عناصر الموضوع
الشورى
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارسٍ: «الشين والواو والراء أصلان مطردان، والشورى مشتقة من مادة (شور) وشاوره واستشاره في الأمر مشاورة وشوارًا واستشارةً: طلب منه المشورة، أو طلب رأيه فيه، واشتار العسل، وشاره: اجتناه واستخرجه من خلاياه ومواضعه، وشار الفحل الناقة ونحوها: شمها لينظر أحائلٌ هي أم لاقحٌ. وهو مشتق من شور العسل، فكأن المستشير يأخذ الرأي من غيره، والشورى تدل على معنيين أصليين:
أحدهما: إبداء الشيء وإظهاره وعرضه.
والآخر: أخذ الشيء. والتشاور: استجماع الرأي، وهو تفاعل بين طرفين يفيد المشاركة.
الشورى هي الاسم من تشاور القوم واشتوروا، والشورى هي التشاور، والأمر الذي يتشاور فيه»1.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الراغب الأصفهاني: «المشاورة والمشورة: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض»2.
وعرفها ابن العربي المالكي بأنها: «عرض الأمر على الخيرة حتى يعلم المراد منه»3.
وعرفها الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق بأنها: «استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه؛ للتوصل إلى أقرب الأمور للحق»4.
وقال الدكتور إسماعيل البدوي: «استخراج الصواب بعد التعرف على آراء الآخرين وإجالة النظر فيها»5.
وردت مادة (شور) في القرآن الكريم (٣) مرات 6.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
فعل الأمر |
١ |
(ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [آل عمران:١٥٩] |
المصدر |
١ |
(ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة:٢٣٣] |
اسم المصدر |
١ |
(ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الشورى:٣٨] |
وجاءت الشورى في القرآن بمعناها اللغوي، وهو: طلب رأي الغير في الأمر 7.
الديمقراطية:
الديمقراطية لغة:
الديمقراطية (Democracy) كلمة مشتقة من لفظتين يونانيتين TheSans (الشعب) وTheSans (سلطة) ومعناها: الحكم الذي تكون فيه السلطة للشعب8.
الديمقراطية اصطلاحًا:
حق الشعب المطلق في أن يشرع لجميع الأمور العامة بأغلبية أصوات نوابه9.
الصلة بينها وبين الشورى:
إن الديمقراطية مذهب فكري بشري، ويلتقي مع الشورى في طلب المستشير الرأي من أهل الرأي، وإبداء الرأي وعرضه على من يطلبه في موضوع معين.
ويختلفان في أصل النشأة، وفي مجال العمل ونطاقه، فالشورى أصلها رباني، وهي مقيدة بعدم مخالفة المشروعية، وأما في الديمقراطية فإن سلطة المجلس النيابي مطلقة غير مقيدة إلا بإرادة الشعب، وأهل الشورى في الإسلام يشترط فيهم صفات وشروط لا تلقي لها الديمقراطية بالًا، ولا تعيرها اهتمامًا؛ لأن منطلقاتها غير منطلقات الإسلام في ذلك10.
الاستفتاء:
الاستفتاء لغة:
هو تصويت الشعب في مسألة من المسائل11.
الاستفتاء اصطلاحًا:
الاستفتاء هو عرض موضوع عام على الشعب؛ لأخذ رأيه فيه بالموافقة أو الرفض12.
واستخدمت كلمة الاستفتاء في البلاد العربية استخدامًا واسعًا، جعلها تشمل أيضًا عرض شخص واحد على الشعب؛ للموافقة على تنصيبه أو بقائه رئيسًا للدولة13.
الصلة بين الاستفتاء والشورى:
إن الشورى والاستفتاء يلتقيان في أنهما يتمثلان -بصفة عامة- في طلب الرأي من أهله في أمر من الأمور العامة.
ويختلفان في أمور ثلاثة:
أولها: من حيث أهل الرأي، فهم في الاستفتاء جميع الناخبين عادةً دون أي شرط، أما في الشورى فهم أهل الحل والعقد، أو أهل الشورى والاختيار بصفاتهم وشروطهم التي سيأتي الحديث عنها، فكأنهم الصفوة من الأمة.
ثانيهما: من حيث الموضوع، يشمل الاستفتاء أي موضوع عام يراد اتخاذ موقف بشأنه، أو قرار، أيًا كان موضوعه أو مجاله دون التقيد بأحكام سابقة أو قواعد لا يجوز المساس بها، أما الشورى فمجالها ونطاقها محدد فيما لا نص قاطع فيه، وفي الأمور المباحة والأمور التنظيمية.
وثالثها: من حيث حدود الرأي، فليس لصاحب الرأي في الاستفتاء عادة غير الموافقة أو الرفض دون مناقشة، وأما في الشورى فإن أهل الرأي لهم أن يبدوا آراءهم، وأن يناقشوا، وأن يبحثوا الموضوع بأكمله، ضمن القواعد والضوابط الشرعية14.
استطلاع الرأي:
استطلاع الرأي لغة:
هو بحثٌ لمعرفة اتجاهات الناس واعتقاداتهم وآرائهم15.
استطلاع الرأي اصطلاحًا:
دراسة يتم إجراؤها بشكل علمي، وتهدف إلى معرفة آراء المواطنين تجاه إحدى القضايا الهامة، أو أحد الأحداث المطروحة على الساحة16.
الصلة بين استطلاع الرأي والشورى:
يتفقان في أن كليهما استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض، ويختلفان في جوانب أخرى تتصل بأصل المبدأ، وبالأخلاقيات الناظمة له، والوسيلة التي يجري بها أيضًا.
تنوعت أساليب الحث على الشورى، ونتناولها فيما يأتي:
أولًا: صيغة الطلب:
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يشاور أصحابه رضوان الله عليهم، ففي أعقاب غزوة أحد، بعد أن أصيب المسلمون بما أصيبوا به، نزل الأمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما يطرأ عليهم من الشئون؛ ربطًا للقلوب وتقريرًا لما يجب أن يكون بين المؤمنين من حسن التضامن في سياسة الأمور، وتدبير الشئون، فقال سبحانه وتعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
قال شيخ المفسرين الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله: «إن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه ومكايد حربه؛ تألفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة التي يؤمن عليه معها فتنة الشيطان، وتعريفًا منه أمته مأتى الأمور التي تحزبهم من بعده ومطلبها؛ ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وسلم يفعله، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله كان يعرفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صواب ذلك، وأما أمته، فإنهم إذا تشاوروا مستنين بفعله في ذلك، على تصادقٍ وتأخٍ للحق17، وإرادة جميعهم للصواب، من غير ميلٍ إلى هوىً، ولا حيدٍ عن هدى، فالله مسددهم وموفقهم»18.
وقال ابن عطية الأندلسي رحمه الله: «أمر الله تعالى رسوله بهذه الأوامر التي هي بتدريج بليغ، وذلك أنه أمره بأن يعفو عليه السلام عنهم ما له في خاصته عليهم من تبعة وحقٍ، فإذا صاروا في هذه الدرجة، أمره أن يستغفر لهم فيما لله عليهم من تبعة، فإذا صاروا في هذه الدرجة كانوا أهلًا للاستشارة في الأمور، والشورى من قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجبٌ، هذا ما لا خلاف فيه»19.
وقال الشيح العلامة ابن سعدي رحمه الله: «(ﭭ ﭮ ﭯ) أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره»20.
ويرسم الأستاذ سيد قطب رحمه الله بقلمه البليغ صورةً لهذا الأمر ومقتضياته وبواعثه فيقول: «وبهذا النص الجازم: (ﭭ ﭮ ﭯ) يقرر الإسلام هذا المبدأ في نظام الحكم حتى ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يتولاه، وهو نصٌ قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكًا في أن الشورى مبدأ أساس، لا يقوم نظام الإسلام على أساسٍ سواه.
لقد جاء هذا النص عقب وقوع نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة! فقد كان من جرائها ظاهريًا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم! اختلفت الآراء؛ فرأت مجموعة أن يبقى المسلمون في المدينة محتمين بها، حتى إذا هاجمهم العدو قاتلوه على أفواه الأزقة، وتحمست مجموعة أخرى فرأت الخروج للقاء المشركين.
وكان من جراء هذا الاختلاف ذلك الخلل في وحدة الصف؛ إذ عاد عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش، والعدو على الأبواب -وهو حدث ضخم وخلل مخيف- كذلك بدا أن الخطة التي نفذت لم تكن -في ظاهرها- أسلم الخطط من الناحية العسكرية؛ إذ إنها كانت مخالفة «للسوابق في الدفاع عن المدينة» -كما قال عبد الله بن أبي- وقد اتبع المسلمون عكسها في غزوة الأحزاب التالية، فبقوا فعلًا في المدينة، وأقاموا الخندق، ولم يخرجوا للقاء العدو، منتفعين بالدرس الذي تلقوه في أحد! ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم من جراء الخروج.
فقد كان لديه الإرهاص من رؤياه الصادقة التي رآها، والتي يعرف مدى صدقها، وقد تأولها قتيلًا من أهل بيته، وقتلى من صحابته، وتأول المدينة درعًا حصينة، وكان من حقه أن يلغي ما استقر عليه الأمر نتيجةً للشورى، ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها من الآلام والخسائر والتضحيات؛ لأن إقرار المبدأ، وتعليم الجماعة، وتربية الأمة، أكبر من الخسائر الوقتية.
ولقد كان من حق القيادة النبوية أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة، أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف، وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة! ولكن الإسلام كان ينشيء أمة، ويربيها، ويعدها لقيادة البشرية، وكان الله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمم وإعدادها للقيادة الرشيدة، أن تربى بالشورى، وأن تدرب على حمل التبعة، وأن تخطئ -مهما يكن الخطأ جسيمًا وذا نتائج مريرة- لتعرف كيف تصحح خطأها؟ وكيف تحتمل تبعات رأيها وتصرفها؟ فهي لا تتعلم الصواب إلا إذا زاولت الخطأ، والخسائر لا تهم إذا كانت الحصيلة هي إنشاء الأمة المدربة المدركة المقدرة للتبعة»21.
ثانيًا: صيغة الخبر:
جعل الله تعالى الشورى صفةً لازمة للمؤمنين في كل أمر من أمورهم الخاصة والعامة، فقال في السورة التي أعلى الله فيها مكانة فخصها بهذا الاسم (الشورى) إعلاءً لمكانتها، ورفعةً لمنزلتها، فهي السورة الوحيدة التي قررت الشورى عنصرًا من عناصر الشخصية الإيمانية الحقة22: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الشورى: ٣٦ -٣٩].
ففي هذه الآيات الكريمة جاءت كلمة «الشورى» والأمر بها وصفًا للذين آمنوا، في سياق رسم صورة مشرقة وضيئة للمؤمنين الذين تحققوا بالإيمان، وهذه صفاتهم التي مدحهم الله تعالى بها؛ لأنها تشكل عناصر الشخصية المؤمنة، وهي: الإيمان بالله تعالى، والتوكل على الله تعالى، واجتناب كبائر الإثم والفواحش، والعفو والصفح عن الناس، والاستجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه تبارك وتعالى، وإقامة الصلاة بحدودها وأوقاتها، وهي التي جعلها الله تعالى عنوان الإسلام والفارقة بين الإيمان والكفر، والشورى في كل أمورهم وشئونهم، يتشاورون فيها بينهم فلا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه، والإنفاق في سبيل الله، ورأسه الزكاة المفروضة، والقوة أو العزة التي تجعلهم قادرين على الانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم، وإن كانوا مع هذا إذا قدروا عفوا23.
وقد جاءت صفة الشورى والتشاور في هذه الآيات الكريمة في جملة اسمية ضمن عدة صفات في جمل فعلية وصف بها رب العالمين عباده المؤمنين، فأفادت لزوم هذه الصفة لهم وثباتهم عليها24.
وفي هذا يقول شهاب الدين الألوسي رحمه الله: «وجيء بالجملة اسميةً مع أن المعطوف عليه جملة فعلية للدلالة على أن التشاور كان حالهم -أي: الأنصار25- المستمرة قبل الإسلام وبعده، وفي الآية مدحٌ للتشاور، لاسيما على القول بأن فيها الإخبار بالمصدر»26.
والجملة الاسمية تحمل من الدلالات ما لا تحمله الجملة الفعلية، ومن ذلك دلالة التأكيد مثلًا، وهي ما أشار إليه ابن الأثير في حديثه عن الخطاب بالجملة الفعلية والاسمية والفرق بينهما حيث يقول: «وإنما يعدل عن أحد الخطابين إلى الآخر لضربٍ من التأكيد والمبالغة»27.
ويظهر من شواهده التي ساقها أنه يقصد بدلالة التأكيد والمبالغة الجملة الاسمية وما فيها من مؤكدات28.
وفي هذا إشارة إلى الوجوب؛ لأن الله تعالى في كثير من المواضع يجعل الواجب من الواجبات في الأحكام، أو الركن من أركان الإيمان صفةً لازمةً للمؤمنين، ويمدح فاعل هذا الواجب والمتصف بتلك الصفة، ويعده بالفوز والفلاح، كما تقدم آنفًا29.
قال الإمام المفسر القرطبي رحمه الله: «فمدح الله المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين كانوا يمتثلون ذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الآراء المتعلقة بمصالح الحروب؛ وذلك في الآراء كثيرٌ، ولم يكن يشاورهم في الأحكام؛ لأنها منزلة من عند الله على جميع الأقسام من الفرض والندب والمكروه والمباح والحرام»30.
ثالثًا: اقتران الشورى بالصلاة والزكاة:
ومما يدل على مكانة الشورى وأهميتها اقترانها بصفاتٍ لازمة للمؤمنين، فمنها عبادات اعتقادية وقلبية، كالإيمان بالله تعالى والتوكل عليه، ومنها مباديء أخلاقية كاجتناب الكبائر من الذنوب والفواحش، وكالعفو عند الغضب، ومنها عباداتٌ ماليةٌ وبدنية، وهي من أركان الإسلام الواجبة، وقد توسطت الشورى هاتين العبادتين البدنية والمالية، فكانت واسطة العقد فيها.
ففي الآيات السابقة في سورة (الشورى) قال الله تبارك وتعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الشورى: ٣٦-٣٨].
وهذا يدل على أهميتها والحث عليها، فإذا كانت الصلاة لها أهميتها في الإسلام، وهي عبادة بدنية تالية لكلمة التوحيد، وإذا كانت الزكاة عبادة مالية لها مكانتها، فهي ركن أيضًا من أركان الإسلام وأحد مبانيه العظام، فالشورى -وقد توسطتهما- لها هذه المكانة والأهمية وهذا الوصف.
قال أبو بكر الرازي الجصاص رحمه الله: «قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ) يدل على جلالة موقع المشورة؛ لذكره لها مع الإيمان وإقامة الصلاة، ويدل على أنا مأمورون بها: قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الشورى: ٣٩].
يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل، ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله تعالى وإقامة الصلاة؟»31.
وهذه الدلالة تسمى اصطلاحًا: دلالة الاقتران32. وتعني: اجتماع شيئين أو أشياء في معنىً من المعاني، والمراد بها عند علماء أصول الفقه الذين يضعون قواعد استنباط الأحكام: أن يجمع الشارع بين شيئين في اللفظ فيشتركان في الحكم33.
والحكمة في مجيء الشورى بعد إقامة الصلاة وقبل إيتاء الزكاة تظهر في جملة أمور، نشير إلى أهمها:
أولًا: إن الصلاة أقوال وأفعال، والشورى كذلك أقوال تعقبها أفعال، أما الزكاة فهي أفعال خالصة، فناسب أن تقترن الشورى بالصلاة؛ لمشاكلتها في صورتها، وأن تتقدم من أجل هذا على الزكاة.
وثانيًا: إن الصلاة يؤديها المؤمن منفردًا أو في جماعة، وهو في حال انفراده يؤديها على الصورة التي يراها، من حيث الطول والقصر في أفعالها، قيامًا وركوعًا وسجودًا، أما في حال أدائها في جماعة فإنه ليس له هذا الخيار، بعد أن يأخذ مكانه في الجماعة، وينتظم في عقدها، فهو والجماعة من وراء الإمام، الذي يجب أن يلزموا متابعته في كل حركاته وسكناته، والشورى صورة مقاربة للصلاة من هذا الوجه.
وثالثًا: إن الصلاة فريضة عامة تجب على كل مسلم ومسلمة وجوب عين، وكذلك التشاور بين المسلمين أمر ملزم لهم جميعًا، وحق يؤديه كل مسلم ومسلمة للجماعة الإسلامية، وإنه ليس لأحد أن يحول بين المسلم وبين أخذ مكانه بين الجماعة الإسلامية، وإبداء الرأي الذي يراه، في أي أمر يعرض لهم، كما أنه ليس لأحد أن يحول بين المسلم وبين أن يأخذ مكانه في صلاة الجماعة بين الصفوف المنتظمة في الصلاة، ففي تنكير الشورى دليل على إطلاقها وعمومها، وأنها ليست شورى على صفة خاصة معروفة بأهلها، فكل مسلم ومسلمة أهل للشورى، كما هو أهل للصلاة في جماعة.
ورابعًا: إن الصلاة يجب أن يسبقها من المسلم قبل الدخول فيها إعداد لها؛ وذلك بالتطهر، والوضوء، وكذلك الشورى، يجب أن تسبقها طهارة النفس من الهوى، وخلوها من الدخل.
وخامسًا: إن للصلاة وقتًا، فإذا جاء وقتها أذن المؤذن بها، ودعا المسلمين إليها، وكذلك للشورى وقتها، فإذا حزب المسلمين أمرٌ تنادوا به، واجتمعوا له، وتشاوروا فيه.
ذلك هو بعض السر في قرن المشورة بإقامة الصلاة، ووراء ذلك أسرار وأسرار لا تنتهي.
أما وصلها بالزكاة من طرفها الآخر فإنه يشير كذلك إلى أمور، منها:
أولًا: إن القرآن الكريم لم يعبر في هذا المقام عن الزكاة بلفظ الزكاة، بل جاء بها في هذا النظم الكريم: (ﮡ ﮢ ﮣ) [الشورى: ٣٨].
فجعلها إنفاقًا من رزق، وهذا الرزق من الله سبحانه وتعالى، وكذلك الشورى هي إنفاق من رزق، هو مما وهب الله من عقل، ومما رزق أهل العقل من علم ومعرفة، وهذا يعنى أن إبداء الرأي من ذوى الرأي أمر واجب عليهم، وهو الزكاة المطلوبة منهم في هذا المقام، لما آتاهم الله من فضله من علم وحكمة وحسن تدبير.
وثانيًا: لم يقيد النص القرآني هنا الإنفاق بالشيء الذي ينفق منه من مال أو نحوه بل، جعله إنفاقًا مطلقًا، يشمل كل ما يرزقه الله الإنسان من خير، فسماه سبحانه رزقًا؛ ليشمل المال وغير المال، من رأي وعلم وفن، فلا يستبد المؤمن وحده برزق رزقه الله إياه، وفيه فضل وسعة لغيره من المسلمين.
وثالثًا: كذلك لم يقيد النص القرآني ما ينفق من هذا الرزق بحد محدود كالزكاة، بل جعله إنفاقًا مطلقًا؛ لأنه في مقام الشورى لا يكون الإنفاق بقدر محدود مما يملك الإنسان من علم ومما عنده من معرفة، بل إنه مطلوب منه في تلك الحال أن ينفق كل ما لديه، وأن يبذل كل ما عنده، غير ممسك بشيء من رأيه، أو محتجز شيئًا من جهده واجتهاده34.
رابعًا: صيغة التخيير ورفع الإثم أو الجناح:
ألمحنا في مفتتح هذه النقاط إلى أن القرآن الكريم تنوعت أساليبه وأدلته في بيان الأحكام الشرعية، ومستوى مشروعيتها، وكان منها نفي الجناح ونفي الإثم، وقد تكرر هذا في أكثر من موضع في الكتاب الكريم35.
وهذا الأسلوب نجده هنا في الشورى، حيث نفى الله تعالى عن الوالدين الجناح عند إرادة فصال المولود بعد مراضاة وبعد تشاور منهما في ذلك، أو تشاور مع غيرهما من أهل الخبرة في تحقق مصلحة الفصال للمولود أو عدمها، فقال الله سبحانه وتعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [البقرة: ٢٣٣].
وفي تفسير الآية الكريمة قال الإمام محيي السنة البغوي رحمه الله: «المطلقات اللاتي لهن أولاد من أزواجهن (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) أي: سنتين، وذكر الكمال للتأكيد؛ لأن العرب قد تسمي بعض الحول حولًا، وبعض الشهر شهرًا (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) أي: هذا منتهى الرضاعة، وليس فيها دون ذلك حدٌ محدود، وإنما هو على مقدار صلاح الصبي وما يعيش به (ﯗ ﯘ ﯙ) يعني: الأب (ﯚ) طعامهن (ﯛ) لباسهن (ﯜ) أي: على قدر الميسرة (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) أي: طاقتها (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) فينزع الولد منها إلى غيرها بعد أن رضيت بإرضاعه (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) أي: لا تلقيه المرأة إلى أبيه بعدما ألفها، تضاره بذلك.
وقيل: معناه: فتكره على إرضاعه إذا كرهت إرضاعه، وقبل الصبي من غيرها؛ لأن ذلك ليس بواجب عليها (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) أي: لا يضار الأب أم الصبي، فينزعه منها ويمنعها من إرضاعه.
(ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) اختلفوا في هذا الوارث، فقال قوم: هو وارث الصبي، وقال بعضهم: هو من كان ذا رحم محرم من ورثة المولود، وقيل: ليس المراد منه النفقة، بل معناه: وعلى الوارث ترك المضارة (ﯲ ﯳ) يعني: الوالدين (ﯴ) فطامًا قبل الحولين (ﯵ ﯶ ﯷ) أي: اتفاق الوالدين (ﯸ) أي: يشاورون أهل العلم به حتى يخبروا أن الفطام في ذلك الوقت لا يضر بالولد، والمشاورة استخراج الرأي (ﯹ ﯺ ﯻ) أي: لا حرج عليهما في الفطام قبل الحولين»36.
وهذا التشاور بين الوالد والوالدة بشأن الطفل عند إرادة الانفصال -على أحد الأقوال- أو عند غيرها، وهذه المشاورة لأهل العلم والخبرة لئلا يلحق الولد الضرر بالفطام؛ إذ يبعد أن يتفق هؤلاء جميعًا على الضرر بالطفل، هذه المشاورة أكدها علماء التفسير رحمهم الله، فقال أبو حيان الأندلسي رحمه الله: «ويحتمل في التشاور أن يكون أحدهما شاور الآخر، أو يكون أحدهما شاور غير الآخر لتجتمع الآراء على المصلحة في ذلك»37.
وقال السمين الحلبي رحمه الله: «ويحتمل أن يكون التشاور من أحدهما مع غير الآخر لتتفق الآراء منهما ومن غيرهما على المصلحة»38.
وقال الفخر الرازي رحمه الله: «دلت الآية على أن الفطام في أقل من حولين لا يجوز إلا عند رضا الوالدين وعند المشاورة مع أرباب التجارب؛ وذلك لأن الأم قد تمل من الرضاع فتحاول الفطام، والأب أيضًا قد يمل من إعطاء الأجرة على الإرضاع، فقد يحاول الفطام دفعًا لذلك، لكنهما قلما يتوافقان على الإضرار بالولد لغرض النفس، ثم بتقدير توافقهما اعتبر المشاورة مع غيرهما، وعند ذلك يبعد أن تحصل موافقة الكل على ما يكون فيه إضرار بالولد، فعند اتفاق الكل يدل على أن الفطام قبل الحولين لا يضره ألبته، فانظر إلى إحسان الله تعالى بهذا الطفل الصغير كم شرط في جواز إفطامه من الشرائط دفعًا للمضار عنه، ثم عند اجتماع كل هذه الشرائط لم يصرح بالإذن، بل قال: (ﯹ ﯺ ﯻ) وهذا يدل على أن الإنسان كلما كان أكثر ضعفًا كانت رحمة الله معه أكثر، وعنايته به أشد»39.
وأبان عن ذلك الإمام برهان الدين البقاعي رحمه الله فقال: «ولما بين أمد الرضاع وأمر النفقة صرح بما أفهمه الكلام من جواز الفطام قبل التمام، ولما بين ذلك نبه على أنه لا يجوز إلا مع المصلحة، فقال: (ﯵ ﯶ ﯷ) ثم بين أن الأمر خطر يحتاج إلى تمام النظر بقوله: (ﯸ) أي: إدارةٍ للكلام في ذلك ليستخرج الرأي الذي ينبغي أن يعمل به».
قال الحرالي: «فأفصح بإشعار ما في قوله: (ﯓ ﯔ) وأن الكفاية قد تقع بدون الحولين، فجعل ذلك لا يكون بريًا من المضارة إلا باجتماع إرادتهما وتراضيهما وتشاورهما لمن له تبصرةٌ؛ لئلا تجتمعا على نقص الرأي (ﯹ ﯺ ﯻ) فيما نقصاه عن الحولين؛ لأنهما غير متهمين في أمره، واجتماع رأيهما فيه، ورأي من يستشيرانه قلما يخطئ».
وقال الحرالي: «فيه إشعار بأنها ثلاث رتب: رتبة تمامٍ فيها الخير والبركة، ورتبة كفايةٍ فيها رفع الجناح، وحالة مضارة فيها الجناح» انتهى. وقد أفهم تمام هذه العناية أن الإنسان كلما كان أضعف كانت رحمة الله له أكثر، وعنايته به أشد»40.
وهذا المجال من مجالات الشورى، وهذا المستوى فيها بين الأبوين في العلاقات الأسرية ينطوي على دلالة أخرى، وهي أن تكون الشورى أكثر أهمية فيما هو أوسع وأعم من الدوائر والمجالات السياسية والحكم؛ ولذلك يقول الشيخ السيد محمد رشيد رضا رحمه الله: «إذا كان القرآن يرشدنا إلى المشاورة في أدنى أعمال تربية الولد، ولا يبيح لأحد والديه الاستبداد بذلك دون الآخر، فهل يبيح لرجل واحد أن يستبد في الأمة كلها، وأمر تربيتها، وإقامة العدل فيها أعسر، ورحمة الأمراء أو الملوك دون رحمة الوالدين بالولد وأنقص!»41.
ولا نرى بأسًا بعد هذا البيان المستنير من علماء التفسير في أهمية الشورى والتشاور أن نختم بما يظهر الصلة الوثيقة بين الشورى وكل مجالات الحياة الاجتماعية في الإسلام من خلال هذا المستوى، بقلم الأستاذ سيد قطب رحمه الله، حيث قال: «إن دستور الأسرة لابد أن يتضمن بيانًا عن تلك العلاقة التي لا تنفصم بين الزوجين بعد الطلاق، علاقة النسل الذي ساهم كلاهما فيه، وارتبط كلاهما به، فإذا تعذرت الحياة بين الوالدين، فإن الفراخ الزغب لابد لها من ضمانات دقيقة مفصلة، تستوفي كل حالة من الحالات:
إن على الوالدة المطلقة واجبًا تجاه طفلها الرضيع، واجبًا يفرضه الله عليها، ولا يتركها فيه لفطرتها وعاطفتها التي قد تفسدها الخلافات الزوجية، فيقع الغرم على هذا الصغير، إذن يكفله الله ويفرضه له في عنق أمه، فالله أولى بالناس من أنفسهم، وأبر منهم، وأرحم من والديهم، والله يفرض للمولود على أمه أن ترضعه حولين كاملين؛ لأنه سبحانه يعلم أن هذه الفترة هي المثلى من جميع الوجوه الصحية والنفسية للطفل (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة: ٢٣٣].
وتثبت البحوث الصحية والنفسية اليوم أن فترة عامين ضرورية؛ لينمو الطفل نموًا سليمًا من الوجهتين الصحية والنفسية، ولكن نعمة الله على الجماعة المسلمة لم تنتظر بهم حتى يعلموا هذا من تجاربهم، فالرصيد الإنساني من ذخيرة الطفولة لم يكن ليترك يأكله الجهل كل هذا الأمد الطويل، والله رحيم بعباده، وبخاصة بهؤلاء الصغار الضعاف المحتاجين للعطف والرعاية.
وللوالدة في مقابل ما فرضه الله عليها حق على والد الطفل أن يرزقها ويكسوها بالمعروف والمحاسنة، فكلاهما شريك في التبعة، وكلاهما مسئول تجاه هذا الصغير الرضيع، هي تمده باللبن والحضانة، وأبوه يمدها بالغذاء والكساء؛ لترعاه، وكل منهما يؤدي واجبه في حدود طاقته: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة: ٢٣٣].
ولا ينبغي أن يتخذ أحد الوالدين من الطفل سببًا لمضارة الآخر: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) فلا يستغل الأب عواطف الأم وحنانها ولهفتها على طفلها؛ ليهددها فيه أو تقبل رضاعة بلا مقابل، ولا تستغل هي عطف الأب على ابنه وحبه له؛ لتثقل كاهله بمطالبها.
والواجبات الملقاة على الوالد تنتقل في حالة وفاته إلى وارثه الراشد: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) فهو المكلف أن يرزق الأم المرضع ويكسوها بالمعروف والحسنى؛ تحقيقًا للتكافل العائلي الذي يتحقق طرفه بالإرث، ويتحقق طرفه الآخر باحتمال تبعات المورث، وهكذا لا يضيع الطفل إن مات والده، فحقه مكفول، وحق أمه في جميع الحالات.
وعند ما يستوفى هذا الاحتياط يعود إلى استكمال حالات الرضاعة (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) فإذا شاء الوالد والوالدة، أو الوالدة والوارث أن يفطما الطفل قبل استيفاء العامين؛ لأنهما يريان مصلحة للطفل في ذلك الفطام لسبب صحي أو سواه فلا جناح عليهما، إذا تم هذا بالرضا بينهما، وبالتشاور في مصلحة الرضيع الموكول إليهما رعايته، المفروض عليهما حمايته»42.
نتناول في هذه النقاط مشروعية الشورى:
أولًا: حكم الشورى:
اختلف العلماء في الحكم التكليفي للشورى وإجرائها، أي: هل يجب على ولي الأمر ورئيس الدولة أن يشاور أهل الشورى ويعرض عليهم القضية ليشيروا فيها بما يرون، ويأثم إن لم يفعل ذلك؛ لأن ترك الواجب يترتب عليه الإثم، أو أن ذلك ليس واجبًا عليه، بل هو مندوب لا يأثم بتركه كما هو شأن المندوبات؟ مع أنهم جميعهم استندوا إلى الأدلة السابقة نفسها، فمنهم من حملها على الوجوب، ومنهم من حملها على الندب والاستحباب، فكانوا بذلك فريقين على مذهبين، نشير إليهما في فقرتين، ونعقب عليهما بثالثة للترجيح، والله الموفق.
أولًا: المذهب الأول: وجوب الشورى:
وأصحاب هذا المذهب يقولون بوجوب الشورى على ولي الأمر (وهو الحاكم أو رئيس الدولة) إذ عليه أن يعرض المسائل الاجتهادية والقضايا العامة في أمور الدولة والحكم ونحوها من التصرفات على أهل الشورى، ولا يجوز أن يستبد بالأمر وأن يقطع فيه برأيه.
وهذا مذهب الجمهور من العلماء، فهو مذهب المالكية، والراجح عند الشافعية والحنابلة والحنفية فيما تدل عليه عباراتهم، وهو ما رجحه كثير من العلماء المعاصرين الذين جعلوا الشورى من أسس نظام الحكم وقواعده43.
أدلة المذهب:
ولأصحاب هذا المذهب جملة من الأدلة القرآنية والسنة النبوية، وينطوي فيها أيضًا جانب من القواعد الأصولية، نذكر فيما يأتي أهمها44:
قول الله سبحانه وتعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
فقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يشاور أصحابه -رضوان الله عليهم-، ففي أعقاب غزوة أحد، بعد أن أصيب المسلمون بما أصيبوا به، نزل الأمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما يطرأ عليهم من الشئون؛ ربطًا للقلوب، وتقريرًا لما يجب أن يكون بين المؤمنين من حسن التضامن في سياسة الأمور، وتدبير الشئون.
والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم هو أمرٌ لأمته أيضًا فيما لا يكون من خصائصه عليه الصلاة والسلام 45. والأصل أن الأمر يدل على وجوب المأمور به ما لم يكن هناك قرينة تخرجه عن الوجوب إلى غيره، كالندب أو الإباحة أو غيرهما، ولم يؤثر في النصوص والوقائع ما يدل على هذه الخصوصية.
قال ابن عطية الأندلسي رحمه الله: «أمر الله تعالى رسوله بهذه الأوامر التي هي بتدريج بليغ؛ وذلك أنه أمره بأن يعفو عليه السلام عنهم ما له في خاصته عليهم من تبعة وحقٍ، فإذا صاروا في هذه الدرجة، أمره أن يستغفر لهم فيما لله عليهم من تبعة، فإذا صاروا في هذه الدرجة كانوا أهلًا للاستشارة في الأمور، والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجبٌ، هذا ما لا خلاف فيه»46.
وقال ابن خويز منداد: «واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ومشاورة وجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ومشاورة وجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ومشاورة وجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها»47.
والاستدلال بالآية على الوجوب إنما يتم بعد تسليم أنها غير خاصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما تقدم آنفًا، أو بعد تسليم أن الخطاب الخاص به يعم الأمة أو الأئمة حيث قال علماء الحنفية، وعلماء الحنابلة: إن خطاب الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم يعم الأمة، وحجتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم له منصب الاقتداء به في كل شيء إلا بدليل صارف على الاختصاص به، وكل من هو كذلك يفهم من أمره شمول أتباعه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الشرع ومنه يوجد؛ ولأن الله تعالى قد أوجب عليهم اتباعه48.
وبناء على هذا الرأي الأصولي كان الخطاب في هذه الآية الكريمة موجهًا للرئيس الأعلى للدولة الإسلامية في كل زمان ومكان بوجوب مشاورة الأمة في أمورها العامة، وإثبات حقها في المشاركة السياسية في الدولة المسلمة، وجعله حقًا من الحقوق العامة التي تسمى حق الله، وهو غير قابل للإسقاط، واعتداء الحاكم عليه من أعظم المنكرات التي تقع من الحكام لعظم مفسدتها وإضرارها بكيان المجتمع والدولة، وبآحاد الناس كذلك؛ لأن إهدار الشورى من الاستبداد المنهي عنه49.
وقول الله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الشورى: ٣٨-٣٩].
فقد جاءت صفة الشورى والتشاور في الآيات الكريمة في جملة اسمية ضمن عدة صفات في جمل فعلية وصف بها رب العالمين عباده المؤمنين، فأفادت لزوم هذه الصفة لهم، وثباتهم عليها50.
وفي هذا يقول شهاب الدين الألوسي رحمه الله: «وجيء بالجملة اسميةً مع أن المعطوف عليه جملة فعلية للدلالة على أن التشاور كان حالهم -أي: الأنصار- المستمرة قبل الإسلام وبعده، وفي الآية مدحٌ للتشاور، لاسيما على القول بأن فيها الإخبار بالمصدر»51.
والجملة الاسمية تحمل من الدلالات ما لا تحمله الجملة الفعلية، ومن ذلك دلالة التأكيد مثلًا، وهي ما أشار إليه الكاتب الأديب أبو الفتح ابن الأثير في حديثه عن الخطاب بالجملة الفعلية والاسمية، والفرق بينهما، حيث يقول: «وإنما يعدل عن أحد الخطابين إلى الآخر لضربٍ من التأكيد والمبالغة»52. ويظهر من شواهده التي ساقها أنه يقصد بدلالة التأكيد والمبالغة الجملة الاسمية، وما فيها من مؤكدات53.
وفي هذا إشارة إلى الوجوب؛ لأن الله تعالى في كثير من المواضع يجعل الواجب من الواجبات في الأحكام، أو الركن من أركان الإيمان صفةً لازمةً للمؤمنين، ويمدح فاعل هذا الواجب والمتصف بتلك الصفة، ويعده بالفوز والفلاح، كما تقدم آنفًا.
قال محمد رشيد رضا: «فكلٌ من النصين -في الآيتين الكريمتين- دالٌ على وجوب كون حكومة المسلمين شورى، ومجيء النص في الذكر بصيغة الخبر يؤكد كونه فرضًا حتمًا، كما عهد نظير ذلك في الأساليب البليغة، والنص الذي قبله صريح في الوجوب، والضامن له الأمة المخاطبة بالتكاليف في أكثر النصوص»54.
دلالة الاقتران: وفي الآية السابقة نفسها، في الدليل الثاني قرن الله تعالى الشورى مع الإيمان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وجعلها متوسطة بين هذه الواجبات، فدل ذلك على الوجوب؛ لاقترانها بواجبات أخرى.
وهذه الدلالة تسمى اصطلاحًا: دلالة الاقتران، وتعني: اجتماع شيئين، أو أشياء في معنىً من المعاني، والمراد بها عند علماء أصول الفقه الذين يضعون قواعد استنباط الأحكام: أن يجمع الشارع بين شيئين في اللفظ فيشتركان في الحكم.
وهذه الدلالة احتج بها جماعة من أهل العلم، منهم الإمام أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة، والمزني، وابن أبي هريرة والصيرفي من الشافعية، وحكى ذلك أبو الوليد الباجي عن بعض المالكية، وقال: رأيت ابن نصرٍ الداوودي يستعملها كثيرًا.
وقد استدل بها الإمام مالك رحمه الله على سقوط الزكاة في الخيل بقوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النحل: ٨].
فقال: قرن الله تعالى بين الخيل والبغال والحمير، والبغال والحمير لا زكاة فيها إجماعًا، فكذلك الخيل، ويؤيد هذا أن العطف يقتضي المشاركة55.
وفصل العلامة ابن قيم الجوزية في مدى قوة الاحتجاج بهذه الدلالة، فقال:
دلالة الاقتران تكون قوية إذا جمع المقترنين لفظٌ اشتركا في إطلاقه، وافترقا في تفصيله، كقوله صلى الله عليه وسلم: (حقٌ على كل مسلمٍ أن يغتسل يوم الجمعة، ويستاك، ويمس من طيب بيته)56؛ فقد اشترك الثلاثة في إطلاق الحق عليه، وإذا كان حقًا مستحبًًا في اثنين منها كان في الثالث مستحبًا.
وقد تكون ضعيفة عند تعدد الجمل، واستقلال كل واحدةٍ منها بنفسها، كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه)57، فإن كل جملة مفيدةٌ لمعناها وحكمها وسببها وغايتها، منفردةٌ عن الجملة الأخرى، واشتراكهما في مجرد العطف لا يوجب اشتراكهما فيما وراء ذلك.
وقد يتساوى الضعف والقوة في الدلالة؛ وذلك حيث يكون العطف ظاهرًا في التسوية، وقصد المتكلم ظاهرًا في الفرق، فيتعارض ظاهر اللفظ وظاهر القصد، فإن غلب ظهور أحدهما اعتبر وإلا طلب الترجيح، والله أعلم58.
وفي الآية الكريمة السابقة اقترنت الشورى بواجبات إيمانية وعبادات بدنية ومالية، فكان الاستدلال بها على الوجوب في غاية القوة، والله أعلم.
ومما يدل على الوجوب الأحاديث النبوية الشريفة في أهمية الشورى، والحث عليها، وفي بيان ثمراتها وفوائدها؛ فقد تواردت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: (لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما)59.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المستشار مؤتمن)60.
وعقد الإمام البخاري رحمه الله بابًا للشورى صدره بقول الله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ) [الشورى: ٣٨].
وأوجز بكلمات جامعات كثيرًا من التطبيقيات للشورى في العهد النبوي والخلافة الراشدة، قال فيه: «شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المقام والخروج، فرأوا له الخروج، فلما لبس لأمته وعزم قالوا: أقم، فلم يمل إليهم بعد العزم، وقال: (لا ينبغي لنبيٍ يلبس لأمته فيضعها حتى يحكم الله)61، وشاور عليًا، وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة، فسمع منهما حتى نزل القرآن، فجلد الرامين، ولم يلتفت إلى تنازعهم، ولكن حكم بما أمره الله، وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة، فقال عمر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله)62. فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تابعه بعد عمر، فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورةٍ؛ إذ كان عنده حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، وأرادوا تبديل الدين وأحكامه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)63. وكان القراء أصحاب مشورة عمر، كهولًا كانوا أو شبانًا، وكان وقافًا عند كتاب الله عز وجل»64.
وفي كتب السنة مجموعةٌ كثيرة وفيرة من الأحاديث في الحث على الشورى، وبيان أثرها وحكمتها، ولكنها أقل مرتبةً مما أوردته آنفًا من الأحاديث الشريفة، فلا حاجة للاستكثار منها، وحسبنا هذه الأحاديث المقبولة في الاحتجاج65.
ثانيًا: المذهب الثاني: الندب والاستحباب:
ويرى أصحابه أن الشورى ليست واجبة على ولي الأمر أو الحاكم ورئيس الدولة، وإنما هي مندوبة ومرغب فيها؛ تطييبًا للخواطر والنفوس، وتأليفًا للقلوب، فلا يأثم بتركها.
وهذا المذهب نقل عن الإمام الشافعي رحمه الله، وروي مثله عن بعض العلماء من السلف: قتادة بن دعامة السدوسي، والربيع بن أنس، والحسن البصري، ومحمد ابن إسحاق رحمهم الله 66.
أدلة المذهب:
استدل هذا الفريق بالآيات الكريمة التي استند إليها القائلون بالوجوب، ولكنهم حملوها على الندب والاستحباب، كما استدلوا بأدلة أخرى كالإباحة وعدم وجود الدليل الموجب، وهذه جملة أدلتهم:
قول الله سبحانه وتعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
قال الإمام الشافعي رحمه الله: إن هذا الأمر للاستحباب، ولتقتدي به الأمة، وهو عامٌ للرسول وغيره، ولكنه كان تطييبًا لنفوس أصحابه ورفعًا لأقدارهم، وروي مثله عن قتادة، والربيع، ومقاتل، وابن إسحاق67.
قال الفخر الرازي رحمه الله: «ظاهر الأمر للوجوب، فقوله: (ﭭ) يقتضي الوجوب. وحمل الشافعي رحمه الله ذلك على الندب فقال: هذا كقوله عليه الصلاة والسلام: (البكر تستأمر في نفسها)68. ولو أكرهها الأب على النكاح جاز، لكن الأولى ذلك؛ تطييبًا لنفسها، فكذا هاهنا»69.
ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: «إنما يؤمر الحاكم بالمشورة لكون المشير ينبهه على ما يغفل عنه، ويدله على ما لا يستحضره من الدليل، لا ليقلد المشير فيما يقوله؛ فإن الله لم يجعل هذا لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم»70.
وأشار أبو الحسن علي بن خلف بن بطال القرطبي رحمه الله إلى أقوال العلماء في الآية ودلالتها، فقال: «اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أمر الله نبيه أن يشاور أصحابه فيه:
فقالت طائفة: أمر الله أن يشاورهم في مكائد الحروب وعند لقاء العدو؛ تطييبًا لنفوسهم، وتألفًا لهم على دينهم، وليروا أنه يسمع منهم، ويستعين بهم، وإن كان الله قد أغناه عن رأيهم بوحيه، روي هذا عن قتادة والربيع وابن إسحاق.
وقال آخرون: إنما أمر بمشورتهم فيما لم يأته فيه وحي؛ ليبين لهم صواب الرأي، روي ذلك عن الحسن البصري والضحاك قالا: «ما أمر الله نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشورة من الفضل»، قال الحسن البصري: «وما شاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم»71.
«وقال آخرون: إنما أمره الله بمشاورة أصحابه مع غناه عنهم بتدبيره تعالى له وسياسته إياه؛ ليستن به من بعده ويقتدوا به فيما ينزل بهم من النوازل، قال سفيان الثوري: وقد سن رسول الله الاستشارة في غير موضع، استشار أبا بكر وعمر في أسارى بدر، واستشار أصحابه في يوم الحديبية»72.
والخلاصة أن الآية الكريمة فيها دلالة على الوجوب؛ لأنها بصيغة الأمر، والأمر يدل على الوجوب، ولكن القرينة صرفته عن الوجوب إلى الندب؛ لأن استشارة النبي عليه السلام لأصحابه كانت إكرامًا لهم، وتطييبًا لنفوسهم، والأحاديث التي وردت فيها لم تكن بصيغة تدل بوضعها على الوجوب والإلزام، والحكمة من مشاورة النبي للصحابة هي أن يستن بها من بعده من الحكام، وكل ذلك يصرف الأمر في الآية الكريمة عن الوجوب إلى الندب والاستحباب في رأي هذا الفريق من العلماء -رحمهم الله تعالى-.
وقوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الشورى: ٣٨-٣٩].
فإن هذا وصفٌ خبريٌ لحال طائفة مخصوصة لا يدل على الوجوب، فأكثر ما يدل عليه أن هذا الشيء ممدوح في نفسه محمودٌ عند الله تعالى 73.
ونقل الإمام البيهقي عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله في قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ) «قال: قال الحسن البصري: إن كان النبي عن مشاورتهم لغنيًا، ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده، ثم قال: وإذا نزل بالحاكم أمرٌ يحتمل وجوهًا، أو مشكلٌ انبغى له أن يشاور من جمع العلم والأمانة»74.
ومن الأدلة على أنها مندوبة وليست واجبة: أن الأصل هو الإباحة وعدم الوجوب إلا بدليل، وما ذكر من النصوص لا يدل على الوجوب، فبقيت المسألة على الأصل وهو الندب، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الشورى في مواضع منها: صلح الحديبية، وقتال بني قريظة، وغزوة تبوك، وكذلك الخلفاء الراشدون تركوا الشورى في بعض المسائل، فأبو بكر رضي الله عنه لم يشاور في إنفاذ جيش أسامة، ولم يشاور في حروب الردة، وقتال مانعي الزكاة، وكذلك في مواقف لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يشاور فيها75.
ثالثًا: المناقشة والترجيح:
والناظر في أدلة الفريقين يجد أدلة الفريق الأول قويةً تنهض في الدلالة على الوجوب، وقد تأيدت وجوه الدلالة فيها بالقواعد الأصولية والمقررات العقلية والفطرية ومقاصد الشريعة، وهي سالمة من الاعتراضات المؤثرة.
بينما أدلة المذهب الثاني لا تنهض للحجية في هذه المسألة؛ لأمور كثيرة منها:
أن ما ذكروه من قرائن لا تصلح لصرف الأدلة عن الوجوب، فتطييب النفوس بالشورى، يقتضي الوجوب لا الندب، فكيف تطيب نفوسهم إذا علموا أن ذلك ليس واجبًا، وأن رأيهم لا يجب الأخذ به في مجال الاختصاص؟ كما سيأتي في مسألة الإلزام بنتيجة الشورى أو عدم الإلزام.
كما أن تنوع أدلة القرآن الكريم ومناهجه في بيان الواجب، وعدم اقتصارها على صيغة الطلب المباشر -كما تقدم- ترد على القول بالندب، وعلى تأويلهم للنصوص الواردة في الشورى.
وأما الوقائع التي ذكروا أن النبي عليه الصلاة والسلام ترك فيها الشورى، كما تركها أيضًا الخلفاء في مواضع أخرى، فهي كلها مما لا يدخل في نطاق الشورى لوجود النص الموحى به فيها، فكان ذلك خارجًا عن نطاق الشورى ومجالها.
كما أن دليل الإباحة الأصلية هنا لا يفيدهم فيما ذهبوا إليه؛ لأن الأدلة النصية أخرجته عن الإباحة والبراءة الأصلية أو الندب إلى الطلب الدال على الوجوب للأدلة والوجوه المذكورة.
ولعل بعضهم يقيس سلطات الخليفة أي: رئيس الدولة على سلطة النبي صلى الله عليه وسلم، فيجعل الشورى ليست واجبة على النبي لأنه غنيٌ عنها بالوحي، ثم يقيس عليها سلطة الخليفة، فلا تكون الشورى واجبة عليه، أو يقول: إن الخليفة يشترط فيه العلم والاجتهاد في الأحكام الشرعية؛ ولذلك لا يجب عليه تقليد غيره، فكذلك لا تجب عليه الشورى، وهذا القياس كله قياسٌ مع وجود فوارق كثيرة، فلا يصلح الاستدلال به.
وبذلك تبقى أدلة الوجوب قويةً سالمة عن الاعتراض، بينما أدلة الندب والاستحباب عليها اعتراضات قوية مؤثرة، والله أعلم76.
ثانيًا: هل الشورى ملزمة أو مخيرة؟
وبعد أن انتهى البحث إلى أن الشورى دعامة من دعائم النظام الإسلامي، وواجب من واجبات ولي الأمر أو رئيس الدولة، فإنه ينبغي معرفة موجب الشورى والالتزام بالنتيجة التي تنتهي إليها المشاورة، هل هي ملزمة لرئيس الدولة، فيجب عليه الأخذ بها، والعمل بمقتضاها، والتقيد بما اتفق عليه أهل الشورى أو غالبيتهم، ويقال عندئذ: إنها ملزمة أم أنها غير ملزمة له، فيكون بالخيار بين أن يأخذ بها أو أن يتركها ويأخذ بما يراه، ويقال عندئذ: إنها معلمة غير ملزمة؟
ومن الجدير بالذكر هنا أنه ينبغي التفريق بين هذه المسألة في الإلزام وسابقتها في الوجوب، فهما قضيتان مختلفتان، فلا يجوز أن نسحب حكم إحداهما على الأخرى، كأن نقول: إن الشورى واجبة فتكون ملزمة؛ وذلك لأنها قد تكون واجبة الإجراء ليستطلع الآراء ويختار ما يراه أصلح، أو لا يرى فيها ما هو كذلك، فيأخذ برأيه ويعرض عن غيره؛ ولذلك لا يسوغ الخلط بينهما، وتجدر الإشارة هنا والتأكيد على أن الإلزام والالتزام يقتضي الوجوب، أما الوجوب فلا يقتضي الإلزام77.
ولذلك نعرض أقوال العلماء في هذه المسألة، وهي لا تخرج عن قولين يمثلان مذهبين يقول أحدهما بالتخيير وعدم الإلزام، ويقول الثاني بالإلزام؛ وذلك في فقرتين، يتلوهما فقرة ثالثة لتحرير محل الخلاف والتعقيب فيها على الرأيين للتوفيق بينهما، وبالله التوفيق.
أولًا: المذهب الأول: عدم الإلزام بنتيجة الشورى:
ذهب فريق من العلماء إلى أن الشورى معلمة وليست ملزمة لولي الأمر أو رئيس الدولة الذي يطلب الرأي، ويستشير في الواقعة؛ فقد يأخذ برأي أهل الشورى إذا اتفقوا، وقد يخالفهم الرأي، فلا يجب عليه أن يأخذ برأيهم، ومن باب أولى إذا اختلفوا في الرأي ولم يتفقوا، فقد يأخذ هنا برأي بعضهم دون رأي الآخرين، وقد يترك آراء الجميع، ويأخذ برأي مخالف متى كانت الشروط متوفرة فيه، وأهمها العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل، والعدالة الجامعة لشروطها، والرأي المفضي إلى سياسة الرعية، وتدبير المصالح، وغيرها من الشروط78.
وكأن المسألة مفروضةٌ في هذه الحال؛ إذ كانت القاعدة العامة والأصل المستمر في الولاية تتفق مع هذا التقييد.
وهذا القول يفهم من كلام الإمام أبي جعفر الطبري، ومما نقله عن قتادة بن دعامة السدوسي، والربيع بن أنس، والحسن البصري، ومحمد بن إسحاق، وهو أيضًا قول بعض المفسرين، وهو رأي الذين قالوا بعدم وجوب الشورى على الحاكم أو رئيس الدولة كما تقدم79. وقال به فريق من العلماء المعاصرين والباحثين80.
أدلة المذهب:
استدل أصحاب هذا المذهب بجملة أدلة من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية، ومن وقائع السيرة، وأعمال الخلفاء الراشدين، وبأدلة من المعقول.
فمن القرآن الكريم: قول الله سبحانه وتعالى: (ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
فقد أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يشاور أصحابه، فإذا صح عزمه على شيء فليتوكل على الله في إنفاذه لا على الشورى، وهذا يعني أنها غير ملزمة.
قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية الكريمة: (ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ): «فإذا صح عزمك بتثبيتنا إياك، وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك، فامض لما أمرناك به على ما أمرناك به، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك أو خالفها، وتوكل فيما تأتي من أمورك وتدع، وتحاول أو تزاول، على ربك، فثق به في كل ذلك، وارض بقضائه في جميعه، دون آراء سائر خلقه ومعونتهم؛ فإن الله يحب المتوكلين، وهم الراضون بقضائه، والمستسلمون لحكمه فيهم، وافق ذلك منهم هوًى أو خالفه»81.
وقال الإمام القرطبي رحمه الله في ذلك: «والشورى مبنية على اختلاف الآراء، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف، وينظر أقربها قولًا إلى الكتاب والسنة إن أمكنه، فإذا أرشده الله تعالى إلى ما شاء منه عزم عليه وأنفذه متوكلًا عليه؛ إذ هذه غاية الاجتهاد المطلوب، وبهذا أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية، قال قتادة: أمر الله تعالى نبيه عليه السلام إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله، لا على مشاورتهم»82.
ومن السنة النبوية: قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر و عمر رضي الله عنهما: (لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما)83. ويفهم منه أن النبي عليه الصلاة والسلام يأخذ برأيهما ولو خالفا في الرأي أغلبية الصحابة، أي: فلا يلتزم برأي أغلبية الصحابة84.
ومن وقائع السيرة النبوية: أن كثيرًا من وقائع الشورى في العهد النبوي تدل على أنها غير ملزمة في نتيجتها، فقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أسرى بدرٍ ومال إلى رأي أبي بكر الصديق، وفي صلح الحديبية لم يأخذ بما رأوا في عقد الصلح، وفي شروطه، وفي بعض القضايا الأخرى، وكذلك في أمور عامة وفي أمور شخصية خاصة، لم يأخذ برأي أغلبيةٍ مثلًا في كثير من هذه المواطن، وإنما أخذ برأي بعضهم دون رأي الآخرين، وفي بعض المواطن أخذ برأي الأكثرية دون غيرها، وفي كل الأحوال أخذ عليه الصلاة والسلام بما رآه هو واطمأنت إليه نفسه85.
ومن الوقائع في عهد الخلفاء الراشدين، أو من السوابق في ذلك: أن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم لم يتقيدوا بالشورى، ولا برأي الأغلبية86.
فأبو بكر الصديق لم يأخذ برأي الذين أشاروا بعدم قتال مانعي الزكاة87، وفي عدم إنفاذ جيش أسامة بن زيد إلى الحرب في الشام لمواجهة التجمعات الرومانية التي تستهدف القضاء على الدين، فقد عارضه جماعة من الصحابة، ولكنه لم يأخذ برأيهم وأنفذ الجيش بقيادة أسامة -رضي الله عنهم جميعًا-88، وعمر بن الخطاب لم يأخذ برأي أهل الشورى أو الذين اعترضوا عليه في قسمة أرض السواد في العراق والشام89، وفي قضايا أخرى غيرها.
وعثمان بن عفان لم يأخذ بما أشار عليه بعض ولاته في استعمال الشدة مع أصحاب الإشاعات حول سياسته في أواخر عهده.
وعلي بن أبي طالبٍ لم يأخذ بمشورة الصحابة الذين أشاروا عليه بألا يعجل بعزل ولاة الأمصار بعد أن بويع بالخلافة، وذلك حتى يتم له الأمر ويستقر الحكم90.
ومن الأدلة العقلية: أن رئيس الدولة أو الخليفة هو صاحب السلطة العامة والرياسة العليا في الدولة، فلا يصح أن يلزم برأي غيره ولو كانوا أكثرية؛ لأن الأكثرية لا تدل على صحة الرأي، وليست معيارًا في ذلك، والخليفة تجب له الطاعة، فلا يصح أن نلزمه هو بطاعة أهل الشورى91.
الخلاصة: فهذه الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهذه الأمثلة من أسلوب الخلفاء الراشدين، والأدلة العقلية والمنطقية تبين لنا -وفق مذهبهم- أن رأي أهل الشورى غير ملزم لرئيس الدولة في الإسلام، فإذا كان واجبًا عليه أن يستشير أهل الشورى والرأي في الأمور، فإنه ليس واجبًا عليه أن يستجيب لما أشاروا به عليه، بل له أن ينفذ ما استقر عزمه عليه دون أن يعني ذلك أنه متفرد يستبد في الأمر؛ لأنه كان مقيدًا بأحكام الشريعة، وكان يعطي الأمة الحق في مراقبته وتقويمه، مع شعوره بالمسؤولية أمام الله تعالى وأمام الأمة92.
ثانيًا: المذهب الثاني: الإلزام بنتيجة الشورى:
ذهب فريق من علماء السلف وجمهور الباحثين المعاصرين إلى أن الشورى ملزمة لولي الأمر أو رئيس الدولة، فيجب عليه أن يأخذ بالنتيجة التي وصل إليها أهل الشورى باتفاقهم أو بأغلبيتهم، بعد تقليب وجوه الرأي، ومناقشة المسألة المعروضة من كل وجوهها، فإن العزم هو الأخذ بما أشار به أهل الشورى الذين يسمون كذلك «أهل الحل والعقد» فإذا عقدوا أمرًا واتفقوا عليه، أو اتفق الأغلبية، كان من الواجب الالتزام بذلك، فهي إذن ملزمة بعامة93.
أدلة المذهب:
استدل أهل هذا الرأي بأدلة من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية، ومن الوقائع في السيرة النبوية، ومن عمل الخلفاء الراشدين، ومن العقل ومقاصد تشريع الشورى، وبعض هذه الأدلة النصية هي نفسها التي استدل بها أصحاب المذهب الأول، ولكن اختلفوا في وجه دلالتها والاستنباط منها، وكيفية العمل بها.
فمن القرآن الكريم: قول الله سبحانه وتعالى: (ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
فقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويستقيم على أمر الله ويتوكل على الله94.
والمشاورة لها وقت معلوم، وهو وقت الدراسة والفحص، فإذا تمت المشاورة وجب الأخذ بالعزيمة في الأمر والإقدام على العمل95.
قال الإمام أبو بكر الرازي الجصاص: «وفي ذكر العزيمة عقيب المشاورة دلالة على أنها صدرت عن المشورة، وأنه لم يكن فيها نصٌ قبلها»96.
وقال ابن عطية الأندلسي: «والشورى مبنية على اختلاف الآراء، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف ويتخير، فإذا أرشده الله تعالى إلى ما شاء منه، عزم عليه، وأنفذه متوكلًا على الله؛ إذ هي غاية الاجتهاد المطلوب منه، وبهذا أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية»97.
فإذا تبين السداد فيما يجب أن يسلكه فعزم على تنفيذه، سواء كان على وفق بعض آراء أهل الشورى أم كان رأيًا آخر لاح له سداده، فليبادر ولا يتأخر وليتوكل على الله98.
ومن السنة النبوية: ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم في قوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [آل عمران: ١٥٩]. فقال: (مشاورة أهل الرأي، ثم اتباعهم)99.
وهذا تفسيرٌ من النبي صلى الله عليه وسلم للآية الكريمة يدل على وجوب الانتهاء إلى الرأي بعد الشورى.
وهو من أعلى أنواع التفسير وأجدره بالقبول؛ فإن السنة شارحة للقرآن وموضحة له؛ بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد ابن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن100.
ومن الوقائع والسوابق في السيرة النبوية: ما تقدم في تطبيقات الشورى في العهد النبوي، وفي الغزوات بخاصة. ففيها دلالة على أن الشورى ملزمة، وينبغي على رئيس الدولة أن يلتزم بنتيجتها، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم المشاورة واجبةً قبل العمل، وكثيرًا ما كان يرى الرأي قبل الحرب، ويشير بعض أصحابه إلى رأي آخر، كما حدث في المنزل الذي اختاره للقتال في غزوة بدر، فنبهه بعض الصحابة إلى غيره، فعدل عنه بعد أن اقتنع.
وقرر في غزوة أحدٍ أن يبقى في المدينة، ورأى ذلك الرأي شيوخ المدينة، ولكن شبابها -وخصوصًا الذين لم يحضروا بدرًا- رأوا غير ذلك، وكانوا الكثرة، فنزل عند رأيهم، وإن كان رأيه غير رأيهم؛ لأنه يشير على نظام الشورى، ويربي الأمة عليه، ويبتدئ هو بفرض الخطأ في رأيه، ولا يفرض الصواب دائمًا.
والنبي صلى الله عليه وسلم في تدبير شؤون السياسة، وفي تنظيم الأمور الخاضعة للمباديء المقررة الثابتة النازلة بوحي من السماء كان يعمل الاستشارة دائمًا، لا على أنها تبرعٌ يتبرع به، بل على أنها واجبٌ عليه بصفته حاكمًا. وإن الشورى فوق أنها تعريف للصواب، هي تربية للأمة على الإدراك الصحيح في عامة الأمور، وهي التي تتفق مع النظام الحر السليم، وخيرٌ للجماعة أن تخطيء في رأيٍ تبديه وهي حرةٌ من أن تفرض عليها آراء صائبة، فإن صوابها يكون مقترنًا بإرهاقٍ نفسيٍ وضغطٍ للإرادة، وذلك أشد ضررًا في تكوين الأمم وفي حاضرها ومستقبلها101.
ومن الوقائع في عهد الخلافة الراشدة: أن الخلفاء الراشدين بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، أقاموا دعائم الشورى، في أصل اختيار الحاكم، وفي تنظيم الأمور، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وخصوصًا الأمور التي تكون أصلًا لنظام معين يريد اتباعه، ويرسم فيها منهاجًا، فإن الراشدين كانوا يستشيرون فيه.
وقد كانت الأمور في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسير بالشورى، فيما فيه مجال للرأي، وفيما التبست فيه الأمور، فإن الشورى كانت أساس حكمه، وعلى هذا النهج سار سائر الخلفاء الراشدين: عمر وعثمان وعليٌ رضوان الله عليهم، وهم في كل ما تشاوروا فيه مع الصحابة كانوا يأخذون بما تنتهي إليه الشورى، سواء كانت النتيجة التي انتهوا إليها مما يراه الخليفة قبل الشورى أم كانت مخالفة واقتنع بما يراه أهل الشورى، وبخاصة عندما يتأيد رأي أهل الشورى بدليل، وهذا كله يدل على الالتزام بالشورى، ولولا أنها ملزمة ما التزموا بها102.
ومن الأدلة العقلية: أن الشورى -وقد ألمحنا إلى وجوبها ابتداءً على الأرجح من الرأيين في حكمها- لا يكون لها معنًى ولا فائدةٌ إذا لم يؤخذ بها، أو برأي الأكثرية إن لم يكن هنالك اتفاق في الرأي، فوجوب الشورى على الأمة الإسلامية يقتضي التزام رأي الأكثرية، وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عندما نزل على رأي الأكثرية في خروجه لغزوة أحد، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم أول من التزم رأي الأكثرية، وأول من تجهز للخروج إلى أحد، وهو الرسول الموحى إليه، فغيره أولى بأن يكون ملزمًا بنتيجة الشورى103.
كما أن المقصد من الشورى لا يتحقق ما لم تكن واجبةً ابتداءً وملزمة انتهاءً لرئيس الدولة في الأمور التي هي مجال للشورى؛ فإنه إن لم يلتزم برأي أهل الشورى -بعد بذل غاية جهدهم ونصحهم- كانت الشورى عبثًا، ومضيعة للوقت والجهد، ومناقضة للغاية والمقصد والحكمة من تشريعها والأمر بها، فيعود هذا عليها بالإبطال لها، وما كان كذلك فهو باطل104.
وفي هذا قال الإمام المفسر الفقيه أبو بكر الرازي الجصاص- وهو يرد على من قال بأن الشورى لمجرد تطييب نفوس أهل الشورى-، وننقل النص بكامله لما فيه من فوائد وأحكام تتصل بهذه المسألة من وجوه متعددة، قال رحمه الله: «وغير جائزٍ أن يكون الأمر بالمشاورة على جهة تطييب نفوسهم، ورفع أقدارهم؛ ولتقتدي الأمة به في مثله؛ لأنه لو كان معلومًا عندهم أنهم إذا استفرغوا مجهودهم في استنباط ما استشيروا فيه وصواب الرأي فيما سئلوا عنه، ثم لم يكن ذلك معمولًا عليه، ولا متلقًى منه بالقبول بوجهٍ لم يكن في ذلك تطييبٌ لنفوسهم، ولا رفعٌ لأقدارهم، بل فيه إيحاشهم وإعلامهم بأن آراءهم غير مقبولة، ولا معول عليها، فهذا تأويل ساقط لا معنى له! فكيف يسوغ تأويل من تأوله لتقتدي به الأمة مع علم الأمة -عند هذا القائل- بأن هذه المشورة لم تفد شيئًا، ولم يعمل بشيء أشاروا به؟ فإن كان على الأمة الاقتداء به فيها فواجبٌ على الأمة أيضًا أن يكون تشاورهم فيما بينهم على هذا السبيل، وأن لا تنتج المشورة رأيًا صحيحًا ولا قولًا معمولًا؛ لأن مشاورتهم عند القائلين بهذه المقالة كانت على هذا الوجه، فإن كانت مشورة الأمة فيما بينها تنتج رأيًا صحيحًا، وقولًا معمولًا عليه فليس في ذلك اقتداء بالصحابة عند مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم إياهم».
ثم يقول: «وإذ قد بطل هذا فلابد من أن تكون لمشاورته إياهم فائدةٌ تستفاد منها، وأن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم معهم ضربٌ من الرأي والاجتهاد، فجائزٌ حينئذٍ أن توافق آراؤهم رأي النبي صلى الله عليه وسلم، وجائزٌ أن يوافق رأي بعضهم رأيه، وجائزٌ أن يخالف رأي جميعهم، فيعمل صلى الله عليه وسلم حينئذٍ برأيه، ويكون فيه دلالة على أنهم لم يكونوا معنفين في اجتهادهم، بل كانوا مأجورين فيه لفعلهم ما أمروا به، ويكون عليهم حينئذٍ ترك آرائهم واتباع رأي النبي صلى الله عليه وسلم»105.
ثالثًا: تعقيب وترجيح:
وبعد عرض هذين المذهبين، وما استند إليه أصحابهما من أدلة متنوعة يحسن أن نذكر كلمات موجزة تعقيبًا على ذلك.
أولًا: المشورة الجماعية التي لابد من الالتجاء إليها للحصول على قرار جماعيٍ ملزم في شأن من الشؤون المهمة للجماعة، وهي التي سماها «الشورى» بالمعنى الضيق أو المعنى الخاص، وهي الشورى الواجبة والملزمة.
ثانيًا: الاستشارة الحرة الاختيارية، أي: طلب الرأي والنصيحة من ذوي التجربة أو الخبرة، وهي اختيارية لمن طلبها، وتسفر عن رأي غير ملزم، وهي التي سماها «استشارة».
ثالثًا: طلب الفتوى الفقهية، وهي نوع من الاستشارة في أحكام الفقه، وهي مشورة اختيارية، لكن لها أحكام خاصة108.
تنوعت مجالات الشورى التي مارسها الرسول عليه السلام والصحابة، وسوف نتناول هذه المجالات فيما يأتي:
أولًا: في الغزوات:
في مجال الجهاد والغزوات يتسع نطاق العمل بالشورى، ونجد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أمثلةً كثيرة وفيرة، تظهر فيها أهمية التشاور وإبداء الرأي؛ حيث يقود ذلك إلى اتخاذ القرار المناسب، ويترك أثره في العملية الحربية نصرًا وثقةً بالنفس واستقرارًا.
أ. ففي غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، شاور النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه، وتلقى منهم المشورة والرأي لما بادروا بعرضه ابتداءً قبيل المعركة، وفي أثنائها وسيرها، وفي نهايتها وآثارها:
١. قبل المعركة: استشار عليه الصلاة والسلام في خوض المعركة وفي مسير الاقتراب109. وكان ذلك لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر القافلة التجارية المقبلة من الشام لقريش صحبة أبي سفيان، وهي العير التي خرجوا في طلبها لما خرجت من مكة، وكانوا نحو أربعين رجلًا، وفيها أموال عظيمة لقريش، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها، وأمر من كان ظهره حاضرًا بالنهوض، ولم يحتفل لها احتفالًا بليغًا؛ لأنه خرج مسرعًا في قلة من العدد والعدة، فاستنصر أبو سفيان قريشًا، فنهضوا مسرعين إلى ذلك، وخرجوا من ديارهم، كما قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ) [الأنفال: ٤٧].
وأقبلت عصابة الكفر والشرك؛ ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج قريش استشار أصحابه، فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم ثانيًا، فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم ثالثًا، ففهمت الأنصار أنه يعنيهم، فبادر سعد بن معاذٍ فقال: يا رسول الله! كأنك تعرض بنا؟ وكان إنما يعنيهم لأنهم بايعوه على أن يمنعوه ويدافعوا عنه وينصروه في ديارهم، فلما عزم على الخروج، استشارهم ليعلم ما عندهم، فقال له سعد: لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًا عليها أن لا ينصروك إلا في ديارها! وإني أقول عن الأنصار، وأجيب عنهم: فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبعٌ لأمرك، فو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان110 لنسيرن معك، والله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك.
وقال له المقداد بن الأسود: لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك، ومن بين يديك ومن خلفك.
فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسر بما سمع من أصحابه، وقال: (سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيت مصارع القوم)، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر»111.
وكان لهذه الشورى العسكرية أثرها العظيم في إبراز إرادة القتال في المسلمين، واستعدادهم للجهاد بقيادة واحدة لتحقيق هدف واحد، كما رفعت معنويات المسلمين بعد انكشاف نياتهم، ولم يبق لدى المهاجرين شكٌ في نيات الأنصار، وموقفهم الإيماني البطولي الصادق، فازداد التلاحم بينهم، كما كان قد ازداد بعد الهجرة ارتباطًا ورسوخًا في الإسلام112.
٢. في موقع النزول والقيادة: روى الواقدي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار بعد ذلك حتى نزل عشيًا أدنى ماءٍ من مياه بدر إلى المدينة، فقال: (أشيروا علي في المنزل). فأشار عليه الحباب بن المنذر بن الجموح بغير ذلك الموضع، فقال: يا رسول الله! أنا عالمٌ بها وبقلبها113! إن رأيت أن نسير إلى قلب قد عرفناها، فهي كثيرة الماء عذبة، فننزل عليها، ونسبق القوم إليها ونغور114 ما سواها من المياه)115.
وقال محمد بن إسحاق: (إن الحباب ابن المنذر قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة). فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماءٍ من القوم فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أشرت بالرأي). فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماءٍ من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقلب فغورت، وبنى حوضًا على القليب الذي نزل عليه، فمليء ماء، ثم قذفوا فيه الآنية، قال ابن إسحاق: قال سعد بن معاذٍ رضي الله عنه: يا نبي الله، ألا نبني لك عريشًا116 تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك، فلحقت بمن وراءنا، فقد تخلف عنك أقوام، يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبًا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربًا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا، ودعا له بخير، ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشٌ فكان فيه)117.
ويستوي في هذا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم طلب المشورة والرأي في النزول بذلك الموضع، أو أن الحباب رضي الله عنه ابتدأ بالرأي وتقديم المشورة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قد أخذ بتلك المشورة، وأثنى على صاحبها، كما أخذ برأي سعد بن معاذ في بناء العريش؛ ليكون مقر القيادة يقومون عليه بالحراسة، واختياره بتلك الطريقة والكيفية يؤدي إلى السيطرة على ساحة المعركة، ثم إلى السيطرة على القتال بيسر وسهولة، وأعلن عليه الصلاة والسلام أن الأمر شورى بينهم، فهو لا يقطع برأي في أمر الحرب وسيرها دونهم، وكان لهذا الموقف أثره الكبير في الانتصار في المعركة بعون الله وتأييده ونصره118.
٣. بعد المعركة في شأن الأسرى وتقرير مصيرهم119: فقد انجلت معركة بدر عن كثير من الغنائم، وعن سبعين قتيلًا، وسبعين أسيرًا، فقام عليه الصلاة والسلام بتوزيع الغنائم، كما قسمها الله تعالى في سورة الأنفال، واستشار أصحابه في تقرير مصير الأسرى، ولم يستبد عليه السلام بذلك120. وهذا طرف من الروايات بهذا الشأن:
روى مسلمٌ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: (ما ترون في هؤلاء الأسارى؟) فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية،ً فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ترى يا ابن الخطاب؟) فقال: لا، والله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان (وكان نسيبًا لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده.
قال: فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة) شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عز وجل: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الأنفال: ٦٧-٦٩]. فأحل الله الغنيمة لهم)121.
وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لما كان يوم بدر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟) فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم، واستأن بهم؛ لعل الله أن يتوب عليهم، وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك، قربهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر واديًا كثير الحطب، فأدخلهم فيه، ثم أضرم عليهم نارًا، قال: فقال العباس: قطعت رحمك! قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئًا، قال: فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، قال: فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام، قال: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [إبراهيم: ٣٦].
ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى، قال: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [المائدة: ١١٨].
وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [نوح: ٢٦].
وإن مثلك يا عمر كمثل موسى، قال: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [يونس: ٨٨].
أنتم عالةٌ فلا ينفلتن منهم أحدٌ إلا بفداء، أو ضربة عنق). قال عبد الله: فقلت: يا رسول الله إلا سهيل ابن بيضاء، فإني قد سمعته يذكر الإسلام، قال: فسكت رسول الله، قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجارة من السماء في ذلك اليوم حتى قال: (إلا سهيل بن بيضاء). قال: فأنزل الله عز وجل: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الأنفال: ٦٧]122.
ب. في معركة أحدٍ: في السنة الثالثة من الهجرة النبوية في شهر شوال كانت غزوة أحد؛ وذلك أن قريشًا أرادت الثأر لقتلاها واستعادة هيبتها التي اهتزت وسقطت في معركة بدر، كما أرادت تأمين طريقها التجاري إلى بلاد الشام، فبدأت بالاستعداد لمحاربة المسلمين، وجمعت قواتها، وسارت حتى وصلت إلى مشارف المدينة النبوية، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وهنا بدأ عليه الصلاة والسلام باستشارة أصحابه في الموقف، وما الذي ينبغي فعله أمام هذا الخطر القائم القادم؟ وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أمام هذه المشورة صنفين:
الأول: متحمس للخروج لملاقاة العدو خارج المدينة، وبخاصة من فاتهم شرف الحضور في معركة بدر.
والثاني: رأى أن يبقى في المدينة متحصنًا مدافعًا عنها إذا دهمها الأعداء، فإن ذلك يقلل خسائر المسلمين، ويوقع الخسارة بالأعداء123.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة؟ فبادر جماعة من فضلاء الصحابة -ممن فاته الخروج يوم بدر- إلى الإشارة بالخروج إليهم، وألحوا عليه صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأشار عبد الله بن أبي بن سلول بالمقام بالمدينة، وتابعه على ذلك بعض الصحابة»124.
ج. وفي غزوة الخندق: وكانت في سنة خمس من الهجرة في شوال على أصح القولين، وفيها تحالفت القوى اليهودية وأهل الشرك والوثنية من القبائل العربية، وتآمرت على الإسلام والمسلمين، وعلى نبيهم الكريم، وفي هذه الغزوة نذكر موقفين استشار فيهما النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه:
ثانيًا: في حادثة الإفك:
ونحن هنا أمام لون جديد من الشورى والمشاورة في العهد النبوي، فلئن كانت الأمثلة السابقة في النقطة الأولى تشير إلى الشورى في الأمور العامة وقت الحرب والتدبير العسكري، فإننا في هذه النقطة أمام مثال آخر يقع في مجال الأمور الشخصية والبيتية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، استشار فيه النبي عليه الصلاة والسلام أقاربه وخاصته من الرجال والنساء، في فراق عائشة رضي الله عنها لما قال فيها أهل الإفك ما قالوا127.
ثم استشار أصحابه بعامة في التصرف مع الذين أشاعوا قالة السوء، وحديث الإفك والبهتان.
قال الإمام البخاري رحمه الله في حديث عائشة: (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة ابن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله، قالت عائشة رضي الله عنها: فأما أسامة ابن زيدٍ فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود، فقال: يا رسول الله أهلك وما نعلم إلا خيرًا، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثيرٌ، وإن تسأل الجارية تصدقك.
قالت عائشة: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: (أي بريرة! هل رأيت عليها من شيء يريبك؟) قالت بريرة: لا، والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرًا أغمصه -أعيبه- عليها أكثر من أنها جاريةٌ حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر يومئذٍ من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال -وهو على المنبر-: (يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي).
فقام سعد بن معاذٍ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا، ففعلنا أمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلًا صالحًا، ولكن احتملته الحمية، فقال لسعدٍ: كذبت لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد، فقال لسعد ابن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت.
قالت عائشة: فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي -وقد بكيت ليلتين ويومًا لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع- يظنان أن البكاء فالق كبدي.
قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني، فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: (أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئةً فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب إلى الله تاب الله عليه).
قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال أبو بكر: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فقلت -وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن-: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة -والله يعلم أني بريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر -والله يعلم أني منه بريئة- لتصدقني! والله ما أجد لكم مثلًا إلا قول أبي يوسف قال: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [يوسف: ١٨].
قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا حينئذٍ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيًا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها.
قالت: فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خرج أحدٌ من أهل البيت حتى أنزل عليه الوحي، فكانت أول كلمة تكلم بها: (يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك، وأنزل الله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [النور: ١١-٢٠])128.
ثالثًا: الاتصال الفردي بأهل الاختصاص:
وإذا كانت تلك الوقائع في مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه تنصب على الوقائع العسكرية والاجتماعية أو الشخصية الخاصة، شاور فيها من حضر منهم، أو استطلع آراء الجماعة في أمر من الأمور، أو رأي أفراد يمثلون الجماعة ويعبرون عن رأيها وموقفها.
ومن جهة أخرى: فيها ما هو مشاورة ابتداءً طلب فيها النبي عليه الصلاة والسلام منهم إبداء الرأي، وفيها ما هو قبول للرأي الذي أبداه بعضهم في قضية من القضايا قبل أن يطلب منهم ذلك، أو دون أن يطلبه فإن هذا المطلب يلمح إلى طريقة في الشورى تقوم على الاتصال ببعض الأفراد من أهل الرأي والشورى أو من أهل الاختصاص أو الدراية، ويمكن أن نلمح ذلك في تلك الوقائع نفسها، وفي وقائع أخرى غيرها.
ففي الوقائع السابقة نجد مثلًا لذلك في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما في مفارقة أهله لما قال فيها أهل الإفك ما قالوا واستلبث الوحي، فأشار كل واحد منهما بما يرى، كما تقدم آنفًا، حيث أشار عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يفارقها ويأخذ غيرها، تلويحًا لا تصريحًا. وأشار عليه أسامة بن زيدٍ رضي الله عنه بإمساكها وألا يلتفت إلى كلام الأعداء، وسأل الجارية بريرة: (هل رأيت عليها من شيء يريبك؟) فقالت: لا، والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرًا أعيبه عليها أكثر من أنها جاريةٌ حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله129.
وفي معركة بدر: تقدم من رواية الواقدي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سار حتى نزل عشيًا أدنى ماءٍ من مياه بدر إلى المدينة، فقال: (أشيروا علي في المنزل) فأشار عليه الحباب بن المنذر فقال: يا رسول الله، أنا عالمٌ بها وبآبارها! إن رأيت أن نسير إلى آبارٍ قد عرفناها، فهي كثيرة الماء عذبة، فننزل عليها، ونسبق القوم إليها ونغور ما سواها من المياه، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأيه هذا)130، فإن الحباب صاحب علم ورأي في هذا الأمر، فهو من أهل الاختصاص فيه.
وفي غزوة الخندق: لما أراد عليه الصلاة والسلام أن يصالح قبيلة غطفان على الانصراف عن الأحزاب مقابل ثلث ثمار المدينة لذلك العام، استشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما وهما سيدا الأوس والخزرج، فكانا يعبران عن رأي قومهما، ولم يأخذ عليه الصلاة والسلام رأي الأنصار جميعًا أو فردًا فردًا.
ففي كل هذه الأمثلة والوقائع استشار النبي صلى الله عليه وسلم أفرادًا من أهل الاختصاص، أو من خاصته صلى الله عليه وسلم، أو هم الذين يعنيهم الأمر مباشرة، في أنفسهم أو فيمن ينوبون عنه، فكان ذلك لونًا من ألوان الشورى وتطبيقاتها في عهد النبوة.
رابعًا: انتخاب نقباء ممثلين للمتشاور معهم:
قد تقتضي الشورى أن يؤخذ رأي ممثلين للأمة أو الجماعة، وتدعو لذلك مصلحة تحقيق الغاية من الشورى ومعرفة الرأي للقوم على الوجه الصحيح دون تأثيرات أو دون عوامل قد تجعل إبداء الرأي لا يعبر عن إرادة حرة، فيكون من الحكمة أن يؤخذ الرأي عن طريق ممثلين للجماعة، وهم العرفاء أو النقباء الذين تختارهم الجماعة ليمثلوها، فيستطلعون رأيها على الحقيقة، ثم ينقلونه لمن يطلب الشورى.
فقد أخرج الإمام البخاري عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال: (إن معي من ترون، وأحب الحديث إليً أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما المال وإما السبي، وقد كنت استأنيت بهم) وكان النبي صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم غير رادٍ إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: فإنا نختار سبينا، فقام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد؛ فإن إخوانكم جاؤونا تائبين، وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) فقال الناس: طيبنا ذلك، قال: (إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم) فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم طيبوا)131.
والشورى في هذه الواقعة وبهذه الطريقة تدل على ما أومأنا إليه، كما تدل أيضًا على أن الشورى قد تتسع حتى تعم الأفراد لسعة الوقت ولكون الأمر يتعلق بحقٍ فردي، فلا بد من رضا كل فرد، وليس لولي الأمر أن يخرج شيئًا من يد أحد من أفراد الرعية إلا بحقه132.
خامسًا: تعيين هيئة الشورى:
قد تتطور تلك التطبيقات التي ألمح البحث إليها، وقد تترقى الوسائل والأساليب أو الآليات تلبية لحاجة مستجدة أو تحقيقًا للمصلحة، فيكون هذا كله سببًا لتنظيم الشورى بإنشاء هيئة أو مجلس يمارس القيام بهذا المبدأ، ويسمى مثلًا «مجلس الشورى»133.
ويمكن أن يدل على إنشاء هذا المجلس وتكوينه قوله تبارك وتعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [آل عمران: ١٥٩].
يفهم منه بطريق الإشارة إيجاد طائفة من الأمة تمثلها وتستشار في أمرها؛ لأن تنفيذ الأمر ومشاورة الأمة يستلزم ذلك134؛ إذ إن إعراب الأمة عن رأيها في كل حادثة أمرٌ غير ممكن، فينتقل الأمر إلى ممثلين عنها تختارهم لهذه الغاية135.
وهذه الطائفة التي تمثل الأمة وتستشار في أمرها يمكن أن يطلق عليها «مجلس الشورى» أو «هيئة الشورى» أو غيرهما من الأسماء، ولم يكن هذا المجلس بصفته وتكوينه المعروف في عصرنا الحاضر، لم يكن بهذا الوضوح وهذه الصفة.
موضوعات ذات صلة: |
الجهاد، الحكم، السياسة، العزم |
1 مقاييس اللغة ٣/٢٢٦.
وانظر: الصحاح، الجوهري ١/٣٧٢، لسان العرب، ابن منظور ٤/٤٣٤، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٤٣٨.
2 المفردات ص٤٦٩-٤٧٠.
3 أحكام القرآن ٤/٩١.
4 الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي ص١٤.
5 مبدأ الشورى في الشريعة الإسلامية ص٨.
6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص ٣٩١، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الشين ص٦٧٦.
7 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/٢٢٦-٢٢٧، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ١/٤٩٩، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٢/٣٠٣.
8 مذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب ص١٤٩.
9 منهاج الإسلام في الحكم، تعريب منصور محمد ماضي ص٤٧-٤٨.
10 انظر: المصدر السابق ص٤٨.
11 انظر: الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة ١/٧٢٣.
12 الاستفتاء الشعبي بين الأنظمة الوضعية والشريعة الإسلامية، ماجد راغب الحلو ص٩.
13 انظر: المصدر السابق ص٩-١٠.
14 انظر: الاستفتاء الشعبي، ماجد راغب الحلو ص١٧١-١٧٥.
15 انظر: الموسوعة العربية العالمية ١/٧١٧.
16 انظر: المصدر السابق ١/٧١٨.
17 توخى الأمر: تحراه وقصده ويممه، ثم تقلب واوه ألفًا فيقال: تأخيت الأمر.
انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/١٠٢٠.
18 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٣٤٠-٣٤٧.
19 المحرر الوجيز ٣/٣٥.
20 تيسير الكريم الرحمن ص١٥٤.
21 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٥٠٢ - ٥٠٣.
22 انظر: الإسلام عقيدة وشريعة، محمود شلتوت ص٣٦٨.
23 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٥٤٤-٥٤٩، معالم التنزيل، البغوي ٧/١٩٧-١٩٨، النكت والعيون، الماوردي ٥/٥٠٢- ٥٠٦، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٩-٤٠.
24 الشورى في ضوء القرآن والسنة، حسن ضياء الدين عتر ص٤٤.
25 قال الضحاك بن مخلد الشيباني، والحسن البصري، وعبد الرحمن بن زيد: «الذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم هم الأنصار رضوان الله عليهم».
انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٥٤٦، النكت والعيون، الماوردي ٥/٢٠٦، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٩، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٦٧.
ولكن النص يبقى على عمومه، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو معلوم مشهور، ويدخل في معناه الأنصار رضي الله عنهم دخولًا أوليًا فيما ذكره العلماء، ولذلك قال ابن عطية رحمه الله في الموضع نفسه: «والظاهر أن الله تعالى مدح كل من اتصف بهذه الصفة كائنًا من كان، وهل حصل الأنصار في هذه الصفة إلا بعد سبق المهاجرين لها رضي الله تعالى عن جميعهم بمنه؟».
26 روح المعاني ١٣/٤٦.
27 في المثل السائر ٢/٢٦٩.
28 بلاغة الحال في النظم القرآني، عويض حمود العطوي ص٩٣.
29 قارن برأي آخر مخالف للشيخ محمد عبده مفتي مصر، يذهب إلى أن الآية لا تفيد إلا أن الشورى من أوصاف المؤمنين، وأن آية سورة آل عمران -السابقة- أدل على وجوب الشورى.
انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٤/٣٧، ورجح الشيخ رشيد أن مجيء النص بصيغة الخبر يؤكد كونه فرضًا حتمًا.
30 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٣٧.
31 أحكام القرآن، الجصاص ٥/٢٦٣.
32 الاقتران في اللغة العربية مأخوذ من مادة قرن، واقترن الشيء بالشيء: أي قاربه وداناه، كأنهما مقرونان في قرن، وهو الحبل، وقد اقترن الشيئان وتقارنا، وجاؤوا قرانى أي: مقترنين، فالاقتران في اللغة العربية: المصاحبة والتلازم، ومنه: اقتران الحكم بالعلة.
انظر: شمس العلوم، نشوان الحميري ٨/٥٤٦٦، لسان العرب، ابن منظور ١٣/٣٣٦.
33 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٥٨، دستور العلماء، القاضي أحمد نكري ٣/٤٧.
34 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١٣/٦٧-٧١.
35 في سورة البقرة الآيات ١٠٣ و١٨٢ و٢٠٣ و٢٣٤ و٢٤٠ وفي سورة النساء الآيتان ٢٣ و١٢٨ وفي سورة الأحزاب الآية ٥١.
36 معالم التنزيل، البغوي ١/٢٧٧-٢٧٩ باختصار.
37 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ٢/٥٠٧.
38 الدر المصون، السمين الحلبي ٢/٤٢٧.
39 مفاتح الغيب، الرازي ٦/٤٦٤.
40 نظم الدرر، البقاعي ٣/٣٣٦-٣٣٧ باختصار.
41 المنار، محمد رشيد رضا ٢/٣٢٨.
42 في ظلال القرآن ١/٢٥٣-٢٥٤.
43 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٤/٣٧، ١٦١-١٦٢، زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١٤٧٧، السياسة الشرعية، خلاف ص٥٨، التشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عودة ١/٣٧-٣٨.
44 انظر: الشورى وأثرها في الديمقراطية الأنصاري ص٥٢-٧٩، مبدأ الشورى في الشريعة الإسلامية، البدوي ص٢٣-٢٨، مبدأ الشورى في الإسلام، المليجي ص٨٣، فقه الشورى والاستشارة، الشاوي ص٤٩، فقه الشوري، الغامدي ص٤٩-٥٣، الشورى في القرآن والسنة، حسن العتر ص١٥١-١٥٦، الدولة والسيادة في الفقه الإسلامي، فتحي عبد الكريم ص٣٥٩-٣٦٤.
45 هذا القول منقول عن الإمام أبي حنيفة والإمام أحمد، وقال عامة الأصوليين من الشافعية والحنفية: إن الخطاب لا يتناول الأمة.
وانظر: أصول السرخسي ١/١٤، أصول الفقه، أبو بكر الجصاص ١/٨٥ ، العدة في أصول الفقه، أبو يعلى الفراء ١/٢١٨، ٢٢٤، البرهان في أصول الفقه، الجويني ١/٣٦٧، أصول الفقه، محمد أبو النور زهير ٢/٢٢٤-٢٢٥.
46 المحرر الوجيز ٣/٣٥.
وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٥٠.
وقال العلامة الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير ٣/٢٦٨: واعترض ابن عرفة عليه قوله: «فعزله واجب» ولم يعترض كونها واجبة إلا أن ابن عطية ذكر ذلك جازمًا به، وابن عرفة اعترضه بالقياس على قول علماء الكلام العقيدة بعدم عزل الأمير إذا ظهر فسقه، يعني: ولا يزيد ترك الشورى على كونه ترك واجب فهو فسق، وقلت: من حفظ حجة على من لم يحفظ، وإن القياس فيه فارق معتبر، فإن الفسق مضرته قاصرة على النفس، وترك التشاور تعريض بمصالح المسلمين للخطر والفوات، ومحمل الأمر عند المالكية للوجوب، والأصل عندهم عدم الخصوصية في التشريع إلا لدليل.
47 نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٤/٢٥٠ بزيادة بعض الكلمات.
48 انظر: نيل الأوطار، الشوكاني ٧/٢٥٦، الإحكام في أصول الأحكام، الآمدي ٢/١٧٩، العدة في أصول الفقه، أبو يعلى الفراء ١/٣٣٠-٣٣١، الوجيز في أصول الفقه، محمد صدقي البورنو ٢/٥٠.
49 انظر: في الفقه السياسي، فريد عبد الخالق ص٥٣.
50 الشورى في ضوء القرآن والسنة، حسن ضياء الدين عتر ص٤٤.
51 روح المعاني ١٣/٤٦.
52 في المثل السائر ٢/٢٦٩.
53 بلاغة الحال في النظم القرآني، عويض حمود العطوي ص٩٣.
54 المنار، محمد رشيد رضا ٤/٣٧.
55 وأنكر جمهور علماء الأصول الاحتجاج بدلالة الاقتران، لأن الاقتران في النظم لا يستلزم الاقتران في الحكم.
وانظر: البحر المحيط في أصول الفقه، الزركشي ٨/١٠٩، ميزان الأصول، علاء الدين السمرقندي ص٤١٥، شرح الكوكب المنير، ابن النجار الفتوحي ٣/٢٥٩، الأشباه والنظائر، السبكي ٢/١٩٣-١٩٤، إرشاد الفحول، الشوكاني ٢/١٩٧.
56 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة، ٢/٥٨١، رقم ٨٤٦.
57 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب البول في الماء الدائم، ١/٥٧، رقم ٢٣٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب النهي عن البول في الماء الراكد ١/٢٣٥، رقم ٢٨٢.
58 انظر: بدائع الفوائد ٤/١٨٣.
59 أخرجه أحمد في مسنده، ٤/٢٢٧، رقم ١٧٩٩٤.
وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، ٣/٥٩، رقم ١٠٠٨.
60 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب النوم، باب المشورة، ٤/٣٣٣، رقم ٥١٢٨، والترمذي في سننه، أبواب الأدب، باب المستشار مؤتمن، ٦/٢٩٤، رقم ١٩٩١، وابن ماجه في سننه، كتاب الأدب، باب المستشار مؤتمن، ٤/٦٨١، رقم ٣٧٤٦.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن».
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٣٦، رقم ٦٧٠٠.
61 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٣/٩٩، رقم ١٤٧٨٧.
62 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ )، ١/١٤- ٢٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ١/٥٣، رقم ٢٢.
63 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، ٩/١٥، رقم ٦٩٢٢.
64 فتح الباري، ابن حجر ١٣/٣٤٢ -٣٤٣.
65 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٤/٨٩-٩٣.
66 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٣٤٠-٣٤٧، معالم التنزيل، البغوي ٢/١٢٣-١٢٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٥٠، مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٤٠٩-٤١٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٤٩.
67 التحرير والتنوير ٣/٣٦٨.
وانظر: التفسير البسيط، الواحدي ٦/١٢٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٥٠.
68 أخرجه الإمام مالك في الموطأ، رواية محمد بن الحسن، باب البكر تستأمر في نفسها رقم ٥٣٩.
69 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٤١٠.
قال الشافعي في كتاب الأم ٥/١٨: «ويشبه في دلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرق بين البكر والثيب، فجعل الثيب أحق بنفسها من وليها، وجعل البكر تستأذن في نفسها أن الولي الذي عنى -والله تعالى أعلم- الأب خاصة، فجعل الأيم أحق بنفسها منه، فدل ذلك على أن أمره أن تستأذن البكر في نفسها أمر اختيارٍ لا فرض...، فإن قال قائل: وما يدل على أنه قد يؤمر بمشاورة البكر ولا أمر لها مع أبيها الذي أمر بمشاورتها؟ قيل: قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ﭭ ﭮ ﭯ) ولم يجعل الله لهم معه أمرًا، إنما فرض عليهم طاعته، ولكن في المشاورة استطابة أنفسهم، وأن يستن بها من ليس له على الناس ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستدلال بأن يأتي من بعض المشاورين بالخير قد غاب عن المستشير، وما أشبه هذا».
70 فتح الباري ١٣/٣٤٢.
وانظر: معرفة السنن والآثار، البيهقي ١٤/٢٢٨.
71 أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص ١٣٦، رقم ٢٥٨.
وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص١١٤، رقم ١٩٥.
72 شرح صحيح البخاري، ابن بطال ١٠/٣٩٧.
73 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٤/٣٧.
74 أحكام القرآن، الشافعي، جمع البيهقي ٢/١١٩.
75 انظر: الشورى والديمقراطية، الأنصاري ص١٠٣.
76 انظر: الشورى والديمقراطية، عبد الحميد الأنصاري ص١٠١-١٠٨.
77 انظر: فقه الشورى والاستشارة، توفيق الشاوي ص١١٣-١١٦.
78 انظر: فقه الشورى، علي بن سعيد الغامدي ص١٨٣.
79 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٣٤٥-٣٤٦، معالم التنزيل، البغوي ٢/١٢٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٥٢-٢٥٣.
80 ممن قال بذلك: الدكتور عبد الحميد متولي في كتابه مبادئ نظام الحكم ص ٢٤٥-٢٤٦، ويعقوب المليجي في مبدأ الشورى في الإسلام ص١١١-١١٢، ومحمد يوسف موسى نظام الحكم في الإسلام ص١١٤، وحسن هويدي، في الشورى في الإسلام ص ٨، ومحمود بابللي في الشورى في الإسلام ص٥٧.
81 جامع البيان، الطبري ٧/٣٤٥.
82 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٥٢.
83 أخرجه أحمد في مسنده، ٤/٢٢٧، رقم ١٧٩٩٤.
وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ٣/٥٩، رقم ١٠٠٨.
84 انظر: مبادئ نظام الحكم، عبد الحميد متولي ص٢٤٦، مبدأ الشورى، يعقوب المليجي ص١١٧، الشورى وأثرها في الديمقراطية، عبد الحميد الأنصاري ص١٢٢-١٢٦.
85 انظر: المصادر السابقة.
86 انظر: مبادئ نظام الحكم، عبد الحميد متولي ص٢٤٦-٢٤٧، مبدأ الشورى، يعقوب المليجي ص١٢٠، الشورى وأثرها في الديمقراطية، عبد الحميد الأنصاري ص١٤٤-١٦٣، مبدأ الشورى، إسماعيل البدوي ص٩٤-٩٦.
87 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، ٣/٢٦٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ١/٥١، رقم ٥٢.
88 انظر: السيرة النبوية، ابن كثير ٦/٦١٦-٦١٧، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء، الكلاعي ٣/٨، أحكام القرآن، ابن العربي ٤/١٤٤.
89 انظر: الخراج، القاضي أبو يوسف ص٣٨-٤٤، المدخل الفقهي العام، مصطفى الزرقا ١/١٧٩-١٨٣.
90 انظر: محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية، محمد الخضري ١/٢٨٢، مبادئ نظام الحكم، عبد الحميد متولي ص٢٤٦- ٢٤٧، مبدأ الشورى، المليجي ص١٢٤-١٢٥.
91 انظر: الشورى في الإسلام، حسن هويدي ص١٩.
92 انظر: مبادئ نظام الحكم، عبد الحميد متولي ص٢٤٧، مبدأ الشورى، يعقوب المليجي ص١٢٦-١٢٧، مبدأ الشورى، إسماعيل البدوي ص٩٦.
93 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٢/٣٣٠، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٣٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٤٨، المنار، محمد رشيد رضا ٤/٣٧، ١٦١-١٦٢، الإسلام وأوضاعنا القانونية، عبد القادر عودة ص١٥٠-١٥١، الإسلام عقيدة وشريعة، محمود شلتوت ص٣٧٠، المجتمع الإنساني في ظل الإسلام، محمد أبو زهرة ص٢١٧، ومنهاج الإسلام في الحكم، محمد أسد ص٨٩-٩٨، الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي، عبد الرحمن عبد الخالق ص١٧٠، في النظام السياسي الإسلامي، محمد سليم العوا ص١٩٨-١٩٩، في الفقه السياسي الإسلامي، فريد عبد الخالق ص٦٨-٧٠، المشروعية في النظام الإسلامي، مصطفى كمال وصفي ص٥٧-٥٨، من فقه الدولة في الإسلام، يوسف القرضاوي ص١٤٦، خصائص التشريع الإسلامي، فتحي الدريني ص٤٧٧-٤٧٨، مبادئ نظام الحكم، فؤاد محمد النادي ص٢١١- ٢١٣، مبدأ الشورى في الشريعة الإسلامية، إسماعيل البدوي ص١١٧-١١٨.
94 هذا قول قتادة فيما أخرجه عنه ابن المنذر في تفسيره ٢/٤٦٩، رقم ١١٢٢.
95 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١٤٧٨.
96 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٢/٣٣١.
97 المحرر الوجيز ٢/٣٦.
98 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/١٥١.
99 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٨٤، الدر المنثور، السيوطي ٤/٩١، فتح القدير، الشوكاني ٢/٤٤.
100 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١٣/٣٦٣.
101 المجتمع الإنساني في ظل الإسلام، محمد أبو زهرة ص٢١٧-٢١٨.
وانظر: مبدأ الشورى في الشريعة، إسماعيل البدوي ص٩٧.
102 انظر: المجتمع الإنساني في ظل الإسلام، محمد أبو زهرة ص ٢٢٢.
103 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٤/٣٧، ١٦١-١٦٢، الإسلام وأوضاعنا السياسية، عبدالقادر عودة ص١٥٠-١٥١، في النظام السياسي للدولة الإسلامية، محمد سليم العوا ص١٩١-١٩٢.
104 يقول الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله في الموافقات ٣/٢٧-٢٨: «كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له، فقد ناقض الشريعة، وكل ما ناقضها فعمله في المناقضة باطل، فمن ابتغى في التكاليف ما لم تشرع له فعمله باطل».
وانظر: القواعد الكبرى، العز بن عبد السلام ٢/٢٤٩.
105 أحكام القرآن، الجصاص ٢/٣٣٠-٣٣١ .
106 انظر: البحر المحيط في أصول الفقه، الزركشي ٤/٤٤٢-٤٤٥، تخريج الفروع على الأصول، الزنجاني ص٣٦٧-٣٧٧، إرشاد الفحول، الشوكاني ص٢٦٤-٢٦٥.
107 انظر: تاريخ الخلفاء، السيوطي ص٢٦٣-٢٩٧.
108 انظر: فقه الشورى والاستشارة ص١٠١-١٥٧، فقد أطال في ذلك واستقصى الحالات والتقسيمات، ووافقه على هذا الدكتور محمد سليم العوا، وأشار إلى كتاب الدكتور الشاوي، وهو يومذاك تحت الطبع.
109 مسير الاقتراب: سير القوات المقاتلة من قاعدتها إلى موقع القتال، وكان سير الاقتراب من المدينة المنورة إلى بدر، وهي موقع وآبار على الطريق بين مكة والمدينة.
انظر: الشورى العسكرية ص٨٧٤.
110 وقيل: برك، بكسر الباء، وسكون الراء وهي ناحية باليمن، وغمدان: بضم أوله وسكون ثانيه وآخره نون موضع وقصر فيها.وفي بعض الألفاظ: برك الغماد: بغين معجمة مثلثة كما في القاموس، وهو موضع في ساحل البحر، بينه وبين جدة عشرة أميال، وهو البندر القديم.
انظر: معجم البلدان ١/٤٠٠ و٤/٢١٠، مراصد الاطلاع ١/١٨٧ و٢/٩٦٠، نيل الأوطار، الشوكاني ٨/٢٩.
111 انظر: زاد المعاد، ابن القيم ٣/١٥٣-١٥٦.
112 انظر: الشورى العسكرية ص٨٧٦.
113 القلب: جمع قليب، وهي البئر القديمة، تذكر وتؤنث.
114 والتغوير: الدفن والطمس، وفي بعض الروايات: «نعور» بالعين المهملة، والتعوير هو إفسادها بإلقاء شيء فيها كالحجارة والتراب.
115 مغازي الواقدي ١/٥٣.
116 العريش: شبه الخيمة يستظل به.
117 المغازي، الواقدي ١/٥٣، السيرة النبوية، ابن هشام ١/٦٠٦-٦٠٧، زاد المعاد ٣/١٥٣.
118 انظر: الرسول القائد، محمود شيث خطاب ص١٠٧، الشورى العسكرية له ص٨٧٧.
119 الأسير على وزن فعيل بمعنى المأسور، والأسر في اللغة العربية هو الحبس والإمساك، أو هو الشد بالقيد، مأخوذ من قولهم: أسرت القتب، بمعنى شددته، وتجمع كلمة أسير على أسارى وأسارى وأسرى وأسراء، ويقال: أسير للرجل والمرأة، وعند الفقهاء: الأسرى هم الرجال المقاتلون من الكفار الذين ظفر بهم المسلمون في الحرب.
انظر: أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام محمد بن الحسن الشيباني، عثمان ضميرية ٢/١٢٠٧-١٢٠٨.
120 الأسير يقع تحت سلطة الدولة، وليس تحت سلطة الآسر، ويكون الإمام -رئيس الدولة- في هذا بين خيارات، وهي المن عليه بدون مقابل أو الفداء أو المبادلة بالأسرى من المسلمين أو القتل والاسترقاق قبل إلغاء الرق، ويختار منها ما هو أكثر تحقيقًا للمصلحة العامة للمسلمين، ولا يتصرف في هذا ولا يتخير الحكم فيهم بالهوى، وإنما الحكم فيهم على وجه الاجتهاد والمصلحة للمسلمين.
انظر: أصول العلاقات الدولية، عثمان ضميرية ٢/١٢٠٨-١٢٥١.
121 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب الإمداد بالملائكة، ٣/١٣٨٣، رقم ١٧٦٣.
122 أخرجه أحمد في مسنده، ٦/١٣٨، رقم ٣٦٣٢، والترمذي في سننه، أبواب التفسير، تفسير سورة الأنفال، ٥/٢٧١، رقم ٣٠٨٤.
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص٣٧٩.
123 انظر: دروس في السيرة النبوية وعبرها، أحمد محمد العليمي ص١٦٨.
124 الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص٣٨.
125 زاد المعاد ٢/١٧٣.
126 انظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد ٢/٧٣، والسيرة النبوية، ابن هشام ٢/٢٢٣، زاد المعاد، ابن القيم ٣/٢٤٦-٢٤٧، أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام الشيباني، عثمان ضميرية ١/٦٤٥-٦٤٦.
127 الإفك: أسوأ الكذب، سمي إفكًا لكونه مصروفًا عن الحق، من قولهم: أفك الشيء إذا قلبه عن وجهه، وقوله تعالى: (ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ) أي: يصرفون عن الحق في الاعتقاد إلى الباطل، ومن الصدق في المقال إلى الكذب، ومن الجميل في الفعل إلى القبيح، وسمي الكلام الذي قيل عن عائشة رضي الله عنها إفكًا، وذلك لأنها كانت تستحق الثناء لما كانت عليه من الحصانة والشرف، فمن رماها بالسوء قلب الأمر عن وجهه.
انظر: معالم التنزيل، البغوي ٦/٢٢، المفردات، الراغب ص٧٩.
128 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حديث الإفك، ٥/١١٦، رقم ٤١٤١، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، ٤/٢١٢٩، رقم ٢١٣٨.
129 سبق تخريجه في الحاشية السابقة.
130 المغازي، الواقدي ١/٥٣.
131 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب: ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ٤/٨٩، رقم ٣١٣١.
132 انظر: فقه الشورى، علي بن سعيد الغامدي ص١٩٢-١٩٣.
133 المجلس: مكان الجلوس، واستحدث مجمع اللغة العربية لها المعنى المعروف في عصرنا هذا فقال: «المجلس: الطائفة من الناس تخصص للنظر فيما يناط بها من أعمال، ومنه مجلس الشعب، ومجلس العموم، ومجلس الأعيان، والمجلس الحسبي. والجلسة: مرة الجلوس، وحصةٌ من الوقت يجلس فيها جماعة مختصون للنظر في شأن من الشؤون، وهي مغلقة إذا لم يشهدها إلا أعضاؤها، ومفتوحة إذا شهدها معهم غيرهم، والجمع جلسات».
انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/١٣٠.
134 علم أصول الفقه، عبد الوهاب خلاف ص١٤٦.
135 انظر: الشورى بين الأصالة والمعاصرة، عزالدين التميمي ص٦١-٦٢.