عناصر الموضوع
صالح عليه السلام
أولًا: اسمه و نسبه عليه السلام:
هو صالح بن عبد الله بن ملسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح 1، وقيل: صالح بن عبيد بن أنيف بن ماشخ بن جادر بن جاثر بن ثمود قاله: مقاتل، وقيل: صالح بن كانوه، قاله الربيع: وقيل: صالح بن عبيد بن يوسف بن شالخ بن عبيد بن جاثر بن ثمود، قاله مجاهد: قال مجاهد: كان بينه وبين ثمود مائة سنة وكان في قومه بقايا من قوم عاد على طولهم وهيئاتهم2.
أرسله الله تعالى إلى قومه ثمود، وهي قبيلة مشهورة، من العرب العاربة البائدة 3، سموا باسم جدهم ثمود أخي جديس من ذرية سام بن نوح، ويرى آخرون أن ثمود ابن عابرٍ، أو جاثر أو جائر بن إرم بن سام بن نوح 4، وعمروا الأرض بعد عاد، كما بين ذلك القرآن حيث يقول حاكيًا عن صالح يخاطب قومه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الأعراف:٧٤]5.
وديار ثمود بالحجر بين تبوك والمدينة 6، في وادي القرى بين بلاد الشام والحجاز7،
ولهذا عرف قومه بأصحاب الحجر8، قال سبحانه تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الحجر:٨٠].
وتعرف الآن بمدائن صالح عليه السلام، وموقعها في شمال مدينة العلا، على بعد ٣٦٥ كيلو متر من المدينة المنورة عن طريق خيبر.
وجاء في الأثر: عن نوف الشامي: (أن صالحًا النبي صلى الله عليه وسلم من العرب لما أهلك الله عادا، وانقضى أمرها عمرت ثمود بعدها، فاستخلفوا في الأرض فانتشروا، ثم عتوا على أمر الله، فلما ظهر فسادهم وعبدوا غير الله بعث الله إليهم صالحًا، وكانوا قومًا عربًا وهو من أوسطهم نسبًا وأفضلهم موضعًا، وكانت منازلهم الحجر إلى قرع - وهو وادي القرى ثمانية عشر ميلًا فيما بين الحجر إلى الحجاز - فبعثه الله إليهم غلامًا شابًا فدعاهم إلى الله حتى شمط 9وكبر، ولا يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون، فهلكت عاد وثمود ومن كان منهم من تلك الأمم، وكانوا من ولد لاوذ بن سام بن نوح، ولم يكن بين نوح وإبراهيم نبي قبله، يعني: قبل إبراهيم إلا هود وصالح)10.
ثانيًا: زمان سيدنا صالح عليه السلام:
وظاهر سياق القرآن أن ثمود كانوا بعد عاد، كما صرح بذلك الترتيب في سورة الأعراف، وعلى هذا فهم قبل إبراهيم عليه السلام، وقد ورثت ثمود قوم عاد، كما ورثت عاد قوم نوح، وهذا الترتيب لهؤلاء الأقوام ورد في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [هود:٨٩].
وقد وجدت بالحجاز أطلال، مدينة قديمة على بعد خمسة وأربعين ميلًا إلى الشمال الغربي من تبوك، ويظهر أن منشأ ثمود هو جنوب الجزيرة العربية، إلا أن مجموعة كبيرة منها انتقلت إلى الشمال في تاريخ مبكر واستقرت في منطقة الحجر. (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) أي: بعد هلاكهم، وكانت ديار عاد بحضرموت جنوب الجزيرة العربية، وديار ثمود بالحجر شمال الجزيرة بمنطقة الحجر، يقول تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الشعراء:١٤٩].
تتخذون من سهولها قصورًا تسكنونها في الصيف، وتنحتون من الجبال بيوتًا تسكنونها في الشتاء 11.
ثالثًا: مكانة سيدنا صالح عليه السلام في قومه:
كان صالح عليه السلام معروفًا بالحكمة والنقاء وأفعال الخير، مرجوًا لدى قومه قبل أن يوحي الله إليه، يقول سبحانه وتعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ) [هود:٦٢].
أي: قالوا: مؤملين برجاء خيرك؛ لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤنا فيك12. أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟!. ما كنا نتوقع منك أن تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها.
وهكذا يعجب القوم مما يدعوهم إليه. ويستنكرون ما هو واجب وحق، ويدهشون أن يدعوهم أخوهم صالحُ عليه السلام إلى عبادة الله وحده. وذلك لأن آباءهم كانوا يعبدون هذه الآلهة. فهم قوم يشركون بالله ويفسدون في الأرض ولا يصلحون، وقد دعاهم صالح عليه السلام إلى الإيمان بالله وإلى عبادة الله وحده لا شريك له بأسلوب جميل وحسن تأن، وطلب منهم أن يخلعوا عبادة الأصنام والأنداد، ولا يشركوا بربهم شيئًا، فآمنت به طائفة منهم، وكفر جمهورهم، ونالوا منه بالمقال والفعال.
ذكر صالح عليه السلام في القرآن الكريم
ورد ذكر صالح عليه السلام في القرآن الكريم (٢٦) مرة، في (٢٢) سورة.
وأما قصته عليه السلام فقد وردت في السور الآتية:
السورة |
الآيات |
الأعراف |
٧٣-٧٩ |
هود |
٦١-٦٨ |
الشعراء |
١٤٢-١٥٩ |
النمل |
٤٥-٥٣ |
أولًا: معالم دعوته عليه السلام:
تتفق دعوة الرسل لأقوامهم في أصلها، وهو توحيد الله جل وعلا بالعبادة، فهم جميعًا، متفقون في ذلك.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الشورى:١٣].
أما شرائعهم فإنها تختلف؛ كما قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [المائدة:٤٨].
وفي الحديث المتفق عليه: (أن الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد). وفي رواية البخاري: (أولاد علات)13.
ومعنى الحديث: أن الرسل متفقون في أصول الدين، وعبر عن ذلك بأنهم أولاد علات، وأولاد العلات الإخوة من الأب، وأصله أن من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى كأنه عل منها، والعلل: الشرب بعد الشرب، فأولاد العلات الإخوة من الأب وأمهاتهم شتى، وفي بعض الروايات: أمهاتهم شتى ودينهم واحد، فكنى عن توحيد دينهم باشتراكهم في الأبوة، فأصل الدين الذي هو التوحيد واحد وإن اختلفت فروع الشرائع14.
وكان صالح عليه السلام يدعوهم إلى عبادة الله، ويبين لهم نعم الله الكثيرة، وأنه يجب شكره وحمده عليها، فقالوا له: يا صالح ما أنت إلا بشر مثلنا، بل وذلك خطاب كل الأمم المكذبة لرسلهم الذين بعثوا إليهم: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ)[يس:١٥].
أي: كان هذا احتجاجهم في رد الرسالات يحتجون على الرسل فيقولون: إن الرسل في العادة إنما يجيئون من عند المرسل، وأنتم نشأتم بين أظهرنا لم تأتونا من عند أحد في الظاهر، ولا نرى لك خصوصية لا في الخلقة ولا في القدرة والمال وغيره وإذا كنت تدعي أنك رسول الله، فلابد أن تأتينا بمعجزة وآية.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأعراف:٧٣].
وكان رد الرسل عليهم صلوات الله وسلامه: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [إبراهيم:١١].
وقد أسس الله سبحانه وتعالى دعوة أنبيائه على منهج التوحيد وجعله مناط الدعوة، ووضح ذلك في خطابه لهم، قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل:٣٦].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء:٢٥].
وإذا كان الخطاب في الآيات السابقة ورد مجملًا، فقد ورد تفصيله في الآيات الآتية.
يقول تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [المؤمنون:٢٣].
ويقول تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [هود:٥٠].
ويقول سبحانه وتعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [هود:٨٤].
ويقول تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [هود:٦١].
فلما دعاهم لعبادة الله وترك الأوثان، وألح عليهم بالوعيد والعذاب الشديد. فهو هو هنا يذكر قومه، ويدعوهم مترفقًا بهم منوهًا بنعم الله عليهم وأفضاله من الإنشاء في الأرض بوراثتها وإعمارها، وبما هيأ لهم من سبل المهارة والقوة البدنية، ومما ملكهم من أساليب الفنون في البناء والزراعة والسقي، فهذه دعوة هادئة جميلة من هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
فقد قال لقومه: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ) أي: هو خلقكم سبحانه من هذه الأرض، فقد كنتم ترابًا فأنشأكم منها وفوقها.
(ﯿ) أي: جعلكم تعمرون هذه الديار.
(ﰁ) أي: عاملوا ربكم بما أنعم عليكم بأن تحسنوا عبادته، وأن تستغفروه سبحانه.
(ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) أي: إن ربنا العظيم سبحانه قريب منا، فإذا استغفرناه غفر لنا، وهو مجيب يستجيب الدعاء، فادعوا ربكم يستجب لكم.
وكذلك يذكرهم تذكير الرفيق الشفيق فيقول لهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الأعراف:٧٤].
يقول الخازن: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) يعني: أن الله أهلك عادًا، وجعلكم تخلفونهم في الأرض وتعمرونها، (ﭘ) يعني: وأسكنكم ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) يعني: تبنون القصور من سهولة الأرض؛ لأن القصور إنما تبنى من اللبن والآجر المتخذ من الطين السهل اللين، (ﭟ ﭠ ﭡ) يعني: وتشقون بيوتًا من الجبال15.
وقيل: كانوا يسكنون السهول في الصيف والجبال في الشتاء.
وهذا يدل على أنهم كانوا متمتعين مترهفين.
(ﭣ ﭤ ﭥ) أي: فاذكروا نعمة الله عليكم واشكروه عليها، (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) أي: ولا تسيروا في الأرض مفسدين فيها، والعثو أشد الفساد16.
وقيل: أراد به عقر الناقة.
وقيل: هو على ظاهره، فيدخل فيه النهي عن جميع أنواع الفساد.
وفيه وجهان:
أحدهما: أنه السعي في الباطل.
والثاني: أنه الفعل المؤدي لضير فاعله.
وفي الإفساد الشديد وجهان أيضًا:
أحدهما: لا تعملوا فيها بالمعاصي.
والثاني: لا تدعوا إلى عبادة غير الله17.
فسيدنا صالح عليه السلام يذكرهم وراثتهم لقوم عاد وما مكنهم الله فيه من البناء، ففي هذه الآية ذكرهم بوجوب إفراد الله تعالى بالعبادة.
يقول سبحانه وتعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأعراف:٧٣].
ويأتي ردهم: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الأعراف:٧٥].
طلبوا منه أن يخرج لهم آية في عيدهم، دالة على صدقه عنادًا ونفاقًا، فآتاهم الله الناقة آية بينة، فأصروا على عنادهم، بل استمروا في غيهم حتى يؤمنوا به ويصدقون رسالته، فدعا الله فأخرج لهم الناقة مع فصيلها بالأوصاف التي طلبوها من صخرة18.
وكانت مميزة بكثرة لبنها وشكلها رغم أنها آية من الله وحجة ظاهرة، أصروا على عنادهم، وعتوا من أمر ربهم وتجرؤوا على انتهاك حرمة الله فعقروا الناقة، فحق عليهم الهلاك، وحقت عليهم كلمة العذاب. و لما عقروا الناقة وعدهم سيدنا صالح بالهلاك بعد ثلاث أيام، قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [هود:٦٥].
وقد ذاقوا مرارة الترقب والانتظار خلال تلك الأيام، فلما اكتملت الأيام الموعودة آتاهم العذاب صبيحة يوم نحس، فأخذتهم رجفة شديدة زلزلت بهم الأرض، وصاعقة محرقة من فوقهم، وصيحة واحدة مفزعة قطعت نياط قلوبهم وتركتهم أجسادًا بلا أرواح، وبقيت مساكنهم وديارهم عبرة على من الأيام و العصور 19.
ثانيًا: أساليب دعوته عليه السلام:
١. أسلوب الترغيب.
كان صالح عليه السلام يخاطب قومه بأخلاق الداعي الكريمة، وآدابه الرفيعة ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة. ويجادلهم في موضع الجدال، مؤكدًا على أن عبادة الله هي الحق، والطريق المستقيم.
ولكن قومه تمادوا في كفرهم، وأخذوا يدبرون له المكائد والحيل حتى لا يؤمن به أكثر الناس، وحينما كان صالح عليه السلام يدعوهم إلى عبادة الله، ويبين لهم نعم الله الكثيرة، وأنه يجب شكره وحمده عليها، فقالوا له: يا صالح ما أنت إلا بشر مثلنا.
بل وذلك خطاب كل الأمم المكذبة لرسلهم الذين بعثوا إليهم: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ)[يس:١٥].
أي: كان هذا احتجاجهم في رد الرسالات يحتجون على الرسل فيقولون: إن الرسل في الشاهد إنما يجيئون من عند المرسل، وأنتم نشأتم بين أظهرنا لم تأتونا من عند أحد في الظاهر، ولا نرى لك خصوصية لا في الخلقة ولا في القدرة والمال وغيره، وإذا كنت تدعي أنك رسول الله، فلابد أن تأتينا بمعجزة وآية.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأعراف:٧٣].
وكان رد الرسل عليهم صلوات الله وسلامه: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [إبراهيم:١١].
٢. أسلوب الترهيب.
إن التدرج في الدعوة والتؤدة في الترغيب فضلًا عن الترهيب من أوليات المنهج السليم لدى الدعاة، وكان هذا شان الرسل والأنبياء مع أقوامهم (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)[فاطر:٤٣].
أي: سنة الله في الأولين أنهم إذا كذبوا رسلهم أهلكهم (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ)[فاطر:٤٣].
ومن سنة الله تعالى في عباده أن من اقترح آية على الأنبياء وأتوه بها فلم يؤمن؛ عجل الله هلاكه.
أما منهج نبي الله صالح عليه السلام في أسلوب دعوته، فلا يختلف عن منهج وأسلوب أخويه نوح وهود عليهما السلام.
فقد دعا قومه إلى إفراد الله وحده بالعبادة دون سواه، وكان منهجه في دعوته لما بعثه الله رسولًا إلى قومه، دعاهم إلى التوحيد وإفراد الله بالعبادة وطرح عبادة الأوثان، وكان أسلوبه رقيقًا مهذبًا، لكن الكثير منهم رفض هذه الدعوة فآذوه، وهموا بقتله، وعقروا الناقة التي جعلها الله آية على صدقه، وقد كان حذرهم من قتلها، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [هود:٦١].
(ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) أي: فاسألوه أن يغفر لكم ما أشركتم وما أجرمتم، ثم توبوا وارجعوا إليه كلما وقع منكم ذنب أو خطأ20.
(ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) أي: قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملًا قبل هذه المقالة، وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة لله، وترك ما كنا نعبده من الأنداد، والعدول عن دين الآباء والأجداد. ولهذا قالوا: (ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [هود:٦٢-٦٣].
وهذا تلطف منه لهم في العبارة، ولين جانب، وحسن تأن في الدعوة لهم إلى الخير، أي: فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم، وأدعوكم إليه، ماذا عذركم عند الله، وماذا يخلصكم من بين يديه، وأنتم تطلبون مني أن أترك دعائكم إلى طاعته. وأنا لا يمكنني هذا؛ لأنه واجب علي، ولو تركته لما قدر أحد منكم، ولا من غيركم، أن يجيرني منه ولا ينصرني، فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له، حتى يحكم الله بيني وبينكم. أو أي: غير أن تجعلوني خاسرًا بإبطال أعمالي وتعريضي لسخط الله تعالى، أو فما تزيدونني بما تقولون غير أن أنسبكم إلى الخسران وأقول لكم: إنكم الخاسرون، فالزيادة، على معناه، والفاء لترتيب عدم الزيادة على انتفاء الناصر المفهوم من إنكاره على تقدير العصيان مع تحقق ما ينفيه من كونه عليه الصلاة السلام على بينة من ربه وإيتائه النبوة 21.
وقالوا له أيضًا: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)[الشعراء:١٥٣].
أي: من المسحورين، يعنون مسحورًا لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده، وخلع ما سواه من الأنداد. و المراد بالمسحرين المسحورين المخدوعين22.
وقولهم: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الشعراء:١٥٤].
سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم به وعينوا الآية التي يجب أن يخرجها لهم أمام أعينهم 23.
أولًا: خروج الناقة:
سأل قوم ثمود سيدنا صالح عليه السلام معجزة يخرجها لهم يريدونها، فقال لهم صالح عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم، أتؤمنون بي وتصدقونني وتعبدون الله الذي خلقكم؟
فقالوا له: نعم، وعاهدوه على ذلك، فقام صالح عليه السلام، وصلى لله تعالى، ثم دعا ربه أن يجيبهم إلى ما طلبوا.
وكانت الآية التي أوتيها سيدنا صالح عليه السلام هي الناقة.
يقول تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأعراف:٧٣].
وكانت الناقة بطلب من قومه ولم يأت بها من تلقاء نفسه؛ كما جاء في القرآن قوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الشعراء:١٥٣-١٥٤].
و كذلك جاء في الحديث ما يصدق رأي طلبهم الناقة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: (لا تسألوا الآيات، وقد سألها قوم صالح، فكانت أي ناقة ترد من هذا الفج24، و تصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها)25.
وذُكِرَ أن قوم صالح هم الذين حددوا نوع الآية أن تكون ناقة، وكيفية خروجها وشكلها وأن تخرج أمام أعينهم من الصخرة في قبيلتهم 26.
وذكر ابن عطية عن بعضهم: أنه جاء بها من تلقاء نفسه من غير طلب 27.
والرأي الأول هو الأرجح والأصوب؛ لما ظاهره من نص الآية والحديث.
وقوله: (ﯫ ﯬ ﯭ) يقتضي أن الناقة كانت حاضرة عند قوله: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)؛ لأنها الآية نفسها، والبينة: الحجة على صدق الدعوى، فهي ترادف الآية.
وقد عبر بها عن الآية في قوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [البينة:١].
و(ﯫ) إشارة إلى الناقة التي جعلها الله آية لصدق صالح عليه السلام، ولما كانت الناقة هي البينة كانت جملة: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) منزلة من التي قبلها منزلة عطف البيان 28.
لقد تكررت كلمة (الناقة) في القرآن سبع مرات في القرآن الكريم، في سياق قصة ثمود مع نبيهم صالح عليه السلام. في دلالات ومعان مختلفة ليس فيه تكرار، كما توضحه الآيات أدناه:
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأعراف:٧٣].
أي: آيةٌ ومعجزةٌ ظاهرة شاهدةٌ بنبوتي29، والبينة: الحجة على صدق الدعوى 30.
وقال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الأعراف:٧٧].
يقول أبو السعود: أي: نحروها، أسند العقر إلى الكل مع أن المباشر بعضهم للملابسة، أو لأن ذلك لما كان برضاهم، فكأنه فعله كلهم، وفيه من تهويل الأمر وتفظيعه بحيث أصابت غائلته الكل ما لا يخفى31.
إنها خرجت من حجرٍ، وفي هذا أعظم الآيات، ويقال: إنها كانت ترد الماء لا ترد الماء معها دابةٌ، فإذا كان يوم لا ترد، وردت الواردة كلها، وفي هذا أعظم آية 32.
وقال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [هود:٦٤].
يقول: دعوها ترتع في أرض الحجر ولا تمسوها بسوء، و لا تعقروها، فيأخذكم عذاب أليم، وهو ما عذبوا به33.
يقول ابن عاشور: لأنهم إذا مسها أحد بسوء، عن رضى من البقية، فقد دل ذلك على خلعهم حرمة الله تعالى، وحنقهم على رسوله عليه السلام 34.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الإسراء:٥٩].
أي: آية مفيدة للبصيرة والحجة على صدق رسولهم35.
وقال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الشعراء:١٥٥].
هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، فمكثت الناقة ومعها سقيها في أرض ثمود، ترعى الشجر وتشرب الماء.
وكانت ترد الماء غِبًا، فإذا كان يوم ورودها وضعت رأسها في بئر في الحجر، يقال لها: بئر الناقة، فما ترفع رأسها حتى تشرب كل ما فيها، فلا تدع قطرة، ثم ترفع رأسها فتتفحج لهم، فيحلبون ما شاؤوا من لبننها فيشربون ويدخرون، حتى يملؤوا أوانيهم كلها. ثم تصدر الناقة من غير الفج الذي وردت منه، ولا تقدر أن تصدر من حيث وردت، حتى إذا كان من الغد، كان يوم ثمود فيشربوا ما شاء الله من الماء ويدخرون ما شاؤوا ليوم الناقة، فهم على ذلك في سعة ودعة.
وكانت الناقة تصيف إذا كان الحر بظهر الوادي فتهرب منها مواشيهم، فتهبط إلى بطن الوادي فتكون في حره وجدبه، وإذا كان الشتاء فتشتو الناقة في بطن الوادي؛ فتهرب المواشي إلى ظهره، فتكون في البرد والجدب.
فأضر ذلك بمواشيهم للأمر الذي يريده الله بهم والبلاء الاختبار، فكبر ذلك عليهم، فعتوا عن أمر ربهم، وحملهم ذلك على عقر36.
وقال تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [القمر:٢٧].
أي: باعثوها ومخرجوها من الهضبة التي سألوا، وذلك أنهم تعنتوا على صالح، فسألوه أن يخرج لهم من صخرة حمراء ناقة عشراء، فقال الله تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) أي: محنةً واختبارًا (ﰏ ﰐ) أي: فانتظر ما هم صانعون (ﰑ) أي: على أذاهم (ﭑ) أي: أخبرهم (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) أي: بين الناقة وبينهم، لها يوم ولهم يوم 37.
وقال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الشمس:١٣].
أي: ذروا ناقة الله (ﮈ) ولا تذودوها عنها في نوبتها38.
وقد جعل الله عز وجل الناقة آية مبصرة لثمود.
قال الله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الإسراء:٥٩].
وقال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأعراف:٧٣].
وقال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)[الحجر:٨١].
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه آتى أصحاب الحجر آياته فكانوا عنها معرضين. والإعراض: الصدود عن الشيء و الإضراب عنه39 وعدم الالتفات إليه؛ كأنه مشتق من العرض ـ بالضم ـ وهو الجانب؛ لأن المعرض لا يولي وجهه بل يثنى عطفه ملتفتًا صادًا 40.
ولم يبين جل وعلا هنا شيئًا من تلك الآيات التي آتاهم، ولا كيفية إعراضهم عنها، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر، فبين أن من أعظم الآيات التي آتاهم: تلك الناقة التي أخرجها الله لهم، بل قال بعض العلماء: إن في الناقة المذكورة آيات جمة: كخروجها عشراء وبراء جوفاء من صخرة صماء، وسرعة ولادتها عند خروجها، وعظمها حتى لم تشبهها ناقة، وكثرة لبنها حتى يكفيهم جميعًا، وكثرة شربها؛ كما قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الشعراء:١٥٥].
وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [القمر:٢٨]41.
روى الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: (لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: (لا تسألوا الآيات وقد سألها قوم صالح، فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، فكانت تشرب ماءهم يومًا ويشربون لبنها يومًا، فعقروها، فأخذتهم، إلا رجلًا واحدًا كان في حرم الله عز وجل)، قيل: من هو يا رسول الله: قال: (هو أبو رغال؛ فلما خرج من الحرم أصابه ما أصابهم)42.
ويعلق سيد قطب رحمه الله تعالى على آية الأعراف عند قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) فيقول: «والسياق هنا -لأنه يستهدف الاستعراض السريع للدعوة الواحدة ولعاقبة الإيمان بها وعاقبة التكذيب- لا يذكر تفصيل طلبهم للخارقة، بل يعلن وجودها عقب الدعوة، وكذلك لا يذكر تفصيلًا عن الناقة أكثر من أنها بينة من ربهم، وأنها ناقة الله، ومن هذا الإسناد نستلهم أنها كانت ناقة غير عادية، أو أنها أخرجت لهم إخراجًا غير عادي؛ مما يجعلها بينة من ربهم، ومما يجعل نسبتها إلى الله ذات معنى، ويجعلها آية على صدق نبوته.ولا نزيد على هذا شيئًا مما لا يرد ذكره من أمرها في هذا المصدر المستيقن، وفيما جاء في هذه الإشارة كفاية عن كل تفصيل آخر»43.
ثانيًا: موقف قوم صالح عليه السلام من الناقة:
كان موقف ثمود من معجزة رسولهم وآياته هو الإعراض والتكذيب، يقول تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الحجر:٨٠-٨١].
وقد دلت الآيات على تكذيبهم وإعراضهم عن الآيات التي أظهرها الله تعالى لهم؛ تصديقًا لنبيه عليه السلام، دلالة على عظمته ووحدانيته. وقد أوتي سيدنا صالح عليه السلام الناقة آية، وقد جمعت باعتبار ما احتوت عليه من آيات متعددة في إظهارها، قال ابن الجوزي: (والمراد بالآيات الناقة، قال ابن عباس: كان فيها آيات، خروجها من الصخرة ودنو نتاجها عند خروجها، وعظم خلقها فلم تشبهها ناقة، وكثرة لبنها حتى كان يكفيهم جميعًا)44.
والأولى عدم تخصيص الآيات بالناقة فقط، بل تحمل على الناقة وغيرها، وهو ما جنح إليه بعض المفسرين.
قال الطبري في تفسير الآية: «يقول: وأريناهم أدلتنا وحججنا على حقيقة ما بعثنا به إليهم رسولنا صالحًا»45.
وهذه الآيات يدخل فيها الناقة دخولًا أوليًا لأنها ذكرت في القرآن الكريم، ولكن عدم ذكر غيرها لا يدل على أنها هي الآية الوحيدة التي أعطيت لسيدنا صالح عليه السلام، حتى يضطر لحمل الآيات على الناقة فقط، فهذه الآيات تشتمل على الحجج والبراهين الكونية الدالة على عظمة الله تعالى ووحدانيته، ولا شك أن صالحًا عليه السلام قد ذكًر قومه بهذه البراهين والآيات، وقد تكون الآيات التي كذبوا بها غير هذه الآيات46.
قال البيضاوي: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الحجر:٨١] يعني: آيات الكتاب المنزل على نبيهم أو معجزاته المتضمنة في الناقة من سقيها وشربها وغيره، أو ما نصب لهم من الأدلة47.
وبعد أن أخرج الله لهم الناقة بالكيفية التي طلبوها طلب منهم صالح عليه السلام الوفاء بعهدهم و مواثيقهم التي قطعوها على أنفسهم في أمور منها:
أولًا: الإيمان بالله جل جلاله ونبذ عبادة الأوثان والتصديق برسالة صالح.
قال سبحانه وتعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأعراف:٧٣].
فاقتران الدعوة إلى التوحيد بالإشارة إلى الناقة يدل على أنه طلب منهم الإيمان عقب مجيئها.
ثانيًا: تقسيم الماء بينهم وبين الناقة، فلقوم صالح عليه السلام يوم وللناقة يوم، في يومهم لا ترد الناقة الماء، فيأخذون ما يكفيهم ويكفي بهائمهم، وفي يوم الناقة لا يردون الماء.
وفي ذلك يقول تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الشعراء:١٥٥].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [القمر:٢٨].
كما حذرهم صالح عليه السلام من نقص حصة الناقة من الماء، قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الشمس:١٣].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي: احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء ولا تعتدوا عليها يوم سقياها، فإن لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم48.
ثالثًا: أن لا تمس الناقة بأي سوء، وقد حذرهم من مساس الناقة بسوء تحذيرًا صارمًا واضحًا، ونبههم بأنه يستدعي العذاب العاجل.
قال تعالى حكاية عن سيدنا صالح عليه السلام: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأعراف:٧٣].
فقد اقتصر النهي في هذه الآيات عن مس الناقة بسوء، فلم ينههم عن عقرها أو قتلها.
وفي ذلك لطيفة عبر عنها ابن عاشور بقوله: «وأنيط النهي بالمس بالسوء؛ لأن المس يصدق على أقل اتصال شيء بالجسم، فكل ما ينالها مما يراد منه السوء فهو منهي عنه»49.
وقد كان خروج الناقة ابتلاء لثمود، كما قال تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [القمر:٢٧].
فهي ابتلاء لثمود أيؤمنون بصالح عليه السلام كما وعدوه بذلك، أم ينكصون ويكفرون؟
وكان الابتلاء عدم مساسهم بالناقة بسوء وتقسيم الشرب بينهم. أما صالح عليه السلام، فقد أمر أن ينتظر، يرتقب ما يؤول إليه أمرهم بعد هذا الامتحان، وأن يصبر عليهم حتى يأتي الفرج من الله. إلا أن قوم ثمود خسروا الامتحان و نكثوا العهد و أصروا على الكفر والتكذيب وبذلك حكموا على أنفسهم باستحقاق العذاب، وكذلك عتوا في الضلال والعناد وضاقوا ذرعًا بالناقة ويوم شربها، وكبر عليهم رؤيتها تجوب، وديانهم وحقولهم شاهدة على قدرة الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [هود:٦٥].
وقال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الشعراء: ١٥٧-١٥٨].
والربط بين عقر الناقة وهلاك القوم (بالفاء) في هذه الآيات كلها يدل دلالة واضحة على أن عقرها كان السبب المباشر لهلاكهم 50.
والعقر: ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف 51.
وأطلق العقر مكان النحر من باب إطلاق اسم المسبب على السبب 52.
وعلى الرغم من استجابة سيدنا صالح عليه السلام لقومه في إخراج الناقة من الصخرة، وتحذيره لهم، فإنهم كانوا قومًا مفسدين، فلم يستجيبوا لنداء الله تعالى ولا لتحذير رسوله فعقروا هذه الناقة.
ويأتي البيان الإلهي ليصف هذا التعدي على حدود الله وعاقبة ذلك. لنتأمل الآيات الثلاث الآتية:
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [هود:٦٥].
فهذه الآية تحدثت عن وعد صالح عليه السلام لهم بالعذاب جزاء فعلتهم.
وقال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الشعراء:١٥٧].
ثم تأتي هذه الآية لتعبر عن ندمهم لأنهم أدركوا أن العذاب واقع لا محالة.
وقال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الشمس:١٤].
وفي هذه الآية الثالثة جاء التصريح بوقوع العذاب مباشرة (ﮌ ﮍ ﮎ). إذن جاء التدرج الزمني للأحداث عبر الآيات الثلاث من الوعد بالعذاب إلى اقتراب هذا العذاب حيث لا ينفع الندم، وأخيرًا وقوع هذا العذاب.
ومع أن هذه الآيات متباعدة من حيث النزول ومن حيث الترتيب في القرآن، فقد جاءت متناسقة ومتدرجة، وتعبر تعبيرًا دقيقًا عن حقيقة هذه القصة.
وقد أسند العقر إلى قوم صالح عليه السلام جميعًا مع أن الذي باشره شخص واحد منهم، كما في قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الشمس:١١-١٢].
وذلك لأنهم كلهم كانوا متواطئين على عقرها راضين به.
قال الطبري رحمه الله: «عن رضا جميعهم قتلها قاتلها وعقرها من عقرها، ولذلك نسب التكذيب والعقر إلى جميعهم»53.
وقد سعى في قتل الناقة تسعة رجال من ثمود كانوا يحرضون من قتلها يدفعونه دفعًا.
قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [القمر:٢٩].
وبهذا فالقبيلة مشتركة في قتلها جميعًا لا ذلك الرجل العارم54، ولا التسعة المفسدون.
قال الطبري رحمه الله تعالى: إن الذي عقر الناقة أشقى ثمود يسمى قدار بن سالف، وكان أحد التسعة المفسدين الذين قال تعالى فيهم 55: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النمل:٤٨].
و قد جاءت صفته في الحديث الصحيح الذي ذكره الإمام البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم، فذكر الناقة، وذكر الذي عقرها فقال: (ﭾ ﭿ ﮀ) انبعث لها رجل عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة)56 الذي ظن أن منعته في قومه تحميه من العذاب الموعود به على عقر الناقة.
فكانت جريمته هذه والتي مالأه عليها قومه سببًا في إنزال الهلاك بهم، فآتاهم الله سبحانه وتعالى بعذاب الصيحة، فهي صيحة واحدة قطعت نياط قلوبهم، و تركتهم أجسادًا هامدة.
أما ولد الناقة فيقال: إنهم ذبحوه مع أمه .
وقال آخرون: إنه دخل في صخرة، فغاب فيها، والله أعلم.
فلما فعلوا ذلك وبلغ الخبر صالحًا، فجاءهم وهم مجتمعون، فلما رأى الناقة بكى، وقال: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ)[هود:٦٥].
[انظر: ثمود: موقف قوم ثمود من رسولهم عليه السلام]
أولًا: سيدنا صالح عليه السلام يطلب من قومه الاستغفار والتوبة:
يقول تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [هود:٦١] فإن ما خصكم الله تعال من فنون الإحسان داعٍ إلى الاستغفار عما وقع منهم من التفريط والتوبة عما كانوا يباشرونه من القبائح 57.
فللاستغفار آثارٌ عقديةٌ وثمارٌ إيمانيةٌ جليلةٌ: منها: إنابة العبد إلى ربه، واعترافه بذنبه وإقراره بـ(أن له ربًا يغفر الذنوب)، وتنشأ فيه تربية الخشوع والخضوع في نفسه، ويذوق به حلاوة تلذذه بالتذلل بين يدي ربه.
ويعتبر بسر وجوده والإنشاء من الأرض، فيعلم أن وجوده من وجود خلق أبيه آدم عليه السلام من الأرض؛ لأن إنشاءه إنشاء لنسله، وإنما ذكر تعلق خلقهم بالأرض لأنهم كانوا أهل غرس وزرع، كما قال في: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الشعراء ١٤٦ - ١٤٨].
ولأنهم كانوا ينحتون من جبال الأرض بيوتًا، ويبنون في الأرض قصورًا، كما قال في الآية الأخرى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الأعراف:٧٤].
فكانت لهم منافع من الأرض تناسب نعمة إنشائهم من الأرض، فلأجل منافعهم في الأرض قيدت نعمة الخلق بأنها من الأرض التي أنشئوا منها، ولذلك عطف عليه: (ﯿ ﰀ).
ثانيًا: قوم صالح يسعون في قتل رسولهم:
بعد عقر قوم ثمود للناقة، عزم أولئك النفر التسعة على قتل صالح وسعوا في تنفيذ ذلك فجاءوه ليلًا ليفتكوا به، فأرسل الله سبحانه وتعالى عليهم حجارة فقتلتهم قبل قومهم. فأحبط الله بذلك مخططات القوم الكافرين وخدعتهم، وأنقذ صالحًا من بين يدي من أرادوا به سوءًا 58.
وبقي قومه على إعراضهم وعدم رغبتهم في الاستجابة له، أخبرهم بما سيصيبهم من هلاك خلال ثلاثة أيام: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [هود:٦٥].
وأصبحت ثمود يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام النظرة الثلاث، ووجوههم كانت مصفرة، كما وعدهم صالح عليه السلام.
وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة، ووجوه كانت محمرة.
وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ووجوههم مسودة.
فلما أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه، لا يدرون ماذا يفعل بهم، ولا كيف يأتيهم العذاب ومع الشروق، جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح، وزهقت الأنفس في ساعة واحدة59، لم تبق منهم باقية.
يقول تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [هود:٦٧-٦٨].
فصاروا صرعى لا أرواح فيهم. ولم يفلت منهم أحدًا، لا صغير ولا كبير، ولا ذكر ولا أنثى؛ إلا جارية واحدة كانت مقعدة، اسمها: كلبة ابنة السلق60.
وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح عليه السلام، فلما رأت ما رأت من العذاب أسرعت تسعى إلى قومها، فأتت حيًا من الأحياء، فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها، ثم استسقتهم من الماء، فلما شربت ماتت61.
ثالثًا: نجاة سيدنا صالح عليه السلام من غدر قومه:
أما إنجاء الله تعالى نبيه صالحًا، ومن آمن به وإهلاكه ثمود، فقد أوضحه جل وعلا في مواضع من كتابه؛ كقوله في سورة هود: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [هود:٦٦-٦٨].
وآيات سورة هود هذه، قد بينت أيضًا التدمير المجمل في آية سورة النمل هذه، فالتدمير المذكور في قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [النمل:٥١].
بينت آية سورة هود أنه الإهلاك بالصيحة، في قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) أي: وهم موتى.
وأما كونه جعل إهلاكه إياهم آية، فقد أوضحه أيضًا في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى فيهم: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الشعراء: ١٥٧-١٥٨].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [النمل:٥١] يعني: أهلكناهم، أي: التسعة.
قال ابن عباس: أرسل الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه فأتت التسعة دار صالح شاهرين سلاحهم، فرمتهم الملائكة بالحجارة وهم يرون الحجارة ولا يرون الملائكة، فقتلتهم وأهلك الله جميع القوم بالصيحة وقومهم أجمعين، (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) أي: بظلمهم وكفرهم (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) أي: لعبرة (ﯔ ﯕ) أي قدرتنا وأنجينا الذين آمنوا62.
الدروس المستفادة من قصته عليه السلام
التي يجب أن يتلمسها الإنسان في أخبار الأمم الماضية، وأن يتدبر ويتمعن في نتائجها. قد لفت الله عز وجل أنظار البشر لأعمال وآثار الماضين منهم، بهدف التأمل والاتعاظ بما حل بتلك الأقوام من كوارث أصابتهم، وما نزل عليهم من العذاب، بسبب جحودهم وإعراضهم عن الإيمان وتكذيب رسلهم.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الشعراء:١٢٣-١٢٤].
وقال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الشعراء: ١٤١-١٤٢].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الشعراء:١٦٠-١٦١].
وهي وصية السلف الصالح رضوان الله عليهم، فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول في خطبته: «أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله»، ولما حضرته الوفاة، وعهد إلى عمر رضي الله عنه دعاه فوصاه بوصيته قائلًا: (اتق الله يا عمر..)، وكتب عمر رضي الله عنه إلى ابنه عبد الله: «أما بعد فإني، أوصيك بتقوى الله عز وجل، فإنه من اتقاه وقاه، واجعل التقوى نصب عينيك وجلاء قلبك».
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [النمل:٥٠-٥١].
وذلك لأن بقية القوم راضون على فعلهم وسكتوا عنهم، ولم يأخذوا على أيديهم.
وأن العمل بمعاصي الله تعالى هو الفساد في الأرض، والعمل بطاعته هو الإصلاح في الأرض.
وهو ما أنكره أهل مكة. كما يجب التحذير من عذاب الله ونقمته، فإنه تعالى بالمرصاد فليحذر المنحرفون عن سبيل الله والحاكمون بغير شرعه والعاملون بغير هداه أن يصب عليهم سوط عذاب.
ويجب أن تكون زيارتها سببًا في استحضار سبب الهلاك والتدمير الذي حاق بهم بسبب تكذيبهم وظلمهم لأنفسهم، وعلى المسلم أن يكون دائم الوعي بسنن الله في هلاك الأمم ليتجنبها.
موضوعات ذات صلة: |
ثمود، شعيب عليه السلام، عاد، مدين، هود عليه السلام، نوح عليه السلام |
1 البداية والنهاية، ابن كثير: ١/١٣٠-١٣١.
2 عمدة القاري، العيني ٣٣/٢٧٠.
3 انظر: تاريخ الطبري، ١/١٣٣، تاريخ ابن خلدون، ٢/٢٨.
4 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٥٢٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢٣٨، البداية والنهاية، ابن كثير ١/١٣٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١/٥٢٤.
5 انظر: قصص القرآن، فؤاد عبدالغفار، ص ١٧١.
6 قصص الأنبياء، ابن كثير ١/١٤٥.
7 انظر: معجم البلدان، ياقوت الحموي، ٢/٢٥٥، مروج الذهــــب، المسعودي، ١/٤٢.
8 الحجر: كل ممنوع فهو حجر محجور، والحجر كل بناء بنيته و حجرت عليه من الأرض فهو حجر، ومنه سمي حطيم البيت حجرًا.
انظر: فتح الباري، ابن حجر ١/١٠٢.
9 شمط: هو مخالطة البياض شعر الرأس، وهو بياض اللحية.
ومنه امرأة شمطاء أي: وخط رأسها الشيب.ولا يقال للمرأة: شيباء، ولكن يقال لها: شمطاء.
انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٧/٣٣٥، تاج العروس، الزبيدي، ١/٤٨٩٩.
10 أخرجه، الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ٢/٦١٦، رقم ٤٠٦٥.
11 انظر: أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري ١/٤٧٧.
12 النكت والعيون، الماوردي ٢/٤٧٩.
13 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: (ﭳ ﭴ ﭵ)، ٤/١٧٦، رقم ٣٤٤٣.ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب فضل عيسى عليه السلام، ٤/١٨٣٧، رقم ٢٣٦٥.
14 انظر فتح الباري، ابن حجر ٦/٤٨٩.
15 لباب التاويل، الخازن، ٢/٢٢١.
16 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج، ١/١٤٢.
17 النكت و العيون، الماوردي ٢/٢٣٦.
18 خروج الناقة بهذه الصفة، وطلبهم لها ذكرها الخازن: ٤/٢٢٠، وأبو السعود: ٣/٢٤١، وصاحب أضواء البيان ٧/١٨وغيرهم.
والمعجزة التي أوتيها سيدنا صالح عليه السلام، تناسب ما مهر فيه قوم صالح، فقد كان لهم ولع بالنحت بالصخور، فعملوا لمنازلهم واجهات من الصخور لازالت تحكي تمكنهم وعظمة فنهم في النحت، ولذلك كان طلبهم أن يخرج لهم ناقة من الصخر. فأخرجها لهم بأجمل ما يكون، فهي ليست صخرة جامدة، ولكنها ناقة على هيئة كاملة تسير بينهم مع فصيلها.
19 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٩، فتح القدير، الشوكاني ٢/٥٠٨.
20 المنار، محمد رشيد رضا، ١٢/١٠١.
21 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٣/٣٦٥.
22 معام التنزيل، البغوي، ٦/١٢٥.
23 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١/٣٠٤٠.
24 الفج: هو الطريق الواسع بين جبلين.
انظر: مختار الصحاح ص ٤٠١.
25 أخرجه أحمد في مسنده، ٣/٢٩٦، و الحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، ٢/٣٥١، رقم ٣٢٤٨.
وحسنه ابن حجر في الفتح ٦/٣٨٠.
26 تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٣/٢٨٣.
وانظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج، ٩/٣٤٩، الكشف والبيان، الثعلبي ٥/٣٨.
27 انظر المحرر الوجيز، ابن عطية، ٢/٤٢١.
28 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٨/١٦٨.
29 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٢/٤.
30 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٨/١٦٨.
31 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٣/٢٤٣.
32 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج، ٣/٥٩.
33 تفسير السمرقندي، ١/٥٤٤.
34 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٨/١٦٩.
35 المنار، محمد رشيد رضا ١١/٣٧١.
36 لباب التأويل، الخازن، ٢/٢٢٢.
37 المصدر السابق، ٤/٢٢٠.
38 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٧/٢٠.
39 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ١/٧٦.
40 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٧/١٦٧.
41 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٨/١١٧.
42 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٢/١٦٠، رقم ١٤١٦٠.
وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، ٩/٣١٨، رقم ٤٣٣٤.
43 في الظلال، سيد قطب، ٣/٢٤٤.
44 زاد المسير، ابن الجوزي، ٤/٣٠١.
45 انظر: جامع البيان، الطبري، ٧/٥٣١.
46 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥/٣٧٧، روح المعاني، الألوسي، ١٠/٦٠.
47 أنوارالتنزيل، ١/٥٣٤.
48 تفسير القرآن العظيم ٤/٥٥٢.
49 انظر: التحرير و التنوير، ابن عاشور، ٩/٢٩١.
50 انظر: أسباب هلاك الأمم، سعيد بابا سيلا، ٤٠٣.
51 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٥/٣٠٣٥.
52 البحر المحيط، أبو حيان ٥/٣٦٥.
53 جامع البيان، الطبري، ١٥/١٤.
وانظر: الكشاف، الزمخشري ٢/١٧٢، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٤٢٣، مفاتيح الغيب ٧/١٧٢.
54 العارم: هو الشرير المفسد الخبيث، وقيل: القوى الشرس.
انظر صحيح مسلم بشرح النووي ١٧/١٨٨، النهاية في غريب الحديث ٣/٢٢٣.
55 جامع البيان، الطبري، ١١/٥٦١.
56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)، ٦/١٦٩، رقم، ٤٩٤٢.ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب النار يدخلها الجبارون، ٤/٢١٩١، رقم ٢٨٥٥.
57 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٣/٣٦٣.
58 التفسير القرآني للقرآن الكريم، عبد الكريم الخطيب ١/٧٧.
59 انظر: تفسير البيضاوي ٥/٤٩٧.
60 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٧٩.
61 انظر: المصدر السابق ٣/٤٤٢.
62 لباب التاويل، الخازن، ٣/٣٥٠.