عناصر الموضوع
الشيطان
أولًا: المعنى اللغوي:
اختلف أهل اللغة في اشتقاق لفظ الشيطان على رأيين:
الرأي الأول: أن النون في لفظ الشيطان أصلية، وهو من مادة (شطن)، وهي تدل على البعد، ونوًى شطون، أي: بعيدة، ويقال: بئر شطون، أي: بعيدة القعر، وشطن عنه: بَعُدَ، وأشطنه: أبعده1، وسمي الشيطان بذلك؛ لبعده عن أمر ربه، وعن الحق وتمرده، فهو بعيد عن الخير، وبعيد عن طباع البشر، وعلى ذلك فكل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان.
وقيل: الشطن: هو الحبل الطويل الشَديد الفتل، والجمع أشطان، وشطنته إذا شددته بالحبل2، والشيطان على وزن فيعال، ووجه تسميته بذلك؛ لأنه يوقع الإنسان بحباله الطويلة، أو أنه طاله في الشر.
وقال ابن السكت: «الشطن مصدر شطنه يشطنه، إذا خالفه عن نيته ووجهه»3.
الرأي الثاني: ذهب آخرون من أهل اللُغَة: إلى أن النون في لفظ الشيطان زائدة، واشتقاقه من شاط يَشيط وتشيط، وشاط الشيء شيطًا وشياطة وشيطوطة: احترق، وشاطت القِدر شيطًا احترقت، وشاط الرجل إِذا لفحته النارُ فأثرت فيه، وهلك واحترق4، وهذا المعنى يتناسب مع الشيطان، فالشيطان يحترق ويهلك إذا سمع صوت الحق، وذكر ابن كثير أن من العلماء من صحح الرأيين مع قولهم بأن الأول أصح5.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لفظ الشيطان قد يراد به إبليس خاصة، كما في قصة آدم وإبليس، ومن ذلك قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ) [البقرة: ٣٦]. وقد يراد بالشيطان كل شرير مفسد داع للغي والفساد من الجن والإنس، كما في قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأنعام:١١٢].
وردت مادة (شطن) في القرآن الكريم(٨٨) مرة6.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الاسم (مفردًا) |
٧٠ |
(ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [البقرة:٣٦] |
الاسم (جمعًا) |
١٨ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [البقرة:١٠٢] |
وجاءت كلمة (الشيطان) في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، وهو: المتمرد الطاغي من الجن والإنس والدواب 7.
إبليس:
إبليس لغةً:
إبليس لعنه الله مشتق من «بلس»، وبلس من رحمة الله، أي: يئس وندم، ومنه قوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الروم: ١٢].
وسمي إبليس بذلك؛ لأنه يئس من رحمة الله، وأبلس الرجل: سكت، لذلك يقال للذي يسكت عند انقطاع حجته: قد أبلس، فالمبلس الساكت من الخوف أو الحزن، والإبلاس الحيرة، وسمي إبليس بهذا الاسم؛ لأنه لما أيس من رحمة الله أبلس بأسًا8.
إبليس اصطلاحًا:
يمكن تعريف إبليس تعريفًا وصفيًا بأنه ذلك المخلوق من نار السموم، كان يعبد الله مع جملة الملائكة، فاغتر إبليس بنفسه، فاطلع الله على ذلك في قلبه، فخلق الله آدم من طين، ونفخ فيه، وأمر الملائكة الذين كان إبليس في معيتهم للسجود له، فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر بحجة أنه خير منه، فقال: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأعراف: ١٢].
وطلب من الله أن يمهله إلى يوم الدين؛ كي يغوي آدم وذريته، فلُعن وطُرد من السماء، وأصبح عدوًا لبني آدم إلى يوم البعث9.
الصلة بين إبليس والشيطان:
أن الشيطان إذا أطلق يراد به إبليس وذريته المخلوقين من النار.
الجن:
الجن لغةً:
«الجن جماعة ولد الجان، وجمعهم: الجِنَةُ، والجان، وإنما سمو جنًا؛ لأنهم استجنَوا عن الناس، فلا يُرون، والجان هو أبو الجن خلق من نار، ثم خلق منه نسله»10، فالجان واحد الجن، وهو من الاجتنان، أي: التستر والاختفاء، ومنه قول الله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأعراف: ٢٧]11.
الجن اصطلاحًا:
يمكن التعريف بالجن على «أنهم نوع من الأرواح العاقلة، المريدة، المكلفة على نحو ما عليه الإنسان، مجردون عن المادة، مستترون عن الحواس، لا يُرون على طبيعتهم، ولا بصورتهم الحقيقية، ولهم قدرة على التشكل، ويأكلون، ويشربون، ويتناكحون، ولهم ذرية، محاسبون على أعمالهم في الآخرة»12.
الصلة بين الشيطان والجن:
أن الشيطان هو الشرير من الجن؛ ولهذا يقال للإنسان إذا كان شريرًا شيطان، ولا يقال: جني؛ لأن قولك: شيطان يفيد الشر ولا يفيده قولك: جني، وإنما يفيد الاستتار؛ ولهذا يقال على الإطلاق: لعن الله الشيطان، ولا يقال: لعن الله الجني، والجني اسم الجنس والشيطان صفة13.
الطاغوت:
الطاغوت لغة:
مشتق من «طغو» و«طغي»، وهو مجاوزة الحد في العصيان، وطغى البحر: هاجت أمواجه، وكل شيء جاوز المقدار والحد في العصيان فهو «طاغ»، «وأطغيته» جعلته «طاغيًا»، والطاغية: صيحة العذاب البغي والكفر، والطاغوت: الكهنة والشياطين، والطاغوت كل رأس في الضلال، كما ويطلق على الأصنام، والطاغوت يكون من الجن والإنس14.
الطاغوت اصطلاحًا:
أصل الجذر يدل على مجاوزة الحد، ونجد أن الطاغوت يحتل مرتبة هي أعلى من مجرد كونه متمردًا أو عاتيًا، كما هو حال الشيطان، بل هو في مرتبة تصل إلى قمة الكفر والطغيان، بحيث يجترئ على خصائص ألوهية الله سبحانه، حيث يدعو البشر لعبادته من دون الله، فالطاغوت هو كل ذي طغيان على الله، فعُبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبَده، وإما بطاعة ممن عبَده، إنسًا كان ذلك المعبود أو جانًا15.
الصلة بين الشيطان والطاغوت:
صلة عموم وخصوص، فالشيطان صورة من صور الطاغوت.
تحدث القرآن الكريم عن خلق الشيطان والغاية من خلقه وتمرده -لعنه الله- وخروجه الطاعة، وهذا ما سنتناوله بالبيان فيما يأتي:
أولًا: خلق الشيطان:
تقرر مما سبق أن الشيطان إذا أطلق فيراد به إبليس خاصة، واختلف علماء التفسير في إبليس هل هو من الملائكة أم من الجن إلى رأيين:
الرأي الأول: إنه كان من الملائكة، قاله ابن عباس16، وابن مسعود، وسعيد بن المسيب17، وابن جرير الطبري18.
وقال البغوي: هذا قول أكثر المفسرين؛ لأنه سبحانه أمر الملائكة بالسجود لآدم في قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة: ٣٤].
فلولا أنه من الملائكة، لما توجه الأمر إليه بالسجود، ولو لم يتوجه الأمر بالسجود، لم يكن عاصيًا، ولما استحق الخزي والنكال19.
الرأي الثاني: إنه كان من الجن، ولم يكن من الملائكة، قاله الحسن وقتادة، واختاره الزمخشري20.
مستدلين بقوله تعالى:(ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الكهف: ٥٠].
فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من نار، والملائكة من نور، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة، ورد الزمخشري على المستدلين بقوله: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة: ٣٤].
فالأمر كان للملائكة خاصة، وإنما شمله الأمر، لأنه كان في صحبتهم، وكان يعبد الله معهم، فلما أُمِروا بالسجود لآدم والتواضع له كرامة له، كان الجني الذي معهم أجدر بأن يتواضع21.
وجمهور العلماء على القول الأول، وأجابوا عن قوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ)، أي: من الملائكة الذين هم خزنة الجنة22.
والصواب التفصيل في هذه المسألة، فإبليس كان من الملائكة بصورته، وكان يعبد الله معهم، وليس منهم بمادته وأصله؛ فأصله من نار، وأصل الملائكة من نور، فمن اعتبره من الملائكة فعلى كونه كان في صحبتهم في العبادة، ومن اعتبره من الجن فعلى أصل خلقه23.
وقيل: إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار، سموا: جنًا؛ لاستتارهم عن الأعين، فإبليس كان منهم، والدليل على ذلك قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الصافات: ١٥٨].
وهو قولهم: الملائكة بنات الله، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية24.
وبعد التفصيل السابق يمكن الخروج بخلاصة القول، وهو أن أصل خلق إبليس من نار، كما تقرر ذلك الآيات.
قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الحجر: ٢٧].
قال ابن عباس في قوله: «(ﯛ ﯜ ﯝ) الحارة التي تقتل، وقال ابن مسعود: (ﯝ) التي خلق منها الجان جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم»25.
ويدلل على ذلك أيضًا ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وُصِف لكم)26.
وطبيعة خلق الشيطان أنه لا يُرى، كما تُقرره الآيات الكريمة.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأعراف: ٢٧].
يقول الزحِيلي: «احذروا إبليس، فإنه هو وجنوده من الجن يرونكم وأنتم لا ترونهم، والضرر الناجم من العدو الذي لا يرى أخطر من العدو الظاهر المرئي»27.
ومما جُبِل عليه الشيطان خاصة دون سائر الجن، قبح صورته، والتي تحمل في مضمونها قبح أفعاله، وقد شبه الله ثمار شجرة الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم برؤوس الشياطين، لما عُلِم من قبح صورهم وأشكالهم.
يقول تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الصافات: ٦٤- ٦٥].
وإنما شبهها برؤوس الشياطين وإن لم تكن معروفة عند المخاطبين؛ لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر، وثبت في السنة أن الشيطان له قرنان.
فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا طلع حاجب الشمس فدَعوا الصلاة حتى تبْرُز، وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب، ولا تَحَيَنوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان)28.
ثانيًا: الغاية من خلق الشيطان:
خلق الله عز وجل الشيطان لحكم وفوائد قد تظهر للإنسان، وقد يخفى عنه بعضها، لكنه لم يخلق شيئًا عبثًا، تعالى عن ذلك سبحانه علوًا كثيرًا، فما الحكمة من خلق إبليس؟
تحدث العلماء في ذلك كثيرًا، وقد أجاد الإمام ابن القيم رحمه الله في بيان ذلك في كتابه، فذكر من الحكم والفوائد من خلق إبليس وجنوده29:
أولًا: أن يكمل للأنبياء والمؤمنين والصالحين مراتب العبودية، وذلك بمجاهدة عدو الله وحزبه -الشيطان وذريته- وإغاظة أوليائه، والاستعاذة بالله منه، والالتجاء إليه أن يعيذهم من شره وكيده.
ثانيًا: خوف الملائكة والمؤمنين والصالحين من ذنوبهم، وذلك بعدما شاهدوا ما آل إليه حال إبليس، وما شاهدوه من سقوطه من المرتبة الملكية إلى المنزلة الإبليسية، فالملائكة لما شاهدوا ذلك زاد خوفهم وخضوعهم لله عز وجل، ففي ذلك زيادة حرص وخوف وتذلل لخالق الكون.
ثالثًا: ابتلاء واختبار، فالغاية من خلق إبليس أن يمتحن الله به العباد، فيكون ابتلاءً، واختبارًا، وامتحانًا، فمن تبعه فيكون معه، ومن اتخذه عدوًا كما أمر الله دخل الجنة، فهذه من أهم الحكم؛ ليميز الخبيث من الطيب، ويجازي كلًا بعمله، بعد أن بين لهم الطريق الصواب.
رابعًا: أراد الله عز وجل من خلقه لإبليس أن يجعله عبرة لمن خالف أمره، وتكَبر عن طاعته، وأصَر على معصيته، فكما جعل آدم أبا البشر عبرة لمن ارتكب نهيه أو عصى أمره، ثم تاب وندم ورجع إلى ربه، جعل هذا الأب -إبليس أبي الجن- عبرة لمن أصر وأقام على ذنبه.
خامسًا: من الواضح أن خلْق الضدين من كمال حسن ضده، فالضد إنما يظهر حسنه بضده، فلولا القبيح لم تعرف فضيلة الجميل.
سادسًا: أن المحبة والإنابة والتوكل والصبر والرضا ونحوها أحب أنواع العبودية إلى الله سبحانه، وهذه العبودية إنما تحقق بالجهاد وبذل النفس لله تعالى، وتقديم محبته على كل ما سواه، فالجهاد ذروة سنام العبودية وأحبها إلى الرب سبحانه، فكان في خلق إبليس وحزبه قيام سوق هذه العبودية بمجاهدة النفس، وطاعة الله عز وجل.
سابعًا: إن في خلق من يعادي رسل الله، ويكذبهم، من تمام ظهور آياته وعجائب قدرته ولطائف صنعه.
ثامنًا: إن المادة التي خلق منها إبليس عليه لعنة الله عز وجل هي المادة النارية، وهذه المادة فيها الإحراق والعلو والفساد، كما وفيها الإشراق والإضاءة والنور، فأخرج منها سبحانه هذا، وهذا، كما أن المادة الترابية الأرضية فيها الطيب والخبيث والسهل والحزن والأحمر والأسود والأبيض، فأخرج ذلك منها كله حكمة باهرة، وقدرة قاهرة، وآية دالة على أنه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.
تاسعًا: إن خلق إبليس فيه من الدلالة الواضحة على حلمه، وصبره، وأناته، وسعة رحمته، وجوده، فاقتضى ذلك كله خلق من يشرك به، ويضاده في حكمه، ويجتهد في مخالفته، وهو بالمقابل يسوق إليه أنواع الطيبات، ويرزقه، ويعاقبه، ويمكِن له من أسباب ما يتلذذ به من أصناف النعم، ويظهر بره وإحسانه بضد ما يعامله هو به من كفره وشركه وإساءته، فلله الحمد على حلمه وصبره.
ثالثًا: تمرد الشيطان وخروجه عن الطاعة:
خلق الله إبليس وهو أكبر الشياطين، وكان يعبد الله مع جملة الملائكة، وكان بعلم الله يخفي نزعة التمرد، والقرآن يقص لنا كيف كانت بداية معصية الشيطان، فقد بيَن الله عز وجل الغاية من الخلق، فقال في كتابه العزيز: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الذاريات: ٥٦].
فإن من مظاهر عبادة الله طاعة أوامره، ومخالفة أوامر الله تعالى هي المعصية والفسوق، وهي الطريق إلى الكفر والعياذ بالله، ومن هنا فإن العبادة هي طاعة المخلوق لأوامر خالقه، وإبليس عصى أوامر الله، أما كيف بدأ إبليس معصيته لله.
فقد بيَن ذلك في القرآن الكريم، فيقول الله عز وجل: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة: ٣٤].
فكان بداية كفر إبليس، إذ رفض طاعة الله عز وجل، ورفض السجود لآدم، فكانت بداية التمرد والمعصية، وكان سبب رفضه السجود لآدم عليه السلام هو الاستكبار، وقد صرح اللعين بهذا المعنى، فقال تعالى على لسانه: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأعراف: ١٢].
وقال أيضًا: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الإسراء: ٦١].
لذلك عاقب الله عز وجل إبليس على تمرده وعصيانه بالهبوط من ملكوت السموات إلى دركات الأرض.
يقول تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الأعراف: ١٣].
أي: اهبط من الجنة، فليس لك أن تستكبر فيها عن طاعتي وأمري، قال الزجاج: إن إبليس طلب التكبر، فابتلاه الله تعالى بالذلة والصغار30.
ذكر القرآن الكريم موقف الشيطان من الأنبياء عليهم السلام، موقفه من آدم عليه السلام، وموقفه من يوسف عليه السلام، وموقفه من أيوب عليه السلام، وموقفه من موسى عليه السلام، وموقفه من الرسول الكريم عليه السلام.
أولًا: موقف الشيطان من آدم وحواء:
خلق الله عز وجل آدم، وكرَمه، ورفع من شأنه، وأمر الملائكة بعد خلقه بالسجود له، فقال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة: ٣٤].
تعظيمًا وتشريفًا له، فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى استكبارًا منه على آدم عليه السلام، فسأله الله عز وجل عن سبب امتناعه عن السجود.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأعراف: ١٢].
فقال الله عز وجل له: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الأعراف: ١٣].
أي: من الجنة31، فطَُرِد لعنه الله من الجنة، وكان هذا سببًا لكراهية إبليس لآدم وذريته، وعداوته لهم، فتوعد إبليس آدم وذريته من بعده بالعداوة والإغواء، كي تكون نهايتهم كنهايته جهنم، وبئس المصير، فقال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الإسراء: ٦٢].
وأمر الله عز وجل آدم وزوجه حواء أن يسكنا الجنة، كما جاء في قوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة: ٣٥].
وبين سبحانه الميزات التي سيحصل عليها آدم عليه السلام، فقال جل جلاله: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [طه: ١١٨].
ففي الجنة طعام يكفيك، وكساء يسترك، وماء تجده دائمًا، لا يصيبك ظمأ، وليس فيها تعب، وكل ما فيها مباح لك عدا شجرة واحدة، لا تقترب منها، ولا تأكل ثمارها، كما وحذَره سبحانه وتعالى وحذر حواء من عدوهما إبليس، فقال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [طه: ١١٧].
وقتها استغل الشيطان هذا الأمر في الانتقام من آدم عليه السلام، وكانت بداية معصية آدم، فالشيطان حين أراد أن يغوي آدم وحواء بأن يأكلا من الشجرة، وأن يعصيا الله عز وجل، قال لآدم كما يروي لنا القرآن الكريم: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [طه: ١٢٠].
فرغَبه إبليس في دوام الراحة بقوله: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) وفي انتظام المعيشة بقوله: (ﮡ ﮢ ﮣ)، فكان الشيء الذي رغب الله آدم فيه هو الذي رغبه إبليس فيه، إلا أن الله تعالى وقَف ذلك على الاحتراس عن تلك الشجرة وإبليس وقفه على الإقدام عليها32.
وقال سبحانه وتعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ٣٦].
قرأها الجماعة (ﯨ) أي: استزلهما، وأغواهما، وهو من قولك: زلَ في دينه إذا أخطأ، وعلى قراءة حمزة «فأزالهما»33: نحاهما، أي: بمعنى الزوال عن المكان، والخروج منه34.
وقال تعالى في كتابه العزيز: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الأعراف: ٢٠].
وقول الحق سبحانه وتعالى «وسوس» يدل على أن الحديث دار همسًا بصوت خافت، والوسوسة إغراء بارتكاب الشر، والذي يتحدث ويأمر بالخير لا يهمه أن يكون حديثه بصوت عال، ولكن الحديث في الشر والغواية لا تتم إلا همسًا بصوت خافت 35.
واختلف في كيفية وسوسة الشيطان لآدم، فإبليس طرد من الجنة، وآدم داخل الجنة، فكيف وسوس إليه وهو خارج الجنة؟ وأجيب عن ذلك بعدة أمور منها:
وهناك العديد من الروايات التي قد يتبادر إلى الذهن منها أن حواء هي من أغوت آدم، لكن الله عز وجل برَأ حواء من هذه التهمة، فقد قال سبحانه وتعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ).
فالشيطان هو الذي زين المعصية لآدم كما زينها لحواء، أي: أن الشيطان هو الذي قام بإغواء آدم وحواء، ولم تقم حواء بإغواء آدم على المعصية، فالغواية جاءت من الشيطان للاثنين معًا37.
ولكن كيف استطاع الشيطان أن يخرج آدم وحواء من الجنة مع علم آدم بعداوة إبليس له قبل إغوائه، لعل السبب يرجع إلى أن إبليس لقيَ آدم مرارًا وتكرارًا، ورغَبه في الأكل من الشجرة بطرق كثيرة، وبالتكرار والمواظبة على الطلب أثَر كلامه على آدم عليه السلام38.
وحلف لهما كما يروي القرآن الكريم: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الأعراف: ٢١].
أي: أقسم لهما أنه يريد لهما النصح، وصدقا القسم، وصدقا الشيطان في أنه يريد لهما الخير، ولذلك عاتب الله سبحانه وتعالى آدم وحواء بأنهما صدقا قسم إبليس، مع أنه جل جلاله قد بين لهما أن إبليس عدو لهما لا يريد لهما الخير، وذلك في قوله تعالى: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الأعراف: ٢٢].
وبذلك استطاع إبليس أن يقنع آدم أن الله قد منعه من الأكل من الشجرة؛ لأنه لا يريد له الخير، وذلك حتى نفطن إلى طريق إبليس في الغواية، فلا خير في خير يؤدي إلى النار والمعصية، ولا شر في شر يؤدي إلى رضوان الله والجنة.
ثانيًا: موقف الشيطان من يوسف عليه السلام:
الشيطان هو مدبر الفتن والمفاسد، كان له حضور واضح في مسيرة الأنبياء، ومن هؤلاء الأنبياء الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف عليه السلام، وقد ذُكر الشيطان في قصة يوسف عليه السلام ثلاث مرات:
أولًا: كان دور الشيطان في بداية قصة يوسف عليه السلام بارزًا، يرويه لنا القرآن الكريم في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يوسف: ٥].
فقد فهم يعقوب عليه السلام من رؤيا39 ابنه الصغير يوسف عليه السلام أنه سيكون له شأن عظيم في كِبره، وأن الله عز وجل سيصطفيه للرسالة، ويميزه على إخوته، فخاف عليه من حسد إخوته -والحسد هو مرض نفسي خطير- والذي يدفعهم عليه الشيطان، الذي يحرك النفوس الضعيفة، ويوغر الصدور، ويشعل نار العداوة والبغضاء بين الإخوة والأحبة، فعداوة الشيطان ظاهرة واضحة لما فعل بآدم عليه السلام وحواء، فلا يألوا جهدًا في إثارة الفتن بينهم حتى يحملهم على الكيد40، لذلك أمر يعقوب عليه السلام ابنه يوسف عليه السلام أن يكتم رؤياه عن أخوته؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي من الله عز وجل، فلا يحدثهم بها، وعلل ذلك بقوله: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يوسف: ٥].
فكأن يوسف عليه السلام استغرب أن يصدر ذلك عن إخوته الناشئين في بيت النبوة، فبين له أنه ما حذره إلا من نزغ الشيطان في نفوس أخوته41، الذي قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئًا)42.
وقد حدث ما خشيه يعقوب عليه السلام، فتآمر الإخوة على يوسف، وكادوا يتفقون على قتله؛ لتزول العقبة بينهم وبين أبيهم، ثم قرروا العدول عن قتله والاكتفاء بإبعاده.
قال المولى عز وجل: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [يوسف: ١٠].
وهكذا كانت الغلبة لداعي الشر، وهي الخطوة الأولى في المخطط الشيطاني في إبعاد النبي يوسف عليه السلام، والانحراف به، والهجوم عليه بوساوس الشيطان لعنه الله.
ثم يوضع الفتى المبتلى يوسف عليه السلام في البئر بعد أن أجمعوا على التخلص منه، ثم يساق إلى سوق العبيد، ليستقر كعبد في قصر رئيس وزراء مصر، ويمر في محن عظام، من أبرزها إغراء امرأة العزيز، وكيد النسوة، ليوضع بعدها في السجن ظلمًا وبهتانًا على الرغم من ثبوت عفته وبراءته.
ثانيًا: يوضع سيدنا يوسف عليه السلام في السجن، وقد أوتيَ من العلم بتفسير الرؤيا ما لم يُؤت أحد في زمانه، ودخل السجن مع يوسف فَتَيان.
قال أحدهما ليوسف عليه السلام: إني رأيت في المنام أني أعصر عنبًا ليصير خمرًا.
وقال الآخر: إني رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه.
أخبرنا يا يوسف بتفسير ما رأينا، إنا نراك من الذين يحسنون في عبادتهم لله، ومعاملتهم لخلقه.
فكان تفسير يوسف عليه السلام للأول: بأنه يخرج من السجن، ويكون ساقي الخمر للملك، وأما الآخر الذي رأى أنه يحمل على رأسه خبزًا فإنه يُصْلب ويُتْرك، وتأكل الطير من رأسه43.
ويأتي الأمل لسيدنا يوسف عليه السلام، بعدما فسر لأحد السجينين أنه سيكون مقربًا من الملك، فأوصاه بتذكيره بحاله وما حدث له، وعلمه بالرؤيا، لعله يفرج عنه، هنا يتدخل الشيطان مرة أخرى محاولًا الكيد بسيدنا يوسف، والبقاء به في السجن.
قال تعالى في ذلك: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [يوسف: ٤٢].
أي: أن الشيطان أنسى الساقي تذكير سيده بأمر يوسف عليه السلام، فبقي في السجن مظلومًا منسيًا44.
وقيل: إن المعنى أن الشيطان أنسى يوسف ذكر ربه وهو الله عز وجل، فعاقبه الله تعالى بإبقائه في السجن بضع سنين، فهو استحق هذا العقاب؛ لأنه توسل إلى الملك لإخراجه، ولم يتوكل على الله عز وجل45.
لكن الراجح القول الأول، فالناسي هو الناجي من السجن -الساقي- على رأي جمهور المفسرين46.
وتدخل الشيطان في عملية النسيان مذكور في أكثر من موضع في القرآن الكريم.
قال تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [الأنعام: ٦٨].
وقال أيضًا في قصة موسى عليه السلام: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الكهف: ٦٣].
وللإمام الرازي رأيٌ في تسبب الشيطان في النسيان حيث قال: «الشيطان يمكنه إلقاء الوسوسة، وأما النسيان فلا، لأنه عبارة عن إزالة العلم عن القلب، والشيطان لا قدرة له عليه، وإلا لكان قد أزال معرفة الله تعالى عن قلوب بني آدم»47.
ثالثًا: كانت قصة يوسف عليه السلام مليئة بالمحن والابتلاءات، وكان كيد الشيطان واضحًا في قصته، وعندما يجتمع يوسف عليه السلام بأهله في نهاية القصة يُرْجِع سبب محنته الأولى إلى الشيطان.
قال تعالى على لسان نبيه يوسف عليه السلام: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [يوسف: ١٠٠].
هذا هو الشيطان بحضوره الماكر والذي يبوء بالخسران أمام فتى رباني تقي صابر ممسك بأطراف الإحسان جميعًا (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [يوسف: ٢٤].
ثالثًا: موقف الشيطان من أيوب عليه السلام:
لقد كانت حياة الأنبياء دروسًا وعبرًا لأولي الأبصار، ابتلاهم الله عز وجل بأنواع الشدائد والبلايا، فصبروا على ذلك، فهذا نبي الله أيوب عليه السلام من ذرية يعقوب عليه السلام، اصطفاه الله عز وجل بالنبوة، وآتاه جملة عظيمة من الثروة في الأموال والأولاد، كان شاكرًا لأنعم الله، مواسيًا عباد الله، بَرًا رحيمًا، لم يؤمن به سوى ثلاثة نفر48.
وقد ابتلي نبي الله أيوب عليه السلام في جسده، وماله، وأهله، وسلم دينه ومعتقده، فقد حصل لأيوب عليه السلام نوعان من المكروه.
قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [ص: ٤١].
فالله عز وجل يخاطب في هذه الآية نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم قائلًا له: اذكر يا محمد صبر أيوب عليه السلام، فقد ابتلاه الله عز وجل بأنواع البلايا فصبر، فاصبر كما صبر، فقد أصيب أيوب بالنصب والعذاب، فالنصب: هو المشقة والعناء والأمراض، والعذاب: زوال الخيرات وحصول المكروهات بذهاب وهلاك ماله وولده49.
وقد ظهر ذلك واضحًا من قول نبي الله أيوب عليه السلام، ونسب ما أصابه من بلاء إلى الشيطان، فالشيطان كان له دور في ذلك، ولأهل التفسير في هذا الموضع قولان:
القول الأول: إن الآلام والأسقام الحاصلة لأيوب عليه السلام إنما حصلت بفعل الشيطان، حيث قيل: إن إبليس لعنه الله سمع تجاوب ملائكة السموات بالصلاة على أيوب حين ذكر ربه وأثنى عليه، فأدرك إبليس الحسدُ والبغيُ، فسأل الله عز وجل أن يسلطه عليه ليفتنه عن دينه، فسلط على ماله دون جسده وعقله، فأذهب الله ماله كله، فشكر أيوب ربه عز وجل، ولم يغيره ذلك عن عبادة ربه سبحانه، وقال لله ما أعطى ولله ما أخذ، فسأل إبليس الله عز وجل أن يُسلطه على ولده، فأهلك ولده، فشكر أيوب ربه، ولم يغيره ذلك عن عبادة ربه تعالى.
فسأل إبليس الله أن يسلطه على جسده، فسلط عليه دون لسانه وقلبه وعقله، فجاءه وهو ساجد فنفخ في مِنْخره نفخة اشتعل منها جسده، فصار أمره إلى أن تناثر لحمه، فثبت أيوب عليه السلام سبع سنين، ولم يصبر عليه أحد إلا امرأته.
فجاء الشيطان إلى امرأته، وقال: لو أن زوجك استعان بي لخلصته من هذا البلاء، فذكرت المرأة ذلك لزوجها، فحلف بالله: لئن عافاه الله ليجلدنها مائة جلدة، وقتها قال أيوب عليه السلام: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ).
فأجاب الله دعاءه، وأوحى إليه أن اركض برجلك، فأظهر الله من تحت رجله عينًا باردة طيبة، فاغتسل منها.
قال تعالى: (ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [ص: ٤٢- ٤٣].
فأذهب الله عنه كل داء في ظاهره وباطنه، ورد عليه أهله وماله، ورفع الله عنه ما كان به من بلاء50.
القول الثاني: إن الآلام والأسقام التي حصلت لأيوب عليه السلام إنما حصلت بفعل الله، والعذاب المضاف إلى الشيطان هو عذاب الوسوسة، وإلقاء الخواطر الفاسدة، فالله عز وجل لا يسلط الشيطان على أنبيائه؛ ليقضي من إتعابهم وتعذيبهم وطره، فالشيطان لا يمكن أن يكون هو من قام بذلك، فلو جاز ذلك لظن بعض الناس أن حصول الموت، والحياة، والصحة، والمرض من الشيطان.
فلعل الواحد منا إنما وجد الحياة بفعل الشيطان، ولعل كل ما حصل عندنا من الخيرات والسعادات، فقد حصل بفعل الشيطان، كما أن الشيطان لو قدر على ذلك فلمَ لا يسعى في قتل الأنبياء والأولياء؟ ولمَ لا يخرب دورهم؟ ولم لا يقتل أولادهم؟
وقد جاء في الكتاب العزيز أنه لا سلطان له على عباده إلا بالوسوسة فحسب51.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [إبراهيم: ٢٢].
وإنما نسب نبي الله أيوب عليه السلام ما أصابه إلى الشيطان؛ لأنه أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من بلاء، ويغريه على الكراهية والجزع، فالتجأ إلى الله في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء، أو بتثبيته على الصبر على ما أصاب52.
كما أن علة نبي الله أيوب عليه السلام كانت شديدة الألم، ثم طالت مدة تلك العلة، واستقذره الناس، ونفروا عن مجاورته، ولم يبق له شيء من الأموال البتة، وامرأته كانت تخدم الناس، وتحصِل له القوت، ثم بلغت نفرة الناس عنه إلى أن منعوا امرأته من الدخول عليهم، ومن الاشتغال بخدمتهم53.
والشيطان كان قد تعرض لأهله، ووسوس لهم، وطلب منه أن يشرك بالله، ويذكره النعم التي كانت والآفات التي حصلت، وكان يحاول دفع تلك الوساوس، فلما قويت تلك الوساوس في قلبه خاف وتضرع إلى الله، وقال: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) لأنه كلما كانت تلك الخواطر أكثر كان ألم قلبه منها أشد، فكان يشتكي إلى الله فعل الشيطان، الذي كان أشد عليه من مرضه54.
والرأي الثاني هو الراجح، على الرغم من ذكر الكثير من أهل التفسير للرأي الأول، وقد رد ابن العربي على من قال به، فما ذكره المفسرون من أن إبليس كان له مكان في السماء السابعة فقول باطل؛ لأنه أُهبط منها بلعنة وسخط إلى الأرض، فكيف يرقى إلى محل الرضا، ويجول في مقامات الأنبياء، ويخترق السموات العلى، ويعلو إلى السماء السابعة إلى منازل الأنبياء، فيقف موقف الخليل؟!
أما أنه طلب من الله أن يسلطه على أيوب عليه السلام فلا يصح؛ لأن الله عز وجل لا يكلم الكفار الذين هم من جند إبليس الملعون، فكيف يكلم من تولى إضلالهم؟! وأما قولهم: إن الله قال قد سلطتك على ماله وولده، فذلك ممكن في القدرة، ولكنه بعيد في هذه القصة، وكذلك قولهم: إنه نفخ في جسده حين سلطه عليه، فهو أبعد، والباري سبحانه قادر على أن يخلق ذلك كله من غير أن يكون للشيطان فيه كسب حتى تقر له -لعنة الله عليه- عين بالتمكن من الأنبياء في أموالهم وأهليهم وأنفسهم55.
رابعًا: موقف الشيطان من موسى عليه السلام:
لقد كان للشيطان دور مع سيدنا موسى عليه السلام توضحه لنا الآيات الكريمة.
قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [القصص: ١٥].
فيروى أن موسى عليه السلام بعدما بلغ أشده، -أي: من ثلاثين إلى أربعين سنة56- دخل المدينة التي كان يسكنها فرعون، وهي قرية على رأس فرسخين من مصر، وقال الضحاك: هي عين شمس57، في وقت غفلة أهلها، منتصف النهار وقت القيلولة، وقيل: ما بين المغرب والعشاء58.
«وسبب دخول المدينة في ذلك الوقت أن موسى كان يسمى ابن فرعون، وكان يركب في مراكب فرعون، ويلبس لباسه، فركب فرعون يومًا وكان موسى غائبًا، فلما جاء قيل له: إن فرعون قد ركب، فركب موسى في أثره، فأدركه المقيل بأرض مَنْف، فدخلها وليس في أطرافها أحد، وقيل: كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يسمعون منه، ويقتدون به، فلما عرف ما هو عليه من الحق، رأى فُراق فرعون وقومه، فخالفهم في دينه، حتى أنكروا ذلك منه، وخافوه، وخافهم، فكان لا يدخل قرية إلا خائفًا مستخفيًا على حين غفلة من أهلها»59.
فوجد فيها رجلين رجل من شيعته أي: من بني إسرائيل على دينه، ورجل آخر عدوه على غير دينه، يقال: إنه من القبط60، وكانوا في حالة صراع، فطلب الرجل الذي من شيعة موسى النصرة منه ضد عدوه القبطي، فضربه موسى عليه السلام بكفه ضربة في صدره، فقتله، ولم يتعمد القتل، ثم ندم على قتله، وأرجع ذلك إلى وسوسة الشيطان.
قال القشيري: «فقد تمنى موسى أن لو دفعه عنه بأيسر مما دفعه، ولم ينسب القتل إلى الشيطان، ولكن دفعه عنه بالغلظة نسبه إلى الشيطان بأن حمله على تلك الحدة»61.
وإنما جعل قتل الكافر من عمل الشيطان، وسماه ظلمًا لنفسه واستغفر منه؛ لأنه قتله قبل أن يؤذن له في القتل، فكان ذنبًا يستغفر منه، وعن ابن جريج أنه قال: ليس لنبي أن يقتل ما لم يؤمر62، ثم تاب موسى عليه السلام عما جرى على يده، واستغفر ربه، وأخبره الله عز وجل أنه غفر له.
وبعد بيان دور الشيطان في قتل الغلام على يد موسى عليه السلام يتأكد لنا عداوة الشيطان للإنسان بشكل عام، وخاصة الأنبياء؛ لأنهم أصحاب رسالة، فهم ألد أعداء الشياطين، فكلما اقترب العبد من ربه، ابتعد عن الشيطان، وبالتالي زادت العداوة بينهما، والأنبياء هم أقرب الناس مكانة من الله حيث العصمة، والمعجزة، والتأييد، والنصرة.
وقد بين الله تعالى أنه ما من نبي على مر الزمان بعثه الله إلا وكان له من الشياطين زمرة تناصبه العداء، وتمشي في طريق حربه والكيد له، شياطين من الجن، وشياطين من الإنس، يعملون سويًا على محاربة الحق.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأنعام:١١٢].
خامسًا: موقف الشيطان من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:
تبين لنا مما سبق موقف الشيطان من هؤلاء الأنبياء، فالشيطان أشد عداوة للأنبياء والرسل؛ لأنهم هم خاصة الله من خلقه، فهم حملة رسالة من الله عز وجل؛ ولقد كان للشيطان موقفه العدائي من الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة.
قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الأنفال:٣٠].
فقد نزلت هذه الآية في شأن اجتماع قريش في دار الندوة، جاء في كتب التفسير أن نفرًا من قريش ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة، واعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال: شيخ من أهل نجد، سمعت بما اجتمعتم له، فأردت أن أحضر وأنصحكم، فسمحوا له بالدخول، فدخل معهم فقال: انظروا في شأن هذا الرجل، فوالله ليوشكن أن يواتيكم في أمركم بأمره، فقال أحدهم: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك، كما هلك من كان قبله من الشعراء، فقال عدو الله الشيخ النجدي: لا، والله ما هذا لكم برأي، فانظروا في غير هذا الرأي، فقال قائل: فأخرجوه من بين أظهركم فاستريحوا منه، فإنه إذا خرج لم يضركم ما صنع وأين وقع.
فقال الشيخ النجدي: لا، والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حلاوة قوله وطلاقة لسانه وأخذه القلوب بما تستمع من حديثه.
قالوا: صدق والله، فانظروا رأيًا غير هذا، فقال أبو جهل: والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره، قالوا: وما هذا؟
قال: تأخذوا من كل قبيلة غلامًا وسطًا شابًا مهدًا، ثم يعطى كل غلام منهم سيفًا صارمًا، ثم يضربوه ضربة رجل واحد، فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل كلها، فلا أظن بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلها.
فقال الشيخ النجدي: هذا والله هو الرأي القول، لا أرى غيره، فتفرقوا على ذلك وهم مجتمعون له، فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه، وأخبره بمكر القوم، فلم يبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته تلك الليلة، وأذن الله له عند ذلك في الخروج، وأمرهم بالهجرة63.
فهذه الراوية تبين عِظم عداوة الشيطان -لعنه الله- للرسول صلى الله عليه وسلم.
ولقد قرر الله عز وجل في كتابه العزيز أن الشيطان له دور إغواء الرسل.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الحج:٥٢].
أي: إلا إذا تمنى زور في نفسه ما يهواه، ألقى الشيطان في أمنيته ما يوجب اشتغاله بالدنيا، فيبطله ويذهب به بعصمته عن الركون إليه والإرشاد إلى ما يوسوس، ثم يثبت الله آياته الداعية إلى الاستغراق في أمر الآخرة، والله عليم بأحوال الناس، حكيم فيما يفعله بهم64، أما ما جاء في سبب نزول الآية من حديث الغرانيق فهو مردود عند المفسرين.
ولم يمل الشيطان من محاولة الوسوسة للرسول، وإشغاله عن طاعة ربه، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إِنَ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِ جَعَلَ يَفْتِكُ عَلَيَ الْبَارِحَةَ، لِيَقْطَعَ عَلَيَ الصَلَاةَ، وَإِنَ اللهَ أَمْكَنَنِي مِنْهُ فَذَعَتُهُ، فَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى جَنْبِ سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَى تُصْبِحُوا تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ أَجْمَعُونَ -أَوْ كُلُكُمْ- ثُمَ ذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [ص: ٣٥]. فَرَدَهُ اللهُ خَاسِئًا)65.
حدثنا القرآن الكريم عن عداوة الشيطان وعن وسائله في ذلك، وهذا ما سنبينه فيما يأتي:
أولًا: عداوة الشيطان للإنسان:
إن عداوة الشيطان للإنسان قديمة قدم الإنسان، منذ خَلْق آدم عليه السلام وحتى يومنا هذا، وإلى قيام الساعة، مصداقًا لقوله تبارك وتعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ٣٦].
فالشيطان هو أكبر وأخطر عدو لبني آدم في هذه الحياة؛ لأنه منبع الشرور، والآثام، وهو القائد إلى الهلاك والخسران الدنيوي والأخروي، يدعو الناس إلى الكفر والشرك، وترك التوحيد، ويزين لهم البدع، ويسول لهم بالعصيان وترك أوامر الرحمن.
ولقد أكد الله عز وجل لنا عداوة الشيطان، وأمرنا أن نتخذه عدوًا، وبين لنا هدفه، فقال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [فاطر: ٦].
فالشيطان عدو لكم ظاهر العداوة، فعل بأبيكم ما فعل، وأنتم تعاملونه معاملة الحبيب، فاتخذوه عدوًا أي: فعادوه، في عقائدكم، وعباداتكم، وفي كل أحوالكم66.
وقوله تبارك و تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) أي: اتخذوا يا بني آدم الشيطان عدوًا لكم؛ لأنه لا يدعو أتباعه إلى خير أبدًا، وإنما يدعوهم إلى الأعمال الفاسدة التي تجعلهم يوم القيامة من أهل النار67.
فالله عز وجل أخبرنا أن الشيطان لنا عدو مبين، وقص علينا ما فعل بأبينا آدم عليه السلام.
إن الشيطان أظهر لنا عداوته بكل جرأة ووقاحة، واستكبار أمام الله عز وجل، فأبى السجود لآدم عليه السلام، وعصى أمر ربه، وأغوى آدم وحواء حتى أكلا من الشجرة التي نهاهما الله من الاقتراب منها، فأخرجهما من النعيم الذي كانا فيه، وتعهد بإغواء آدم وذريته، (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأعراف: ١٦].
(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [الحجر: ٣٩].
(ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء: ١١٨].
(ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء: ٦٠].
فإبليس طلب من الله عز وجل أن يٌنْظِره إلى يوم القيامة حتى يضل بني آدم، ويجعل مصيرهم إلى جهنم وبئس المصير، كما جاء في قوله تعالى على لسان إبليس: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [الحجر: ٣٦-٣٩].
يقول سيد قطب في ظلال القرآن مبينًا سبب تحذير الله عز وجل من الشيطان عند تفسيره لقوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة: ١٦٨]: «وهنا يبيح الله للناس جميعًا أن يأكلوا مما رزقهم في الأرض حلالًا طيبًا -إلا ما شرع لهم حرمته وهو مبيَن فيما بعد- وأن يتلقوا منه هو الأمر في الحِل والحُرمة، وألا يتبعوا الشيطان في شيء من هذا، لأنه عدوهم، ومِن ثم فهو لا يأمرهم بخير، وإنما يأمرهم بالسوء من التصور والفعل، ويأمرهم بأن يحللوا ويحرموا من عند أنفسهم، دون أمر من الله، مع الزعم بأن هذا الذي يقولون هو شريعة الله، والمطلوب هو أن يتلقى الناس ما يحل لهم وما يحرم من الجهة التي ترزقهم هذا الرزق، لا من إيحاء الشيطان الذي لا يوحي بخير؛ لأنه عدوٌ للناس بيِن العداوة، لا يأمرهم إلا بالسوء والفحشاء، والتجديف على الله والافتراء عليه دون تثبت ولا يقين»68.
ويعاتب الله عز وجل كل من يتبع وساوسه، ويكون من أتباعه وأوليائه، فيقول جل جلاله: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الكهف: ٥٠].
«وقال بعض العلماء: وتحت هذا الخطاب نوع لطيف من العتاب كأنه يقول: إنما عاديت إبليس من أجل أبيكم ومن أجلكم، فكيف يحسن بكم أن توالوه؟ بل اللائق بكم أن تعادوه وتخالفوه ولا تطاوعوه»69.
وقال عز وجل موبخًا من اتخذه وليًا من دونه تبارك وتعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ) أي: الواضعين للشيء في غير موضعه، وذلك بتركهم طاعة الله عز وجل، وأخذهم مقابل ذلك طاعة إبليس وذريته70.
فالشيطان مجبول على عداوة بني آدم، قال ابن عاشور: «وتلك عداوة مودعة في جبلته، كعداوة الكلب للهِر؛ لأن جبلة الشيطان موكولة بإيقاع الناس في الفساد وأسوأ العواقب في قوالب محسَنة مزينة، وشواهد ذلك تظهر للإنسان في نفسه وفي الحوادث حيثما عثر عليها، وقد قال تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأعراف: ٢٧]»71.
لذلك كله ينادي الله عز وجل عباده، وينهاهم عن الافتتان بفتنة الشيطان، فيقول تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأعراف: ٢٧].
وينهاهم عن الاستجابة لصد الشيطان، قال تبارك وتعالى: (ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الزخرف: ٦٢].
والصد هو العدول عن طاعة الله عز وجل فيما أمرنا به، أو نهانا عنه، إن الشيطان لكم عدو يدعوكم إلى ما فيه هلاككم، ويصدكم عن قصد السبيل، ليوردكم المهالك، مُبِين قد أبان لكم عداوته، بامتناعه من السجود لأبيكم آدم، وإدلائه بالغرور حتى أخرجه من الجنة72.
وسيلوم الله عز وجل المجرمين يوم القيامة على طاعتهم للشيطان، كما جاء في قوله عز وجل (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [يس: ٦٠].
فهذا العهد جاء على ألسنة الرسل، أو الذي جاء في قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ١٧٢].
فقد أوصاهم الله عز وجل بعدم طاعة الشيطان فيما يُوسوس به إليهم، ويُزيِنه لهم، فكان العهد بعدم طاعة الشيطان، وطاعة الله عز وجل، وفيه إشارة إلى جنايتهم على أنفسهم بعد النصح التام، فلا حجة بعد الإعذار، ولا ظلم بعد التذكير والإنذار73.
قال الألوسي في تفسير الآية الكريمة: «والمراد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم، عبر عنها بالعبادة لزيادة التحذير والتنفير عنها، ولوقوعها في مقابلة عبادته عز وجل، وجوز أن يراد بها عبادة غير الله تعالى من الآلهة الباطلة، وإضافتها إلى الشيطان؛ لأنه الآمر بها والمزين لها»74.
ثانيًا: وسائل الشيطان في عداوته للإنسان:
لقد بلغ الشيطان -عليه لعنة الله- مراده من أكثر الخلق، فاتَبعه الأكثرون، وتركوا ما جاء به الرسل من دين الله الذي رضيه لهم، وتلطف الشيطان في السيطرة على الخلق، واتبع الأساليب المتنوعة في الحيل، والمكر، والخديعة، لبلوغ مراده، وأدخل الناس في الشرك بعدما زيَن لهم أن مَنْ أقر لله وحده بالملك، والتدبير، والخلق فهو المسلم، ولو دعا غير الله ولاذَ بِحِماه.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النمل: ٢٤].
فقد تعددت وسائل الشيطان وأساليبه في تحقيق أهدافه بدافع العداوة والكراهية للإنسان، وتمثلت أهم وسائل الشيطان في عداوته لبني آدم بما يأتي:
١. التضليل.
إن من أهم الوسائل التي ينتهجها الشيطان لعنه الله لإغواء بني آدم هو التضليل، قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [النساء: ١١٧-١١٩].
والإضلال الصرف عن طريق الهداية إلى طريق الغواية، والمراد به التزيين والوسوسة، بإلقاء الوسوسة في قلوب العباد، وتزيين الشهوات عندهم75.
والإضلال الذي ينتهجه الشيطان على مراتب، أعلاها: الوصول بالإنسان إلى الكفر بالخالق عز وجل، وهو أخطر أنواع الإضلال، المؤدي إلى الخلود في جهنم والعياذ بالله.
قال جل جلاله: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء: ٤٨].
فإذا يئس الشيطان من عدم وقوع الإنسان في المرتبة الأولى لجأ إلى إيقاعه في الكبائر والفواحش، فإذا لم يجد سبيلًا إلى ذلك، فنراه يزيِن ويسهل للإنسان طريق الصغائر، والَلمم، ويُلبُسها لباسًا يبديها له في منظر المباحات، فإذا لم يستطع فيوقع الإنسان في البدع والضلالات، والتي تعتبر سببًا في حبوط الأعمال، وعدم قبولها، قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد)76.
ومن ثم يسلك الشيطان طريقًا أخرى، فإذا فشل في ذلك، فيدخل للمسلم من باب العبادة، فيشغله بالعبادة المفضولة عن الفاضلة، فهذا كله من مداخل الشيطان التي يجب على المسلم أن يحذر منها.
٢. التغرير بالأماني.
إن من مكائد الشيطان التي يستخدمها لإغواء المؤمن التغرير بطول الأمل، والحياة الدنيا، وتحسين الحرص عليها.
قال سبحانه وتعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النساء:١١٩-١٢٠].
قوله: (ﮱ)، وهو إلقاء الأماني الباطلة في القلب، بطول البقاء في الدنيا ونعيمها ليؤثروها على الآخرة، أو بإدراك الجنة بالمعاصي، أو بتسويف التوبة وتأخيرها77.
«وطلب الأماني يورث أمرين: الحرص والأمل، والحرص والأمل يستلزمان أكثر الأخلاق الذميمة، وهما كالأمرين اللازمين لجوهر الإنسان، قال صلى الله عليه وسلم: (يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ، وَيَشِبُ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ)78.
والحرص يستلزم ركوب أهوال الدنيا وأهوال الدين، فإنه إذا اشتد حرصه على الشيء فقد لا يقدر على تحصيله إلا بمعصية الله وإيذاء الخلق، وإذا طال أمله نسي الآخرة، وصار غريقًا في الدنيا، فلا يكاد يقدم على التوبة، ولا يكاد يؤثر فيه الوعظ، فيصير قلبه كالحجارة أو أشد قسوة»79.
وحذر سبحانه بعد ما بيَن سبل الشيطان من اتخاذه وليًا من دون الله، وذلك باتباع أوامره، وترك أوامر الرحمن، فمن فعل ذلك فقد خسر خسرانًا مبينًا؛ لأن طاعة الله تفيد المنافع الدائمة الخالصة عن شوائب الضرر، وطاعة الشيطان تفيد المنافع المنقطعة المشوبة بالغموم والأحزان والآلام الغالبة، والجمع بينهما محال عقلًا، فمن رغب في ولايته فقد فاته أشرف المطالب وأجلها بسبب أخس المطالب وأدونها، فهذا هو الخسار المطلق80.
وختم بقوله (ﯨ ﯩ)، فالشيطان يعدهم أباطيله بطول العمر، وبأنه لا قيامة ولا بعث ولا جزاء، فاجتهدوا في استيفاء اللذات الدنيوية، ويوهمهم الفقر حتى لا ينفقوا في الخير81.
ثم ينطق مُصَدِر التغرير بالأماني وهو الشيطان بعد أن يحكم الله بين العباد، وقد أنطقه الله بذلك لإعلان الحق، وبأن لهم كسبًا في اختيار الانصياع إلى دعوة الضلال، دون دعوة الحق، كما يروي لنا القرآن في قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [إبراهيم: ٢٢].
٣. التزيين.
والتزيين الذي يعمد إليه الشيطان لإغواء البشر نوعان:
النوع الأول: تزيين القبيح.
فمن مكائد الشيطان لإغواء الإنسان أنه يورده الموارد التي يخيِل إليه أن فيها منفعته، ثم يُصْدِرهُ المصادر التي فيها عَطَبه، ويتخلى عنه، ويُسْلمه، ويقف يشمت به، ويضحك منه، فيأمره بالسرقة، والزنا، والقتل، وأنواع الفواحش، ويزينها، ويحسِن له معودتها، ويخفي له عواقبها، ثم في النهاية يفر منه، ويبتعد عنه.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الأنفال: ٤٨]82.
قال ابن القيم: «ومن مكايده: أنه يأمرك أن تلقى المساكين وذوى الحاجات بوجه عبوس، ولا تريهم بِشرًا ولا طلاقة، فيطمعوا فيك، ويتجرؤوا عليك، وتسقط هيبتك من قلوبهم، فيحرمك صالح أدعيتهم، وميل قلوبهم إليك، ومحبتهم لك فيأمرك بسوء الخلق، ومنع البِشر والطلاقة مع هؤلاء، وبحسن الخلق والبشر مع أولئك، ليفتح لك باب الشر، ويغلق عنك باب الخير»83.
وقد توعد إبليس -لعنه الله- بإغواء بني آدم من خلال التزيين، قال سبحانه وتعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [الحجر: ٣٩].
ومن التزيين الذي وعد به إبليس النظر المسموم، وهو من أخطر الأسلحة التي يستخدمها إبليس، المؤدية إلى وأعظم فتنة النساء، قال صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)84.
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تَمْعَسُ مَنِيئَةً لها، فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه فقال: (إِنَ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنَ ذَلِكَ يَرُدُ مَا فِي نَفْسِهِ)85.
فكل ما يقع من بني آدم من الكفر والقتل والعداوة والبغضاء، وانتشار الفواحش والزنا، وتبرج النساء، وشرب الخمور، وعبادة الأصنام، واقتراف الكبائر، فذلك كله يزينه الشيطان للإنسان؛ ليصد عن سبيل الله، ويفسد الناس، ويجرهم معه إلى نار جهنم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩٠-٩١].
النوع الثاني: تقبيح الحسن.
إن من باب تقبيح الشيطان للحسن أن الشيطان يعمد إلى صرف الإنسان عن المأمور به من فرائض وواجبات، فإن فشل فيعمد إلى صرفه عن النوافل والمستحبات، وأهم ما يحرص على فعله هو تفويت الصلاة على المسلم.
وفي ذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يَعْقِدُ الشَيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلاَثَ عُقَدٍ، بِكُلِ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا، فَارْقُدْ فَارْقُدْ، وَقَالَ مَرَةً: يَضْرِبُ عَلَيْهِ بِكُلِ عُقْدَةٍ لَيْلًا طَوِيلًا، قَالَ: وَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ عز وجل انْحَلَتْ عُقْدَةٌ، فَإِذَا تَوَضَأَ انْحَلَتْ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَى انْحَلَتِ الْعُقَدُ، وَأَصْبَحَ طَيِبَ النَفْسِ نَشِيطًا، وَإِلاَ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَفْسِ كَسْلاَن)86.
فالشيطان يحاول أن يصرف المؤمن عن الصلاة وهو نائم، فيزين له الراحة، ويلهي الإنسان المستيقظ عن الصلاة، بحجة الربح والتجارة، ويخوفه من الفقر، والخسارة.
ويؤيده قوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة: ٢٦٨].
«فالشيطان يخوف الرجل أولًا بالفقر، ثم يتوصل بهذا التخويف إلى أن يأمره بالفحشاء، وهي البخل، وذلك لأن البخيل على صفة مذمومة عند كل أحد، فلا يستطيع الشيطان أن يحسِن له البخل إلا بتلك المقدمة، وهي التخويف من الفقر» 87.
ومن كيد عدو الله تعالى: أنه يخوِف المؤمنين من جنده وأوليائه، فلا يجاهدونهم ولا يأمرونهم بالمعروف، ولا ينهونهم عن المنكر، وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان.
وقد أخبرنا الله سبحانه عنه بهذا فقال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)[آل عمران: ١٧٥]88.
٤. الإنساء.
إن الشيطان يعمل دومًا لإيقاع أعدائه، وبُعدهم عما أمرهم الله به، عله يُفَوِتُ عليهم خيرًا أراده الله لهم، أو يوقعهم في شَرٍ كرهه الله لهم، فالنسيان المذموم يكون من الشيطان بالتسويف والتأجيل، وإلهاء العبد، وإشغاله عن الطاعة والعبادة.
قال تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [المجادلة: ١٩].
«وعلامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره من المآكل والمشارب والملابس، ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمائه والقيام بشكرها، ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب والغيبة والبهتان، ويشغل لبه عن التفكر والمراقبة بتدبير الدنيا وجمعها»89.
وقد وقع كثير من الناس في هذه الخطوة الشيطانية، فأحبوا الدنيا وعملوا لها، وتركوا في المقابل العمل لآخرتهم، وقد بين الحق سبحانه أن هذا التسويف والإملاء هو من فعل الشيطان.
قال عز وجل (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [محمد: ٢٥].
«فذلك الشيطان يمليهم ويقول لهم: في آجالكم فسحة، فتمتعوا برياستكم ثم في آخر الأمر تؤمنون»90، (ﮨ ﮩ) أي: ومد لهم الشيطان في الأماني والآمال91.
فيجب على الإنسان أن يحذر كل الحذر من هذه الوسيلة التي قد تنطلي على الكثير من الناس، وأن يكون دائم التيقظ، ولا ينزلق وراء مُلهيات الدنيا التي تؤدي إلى الخسران المبين.
٥. النزغ والمس.
إن الشيطان قد يتسلط على الإنسان، فيُثير غضبه، وهذا من أوجه عداوته للإنسان.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأعراف: ٢٠٠].
ونزغ بينهم نزغًا: أغرى، والنزغ: الكلام الذي يغري بين الناس، ونزغ الشيطان: وساوسه ونخسه في القلب بما يسول للإنسان من المعاصي، يعني: يلقي في قلبه ما يفسده على أصحابه92.
وقد وضَح الإمام الطبري المراد بالنزغ فقال: «وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدُك عن الإعراض عن الجاهلين، ويحملك على مجاراتهم، فاستعذ بالله، يقول: فاستجر بالله من نزغه» 93.
وقد بينا عند حديثنا عن موقف الشيطان من نبي الله يوسف عليه السلام، كيف كان للشيطان دور في إثارة البغضاء بين الأخوة من خلال النزغ.
أما مس الشيطان للإنسان فنوعان: مس نفسي، ومس جسدي، أما المس النفسي فهو كما حدث مع نبي الله أيوب عليه السلام، حتى دعا ربه: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [ص: ٤١].
وقد تحدثنا عن ذلك في موضعه، أما المس الجسدي فهو ثابت في كتابه العزيز، فمن أوجه عداوة الشيطان للإنسان أن يعمد إلى التسلط على جسد الإنسان، وهو المس.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [البقرة: ٢٧٥].
أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له؛ وذلك أنه يقوم قيامًا منكرًا94.
وقد فصل الرازي معنى التخبط وعلاقته بالمس، حيث يقول: «التخبط معناه: الضرب على غير استواء، ويقال للرجل الذي يتصرف في أمر، ولا يهتدي فيه: إنه يخبِط خبط عشواء، وتخبَطه الشيطان: إذا مسه بخبل أو جنون؛ لأنه كالضرب على غير استواء، وتسمى إصابة الشيطان بالخبل والجنون خبطة، ويقال: به خبطة من جنون، والمس: الجنون، يقال: مُسَ الرجل فهو ممسوس أي: به مَس، وأصله من المس باليد، كأن الشيطان يمَس الإنسان فيجنُه، ثم سمي الجنون مسًا، كما أن الشيطان يتخبطه ويطؤه برجله فيخبله، فسمي الجنون خبطة، فالتخبط بالرِجلِ والمسُ باليد»95.
أشار القرآن الكريم إلى مجموعة من الوسائل التي إن فعلها العبد حُفِظَ من الشيطان بإذن الله تعالى، وسنبين هذه الوسائل فيما يأتي:
أولًا: اللجوء إلى الله بالاستعاذة والدعاء:
إن من حكمة الله عز وجل دائمًا ألا يبين لنا الداء إلا ومعه الدواء، حتى تقوم الحجة على العباد، فلا يأتيه آت يوم التناد فيقول: ما أتانا من نذير.
وقد بين سبحانه وتعالى في كتابه العزيز طرق النجاة من الشيطان، فالله عز وجل لا يؤخر لنا بيان الوسيلة للنجاة من وساوس الشيطان، ومن أهم هذه الوسائل للوقاية من الشيطان ووسوسته اللجوء إلى الله عز وجل بالاستعاذة والدعاء بأن يحصنه من هذا الخطر العظيم.
والاستعاذة هي اللجوء والاستجارة بالله عز وجل، كما قال الطبري: «أستجيرُ بالله دون غيره من سائر خلقه من الشيطان أن يضرَني في ديني، أو يصدَني عن حق يلزَمُني لرَبي»96.
وقد ربط المولى عز وجل الاستعاذة بالوسواس الخناس، فأينما وجد الإنسان وسوسته لجأ إلى الله عز وجل بذكره والتحصن به، فالشيطان والرحمن لا يجتمعان في نفس الإنسان، كما بينت ذلك سورة الناس التي تسمى هي والفلق بالمعوذتين.
وقد جاءت «مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن لهم الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشِط إرادتهم لفعله، ويقبِح لهم الخير ويثبِطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس، أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه، فينبغي له أن يستعين و يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم»97.
وقد جاء الأمر بالاستعاذة واللجوء إلى الله عز وجل كلما نزغ الشيطان الإنسان بوسوسته.
قال سبحانه وتعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأعراف: ٢٠٠].
وكذا في سورة فصلت: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [فصلت: ٣٦].
والمراد بالنزغ الوسوسة التي تحملك على خلاف ما أمرت به كَاعْتِراء غضب، ومقابلة سفيه، حينها استعذْ بالله والتجئْ إليه، إنه سميع عليم يسمع استعاذتك، ويعلم ما فيه صلاح أمرك98.
فالاستعاذة عند تحريك النفس مشروعة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد)99.
وقال تعالى في موضع آخر: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الأعراف: ٢٠١].
يقول السعدي: «ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطًا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب الله عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر الله تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئًا حسيرًا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه»100.
فهذه الآيات جميعها جاءت بأسلوب الشرط «إما-إذا» والذي يفيد وجوب وقوع الجواب لوقوع الفعل، فمتى نزغ الشيطان الإنسان ووسوس إليه، يجب على الإنسان أن يلجأ إلى الله عز وجل، ويتحصن به؛ لتزول تلك الوساوس.
وجاءت آيات الذكر الحكيم لترشدنا إلى الاستمرار في اللجوء إلى الله عز وجل كلما أحس بالنزغ.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الفلق: ١].
وقال أيضًا: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الناس: ١].
ويقول سبحانه وتعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [آل عمر ان: ٣٦].
فالمتأمل لهذه الآيات -التي جاءت على صيغة المضارع- يجد أنها تفيد الاستمرارية في حدوث الفعل، وهو الاستعاذة، فالاستعاذة مطلوبة دومًا لطرد وساوس الشيطان، ومن خلال تتبع الآيات نجد أن الاستعاذة مشروعة في عدة مواطن منها:
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [النحل: ٩٨].
والاستعاذة قبل القراءة لنفي وساوس الشيطان عند القراءة.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأعراف: ٢٠٠].
يقول تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الأعراف: ٢٠١].
يقول تعالى على لسان مريم بنت عمران رضي الله عنها: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [آل عمران: ٣٦].
ثانيًا: مقاومة أسلحة الشيطان:
إن الشيطان للإنسان عدو مبين، وقد بيَن لنا المولى عز وجل عداوته في العديد من الآيات القرآنية.
ومنها قوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [فاطر: ٦].
لذلك وجب على الإنسان أن يجد ويجتهد في محاربته، والتصدي لأسلحته، ومقاومتها، وذلك من خلال عدة أمور بينها لنا القرآن الكريم، وهي:
فإذا أحس الإنسان في نفسه غفلة عن ذكر الله، فالشيطان يوسوس لابن آدم، فإذا ذكر الله عز وجل خنس وابتعد عنه. المبادرة إلى التوبة، فإذا وقع الإنسان في معصية أو ذنب تاب واستغفر، فهذا يغيظ الشيطان ويهدم عمله.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [آل عمران: ١٣٥].
فالشيطان يحرص أن يوقع الإنسان في المعصية، ومنها الكذب والإفك العظيم، وقد بين الحق سبحانه أن الشيطان ينجذب لهؤلاء الذين يتصفون بالإفك المبين والإثم الكبير، وأصحاب المعاصي؛ فيصبح لهم عونًا وسندًا.
يقول تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الشعراء: ٢٢١-٢٢٣].
والأفاك: هو الكذاب صاحب الإثم، والأثيم: الفاجر، يعني به: كهنة الكفار يلقون بآذانهم إلى السمع من السماء لكلام الملائكة، فيسمعون كلمة الحق فيزيدون عليها مائة كذبة، ثم يلقونها إلى أوليائهم من الإنس فيتحدثون بها، فيصدقهم الناس في كل ما قالوه، بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء101.
كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سأل أناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال: (إنهم ليسوا بشيء)، فقالوا: يا رسول الله، فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقًا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِ يَخْطَفُهَا (يَحْفَظُهَا) الْجِنِي،ُ فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِهِ كَقَرْقَرَةِ الدَجَاجَةِ (الزُجَاجَةِ) فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ) 102.
فإذا جاهد الإنسان نفسه، واستعان بالله على شيطانه، نصره الله عز وجل على شيطانه، وحماه من وساوسه.
قال المولى عز وجل: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [العنكبوت: ٦٩].
فمن الوسائل التي يلجأ إليها الشيطان رفقاء السوء، فهو سلاح ذو أهمية عظيمة، فالرفقاء لهم دور كبير في التأثير على الإنسان، وهذا ما يصوره لنا الحق سبحانه في مشهد واقعٍ لا محالة، تدور أحداثه يوم المحشر بين عبد بئيس وبين شيطان من شياطين الإنس -إن كان هذا العبد إنسيًا- أو الجن -إن كان هذا العبد جنيًا-.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الفرقان: ٢٧-٢٩ ].
وهذه الآيات نزلت في عقبة بن أبي مُعَيْط، وفلانًا الذي أضله عن الذكر هو «أمية ابن خلف أو أخوه أبي بن خلف»103.
وبناء على ذلك فكل ظالم أطاع خليله في الكفر حتى مات على ذلك يجري له مثل ما جرى لابن أبي معيط، فهذا هو الدور لأخلاء السوء الذين يصدون عن الطريق المستقيم، بوسوسة من الشيطان، وفي النهاية يتخلى عنه وتكون نهايته الخذلان، كما بين لنا القرآن الكريم في العديد من المواضع.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأعراف: ٢٠٢].
وقال أيضًا: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [فصلت: ٢٥].
وبعد استعراض الآيات التي تبين خطر رفيق السوء يجدر بنا التنبيه على هذا السلاح في زمن تتكاثر فيه الفتن، وينتشر أعداء الله في كل مكان، محاولين جذب الشاب المؤمن؛ ليخرجوا به عن جادة الطريق، في مقابل ضعف المؤمنين وتشتت قواهم، لذلك وجب علينا أن نتخير لأبنائنا الرفيق الحسن.
فإذا كان المسلم مع الجماعة المسلمة، كان أبعد من الشيطان، فإذا انفرد برأي أو موقف، كان فريسة لوساوس الشيطان.
كما جاء عن ابن عمر قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: يا أيها الناس، إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال: (أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَ الَذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَ الَذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَى يَحْلِفَ الرَجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَاكُمْ وَالفُرْقَةَ، فَإِنَ الشَيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ)104.
فسلاح الرفقة المؤمنة، واجتناب قرناء السوء، من أهم الأسلحة كي يكون المسلم حمًى لأهل الإيمان من براثن الأشرار، فالمرء بإخوانه يتقوَى، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، فنوصي هنا كل عبد مؤمن بالله، كافر بالشيطان أن لا ينأى بنفسه عن إخوانه، فيسيح في طرائق إخوان الشياطين، بل عليه أن يعتصب ويعتصم بهم، فالوَحدة قوة والتفرق ضعف.
ثالثًا: اتباع هدايات القرآن:
لقد أرشدنا القرآن الكريم إلى ما فيه سعادة الإنسان في الدنيا، ونجاته في الآخرة، والفوز بالجنة، والنجاة من النار.
فقد بين سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أن القرآن فيه هداية البشرية لما فيه الخير، قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الإسراء: ٩].
فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به إلى الطريق الصواب، وهو الإيمان بالله عز وجل وتوحيده، فالقرآن نور من استضاء بنوره، فخرج من جهله، وطرد وساوس الشيطان من نفسه105، فمن اتبع هدايات القرآن فقد وصل إلى الطريق الأكثر استقامة وسلامًا، ونعم بالأمن الإيماني، هذا في الدنيا، ولو كان وحده لكان كافيًا، لكنه تعالى يبشرنا بما هو أعظم منه، وهو النعيم في الآخرة.
وقد جاء الوعد من الله عز وجل بذلك في قوله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [البقرة: ٣٨].
وقال أيضًا: ويقول تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [النحل: ٩٧].
وفي المقابل قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [طه: ١٢٤ - ١٢٦].
قال الشعراوي: «فكما أن الحق تبارك وتعالى جمع لعباده الصالحين السائرين على منهجه خيري الدنيا والآخرة، ففي المقابل جمع لأعدائه المعرضين عن منهجه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، لا ظُلْمًا منه، فهو سبحانه مُنَزَه عن الظلم والجَوْر، بل عَدْلًا وقِسطًا بما نَسُوا آيات الله وانصرفوا عنها»106.
فهذا بيان من الحق سبحانه لطريقين لا ثالث لهما: إما طريق هدى الله، أو طريق إبليس الذي أخرج أبوي البشر من الجنة حيث لا شقاء ولا تعب ولا ضلال.
ويبين ابن كثير هذا الشقاء المذكور في الآية فيقول: «(ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) أي: خالف أمري وما أنزلت على رسولي، أُعرِضُ عنه وأتناساه، وله معيشةٌ ضنكٌ في الدنيا؛ فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيقٌ حرجٌ لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبه يتردد، فهذا من ضنك المعيشة»107.
رابعًا: عدم اتباع خطوات الشيطان:
بعد أن بين لنا المولى عز وجل العداوة الكائنة بين الشيطان وآدم وذريته، ووضح لنا الوسائل والطرق التي ينتهجها الشيطان في غواية بني آدم وذريته، والانتقام منهم، نهانا بعد ذلك عن اتباع خطوات الشيطان ومكائده التي توقع العباد في حباله.
وقد جاء هذا التعبير القرآني (ﭗ ﭘ) في العديد من الآيات التي تنهانا عن اتباع خطوات الشيطان.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النور: ٢١].
وقال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة: ١٦٨].
وقد تحدث أهل التفسير في معنى هذا التعبير القرآني، منهم الألوسي في تفسيره حيث قال: «(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) أي: آثاره كما حكي عن الخليل- أو أعماله- كما روي عن ابن عباس رضي الله عنه- أو خطاياه- كما نقل عن مجاهد- وحاصل المعنى: لا تعتقدوا به وتستنوا بسنته، فتحرموا الحلال وتحللوا الحرام»108.
وأما ابن عاشور فقد بين معنى خطوات الشيطان بقوله: «واتباع الخطوات استعارة تمثيلية، أصلها أن السائر إذا رأى آثار خطوات السائرين تبع ذلك المسلك علمًا منه بأنه ما سار فيه السائر قبله إلا لأنه موصل للمطلوب، فشبه المقتدي الذي لا دليل له سوى المقتدى به وهو يظن مسلكه موصلًا، بالذي يتبع خطوات السائرين»109.
وفصل القول في معنى اتباع الخطوات، وخلاصته: أن إتباع الخطوات يكون بالاقتداء، والاقتداء بالشيطان يكون بإرسال النفس على العمل بما يوسوسه لها من الخواطر الشريرة110.
إذن وبناء على ما سبق فالذي ينقاد لوساوس الشيطان وغوايته، والمنجرف في دروبه وأهوائه هو متبع له، كما أن خطوات الشيطان سلسلة مترابطة متداخلة، تبدأ بالوسوسة، فالتسويل، والتزيين بالتحسين تارة والتخويف تارة أخرى، ثم تتوالى الخطوات حتى يحصل الزلل، فيقع الإنسان في المعصية والعياذ بالله.
ومن خلال تتبع آيات الذكر الحكيم التي تنهى عن اتباع خطوات الشيطان، يمكننا استنباط الخطوات التي من يسلكها يكون قد سلك طريق الشيطان واتبع خطواته:
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة: ١٦٨].
«كأنه قيل لمن أبيح له الأكل على الوصف المذكور: احذر أن تتعداه إلى ما يدعوك إليه الشيطان، وزجر المكلف بهذا الكلام عن تخطي الحلال إلى الشبه، كما زجره عن تخطيه إلى الحرام؛ لأن الشيطان إنما يلقي إلى المرء ما يجري مجرى الشبهة، فيزين بذلك ما لا يحل له، فزجر الله تعالى عن ذلك، ثم بين العلة في هذا التحذير، وهو كونه عدوًا مبينًا أي: متظاهر بالعداوة»111.
وقال تعالى في سورة الأنعام: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنعام: ١٤٢].
قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الإسراء: ٢٧].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [النساء: ٣٨].
قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الحشر: ١٦].
فالكفر قد يصل إليه الإنسان وهو في غفلة من أمره، وقال تعالى في بيان خطوات الشيطان التي يزينها ليصل إلى مبتغاه: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النمل: ٢٤].
فعبادة الشمس من أصناف الكفر التي يزين لها الشيطان112.
وقال أيضًا: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [محمد: ٢٥].
فالشيطان يمليهم ويقول لهم: في آجالكم فسحة، فتمتعوا برياستكم، ثم في آخر الأمر تؤمنون113.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء: ٦٠].
فكل من حكم بغير شرع الله فهو طاغوت114، وكل من تحاكم للطاغوت فقد سار في خطوات الشيطان.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الحج: ٣].
فالمقصود أن هناك صنفًا من الناس يخاصم ويتكلم في دين الله بلا حجة ولا علم، -قيل: نزلت في النضر بن الحارث، وأصحابه- فيعمل بما يوسوس ويسول له الشيطان، ويجوز أن يكون المقصود شياطين الإنس، وهم رؤساء الكفار الذين يدعون من دونهم إلى الكفر، بوسوسة من إبليس لعنه الله، وقد يكون المراد إبليس وجنوده، وسمي بالمريد؛ لأنه تجرد من الخير للشر115.
فكل ما ورد يعدُ من خطوات الشيطان التي حذرنا ونهانا الله عز وجل من اتباعها، وبيَن لنا عاقبة السير وراء خطوات الشيطان في كل ما يوسوس به.
عاقبة الشيطان في الدنيا والآخرة
لقد خصَ الله تعالى إبليس أبا الشياطين بعقوبة دنيوية تختلف عن بقية الشياطين، إذ هو أصل كل شر ومبدؤه، فقد ضرب الله عليه اللعنة والغضب مُذْ رفض السجود لما خلق الله بيديه استكبارًا، إلى أن يلقى الله يوم القيامة مدحورًا فيدخل النار خالدًا فيها.
وهذا ما وضحته كثير من الآيات القرآنية في سياق الحديث عن إبليس وآدم.
فكانت عقوبته في الدنيا اللعن والطرد من الجنة، وقيل: من المنزلة التي كان فيها في الملأ الأعلى116.
وقد اتضح ذلك في قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الحجر: ٣٤-٣٥].
«قيل: إن أهل السموات يلعنون إبليس كما يلعنه أهل الأرض، فهو ملعون في السموات والأرض، فإن قلت: إن حرف «إلى» لانتهاء الغاية فهل ينقطع اللعن عنه يوم الدين الذي هو يوم القيامة؟ قلت: لا بل يزداد عذابًا إلى اللعنة التي عليه، كأنه قال تعالى: وإن عليك اللعنة فقط إلى يوم الدين، ثم تزداد معها بعد ذلك عذابًا دائمًا مستمرًا لا انقطاع له»117.
وهناك العديد من الآيات التي تثبت اللعنة على إبليس لعنه الله.
أما بقية شياطين الجن والإنس ومن تبعهم في الدنيا، فقد توعدهم الله بعواقب تصيبهم جرَاء جُرمهم، مع أن باب التوبة مفتوحٌ لهم أجمعين إلى أن تخرج أرواحهم من أجسادهم، ومن تلك العواقب، الشقاء وخسران الدنيا، أما الخسران الذي يجنيه الشيطان وأتباعه فيقرره تعالى في غير آية.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [النساء: ١١٩].
ويقول أيضًا: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [المجادلة: ١٩].
ويفسر البغوي هذا الخسران في الدنيا بأنه الذل حيث يقول: «أي: هم في جملة من يلحقهم الذل في الدنيا والآخرة»118.
أما جزاؤه في الآخرة فالخلود في النار وبئس المصير.
يقول تعالى مخاطبًا إبليس: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الأعراف: ١٨].
«فهذا قسم من الله جل ثناؤه أقسم أنه من اتبَع من بني آدم عدو الله إبليس وأطاعه وصدقه ظنه عليه، أن يملأ من جميعهم يعني: من كفرة بني آدم تُبَّاعِ إبليس، ومن إبليس وذريته جهنم»119.
وقد ورد هذا التحذير الرباني في غير موضع في كتابه تعالى، فمن ذلك: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الحجر: ٤٣].
وقد نفَر القرآن من اتِباع الشيطان مبينًا أن هذا الاتباع إنما يقود إلى خاتمة بئيسة.
يقول تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [لقمان: ٢١].
ويصور لنا الحق سبحانه مشهد دخول إبليس وأوليائه في جهنم، وندمهم إذ لا ينفع الندم.
يقول سبحانه وتعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الشعراء: ٩٤-١٠٢].
أي: طُرحوا في جهنم بعضهم على بعض، والغاوون: هم الآلهة والعابدون، وجنود إبليس: كل من كان من أتباعه من ذريته كان أو من ذرية آدم 120.
موضوعات ذات صلة: |
آدم عليه السلام، الاتباع، الاستكبار، الإنسان، الجن |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/١٨٤، لسان العرب، ابن منظور ١٣/٢٣٧.
2 انظر: العين، الفراهيدي ٦/٢٣٦.
3 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١١/٢١٣، الصحاح، الجوهري ٥/٢١٤٤.
4 انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/٨٦٧، تهذيب اللغة، الأزهري ١١/٢١٤.
5 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١١٥.
6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٣٨٢- ٣٨٣.
7 انظر: نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص٣٧٤، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي ٢/٢٧١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٠.
8 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٣٠٠، لسان العرب، ابن منظور ٦/٢٩.
9 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٢٨.
10 تهذيب اللغة، الأزهري ١٠/٢٦٥.
11 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٢٤٤.
12 الموسوعة العقدية، موقع الدرر السنية، ٨/٣٣٠.
13 الفروق اللغوية، العسكري ص ٣٠٧.
14 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٤١٢، لسان العرب، ابن منظور ١٥/٨.
15 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣١٢.
16 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٥/٧٨.
17 انظر: المصدر السابق ١/١٢٤.
18 انظر: جامع البيان ١/٥٠٨.
19 انظر: معالم التنزيل ١/١٠٤.
20 انظر: الكشاف ١/١٢٧.
21 انظر: المصدر السابق.
22 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢/٤٢٨.
23 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٤/٣٤٦.
24 انظر: معالم التنزيل، البغوي ١/١٠٤.
25 انظر: الدر المنثور، السيوطي ١/١٢٨.
26 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب في أحاديث متفرقة، ٤/٢٢٩٤، رقم ٢٩٩٦.
27 التفسير المنير ٨/١٧٠.
28 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده ٣/١١٩٣، رقم ٣٠٩٩.
29 انظر: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتنزيل ١/٢٣٧.
30 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٢١٠.
31 انظر: المصدر السابق ٢/٤٢٨.
32 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٢١٤.
33 انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ٢/٢١١.
34 انظر: الدر المنثور، السيوطي ١/١٣٠.
35 انظر: الدر المصون، السمين الحلبي ٥/٢٧٥، فتح القدير، الشوكاني ٢/١٩٤.
36 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٢١٧، لباب التأويل، الخازن ١/٣٨.
37 انظر: عداوة الشيطان للإنسان، الشعراوي ١/٢٧.
38 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٢١٨.
39 وقد جاء في القرآن الكريم أن يوسف رأى في منامه أحد عشر كوكبًا نزلت من السماء ومعها الشمس والقمر، فسجدوا له، وقال أهل التفسير أن النجوم في التأويل إخوته، وكانوا أحد عشر رجلًا، والشمس أبوه، والقمر أمه، وقيل: خالته؛ لأن أمه كانت قد توفيت.
انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٥١١.
40 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٥٥، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٩٥.
41 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٢٥٣، لباب التأويل، الخازن ٢/٥١٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢١٤.
42 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه ٣/٥٠، رقم ٢٠٣٨.
43 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٩٤، فتح القدير، الشوكاني ٣/٣٥، صفوة التفاسير، الصابوني ٢/٤٧.
44 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ١٢/٢٥٨.
45 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٣٥.
46 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٩١، الدر المصون، السمين الحلبي ٦/٥٠٠.
47 مفاتيح الغيب ١٨/٤٦٢.
48 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٠٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٢٠٨.
49 انظر: تفسير السمرقندي ٣/١٦٩، معالم التنزيل، البغوي ٤/٧٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٢٠٨، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٩٦.
50 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١٠/٦٢٥٦، المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٠٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٩٦.
51 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٩٧، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٩٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٢٠٩.
52 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٩٧.
53 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٩٧.
54 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٠٦.
55 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٢٠٩.
56 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٧٣.
57 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٨٤.
58 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٦٠١.
59 لباب التأويل، الخازن ٣/٣٥٩.
60 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٦٠١، الكشاف، الزمخشري ٣/٣٩٨.
61 لطائف الإشارات ٣/٥٧.
62 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٣٩٨، أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٧٣.
63 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٤/٥٢، فتح القدير، الشوكاني ٢/٣٤٧، التفسير الوسيط، الزحيلي ١/٧٩١.
64 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٧٥.
65 أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة، والتعوذ منه وجواز العمل القليل في الصلاة ١/٣٨٤، رقم ٥١٤.
66 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٣٢٣، البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٥١٨.
67 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١١/٣٢٤.
68 في ظلال القرآن ١/١٥٥.
69 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٣٤.
70 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٣/٢٧٩.
71 التحرير والتنوير ٢٢/٢٦٠.
72 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٦٣٣.
73 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٥٧٩.
74 روح المعاني ٢٣/٤٠.
75 انظر: التفسير المظهري، ٢/٢٣٨، فتح البيان القنوجي٣/٢٤٥.
76 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، ٣/١٨٤، رقم ٢٦٩٧.
77 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٩٨، لباب التأويل، الخازن ١/٣٢٨.
78 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الأمل والأجل، ٢/٧٢٤، رقم ١٠٤٧.
79 مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٢٣.
80 انظر: المصدر السابق ١١/٢٢٤.
81 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٣٩٥، مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٢٤، لباب التأويل، الخازن ١/٣٢٩.
82 انظر: إغاثة اللهفان، ابن القيم ١/١٠٨.
83 المصدر السابق ١/١٢٠.
84 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب ما يتقي من شؤم المرأة ٥/١٩٥٩، رقم ٤٨٠٨.
85 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه، إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها، ٢/١٠٢١، رفم ١٤٠٣.
تمعس أي: تدلك، والمنيئة: هي الجِلد أول ما يوضع في الدباغ.
86 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل الليل، ٢/٥٢، رقم ١١٤٢.
87 لباب التأويل، الخازن ١/٢٠٤.
88 انظر: إغاثة اللهفان، ابن القيم ١/١١١.
89 مدارك التنزيل، النسفي ٣/٤٥٢.
90 مفاتيح الغيب، الرازي ٨٢/٥٦.
91 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٥/٤٧.
92 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٨/٤٥٤.
93 جامع البيان ١٣/٣٣٢.
94 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٧٠٨.
95 مفاتيح الغيب ٧/٧٤.
96 جامع البيان ١/١١١.
97 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٣٧.
98 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٢/٢٩٧.
99 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، ٤/١٢٤، رقم ٣٢٨٢.
100 تيسير الكريم الرحمن ص٣١٣.
101 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٥٧٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٧٢.
102 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قراءة الفاجر والمنافق، ٦/٢٧٤٨، رقم ٧١٢٢.
103 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٦٢، أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٢٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٢٥.
104 أخرجه الترمذي، باب ما جاء في لزوم الجماعة ٤/٤٦٥، رقم ٢١٦٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٩٨، رقم ٢٥٤٦.
105 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٣٩٢، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٦/٤١٥١، لطائف الإشارات، القشيري ٢/٣٣٨.
106 تفسير الشعراوي ١٤/٨٣٩١.
107 تفسير القرآن العظيم ٥/٣٢٢.
108 روح المعاني ١/٤٣٦.
109 التحرير والتنوير ٢/١٠٣.
110 انظر: المصدر السابق.
111 مفاتيح الغيب، الرازي ٥/١٨٦.
112 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٢٨١.
113 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/٥٦.
114 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٨٤، تفسير المراغي ٥/٧٥.
115 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٤٤٩، المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٠٧، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٢٠٢.
116 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/١٠٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٣٤.
117 لباب التأويل، الخازن ٣/٥٦.
118 معالم التنزيل، البغوي ٥/٥٠.
119 جامع البيان، الطبري ١٢/٣٤٥.
120 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٣٢٨.