الشرك
أولًا: المعنى اللغوي:
شرك: قال ابن فارس: «الشين والراء والكاف أصلان، أحدهما يدل على مقارنة وخلاف انفراد، والآخر يدل على امتداد واستقامة، فالأول الشركة، وهو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، ويقال: شاركت فلانا في الشيء، إذا صرت شريكه، وأشركت فلانا، إذا جعلته شريكا لك، قال الله جل ثناؤه في قصة موسى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [طه: ٣٢].» 1، وقد جاء بمعنى المخالطة 2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرفه عبد المحسن قاسم بقوله هو: «دعوة غير الله معه»3، أو هو: «مساواة غير الله بالله فيما هو من خصائص الله» 4، وقال ابو بكر الجزائري: هو ما ينافي التوحيد 5، وعرفه أ.د. سعد عاشور بأنه «اتخاذ الند مع الله تعالى سواء أكان هذا في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات، أي : جعل شريك مع الله في التوحيد»6، ويغلب هذه التعريفات الصبغة العقدية الصرفة، ولكن من خلال النظر في سياق القرآني الذي جاءت فيها ألفاظ الشرك يمكن القول بأن الشرك هو: « أن يكون مع الله ندًا أو مثيلًا فيما يخص الله من معتقد، أو عبادة، أو طاعة ».
العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:
المعنى الاصطلاحي يتجه إلى المعنى الأول من المعاني اللغوية؛ إلا أنه يخص بجعل الشريك مع الله.
وردت مادة (شرك) في القرآن الكريم (١٦٩) مرة، يخص موضوع البحث منها (١٦٣) مرة7.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٨ |
(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ) [الأعراف:١٧٣] |
الفعل المضارع |
٥٢ |
(ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الحج:٢٦] |
المصدر |
٥ |
(ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [لقمان:١٣] |
الصفة المشبهة |
٣ |
(ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الأنعام:١٦٣] |
اسم |
٣٦ |
(ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأنعام:١٠٠] |
اسم فاعل |
٤٩ |
(ﭢ ﭣ ﭤ) [التوبة:٢٨] |
وجاء الشرك في الاستعمال القرآني على ثلاثة أوجه8:
الأول: الإشراك بالله، وهو أن يعدل به غيره ، ومنه قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النساء: ٣٦]. أي: لا تعدلوا به شيئًا سواه.
الثاني: الشرك في الطاعة من غير عبادة ، ومنه قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأعراف: ١٩٠]. أي: جعلا إبليس شريكًا مع الله سبحانه.
الثالث: الرياء ، ومنه قوله تعالى: (ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الكهف:١١٠]. يعني: ولا يرائي.
الكفر:
الكفر لغة:
الستر والتغطية، يقال لمن غطى درعه بثوب: قد كفر درعه، والمكفر: الرجل المتغطي بسلاحه، وهو ضد الايمان، لأنه تغطية للحق9.
الكفر اصطلاحًا:
«الجحود بالوحدانية أو النبوة، أو الشريعة، أو بثلاثتها»10.
الصلة بين الكفر والشرك:
« أن الكفر اسم يقع على ضروب من الذنوب فمنها الشرك بالله»11، فالشرك يتعلق بالله من ناحية التوحيد والعمل والطاعة، بينما الكفر يتعلق بالجحود والإنكار في نواحي الإيمان والنعم الإلهية، فبينهما عموم وخصوص، فكل مشرك كافر، وليس كل كافر مشرك.
الإلحاد:
الإلحاد لغة:
قال ابن فارس: اللام والحاء والدال أصل يدل على ميل عن استقامة، يقال: ألحد الرجل، إذا مال عن طريقة الحق والإيمان 12.
الإلحاد اصطلاحًا:
هو: «الميل، والجور، والانحراف عن الإسلام، أو الإيمان»13.
الصلة بين الإلحاد والشرك:
ولما كان الشرك أن يجعل لله ندًا، والالحاد حيودًا عن الحق وانحرافًا عن المعتقد كان الشرك وجهًا من وجوه الإلحاد، فالإلحاد أعم وأشمل من الشرك.
التوحيد:
التوحيد لغة:
من وحد يوحد توحيدًا، ووحد الشيء، أي : جعله واحدًا ونفى عنه التعدد 14، وقال ابن فارس: الواو والحاء والدال: أصل واحد يدل على الانفراد 15، فالتوحيد نسبة الانفراد للشيء.
التوحيد اصطلاحًا:
عرفة الجرجاني بأنه « ثلاثة أشياء: معرفة الله تعالى بالربوبية، والإقرار بالوحدانية، ونفي الأنداد عنه جملة»16، وعرفة أبو بكر الجزائري بأنه: «نفي الكفء والمثل عن ذات الله وصفاته وأفعاله، ونفي الشريك في ربوبيته وعبادته عز وجل»17.
الصلة بين الشرك والتوحيد:
في ضوء ما سبق من تعريف الشرك والتوحيد في اللغة والاصطلاح يتبين أن التوحيد والشرك في مسألة ما نقيضان لا يجتمعان، فإن أشرك في المسألة فهو غير موحد بها، وإن وحد نفى عن نفسه الشرك بها.
إن تنزيه الله عن الشرك واجب شرعي، بل وضرورة شرعية؛ فقد نزه الله نفسه عن الشرك، ونزهه جميع الرسل، كما نزهته الملائكة، وجميع المؤمنين من الثقلين، وقد تبرأ الله ممن أشرك به شيئًا، وفيما يلي تفصيل ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: تنزيه الله تعالى نفسه عن الشركاء:
لقد نزه الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز نفسه عن الشركاء، وبين أنه الواحد الأحد، الذي يستحق من عباده الإيمان به، فهو المعبود الحق، الذي يجب أن نتوجه إليه بالعبادة، فلا يستحقها أحد غيره، ويمكن بيان ذلك فيما يأتي:
١. تنزيه الله تعالى نفسه عن الولد.
زعمت اليهود والنصارى أن الله سبحانه اتخذ لنفسه ولدًا.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [التوبة: ٣٠].
فرد الله عليهم في كتابه العزيز، مقيمًا الحجة عليهم، وداحضًا زعمهم الباطل في كثير من الآيات، قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة: ١١٦].
قال الزمخشري: «فالله سبحانه نزه نفسه عن ذلك، فكل ما في السموات والأرض هو خالقه ومالكه، ومن جملته الملائكة وعزير والمسيح كلٌ له قانتون منقادون، لا يمتنع شيء منه تكوينه وتقديره ومشيئته، ومن كان بهذه الصفة لم يجانس، ومن حق الولد أن يكون من جنس الوالد، ويجوز أن يراد كل من جعلوه لله ولدًا له قانتون مطيعون عابدون مقرون بالربوبية منكرون لما أضافوا إليهم»18.
فالله سبحانه أحد لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، فمن كان له زوجة فهو ليس بإله ولا يستحق العبادة، كذلك من كان له ولد، لذلك دعا الله سبحانه أهل الكتاب إلى الانتهاء عن قولهم : إن الله ثالث ثلاثة، وتوعدهم إن لم ينتهوا عن ذلك بالعقاب الشديد.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النساء: ١٧١].
فهذه الآية تبين حقيقة المسيح ابن مريم، أنه عبد الله رسوله، وأنه ابن مريم وليس ابنًا لله19، فالمسيح من جملة قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) فالجميع ملك لله، هو خالقهم ومدبر أمورهم، فكيف يكون ابنا لله؟!20.
وفي قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [الأنعام: ١٠٠-١٠١].
قال البيضاوي: «وفي الآية استدلال على نفي الولد من وجوه:
الأول: أنه من مبدعاته السموات والأرضون، وهي مع أنها من جنس ما يوصف بالولادة مبرأة عنها لاستمرارها وطول مدتها فهو أولى بأن يتعالى عنها، أو أن ولد الشيء نظيره ، ولا نظير له فلا ولد.
الثاني: أن المعقول من الولد ما يتولد من ذكر وأنثى متجانسين ، والله سبحانه وتعالى منزه عن المجانسة.
الثالث: أن الولد كفؤ الوالد ، ولا كفؤ له لوجهين: الأول :أن كل ما عداه مخلوقه، فلا يكافئه. والثاني : أنه سبحانه وتعالى لذاته عالم بكل المعلومات : ولا كذلك غيره بالإجماع»21.
وزعم مشركو العرب أن الملائكة بنات الله، قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النحل: ٥٧].
فرد أباطيلهم بقوله: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الإسراء: ٤٠].
قال ابن عطية: «هذا تعديد لقبح قول الكفار: الملائكة بنات الله ، ورد عليهم من وجهين، أحدهما : نسبة النسل إلى الله تعالى عن ذلك، والآخر : أنهم نسبوا من النسل الأخس المكروه عندهم»22.
٢. تنزيه الله نفسه عن الأنداد.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [التوبة: ٣١].
وصف الله اليهود والنصارى بضرب من الشرك بقوله: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) والأكثرون من المفسرين قالوا: ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم23.
وقد نزه الله تعالى نفسه عن الشركاء في الأمر والنهي، فقال: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التوبة: ٣١].
ونفى سبحانه وجود الشريك بقوله: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [المؤمنون: ٩١].
ففي الآية دليل عقلي منطقي ينفي وجود الشريك أو المثيل لله، حيث نزه تعالى نفسه عن أن يكون له ولد أو شريك في الملك، فلو قدر تعدد الآلهة، لانفرد كل منهم بما يخلق، فلا ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، وفي غاية الإتقان والتكامل، وهذا دليل على أن الإله واحد لا شريك له في ملكه، والمتكلمون ذكروا هذا المعنى وعبروا عنه بدليل التمانع، وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا، فأراد واحد تحريك جسم وأراد الآخر سكونه، فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين، والإله لا يكون عاجزا، ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد. وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد، فيكون محالًا ، فأما إن حصل مراد أحدهما دون الآخر، كان الغالب هو الإله24.
ويصدق ذلك قول الله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنبياء: ٢٢].
وقوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الإسراء: ٤٢-٤٣].
وقوله: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الطور: ٤٣].
٣. تنزيه الله نفسه عن الشفعاء.
قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [يونس: ١٨].
فالآية توضح أن المشركين اتخذوا مع الله شركاء، وظنوا أنهم سيشفعون لهم في الآخرة، فبين سبحانه أن الشفاعة لا تكون إلا لمن يأذن له تعالى بالشفاعة، فهي ليست حقا لأحد، ولكنها عطاء ومنحة من الله تعالى ، لذلك يقول: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢٥٥]25، «فالشفاعة علاقة بين المشفوع والشفيع، فإذا كانت حقيقية فلا بد أن يعلم المشفوع بها»26.
قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [طه: ١٠٩].
وقال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأنبياء: ٢٨].
والحقيقة التي لا تقبل الشك، أن الله واحد أحد منزه عن الشركاء والوسطاء، وهذا ما دلت عليه النصوص، وقد نزه الله نفسه عن الشركاء في كتابه العزيز في أكثر من آية ،وهذا بيان لها.
ثانيًا: تنزيه الملائكة الله تعالى عن الشركاء:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [سبأ: ٤٠-٤١].
فهذه الآية تبين أن الملائكة الكرام يتبرؤون يوم القيامة من المشركين، ومن عبادتهم إياهم، وينزهون الله تعالى أن يكون له شريك في العبادة، فلا موالاة بينهم وبين المشركين، بل إنهم كانوا يعبدون الشياطين الذين زينوا لهم عبادة الأوثان، وأكثر المشركين مصدقون للجن فيما يلقونه إليهم من الوساوس، ومنها الأمر بعبادة غير الله تعالى من الأصنام وغيرها27.
ثالثًا: تنزيه الرسل الله سبحانه وتعالى عن الشركاء:
قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [المائدة: ١١٦-١١٧].
ففي الآية الكريمة بيان لقبح ادعاءات النصارى، وبيان لركاكة ما ذهبوا إليه من وصف الله تعالى بما لا يليق به سبحانه وهو اتخاذ الزوجة والولد، وجعلوا من ذلك دينا، فهذا سر سؤاله تعالى لعيسى عليه السلام على رؤوس الأشهاد، ليقر عليه السلام بالعبودية لله تعالى، وأنه ما أمرهم إلا ليعبدوا الله تعالى، إلهًا واحدا لا شريك له28.
ويقول محمد رشيد رضا: «إن عيسى عليه السلام بدأ جوابه بتنزيه الله عز وجل عن أن يكون معه إله، فأثبت بهذا أنه على علم يقيني ضروري بأن الله تعالى منزه في ذاته وصفاته عن أن يشارك في ألوهيته»29.
وقد ورد أيضًا ما يبين أن المرسلين قد نزهوا الله عن أن يشاركه أحد في التصرف في ملكه أو التحكم عليه.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الإسراء: ٩٠-٩٣].
فهذه الآية تشير إلى أن الرسول بشر، لا يأتي قومه إلا بالمعجزات التي يظهرها الله على يديه، وليس لأحد أن يحكم على الله تعالى، أو يتخير عليه30.
قال الماتريدي: «وقوله عز وجل: (ﯗ ﯘ ﯙ) أمره أن ينزه ربه عن أن يكون لأحد الاحتكام عليه والحكم، والذي سألوه احتكام منهم على الله»31.
وقال ابن عاشور في التحرير: «ولما كان اقتراحهم اقتراح ملاجة وعناد أمره الله بأن يجيبهم بما يدل على التعجب من كلامهم بكلمة (ﯘ ﯙ) التي تستعمل في التعجب ، كما تقدم في طالع هذه السورة، ثم بالاستفهام الإنكاري، وصيغة الحصر المقتضية قصر نفسه على البشرية والرسالة قصرا إضافيا، أي : لست ربا متصرفا أخلق ما يطلب مني»32.
فالدعوة إلى الله وحده وتنزيهه عن الشرك هي أعظم ما بعث من أجله المرسلون.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يوسف: ١٠٨].
ففي الآية بيان للسبيل الذي يدعو إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهي: الدعوة إلى الله على بصيرة، وتنزيه الله تعالى من الشركاء، والبراءة من المشركين33.
قال ابن باديس: «وكان من سبيل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه يدعو الخلق إلى الله، وينزهه عن كل ما نسبه إليه المبطلون وتخيله المتخيلون، وهو معنى قوله: (ﮍ ﮎ)، فهو يدعوهم إلى الله الذي قد عرفوا وجوده بفطرتهم، وعرفوا أنه هو خالق الكون وخالقهم، لا يسميه إلا بما سمى به نفسه، ولا يصفه إلا بما وصف به نفسه، ويعرفهم بآثار قدرته، ومواقع رحمته، ومظاهر حكمته، وآيات ربوبيته وألوهيته، ووحدانيته في جلاله وسلطانه، وينزهه عن المشابهة والمماثلة لشيء من مخلوقاته لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وهذا التنزيه- وإن كان داخلًا في الدعوة إلى الله - فإنه خصص بالذكر، لعظم شأنه؛ فإنه ما عرف الله من شبهه بخلقه، أو نسب إليه ما لا يليق بجلاله، أو أشرك به سواه، وإن ضلال أكثر الخلق جاءهم من هذه الناحية، فمن أعظم وجوه الدعوة وألزمها، تنزيه الله تعالى عن الشبيه والشريك، وكل ما لا يليق»34.
رابعًا: تنزيه المؤمنين الله عن الشركاء:
وقد نزه المؤمنون ربهم عز وجل عن الشركاء والأنداد، في معتقدهم وعبادتهم وولائهم.
قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [آل عمران: ٦٤].
فهذه الآية الكريمة تناولت جوانب متعددة من الشرك التي وقع بها المشركون من أهل الكتاب ، ونزه المؤمنون ربهم عنها، وبيانها فما يأتي:
وذكر هذه الثلاثة؛ لأن النصارى جمعوا بينها، فعبدوا غير الله ، وهو المسيح ابن مريم، وأشركوا به غيره، وذلك لأنهم يقولون :إنه ثالث ثلاثة، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، حيث كانوا يطيعونهم في التحليل والتحريم ومعصية الله، وكانوا يسجدون لأحبارهم، ولا معنى للربوبية إلا ذلك35.
فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو أهل الكتاب إلى ما هو عليه حال المؤمنين من توحيد الله عز وجل ونبذ الشركاء في هذه المسائل، فإن المؤمنين عبوديتهم خالصه لله تعالى لا يرجون من طاعتهم إلا ابتغاء وجهه الكريم، وينزهونه عن الشريك، ولا يطيعون في معصيته أحدًا، ولا يسجدون إلا لله.
وقال تبارك وتعالى على لسان عباده المؤمنين مبينًا إخلاص ولائهم لله عز وجل: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الفرقان: ١٨].
قيل : إن السؤال موجه في الآية لعزير والملائكة وعيسى ابن مريم من العقلاء36.
ويدخل في هذا السياق كل من عبد من دون الله من المؤمنين والصالحين على على مدى الزمان، فهم يبرؤون إلى الله ممن اتخذهم أربابًا من دون الله، ويقررون بأن والولاء لا يكون إلا لله ولاء طاعة وعبودية وانقياد.
وقال تعالى في شأن المؤمنين من الجن: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الجن: ٢-٣].
ففي الآية دلالة على أعظم ما في دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو: توحيد الله تعالى، ونبذ الشرك والمشركين، وقد آمنت الجن أن القرآن كلام الله، بسماعه مرة واحدة، في حين لم ينتفع كفار قريش، بسماعه مرات، مع كون الرسول صلى الله عليه وسلم منهم يتلوه عليهم بلسانهم، فالآية بينت أن الجن نفوا عن أنفسهم الإشراك بالله تعالى، ونزهوه تعالى عن اتخاذ الصاحبة والولد، وبذلك أثبتوا وحدانية الله وامتناع وجود شريك له ثم أثبتوا له القوة والعظمة، ونزهوه عن الحاجة والضعف باتخاذ الصاحبة والولد، شأن العباد الذين يتعاونون على أمور الحياة بالزوجة للسكن والألفة، وبالولد للمؤازرة والتكاثر والأنس37.
وقد جاء في الكتاب العزيز كثير من الآيات التي ينزه المؤمنون بها ربهم عن الشركاء والأنداد ، وهذا بيانها:
قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الكهف: ٣٨].
وقال تعالي: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [لقمان: ١٣].
وقال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [غافر: ٤٢].
خامسًا: براءة الله ورسله من المشركين:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [التوبة: ١].
وقال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [التوبة: ٣].
لما كان المشركون بالله المصرون على شركهم من أعدى أعداء الله ورسوله، تبرأ سبحانه منهم وأمر رسوله أيضا بالتبرؤ منهم، ومن عهودهم ومواثيقهم، وإن أكدوها وغلظوها، فهذه براءة وإسقاط ذمة، ورفع أمان من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لما كان بين المؤمنين والمشركين من عهود ومواثيق، فلا هدنة بعد اليوم، وصار الحكم إما السيف، أو الإسلام فإن تابوا ورجعوا عن الكفر والشرك إلى الايمان والتوحيد فهو خيرٌ لهم، وإن أعرضوا عن الإسلام والإيمان وأصروا على الشرك والطغيان، فليسوا بمعجزي الله ولا غالبين جنده.
وقد أثنى الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز على إبراهيم عليه السلام ومن معه من المؤمنين لتبرئهم من المشركين من قومهم، وجعلهم قدوة حسنة ومثلًا يحتذى به في توحيدهم لله عز وجل.
قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الممتحنة: ٤].
وقد أرشد الله تبارك وتعالى المؤمنين إلى التأسي بإبراهيم ومن آمن معه ، وجعلهم قدوة لهم في سيرتهم العملية التي كانت من هداية الله تعالى لهم، وهي البراءة من قومهم معبوداتهم ما داموا عابدين لها، ولما كان وعد إبراهيم لأبيه بالاستغفار له وهو المشرك ليس من هذا الهدى، بل كان مسألة شاذة لها سبب خاص استثناها تعالى من التأسي به ، فقال: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)38.
روى البخاري في الصحيح بسنده قال: (لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أي عم، قل: لا إله إلا الله ، أحاج لك بها عند الله)، فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)، (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [التوبة: ١١٣]39.
ففي الحديث بيان لنهي الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من الاستغفار للمشركين مهما تكن قرابتهم.
أما استغفار إبراهيم لأبيه فكما يبين السياق القرآني في قوله تبارك وتعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [التوبة: ١١٤].
حيث دعا إبراهيم أباه للإيمان وترك الأوثان، فوعده أبوه بأن يسلم، فقال إبراهيم: لأستغفرن لك إن أسلمت، باعتبار أن هاء الضمير في (ﮁ) تعود على إبراهيم، وقيل : إن الهاء تعود إلى الأب على اعتبار أن إبراهيم وعد أباه أن يدعو له ربه ويستغفر له رجاء إسلامه، ويدل على المعنى الثاني قراءة الحسن (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها أباه)، فلما تبين لإبراهيم أن أباه عدو لله بموته على الكفر تبرأ منه وكف عن الدعاء له والاستغفار40.
وقد جاء في السياق القرآني العديد من الآيات الكريمة التي تبين براءة الله ورسوله ورسله أجمعين من المشركين، فبراءة الله ورسوله من المشركين تستوجب خذلانهم في الدنيا وهزيمتهم ومهانتهم، وعذابهم في الآخرة والانتقام منهم.
أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بعبادته وتنزيهه عن كل الشركاء.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ٣٦].
كما أمرهم سبحانه وتعالى أن يجعلوا له في نفوسهم من التعظيم والتنزيه ما لا يجعلوا لسواه، فأبى أكثر الناس إلا كفورًا، فأشرك من أشرك وحاد من حاد، ونتناول في هذا المبحث بعضًا من المطالب التي بين القرآن الكريم فيها وقوع بعض الناس في أنواع من الشرك، وبيانها فيما يأتي:
أولًا: الشرك في الاعتقاد:
١. شرك المحبة.
راعى القرآن الكريم الفطرة البشرية، واعترف بمكوناتها ونزعاتها ورغباتها، والحب أمر فطري مغروس في النفس البشرية ومجبولة عليه، كحب الولد والمال والنساء.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [آل عمران: ١٤].
لكنه مع ذلك بين أن هناك من المحبة ما هو أعظم وأفضل ، وهي محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهي ثابتة في الكتاب.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة: ١٦٥]41.
وجاءت هذه الآية الكريمة في سياق الحديث عن وحدانية الله تعالى، وتفرده بخلق السموات والأرض، وتسيير كل ما فيها في نظام واحد، يدل على قدرته ووحدانيته42.
فمن كان هذا شأنه فهو الذي يستحق من عباده أن ينزهوه عن كل الشركاء والأنداد، في كل جانب من جوانب حياتهم، فلا يقدموا على محبته محبةً، فهو محبوب لذاته، ومحبوب لجميل عطائه وكريم إنعامه، لذا نرى السياق القرآني يعجب ممن يتخذون من أوثانهم وسادتهم التي يشركونها مع الله في الطاعة نظراء لله، فيجعلون لهذه الآلهة في قلوبهم نصيبًا من المحبة، كحب المؤمنين لله، ولكن حقيقة الأمر أن حب المؤمنين لله أشد وأصدق43.
وقد توعد الله من ساوى بين الخالق والمخلوق في المحبة بالعذاب الأليم يوم القيامة، كما قضى بفسق من قدم محبة شيء من زينة الدنيا ومتاعها من مال وأهل وعشيرة وتجارة على حب الله.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [التوبة: ٢٤].
والذي نخلص إليه: أن الذين يعدلون أو يساوون في محبتهم لله تبارك وتعالى أي مخلوق، فقد أشركوه مع الله عز وجل ، وأعطوه ما لا يستحقه من المحبة والإجلال44.
٢. الخوف.
قال ابن فارس: «الخاء والواو والفاء أصل واحد يدل على الذعر والفزع، يقال : خفت الشيء خوفا وخيفة» 45.
وقال الأصفهاني: «حقيقة خوف الله امتثال أمره»46.
والخوف أمر فطري جبلت عليه النفس البشرية كما الحب، وأقر القرآني الكريم وجوده.
قال تعالى: (ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [النمل: ١٠].
فالخوف عند توافر دواعيه، من فزع وحدوث خوارق وخلافه، مباح.
والخوف إذا اقترن معه التعظيم والخضوع والمحبة لغير الله، أو اقترن معه الاعتقاد بالنفع أو الضر من غير الله، أصبح خوفًا شركيًا مذمومًا47.
وذلك من مفهوم قوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [التوبة: ١٨].
وقد بين علماء التفسير أن المقصود من خشية الله في الآية هو عبادته وتعظيمه دون سواه48.
وقد ذم الله وعاب هذ الخوف إذا صرف لغيره، وأمر عباده المؤمنين بخشيته وقصر هذا الخوف لذاته سبحانه وتعالى والخضوع لسلطانه ،وبين ذلك في كتابه العزيز.
قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [آل عمران: ١٧٥].
وقوله: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [النحل: ٥١].
وأثنى الله على عباده الذين أظهروا خوفهم من الله، وتحملوا في سبيل ذلك مشاق وتبعات التكاليف.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [المائدة: ٢٨].
٣. التوكل على غير الله.
أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعبادته والتوكل عليه في كتابه العزيز ، فقال: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [هود: ١٢٣].
أي: «قم بعبادته -وهي جميع ما أمر الله به مما تقدر عليه- وتوكل على الله في ذلك»49.
فجعل التوكل على الله وحده هو ما يعين على صحة القيام بالتكاليف.
كما أمر عباده المؤمنين بالتوكل عليه وجعله من تمام الإيمان، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [آل عمران: ١٢٢].
أي: «إن الألوهية من موجبات التوكل عليه تعالى ، واللام في المؤمنين للجنس، فيدخل فيه الطائفتان دخولا أوليًا، وفيه إشعار بأن وصف الإيمان من دواعي التوكل وموجباته»50.
ونهى عز وجل عباده المؤمنين عن اتخاذ غيره وليًا، فقال: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الإسراء: ٢].
أي: «أن لا تتخذوا شريكا تلجؤون إليه، وقد عرف إطلاق الوكيل على الله في لغة بني إسرائيل»51.
فجعل عز وجل الالتجاء إلى غيره سبحانه وتعالى اعتقادًا شركًا به، لذا نهى بني إسرائيل عن ذلك، والنهي هنا يشمل المؤمنين جميعًا، لأن ذلك من أصول العقيدة التي هي أصل التوحيد الذي شرعه الله للناس أجمعين.
وقد جعل التوكل من شروط صحة الإيمان بالله ، فقال: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [المائدة: ٢٣].
أي: «إن التوكل الحق لا يكون إلا من قلب مذعن مؤمن بالله مخلص له، مجيب لما يأمر وينهى، ولذلك قرن التوكل بقوله: (ﰀ ﰁ ﰂ)»52.
وقد جاء الحديث عن التوكل في القرآن في قرابة سبعين آية من آياته في أربع وعشرين سورة مكية ومدنية، وذلك لمكانة هذه العبادة القلبية العظيمة وأثرها في حياة الأمة المسلمة.
وقد جاءت هذه الآيات الكريمة لتبين أن التوكل على الله عز وجل هو السمة المميزة للمؤمنين الصادقين، فالله لا يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أو عباده المؤمنين بأمر إلا ما فيه من الخير والرشاد ما يصلح حالهم وما فيه تمام إيمانهم، ففي الآية الأولى قرن عز وجل بين العبادة والتوكل.
والذي نخلص إليه : أن التوكل الذي هو عمل قلبي يجعل الإنسان يعتقد أن الضر والنفع معقود بهذا الوكيل، وذلك لا يكون إلا لله.
٤. الرياء.
جعل سبحانه وتعالى الرياء في العمل إشراكًا به في العبادة ومنافيًا للتوحيد ، فقال: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ) [الكهف: ١١٠].
فقوله عز وجل: (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) أي: من كان يرجو ثوابه وجزاءه الصالح، (ﰕ ﰖ ﰗ)، أي: موافقًا لشرع الله، (ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل عند الله، لا بد أن يكون خالصا لله، صوابًا، على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث أن رجلًا قال: (يا رسول الله، إني أقف المواقف أريد وجه الله، وأحب أن يرى موطني. فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا،. حتى نزلت هذه الآية: (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ)5354.
فقد جاء الرد من العليم الحكيم قرآنًا يتلى إلى يوم القامة، شافيًا لكل من يريد أن يعرف الرياء، فهو إشراك بالله عز وجل، فمن يرغب عن الشرك في العمل فعليه تجريد عمله من كل الأهواء، وإخلاص نيته عن كل الشركاء.
ولما كان الرياء نقيض الإخلاص ، وقد عاب الله الرياء، فقد أمر المؤمنين بإخلاص العبودية له، وجعل أهل العلم إخلاص النية لله الأساس لكل عمل.
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [البينة: ٥].
وفي معنى قوله عز وجل: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) أي: «موحدين لا يعبدون سواه حنفاء على دين إبراهيم»55.
وقد حذر الله عز وجل عباده المؤمنين من الرياء، وجعله من أعمال المنافقين.
قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النساء: ١٤٢].
فهذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها، وهي الصلاة، إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى، فما بالك بغيرها من سائر الأعمال، إنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها، (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) فهذه صفة ظواهرهم، ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة، فقال: (ﮄ ﮅ) أي: لا إخلاص لهم ولا معاملة مع الله بل إنما يشهدون الناس تقية من الناس ومصانعة لهم56.
وهذا هو معنى الإشراك بالله تعالى في الطاعة والنية.
وقد قرن الله تبارك وتعالى بين النفاق وعدم الإيمان بالله فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [النساء: ٣٨].
٥. الطيرة.
التطير صفة أعداء الرسل في كل زمانٍ ومكانٍ، فهي لم تكن موجودةً قبل الإسلام فحسب؛ بل استمرت معهم بعد الإسلام إذ تطيروا من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته.
وهذا يفهم من قوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [النساء: ٧٨].
فكان إذا أصاب المنافقين الخصب، والنماء، وكثرة الأولاد، قالوا: هذا من عند الله، وإن أصابهم القحط، ونقص في الثمار والأولاد أو غير ذلك، نسبوا ذلك لسبب اتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)أي: بقضائه وقدره، وهو جارٍ على المؤمن والكافر على السواء.
وقد ورد في سبب نزول قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الحج: ١١]. أن الأعراب كانوا إذا ما آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فصحوا، وولدت نساؤهم الغلمان، وأنتجت بهائمهم، قالوا : ما أصابنا منذ دخلنا في هذا الدين إلا الخير، وإن أصابهم همٌ ووجعٌ، وحلت بهم الكروب، وسوس إليهم شيطانهم أنه ما أصابهم منذ دخولهم في دين محمد صلى الله عليه وسلم إلا الشر، فينقلبوا عن دينهم خاسرين57.
ومما سبق يتضح أن القرآن الكريم ذم التطير، والمتطيرين، وجعل هذه الصفة ملازمةً لأعداء رسله وأتباعهم، تنفيرًا منها، وإظهارًا لخطورتها على عقيدة المؤمن، فالمؤمن الحق هو الذي يسلم أمره لربه ويحسن التوكل عليه، ويعلم أن كل ما أصابه من خيرٍ أو شر جارٍ بقضاء الله وقدره.
كما يلاحظ توافق الكافرين في موقفهم من الرسل عليهم السلام، والتقائهم على التطير منهم، وذلك نظرًا للكفر الجامع بينهم، الأمر الذي جعلهم شركاء في الذم.
قال السعدي في حق المتطيرين: «فلما تشابهت قلوبهم بالكفر تشابهت أقوالهم وأعمالهم، وهكذا كل من نسب حصول الشر أو زوال الخير لما جاءت به الرسل أو لبعضه، فهو داخلٌ في هذا الذم الوخيم»58.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا تعارض بين الآيات، قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأعراف: ١٣١].
وقوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ) [يس: ١٩].
بل كل منهما محققٌ للآخر ومتممٌ لمعناه، فقوله تعالى: (ﮒ ﮓ)، أي: أن الله هو المقدر لهذا الشيء وليس غيره سبحانه، فهي في بيان سبب حصول الشؤم لهم، فهو بسبب كفرهم ومعصيتهم59، فالله قدر السوء والشر لهم بأعمالهم جزاءً عليها60.
ثم أخبر سبحانه وتعالى أن كل ما يجري على ذلك العبد من نعمةٍ أو مصيبةٍ من عنده تعالى61، فقال: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النساء: ٧٨].
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، حكم التطير، وكونه من الشرك، فقال صلى الله عليه وسلم: (الطيرة من الشرك)62.
وعلى هذا فإن قوله: (من الشرك)، دلالة على كونه من الشرك الأصغر، لأنه اعتمد على سببٍ لم يجعله الله تعالى سببًا، «إن كل إنسانٍ اعتمد على سببٍ لم يجعله الشرع سببًا، فإنه مشرك شركًا أصغر»63.
قال الطاهر بن عاشور: «التطير من شعار أهل الشرك لأنه مبني على نسبة المسببات لغير أسبابها، وذلك من مخترعات الذين وضعوا لهم ديانة الشرك وأوهامها»64.
أما إذا اعتقد أنها مؤثرة بذاتها، فهذا عين الشرك الأكبر المخرج من الملة65.
ثانيًا: الشرك في الأعمال:
١. الشرك في الطاعة.
تعد الطاعة من أعظم أنواع العبادات التي أمر الله بها.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [النساء: ٥٩].
أي: أطيعوا الله تعالى فيما أمركم به، ونهاكم عنه، وأطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو مبلغ عن ربه، وأطيعوا أولي الأمر من الأمراء والحكام، والعلماء، شرط أن يكونوا أمناء، لا يخالفون منهج الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم66.
وبين سبحانه وتعالى أن من أطاع أحدًا من خلقه، في تحليل ما حرم الله تعالى، أو تحريم ما أحل الله تعالى، فقد اتخذ من دون الله ربًا مشرعًا.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [التوبة: ٣١].
ففي الآية بيان للشرك في الطاعة، وذلك بطاعة الأحبار والرهبان، في تغيير شرع الله تعالى، وهذا من الشرك الأكبر، « فقد سماهم أربابًا وهم لا يعبدونهم، لكن من حيث تلقوا الحلال والحرام من جهتهم، وهو أمر لا يتلقى إلا من جهة الله عز وجل، ونحو هذا قال ابن عباس، وحذيفة بن اليمان، وأبو العالية، وحكى الطبري أن عدي بن حاتم قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب ذهب، فقال: يا عدي؛ اطرح هذا الصليب من عنقك، فسمعته يقرأ (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) فقلت : يا رسول الله ، وكيف ولم نعبدهم؟ فقال أليس تستحلون ما أحلوا وتحرمون ما حرموا ) ، قلت: نعم. قال:( فذاك)67.
قال سليمان بن عبد الله: «فمن أطاع مخلوقًا في ذلك فقد عبده، إذ معنى التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله يقتضي إفراد الله بالطاعة، وإفراد الرسول بالمتابعة »68.
وقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأنعام: ١٢١].
قال ابن كثير: «أي : حيث عدلتم، عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدمتم عليه غيره، فهذا هو الشرك»69.
وفرق أهل العلم بين شرك العبادة، وشرك الطاعة.
قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الأعراف: ١٩٠-١٩١].
فقد جاء بسند صحيح عن قتادة أنه قال: «شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته»، وهذا دليل على التفريق بين الشرك في الطاعة والشرك في العبادة، فالشرك في العبادة كفر أكبر مخرج من الملة، أما الشرك في الطاعة فله درجات يبدأ من المعصية والمحرم وينتهي بالشرك الأكبر 70.
٢. السحر.
لقد حرم الله تعالى السحر.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة: ١٠٢].
فهذا إخبار عن اليهود الذين أخذوا بالسحر الذي تقولته الشياطين على عهد ملك سليمان، ونسبوه إلى سليمان عليه السلام بهتانًا وزورًا، ثم بين الله سبحانه وتعالى أن سليمان لم يكن ساحرا كما زعموا، ولكن الشياطين هم السحرة، وهم الذين كفروا بتعليمهم للناس السحر، ثم بين سبحانه وتعالى شيئًا من مقاصد الذين يتعلمون السحر، وهو تفريقهم بين المرء وزوجه، ولكن الله أخبر أنه لا يتم تأثير السحر إلا بإذنه، وأن من اعتاض بالسحر عن دين الله، فإنه ليس له في يوم القيامة نصيب ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون 71، وهذا تحذير من السحر لأنه لا يتم إلا بالشرك، والشرك مناف للتوحيد72.
وقد بين سبحانه وتعالى أن السحر باطل؛ لأنه يسبب الإفساد بين الناس ، ومن كان شأنه كذلك فمآله إلى زوال لا محالة.
قال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [يونس: ٨٠-٨١].
وقال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [يونس: ٧٧].
أي: لا يظفر الساحر بالحاجة والغلبة، لأنه باطل، والباطل لا يغلب الحق73.
٣. الشرك في الدعاء.
هو الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل وإضافة الجود والكرم إليه74.
ويمكن القول بأن شرك الدعاء هو: سؤال العبد غير الله؛ من الأنبياء، والأولياء، وغيرهم، فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل؛ ويدخل في ذلك الاستغاثة، والاستعانة، والاستعاذة، بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ من طلب رزق، أو شفاء مريض، أو إحياء ميت، أو غير ذلك؛ فقد أشرك مع الله غيره، سواء أكان ذلك الغير نبيا، أو وليا، أو جنيا، أو غير ذلك من المخلوقات 75.
والأدلة على كون دعاء غير الله تعالى شركًا كثيرة، منها:
قول الله عز وجل: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [فاطر: ١٣-١٤].
فالآية تؤكد عجز الأصنام، فهي لا تملك شيئًا ولو كان حقيرًا ، وهو ما تشير إليه كلمة قطمير ، أي : قشر النواة، فالمشركون كانوا يزعمون أن الأصنام تسمعهم، لذلك كانوا يدعونها ويتوجهون إليها : فنبههم القرآن إلى عجزها، بأنها لا تسمع، وعلى فرض أنها تسمعهم فإنها لا تستجيب لهم، قال ابن عاشور: «أي : ولو سمعوا على سبيل الفرض والتقدير ومجاراة مزاعمكم حين تدعونها فإنها لا تستجيب لدعوتكم، أي : لا ترد عليكم بقبول»76.
وقول الله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [النحل: ٥٣-٥٤].
قال ابن كثير: « لعلمكم أنه لا يقدر على إزالته إلا هو، فإنكم عند الضرورات تلجئون إليه، وتسألونه وتلحون في الرغبة مستغيثين به» 77.
والدعاء نوعان: دعاء العبادة والثناء، ودعاء المسألة والطلب، وهما متلازمان.
فدعاء العبادة والثناء: هو ما يقصد به العبد ثناء على الله تعالى بما هو أهله، تذللا له، وانكسارًا بين يديه، سبحانه وتعالى.
ودعاء المسألة: هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو دفع ضر، إذ الذي يدعى لا بد أن يكون مالكًا للنفع والضر78.
دعاء المسألة والطلب لا يعد كله شركًا، فالإنسان إما أن يدعو مخلوقًا حيًا بأمر يدركه وهذا جائز، كسؤال الفقير، وإما أن يدعو مخلوقا مطلقًا حيًا كان أو ميتًا فيما لا يقدر عليه إلا الله، مثل: يا فلان! اجعل ما في بطن امرأتي ذكرا؛ فهذا شرك أكبر؛ لأن هذا من فعل الله عز وجل الذي لا يستطيعه البشر، ولا يقدرون عليه، وإما أن يدعو مخلوقًا لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة؛ كدعاء الأموات؛ فهذا شرك أكبر أيضا؛ لأن هذا لا يقدر عليه المدعو. ولا يقع مثل هذا النوع من الدعاء إلا إذا اعتقد الداعي في المدعو شيئا سريا يدبر به الأمور 79.
٤. نسبة النعم لغير الله تعالى.
إن من تمام التوحيد نسبة النعم إلى الله عزوجل، فمن نسب النعمة إلى غيره تعالى، فقد كفر ؛ لأنه جعل شريكًا مع الله في الإنعام80.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النحل: ٨٣].
فالكفار يقرون بأنها كلها من الله تعالى، ثم ينكرونها بأفعالهم حيث يعبدون غير منعمها أو بقولهم ، إنها بشفاعة آلهتنا، أو بترك الشكر عليها، أو يعرفونها في الشدة، وينكرونها في الرخاء، أو يعرفونها بقلوبهم، ويجحدونها بألسنتهم (ﮓ ﮔ) أي: المنكرون بقلوبهم غير المعترفين بما ذكر 81.
وإنكار النعمة أن تنسب إلى غير الله، وأن يجعل المتفضل بالنعمة غير الذي أسداها، وهو الله جل جلاله، فالواجب على العبد أن يعلم أن كل النعم من الله جل وعلا، وأن كمال التوحيد لا يكون إلا بإضافة كل نعمة إلى الله جل وعلا، وأن إضافة النعم إلى غير الله نقص في كمال التوحيد، ونوع شرك بالله جل وعلا.
قال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [فصلت: ٥٠].
أي: لئن أذقناه عافية من بعد سقم، أو غنى من بعد فقر؛ ليقولن: هذا لي، أي : هذا من حقي؛ استوجبته بتقواي وصلاحي، أو بقوتي واجتهادي. وهو في عداد المتكبرين82.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [القصص: ٧٨].
فهذه مقولة المغرور الذي ينسى مصدر النعمة، فقارون نسي من وهبه النعمة، وركن إلى السبب، وهو أن هذا الثراء والغنى إنما حصله من علمه وبجهده الخاص، فجاءه التهديد والوعيد من الله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [القصص: ٧٨]83.
وقد ورد في تفسير قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأعراف: ١٩٠].
أنعم الله عليهم بالأولاد، وكمل الله النعمة بهم بأن جعلهم صالحين في أبدانهم، وتمام ذلك أن يصلحوا في دينهم، فعليهم أن يشكروا الله على إنعامه، وأن لا يعبدوا أولادهم لغير الله، أو يضيفوا النعم لغير الله، فإن ذلك كفران للنعم مناف للتوحيد84.
فمن تحقيق التوحيد نسبة النعم لمسديها وواهبها ، وهو الله تعالى، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الضحى: ١١].
لقد حذر القرآن الكريم من الشرك أيًا كان نوعه، حمايةً لجناب التوحيد، وحرصًا على أهله، لأنه إما أن يخرج صاحبه من الإسلام ويحرمه نعمة التوحيد ويورده النار، وإما أن ينافي كماله، وقد ينتهي به إلى الخروج من الإسلام آخر الأمر85.
وقد قسم أهل العقيدة الشرك إلى مرتبتين: شرك أكبر، وشرك أصغر(خفي)86.
وسنتناول ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: الشرك الأكبر:
وهو«اتخاذ العبد غير الله من نبيٍ أو ولي أو جماد أو حيوان ندًا مساويًا لله ، يحبه كحبه ويخافه ويخشاه كخشيته إلخ» 87.
وعرفه الدكتور عبد القادر صوفي فقال: «إثبات شريك لله عز وجل في خصائصه؛ فيجعل الإنسان ندًا لله في ربوبيته، أو في ألوهيته، أو في أسمائه وصفاته» 88.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النساء: ٣٦].
وقال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل: ٣٦].
عرف ابن القيم الطاغوت بقوله: ما تجاوز به العبد حده: من معبود، أو متبوع، أو مطاع89.
وقد وصف الله تعالى الشرك بالظلم العظيم، فقال على لسان لقمان الحكيم: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [لقمان: ١٣].
ففي الآية يوصي لقمان ولده الذي هو أشفق الناس عليه، وحقيقة أن يمنحه أفضل ما يعرف؛ بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا.
وينقسم الشرك الأكبر إلى أقسام90، وبيانها فيما يأتي:
١. شرك في الربوبية.
وهو أن يجعل لغير الله تعالى معه نصيبًا من الملك أو التدبير أو الخلق أو الرزق الاستقلالي91.
ويمكن القول بأنه نسبة أفعال الله تعالى لغيره من الخلق، حيًا كان أو ميتًا، كالرزق، التصرف في الكون، الإحياء، الإماتة إلخ، ومثاله أيضًا شرك النصارى بقولهم: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [المائدة: ٧٣]92.
٢. شرك في الأسماء والصفات.
وهو التسوية بين الله والخلق في شيء من الأسماء والصفات؛ بأن يجعل لله عز وجل ندا في أسمائه وصفاته؛ فيسميه بأسماء الله، أو يصفه بصفاته93، كشرك الممثلة: وهو اعتقاد أن صفات الخالق تماثل صفات المخلوق، كمن يقول: يد الله كيدي، فهذا كله شرك.
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ) [الشورى: ١١].
٣. الشرك الأكبر في الألوهية.
وهو أن يجعل العبد لله ندًا في العبادة، أو في التشريع 94، وهو على أنواع، منها:
ثانيًا: الشرك الأصغر:
عرفه الشيخ عبد الرحمن بن سعدي بأنه: «كل وسيلة يتوسل بها إلى الشرك الأكبر كالحلف بغير الله، ويسير الرياء ونحو ذلك»98.
ويمكن القول: إن الشرك الأصغر كل ما ينافي كمال التوحيد قولًا كان، أو فعلًا، أو نيةً.
والدليل على وجود الشرك الأصغر: قول الله تعالى: (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الكهف: ١١٠].
قال الزمخشري: «أي : أن لا يرائي بعمله، وأن لا يبتغى به إلا وجه ربه خالصا لا يخلط به غيره» 99.
وبينت الآية شرطي العبادة المقبولة عند الله تعالى، وهما: الموافقة للشريعة، وعدم الإشراك بالله تعالى100.
قال العثيمين: «قال (ﰚ ﰛ) ليتبين لك أنه جل وعلا حقيق بأن لا يشرك به؛ لأنه الرب الخالق المالك المدبر لجميع المخلوقات »101.
وقال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [يوسف: ١٠٦].
فالآية ليست دليلًا فقط على من عبد غير الله، بل تشمل الرياء، والطيرة، والحلف بغير الله، وتعليق التمائم .. إلخ102.
قال محمد أبو زهرة في أحد وجوه تفسيره للآية: «أنها تحمل على أن أكثر الناس تعتريهم حال إشراك مهما أخلصوا التوحيد لله تعالى، فالأوهام تسيطر على الناس ، وقد أدت بالوثنيين إلى عبادة الأوثان، ولكنها بالنسبة لمن جاء بعدهم أدت بهم إلى أوهام حول الأشخاص، لم يعبدوهم ولكن اعتقدوا فيهم قوى خفية ، والآية الكريمة تدعو المؤمنين إلى الحرص على التوحيد، وتفويض الأمر إلى الله تعالى، وأن يبعدوا عن الأوهام المضلة، فلا يعتقدون في مخلوق أن فيه قوة تشفي، أو تنفع، فإن الأوهام أدت إلى الشرك في جاهلية العرب وأدت النصارى إلى التثليث، ولا تزال الأوهام تسيطر عليهم حتى أدت بهم إلى عبادة الأحجار والصور والتماثيل»103.
للانحراف عن عقيدة التوحيد أسباب كثيرة، تتعلق بتفكير الفرد والجماعة، أو طبيعة التربية التي نشأ عليها الفرد، حتى غدا لهذه التربية نوع من القداسة في نفسه، وفي هذا البحث سنقف على بعض هذه الأسباب التي جاء ذكرها في القرآن الكريم ، ويمكن بيان ذلك فيما يأتي:
أولًا: تعظيم المخلوقين:
دأب كثير من الناس على احترام وحب أصحاب المكانة من الناس، من مسؤولين، ورؤساء قبائل وعشائر، وحكام، وقادة عسكرين وخلافه، حتى غدا حبهم يملأ القلوب، وليس العيب هنا، ولكن بالغت فئة في هذا الحب، حتى غدا شكلًا من أشكال التبعية العمياء، التي قادت إلى نوع من التقديس والصد عن سبيل الإيمان.
قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأحزاب: ٦٧].
وقال: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [سبأ: ٣٣].
وفي الآية الأولى يبين الله عز وجل موقف فئة من العصاة يوم القيامة؛ ممن حق عليهم العذاب من المشركين، وقد كانوا يعظمون السادة والكبراء من قومهم حتى أردوهم المهالك، فتمنوا يوم القيامة أن لو كانوا أطاعوا الله رسوله، ثم ينكسون رؤوسهم حسرة وندامة لطاعتهم السادة والكبراء، والأظهر أنهم الرؤساء في الشرك والضلالة، فأطاعوهم في معصية الله، فأضلهم هؤلاء السادة عن طريق التوحيد104، فصدوهم عن طريق الحق فوقعوا في الشرك.
والآية الثانية تصور لنا تصويرًا مؤثرًا بديعًا، ما يكون عليه الكافرون يوم القيامة من حسرة وندم، ومن عداوة وبغضاء، ومن تهم يلقيها كل فريق على الآخر، بدون احترام من الأتباع لزعمائهم الذين كانوا يدينون لهم بالذلة والخضوع طواعيةً، بعد أن سقطت وزالت الهيبة الزائفة التي كان الزعماء يحيطون بها أنفسهم في الحياة الدنيا، وأصبح الجميع يوم الحساب في الذلة سواء105.
ولما أنكر المستكبرون أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين، قال المستضعفون: ما كان الإجرام من جهتنا، بل من جهة مكركم بنا دائما، ليلا ونهارا، وحملكم إيانا على الشرك واتخاذ الأنداد106.
ثانيًا: التقليد:
ميز الله تعالى الإنسان بالفكر، ليعرف به الخير من الشر في الاعتقاد، والصدق من الكذب107، وأكرمه بالعلم والإرادة، ومنحه نعمة العقل، التي بها يقوى على الاختيار، والتمييز بين ما يضر وينفع، فأبى كثير من الناس إلا تعطيل هذه النعمة، ورفض هذه الكرامة، فحجروا على عقولهم، وأبوا إلا التقليد والتبعية العمياء للمورث من الأقدمين، آباء وقادة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [المائدة: ١٠٤].
وقد ندد الله بهذا التقليد ، وجعل من يتشبثون به في درجة أحط من البهائم والأنعام ، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأعراف: ١٧٩].
فمن أغفل نعم الله وعطلها وعلى رأسها نعمة العقل والتفكير والتمييز ، فهو من اصحاب هذه الآية.
وقد جاء تقليد المشركين في صور متعددة ، بين منها القرآن ما يأتي:
قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأنبياء: ٥٢-٥٣].
لما أنكر إبراهيم على أبيه وقومه قيامهم على هذه الأصنام والصور التي كانوا يعبدونها دون الله، (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)، فلم يجد القوم جوابًا إلا طريقة التقليد، التي توجب مزيد النكير، لأنه إذا كانوا على خطأ من أمرهم لم يعصمهم من هذا الخطأ أن آباءهم أيضا سلكوا هذا الطريق، فأجابهم إبراهيم عليه السلام بقوله: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ)[الأنبياء: ٥٤].
فبين أن الباطل لا يصير حقا بسبب كثرة المتمسكين به108، ولو كانت هذه الكثرة هم الآباء والأقدمون والأجداد، ومن لهم في النفس حب، لصلة أو قرابة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [البقرة: ١٧٠].
ففي الآية بعد أن نهى الله المؤمنين عن اتباع آثار عدوه وعدوهم، أعلمهم وهو ربهم أن الشيطان لا يأمرهم إلا بما يضر أبدانهم وأرواحهم، ولا يرد لهم إلا إلى ما سيء الأفعال والأخلاق، وأفظع من ذلك أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، فيحرمون ويحللون ويشرعون باسم الله، والله في ذلك بريء، فلما قال لهم رسول الله ، اتبعوا ما أنزل الله، قالوا : لا، بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ، ولو كان باطلًا، فهم يقلدون آباءهم ولو كان آباءهم لا يعقلون شيئًا من أمور الشرع والدين، ولا يهتدون إلى ما فيه الصلاح والخير 109.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأعراف: ٢٨].
تتناول الآية الكريمة الحديث عن قبح حال المشركين الذين يفعلون الذنوب، ويزعمون أن الله أمرهم بذلك، فإذا فعلوا فعلة قبيحة ينكرها الشرع، قالوا: إنا وجدنا آباءنا هكذا يفعلون، نحن نقتدي بهم، وغير ذلك من التقليد الأعمى، الذي يرفضه الشرع، والأدهى من ذلك قولهم: (ﯓ ﯔ ﯕ)، فقل لهم: إن الله لا يأمر بالفحشاء أصلًا، وإنما الذي يأمركم بهذا هو الشيطان، وكيف تعتذرون باتباعكم آباءكم؟ وهل آباؤكم حجة في التشريع؟ وهل عملوا بوحي من الله وإرشاد؟ أم كانت أعمالهم بوسوسة الشيطان وزخرفته؟!! أم أنتم تقولون على الله ما لا تعلمون؟ فتشريع الله لا يكون إلا بوحي منه إلى رسوله110، وهذا هو الشرك بعينه.
ثالثًا: اتباع الهوى:
الهوى ما عشقته النفس، ومالت إليه من الحظوظ العاجلة، ويجري ذلك في المآكل، والمشارب، والملابس، والمناكح، والجاه، ورفع المنزلة، فليجاهد العبد نفسه في ترك ذلك كله، حتى لا تحب إلا ما هو طاعة تقرب إلى الله 111.
وجاءت الشريعة الغراء تحث المؤمنين على الارتقاء بالنفس البشرية إلى أعلى الدرجات، والنأي بها عن سفاسف الأمور وحقيرها، لذلك كانت أوامرها السمحة، تحمل الإنسان على معالي الأمور وعظيمها، ولما كانت النفس تميل إلى الراحة والدعة، فقد ندد الله بمن أبى إلا مجاراة هوى نفسه والهبوط بها فقال سبحانه: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الفرقان: ٤٣].
فجعل هوى نفسه مطاعًا، حتى غدا هواه إلهًا يعبد دون الله، ويشتهى فيطاع.
وقد جاء السياق القرآني منددًا باتباع الهوى لما له من أثر في حرف الناس عن عقيدة التوحيد وجادة الطريق، وبيان ذلك فيما يأتي:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الجاثية: ٢٣].
فكل من استباح لنفسه كل ما تهواه، سواء كان مباحًا أو غير مباح، فكأنه يعبد هواه، كما يعبد الرجل إلهه112، فإن الطاعة المطلقة لا تكون إلا لله تعالى، فمن صرف ذلك لهواه فقد جعل للهوى ما هو من خصائص الله، فماذا بقي من الشرك؟!
قال تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النجم: ٢٣].
تتناول الآية التنديد بالمشركين لاتخاذهم أصنامًا تعبد دون الله، وجعلوا لها أسماء ليس لها نصيب منها إلا إطلاق تلك الأسماء عليها، ولو كانت الألوهية متحققة بمجرد التسمية كانت آلهة، لكنها أماني وأهواء زعموها وتوهموا أنها حقيقة، أو هو ادعاء مرده أهواؤهم113، فالذي حمل القوم على الشرك بالله هو اتباع الهوى.
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الأنعام: ١٥٠].
تأتي هذه الآية الكريمة بعد سلسلة من الآيات التي دار فيها حوار مع الكفار حول مسائل تتعلق بما أحل الملأ من قريش وحرموا؛ من الأطعمة والأشربة وفق أهواؤهم، دون مستند من الله تعالى، والذي حمل على هذ التحليل والتحريم؛ ما إشربوه من هوى النفس، حتى غدت هذه الأهواء أوثانًا تعبد دون الله تعالى، وقوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ) أي: يشركون به ويجعلون له عديلًا 114، أي: مثيلًا، وهذا هو عين الشرك، والذي حمل عليه هو اتباع الهوى في التحليل والتحريم، الذي هو من خصوصيات الله سبحانه وتعالى.
رابعًا: الكبر:
جاءت آيات القرآن الكريم تنفر من هذا الخلق الذميم، وتبين كبير جرم المتكبرين، ويمكن بيان مفاسد الكبر كما بينها القرآن الكريم ذلك فيما يأتي:
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [غافر: ٥٦].
فالذي دفعهم للجدال والمراوغة، والصد عن سبيل الله هو ما ملأ صدورهم من كبر وتعالٍ على اتباع المرسلين، «والكبر الذي في صدورهم هو الاستكبار عن الإقرار بالتوحيد»115.
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الصافات: ٣٥].
فهؤلاء المجرمون الذين يجحدون الله تعالى، ويعظمون أصنامهم الحجرية والفكرية على مدار الزمان وحتى يومنا هذا، (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) أي: لا معبود بحق إلا الله، وهي كلمة الحق، والعروة الوثقى، أصابهم الكبر، وعظم عليهم أن يتركوا أصنامهم116، وأفكارهم، وأسيادهم التي عظموها، فرفضوا الإقرار بكلمة الحق، وأبوا إلا البقاء على معتقداتهم، وحق عليهم قوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الزمر: ٤٥].
فقلوبهم لا تنقاد إلا لأهل باطلهم، وما أشربوا من هوى أنفسهم.
قال تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [نوح: ٧].
أي: كلما دعوتهم للإيمان الذي تترتب عليه المغفرة، قابلوا ذلك بالمبالغة في الكبر، وجعلوا أنفسهم أكبر من أن يأتمروا لواحد منهم، وتأكيد استكبروا بمفعوله المطلق للدلالة على تمكن الاستكبار 117.
فحملهم الكبر على التعالي على الله عز وجل والانقياد لدعوته، وتنوين (ﯭ) للتعظيم، أي : استكبارًا شديدًا لا يفله حد الدعوة.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة: ٨٧].
أي: «كلما جاء بني إسرائيل رسول من عند الله لا يجاريهم في أهوائهم استكبروا عليه وخالفوه وكذبوه أو قتلوه»118.
ومما سبق يتضح لنا أن الكبر حاجب للإنسان عن صفاء العقيدة، وباب كبير من أبواب الصد عن عقيدة التوحيد.
خامسًا: الجهل بالله وأسمائه وصفاته:
جاء السياق القرآني الكريم بكثير من الآيات التي دعت الإنسان للتفكر في هذا الكون من حولنا، والتدبر في كتاب الله تعالى، ليصل إلى معرفة ربه وعبادته وحده بلا شريك.
ولكن كثيرًا من الناس جمدوا عقولهم، وأغلقوا قلوبهم عن وظيفتها الحقيقية، فلم تعرف ربها، وما قدرته حق قدره.
قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الزمر: ٦٧].
والله سبحانه لم يترك عباده هملًا، بل عرفهم بأسمائه وصفاته، قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأعراف: ١٨٠].
أي: لله الأسماء الحسنى التي هي أحسن الأسماء، لأنها تدل على معان حسنة، من تمجيد، وتقديس، وغير ذلك، فسموه بتلك الأسماء، (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)، أي: واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيها، فيسمونه بغير الأسماء الحسنى، وبما لا يجوز عليه119.
وقد بين القرآن الكريم الكثير من انحراف المشركين في أسماء الله تعالى وصفاته، ما حملهم على العدول عن عقيدة التوحيد والإشراك بالله تعالى، وبيان ذلك فيما يأتي:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأنعام: ٩١].
إن مدار القرآن على إثبات التوحيد والنبوة، فالله تعالى لما حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه أثبت التوحيد، وأبطل الشرك، ذكر بعده تقرير أمر النبوة، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) حين أنكروا النبوة والرسالة، وكل من أنكر النبوة والرسالة فهو في الحقيقة ما عرف الله حق معرفته120، لأن مقتضى ذلك أن الله ترك الناس هملًا، يفعلون ما يشاؤون، ثم بعد ذلك يعاقب المسيء.
قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [الأنعام: ١٠٠-١٠١].
وهذه الآية مشيرة إلى العادلين بالله، والقائلين : إن الجن تعلم الغيب، وكانت طوائف من العرب تفعل ذلك وتستجير بجن الأودية في أسفارها ونحو هذا، أما الذين (ﯬ ﯭ ﯮ) فاليهود في ذكر عزير والنصارى في ذكر المسيح، وأما ذاكرو البنات فالعرب الذين قالوا للملائكة: بنات الله121، وما حملهم أن ينسبوا لله الأولاد والبنات إلا جهلهم بصفة وحدانية الله عز وجل.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأعراف: ٢٨].
لما سئل المشركون عن سبب ارتكابهم المعاصي الفاحشة -والتي منها الطواف عرايا بالبيت- أجابوا بأنهم وجدوا عليها آباءهم، وأن الله أمرهم بذلك، وهم في ردهم الأولى صادقون وصادقون وإن كانوا غير محقين، وفي ردهم الثاني كاذبون، إذ كيف يأمر الله تعالى بها؟ والله لا يأمر بالفحشاء، بل يأمر بما فيه مصالح العباد، ثم قال تعالى ردا عليهم (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)122، فادعاؤهم بأن الله أمر بهذه القبائح والفواحش يدل على جهلهم بأسماء الله وصفاته والتي منها «القدوس»، وهذا الإلحاد بأسمائه مرده الجهل.
سادسًا: إهمال العقل وعدم التفكير في آيات الله:
إن الله تعالى جعل لكل عضو من أعضاء الإنسان وظيفة، لأجلها خلق، فإن عجز عن أداء دوره، كان سقيمًا مريضًا، والعقل إنما خلق للتفكر والتدبر، وقيادة البدن نحو معرفة الله، وإلزام الجوارح هديه، فإن ضل العقل عن معرفة ربه، كان سقيمًا وقاد صاحبه نحو الضلال والغواية.
لذلك فإننا نرى أن الكثير من الآيات الكريمة التي تعدد آيات الله ونعمه في هذا الكون، غالبًا ما يعقبها الآيات التي تدعو الناس إلى عقيدة التوحيد ، وتندد بالمشركين.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة: ١٦٤-١٦٥].
فلما نهضت الأدلة على وحدانية الله، وسطعت البراهين، وزاحت العلل والشكوك، عاب من عبد سواه، وفزع إلى غيره، ولما حاد من حاد عن التوحيد وعبد سواه بسبب تعطيله لنعمة التفكر، عقب الآية الأولى بقوله (ﭻ)، فهؤلاء ناس ضلت عقولهم، وفالت آراؤهم، ويتبرأ بعضهم من بعض يوم ينكشف حجاب الغفلة عن سرادق العظمة، ويتجلى الجبار في صفة النقمة، فمن الناس من عقل تلك الآيات ، فآمن بربه وفني في حبه، ومنهم وهم من لا يعقل ، وهم من اتخذوا الأنداد 123.
وكذلك قوله تعالي: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [آل عمران: ١٩٠-١٩٤].
فأهل الإيمان والتوحيد، يهديهم إيمانهم إلى الإقرار بوحدانية الله، والتصديق بما جاءت به المرسلون، فيقرون أن الله تعالى لم يخلق ذلك عبثًا- وحاشاه-، فيتوددون له بطلب الرحمة والمغفرة، وتكفير السيئات، بخلاف من يجادلون في الله بغير علم، ومن يجهلون أسماءه ويلحدون في ذلك.
إن من أهم أصول شريعة الإسلام وشرائع الأنبياء السابقين القضاء على الشرك ومحاربته وتصفية معاقله وإنهاء وجوده وآثاره بين الناس.
قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الأنعام: ٧١-٧٣].
قال الزحيلي: «هذه حملة شديدة من الجدال والنقاش واللوم على الشرك والمشركين، والمعنى: قل أيها النبي في احتجاجك على المشركين: أنطيع رأيكم في أن نعبد من دون الله ما لا قدرة له على نفعنا ولا على ضرنا ؛ لأنها أصنام صماء جمادات لا حياة فيها ولا حركة، ثم نرد على أعقابنا إلى الشرك والكفر، بعد أن أنقذنا الله منه»124.
وتعتبر محاربة الشرك أساس دعوة الأنبياء في جميع عهود الرسالة السماوية؛ فالتوحيد في العبادة وتحطيم أغلال الشرك والوثنية كان من أهم التعاليم السماوية التي تحتل مكان الصدارة في رسالات الأنبياء عليهم السلام حتى كأن الأنبياء والرسل لم يبعثوا -أجمع- إلا لهدف واحد هو تثبيت دعائم التوحيد ومحاربة الشرك، لقد ذكر القرآن هذه الحقيقة بجلاء، على وجه الإجمال وعلى وجه التفصيل.
أولًا: على وجه الإجمال:
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل: ٣٦].
وقال أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء: ٢٥].
وفي موضع آخر يصف القرآن الكريم التوحيد في العبادة بأنه الأصل المشترك بين جميع الشرائع السماوية إذ يقول: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [آل عمران: ٦٤].
فجميع الرسل كان أول وأهم ما دعوا إليه هو التوحيد، توحيد الله بالعبادة وتقواه وطاعته وطاعة رسله. يقول الإمام ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية: «اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل، ولهذا كان الصحيح أن أول واجبٍ يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر ولا القصد إلى النظر ولا الشك ،كما هي أقوال أرباب الكلام المذموم، بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان ، فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا»125.
ثانيًا: على وجه التفصيل:
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأعراف: ٥٩].
قال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [العنكبوت: ١٦].
قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [هود: ٥٠].
وقال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف: ٦٥].
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الأعراف: ٧٣].
وقال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [هود: ٦١].
وقال تعالى أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [النمل: ٤٥].
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأعراف: ٨٥].
وقال تعالى أيضًا: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [العنكبوت: ٣٦].
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المائدة: ٧٢].
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة: ١٣٣].
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [يوسف: ٤٠].
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الكافرون: ١-٦].
وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن قال له: إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا، فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم، تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس)126.
هذه هي دعوة الأنبياء والتي بذلوا من أجلها الغالي والنفيس، وتعاقبوا عليها على مر التاريخ.
يقول سيد قطب رحمه الله: «(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) فهي حقيقة واحدة يقوم عليها دين الله كله، ويتعاقب بها الرسل جميعًا على مدار التاريخ؛ فكل رسول يجيء إنما يقول هذه الكلمة لقومه الذين اجتالهم الشيطان عنها، فنسوها وضلوا عنها، وأشركوا مع الله آلهة أخرى - على اختلاف هذه الآلهة في الجاهليات المختلفة - وعلى أساسها تدور المعركة بين الحق والباطل، وعلى أساسها يأخذ الله المكذبين بها وينجي المؤمنين»127.
أساليب القرآن في محاجة المشركين
المحاجة: وردت مادتها في القران الكريم في ثلاثة عشر موضعًا128، وهو قريب من الحوار والجدل ، وقد فسر الجدال بالتحاج ، كما في قوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [النساء: ١٠٧].
أي : لا تحاجج عن الذين يخونون أنفسهم129.
ولقد اتبع القرآن العديد من الأساليب لإثبات وحدانيته، ومن هذه الأساليب:
أولًا: أسلوب الإدراك الحسي:
قدم القرآن العديد من الأدلة الكونية التي تثبت وجود الله ووحدانيته وتكشف عجز آلهتهم وضعفها ، منها:
لقد خلق الله هذا الكون وأبدع في خلقه، ومن إبداع خلق الله هو خلق الإنسان والسماوات، ويعتمد هذا الدليل على إثارة الفكر للتعرف على خالق الموجودات جميعها ، والاستدلال بذلك على وحدانيته تعالى، وهو أول دليل تلفت الآيات النظر إليه130.
قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة: ١١٦-١١٧].
فالخلق والإبداع دليل على وجود ووحدانية الله تعالى ، وهذه حقيقة لم ينكرها المشركون.
إن النظام الكوني وما فيه من تقدير وإتقان، حجة أقامها القرآن الكريم في إثبات ألوهية الله وزيف ألوهية غيره؛ فوجود إله آخر مع الله تعالى أمر مستحيل عقلًا، وهناك أدلة كونية تفيد هذا.
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنبياء: ٢٢].
وقال أيضًا: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [النمل: ٨٨].
قال ابن عاشور: «وجملة (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ) تذييل أو اعتراض في آخر الكلام للتذكير والوعظ والتحذير، عقب قوله (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ) لأن إتقان الصنع أثر من آثار سعة العلم ، فالذي بعلمه أتقن كل شيء هو خبير بما يفعل الخلق ، فليحذروا أن يخالفوا عن أمره»131.
لقد حف الله هذا الكون بالرعاية الإلهية الكاملة الشاملة لكل أفراده ولو انعدمت لاختلت توازناته وكان مصيره الفناء، ويسمى هذا الدليل دليل النظام أو التناسق؛ لأنه ينطلق بنا ضمن الآيات الكونية ليوصلنا إلى أن الذي نظم الكون وربط أجزاءه بحيث يكمل بعضها بعضًا وقدر كل شيء فيه تقديرًا، هو الله الواحد الأحد، ومن الآيات القرآنية التي ورد فيها دليل العناية قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنبياء: ٣١-٣٣]132.
ثانيًا: أسلوب البرهاني العقلي:
هذا الأسلوب يقوم على الاستدلال والتحليل والتركيب، ومن أبرز البراهين العقلية التي استخدمها القرآن هي البراهين البديهية.
قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الطور: ٣٥].
وقال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الطور: ٣٦].
فالاحتمالات العقلية التي تشير لها الآيات في قضية الخلق احتمالان ونتيجة:
النتيجة: هي أن يكون هناك خالق متصف بالكمال ، وهو الله.
ثالثًا: أسلوب التحدي وكشف حقائق الآلهة الزائفة:
من خلال هذا الأسلوب استخدم القران أسلوب التحدي في كشف حقائق الآلهة المزعومة، ولقد تحدى القران الآلهة المزعومة أن يكون لها أثر في الخلق والإيجاد ، فمثلًا لقد خلق الله الإنسان وأبدع في خلقه، فما هو خلق هذه الآلهة.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأحقاف: ٤].
ولقد تحدى الله تعالى من يشكون في نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن يأتوا بمثل القرآن، أو عشر سور، أو سورة، فعجزوا عن ذلك، قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الإسراء: ٨٨]133.
أحكام تتعلق بالمشركين في القرآن
لقد فرض الله أحكامًا على عباده المؤمنين تنظم حياتهم وشؤونهم مع من حولهم من المؤمنين وحتى المشركين، وفي هذا المبحث سيتناول الباحث أحكام التعامل مع المشركين في النكاح، والمعاملات المالية، والسلم والحرب، والبر والقسط، بل والاستغفار لهم.
أولًا: النكاح:
لقد حرم الله تعالى نكاح المشركات حيث قال: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ٢٢١].
ويقصد بالمشركة في هذه الآية الوثنية، قال الطبري: «إن الله تعالى ذكره عنى بقوله: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات، وأن الآية عام ظاهرها خاص باطنها، لم ينسخ منها شيء، وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها، وذلك أن الله تعالى ذكره أحل بقوله: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [المائدة: ٥].
للمؤمنين من نكاح محصناتهن، مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات»134.
وقال ابن كثير: «هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين أن يتزوجوا من المشركات من عبدة الأوثان ، ثم إن كان عمومها مرادًا وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية فقد خص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [المائدة: ٥]»135.
وعليه فنساء أهل الكتاب حل للمسلمين لما جاء القرآن بتخصيصهن من عموم المشركين والكفار، فيجوز التزوج بهن، ولكن بشرط أن تكون عفيفة، قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [المائدة: ٥].
روي عن الحسن والشعبي وإبراهيم والسدي أنهم العفائف136.
ثانيًا: المعاملات المالية:
أمر الإسلام أتباعه أن يتعاملوا مع غير المسلمين معاملة قائمة على الرفق والسهولة والسماحة في جميع أمور الحياة وشؤونها؛ من البيع والشراء، والأجرة والكراء؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى)137.
وهذا النص يشمل التعامل مع المسلم وغير المسلم، وفيه الحض على السماحة في المعاملة واستعمال مكارم الأخلاق، وترك المشاحنة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم138.
وعن عبدالرحمن بن أبي بكر رضى الله عنهما قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بيعًا أم عطية، أو قال: أم هبة؟ فقال: لا، بيع، فاشترى منه شاة)139.
وعند ابن قدامة: إذا ركب القوم في البحر، فاستقبلهم فيه تجار مشركون من أرض العدو ويريدون بلاد الإسلام، لم يعرضوا لهم، ولم يقاتلوهم، وكل من دخل بلاد المسلمين من أرض الحرب بتجارة بويع، ولم يسأل عن شيء140، فلغير المسلمين حرية العمل والكسب، بالتعاقد مع غيرهم، أو بالعمل لحساب أنفسهم، ومزاولة ما يختارون من المهن الحرة، ومباشرة ما يريدون من ألوان النشاط الاقتصادي، شأنهم في ذلك شأن المسلمين.
وكان صلى الله عليه وسلم يعامل مخالفيه من غير المسلمين في البيع والشراء والأخذ والعطاء، فعن عائشة رضى الله عنها قالت: (توفى النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين، يعني: صاعًا من شعير)141.
فقد قرر الفقهاء أن أهل الذمة، في البيوع والتجارات وسائر العقود والمعاملات المالية، كالمسلمين، ولم يستثنوا من ذلك إلا عقد الربا؛ فإنه محرم عليهم كالمسلمين، يتمتع الذميون بتمام حريتهم، في مباشرة التجارات والصناعات والحرف المختلفة، وهذا ما جرى عليه الأمر، ونطق به تاريخ المسلمين في شتى الأزمان142.
ويجوز الوقف عليهم أو وقفهم على المسلمين، قال ابن القيم: أما وقف المسلم عليه - على أهل الذمة - فإنه يصح منه ما وافق حكم الله ورسوله، فيجوز أن يقف على معين منهم، أو على أقاربه، وبني فلان ونحوه 143.
ثالثًا: السلم والحرب:
لقد حفلت نصوص القرآن ومواقف السيرة النبوية بما يدل على أن الإسلام يؤثر دائمًا السلام، حتى مع خصومه من المشركين، ومن أدلة ذلك أن القرآن الكريم أورد كلمة السلم بمشتقاتها مئة وأربعين مرةً، في حين ذكرت الحرب بمشتقاتها ست مرات فقط.
والفرق بين العددين هو الفرق بين نظرة الإسلام إلى كلا الأمرين، ومن ثم في ميل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كل منهما؛ ففي معظم أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن الطرق السلمية والهادئة للتعامل مع المخالفين له، ويحرص على تجنب الحرب ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
ويؤكد هذا النظرة العديد من الآيات التي أمرت بالسلم مع غير المسلمين إن أبدى هؤلاء الاستعداد والميل للصلح والسلام، فيقول الله تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الأنفال: ٦١].
وفيما يلي تفصيل موقف المسلمين مع المشركين في السلم والحرب.
١. موقف الإسلام من غير المسلمين في حال السلم.
يقف الإسلام من غير المسلمين في حال السلم موقف الأمان، بل إنه لم ينه عن البر بهم ما داموا لم يقاتلوا المسلمين، وإنما ينهى عن البر بالذين قاتلوا المسلمين في دينهم ، وأخرجوهم من ديارهم ، وظاهروا على إخراجهم.
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الممتحنة: ٨-٩].
قال الطبري: «فأذن الله للمؤمنين ببرهم والإحسان إليهم»144.
ولقد دعا الإسلام إلى توثيق العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين بحل التزاور والمؤاكلة معهم ، وهي لا تكون إلا بين الأصدقاء والمتحابين.
قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [المائدة: ٥].
ولقد عاش المسلمون مع النصارى واليهود في تسامح وأمن، يتمتع غير المسلمين في بلاد الإسلام بكافة الحقوق في التعليم، والعمل، والعبادة على أكمل وأتم وجه، وهذا هو الطريق الذي سلكه الإسلام لتنظيم حالة السلم145.
ونهى القرآن الكريم عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، فقال الله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [العنكبوت: ٤٦].
بل أمر بجمع الكلمة بينهم.
قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [آل عمران: ٦٤].
كما أمر الإسلام بالوفاء بالعهد معهم، قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [التوبة: ٤].
بل لو طلب المشرك من المسلم أن يجيره فعليه أن يجيره، بل ويبلغه مأمنه، كما قال الحق تبارك وتعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [التوبة: ٦].
قال النسفي: «وفيه دليل على أن المستأمن لا يؤذى ، وليس له الإقامة في دارنا ، ويمكن من العود»146.
٢. موقف الإسلام من غير المسلمين في الحرب.
إن الإسلام هو دين السلام، لا يأمر بالحرب إلا في الضرورة القصوى التي تستدعي الدفاع والجهاد في سبيل الله، ومع مشروعية الجهاد في سبيل الله دفاعًا عن الدين والعقيدة والأرض والعرض، فإن الحرب في الإسلام لها حدود وضوابط، وللمسلمين أخلاقهم التي يتخلقون بها حتى في حربهم مع من يحاربهم من غير المسلمين.
فأمر الإسلام بالحفاظ على أموال الغير، وبترك الرهبان في صوامعهم دون التعرض لهم، ونهى الإسلام عن الخيانة والغدر والغلول، كما نهى عن التمثيل بالقتلى، وعن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وعن حرق النخيل والزروع، وقطع الأشجار المثمرة.
وأوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أسامة بن زيد عندما وجهه إلى الشام بالوفاء بالعهد وعدم الغدر أو التمثيل، وعاهد خالد بن الوليد أهل الحيرة ألا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة ولا قصرًا، ولا يمنعهم من أن يدقوا نواقيسهم أو أن يخرجوا صلبانهم في أيام أعيادهم147.
ومن توجيهات الإسلام للمسلمين في الحرب:
رابعًا: البر والقسط:
أمر الله تعالى عباده المؤمنين ببر غير المسلمين والإحسان إليهم: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الممتحنة: ٨].
أمر الله تعالى بالتعامل بالحسنى والمعروف والعدالة والإنصاف مع كل شخص لم يعاد المسلمين، أيًا ما كانت عقيدته، ومن هذه الآية أوجبت حقوق كثيرة لغير المسلمين على المسلمين149.
وهي قاعدة عريضة في معاملة غير المسلمين، فهي تتفق مع طبيعة هذا الدين ووجهته ونظرته إلى الحياة الإنسانية، بل نظرته الكلية لهذا الوجود، الصادر عن إله واحد، المتجه إلى إله واحد، المتعاون في تصميمه اللدني وتقديره الأزلي من وراء كل اختلاف وتنويع150.
وقد أوجب الله على المسلمين بر الوالدين والإحسان إليهما ولو كانا مشركين.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الإسراء: ٢٣].
وقال أيضًا: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [العنكبوت: ٨].
قال ابن كثير: يقول تعالى آمرا عباده بالإحسان إلى الوالدين بعد الحث على التمسك بتوحيده، فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق.
ولهذا قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الإسراء: ٢٣]151.
كما أمر الإسلام المسلمين أن يؤتوا ذوي القربى والمساكين وأبناء السبيل حقوقهم ولو كانوا غير مسلمين.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الإسراء: ٢٦].
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: (قدمت علي أمي وهي مشركة، في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي وهي راغبة، أفأصلها، قال: نعم، صليها)152، وأنزل الله تعالى فيها: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الممتحنة: ٨]153.
ولقد بين القرآن الكريم أنه لا يصح ولا يجوز الاستغفار للمشركين بعد إصرارهم على الشرك وموتهم على ذلك، مصداقًا لقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [التوبة: ١١٣].
قال الطبري: ما كان ينبغي للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به أن يدعوا بالمغفرة للمشركين، ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم ذوي قرابة لهم من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان، وتبين لهم أنهم من أهل النار، لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك، فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله 154.
عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: (لما حضرت أبا طالب الوفاة، دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال: أي عم ، قل : لا إله إلا الله ،كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل؛ فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب، فقال: أنا على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك؛ فنزلت: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [التوبة: ١١٣])155.
وفي رواية أخرى فنزلت: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [القصص: ٥٦]156.
وهذا لا يتعارض مع استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه، قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [التوبة: ١١٤].
دل القرآن على أن إبراهيم عليه السلام استغفر لأبيه، قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الشعراء: ٨٦].
وقال أيضًا: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [نوح: ٢٨].
وقال تعالى حكاية عنه في سورة مريم قال: (ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [مريم: ٤٧].
وقال أيضا: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الممتحنة: ٤].
وقد ثبت أن الاستغفار للكافر لا يجوز. فكيف يجوز لإبراهيم ذلك؟؟.
أجاب الرازي عن هذه المسألة فقال: واعلم أنه تعالى أجاب عن هذا الإشكال أن فيه قولين: الأول: أن يكون الواعد أبا إبراهيم عليه السلام، والمعنى: أن أباه وعده أن يؤمن، فكان إبراهيم عليه السلام يستغفر له لأجل أن يحصل هذا المعنى، فلما تبين له أنه لا يؤمن وأنه عدو لله تبرأ منه، وترك ذلك الاستغفار. الثاني: أن يكون الواعد إبراهيم عليه السلام، وذلك أنه وعد أباه أن يستغفر له رجاء إسلامه ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ، والدليل على صحة هذا التأويل قراءة الحسن( وعدها أباه ) بالباء157.
إن عداوة المشركين والكفار واليهود للإسلام والمسلمين مستمرة إلى قيام الساعة، قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المائدة: ٨٢].
وعداوتهم تتمثل في كراهية الخير لهم، والصد عن الإسلام ومحاربته، وإيذاء المسلمين حيث كانوا وبشتى الطرق، وفيما يلي تفصيل ذلك.
أولًا: كراهة الخير للمسلمين:
أخبر الله عن شدة عداوة الكفار للمسلمين بقوله: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ١٠٥].
قال ابن كثير: «يبين بذلك تعالى شدة عداوة الكافرين من أهل الكتاب والمشركين، الذين حذر تعالى من مشابهتهم للمؤمنين؛ ليقطع المودة بينهم وبينهم»158.
قال البيضاوي: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) نزلت تكذيبًا لجمع من اليهود يظهرون مودة المؤمنين، ويزعمون أنهم يودون لهم الخير»159.
والكفار مهما عملوا فعداوتهم لا تنقطع، فهم وإن نطقت ألسنتهم بالموادعة، فإن قلوبهم تأبى إلا الغدر والكيد للإسلام وأهله.
قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [التوبة: ٨].
قال المراغي: «كيف يكون للمشركين غير هؤلاء الذين جربتم وفاءهم عهد مشروع عند الله مرعى الوفاء وعند رسوله وحالهم المعروفة من أخلاقهم وأعمالهم أنهم إن يظهروا عليكم في القوة والغلب، لا يرقبوا الله ولا القرابة في نقض العهد والميثاق»160.
ويلفتنا الشعراوي إلى نكتة عظيمة، فيقول: «نلاحظ هنا أن الحق سبحانه وتعالى لم يقل : كيف يكون للمشركين عهد، بل اكتفى بـ (كيف)، لأن غدرهم صار معروفا، وكانت «كيف» الأولى استفهاما عن أمر مضى»161.
والمنافقون حالهم حال المشركين، فهم كفار بين المسلمين، فالبغضاء تبدو من أفواههم، والحقد يملأ قلوبهم، ولكن الله لهم بالمرصاد، كما قال سبحانه: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [آل عمران: ١٢٠].
قال الطبري: «إن تنالوا، أيها المؤمنون، سرورًا بظهوركم على عدوكم، وتتابع الناس في الدخول في دينكم، وتصديق نبيكم ومعاونتكم على أعدائكم يسؤهم، وإن تنلكم مساءة بإخفاق سرية لكم، أو بإصابة عدوٍ لكم منكم، أو اختلاف يكون بين جماعتكم، يفرحوا بها»162.
ثانيًا: الصد عن الإسلام:
لقد تجلت عداوة المشركين للإسلام والمسلمين في الصد عن سبيل الله، وسبيل الله هنا بمعنى (اتباع الرسل)، فهؤلاء الكفار لا يكتفون برفض دعوة الرسل لهم ، ولكنهم يصرفون الناس عن اتباع ما جاءت به الرسل، وهذا الصد يكون بالرفض تارة ، وبالإكراه تارة ، وبالتهديد تارة ، وبالتشويه والتحريف تارة ، كما في قوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الأعراف: ٤٥].
وقوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأعراف: ٨٦].
ولما كان دأب هؤلاء هو التشهير بالدعوة والدعاة فقد رد عليهم القرآن بمثل ما فعلوا ، فشهر الله تعالى بهم وفضحهم على رؤوس الأشهاد ، وبين أنهم معادون لمولاهم ومعادون للحق ومعادون لأنفسهم في اعتراض دعوة الرسل وتنفير الناس منها، ولقد ذكر الله تعالى أمثال هؤلاء في غير موضع من القرآن، فهذه الآية نظير قوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [آل عمران: ٩٩].
فكان جزاء هؤلاء من جنس عملهم ولبئس ما عملوا.
وهؤلاء المشركون ينفقون أموالهم في سبيل غاياتهم اللعينة.
قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأنفال: ٣٦].
قال الطبري: «إن الذين كفروا بالله ورسوله ينفقون أموالهم، فيعطونها أمثالهم من المشركين ليتقووا بها على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، ليصدوا المؤمنين بالله ورسوله عن الإيمان بالله ورسوله»163.
ولايألوا المشركون جهدًا في سبيل صدهم عن سبيل الله أن يردوا من آمن عن إيمانه فضلًا عن منعه من دخول الدين.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة: ١٠٩].
يقول ابن كثير: «يحذر تعالى عباده المؤمنين من سلوك طرائق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم»164.
ولقد توعد الله الصادين عن سبيله من المشركين والكفار بالعذاب الشديد.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [النحل: ٨٨].
قال الزمخشري: «الذين كفروا في أنفسهم، وحملوا غيرهم على الكفر: يضاعف الله عقابهم كما ضاعفوا كفرهم. وقيل : في زيادة عذابهم حيات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال ، تلسع إحداهن اللسعة فيجد صاحبها حمتها أربعين خريفا. وقيل: يخرجون من النار إلى الزمهرير، فيبادرون من شدة برده إلى النار بما كانوا يفسدون بكونهم مفسدين الناس بصدهم عن سبيل الله»165.
ثالثًا : إيذاء المسلمين:
لقد انتهج المشركون سياسة الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم، ولصحابته الكرام من بعده، ولمن تبعهم إلى يومنا هذا، بل لكل مسلم إلى قيام الساعة؛ فهذا هو ديدنهم مصداقًا لقوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [البقرة: ٢١٧].
فهذه الآية تدل بوضوح على ذلك؛ فهي بيان لشدة عداوة الكفار للمؤمنين ودوامها، أي: ولا يزال المشركون يقاتلونكم أيها المؤمنون ويضمرون لكم السوء ويداومون على إيذائكم لكي يرجعوكم عن دين الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا ذلك وقدروا عليه، والتعبير بقوله: (ﮎ ﮏ) يفيد الدوام والاستمرار للإشعار بأن عداوة المشركين للمسلمين لا تنقطع، وأنهم لن يكفوا عن الإعداد لقتالهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فعلى المؤمنين ألا يغفلوا عن الدفاع عن أنفسهم، و(ﮑ) للتعليل ،أي: لا يزالون يقاتلونكم لكي يردوكم عن دينكم أو بمعنى إلى، أي: إلى أن يردوكم عن دينكم. والرد: الصرف عن الشيء والإرجاع إلى ما كان عليه قبل ذلك: فغاية المشركين أن يؤذوا المسلمين بردهم بعد إيمانهم كافرين.
إن إيذاء المسلمين ورد فيه وعيد شديد وعقوبة أخروية.
قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأحزاب: ٥٧-٥٨].
قال البيضاوي: «إن الذين يؤذون الله ورسوله يرتكبون ما يكرهانه من الكفر والمعاصي، أو يؤذون رسول الله بكسر رباعيته وقولهم : شاعر مجنون ، ونحو ذلك»166.
وقال ابن عاشور: «والمراد بالأذى: أذى القول بقرينة قوله: (ﮗ ﮘ ﮙ) لأن البهتان من أنواع الأقوال ، وذلك تحقير لأقوالهم، وأتبع ذلك التحقير بأنه إثم مبين. والمراد بالمبين: العظيم القوي، أي : جرما من أشد الجرم، وهو وعيد بالعقاب عليه»167.
لقد آذى المشركون صحابة رسول الله، واعتدوا عليهم، وخاصةً من الفقراء والأرقاء، ومن لا نصير لهم، وفتنوهم وعذبوهم، ما بين محبوس ومعذب أو مطارد وملاحق، ومنهم من لقي الله شهيدًا.
عن عبد الله بن مسعود قال: (كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد ، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، وألبسوا أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وآتاهم على ما أرادوا، إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه، فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول: أحد أحد)168.
عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (مر بعمار بن ياسر وبأهله وهم يعذبون في الله ، فقال: أبشروا آل ياسر، موعدكم الجنة)169.
عن خباب بن الأرت قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده في ظل الكعبة ، وقد لقينا من المشركين شدة شديدة ، فقلت: يا رسول الله ، ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمرٌ وجهه فقال: إن كان من كان قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه ، فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون)170.
ضرب الأمثال للناس أسلوب قرآني ، اعتمده القرآن لتقريب الحقائق، للتفريق بين ما هو حق فيتبعوه، وما هو باطل فيجتنبوه، وللتمييز بين ما هو خير فيتمسكوا به، وما هو شر فيبتعدوا عنه، فقد ذكر القرآن أمثال أهل الخير وأهل الشر، وأمثال أهل الحق وأهل الباطل، وأمثال أهل التوحيد وأهل الشرك، قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الزمر: ٢٧].
وقال أيضًا: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [العنكبوت: ٤٣].
فالأمثال جزءٌ من البيان الإلهي، تسهم في إبراز الحقائق الإيمانية من خلال أسلوبها المتميز الفعال في تشخيص الحقائق والإقناع، والفصل عند الاشتباه والخلاف، وخاصة قضايا الإيمان التي وقع فيها الخلاف؛ كالأصول التي ينبني عليها الإيمان بالله، وأسباب الهدى والضلال، وتوحيد الألوهية وما يضاده من الشرك، والبعث بعد الموت، وحقيقة الأنبياء والأولياء، وأن ليس لهم ولا فيهم من خصائص الألوهية شيء، وحال الدنيا وسرعة زوالها، وسوء عاقبة الاغترار بها، ونحو ذلك من القضايا الهامة171.
ومن الأمثال القرآنية التي ضربها الله للناس مثالًا لأهل التوحيد وأهل الشرك، قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الزمر: ٢٩].
ووجه التمثيل أن الله شبه حال المشرك الذي يعبد آلهة متعددة، بحال عبد له أكثر من سيد يخدمه ويطيعه، فكل واحد منهم يأمره بما لا يأمره به الآخر، فبعضهم يقول له: افعل، وبعضهم يقول له: لا تفعل؛ وبعضهم يقول له: أقبل، وبعضهم يقول له: لا تقبل؛ فهو حائر في أمرهم، لا يدري أيهم يرضي، فإن أرضى هذا أغضب ذاك، فهو لأجل هذه الحال يعيش في عذاب دائم، وتعب مستمر، أما مثل حال المؤمن الموحد فقد شبهه سبحانه بحال العبد الذي يعمل تحت إمرة سيد واحد، فلا أمر لأحد عليه إلا أمر ذلك السيد، ولا نهى ، لأحد عليه إلا نهي ذلك السيد، فهو مطيع له على كل حال، وهو ساع لكسب وده ونيل رضاه من غير ملال. ثم هو غير مشتت الهوى، ولا مبعثر القوى؛ لأن وجهته واحدة غير متعددة، ومقصوده واحد غير متناقض172.
أراد الله من هذا المثل بيان حال من يعبد آلهة متعددة، فإن أولئك الآلهة تكون متنازعة متغالبة، كما قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنبياء: ٢٢].
وقال سبحانه: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [المؤمنون: ٩١].
فيبقى ذلك المشرك متحيرًا ضالًا، لا يدري أي هؤلاء الآلهة يعبد، يدعو هذا ثم يدعو ذاك، لا يستقر له قرار، ولا يطمئن قلبه في موضع، فهو حائر مشتت القلب والذهن؛ بخلاف الموحد فهو في راحة تامة وطمأنينة كاملة. وهكذا سنة الحياة جارية على أن تعدد الرؤساء يفسد الأمر، ويشتت السعي.
قال الرازي: «وهذا مثل ضرب في غاية الحسن في تقبيح الشرك وتحسين التوحيد»173.
إذ المقصود من ضرب هذا المثل إقامة الحجة على المشركين، وتعنيفهم لأجل مواقفهم الرافضة للاعتراف بالواحد الأحد، وكشف سوء حالتهم في الإشراك.
وضرب الله سبحانه وتعالى مثلًا آخر للتوحيد والشرك، فقد مثل التوحيد بالشجرة الطيبة، والشرك بالشجرة الخبيثة ، فقال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [إبراهيم: ٢٤-٢٦].
شبه سبحانه وتعالى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) بالشجرة الطيبة ، وهي النخلة الضاربة جذورها في أعماق التربة وفروعها مرتفعة في السماوات، والكلمة الخبيثة ، وهي الشرك ، كالشجرة الخبيثة ، وهي الحنظلة إذا استؤصلت، فلم يبق لها أثر ولا أصل في الأرض، وقد ورد عن ابن عباس، وبه قال جمهور المفسرين أن الكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله في قلب المؤمن، وأن الكلمة الخبيثة هي كلمة الكفر174.
وفي هذا التشبيه حكم بليغة وأسرار كثيرة؛ لأن الشجرة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر ، فكذلك شجرة الإيمان والتوحيد، ليطابق المشبه بالمشبه به، فشجرة التوحيد عروقها الثابتة: العلم والمعرفة واليقين، وساقها: الإخلاص لله، وفروعها: الأعمال الصالحة، وثمرها: الأخلاق الحميدة الزكية، فإذا كانت هذه الأمور مطابقة لأمر الله بأن يكون العلم موافقًا لمعلومه الذي أنزل الله به كتابه، وكان الاعتقاد مطابقًا لما أخبر الله به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله، وكان الإخلاص قائمًا في القلب، والأعمال موافقة للشرع، علم أن شجرة التوحيد في القلب أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإن كان الأمر بالعكس علم أن القائم بالقلب إنما هو الشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فكما أن هذه الشجرة الخبيثة ليس لها أصل ثابت ، ولا فرع ثابت ، ولا فائدة فيها، فكذلك الشرك ليس له أصل يأخذ به المشرك ولا برهان ، ولا يقبل الله مع الشرك عملًا ، ولا يصعد إلى الله ، فليس له أصل في الأرض ولا فرع في السماء175.
ومنها قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [العنكبوت: ٤١].
فذكر سبحانه أنهم ضعفاء وأن الذين اتخذوهم أولياء، أضعف منهم ، فهم في ضعفهم وما قصدوه من اتخاذ الأولياء كالعنكبوت اتخذت بيتًا ، وهو أوهن البيوت وأضعفها، ويفيد هذا المثل أن هؤلاء المشركين أضعف ما كانوا حيث اتخذوا من دون الله أولياء، فلم يستفيدوا بمن اتخذوهم أولياء إلا ضعفًا ،كما قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [مريم: ٨١].
وقال أيضًا: (ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [مريم: ٨٢].
وقال أيضًا: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [يس: ٧٤].
وقال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [يس: ٧٥].
وقال بعد أن ذكر هلاك الأمم المشركين: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [هود: ١٠١].
فهذه مواضع في القرآن تدل على أن من اتخذ من دون الله ولياً يتعزز به ويتكثر به ويستنصر به لم يحصل له به إلا ضد مقصوده، وفي القرآن أكثر من ذلك، وهذا من أحسن الأمثال وأدلها على بطلان الشرك وخسارة صاحبه وحصوله على ضد مقصوده176.
إن التوحيد ما فطر الله عليه الإنسان السوي، وهو الذي يستقيم به الكون وحياة الإنسان، بينما الشرك الذي يقع فيه الإنسان له آثاره الوبيلة في دنياه وآخرته، سواء أكان الواقع فيه فردًا أم جماعة، وفيما يلي تفصيل ذلك.
أولًا: الآثار المترتبة على الشرك في الدنيا:
فالمشرك لا يتمتع بالطمأنينة التي يتمتع بها المؤمن؛ قال تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الرعد: ٢٨]. فشركه أفقده طمأنينته.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأنعام: ٨٢].
فالمشرك قد تعجل له العقوبة في الدنيا؛ (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [النحل: ١١٢].
فالمشرك يضطرب بين المعبودات وتتشتت به الأهواء بينما الموحد يعرف من يعبد، والطريق إليه طريق واحد.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأنعام: ١٥٣].
فالمشرك يذل لجميع طواغيت الأرض كلها؛ لأنه يعتقد أنه لا معتصم له إلا هم، فيذل ويخضع لمن لا يسمع ولا يرى، ولا يعقل، فيعبد غير الله، ويذل له، وهذا غاية الإهانة، أما العزة الحقيقة هي التي تستمد من الإيمان بالله الواحد.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [المنافقون: ٨].
فمن أشرك فقد ظلم نفسه.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [لقمان: ١٣].
بل وافترى إثمًا عظيمًا.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء: ٤٨].
فقد خلق الله الإنس والجن للعبادة.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الذاريات: ٥٦]177.
ثانيًا: الآثار المترتبة على الشرك في الآخرة:
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الحج: ١١].
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الزمر: ١٥].
قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ) [التوبة: ٣].
قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء: ٤٨].
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الأنعام: ٨٨].
وقال أيضًا: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الفرقان: ٢٣].
وقال أيضًا: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الزمر: ٦٥].
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المائدة: ٧٢].
قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البينة: ٦]178.
موضوعات ذات صلة: |
الإخلاص، الإلحاد، الأوثان، التوحيد، الرياء، الضلال |
1 مقاييس اللغة ٣/٢٦٥.
2 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٠/٤٤٨.
3 تيسير الوصول شرح ثلاثة الأصول، ص ٤٩.
4 المصدر السابق، ص ٥٠.
5 انظر: عقيدة المؤمن، ص١٠٧.
6 التبيان شرح أركان الايمان، ص١٤٨.
7 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الشين، ص٦٦١-٦٦٤.
8 انظر: الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، مقاتل بن سليمان، ص٢٦-٢٧، الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٨٢.
9 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/١٩١.
10 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٧٩، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٧٩١.
11 الفروق اللغوية، العسكري، ص٢٢٨.
12 انظر: مقاييس اللغة ٥/٢٣٦.
13 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٩/١٧٢.
14 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ص١٠١٦.
15 مقاييس اللغة ٦/٩١.
16 التعريفات، ص٦٩.
17 عبادة المؤمن، ص٥٣.
18 الكشاف ١/١٨٠.
19 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٥٤٦.
20 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٤٢٤.
21 أنوار التنزيل ٢/١٧٦.
22 المحرر الوجيز ٣/٤٠١.
23 انظر: مفاتيح الغيب ، الرازي ١٦/٣٠.
24 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٩١.
25 انظر: تفسير الشعراوي ٢/١٠٩٨.
26 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ٧/٣٥٣٨
27 انطر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٨١، التفسير المنير، الزحيلي ٢٢/٢٠٢.
28 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٤/٢٩٩.
29 المنار ٧/٢٢١، ٢٢٢.
30 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/٢٧٧.
31 تأويلات أهل السنة ٧/١١٢
32 التحرير والتنوير ١٥/٢١١،٢١٠.
33 انظر: تفسير ابن باديس، ص٣١٣.
34 نفس المصدر السابق، ص ٣١٧.
35 انظر: مفاتح الغيب، الرازي ٢/٢٥٢.
36 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٨/٩٠.
37 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٩/١٦١.
38 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٧/٤٩٧.
39 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله: (ما كان للنبي والذين آمنوا)، رقم ٤٦٧٥، ٦/٩٦.
40 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/٣٩٥.
41 وقد ورد في السياق القرآني ثلاث آيات أخرى: آل عمران : ٣١، والمائدة: ٥٤، والتوبة، ٢٤.
42 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٢٣٤.
43 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/١٩٠.
44 انظر: مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية، الجبرين، ص٨٣.
45 مقاييس اللغة ٢/٢٣٠.
46 تفسير الأصفهاني ٣/٩٩٥.
47 انظر: مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية، الجبرين، ص٨١.
48 انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي ٣/١٦٩.
49 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٣٩٢.
50 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/٧٩.
51 التحرير والتنوير، بن عاشور ١٥/٢٥.
52 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٤/٢١١٦.
53 أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الجهاد رقم ٢٥٢٧، ٢/١٢٢.
وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ولم يتعقبه الذهبي.
54 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢٠٥.
55 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٤٧٦.
56 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٣٨.
57 انظر: أسباب النزول، الواحدي، ص٣٠٧.
58 تيسير الكريم الرحمن، ص١٨٨.
59 انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين ٢/٧٩-١٠٠.
60 انظر: الحسنة والسيئة، ابن تيمية، ص ٣٩.
61 انظر: شفاء العليل، ابن القيم ٢/٣٣.
62 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب السير، باب ما جاء في الطيرة، رقم ١٦١٤، ٤/١٦١.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٧٣٢، رقم ٣٩٦٠.
63 انظر: القول المفيد، ابن عثيمين ٢/٩٣.
64 التحرير والتنوير ٩/٦٦.
65 انظر: القول المفيد، ابن عثيمين ٢/٩٤.
66 انظر: منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام، الزحيلي ١/١٢٨.
67 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٥.
68 تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، ص١١٤.
69 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٩٥.
70 انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد، صالح آل الشيخ ٥٠١- ٥٠٢.
71 انظر: الجديد في شرح كتاب التوحيد، محمد القرعاوي، ص٢١٩.
72 انظر: المصدر السابق، ص٢٢٠.
73 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٦/٧٣.
74 مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية، عثمان جمعة ضميرية، ص٣١٦.
75 انظر: المفيد في مهمات التوحيد، عبد القادر صوفي، ص١١٥.
76 التحرير والتنوير ٢٢/٢٨٣.
77 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٧٧.
78 انظر: مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية، عثمان جمعة ضميرية، ص٣١٧.
79 انظر: المفيد في مهمات التوحيد، عبد القادر صوفي، ص ١١٧.
80 انظر: الجديد في شرح كتاب التوحيد، محمد القرعاوي، ص٣٥٩.
81 انظر: الوجيز، الواحدي، ص٦١٦، أوضح التفاسير، ابن الخطيب ١/٣٣٠.
82 انظر: أوضح التفاسير، الخطيب ١/٥٨٩.
83 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٧١٢.
84 انظر: القول السديد شرح كتاب التوحيد، السعدي، ص١٥٩.
85 انظر: حماية الرسول صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، محمد الغامدي، ص٢٧١.
86 انظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، سليمان بن عبدالله ص٢٨.
87 مختصر معارج القبول، ص١٣٢.
88 المفيد في مهمات التوحيد، ص١١١.
89 انظر: مدارج السالكين ٣/٤٨٢.
90 انظر: المفيد في مهمات التوحيد، عبد القادر صوفي، ص ١١٢.
91 انظر: تسهيل العقيدة الإسلامية، عبدالله الجبرين، ص ١٥٢.
92 انظر: المفيد في مهمات التوحيد، عبد القادر الصوفي، ص ١١٣.
93 انظر: تسهيل العقيدة الإسلامية، عبدالله الجبرين، ص ١٥٥.
94 انظر: المفيد في مهمات التوحيد، عبد القادر الصوفي، ص ١١٤.
95 انظر: جامع البيان ١٢/١٤٢.
96 انظر: المفيد في مهمات التوحيد، عبد القادر الصوفي، ص ١١٣.
97 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٢/١٧٤.
98 الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده في توضيح العقيدة، ص ١٧٨.
99 الكشاف ٢/٧٥١.
100 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٨٣.
101 تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، سورة الكهف، ص ١٥٣.
102 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤١٨.
103 زهرة التفاسير ٧/٣٨٧٠- ٣٨٧١.
104 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٢٤٩.
105 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١١/٢٩٦.
106 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٤٩٨.
107 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣٦٧.
108 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/١٥٢.
109 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ١/١٤٥.
110 انظر: التفسير الواضح، الحجازي ١/٧٠٥.
111 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٣١٢.
112 انظر: المصدر السابق ٥/٣١١.
113 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٩/٧٥.
114 انظر: مختصر تفسير ابن كثير ١/٦٠٣.
115 تفسير القرآن، السمعاني ٥/٢٧.
116 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٤٧١.
117 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/١٩٦.
118 التفسير الحديث، محمد عزت ٦/١٩٣.
119 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/١٨٠.
120 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٨/٢٧٤.
121 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٣٢٩.
122 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/١٩٢.
123 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٢/٣٠١.
124 التفسير الوسيط ١/٥٦٩.
125 شرح الطحاوية ، ابن أبي العز ص٢١.
126 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، رقم ٧٣٧٢، ٩/١١٤.
127 في ظلال القرآن ٣/١٣٠٤.
128 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القران الكريم، عبد الباقي ١٩٣ -١٩٤.
129 انظر: الجامع لأحكام القران، القرطبي ٥/٣٧٨، فتح القدير، الشوكاني ١/٥١١.
130 انظر: عقيدة التوحيد في القرآن الكريم، محمد ملكاوي، ص ١٤٢.
131 التحرير والتنوير ٢٠/٥١.
132 انظر: عقيدة التوحيد في القرآن الكريم، محمد ملكاوي، ص ١٤٧.
133 انظر: المصدر السابق.
134 جامع البيان ٤/٣٦٥.
135 تفسير القرآن العظيم ١/٤٧٤.
136 انظر: أحكام القرآن، الجصاص،٣/٣٢٣.
137 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع، رقم ٢٠٧٦، ٣/٥٧.
138 انظر: فتح الباري، ابن حجر ٤/ ٣٠٧.
139 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب، رقم ٢٢١٦، ٣/٨٠.
140 انظر: المغني، ابن قدامة ٩/٢٤٧.
141 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم، ٤/٤١، رقم ٢٩١٦.
142 انظر: التعامل مع الآخر، إبراهيم المزيني، ص ١٠٩.
143 انظر: أحكام أهل الذمة ١/٦٠٣.
144 جامع البيان ٢٣/٣٢٢.
145 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٢/١٤.
146 مدارك التنزيل ١/٦٦٥.
147 انظر: الخراج، القاضي أبو يوسف، ص ١٥٧.
148 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المغازي، باب وصية أمراء الجيش، رقم ٤٥٤٢، ٥/١٣٩.
149 انظر: إعلام الموقعين، ابن القيم ٣/٣.
150 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٥٤٤.
151 تفسير القرآن العظيم ٦/٢٦٤.
152 مدارك التنزيل ١/٦٦٥.
153 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٣٢٢.
154 انظر: جامع البيان ١٤/٥٠٩.
155 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب، رقم ٤٦٧٥، ٦/٦٩.
156 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)، رقم٤٧٧٢، ٦/١١٢.
157 انظر: مفاتيح الغيب ١٦/١٥٩.
158 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٧٥.
159 أنوار التنزيل ١/٩٩.
160 تفسير المراغي ١٠/٦٢.
161 تفسير الشعراوي ٨/٤٩٠٠.
162 جامع البيان ٧/١٥٥.
163 المصدر السابق ١٣/٥٢٩.
164 تفسير القرآن العظيم ١/٣٨٢.
165 الكشاف ٢/٦٢٧.
166 أنوار التنزيل ٤/٢٣٨.
167 التحرير والتنوير ٢٢/١٠٥.
168 أخرجه أحمد في مسنده، ٦/٣٨٢، رقم ٣٨٣٢، وابن ماجه في المقدمة، باب فضل سلمان وأبي ذر والمقداد، ١/٥٣، رقم ١٥٠.
وحسنه الألباني في التعليقات الحسان، ١٠/١٧٢.
169 أخرجه الطبراني في الأوسط، ٢/١٤١، رقم ١٥٠٨، والحاكم في المستدرك، ٣/٣٨٨.
قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرّجاه، ولم يتعقبه الذهبي.
170 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم ٣٦١٢، ٤/٢٠١.
171 انظر: الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله، عبد الله الجربوع ١/١٢.
172 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٧٢٤.
173 مفاتيح الغيب ٢٦/٤٥١.
174 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٩١.
175 انظر: إعلام الموقعين، ابن القيم ١/١٦٧.
176 انظر: الأمثال في القرآن، ابن القيم، ص ١٣.
177 انظر: الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله، عبد الله الجربوع ١/١٢.
178 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٧٢٤.