قلبك موضع إلا معمور بحبه، ولا تكون لك إرادة إلا متعلقة بمرضاته. الأول يحصل بالتحقيق بشهادة أن لا إله إلا الله، والثاني يحصل بالتحقيق بشهادة أن محمدًا رسول الله، وهذا هو الهادي، ودين الحق وهو معرفة الحق والعمل له، وهو معرفة ما بعث الله به رسله والقيام به، فقل ما شئت من العبارات التي هذا أحسنها وقطب رحاها75.
فتبين مما سبق: أن الصراط المستقيم هو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وعبادته تتضمن كمال الحب مع كمال الذل له سبحانه، فكل ما تتقرب به، وكل فعل يفعله العبد يرجو به ثوابا، وكل ترك يتركه يخاف من تركه عقابا، فإن هذا داخل في معنى الصراط المستقيم.
جعل الله تعالى فهم أمثال القرآن الكريم واستيعابها والإحاطة بأسرارها منوطا بأهل العلم، فقال: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [العنكبوت: ٤٣].
وخير الدروس ما ضرب له الأمثال وبينت بها الحكم وقرب إلى الناس بما يقع تحت حسهم، وما يكون في متناول عقولهم.
والتمثيل ألطف ذريعةٍ إلى تسخير الوهم للعقل واستنزاله من مقام الاستعصاء عليه، وأقوى وسيلةٍ إلى تفهيم الجاهل الغبي وقمع سورة الجامع الآبي، كيف لا وهو رفع الحجاب عن وجوه المعقولات الخفية، وإبرازٌ لها في معرض المحسوسات الجلية، وإبداءٌ للمنكر في صورة المعروف وإظهارٌ للوحشي في هيئة المألوف76.
ومن هذه الأمثال التي ضربها الله تعالى في كتابه قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [النحل: ٧٦].
فهذا مثل ضربه الله سبحانه لنفسه ولما يعبدون من دونه، فالصنم الذي يعبدون من دونه بمنزلة رجل أبكم لا يعقل ولا ينطق، بل هو أبكم القلب واللسان قد عدم النطق القلبي واللساني، ومع هذا فهو عاجز لا يقدر على شيء البتة، ومع هذا فأينما أرسلته لا يأتيك بخير ولا يقضي لك حاجة، والله سبحانه حي قادر متكلم يأمر بالعدل، وهو على صراط مستقيم وهذا وصف له بغاية الكمال والحمد، فإن أمره بالعدل وهو الحق يتضمن أنه سبحانه عالم به، معلم له راض به آمر لعباده به، محب لأهله لا يأمر بسواه، بل ينزه عن ضده الذي هو الجور والظلم والسفه والباطل، بل أمره وشرعه عدل كله وأهل العدل هم أولياؤه وأحباؤه77.
قال الطبري: وهذا مثل ضربه الله تعالى لنفسه والآلهة التي تعبد من دونه، فقال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) يعني: بذلك الصنم أنه لا يسمع شيئا، ولا ينطق، لأنه إما خشب منحوت، وإما نحاس مصنوع لا يقدر على نفع لمن خدمه، ولا دفع ضر عنه وهو كلٌ على مولاه، يقول: وهو عيال على ابن عمه وحلفائه وأهل ولايته، فكذلك الصنم كل على من يعبده، يحتاج أن يحمله، ويضعه ويخدمه، كالأبكم من الناس الذي لا يقدر على شيء، فهو كَلٌّ على أوليائه من بني أعمامه وغيرهم (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) يقول: حيثما يوجهه لا يأت بخير؛ لأنه لا يفهم ما يقال له، ولا يقدر أن يعبر عن نفسه ما يريد، فهو لا يفهم، ولا يفهم عنه، فكذلك الصنم، لا يعقل ما يقال له، فيأتمر لأمر من أمره، ولا ينطق فيأمر وينهي.
يقول الله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)، يعني: هل يستوي هذا الأبكم الكَلّ على مولاه الذي لا يأتي بخير حيث توجه ومن هو ناطق متكلم يأمر بالحق، ويدعو إليه وهو الله الواحد القهار، الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته، يقول: لا يستوي هو تعالى ذكره، والصنم الذي صفته ما وصف.
وقوله: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) أي: وهو مع أمره بالعدل، على طريق من الحق في دعائه إلى العدل، وأمره به مستقيم، لا يعوج عن الحق ولا يزول عنه78.
ففي هذه الآية يصور الرجل الأبكم الضعيف البليد الذي لا يدري شيئا ولا يعود بخير. والرجل القوي المتكلم الآمر بالعدل، العامل المستقيم على طريق الخير ولا يسوي عاقل بين هذا وذاك. فكيف تمكن التسوية بين صنم أو حجر، وبين الله سبحانه وهو القادر العليم الآمر بالمعروف، الهادي إلى الصراط المستقيم؟79.
وهناك قول آخر: وهو أن هذا مثل للمؤمن والكافر، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما80.
فالمراد بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء هو الكافر، فهو باعتبار حرمانه من عبودية الله وطاعته كالعبد الذليل الفقير العاجز. والمراد بقوله: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) هو المؤمن، فإنه مشتغل بالتعظيم لأمر الله تعالى، والشفقة على خلق الله، فأبان تعالى أنهما لا يستويان في المرتبة والشرف والقرب من رضوان الله تعالى81.
وعن ابن عباس في قوله عز وجل: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) قال: نزلت في رجل من قريش وعبده، وفي قوله: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) إلى قوله: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ). قال: هو عثمان بن عفان، قال: والأبكم الذي أينما يوجهه لا يأتي بخير، ذاك مولى عثمان بن عفان كان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤونة، وكان الآخر يكره الإسلام ويأباه، وينهاه عن الصدقة والمعروف فنزلت فيهما82.
والراجح -والله أعلم- أن هذا المثل ضربه الله تعالى لنفسه والآلهة التي تعبد من دونه؛ لأن ما قبل هذه الآية وما بعدها إنما ورد في إثبات التوحيد، وفي الرد على القائلين بالشرك فحمل هذه الآية على هذا المعنى أولى83.
وبذلك نرى أن هذه الآية قد ساقت مثلا لبيان الفرق الشاسع بين ذات الله تعالى الخلاق العليم، الرزاق الكريم، وبين تلك المعبودات الباطلة التي أشركها الضالون في العبادة مع الله عز وجل84.
وفي هذا المثل بيان لضلالة المشركين وبطلان عبادة الأصنام؛ لأن شأن الإله المعبود أن يكون مالكا قادرا على التصرف في الأشياء، وعلى نفع غيره ممن يعبدونه، وعلى الأمر بالخير والعدل، والتزام منهج الاستقامة والقسط في سيرته وسلوكه.
ومن الأمثلة القرآنية التي ورد فيها الصراط: قوله سبحانه: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الملك: ٢٢].
وهذه استعارة تمثيلية وهو مثل للمؤمن والكافر، فالكافر أعمى لا يهتدي إلى الطريق بل يمشي متعسفًا فلا يزال يتعثر وينكب على وجهه، والمؤمن صحيح البصر يمشي في طريق واضحة مستقيمة سالما من العثور والخرور على وجهه. وهكذا تتجلى طريقة القرآن في التجسيد85.
ولعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقًا، كمشي المتعسف في مكان متعاد غير مستو86.
قال ابن كثير: وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكبا على وجهه، أي: يمشي منحنيا لا مستويا على وجهه، أي: لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب؟ بل تائه حائر ضال، أهذا أهدى (ﯯ ﯰ ﯱ)، أي: منتصب القامة (ﯲ ﯳ ﯴ) أي: على طريق واضح بين، وهو في نفسه مستقيم، وطريقه مستقيمة.
هذا مثلهم في الدنيا، وكذلك يكونون في الآخرة، فالمؤمن يحشر يمشي سويا على صراط مستقيم، مفض به إلى الجنة الفيحاء، وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم، (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الصافات: ٢٢-٢٦]87.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا نبي الله يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: (أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة)88.
فهذا المكب على وجهه هو المشرك الذي يمشى على وجهه في النار يوم القيامة، والذي يمشى سويا هو الموحد الذي يحشر على قدميه إلى الجنة89.
فأي الرجلين أهدى؟ من كان تائها في الضلال، غارقًا في الكفر قد انتكس قلبه، فصار الحق عنده باطلا والباطل حقًا؟ ومن كان عالمًا بالحق، مؤثرًا له، عاملا به، يمشي على الصراط المستقيم في أقواله وأعماله وجميع أحواله؟ فبمجرد النظر إلى حال هذين الرجلين، يعلم الفرق بينهما، والمهتدي من الضال منهما، والأحوال أكبر شاهد من الأقوال90.
وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد لفتت أنظار الناس إلى التفكر والاعتبار، ووبخت المشركين على جهالاتهم وطغيانهم، وساقت مثالا واضحا للمؤمن والكافر، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة91.
وهذا المثل غرضه إقامة الحجة وإقناع المخاطبين، وتربيتهم على التفكير السليم والمنطقي، وقد زودهم الله بعقل يتيح لهم ما لم يُتَحْ لغيرهم من الحيوانات والمخلوقات.
ولقد قرب النبي صلى الله عليه وسلم معنى الصراط المستقيم بضرب المثل، فعن النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ضرب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعا، ولا تتعرجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، والصراط الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم)92.
فضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثل الإسلام في هذا الحديث بصراط مستقيم، وهو الطريق السهل الواسع، الموصل سالكه إلى مطلوبه، وهو مع هذا مستقيم، لا عوج فيه، فيقتضي ذلك قربه وسهولته، وعلى جنبتي الصراط يمنة ويسرة سوران، وهما حدود الله، وكما أن السور يمنع من كان داخله من تعديه ومجاوزته، فكذلك الإسلام يمنع من دخله من الخروج عن حدوده ومجاوزتها، وليس وراء ما حد الله من المأذون فيه إلا ما نهى عنه93.
وإنما ضرب المثل بذلك زيادة في التوضيح والتقريب، ليصير المعقول محسوسا، والمتخيل متحققا، فإن التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعنى الممثل ورفع الحجاب عنه وإبرازه في صورة المشاهد، ليساعد فيه الوهم العقل، فإن المعنى الصرف إنما يدركه العقل مع منازعة الوهم؛ لأن طبعه الميل إلى الحس وحب المحاكاة، ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية، وفشت في عبارات البلغاء، وإشارات الحكماء.
قال المناوي: سر هذا الحديث أنه أقام الصراط معنى للإسلام، وأقام الداعي معنى للكتاب والداعي الآخر معنى للعظة في قلب كل مؤمن، فأنت على الصراط الدائم، وهو الإسلام، وسامع النداء القائم وهو القرآن، فإن أنت أقمت حركاتك وسكناتك بمدبرك وخالقك بسقوط من سواه أقامك إليه به وقمت به إليه بسقوطك عنك، فحينئذ يكشف لك اسمه الأعظم الذي لا يخيب من قصده به94.
أولًا: الداعون إلى الصراط المستقيم:
خلق الله الإنسان، وأسكنه في الأرض، ولم يتركه سدىً، بل أوجد له ما يحتاجه من طعام وشراب ولباس، وأنزل عليه في مختلف العصور منهجًا يسير على هديه، وصلاح البشرية وسعادتها في كل زمان ومكان، إنما يكون باتباع منهج الله وطرح ما سواه.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأنعام: ١٥٣].
ولا يمكن أن يتحقق اتباع منهج الله إلا بالدعوة إليه، ولذلك فقد دعا الله إلى اتباع صراطه، فرسم حدود الصراط المستقيم وبين معالمه وتولى أمر الهداية إليه، بواسطة الذين اصطفاهم واجتباهم من الأنبياء والمرسلين وورثتهم من العلماء العاملين.
قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [يونس: ٢٥].
يقول الطبري: يهدي من يشاء من خلقه فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام الذي جعله جل ثناؤه سببًا للوصول إلى رضاه، وطريقًا لمن ركبه وسلك فيه إلى جنانه وكرامته95.
فدعاهم إلى دار السلام، وفى الحقيقة دعاهم إلى ما يوجب لهم الوصول إلى دار السلام وهو اعتناق أوامره والانتهاء عن زواجره96، وعَمَّ سبحانه بالدعوة لإظهار الحجة، وخَصَّ بالهداية استغناء عن الخلق97.
والقرآن الكريم هو الداعي على رأس الصراط المستقيم، فعن النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعا، ولا تتعرجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، والصراط الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله،وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله،والداعي من فوق الصراط:واعظ الله في قلب كل مسلم)98.
وأرسل الله تعالى أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام للدعوة إلى الصراط المستقيم، والهداية إليه.
يقول الله تعالى عن دعوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصراط المستقيم: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [المؤمنون: ٧٣].
أي: وإنك يا محمد لتدعو هؤلاء المشركين من قومك إلى دين الإسلام، وهو الطريق القاصد والصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه99.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الشورى: ٥٢].
وهذه الهداية يراد بها الدعوة والإرشاد إلى طريق الخير، والمعنى: وإنك لتهدى بذلك النور من تشاء هدايته إلى الحق القويم.
ثم فسر هذا الصراط بقوله: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الشورى: ٥٣].
أي: هذا الطريق هو الطريق الذي شرعه الله مالك السموات والأرض والمتصرف فيهما، والحاكم الذي لا معقب لحكمه100.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الزخرف: ٦١].
أي: وإن القرآن ليعلمكم بقيام الساعة، ويخبركم عنها وعن أهوالها، فلا تشكن فيها واتبعوا هداي، فهذا الذي أدعوكم إليه هو الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه وهو الموصل إلى الحق101.
وأخبر الله تعالى عن طريقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في دعوته لأبيه إلى الصراط السوي، فقال: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [مريم: ٤٣].
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لأبيه: يا أبت إني قد آتاني الله من العلم ما لم يؤتك فاتبعني: يقول: فاقبل مني نصيحتي (ﮋ ﮌ ﮍ) يقول: أبصرك هدى الطريق المستوي الذي لا تضل فيه إن لزمته، وهو دين الله الذي لا اعوجاج فيه102.
فأمره باتباعه لما ترجح عليه جانبه في كون الحق معه، وإن كان أكبر منه سنا، وبين أن الخلاص في اتباع أهل الحق، وأن الهلاك في الابتداع والتطوح في مغاليط الطرق103.»
ولم يسم إبراهيم عليه السلام أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق، بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون أعرف بالطريق، ثم ثبطه عما كان عليه بأنه مع خلوه عن النفع مستلزم للضر104.
وهذا داوود عليه السلام كان مرشدًا لأتباعه إلى الطريق الصحيح، قال تعالى عن وصف قومه له: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [ص: ٢٢].
أي: اهدنا إلى وسط طريق الحق بزجر الباغي عما سلكه من طريق الجور وإرشاده إلى منهاج العدل105.
والمقصود من هذا: أن الخصمين قد عرف أن قصدهما الحق الواضح الصرف، وإذا كان ذلك، فسيقصان عليه نبأهما بالحق، فلم يشمئز نبي الله داود من وعظهما له، ولم يؤنبهما106.
والمتأمل في آيات الهداية إلى الصراط المستقيم يجد أن فعل الهداية قد يعدى بنفسه، نحو قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [مريم: ٤٣].
وقوله: (ﭣ ﭤ ﭥ) [الفتح: ٢].
وقد يُعَدى بإلى كقوله: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الشورى: ٥٢].
وقد يُعَدَى باللام كقوله: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأعراف: ٤٣].
والفرق بين التعدية بالحرف والتعدية من دون حرف: أن التعدية بالحرف تقال إذا لم يكن فيه ذلك فيصل بالهداية إليه، وإن التعدية من دون حرف تقال لمن يكون فيه ولمن لا يكون فيه، فتقول: هديته إلى الطريق وهديته للطريق لمن لا يكون في الطريق فتوصله إليه، وتقول: «هديته الطريق» لمن كان فيه فتبصره به وتبينه له، وتقوله أيضًا لمن لا يكون فيه فتوصله إليه.
قال إبراهيم عليه السلام لأبيه: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [مريم: ٤٣].
وأبوه ليس في الصراط، بل هو بعيد عنه.
وقال تعالى في المنافقين: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [النساء: ٦٦-٦٨].
والمنافقون ليسوا على الصراط.
وقال على لسان رسل الله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [إبراهيم: ١٢]. وهم في الصراط.
وقال مخاطبًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الفتح: ٢]. وهو سالك للصراط.
فتعدية الفعل بنفسه تقال لمن كان فيه أي في الصراط ولمن لم يكن فيه.
أما التعدية باللام وإلى فتكون لمن لم يكن فيه، وذلك نحو قوله تعالى على لسان الخصمين اللذين جاءا داود، عليه السلام، ليحكم بينهما: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [ص: ٢٢].
وقوله: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [يونس: ٣٥]. أي: يوصل إليه107.
ومن خلال ما تقدم تبين أهمية الدعوة إلى الصراط المستقيم، فقد تولاها الله تعالى بنفسه، فهو الذي يدعو عباده إلى طاعته وتقواه التي هي طريق الجنة، وينهاهم عن معصيته ومخالفة أمره التي هي طريق النار والعذاب، كما قال سبحانه وتعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [يونس: ٢٥].
ولذلك أرسل سبحانه وتعالى الرسل وأنزل الكتب التي فيها الأوامر الصريحة بتوحيده وتقواه وطاعته، كما أنه سبحانه وتعالى نصب الأدلة والبراهين من مخلوقاته وآياته على أنه الرب الخالق المدبر المتصرف في هذا الكون، والإله الحق الذي يجب أن تصرف جميع أنواع العبادة له سبحانه دون ما سواه. ودعا إلى الصراط المستقيم الأنبياء والمرسلون الذين هم خيار الخلق وأشرف العباد، فإن الله تعالى اصطفى من عباده خيارهم ليكلفهم بالدعوة إلى صراطه المستقيم وتبليغ دينه كما قال عز وجل: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل: ٣٦].
وقال جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء: ٢٥].
وقوله سبحانه: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النساء: ١٦٥].
وقوله سبحانه: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الأنعام: ١٢٤].
فهي وظيفة هؤلاء الأخيار الأطهار المصطفين من عباد الله، ويأتي في مقدمتهم فضلا ومكانة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: صفات المهتدين:
إن الهداية صفةٌ سامية، وعزة شامخة، ومنقبة عظيمه، وسعادة أبدية، لا ينالها إلا الشرفاء، ولا يوصف بها إلا الأتقياء، ولا يسعى إلى تحقيقها إلا الموحدون، ولا ينالها إلا الموفقون، ولا يحافظ عليها إلا الصابرون، ولا يخسرها إلا المحرومون، ولا يحجب عنها إلا المبعدون، وصفهم الله تعالى بصفات عديدة في كتابه الكريم، ومن أبرز هذه الصفات، ما يلي:
١. التمسك بالكتاب والسنة.
من صفات المهتدين على صراط الله المستقيم: اعتصامهم بالله تعالى وبكتابه، وتمسكهم به، قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [آل عمران: ١٠١].
أي: ومن يستمسك بدين الله وكتابه ورسوله، فقد حصل له الهدى إلى الصراط المستقيم لا محالة، كما تقول إذا جئت فلانا فقد أفلحت، إذ هو حينئذ لا تخفى عليه المهالك، ولا تروج لديه الشبهات108.
فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العمدة في الهداية، والعدة في مباعدة الغواية، والوسيلة إلى الرشاد، وطريق السداد، وحصول المراد109.
وفي هذا إشارة إلى أن التمسك بدين الله وبكتابه كفيل بأن يبعد المسلمين الذين لم يشاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم عما يبيته لهم أعداؤهم من مكر وخداع110.
وقال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النساء: ١٧٥].
أي: طريقًا واضحًا قَصْدًا قوامًا لا اعوجاج فيه ولا انحراف، وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات111.
وهذا الصراط المستقيم لا يهدى إليه إلا الاعتصام بالقرآن الكريم واتباع سنة سيد المرسلين، والمراد أنه يوقفهم ويثبتهم على تلك الهداية إلى الصراط المستقيم112.
فالآية واضحة الدلالة على أن خصوصية الهداية إلى الصراط المستقيم يبلغ بها درجة الصالحين ومنازل المقربين لمن توفر فيه شرط الإيمان بالله والاعتصام به.
وقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [المائدة: ١٥-١٦].
أي: ينجيهم من المهالك، ويوضح لهم أبين المسالك فيصرف عنهم المحذور، ويحصل لهم أنجب الأمور، وينفي عنهم الضلالة، ويرشدهم إلى أقوم حالة113.
فبينت هذه الآية أن الهداية التي خص الله بها أحبابه إنما جاءت نتيجة لاتباعهم سبل مراضاته بالإيمان به ورسوله وبما أنزل عليه من كلامه والعمل بما فيه، ولم تأت الهداية التي خص الله بها المهتدين إلا ثمرة من ثمار ما قدموا من شروط الأهلية لذلك.
٢. شكر النعم.
من صفات أهل الهداية: شكرهم للنعم التي يمن الله تعالى بها عليهم، قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النحل: ١٢٠-١٢١].
يخبر تعالى عما فضل به خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وخصه به من الفضائل العالية والمناقب الكاملة فقال: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) أي: إمامًا جامعًا لخصال الخير هاديًا مهتديًا.
(ﭩ ﭪ) أي: مديمًا لطاعة ربه، مخلصًا له الدين.
(ﭫ) مقبلًا على الله بالمحبة، والإنابة والعبودية معرضا عمن سواه.
(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) في قوله وعمله، وجميع أحواله لأنه إمام الموحدين الحنفاء.
(ﭱ ﭲ) أي: آتاه الله في الدنيا حسنة، وأنعم عليه بنعم ظاهرة وباطنة، فقام بشكرها.
فكان نتيجة هذه الخصال الفاضلة أن (ﭴ) ربه واختصه بخلته وجعله من صفوة خلقه، وخيار عباده المقربين. (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) في علمه وعمله فعلم بالحق وآثره على غيره114.
فعلم أن الإيمان بالله والشكر لنعمه وطاعة العبد لربع وعبادته من أعظم المؤهلات لاصطفائه بهذه الهداية الخاصة.
٣. الإخبات لله سبحانه.
من صفات المهتدين على الصراط المستقيم عدم الاعتراض لأمر الله تعالى والانقياد لحكمه والإذعان لشرعه.
قال الله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الحج: ٥٤].
فقوله: (ﯠ ﯡ) أي: يصدقوه وينقادوا له، (ﯢ ﯣ ﯤ) أي: تخضع وتذل، (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) أي: في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فيرشدهم إلى الحق واتباعه، ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه، وفي الآخرة يهديهم إلى الصراط المستقيم، الموصل إلى درجات الجنات، ويزحزحهم عن العذاب الأليم والدركات115.
فهذه بعض صفات أهل الاستقامة على الصراط المستقيم ذكرها الله تعالى في كتابه للعمل بها والسير على منهج أهلها من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
ثالثًا: ثمرات الهداية إلى الصراط المستقيم:
من أعظم النعم التي امتن الله تعالى على عباده المؤمنين: نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم، وهذه النعمة لها ثمار يانعة، ولا يستطيع أحد أن يحيط بها، ولكن يكفينا هنا أن نشير إلى بعض ما تضمنته آيات الكتاب المبين والتي قد كشفت عن صنوف الثمار التي يتلقاها، ومن ذلك ما يلي:
١. ثمرات الهداية إلى الصراط المستقيم في الدنيا.
فالإيمان يورث أهله هداية الدلالة والبيان، وهداية التوفيق والإلهام، قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الحج: ٥٤].
فإذا أراد الله بعبده خيرا أمده بنور التحقيق، وأيده بحسن العصمة، فيميز بحسن البصيرة بين الحق والباطل فلا يظله غمام الريب، وينجلى عنه غطاء الغفلة، فلا تأثير لضباب الغداة في شعاع الشمس عند متوع النهار116.
فهداية الدلالة والبيان تتضمن تعليم المؤمن ما لا يعلم من الحق المجمل والمفصل، قال تعالى: (ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ٢٨٢].
أي: واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فهو سبحانه الذي يعلمكم ما يصلح لكم117.
وقال: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الأنفال: ٢٩].
أي: فصلًا بين الحق والباطل، ليظهر به حقكم، ويخفي به باطل من خالفكم118.
أما هداية التوفيق والإلهام فتتضمن الإلهام للحق، والتوفيق لاتباعه، والثبات عليه إلى الممات، قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [محمد: ١٧].
والمراد أنه زادهم إيمانا وعلما وبصيرة في الدين وآتاهم تقواهم أي: ألهمهم إياها وأعانهم عليها119.
والله تعالى يسدد عباده المؤمنين إلى الطريق القويم الذي لا اعوجاج فيه، فقال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة: ٢١٣].
والمعنى: «والله يسدد من يشاء من خلقه، ويرشده إلى الطريق القويم على الحق الذي لا اعوجاج فيه، كما هدى الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، لما اختلف الذين أوتوا الكتاب فيه بغيًا بينهم، فسددهم لإصابة الحق والصواب فيه.
وفي هذه الآية البيان الواضح على صحة ما قاله أهل الحق: من أن كل نعمة على العباد في دينهم آو دنياهم، فمن الله جل وعز.
فإن قال لنا قائل: وما معنى قوله: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)؟ أهداهم للحق، أم هداهم للاختلاف؟ فإن كان هداهم للاختلاف فإنما أضلهم! وإن كان هداهم للحق، فيكف قيل: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)؟
قيل: إن ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه، وإنما معنى ذلك: فهدى الله الذين آمنوا للحق فيما اختلف فيه من كتاب الله الذين أوتوه، فكفر بتبديله بعضهم، وثبت على الحق والصواب فيه بعضهم-وهم أهل التوراة الذين بدلوها-فهدى الله مما للحق بدلوا وحرفوا، الذين آمنوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم120.
ويقول جل ثناؤه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الحج: ٢٤].
فهداهم ربهم في الدنيا إلى طريق الرب الحميد، وطريقه: دينه دين الإسلام الذي شرعه لخلقه وأمرهم أن يسلكوه121.
فتبين أن أحق الناس بالهداية هم أهل الإيمان وهذه الثمرة من أعظم وأجل الثمار التي يجنيها المؤمن في هذه الحياة.
قال الله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النحل: ٩٧].
يقول ابن كثير: «هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا؛ وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله،، وأن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت»122.
فشرط الحياة الطيبة لكل ذكر وأنثى الإيمان والعمل الصالح.
قال الله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [نوح: ١٠-١٢].
وقال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الجن: ١٦].
وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأعراف: ٩٦].
أي: يسرنا لهم خير السماء والأرض كما يحصل التيسير للأبواب المغلقة بفتح أبوابها قيل: المراد بخير السماء: المطر، وخير الأرض: النبات، والأولى حمل ما في الآية على ما هو أعم من ذلك123.
وقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [المائدة: ٦٦].
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [البقرة: ٢٥٧].
فهو النصير والمعين للمهتدين على الصراط المستقيم، يتولاهم بعونه، ولا يكلهم إلى غيره سبحانه يقول ابن جرير في معنى الآية: «نصيرهم وظهيرهم ويتولاهم بعونه وتوفيقه«124.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الروم: ٤٧].
قال الشوكاني: «هذا إخبار من الله سبحانه بأن نصره لعباده المؤمنين حق عليه، وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد، وفيه تشريف للمؤمنين ومزيد تكرمة لعباده الصالحين»125.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النور: ٥٥].
فمن الثمار العظيمة التي تحصل لأهل الاستقامة على الصراط المستقيم: التمكين لهم، فالاستخلاف في الأرض والتمكين لهم وجعلهم أئمة الناس والولاة عليهم، وخضوع البلاد لهم لمن أعظم ثمار الإيمان؛ لأن به تصلح البلاد ويحصل الأمن للناس.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأنفال: ٢٦].
وهذا الوعد عام يعم جميع الأمة بشرط الإيمان والعمل الصالح.
قال الشوكاني: «وهذا وعد من الله سبحانه لمن آمن بالله وعمل الأعمال الصالحات بالاستخلاف لهم في الأرض لما استخلف الذين من قبلهم من الأمم وهو وعد يعم جميع الأمة، وقيل هو خاص بالصحابة ولا وجه لذلك فإن الإيمان وعمل الصالحات لا يختص بهم، بل ويمكن وقوع ذلك من كل واحد من هذه الأمة، ومن عمل بكتاب الله وسنة رسوله فقد أطاع الله ورسوله»126.
فهذه جملة من ثمار الاستقامة على الصراط المستقيم في الحياة الدنيا، ومن ضعفت استقامته لم تتحقق له هذه الثمار، كما هو مشاهد اليوم في حال المسلمين، ويوم يستقيم المسلمون على الصراط المستقيم، ويجددون إيمانهم ويثبتونه سيجنون هذه الثمار العظيمة إلى جانب ما ينتظرهم من الفوز العظيم في الدار الآخرة.
٢. ثمرات الهداية إلى الصراط المستقيم في الآخرة.
قال تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [الأحقاف: ١٣].
قال ابن القيم رحمه الله: «فإن الطاعة حصن الله الأعظم، من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب، فمن أطاع الله انقلبت المخاوف في حقه أمانا، ومن عصاه انقلبت مآمنه مخاوف، فلا تجد العاصي إلا وقلبه كأنه بين جناحي طائر، إن حركت الريح الباب قال: جاء الطلب، وإن سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيرًا بالعطب، يحسب أن كل صيحة عليه، وكل مكروه قاصد إليه، فمن خاف الله آمنه من كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء»127.
وقال زيد بن أسلم: يبشرونه عند موته، وفي قبره، وحين يبعث. وهذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جدا، وهو الواقع128.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فصلت: ٣٠].
والمعنى: (ﭑ ﭒ ﭓ) بكل صدق وإخلاص: (ﭔ ﭕ) ربنا الله تعالى وحده، لا شريك له لا في ذاته ولا في صفاته.
(ﭖ ﭗ) أي: ثم ثبتوا على هذا القول، وعملوا بما يقتضيه هذا القول من طاعة الله تعالى في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر، ومن اقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم في كل أحواله.
وتنزل الملائكة عليهم بهذه البشارات يشمل ما يكون في حياتهم عن طريق إلهامهم بما يشرح صدورهم، ويطمئن نفوسهم، كما يشمل تبشيرهم بما يسرهم عند موتهم وعند بعثهم129.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الحديد: ١٢].
يقول ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا عن المؤمنين المتصدقين: أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة، بحسب أعمالهم، كما قال عبدالله ابن مسعود في قوله: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) قال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم، وأدناهم نورًا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة130.
وقال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء فدون ذلك، حتى إن من المؤمنين من يضيء نوره موضع قدميه)131.
فهذا النور دليل لهم في طريقهم إلى الجنة، بسبب استقامتهم على صراط الله المستقيم في الحياة الدنيا.
أهل الصراط المستقيم يكرمهم الله تعالى بجنته، قال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النساء: ١٧٥].
وفي الهداية المذكورة في الآية قولان:
أحدهما: أن يعطيهم في الدنيا ما يؤديهم إلى نعيم الآخرة، وهذا قول الحسن.
والثاني: هو الأخذ بهم في الآخرة إلى طريق الجنة، وهو قول بعض المفسرين البصريين132.
ومن دخل في معية هؤلاء وفي كنفهم نال ما نالوه من الحظ عند الله تبارك وتعالى.
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النساء: ٦٩].
فلما كان طالب الصراط المستقيم طالب أمر أكثر الناس ناكبون عنه، مريدا لسلوك طريق مرافقه فيها في غاية القلة والعزة، والنفوس مجبولة على وحشة التفرد، وعلى الأنس بالرفيق، نبه الله سبحانه على الرفيق في هذه الطريق، وأنهم هم الذين (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النساء: ٦٩]133.
وهذه الصحبة لهذا الرهط العلوي، إنما هي من فضل الله. فما يبلغ إنسان بعمله وحده وطاعته وحدها أن ينالها، إنما هو الفضل الواسع الغامر الفائض العميم134.
وليس المراد بكون من أطاع الله وأطاع الرسول مع النبيين والصديقين، كون الكل في درجة واحدة، لأن هذا يقتضي التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول، وإنه لا يجوز، بل المراد كونهم في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر، وإن بعد المكان؛ لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضا، وإذا أرادوا الزيارة والتلاقي قدروا عليه، فهذا هو المراد من هذه المعية135.
وكان سبب نزول هذه الآية ما أخرجه الطبراني، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، والله إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت، فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل جبريل بهذه الآية: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النساء: ٦٩]136.
ولا شك أن هذه الميزة من أعظم ما توجهت به إرادة المحبين للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها من أعز المطالب، ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: (سل) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: (أو غير ذلك) قلت: هو ذاك. قال: (فأعني على نفسك بكثرة السجود)137.
فهذه نماذج من الثمار التي وعد الله بها أهل الاستقامة على الصراط المستقيم، والمقصود هنا ذكر طرف من هذا النعيم الذي ينعم به أهل الاستقامة في الحياة الآخرة.
أولًا: الصادون عن الصراط المستقيم:
لم يكتف أعداء الصراط المستقيم برفض الدعوة إليه، بل سعوا جاهدين إلى صد الناس عن اتباع ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهذا الصد يكون بالرفض تارة، وبالإكراه تارة أخرى، وتارة بالتهديد، وتارة بالتشويه والتحريف، ولما كان دأب هؤلاء هو التشهير بالدعاة، فقد رد الله تعالى عليهم بمثل ما فعلوا، فشهر الله بهم وفضحهم على رؤوس الأشهاد، وبين أنهم معادون للحق ومعادون لأنفسهم في اعتراض دعوة الرسول عليهم الصلاة والسلام وتنفير الناس منها، ومن هؤلاء:
١. إبليس.
أخبر الله تعالى عن إبليس بتوعده وتعهده ببذل غاية جهده في إضلال بني آدم، والترصد لهم، كما يترصد قطاع الطرق للسائرين فيها، فيصدهم، ويحاول بكل وسيلة أن يصرفهم عن الصراط المستقيم، ولن يتكاسل عن العمل على إفسادهم وإضلالهم.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأعراف: ١٦-١٧].
أي: كما أغويتني. قال ابن عباس: كما أضللتني. وقال غيره: كما أهلكتني لأقعدن لعبادك الذين تخلقهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه على (ﮂ ﮃ)أي: طريق الحق وسبيل النجاة، ولأضلنهم عنها لئلا يعبدوك ولا يوحدوك بسبب إضلالك إياي.
وقال بعض النحاة: الباء هاهنا قسمية، كأنه يقول: فبإغوائك إياي لأقعدن لهم صراطك المستقيم.
قال مجاهد: (ﮂ ﮃ) يعني: الحق.
وقال محمد بن سوقة، عن عون بن عبد الله: يعني طريق مكة.
قال ابن جرير: والصحيح أن الصراط المستقيم أعم من ذلك كله138.
فالله تعالى خلق في نفس إبليس مقدرة على إغواء الناس بقوله: (ﭮ ﭯ ﭰ) [الأعراف: ١٣].
وإنه جعله باقيا متصرفا بقواه الشريرة إلى يوم البعث، فأحس إبليس أنه سيكون داعية إلى الضلال والكفر، بجبلة قلبه الله إليها قلبا وهو من المسخ النفساني، وإنه فاعل ذلك لا محالة مع علمه بأن ما يصدر عنه هو ضلال وفساد، فصدور ذلك منه كصدور النهش من الحية، وكتحرك الأجفان عند مرور شيء على العين، وإن كان صاحب العين لا يريد تحريكهما.
وإضافة الصراط إلى اسم الجلالة على تقدير اللام، أي: الصراط الذي هو لك أي الذي جعلته طريقا لك، والطريق لله هو العمل الذي يحصل به ما يرضي الله بامتثال أمره، وهو فعل الخيرات، وترك السيئات، فالكلام تمثيل هيئة العازمين على فعل الخير، وعزمهم عليه، وتعرض الشيطان لهم بالمنع من فعله، بهيئة الساعي في طريق إلى مقصد ينفعه وسعيه إذا اعترضه في طريقه قاطع طريق منعه من المرور فيه139.
وهذا الكلام يدل على أن إبليس علم أن الله خلق البشر للصلاح والنفع، وأنه أودع فيهم معرفة الكمال، وأعانهم على بلوغه بالإرشاد، فلذلك سميت أعمال الخير، في حكاية كلام إبليس، صراطا مستقيما، وأضافه إلى ضمير الجلالة، لأن الله دعا إليه وارد من الناس سلوكه، ولذلك أيضا ألزم لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتيناهم من بين أيديهم ومن خلفهم.
وبهذا الاعتبار كان إبليس عدوا لبني آدم؛ لأنه يطلب منهم ما لم يخلقوا لأجله وما هو مناف للفطرة التي فطر الله عليها البشر، فالعداوة متأصلة وجبلية بين طبع الشيطان وفطرة الإنسان السالمة من التغيير140.
وقد اتخذ إبليس مسلك التخويف من أعداء الله للصد عن صراط الله المستقيم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه النسائي عن سبرة بن أبي فاكه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك، فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال، فعصاه فجاهد)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن فعل ذلك كان حقًّا على الله عز وجل أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقًّا على الله عز وجل أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة)141.
وذكر الله تعالى توعد إبليس وتعهده، ورد الله تعالى عليه في سورة الحجر، فقال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الحجر: ٣٩-٤٢].
معنى قوله: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) أي: مرجعكم كلكم إلي، فأجازيكم بأعمالكم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، كما قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الفجر: ١٤]142.
قال المراغي: أي: قال هذا طريق مرجعه إلي، فأجازي كل امرئ بعمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، كما يقول القائل لمن يتوعده ويتهدده: طريقك علي. وأنا على طريقك: أي: لا مهرب لك مني، ونظير الآية قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ). وهذا رد لما جاء في كلام إبليس حيث قال: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ)[الأعراف: ١٦-١٧]143.
فالصراط هو الذي يسلكه عباد الله المخلصون، وليس لإبليس سلطان على أحد ممن سلك هذا السبيل، واستقام على هذا الصراط؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أوجب على نفسه حراسة المستقيمين عليه، من كيد الشيطان وإغوائه144.
فكأنه سبحانه يقول في الرد على إبليس الذي اعترف بعجزه عن إغواء المخلصين من عباد الله: يا إبليس، إن عدم قدرتك على إغواء عبادي المخلصين منهج قويم من مناهجي التي اقتضتها حكمتي وعدالتي ورحمتي، وسنة من سنني التي آليت على نفسي أن ألتزم بها مع خلقي. إن عبادي المخلصين لا قوة ولا قدرة لك على إغوائهم؛ لأنهم حتى إذا مسهم طائف منك. أسرعوا بالتوبة الصادقة إلي، فقبلتها منهم. وغفرت لهم زلتهم، ولكنك تستطيع إغواء أتباعك الذين استحوذت عليهم فانقادوا لك145.
٢. الكافرون.
الكفار هم ممن أغواهم الشيطان عن صراط الله المستقيم، فانتهجوا نهجه، فجعلوا من أنفسهم حواجز مانعة عن وصول الدين القويم إلى الناس.
ولقد عنى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من صد هؤلاء عن صراط الله المستقيم، فهذا نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام يعظ قومه ويأمرهم بترك الصد عن صراط الله المستقيم، وعدم الاعتراض لدعوته فقال: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الأعراف: ٨٦].
قال ابن كثير: نهاهم شعيب عليه السلام، عن قطع الطريق الحسي والمعنوي146.
والمعنى: ولا تقعدوا بكل طريق من الطرق المسلوكة تهددون من آمن بي بالقتل، وتخيفونه بأنواع الأذى، وتلصقون بي وأنا نبيكم التهم التي أنا بريء منها، بأن تقولوا لمن يريد الإيمان برسالتي: إن شعيبًا كذاب وإنه يريد أن يفتنكم عن دينكم.
وقوله: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) أي: وتصرفون عن دين الله وطاعته من آمن به، وتطلبون لطريقه العوج بإلقاء الشبه أو بوصفها بما ينقصها، مع أنها هي الطريق المستقيم الذي هو أبعد ما يكون عن شائبة الاعوجاج147.
فإن قيل: صراط الحق واحد، (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأنعام: ١٥٣].
فكيف قيل بكل صراط؟.
الجواب: صراط الحق واحد ولكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة فكانوا إذا رأوا واحدا يشرع في شيء منه منعوه وصدوه148.
وهذا هو نفس السلوك الذي اتخذه كفار قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم فقد نصبوا له العداء وحذروا منه وقعدوا بكل صراط يوعدون ويهددون من آمن به، بل بلغ بهم الأمر أن منعوا المؤمنين عن المسجد الحرام وصدوهم عنه، فكانوا يعتقدون أنهم أهل المسجد، وأولى به من المؤمنين، ولذلك كانوا يصدون عن سبيل الله، ويصدون عن المسجد الحرام أيضًا.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الفتح: ٢٥].
وقد كان ذلك في صلح الحديبية لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من المدينة إلى مكة قاصدين العمرة ومصطحبين الهدي، فصدهم كفار مكة عن بلوغ المسجد الحرام وصدوا الهدي أيضًا أن يذبح في مكانه قربة لله تعالى.
٣. أهل الكتاب.
من طبيعة الكفرة من أهل الكتاب: الصد عن الصراط المستقيم، وغرضهم: ابتغاء سبيل الله معوجة: وقد جاءت الآيات صريحة في بيان هذه الغاية من الصد، قال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [آل عمران: ٩٩].
أي: لأي سبب تصرفون من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم واتبعه عن الإيمان الذي يرقى عقل المؤمن بما فيه من طلب النظر في الكون، وترقى روحه بتزكيتها بالأخلاق الطيبة، والأعمال الصالحة، وتكذبون بذلك كفرا وعنادا، وكبرا وحسدا، وتلقون الشبهات الباطلة في قلوب الضعفاء من المسلمين بغيا وكيدا للنبي صلى الله عليه وسلم، تبغون لأهل دين الله ولمن هو على سبيل الحق عوجا وضلالا، وزيغا عن الاستقامة على الهدى والمحجة، وأنتم عارفون بتقدم البشارة به، عالمون بصدق نبوته، ومن كان كذلك فلا يليق به الإصرار على الباطل والضلال والإضلال149.
فسبيل الله هو الطريق المستقيم. وما عداه عوج غير مستقيم، وحين يصد الناس عن سبيل الله وحين يصد المؤمنون عن منهج الله، فإن الأمور كلها تفقد استقامتها، والموازين كلها تفقد سلامتها، ولا يكون في الأرض إلا العوج الذي لا يستقيم«150.
وفي هذه الآية دليل على شدة حرمة صرف الناس عن الحق والمعروف بأنواع الحيل وضروب الكذب والخداع.
يسلك المنافقون نفس مسلك أعداء الدين من الكفرة المشركين، فيحاولون بشتى الطرق الصد عن صراط الله المستقيم، قال الله تعالى عن حالهم إن دعو إلى تحكيم شرع الله ودينه، ليكون هو الحكم الفصل في الخصومات: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [النساء: ٦١].
فهذا هو حال المنافقين لا يريـدون لدين الله السمو والمرجعية والسيادة والحكم الفصل، ولذلك أكد الله وقوع فعل الصد حقيقة لا مجازًا بالمصدر فقال: (ﭾ)، والمعنى أعرضوا إعراضًا لا رجعة فيه، وانصرفوا انصرافًا لا عودة فيه، وهذا نابع من عداوتهم لدين الله، ولذلك يجعلون مهمتهم أن يصـرفوا أنفسهم والناس من حولهم عن هذا الدين القويم، فقاتلهم الله أنى يؤفكون.
ثانيًا: صفات المعرضين:
بين الله صفات المعرضين عن الصراط المستقيم، الصادين عنه؛ من أجل أن يتميزوا ويعرفوا ويحذر كيدهم ومكرهم، ويتقي شرهم، فمن هذه الصفات:
١. العدول عن الصراط المستقيم.
من صفات المعرضين عن الصراط المستقيم: الكفر بالله واليوم الآخر، فهم لا يصدقون بالبعث بعد الموت، وقيام الساعة ومجازاة الله عباده في الآخرة عادلون عن محجة الحق وعن قصد السبيل وهو دين الله الذي ارتضاه لعباده.
قال الله تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [المؤمنون: ٧٣-٧٤].
فسبب تنكبهم وابتعادهم عن دين الإسلام هو عدم إيمانهم بالآخرة، فالقلب الذي لا يعمره الإيمان بلقاء الله والجزاء يوم القيامة صاحبه ضد كل خير ومعروف ولا يؤمل منه بسبب كفره بالآخرة.
قال ابن عاشور: نزه سبحانه الإسلام عما وسموه به من الأباطيل، والتنزيه بإثبات ضد ذلك وهو أنه صراط مستقيم، أي: طريق لا التواء فيه ولا عقبات، فالكلام تعريض بالذين اعتقدوا خلاف ذلك.
وإطلاق الصراط المستقيم عليه من حيث إنه موصل إلى ما يتطلبه كل عاقل من النجاة وحصول الخير، فكما أن السائر إلى طلبته لا يبلغها إلا بطريق، ولا يكون بلوغه مضمونا ميسورا إلا إذا كان الطريق مستقيمًا فالنبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى الإسلام دعاهم إلى السير في طريق موصل بلا عناء.
والتأكيد بـ «إن» واللام باعتبار أنه مسوق للتعريض بالمنكرين على ما دعاهم إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك التوكيد في قوله: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ).
والتعبير فيه بالموصول وصلته إظهار في مقام الإضمار حيث عدل عن أن يقول: وإنهم عن الصراط لناكبون. والغرض منه ما تنبئ به الصلة من سبب تنكبهم عن الصراط المستقيم أن سببه عدم إيمانهم بالآخرة.
والتعريف في الصراط للجنس، أي: هم ناكبون عن الصراط من حيث هو حيث لم يتطلبوا طريق نجاة فهم ناكبون عن الطريق بله الطريق المستقيم؛ ولذلك لم يكن التعريف في قوله: (ﰋ ﰌ) للعهد بالصراط المذكور؛ لأن تعريف الجنس أتم في نسبتهم إلى الضلال بقرينة أنهم لا يؤمنون بالآخرة التي هي غاية العامل من عمله فهم إذن ناكبون عن كل صراط موصل إذ لا همة لهم في الوصول151.
وفي معنى قوله: (ﰍ) تأويلات:
أحدها: لعادلون، قاله ابن عباس.
الثاني: لحائدون، قاله قتادة.
الثالث: لتاركون، قاله الحسن.
الرابع: لمعرضون، قاله الكلبي، ومعانيها متقاربة152.
وهذا تهديد للمشركين، بأنهم إذا هم لم يسيروا على هذا الصراط المستقيم الذي يدعوهم إليه الرسول صلوات الله وسلامه عليه لم يكن أمامهم إلا طرق الضلال، يركبونها إلى حيث تهوي بهم في قرار الجحيم153.
٢. التيه في الضلال والغواية.
من صفات المعرضين عن الصراط المستقيم أنهم تائهين في غيهم وضلاهم، وحال من يعرض عن صراط الله المستقيم كمن يمشي في طريق وهو يتعثر في كل ساعة ويخر على وجهه في كل خطوة لتوعر طريقه واختلاف أجزائه انخفاضًا وارتفاعًا.
قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الملك: ٢٢].
فهو غارق في الكفر قد انتكس قلبه، فصار الحق عنده باطلا والباطل حقًا، فهو في غاية الضلال البعيد.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [إبراهيم: ٣].
وهذا أقصى مراتب الضلال هو الذي وصفه الله تعالى في هذه المرتبة فهذه المرتبة في غاية البعد عن طريق الحق، فإن شرط الضدين أن يكونا في غاية التباعد، مثل السواد والبياض، فكذا هاهنا الضلال الذي يكون واقعا على هذا الوجه يكون في غاية البعد عن الحق فإنه لا يعقل ضلال أقوى وأكمل من هذا الضلال154.
٣. الكسب الحرام.
فالمال نعمة من نعم الله على العبد، وجعل الله طرقًا مشروعة لكسبه وإنفاقه، وحرم أكل الأموال بالباطل، ونهى عن البخل به وعدم الإنفاق منه في سبيل الله.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [التوبة: ٣٤]
وفي ذلك تنبيه للمؤمنين حتى يتجنبوا تلك الصفات، ولذلك وجه الخطاب إليهم، والمعنى: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا بوحدانية ربهم، إن كثيرًا من العلماء والقراء من بني إسرائيل من اليهود والنصارى، يأخذون الرشى في أحكامهم، ويحرفون كتاب الله، ويكتبون بأيديهم كتبًا ثم يقولون: «هذه من عند الله»، ويأخذون بها ثمنًا قليلا من سفلتهم، ويصدون عن سبيل الله فيمنعون من أراد الدخول في الإسلام الدخول فيه، بنهيهم إياهم عنه155.
٤. الحلف بالأيمان الكاذبة.
إن هذه الصفة ملازمة للمنافقين المعرضين عن الصراط المستقيم، فقد وصفهم الله تعالى بذلك في أكثر من موضع في كتابه.
قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [المنافقون: ٢].
أي: أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر وتستروا بالأيمان الكاذبة، فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم أنهم صادقون وبهذه الوسيلة صدوا كثيرا من الناس عن سبيل الله بتثبيط من لقوا عن الدخول فى الإسلام بتحقير شأنه في نظرهم156.
والآية دليل على ارتكابهم جرمين كبيرين: الحلف بالأيمان الكاذبة، والصد عن الدخول في الإسلام والجهاد في سبيل الله، مما استوجب وصف أفعالهم بالقبح157.
٥. البطر والرياء.
وهاتان صفتان اتصف بهما كفار قريش حيث خرجوا يوم بدر بعد أن سلمت عيرهم قاصدين البطر بهذا الخروج والسمعة بين الناس، مليئة نفوسهم بالغرور والصد عن سبيل الله، فتمت المواجهة بينهم وبين المؤمنين وكان النصر والغلبة للقلة المؤمنة على الكثرة الكافرة، وهذا هو مصير كل صاد عن سبيل الله معرضا عن الحق.
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الأنفال: ٤٧].
أي: عليكم أن تمتثلوا ما أمرتم به وتنتهوا عما نهيتم عنه، ولا تكونوا كأعدائكم المشركين الذين خرجوا من ديارهم في مكة وغيرها من الأماكن، بطرين بما أوتوا من قوة ونعم لا يستحقونها، مرائين الناس بها ليعجبوا بها ويثنوا عليهم بالغنى والقوة والشجاعة.
وهم بخروجهم يصدون عن سبيل الله وهو الإسلام بحملهم الناس على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، والإعراض عن تبليغ دعوته، وتعذيب من أجابها إذا لم يكن لهم من يمنعهم ويحميهم من قرابة أو حلف أو جوار158.
وهكذا نرى مجموعة من هذه الصفات للمعرضين عن الصراط المستقيم، حتى يعرفوا من خلالها، فيحذر كيدهم ومكرهم وعداؤهم.
ثالثًا: جزاء المعرضين:
مما لا شك فيه أن المعرضين عن الصراط المستقيم قد ناصبوا الله ودينه ورسوله والمؤمنين العداء في الدنيا والآخرة، حيث انطلقوا من أسباب كفرية مفسدة، واتصفوا بصفات كفرية مهلكة، وكانت لهم وسائل وغايات مجرمة، فلا بد أن تكون عاقبة أمرهم خسرًا، وتنقلب غاياتهم غلبة عليهم وحسرة، ويذوقوا السوء والعذاب العظيم في الدنيا والآخرة بسبب ما قدمـت أيديهـم من ظلم وفتنة، وسنقف على وعيد الله بهم من خلال الآيات نفسها المتعلقة بجريمة الإعراض، وذلك فيما يلي:
١. ضنك المعيشة وعدم الهناء.
قال ابن القيم: في معنى قول الله تعالى في آخر سورة طه: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [طه: ١٢٤]: أخبر الله أن من أعرض عن ذكره وهو الهدى الذي من اتبعه لا يضل ولا يشقى بأن له معيشة ضنكا. أي: عذاب القبر، وهذا عذاب البرزخ، وكذلك يترك في العذاب وينسى فيه كما ترك العمل بالآيات.
وهذا عذاب دار البوار، وله الضنك والضيق في الحياة الدنيا كذلك، ومثله قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الزخرف: ٣٦-٣٧].
فأخبر سبحانه في هذه الآية أن من ابتلاه بقرينه من الشياطين، وضلاله به، إنما كان بسبب إعراضه وعشوه عن ذكره الذي أنزله على رسوله، فكان عقوبة هذا الإعراض أن قيض له شيطانًا يقارنه فيصده عن سبيل ربه وطريق فلاحه، وهو يحسب أنه مهتد. حتى إذا وافى ربه يوم القيامة مع قرينه. وعاين هلاكه وإفلاسه، قال: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الزخرف: ٣٨].
وكل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلا بد أن يقول هذا يوم القيامة، وهؤلاء لا عذر لهم يوم القيامة لأن ضلالهم منشؤه الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو ظن أنه مهتد فإنه مفرط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى، فإذا ضل فإنما أتي من تفريطه وإعراضه159.
٢. استحقاقهم العذاب.
فقد توعد الله المعرضين عن سبيل الله حيث تهددهم الله بذلك في أكثر من آية.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الأنفال: ٣٤].
والمعنى: وأي شيء يمنع من عذاب مشركي قريش بعد خروجك-يا محمد-وخروج المؤمنين المستضعفين من بين أظهرهم؟ إنه لا مانع أبدًا من وقع العذاب عليهم وقد وجد مقتضية منهم، حيث اجترحوا من المنكرات والسيئات ما يجعلهم مستحقين للعقاب الشديد160.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النحل: ٩٤].
فقوله: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ)، أي: بما فتنتم من أراد الإيمان بالله ورسوله عن الإيمان (ﭢ ﭣ ﭤ) في الآخرة، وذلك نار جهنم161.
وقال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [المجادلة: ١٦].
والجنة: الوقاية والسترة، من جن، إذا استتر، أي: وقاية من شعور المسلمين بهم ليتمكنوا من صد كثير ممن يريد الدخول في الإسلام عن الدخول فيه؛ لأنهم يختلقون أكذوبات ينسبونها إلى الإسلام والمسلمين162.
والله تعالى يضاعف العذاب للصادين عن دينه، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [النحل: ٨٨].
يقول تعالى ذكره: الذين جحدوا يا محمد نبوتك وكذبوك فيما جئتهم به من عند ربك، وصدوا عن الإيمان بالله وبرسوله، ومن أراده زدناهم عذابًا يوم القيامة في جهنم فوق العذاب الذي هم فيه قبل أن يزادوه163.
وتوعدهم الله تعالى بالسعير، فقال: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [النساء: ٥٥].
أي: وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله164.
وقال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [يس: ٦٦].
أي: ولو نشاء لعاقبناهم على كفرهم، فطمسنا على أعينهم، فصيرناهم عميا لا يبصرون طريقا، ولا يهتدون إلى شيء.
وإجمال المراد: لو شئنا لأذهبنا أحداقهم، فلو أرادوا الاستباق وسلوك الطريق الذي اعتادوا سلوكه لم يستطيعوا ذلك165.
٣. حبوط الأعمال.
ضلال الأعمال هو انحرافها عن صراط الله المستقيم، وسيرها في طريق آخر لا يرضي الله، وإنما يرضي النفس الأمارة بالسوء، ويرضي الشيطان، وهذا مدعاة لخسران العمل وحبوطه.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الكهف: ١٠٣-١٠٥].
ولذلك حكم الله بضلال الأعمـال علـى ما يفعله الصادون عن سبيل الله تعالى.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [محمد: ١].
أي: الذين جحدوا توحيد الله وآياته، وعبدوا غيره، وصدوا غيرهم عن دين الإسلام، بنهيهم عن الدخول فيه، وهم كفار قريش، أبطل الله ثواب أعمالهم وأحبطها وجعلها ضائعة، ولم يجعل لها ثوابًا ولا جزاء في الآخرة.
فكل ما يسمونه مكارم الأخلاق، كصلة الرحم، وفك الأسارى، وقرى الأضياف، وعمارة المسجد الحرام بالسقاية والخدمة للحجاج، وإجارة المستجير، لا يقبل مع الكفر والصد166.
وحكم الله تعالى على هذه الأعمال الضالة الصادرة عن المعرضين بالحبوط وهو الضياع وعدم الانتفاع بها.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [محمد: ٣٢].
فأخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله، وخالف الرسول وشاقه، وارتد عن الإيمان من بعد ما تبين له الهدى: أنه لن يضر الله شيئا، وإنما يضر نفسه ويخسرها يوم معادها، وسيحبط الله عمله فلا يثيبه على سالف ما تقدم من عمله الذي عقبه بردته مثقال بعوضة من خير، بل يحبطه ويمحقه بالكلية، كما أن الحسنات يذهبن السيئات167.
٤. حمل الأوزار في يوم القيامة والخلود في النار.
بين الله تعالى جزاء المعرضين عن القرآن الكريم في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [طه: ٩٩-١٠٣].
أي: كما قصصنا عليك نبأ بني إسرائيل في خبر العجل وعبادتهم له، كذلك نقص عليك أخبار الأمم السابقة، كما وقعت، من غير زيادة ولا نقصان، لتكون عبرة وعظة، وذات فائدة في فهم ظروف الأحداث الجديدة، وأحوال الأمة في معاداة رسولها. وقد أعطيناك من عندنا ذكرا، وهو القرآن المجيد، لتتذكر به على الدوام، ولأنه لم يعط نبي من الأنبياء قبلك مثله، ولا أكمل منه، ولا أجمع لخبر المتقدمين غيره، وفيه صلاح الدين والدنيا والآخرة، ويكون المراد من كلمة «الذكر» القرآن.
وكل من كذب بالقرآن وأعرض عن اتباعه، فلم يؤمن به، ولا عمل بشرائعه وأحكامه، وابتغى الهدى في غيره، فإن هذا المعرض يتحمل إثما عظيما، ويتعرض لعقوبة ثقيلة يوم القيامة، بسبب إعراضه عن كتاب الله، كما جاء في آية أخرى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [هود: ١٧].
والإعراض عن القرآن يشمل كل من بلغه هذا الكتاب، من العرب والعجم من أهل الكتاب وغيرهم من الوثنيين والماديين، وأصحاب النحلات والملل، والمذاهب الفاسدة، والعقائد الباطلة.
ويكون أولئك المعرضون عن القرآن خالدين ماكثين على الدوام في الجزاء الأخروي، وهو النار لا محيد لهم عنه، وبئس الحمل الذي حملوه حملهم من الأوزار والأثقال، جزاء إعراضهم168.
موضوعات ذات صلة: |
الاستقامة، الإسلام، الإيمان، الضلال، الهداية |
1 لسان العرب، ابن منظور ٧/٣١٣.
2 القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ٦٧٥
3 المفردات ص ٤٠٧.
4 لسان العرب، ابن منظور ٧/٣١٣.
5 معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية ٢/٤٥٣.
6 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٢١٥.
7 جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، القاضي نكري ٢/١٧٤.
8 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/١٨.
9 التحرير والتنوير ١/١٩١.
10 جامع البيان، الطبري ١/١٧٠.
11 التحرير والتنوير ١/١٩١.
12 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٢١٥.
13 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص٤١٢-٤١٤، المعجم المفهرس الشامل، عبدالله جلغوم، ص٧٠٣-٧٠٥.
14 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٣٧.
15 التفسير الوسيط، طنطاوي ٥/٣٢١.
16 تفسير المراغي ٨/٢١١.
17 التفسير البسيط، الواحدي ١٨/٥١٣.
18 انظر: الصحاح، الجوهري ٤/١٥١٣، مختار الصحاح، الرازي ص ١٨٩، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٦/٢٧٣.
19 الفروق اللغوية، العسكري ص ٢٩٨.
20 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص ١٤١، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٨/٥٠٦.
21 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ١٩٠.
22 مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/١٧٩.
23 الصحاح، الجوهري ١/٣٣١.
24 المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٢/٢٨٢.
25 النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٣/٣١٥.
26 الكليات ص ١٥١.
27 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٤٩.
28 التفسير الوسيط، طنطاوي ١٠/١٩٣.
29 مجموع فتاوى ابن تيمية، ابن قاسم ١٤/٣٧-٣٨.
30 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٩.
31 مفاتيح الغيب ١/٢٢٠.
32 تفسير المراغي ١/٣٦.
33 التفسير القيم، ابن القيم ص ١٣-١٤.
34 جامع البيان، الطبري ١٥/٣٦٤.
35 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٤/٣٥٦.
36 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٨٢.
37 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/١٩٠.
38 لطائف الإشارات، القشيري ٣/٤١٨.
39 البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٣٨٥.
40 التحرير والتنوير ٢٦/١٤٨.
41 غرائب القرآن، النيسابوري ٦/١٤٥.
42 جامع البيان، الطبري ١١/٥١٣.
43 التفسير الوسيط، طنطاوي ٥/١٢٢.
44 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٥٢.
45 فتح القدير، الشوكاني ٤/٤٦٩.
46 لطائف الإشارات، القشيري ٢/٥٥٥.
47 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٤٦.
48 مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٣٢٧.
49 روح المعاني، الألوسي ٣/٢٧٠.
50 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٠٤.
51 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٧١.
52 في ظلال القرآن ٤/٢٥٢٥.
53 مراح لبيد، محمد الجاوي ١/٣١٨.
54 في ظلال القرآن ١/١٣٠.
55 التحرير والتنوير ٢/١٣.
56 جامع البيان، الطبري ٤/٢٨٦.
57 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/١٤٧.
58 الكشف والبيان، الثعلبي ٤/١٨٩.
59 زاد المسير ٢/٧٦.
60 التحرير والتنوير ٨/٦٢.
61 النكت والعيون، الماوردي ٢/١٨٨.
62 التحرير والتنوير ٨/١٧٢.
63 أخرجه أحمد في مسنده، ٧/٤٣٦، رقم ٤٤٣٧.
وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان رقم ٦.
64 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٣٧-٣٨.
65 التحرير والتنوير ٨/١٩٧-١٩٨.
66 البحر المديد، ابن عجيبة ٣/٤٢.
67 المصدر السابق ٣/٨٩.
68 جامع البيان، الطبري ٢١/٦١٠.
69 النكت والعيون، الماوردي ١/٥٩.
70 جامع البيان، الطبري ١/١٧٠.
71 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٣٧.
72 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٣٩.
وانظر: جامع البيان، الطبري ١/١٧١.
73 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/١٤٩.
74 التحرير والتنوير ١/١٩١.
75 بدائع الفوائد ٢/٤٠.
76 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/٥٠.
77 الأمثال في القرآن ص ٢٢-٢٣.
78 جامع البيان، الطبري ١٧/٢٦٢.
79 في ظلال القرآن ٤/٢١٨٤.
80 جامع البيان، الطبري ١٧/٢٦٣.
81 التفسير المنير، الزحيلي ١٤/١٨٩.
82 جامع البيان، الطبري ١٧/٢٦٤.
وانظر: أسباب النزول، الواحدي ص ٢٨٠، الصحيح المسند من أسباب النزول، الوادعي ص ١٢٤.
83 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٢٤٧.
84 التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/٢٠٢.
85 إعراب القرآن وبيانه، محيي الدين درويش ١٠/١٥٩.
86 أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٢٣١.
87 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٨١.
88 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، سورة الفرقان، باب قوله: ﴿الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا﴾، ٦/١٠٩، رقم ٤٧٦٠.
89 تفسير المراغي ٢٩/٢١.
90 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٧٧.
91 التفسير الوسيط، طنطاوي ١٥/٢٦
92 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٩/١٨١، ١٧٦٣٤.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٧٢١، رقم ٣٨٨٧.
93 جامع العلوم والحكم، ابن رجب ٢/١٦١.
94 فيض القدير ٤/٢٥٤.
95 جامع البيان، الطبري ١٥/٥٩.
96 لطائف الإشارات، القشيري ٢/٩٠.
97 معالم التنزيل، البغوي ٢/٤١٧.
98 سبق تخريجه قريبًا.
99 جامع البيان، الطبري ١٩/٥٩.
100 تفسير المراغي ٢٥/٦٥.
101 المصدر السابق ٢٥/١٠٤.
102 جامع البيان، الطبري ١٨/٢٠٣-٢٠٤.
103 لطائف الإشارات، القشيري ٢/٤٣١.
104 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٢.
105 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/٢٢٠.
106 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧١١.
107 لمسات بيانية، فاضل السامرائي ص ٤٨- ٤٩.
108 تفسير المراغي ٤/١٦.
109 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٨٦.
110 التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/١٩٧.
111 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٨١.
112 تفسير المراغي ٦/٣٧.
113 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٦٨.
114 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٥١.
115 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٤٦.
116 لطائف الإشارات، القشيري ٢/٥٥٥.
117 التفسير الوسيط، طنطاوي ١/٦٥١.
118 جامع البيان، الطبري ١٣/٤٩٠.
119 فتح القدير، الشوكاني ٥/٤٣.
120 جامع البيان، الطبري ٤/٢٨٦.
121 المصدر السابق ١٨/٥٩٥.
122 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٦٠١.
123 فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٥٩.
124 جامع البيان، الطبري ٥/٤٢٤.
125 فتح القدير، الشوكاني ٤/٢٦٥.
126 فتح القدير، الشوكاني ٤/٥٥.
127 الجواب الكافي ص ٧٥.
128 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٧٧.
129 التفسير الوسيط، طنطاوي ١٢/٣٤٩-٣٥٠.
130 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٥.
131 جامع البيان، الطبري ٢٣/١٧٨.
132 النكت والعيون، الماوردي ١/٥٤٧-٥٤٨.
133 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٤٥.
134 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٦٩٩.
135 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/١٣٣.
136 أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ١/١٥٢، رقم ٤٧٧، والصغير ١/٥٣، رقم ٥٢، وذكره الواحدي في أسباب النزول، ص ١٦٦.
وصححه الوادعي في الصحيح المسند من أسباب النزول ص ٧٠.
137 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه، ١/٣٥٣، رقم ٤٨٩.
138 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٩٣-٣٩٤.
139 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٤٦-٤٧.
140 المصدر السابق ٨/٤٨.
141 أخرجه النسائي في سننه، كتاب الجهاد، باب ما لمن أسلم وهاجر وجاهد، ٦/٢١، رقم ٣١٣٤.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٦/١١٨٦.
142 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٣٥.
143 تفسير المراغي ١٤/٢٣.
144 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٧/٢٣٨.
145 التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/٤٥-٤٦.
146 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٤٧.
147 التفسير الوسيط، طنطاوي ٥/٣٢١.
148 البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٥/١٠٧.
149 تفسير المراغي ٤/١٣.
150 في ظلال القرآن ١/٤٣٧.
151 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٩٨-٩٩.
152 النكت والعيون، الماوردي ٤/٦٣.
153 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٩/١١٦٢.
154 مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٦١.
155 جامع البيان، الطبري ١٤/٢١٦.
156 تفسير المراغي ٢٨/٢٣.
157 التفسير المنير، الزحيلي ٢٨/٢١٦.
158 تفسير المراغي ١٠/١٢.
159 مفتاح دار السعادة ١/٤٣.
160 التفسير الوسيط، طنطاوي ٦/٩٢.
161 جامع البيان، الطبري ١٧/٢٨٨.
162 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/٤٩.
163 جامع البيان، الطبري ١٧/٢٧٦.
164 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٣٦.
165 تفسير المراغي ٢٣/٢٨.
166 التفسير المنير، الزحيلي ٢٦/٧٩.
167 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣٢٢.
168 التفسير الوسيط للزحيلي ٢/١٥٤٧.