عناصر الموضوع
أولًا: المعنى اللغوي:
الصاد والحاء والباء أصلٌ واحدٌ يدل على مقارنة شيءٍ ومقاربته، ومن ذلك الصاحب1، ويجمع بالصحب، والصحبان والصحبة والصحاب، والأصحاب: جماعة الصحب2، ومن الباب: أصحب فلانٌ إذا انقاد، وأصحب الرجل إذا بلغ ابنه مبلغ الرجال، فصار مثله، فكأنه صاحبه، واستصحب الرجل: دعاه إلى الصحبة، ولازمه، وكل ما لازم شيئًا فقد استصحبه3، لذلك يطلق مجازًا على من اعتنق مذهبًا أو رأيًا فيقال: أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب الشافعي4، والصحبة- بالضم-: المعاشرة، صحبه صحبة وصحابة وصحابة، وصاحبه: عاشره، والصاحب: المعاشر5، وكذا: المرافق، ومالك الشيء، والقائم على الشيء، وفي التنزيل العزيز: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [المدثر:٣١]6.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
المعنى الاصطلاحي لا يختلف كثيرًا عن المعنى اللغوي، فقد قال الراغب: «الصاحب: الملازم، إنسانًا كان أو حيوانًا أو مكانًا أو زمانًا، ولا فرق بين أن تكون مصاحبته بالبدن وهو الأصل والأكثر، أو بالعناية والهمة، ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته»7.
وعرفها ابن عاشور بأنها: «الملازمة في أحوال التجمع والانفراد للمؤانسة والموافقة، ومنه قيل للزوج: صاحبة، وللمسافر مع غيره صاحب، وقد يتوسعون في إطلاقه على المخالط في أحوال كثيرة، ولو في الشر»8.
وردت مادة (صحب) في القرآن الكريم (١٠٦) مرات9.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٢ |
(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الكهف:٧٦] |
فعل الأمر |
١ |
(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [لقمان:١٥] |
اسم الفاعل |
١٠٣ |
(ﮩ ﮪ) [النساء:٣٦] |
وجاءت الصحبة في القرآن الكريم بمعناها اللغوي الدال على الملازمة10.
الرفقة:
الرفقة لغة:
الرفقة: الصحبة في السفر أو غيره، يقال: رافق الرجل صاحبه، ورفيقك:الذي يرافقك، وقيل:هو الصاحب في السفر خاصة11.
وسمي الصاحب رفيقًا؛ لارتفاقك به وبصحبته، ويقال للجماعة في السفر: رفقة؛ لارتفاق بعضهم ببعض12.
الرفقة اصطلاحًا:
لا يختلف معنى الرفقة اصطلاحًا عن معناها اللغوي، والرفقة تقال للقوم ما داموا منضمين في مجلس واحد ومسير واحد، فإذا تفرقوا ذهب عنهم اسم الرفقة، ولم يذهب عنهم اسم الرفيق13.
الصلة بين الرفقة والصحبة:
الرفقة أخص من الصحبة، والصحبة أعم، ففي لفظ (الرفيق) معنى الرفق والرحمة، بخلاف الصحبة؛ فقد يوجد الرفق فيها، وقد يوجد العذاب كما هو مع أصحاب النار.
الصداقة:
الصداقة لغة:
الصداقة: مصدر الصديق، وهو مشتق من صدق المودة والنصيحة، والجمع صدقاء وصدقانٌ وأصدقاء وأصادق14.
والصديق: الصاحب الصادق في المودة15، وإنما سمي الصديق صديقًا لصدقه16.
الصداقة اصطلاحًا:
لا يختلف معناها الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، ولذا عرفها المناوي بأنها: «صدق الاعتقاد في المودة، وذلك يختص بالإنسان دون غيره»17.
الصلة بين الصداقة والصحبة:
الصداقة أخص من الصحبة، فهي تختص بالإنسان دون غيره، فكل صديق صاحب، وليس كل صاحب صديقًا.
الأخوة:
الأخوة لغة:
الأخ: «المشارك آخر في الولادة من الطرفين، أو من أحدهما أو من الرضاع. ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة، أو في الدين، أو في صنعة، أو في معاملة أو في مودة، وفي غير ذلك من المناسبات»18.
وأكثر ما يستعمل الإخوان في الأصدقاء، والإخوةُ في الولادة 19.
الأخوة اصطلاحًا:
لا يختلف معناها الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، الذي يشمل أخوة النسب والصداقة والمشاركة في قبيلة أو دين أو صنعة وغير ذلك.
الصلة بين الأخوة والصحبة:
كل واحد منهما أخص من الآخر من جهة وأعم من جهة أخرى، فهناك أخ ليس بصاحب، وهناك صاحب ليس بأخ، وإذا قابلت بينهما فالأخ أعلى20.
القرين:
القرين لغة:
القرين: المقارن والمصاحب، والزوج، والبعير المقرون بآخر، والأسير، والجمع: قرناء21، والقرين يكون في الخير والشر، وكل إنسان معه قرين، فقرينه من الملائكة يأمره بالخير ويحثه عليه، وقرينه من الشياطين يأمره بالشر ويحثه عليه22.
القرين اصطلاحًا:
لا يختلف معناه الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
الصلة بين القرين والصحبة:
الصحبة تفيد انتفاع أحد الصاحبين بالآخر غالبًا، ولهذا يستعمل في الآدميين خاصةً، فيقال: (صحب زيد عمرًا)، و(صحبه عمرو)، ولا يقال: (صحب النجم النجم)، أو (الكون الكون) والمقارنة: تفيد قيام أحد القرينين مع الآخر، ويجري على طريقته وإن لم ينفعه، ومن ثم قيل: (قران النجوم)، وقيل للبعيرين يشد أحدهما إلى الآخر بحبل: (قرينان)23.
العشرة:
العشرة لغة:
العِشرة: اسم من المعاشرة وهي المخالطة24، والعشير: الصاحب والزوج25، والعرب تسمى الزوج:عشيرًا؛ لأجل المخالطة26، والعشيرة: أهل الرجل الذين يتكثر بهم27.
الرفقة اصطلاحًا:
لا يختلف معنى العشرة اصطلاحًا عن معناها اللغوي.
الصلة بين العشرة والصحبة:
العشرة ترادف مفهوم الصحبة، فكلاهما يدل على المعاشرة والمخالطة، إلا إن العشرة تعتبر من معاني الصحبة، فلفظ الصحبة إذن أعم من لفظ العشرة، فكل صحبة عشرة، وليس كل عشرة صحبة.
حث الله تعالى في محكم التنزيل على ملازمة أهل الصلاح والإيمان، ونهى عن ملازمة أهل الغفلة والضلال، حيث قال جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الكهف:٢٨].
وفي هذا المبحث سوف نذكر نوعين من الصحبة في كتاب الله عز وجل.
أولًا: الصحبة الصالحة:
أشار القرآن الكريم لهذا النوع من الصحبة، وسوف نذكر منها ما يأتي:
١. صحبة موسى عليه السلام للخضر.
ذكر الله تعالى رحلة موسى عليه السلام وملازمته للخضر في محكم التنزيل، ولم يذكر أسباب تلك الرحلة، إلا أن السنة النبوية أوضحت أن سبب الرحلة كان عتاب الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى عليه السلام عندما سئل هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال:لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه: أن عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك الخ 28.
والتقى موسى عليه السلام بالخضر في ذلك المكان بعد رحلة طويلة وشاقة، فكان ما قص الله من نبأهما في محكم التنزيل.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الكهف:٦٥-٦٦].
إلى قوله جل وعلا: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الكهف:٨٢].
وسوف نذكر بعضًا من الفوائد والعبر من صحبة موسى عليه السلام للخضر، منها:
٢. صحبة أهل الكهف.
وهم مجموعة من الشباب، لجؤوا إلى غار في الجبل، فرارًا بدينهم من أقوامهم، الذين كانوا يعبدون الأصنام، وحدثت لهم بهذا الغار الأعاجيب، وقد ذكر الله قصتهم باختصار في قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الكهف:٩-١٢].
ثم بدأ بتفصيلها بعد هذا الإجمال في أربع عشرة آية بعد ذلك.
قال السعدي عنهم: «هم فتية وفقهم الله، وألهمهم الإيمان، وعرفوا ربهم، وأنكروا ما عليه قومهم، من عبادة الأوثان، وقاموا بين أظهرهم معلنين فيما بينهم عقيدتهم، خائفين من سطوة قومهم فقالوا: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الكهف:١٤].
فلما اتفقوا على هذا الأمر، وعرفوا أنهم لا يمكنهم إظهار ذلك لقومهم سألوا الله أن يسهل أمرهم فقالوا: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الكهف:١٠].
فأووا إلى غار يسره الله غاية التيسير، واسع الفجوة فناموا في كهفهم بحفظ الله ورعايته ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا»35.
فهؤلاء فتية ضحوا في سبيل عقيدتهم وفروا بدينهم من سعة الحياة إلى ضيق الكهف؛ ليكونوا مثلًا لكل أهل عقيدة، ودليلًا على أن الله تعالى ينصر أهله ويدافع عنهم ويخلد ذكراهم إلى قيام الساعة36.
وقد ذكر السعدي فوائد وعبر من هذه القصة منها:
٣. صحبة أبي بكر الصديق لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
صحب أبو بكر الصديق رضي الله عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منذ إسلامه إلى وفاته، ولم يفارقه أبدًا، وشارك معه في غزواته، وبذل نفسه وماله في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، وهاجر مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يتركه أبدًا طيلة حياته، ونال بذلك شرف الصحبة معه في الغار، حيث قال جل وعلا في محكم التنزيل: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [التوبة:٤٠].
قال السعدي: «وفي هذه الآية الكريمة فضيلة أبي بكر الصديق بخصيصة لم تكن لغيره من هذه الأمة، وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة، والصحبة الجميلة، وقد أجمع المسلمون على أنه هو المراد بهذه الآية الكريمة، ولهذا عدوا من أنكر صحبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم كافرًا، لأنه منكر للقرآن الذي صرح بها وفيها: أن الحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصديقين، مع أن الأولى-إذا نزل بالعبد-أن يسعى في ذهابه عنه، فإنه مضعف للقلب، موهن للعزيمة»41.
٤. صحبة يوسف عليه السلام للفتيين في السجن.
دخل يوسف عليه السلام السجن، وكان في جملة من دخل معه فتيان، فلما رأيا من فضله وإحسانه في السجن طلبا منه تأويل رؤياهما.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [يوسف:٣٦].
قال أبو حيان: «ومع تدل على الصحبة واستحداثها، فدل على أنهم سجنوا الثلاثة في ساعة واحدة، ولما دخل يوسف السجن استمال الناس بحسن حديثه وفضله ونبله، وكان يسلي حزينهم، ويعود مريضهم، ويسأل لفقيرهم، ويندبهم إلى الخير، فأحبه الفتيان ولزماه»42.
وتوسما من يوسف عليه السلام كمال العقل والفهم فظنا أنه يحسن تعبير الرؤيا، ولذلك قالا:(ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)43.
فانتهز الفرصة ودعاهما إلى عبادة الله تعالى وحده، وترك ما سواه من عبادة الأصنام قبل تأويل رؤياهما، وهذه طبيعة المؤمن أن يكون حريصًا على دعوة وهداية الآخرين إلى الخير والصلاح، وقدم قبل الدعوة ما يكون معجزة له من الإخبار بالغيب ليدلهما على صدقه في الدعوة والتعبير.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [يوسف:٣٧]44.
فناداهما باسم الصحبة في المكان الشاق الذي تخلص فيه المودة وتتمخض فيه النصيحة؛ ليقبلا عليه ويقبلا مقالته، وقد ضرب لهما مثلًا يتضح به الحق عندهما حق اتضاحٍ.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)[يوسف:٣٩-٤٠]45.
فأورد الدليل على بطلان ملة قومهما بقوله: (ﭰ) فأبرز ذلك في صورة الاستفهام حتى لا تنفر طباعهما من المفاجأة بالدليل من غير استفهام، وهكذا الوجه في محاجة الجاهل أن يؤخذ بدرجة يسيرة من الاحتجاج يقبلها، فإذا قبلها لزمته عنها درجة أخرى فوقها، ثم كذلك إلى أن يصل إلى الإذعان بالحق46.
فيوسف عليه السلام دعا صاحبي السجن لعبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، فيحتمل أنهما استجابا وانقادا، فتمت عليهما النعمة، ويحتمل أنهما لم يزالا على شركهما، فقامت عليهما -بذلك- الحجة، ولعل يوسف عليه الصلاة والسلام قصد أن يدعوهما إلى الإيمان في هذه الحال التي بدت حاجتهما إليه، ليكون أنجع لدعوته، وأقبل لهما47، وجعل سؤالهما له على وجه التعظيم والاحترام وصلة وسببًا إلى دعائهما إلى التوحيد والإسلام، لما رأى في سجيتهما من قبول الخير والإقبال عليه، والإنصات إليه48.
٥. صحبة الأخيار المداومين على عبادة الله تعالى.
حث الله تعالى على ملازمة الأخيار من عباده، المداومين على ذكره، حيث قال جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الكهف:٢٨].
يقول السعدي في تفسير هذه الآية: «يأمر تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وغيره أسوته، في الأوامر والنواهي أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله، فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد ما لا يحصى»49.
والتعبير عنهم بالموصول للإيماء إلى تعليل الأمر بملازمتهم، أي لأنهم أحرياء بذلك؛ لأجل إقبالهم على الله فهم الأجدر بالمقارنة والمصاحبة50.
فينبغي للرجل أن ينظر في شيخه وقدوته ومتبوعه، فإن وجده ممن غلب عليه ذكر الله تعالى عز وجل، واتباع السنة، وأمره غير مفروط عليه بل هو حازم في أمره فليستمسك بغرزه51.
٦. صحبة الوالدين.
أعظم صحبة للإنسان هي صحبة الوالدين، وهي صحبة صالحة يرضي بها الإنسان ربه، ويسعد بها في دنياه، ويرجو بها حسن الثواب في الآخرة، وقد أمر الله تعالى ببر الوالدين والإحسان إليهما، وقرن طاعته بطاعتهما بعده مباشرة.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الإسراء:٢٣].
ومفهوم الإحسان إلى الوالدين كما ذكر القرطبي: «معاشرتهما بالمعروف، والتواضع لهما، وامتثال أمرهما، والدعاء بالمغفرة بعد مماتهما، وصلة أهل ودهما52، وبرهما وحفظهما وصيانتهما، وإزالة الرق عنهما، وترك السلطنة عليهما»53.
والأمر بالإحسان يتضمن النهي عن الإساءة، إذ هو نهي عن الإساءة، وأمر بفضل العاطفة والمواساة والقرب، وإحسان الصحبة54.
وفي الآية دليل واضح على عظم صحبة الوالدين بالإحسان إليهما، فقد أتى بعد حق الله جل وعلا الذي هو من أعلى الحقوق وأعظمها، قال ابن كثير: «وهذا هو أعلى الحقوق وأعظمها، وهو حق الله تعالى، أن يعبد وحده لا شريك له، ثم بعده حق المخلوقين، وآكدهم وأولاهم بذلك حق الوالدين، ولهذا يقرن الله تعالى بين حقه وحق الوالدين، كما قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [لقمان:١٤].
وقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الإسراء:٢٣]»55.
ومما يدل كذلك على عظم صحبة الوالدين، وأنها من آكد حقوق المخلوقين، ما جاء في الحديث الصحيح، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك) قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك)56.
بل إن الله تعالى أمر بصحبتهما وإن كانا كافرين، ولكن بما يرتضيه الشرع.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [لقمان:١٥].
قال المراغي: «أي وصاحبهما في أمور الدنيا صحبة يرتضيها الدين، ويقتضيها الكرم والمروءة، بإطعامهما وكسوتهما، وعدم جفائهما وعيادتهما إذا مرضا، ومواراتهما في القبر إذا ماتا»57.
وذكر (ﮗ ﮘ)؛ لتهوين أمر الصحبة، والإشارة إلى أنها في أيام قلائل وشيكة الانقضاء فلا يضر تحمل مشقتها؛ لقلة أيامها وسرعة انصرامها58.
وفي الآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين، وإلانة القول، والدعاء إلى الإسلام برفق59.
ثانيًا: الصحبة السيئة:
وقد أشار القرآن الكريم إلى نماذج، منها:
١. صحبة الشيطان.
ذم الله تعالى صحبة الشيطان باتباع خطواته ووسواسه وتزيينه للشر، حيث قال جل وعلا: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [النساء:٣٨].
والقرين: المقارن، أي الصاحب والخليل، وهو فعيل من الإقران60.
قال طرفة بن العبد61:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
وفي معنى الآية يقول الخازن: «من يكن الشيطان صاحبه وخليله فبئس الصاحب وبئس الخليل الشيطان، وإنما اتصل الكلام هنا بذكر الشيطان تقريعًا لهم على طاعة الشيطان»62.
فهو الذي حملهم على صنيعهم القبيح، وعدولهم عن فعل الطاعة على وجهها، بأن سول لهم وأملى لهم، وقارنهم فحسن لهم القبائح63.
وفي الآية إيماء إلى تأثير قرناء المرء في سيرته، وأن الواجب اختيار القرين الصالح على قرين السوء64.
٢. صحبة أهل الدنيا المنهمكون في ملذاتها الغافلون عن ذكره جل وعلا.
أمر الله تعالى رسوله الكريم بملازمة المؤمنين الصادقين، وحذر من الانصراف عنهم إلى صحبة أهل الدنيا المنشغلون بها الغافلون عن ذكره، ونهاه عن طاعتهم.
قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الكهف:٢٨].
قال الخازن في تفسير هذه الآية: «(ﭜ ﭝ) أي: لا تصرف ولا تجاوز (ﭞ ﭟ) إلى غيرهم (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) أي: تطلب مجالسة الأغنياء والأشراف وصحبة أهل الدنيا (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) أي: جعلنا قلبه غافلًا عن ذكرنا (ﭬ ﭭ) أي: في طلب الشهوات (ﭮ ﭯ ﭰ) ضياعًا ضيع أمره وعطل أيامه»65.
والآية الكريمة تسوق للناس توجيهًا حكيمًا في بيان القيم الحقيقية للناس، وهي أنها تتمثل في الإيمان والتقوى، لا في الغنى والجاه66، وأن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد وزخرف الحياة من اللباس والطعام67.
وقد أمر الله تعالى في موضع آخر بالإعراض عن المتولي عن ذكره، القاصر نظره على الحياة الدنيا، حيث قال جل وعلا: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النجم:٢٩].
قال أبو حيان في هذه الآية: «فأمر صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن من هذه حاله، ثم ذكر سبب التولي عن الذكر، وهو حصر إرادته في الحياة الدنيا؛ فالتولي عن الذكر سبب للإعراض عنهم، وإيثار الدنيا سبب التولي عن الذكر، وذلك إشارة إلى تعلقهم بالدنيا وتحصيلها»68.
وفي الآية تحذير من مخالطة الغافلين والصحبة لهم، فإن صحبتهم سم قاتل، والجلوس معهم تضييع وبطالة، إلا أن يستولي نور من يصحبهم على ظلمتهم، فيجرهم إلى الله، فهذا جلوسه معهم كمال69.
إن الإنسان اجتماعي بطبعه، ميال إلى الاجتماع بالناس والاستئناس بهم، فعندما يتخذ صاحبًا له لا بد أن يكون هناك رابطٌ بينهما هو الذي أدى إلى اجتماعهما وصحبتهما، فالإنسان إنما يجالس ويخالط من هو في جنسه الذي يتفق مع ميوله وأفكاره، فإذا ما حصل الاتفاق لا بد أن يؤثر أحد في الآخر، فالمخالطة والصحبة إذًا لا تخلو من رابط، وهو ما يسمى بالسبب أو الدافع الذي أدى إلى تلك الصحبة، فلو لم يكن هناك سبب أو دافع بينهما، لما استأنس كل منهما بصاحبه.
وسوف نذكر في هذا المبحث أسباب الصحبة، وهي على وجهين70:
أولًا: ما كان اضطراريًا:
وهي أسباب مكتسبة من غير قصد واختيار بسبب المماثلة والاتفاق بين الصاحبين في أمور شتى71، كصحبة يوسف عليه السلام للفتيين في السجن، فقد كانت من غير قصد واختيار، وسببها المماثلة أو الموافقة في الأحوال، قال ابن عاشور في قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [يوسف:٣٩].
«وعبر عنهما بوصف الصحبة في السجن دون اسميهما إما لجهل اسميهما عنده إذ كانا قد دخلا السجن معه في تلك الساعة قبل أن تطول المعاشرة بينهما وبينه، وإما للإيذان بما حدث من الصلة بينهما وهي صلة المماثلة في الضراء الإلف في الوحشة، فإن الموافقة في الأحوال صلة تقوم مقام صلة القرابة أو تفوقها»72.
ثانيًا: ما كان عن قصد واختيار:
وهي أسباب مكتسبة بقصد ونية بسبب الرغبة والحاجة73، كصحبة موسى عليه السلام للعبد الصالح ورغبته في التزود من العلم الذي وهبه الله إياه، قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الكهف:٦٦].
قال الشعراوي: «ورغم أن موسى رسول من عند الله إلا أنه لم يتأب على أن عبدًا من عباد الله تقرب إلى الله فاتبعه موسى ليقول له: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)، وفي هذا تأكيد على رغبة موسى أن يستزيد بالعلم ممن أعطاه الله العلم، وجاء القرآن بهذه القصة ليعلمنا أدب التعلم»74.
وكحاجته كذلك لأخيه هارون عليه السلام في صحبته لتبليغ دينه جل وعلا، قال تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [القصص:٣٤].
قال ابن كثير: «أي: وزيرًا ومعينًا ومقويًا لأمري، يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله عز وجل؛ لأن خبر اثنين أنجع في النفوس من خبر واحد؛ ولهذا قال: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)»75.
فوهب الله تعالى لموسى أخاه هارون عليهما السلام رحمةً بموسى؛ لأن هارون كان معينًا لأخيه ومساندًا له في مسألة الدعوة، وهذه لم تحدث مع نبي آخر أن يجعل الله له معينًا في حمل هذه المهمة76.
قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [مريم:٥٣].
ولهذا قال بعض السلف: ليس أحد أعظم منة على أخيه، من موسى على هارون، عليهما السلام، فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيًا ورسولًا معه إلى فرعون وملئه، ولهذا قال تعالى في حق موسى عليه السلام: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الأحزاب:٦٩]77.
وفي سؤاله من ربه يقول القرطبي في قوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الشعراء:١٣].
«وكأن موسى أذن له في هذا السؤال، ولم يكن ذلك استعفاء من الرسالة، بل طلب من يعينه، ففي هذا دليل على أن من لا يستقل بأمر، ويخاف من نفسه تقصيرًا، أن يأخذ من يستعين به عليه، ولا يلحقه في ذلك لوم»78.
اعلم أن لقوام الصحبة حقوقًا، فبقدر تأديتها أو الإخلال بها تدوم تلك الصحبة أو تنخرم، فعلى المؤمن أن يحفظ لصاحبه حق صحبته وحسن عشرته، فلا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له، وسوف يكون حديثنا في هذا المبحث عن حقوق الصحبة، ومن تلك الحقوق ما يأتي:
أولًا: الإحسان للصاحب:
أمر الله جل وعلا بالقيام بحقوق العباد الأقرب فالأقرب، ومن تلك الحقوق حق الصاحب وذلك بالإحسان إليه.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [النساء:٣٦].
قال النيسابوري: «(ﮩ ﮪ) وهو الذي حصل بجنبك إما رفيقًا في سفر، وإما جارًا ملاصقًا، وإما شريكًا في تعلم أو حرفة، وإما قاعدًا إلى جنبك في مجلس، أو في مسجد أو غير ذلك من أدنى صحبة اتفقت بينك وبينه، فعليك أن تراعي ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان، وقيل: الصاحب بالجنب المرأة؛ فإنها تكون معك وتضطجع إلى جنبك»79.
وأما السعدي فيقول في تفسير هذه الآية: «(ﮩ ﮪ) قيل: الرفيق في السفر، وقيل: الزوجة، وقيل الصاحب مطلقًا، ولعله أولى، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ويشمل الزوجة»80.
ومن الإحسان إلى الصاحب الذي يكون بجنبك، ألا تؤذيه بمنظر كريه أو ريح كريهة، وأن تحافظ على الحياء في مجلسك، فلا تجعل نعلك يحف بثيابه أو بحيث يؤذيه، وأن تعاونه إن كان محتاجًا إلى معاونتك.
ثانيًا: النصح والإرشاد:
فمن حقوق الصحبة نصح الصديق لصديقه بإرشاده للحق، كما فعل يوسف عليه السلام مع صاحبي السجن حين دعاهما إلى عبادة الله تعالى وحده، وترك ما سواه من عبادة الأصنام.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يوسف:٣٩-٤٠].
فناداهما باسم الصحبة في المكان الشاق الذي تخلص فيه المودة وتتمخض فيه النصيحة؛ ليقبلا عليه ويقبلا مقالته، وقد ضرب لهما مثلًا يتضح به الحق عندهما حق اتضاحٍ، وذلك في قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)، وقد تحدثنا عن ذلك في صحبة يوسف عليه السلام للفتيين في السجن ونكتفي بما ذكرناه81.
وأما في وصفه للأصنام (بالتفرق)، ووصف الله تعالى بـ(الوحدة) و(القهر) تلطف حسن، وأخذ بيسير الحجة قبل كثيرها الذي ربما نفرت منه طباع الجاهل وعاندته82.
ثالثًا: الإعانة بالنفس والمال في قضاء الحاجات:
فمن حقوق الصحبة بذل المال والنفس للصاحب عند حاجته وافتقاره، كما بذل أبو بكر الصديق رضي الله عنه في صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه وماله في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، وقد ذكرنا ذلك في صحبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم ووقوفه معه في أصعب المواقف والشدائد83.
ومنها ملاحقة الكفار لهم وهم في الغار، حيث أخبر الله جل وعلا عن ذلك الموقف ونصرته لهم بقول تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [التوبة:٤٠].
فنال بذلك شرف الصحبة وهو معه في الغار، بقوله تعالى:(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ).
قال الخازن: «وفي هذا دليل على فضل أبي بكر الصديق، ومنها أن الله سبحانه وتعالى نص على صحبة أبي بكر دون غيره بقوله سبحانه وتعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ).
ومنها: أن الله سبحانه وتعالى كان ثالثهما ومن كان الله معه دل على فضله وشرفه على غيره، ومنها إنزال السكينة على أبي بكر واختصاصه بها دليل على فضله، والله أعلم»84.
وفي الآية كما ذكر بعض المفسرين عتاب من الله عز وجل لأهل الأرض جميعًا غير أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه85.
ومما يدل على بذله ما جاء في قوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ) [الليل:١٧-٢١].
قال ابن كثير: «وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك، ولا شك أنه داخل فيها، وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة؛ فإنه كان صديقًا تقيًا كريمًا جوادًا بذالًا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسول الله، فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم»86.
ومن باب الفائدة، فقد ذكر ابن الجوزي ثلاث مراتب في بذل المال للصاحب وإعانته: أهونها: المساهمة في المال، وأوسطها المواساة، وأعلاها تقديم الأخ في المال على النفس87.
رابعًا: العفو عن زلات وهفوات الصاحب:
وأما العفو عن الزلات؛ فذلك بأن يقيل عثرات أخيه، ويعفو عن زلاته، وأن يلتمس له أعذارًا، وأن لا يعترض على هناته دون روية؛ فإن ذلك قد يبعث على القطيعة والهجران88.
وقد أرشد الله عز وجل إلى ذلك، حيث قال جل وعلا في محكم التنزيل: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [فصلت:٣٤].
قال أبو الطيب: «أي ادفع السيئة إذا جاءتك من المسيء بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات، ومنه مقابلة الإساءة بالإحسان، والذنب بالعفو، والغضب بالصبر، والإغضاء عن الهفوات، والاحتمال للمكروهات»89.
قال ابن عباس: أمر الله تعالى بالصبر عند الغضب، والحلم والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم، كأنه ولي حميم90.
وفي قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)، يقول البغوي: «يعني إذا فعلت ذلك خضع لك عدوك وصار الذي بينك وبينه عداوة، كأنه ولي حميم، كالصديق القريب»91.
فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فصله، وإن ظلمك فاعف عنه، وإن تكلم فيك غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين، وإن هجرك وترك خطابك، فطيب له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة92.
إن للصحبة أثرًا عميقًا في شخصية المرء وأخلاقه وسلوكه، والصاحب يكتسب صفات صاحبه بالتأثر والاقتداء، فالإنسان اجتماعي بالطبع، ولا بد أن يخالط الناس ويكون له منهم أخلاء وأصدقاء، فإن كانوا أصحاب سوء تأثر بهم وبأخلاقهم السيئة، وإن كانوا أصحاب خير وصلاح تأثر بأخلاقهم الحميدة، وأعمالهم المرضية لله عز وجل، وكانوا له عونًا على طاعة المولى جل علا.
قال عليه الصلاة والسلام: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)93.
وصدق الشاعر حيث قال94:
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى
وسوف يكون حديثنا في هذا المبحث عن آثار الصحبة الصالحة والسيئة في الدنيا، وذلك في النقاط الآتية:
أولًا :آثار الصحبة الصالحة:
اعلم أن للأخوة الصالحة أثرًا عظيمًا في سلوك المؤمن، فإذا أراد الله تعالى بالعبد خيرًا قيض له صحبةً من الأخيار، وهيأ له من الإخوان من يعينه على صلاح نفسه، فلا يلبث أن يبلغ قدرهم أو يبرز عليهم، ومن آثار تلك الصحبة في الدنيا:
١. الإعانة على طاعة الله وذكره جل وعلا.
فالصحبة الصالحة خير معين على طاعة الله وذكره، قال تعالى: (ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [العصر:١-٣].
قال الطبري: «وقوله: (ﭝ ﭞ) يقول: وأوصى بعضهم بعضًا بلزوم العمل بما أنزل الله في كتابه، من أمره واجتناب ما نهى عنه فيه، وقوله: (ﭟ ﭠ) يقول: وأوصى بعضهم بعضًا بالصبر على العمل بطاعة الله»95.
وفي جعل التواصي بالصبر قرينًا للتواصي بالحق دليل على عظيم قدره وفخامة شرفه، ومزيد ثواب الصابرين على ما يحق الصبر عليه إن الله مع الصابرين، وأيضًا التواصي بالصبر مما يندرج تحت التواصي بالحق، فإفراده بالذكر وتخصيصه بالنص عليه من أعظم الأدلة الدالة على إنافته على خصال الحق، ومزيد شرفه عليها، وارتفاع طبقته عنها96، وكرر الفعل لاختلاف المفعولين97.
وعندما بعث الله تعالى موسى عليه السلام بالرسالة، سأل ربه أن يعينه بأخيه، ويقويه به فيما حمله من الرسالة والقيام بها.
قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [طه:٢٩-٣٢].
ثم ذكر العلة في ذلك، حيث قال جل وعلا: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ) [طه:٣٣-٣٤].
يقول السعدي: «علم عليه الصلاة والسلام أن مدار العبادات كلها والدين على ذكر الله؛ فسأل الله أن يجعل أخاه معه يتساعدان ويتعاونان على البر والتقوى، فيكثر منهما ذكر الله من التسبيح والتهليل، وغيره من أنواع العبادات»98.
فهذه هي العلة في مشاركة هارون لأخيه في مهمته، لا طلبًا لراحة نفسه، وإنما لتتضافر جهودهما في طاعة الله، وتسبيحه وذكره99.
٢. الثبات على الحق في الشدائد.
إن الثبات على الحق، والصبر على المحن والبلاء، يجعل الإنسان في راحة وطمأنينة دائمًا، ويشعر بمعية الله جل وعلا، وقد ذكر الله تعالى في محكم التنزيل موقف موسى عليه السلام، مع أصحابه عندما خرجوا، وطاردهم فرعون وجنوده.
قال تعالى واصفًا ذلك الموقف: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الشعراء: ٦١-٦٢].
قال القرطبي: «لما لحق فرعون بجمعه جمع موسى وقرب منهم، ورأت بنو إسرائيل العدو القوي والبحر أمامهم ساءت ظنونهم، وقالوا لموسى على جهة التوبيخ والجفاء: (ﭗ ﭘ) فرد عليهم قولهم وزجرهم وذكرهم وعد الله سبحانه له بالهداية والظفر (ﭛ) أي: لم يدركوكم (ﭝ ﭞ ﭟ) أي: بالنصر على العدو (ﭠ) أي: سيدلني على طريق النجاة»100.
فلما عظم البلاء على بني إسرائيل، ورأوا من الجيوش مالا طاقة لهم به بين الله سبحانه له طريق الهداية، فأمره بضرب البحر، وبه نجا بنو إسرائيل، وهلك عدوهم101 ، وإسناد المعية إلى الرب في قوله تعالى:(ﭝ ﭞ ﭟ) على معنى مصاحبة لطف الله به وعنايته بتقدير أسباب نجاته من عدوه، وذلك أن موسى واثق بأن الله منجيه لقوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ) [الشعراء:١٥].
وقوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الشعراء:٥٢].
واقتصر موسى على نفسه في قوله: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ)؛ لأنهم لم يكونوا عالمين بما ضمن الله له من معية العناية، فإذا علموا ذلك علموا أن هدايته تنفعهم؛ لأنه قائدهم والمرسل لفائدتهم، ووجه اقتصاره على نفسه أيضًا أن طريق نجاتهم بعد أن أدركهم فرعون وجنده لا يحصل إلا بفعل يقطع دابر العدو، وهذا الفعل خارق للعادة فلا يقع إلا على يد الرسول102.
٣. غرس الثقة بالله تعالى.
فالصحبة الصالحة تغرس الثقة بالله في النفوس، وقد ذكر الله لنا موقف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عندما كان في الغار، والكفار على بابه، وهو يطمئن صاحبه وهو واثق بنصره تعالى.
قال جل وعلا: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [التوبة:٤٠].
يقول الطبري: «إذ يقول رسول الله لصاحبه أبي بكر: (ﯘ ﯙ)، وذلك أنه خاف من الطلب أن يعلموا بمكانهما، فجزع من ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحزن)، لأن الله معنا والله ناصرنا، فلن يعلم المشركون بنا ولن يصلوا إلينا»103.
فمن كان في طاعة الله، مستعينًا بالله، واثقًا بوعد الله، راجيًا ثواب الله، فإن الله معه، ومن كان الله معه فلا خوف عليه104.
٤. بركة المجالسة والذكر الحسن.
فمرافقة الصالحين ينال منها الإنسان الثناء والذكر الحسن، ألم تر إلى كلب أصحاب الكهف، فقد ذكر في القرآن الكريم، لأنه سار مع الصالحين، حيث قال جل وعلا: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الكهف:١٨].
يقول القرطبي: «إذا كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته، ومخالطته الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه جل وعلا، فما ظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين المحبين للأولياء والصالحين»105.
فإن من جالسهم تشمله بركة مجالستهم، ويعمه الخير الحاصل لهم، وإن لم يكن عمله بالغًا مبلغهم؛ كما دل على ذلك ما جاء في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله، تنادوا: هلموا إلى حاجتكم)، وفي آخر الحديث:(فيقول الله: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم)106.
ثانيًا: آثار الصحبة السيئة:
فمرافقة أهل السوء داء، وتورث الشر والضياع في الدنيا، فالصحبة متى كانت سيئة كانت عائقة للإنسان عن الخير والطاعات، لما لها من تأثير كبير على الإنسان، ومن تلك الآثار ما يأتي:
١. حب الدنيا والحرص عليها.
فالصحبة السيئة تجعل الإنسان حريصًا على الدنيا منشغلًا عن الآخرة، لذلك أمر الله جل علا بالإعراض عنهم.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النجم:٢٩-٣٠].
قال ابن كثير: «وقوله: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) أي: وإنما أكثر همه، ومبلغ علمه الدنيا، فذاك هو غاية ما لا خير فيه، ولذلك قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) أي: طلب الدنيا والسعي لها هو غاية ما وصلوا إليه»107.
والحياة الدنيا وصفها بالدنيا من الدنو وهو القرب، وذلك لانحطاط مرتبتها، ولسبقها على الآخرة 108.
وجملة (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) اعتراض وهو استئناف بياني بين به سبب جهلهم بوجود الحياة الآخرة؛ لأنه لغرابته مما يسأل عنه السائل، وفيه تحقير لهم وازدراء بهم بقصور معلوماتهم109.
وقد نبه أبو حامد إلى خطر صحبته، حيث قال: «وأما الحريص على الدنيا فصحبته سم قاتل؛ لأن الطباع مجبولة على التشبه والاقتداء، بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري صاحبه، فمجالسة الحريص على الدنيا تحرك الحرص، ومجالسة الزاهد تزهد في الدنيا، فلذلك تكره صحبة طلاب الدنيا، ويستحب صحبة الراغبين في الآخرة»110.
٢. الغفلة واتباع الأهواء.
فصحبة الغافلين المتبعين لأهوائهم تعين على الغفلة واتباع الهوى، لذلك نهى الله تعالى عن طاعتهم؛ لأن طاعتهم تدعو إلى الاقتداء بهم، قال جل وعلا في محكم التنزيل: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الكهف:٢٨].
أي: جعلنا قلبه غافلًا عن ذكرنا منشغلًا عن الدين وعبادة ربه بالدنيا.
(ﭬ ﭭ) أي: مراده في طلب الشهوات فلا تكن مطيعًا له ولا محبًا لطريقته، ولا تغبطه بما هو فيه111.
٣. الضياع والخسران في الدنيا.
وصحبة الغافلين المتبعين لأهوائهم كذلك تورث الخسارة والضياع في الدنيا، لذلك قال تعالى بعد ما نهى عن طاعتهم: (ﭮ ﭯ ﭰ) [الكهف:٢٨].
قال ابن كثير: «(ﭮ ﭯ ﭰ)أي: أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع»112.
ويقول السعدي: «(ﭮ ﭯ) أي: مصالح دينه ودنياه (ﭰ) أي: ضائعة معطلة، فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به»113.
فهو مهمل مضيع مسرف في كل أحواله114، ضائعًا تمضي الأيام والليالي، ولا ينتفع بشيء، وفي هذه الآية إشارة إلى أهمية حضور القلب عند ذكر الله، وأن الإنسان الذي يذكر الله بلسانه لا بقلبه تنزع البركة من أعماله وأوقاته، حتى يكون أمره فرطًا عليه، تجده يبقى الساعات الطويلة، ولم يحصل شيئًا، ولكن لو كان أمره مع الله لحصلت له البركة في جميع أعماله115.
٤. الانحراف والضلال.
فالصحبة السيئة تصرف الإنسان عن الطاعة إلى المعصية وتزين له فعل المنكرات.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الزخرف:٣٦-٣٧].
قال الخازن: «(ﭫ ﭬ ﭭ) أي نسبب له شيطانًا ونضمه إليه ونسلطه عليه (ﭮ ﭯ ﭰ) يعني لا يفارقه يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى»116.
وفي قوله تعالى:(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ).
يقول الطبري: «وقوله: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) يقول تعالى ذكره: وإن الشياطين ليصدون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله، عن سبيل الحق، فيزينون لهم الضلالة، ويكرهون إليهم الإيمان بالله، والعمل بطاعته (ﭶ ﭷ ﭸ) يقول: ويظن المشركون بالله بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة، أنهم على الحق والصواب»117.
وبنحو هذه الآية قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [فصلت:٢٥].
وتفسير أمور الدنيا في هذا الآية بـ (ﮗ ﮘ ﮙ) لحضورها عندهم، كالشيء الذي بين يديك تقلبه كيف تشاء، والآخرة بـ (ﮚ ﮛ)، لعدم مشاهدتها، كالشيء الذي خلفك، أو لكونها ستلحق بهم، وقد يعكس فيجعل (ﮗ ﮘ ﮙ) الآخرة؛ لأنها مستقبلة (ﮚ ﮛ)، الدنيا لمضيها وتركها118 .
٥. سوء الذكر.
فمرافقة الصالحين كما ذكرنا ينال منها الإنسان الثناء والذكر الحسن، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، لذلك ذكر كلب أصحاب الكهف في القرآن الكريم بقوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الكهف:١٨].
لأنه جالس الصالحين، أما مرافقة أهل الشر والفساد فليس منها إلا سوء الذكر، لأن صحبتهم تورث الشر وتزينه له بأنه هو الحق والصواب، فبئس الصاحب إذا كان من أهل الفساد وبئس القرين، لذلك ذم الله تعالى صحبتهم في محكم التنزيل، حيث قال جل وعلا: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [النساء:٣٨].
تحدثنا في المبحث السابق عن آثار الصحبة في الدنيا، وبينا أن الصحبة الصالحة تورث الخير والبركة لمن لازم أهل الصلاح، والصحبة السيئة تورث الشر والضياع لمن لازم أهل السوء والفساد، أما في الآخرة فلها عواقبها ونتائجها بحسب ملازمة الشخص.
وسوف يكون حديثنا في هذا المبحث عن عواقب تلك الصحبة في الآخرة، وذلك في النقاط الآتية:
أولًا: عاقبة الصحبة الصالحة:
فمن لازم أهل الاستقامة والصلاح في الدنيا كانت العاقبة في الآخرة كالآتي:
١. دوام تلك الصحبة والمودة.
فمن كانت صحبته في الله تعالى، وفي سبيله، فإنها دائمة بدوامه.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الزخرف:٦٧].
والأخلاء: جمع خليل، وهو الصاحب الملازم، قيل: إنه مشتق من التخلل؛ لأنه كالمتخلل لصاحبه والممتزج به119.
قال السعدي في هذه الآية: «(ﮡ ﮢ) للشرك والمعاصي، فإن محبتهم تدوم وتتصل، بدوام من كانت المحبة لأجله»120.
لذلك استثنى المتقين؛ لأن النفع دخل على بعضهم من بعض121.
يقول الشوكاني: «ثم استثنى المتقين فقال: إلا المتقين فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة، لأنهم وجدوا تلك الخلة التي كانت بينهم من أسباب الخير والثواب، فبقيت خلتهم على حالها»122.
فكل منهم يعين بعضهم بعضًا على الطاعة، فالواحد منهم يقول لصاحبه: كنت تعينني على الطاعة، كنت توجهني وتذكرني إن غفلت، فيزداد الحب بينهما123، والآية تدل على حصول الخلة وثبوتها، وهي محمولة على الخلة الحاصلة بسبب محبة الله تعالى، لذلك أثبتها للمتقين فقط ونفاها عن غيرهم124، والله أعلم.
٢. النجاة من فزع ذلك اليوم.
يقول الله جل وعلا لعباده المتقين المتحابين في الله عز وجل المجتمعين على طاعته: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الزخرف:٦٨].
قال المراغي: «يقال لهم تشريفًا لهم وتسكينًا لروعهم مما يرون من الأهوال: يا عباد لا تخافوا من عقابي، فإني قد أمنتكم منه برضاي عنكم، ولا تحزنوا على فراق الدنيا، فإن الذي تقدمون عليه خير لكم مما فارقتموه منها»125.
ويقول السعدي في هذه الآية: «أي: لا خوف يلحقكم فيما تستقبلونه من الأمور، ولا حزن يصيبكم فيما مضى منها، وإذا انتفى المكروه من كل وجه، ثبت المحبوب المطلوب»126.
فالمحبة الصادقة الصافية في الله تعالى ينتج عنها ذهاب الفزع والخوف والحزن يوم القيامة، يقول الشوكاني: «يقال لهؤلاء المتقين المتحابين في الله بهذه المقالة -أي: قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)- فيذهب عند ذلك خوفهم، ويرتفع حزنهم»127.
وجاء في الحديث الصحيح عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله ذكر منهم: (ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه)128.
٣. البشرى بدخول الجنة.
يقال لهؤلاء المتقين المتحابين في الله جل وعلا على سبيل البشرى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الزخرف:٧٠]129.
يقول السعدي في تفسير هذه الآية: «(ﯔ ﯕ) التي هي دار القرار (ﯖ ﯗ)أي: من كان على مثل عملكم، من كل مقارن لكم، من زوجة، وولد، وصاحب، وغيرهم (ﯘ) أي: تنعمون وتكرمون، ويأتيكم من فضل ربكم من الخيرات والسرور والأفراح واللذات، ما لا تعبر الألسن عن وصفه»130.
٤. شفاعة الصاحب.
ورد في محكم التنزيل آيات تدل على أن المؤمن يشفع لصاحبه يوم القيامة، ومن تلك الآيات، قوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الشعراء:١٠٠-١٠١].
قال قتادة في هذه الآية: يعلمون والله أن الصديق إذا كان صالحًا نفع، وأن الحميم إذا كان صالحًا شفع131.
ويقول النسفي في تفسير هذه الآية: «(ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) كما للمؤمنين (ﯔ ﯕ ﯖ) كما نرى لهم أصدقاء، إذ لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون والحميم من الاحتمام وهو الاهتمام الذي يهمه ما يهمك، أو من الحامة بمعنى الخاصة وهو الصديق الخاص، وجمع الشافع ووحد الصديق؛ لكثرة الشفعاء في العادة، وأما الصديق وهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك فقليل»132.
ولفظة (الشفيع) تقتضي رفعة مكانة عند المشفوع عنده، ولفظة الصديق تقتضي شدة مساهمة ونصرة، وهو فعيل من صدق الود من أبنية المبالغة، ونفي الشفعاء والصديق يحتمل أن يكون نفيًا لوجودهم إذ ذاك، وهم موجودون للمؤمنين، إذ تشفع الملائكة وتتصادق المؤمنون، كما قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الزخرف:٦٧]133.
وقد ذكر الرازي تفسيرًا لهذه الآية في قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأحزاب:٦٤-٦٥].
يقول الرازي: «وقوله: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) لما ذكر خلودهم بين تحقيقه؛ وذلك؛ لأن المعذب لا يخلصه من العذاب إلا صديق يشفع له أو ناصر يدفع عنه، ولا ولي لهم يشفع ولا نصير يدفع»134.
وفي ذلك ما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم عن المؤمنين بعد اجتيازهم للصراط، فقال:(حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فو الذي نفسي بيده ما منكم من أحدٍ بأشد مناشدةً لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون! فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقًا كثيرًا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه)135.
ثانيًا: عاقبة الصحبة السيئة:
ومن لازم أهل الشر والفساد في الدنيا كانت العاقبة في الآخرة كالآتي:
١. العداوة والبغضاء.
فكل صداقة في غير الله تعالى تنقلب يوم القيامة عداوة؛ لأن الصداقة الزائفة، والمحبة المبنية على تحصيل المصالح الدنيوية وجلب المنافع العاجلة، الحب فيها مصطنع مزيف، إذا هبت عليها رياح المصلحة فرقتها ومزقتها؛ لأنها لم تبن على أساسٍ راسخ ولا أصلٍ ثابت.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الزخرف:٦٧].
قال الشوكاني: «أي: الأخلاء في الدنيا المتحابون فيها يوم تأتيهم الساعة بعضهم لبعض عدو، أي: يعادي بعضهم بعضًا، لأنها قد انقطعت بينهم العلائق، واشتغل كل واحد منهم بنفسه، ووجدوا تلك الأمور التي كانوا فيها أخلاء أسبابًا للعذاب فصاروا أعداء»136.
وإنما يعادي الخليل خليله يوم القيامة؛ لأن الضرر دخل عليه من صحبته، وقد ذكرنا ذلك، ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: «أي: كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة، وهذا كما قال إبراهيم عليه السلام لقومه: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [العنكبوت:٢٥]»137.
فأخلاء الباطل، وصحبة السوء الذين يجتمعون على معصية الله عليهم أن يحذروا هذا اللقاء138.
٢. الحسرة والندم.
أخبر الله جل علا عن ندم الظالم الذي فارق الحق، وأطاع خليله وقرينه السيء، الذي كان سببًا في هلاكه وبعده عن الحق، وكان كذلك سببًا في حصول الندم والحسرة له يوم القيامة.
يقول جل وعلا: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الفرقان:٢٧-٢٩].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: ويوم يعض الظالم نفسه المشرك بربه على يديه ندمًا وأسفًا على ما فرط في جنب الله، وأوبق نفسه بالكفر به في طاعة خليله الذي صده عن سبيل ربه (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) يقول جل ثناؤه مخبرًا عن هذا النادم على ما سلف منه في الدنيا، من معصية ربه في طاعة خليله: لقد أضلني عن الإيمان بالقرآن، وهو الذكر، بعد إذ جاءني من عند الله، فصدني عنه، يقول الله: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) يقول: مسلمًا لما ينزل به من البلاء غير منقذه ولا منجيه»139.
وذكر ابن عباس سبب نزول هذه الآية: أن أبي بن خلف كان يحضر النبي صلى الله عليه وسلم، فزجره عقبة بن أبي معيط، فأنزل الله تعالى هذه الآية ثم ذكر في هذه الآية: أن (ﮙ) هو عقبة، و(ﮧ ﮨ) هو أبي بن خلف140.
والمراد بالظالم كل ظالم يرد ذلك المكان وينزل المنزل، ولا ينافيه ورود الآية على سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب141.
والمقصود كذلك من الآية ذكر هول يوم القيامة بتندم الظالم وتمنيه أنه لم يكن أطاع خليله الذي كان يأمره بالظلم، وما من ظالم إلا وله في الغالب خليل خاص به يعبر عنه بفلان، والظاهر أن الظالم يعض على يديه فعل النادم المتفجع142.
وفي هذه الآية تنبيهٌ لكل إنسان على تجنب قرين السوء، يقول الشنقيطي: «وهذه الآية الكريمة تدل على أن قرين السوء قد يدخل قرينه النار، والتحذير من قرين السوء مشهور معروف»143.
٣. التلهف والتأسف على فقد الشفيع.
قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الشعراء:١٠٠-١٠١].
قال ابن عطية: «ثم قالوا ذلك على جهة التلهف والتأسف حين رأوا شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء نافعة في أهل الإيمان عمومًا، وشفاعة الصديق في صديقه خاصة (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ)،وفي هذه اللفظة منبهة على محل الصديق من المرء»144.
وفي هذه الآية يقول المراغي: «وقد أرادوا بهذا الإخبار إظهار اللهفة والحسرة على فقد الشفيع والصديق النافع، وقد نفوا أولًا أن يكون لهم من ينفعهم في تخليصهم من العذاب بشفاعته، ثم ترقوا ونفوا أن يكون لهم من يهمه أمرهم ويشفق عليهم ويتوجع لهم وإن لم يخلصهم، والخلاصة: أن الأمر قد بلغ من الهول ما لا يستطيع أحد أن ينفع فيه أدنى نفع»145.
فأيسوا من كل خير، وأبلسوا بما كسبوا، وتمنوا العودة إلى الدنيا ليعملوا صالحًا146، لقوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الشعراء:١٠٢].
٤. طريق إلى النار.
فكما أن الصحبة الصالحة طريق إلى الجنة، فالصحبة السيئة طريق إلى النار.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الصافات:٢٢-٢٣].
قال ابن عباس: (ﯹ) نظراؤهم وأتباعهم في الظلم147.
وقال الواحدي: «قال جماعة المفسرين: أشباههم وأمثالهم، وأتباعهم ونظراءهم وضرباءهم، وعلى هذا القول يحمل الذين ظلموا على القادة والرؤساء وأزواجهم أتباعهم (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) دلوهم عليها، أي: اذهبوا بهم إلى الجحيم»148.
وقد أخبر الحق تبارك وتعالى عن صاحب من أهل الإيمان، وقرين كان شريك له، وما كان بينهما من الصحبة، وما نتيجة هذا الصحبة لو أنه أطاع صاحبه وشريكه.
قال تعالى: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الصافات:٥١-٥٧].
فالمؤمن في هذه الآية لم يطع صاحبه وصديقه الملازم له، فكان من الفائزين، ولو صدقه لكان من الهالكين، وقد أقسم هذا الصاحب المؤمن كما في هذه الآيات على ذلك (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ).
يقول الشنقيطي: «وقد بين جل وعلا في هذه الآيات أن رجلًا من أهل الجنة أقسم بالله أن قرينه كاد يرديه أي يهلكه بعذاب النار، ولكن لطف الله به فتداركه برحمته وإنعامه فهداه وأنقذه من النار149.
والشاهد من هذه الآية: أن قرين السوء قد يكون سببًا في هلاك صاحبه ودخوله نار جهنم، والعياذ بالله.
موضوعات ذات صلة: |
الاتباع، الأخوة، الصحابة، القدوة |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٣٣٥.
2 العين، الفراهيدي ٣/١٢٤.
3 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٣٣٥، لسان العرب، ابن منظور ١/٥٢٠.
4 انظر: المصباح المنير، الفيومي ١/٣٣٣، المعجم الوسيط،مجمع اللغة العربية ١/٥٠٧.
5 انظر: المخصص، ابن سيده ٣/٤٢٩، لسان العرب، ابن منظور ١/٥١٩.
6 انظر: المعجم الوسيط،مجمع اللغة العربية ١/٥٠٧.
7 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٧٥.
8 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/١٥٧.
9 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٣٨٧.
10 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٣٠٣-٣٠٤، نزهة الأعين النظائر في علم الوجوه والنظائر، ابن الجوزي، ص٣٩٢-٣٩٣، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، الفيروزآبادي، (٣/٣٨٦-٣٨٧)، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، السمين الحلبي، (٢/٣٢٠-٣٢١).
11 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٠/١٢٠.
12 الوسيط، الواحدي ٢/٧٨.
13 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٠/١٢٠.
14 انظر: المصدر السابق ١٠/١٩٤.
15 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٣٠٢.
16 أدب الدنيا والدين، الماوردي ص ١٦١.
17 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٢١٣.
18 المفردات ص ٦٨.
19 الصحاح، الجوهري ٦/٢٢٦٤.
20 انظر:معجم المناهي اللفظية، بكر أبو زيد ص ٥٦.
21 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٧٣١.
22 النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الجزري ٤/٥٤.
23 الفروق اللغوية، العسكري ص ٣٠٨.
24 انظر: الصحاح، الجوهري ٢/٧٤٧، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٢٤٢.
25 مجمل اللغة، ابن فارس ص ٦٧٠.
26 تفسير القرآن، السمعاني ٣/٤٢٦.
27 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٦٧.
28 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله، رقم ١٢٢.
29 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٣٠١.
30 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/١٧.
31 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٩/٤٥٥٩.
32 تيسير اللطيف المنان، السعدي ص٢٥٦.
33 انظر: تفسير الشعراوي ١٤/٨٩٦٦ .
34 انظر: تيسير اللطيف المنان، السعدي ص٢٥٩
35 المصدر السابق ص٢٨٧.
36 انظر: تفسير الشعراوي ١٤/٨٨٦٥.
37 تيسير اللطيف المنان، السعدي ص٢٨٨-٢٨٩.
38 انظر:غاية المنوة في آداب الصحبة وحقوق الأخوة، حازم خنفر ص ٢٥.
39 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٤٤.
40 انظر:غاية المنوة في آداب الصحبة وحقوق الأخوة، حازم خنفر ص ٢٥.
41 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٣٨.
42 البحر المحيط، أبو حيان ٦/٢٧٥.
43 انظر:التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٦٩.
44 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٦٣.
45 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٦/٢٧٨، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٢٧٨.
46 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٦/٢٧٨.
47 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٩٨.
48 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٩٠.
49 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٧٥.
50 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٣٠٥.
51 الوابل الصيب، ابن القيم ص ٤١ بتصرف واختصار.
52 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/١٣.
53 المصدر السابق ٧/١٣٢.
54 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٥/٢٧٢٩.
55 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣١٦.
56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة، رقم ٥٩٧١.
57 تفسير المراغي ٢١/٨٣.
58 روح المعاني، الألوسي ١١/٨٦.
59 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٦٥.
60 المصدر السابق ٥/١٩٤.
61 انظر: ديوان طرفة بن العبد ص ٣٢.
62 لباب التأويل، الخازن ١/٣٧٥ .
63 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٠٣.
64 تفسير المراغي ٥/٤٠.
65 لباب التأويل، الخازن ٣/١٦٣.
66 التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/٥٠٩.
67 انظر: تفسير المراغي ١٥/١٤٣.
68 البحر المحيط، أبو حيان ١٠/١٩.
69 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٥٠٩.
70 انظر: أدب الدنيا والدين، الماوردي ص ١٦١.
71 انظر:غاية المنوة في آداب الصحبة وحقوق الأخوة، حازم خنفر ص ٣١.
72 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٧٤.
73 انظر:غاية المنوة في آداب الصحبة وحقوق الأخوة، حازم خنفر ص ٣٢.
74 تفسير الشعراوي ٧/٤٤٥٨.
75 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٣٦.
76 المصدر السابق.
77 انظر: تفسير الشعراوي ١٥/٩١٢١.
78 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٩٢.
79 غرائب القرآن، النيسابوري ٢/٤١٢.
80 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٧٨.
81 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١٦٧٧-١٦٧٨.
82 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٤٥.
83 انظر: غاية المنوة في آداب الصحبة وحقوق الأخوة، حازم خنفر ص ٨٤.
84 لباب التأويل، الخازن ٢/٣٦٥.
85 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/٣٤٩، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٢٦٠، فتح البيان، القنوجي ٥/٣٠٥.
86 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٢٢.
87 انظر: التبصرة، ابن الجوزي ٢/٢٧٧، غاية المنوة في آداب الصحبة وحقوق الأخوة، لحازم خنفر ص ٨٦.
88 غاية المنوة في آداب الصحبة وحقوق الأخوة، لحازم خنفر ص ٩١.
89 فتح البيان، القنوجي ١٢/٢٥٢.
90 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٤٧١.
91 معالم التنزيل، البغوي ٤/١٣٤.
92 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٤٩.
93 أخرجه أحمد في مسنده، ١٣/٣٩٤، رقم ٨٠٢٨، وأبو داوود في سننه، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجلس، ٤/٢٥٩، رقم ٤٨٣٣، والترمذي في سننه، أبواب الزهد، ٤/٥٨٩، رقم ٢٣٧٨.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٦٤، رقم ٣٥٤٥.
94 العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسي ٢/١٧٩.
95 جامع البيان، الطبري ٢٤/٥٩٠.
96 فتح القدير، الشوكاني ٥/٦٠١.
97 فتح البيان، القنوجي ١٥/٣٧٧.
98 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٠٤.
99 تفسير الشعراوي ١٥/٩٢٦٤.
100 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/١٠٦.
101 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/١١٨.
102 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/١٣٥.
103 جامع البيان، الطبري ١٤/٢٥٨.
104 انظر: تيسير اللطيف المنان، السعدي ص٢٣٦.
105 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٣٧١-٣٧٢.
106 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله عز وجل، رقم ٦٤٠٨.
107 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٥٩.
108 تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، من سورة الحجرات إلى الحديد ص ٢٢٤.
109 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/١١٨.
110 إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي ٢/١٧٣.
111 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/١٨٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٤.
112 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٤.
113 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٧٥ .
114 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٩/٤٥٢٣.
115 تفسير القرآ، الكريم، ابن عثيمين، سورة الكهف ص ٦٢.
116 لباب التأويل، الخازن ٤/١٠٩.
117 جامع البيان، الطبري ٢١/٦٠٥.
118 انظر: محاسن التأويل، للقاسمي ٨/٣٣٥.
119 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٢٥٢.
120 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٦٩.
121 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٢٦٣.
122 فتح القدير، الشوكاني ٤/٦٤٤.
123 انظر: تفسير الشعراوي ٤/٢٢٣٥.
124 انظر: فتح البيان، القنوجي ٧/١١٧.
125 تفسير المراغي ٢٥/١٠٧-١٠٨ بتصرف واختصار .
126 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٦٩.
127 فتح القدير، الشوكاني ٤/٦٤٤.
128 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المسجد، رقم٦٦٠.
129 انظر: تفسير المراغي ٢٥/١٠٨.
130 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٦٩.
131 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٣٦٩ .
132 مدارك التنزيل، النسفي ٢/٥٧١.
133 البحر المحيط، أبو حيان ٨/١٧٠.
134 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١٨٥ .
135 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، رقم ٣٠٢.
136 فتح القدير، الشوكاني ٤/٦٤٤.
137 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٣٧.
138 تفسير الشعراوي ١٥/٩٣٧٢.
139 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٦٢-٢٦٣.
140 انظر: المصدر السابق.
141 فتح القدير، الشوكاني ٤/٨٤.
142 البحر المحيط، أبو حيان ٨/١٠١.
143 أضواء البيان، للشنقيطي ٦/٤٧.
144 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٢٣٦.
145 تفسير المراغي ١٩/٧٩.
146 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٩٤.
147 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٢٧.
148 الوسيط، الواحدي ٣/٥٢٣.
149 أضواء البيان، للشنقيطي ٦/٤٧ بتصرف يسير.