عناصر الموضوع
الشكر
أولًا: المعنى اللغوي:
الشكر: عرفان الإحسان ونشره، وحمد موليه، ويقال: شكره وشكر له، يشكره شكرًا، بالضم، وشكورًا، كقعودٍ، وشكرانًا، كعثمان، وحكى اللحياني: شكرت الله، وشكرت لله، وشكرت بالله، وكذلك شكرت نعمة الله، وشكرت بها، وباللام أفصحها، والشكور، كصبورٍ: الكثير الشكر، والجمع شكرٌ وشكورون، والمفعول مشكور1.
فالشكر: الثناء على المحسن بذكر إحسانه2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الراغب: «هو عبارة عن معروف يقابل النعمة، سواء كان باللسان أو باليد أو بالقلب»3.
فالعبد يشكر الله، فيثني عليه بذكر إحسانه الذي هو نعمة، والله يشكر العبد، فيثني عليه بقبوله إحسانه الذي هو طاعته4.
وقيل: الشكر: تصور النعمة وإظهارها، قيل: وهو مقلوب عن الكشر، أي: الكشف، ويضاده الكفر، وهو: نسيان النعمة وسترها، ودابة شكور: مظهرة بسمنها إسداء صاحبها إليها.
فالشكر إذًا: عرفان الإحسان، والاعتراف بالنعمة، وأداء ما يترتب عليه، والقيام بحق مسديها5.
وردت مادة (شكر) في القرآن الكريم (٧٥) مرة6.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٤ |
( ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النمل:٤٠] |
الفعل المضارع |
٣٥ |
(ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [البقرة:٥٢] |
الفعل الأمر |
٧ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [لقمان:١٢] |
المصدر |
٣ |
( ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [سبأ:١٣] |
اسم الفاعل |
١٤ |
(ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة:١٥٨] |
صيغة المبالغة |
١٠ |
(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [إبراهيم:٥] |
اسم المفعول |
٢ |
(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الإسراء:١٩] |
وجاء الشكر في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي الدال على الثناء على المحسن بذكر إحسانه.
الحمد:
الحمد لغة:
هو نقيض الذم7.
الحمد اصطلاحًا:
الإخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه8.
الصلة بين الشكر والحمد:
الشكر يكون باللسان وغيره، أما الحمد فإنه لا يكون إلا باللسان، فالشكر من جهة ما يكون به أعم من الحمد، كما أن الشكر لا يكون إلا على النعم، وأما الحمد فإنه يكون على الصفات والأفعال والنعم9، فالشكر من جهة ما يكون عليه أخص من الحمد، فبينهما عموم وخصوص ، كما قرره المحققون من أهل العلم10.
الثناء:
الثناء لغة:
ذكر ما يشعر بالتعظيم 11، وهو الذكر بالخير والكلام الجميل، ويستعمل في الوصف بمدح أو ذم، فيقال : أثنى عليه خيرًا أو أثنى عليه شرًا، لكن غلب استعماله في الخير، وقد طار ثناء فلان، أي: ذهب وانتشر بين الناس12.
الثناء اصطلاحًا:
«هو الإتيان بما يشعر التعظيم مطلقًا، سواء كان باللسان أو بالجنان أو بالأركان؛ وسواء كان في مقابلة شيء أو لا» 13.
الصلة بين الشكر والثناء:
الشكر يكون مقرونًا بنعمة أو معروف، بينما الثناء ليس شرطًا أن يكون على نعمة أو معروف، وقد يكون بشرٍ، وإن جاء في تعريفه أنه الذكر الحسن والوصف الجميل، فهو كذلك باعتبار الغالب14.
النكران:
النكران لغة:
الجحود، وعدم الاعتراف بالشيء15.
النكران اصطلاحًا:
جحد النعمة، وعدم الاعتراف بها16.
الصلة بين الشكر والنكران:
علاقة تضاد، فشكر النعمة إظهارها وعرفانها والثناء على المنعم، بينما نكران النعمة هو جحودها وإنكارها وعدم الاعتراف بها.
قرن الله سبحانه وتعالى بين الصبر والشكر في أربعة مواضع من كتابه، وأخبر فيهن بأن آيات الله ينتفع بها أهل الصبر، وأهل الشكر.
من هذه الآيات: ما جاء في سياق بيان الغاية من إرسال موسى عليه السلام إلى قومه والتي منها أن يذكرهم بنعم الله عليهم وإحسانه إليهم، وبأيامه في الأمم المكذبين، ووقائعه بالكافرين؛ ليشكروا نعمه وليحذروا عقابه.
قال سبحانه وتعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [إبراهيم: ٥].
أي: ذكرهم تذكير عظة بأيام الله، وبأيام الله: أيام ظهور بطشه وغلبه من عصوا أمره، وتأييده المؤمنين على عدوهم؛ فإن ذلك كله مظهر من مظاهر عزة الله عز وجل.
ولكون الآيات مختلفة، بعضها آيات موعظة وزجر، وبعضها آيات منة وترغيب، جعلت متعلقة بـ(ﯠ ﯡ ﯢ)؛ إذ الصبر مناسب للزجر؛ لأن التخويف يبعث النفس على تحمل معاكسة هواها خيفة الوقوع في سوء العاقبة، والإنعام يبعث النفس على الشكر17.
في الآية دلالة على أن الصبار والشكور ينتفعان بالتذكير والتنبيه ويتعظان به.
ومنها: ما أخبر سبحانه وتعالى فيها أن في جري السفن في البحر لدلالات لكل صبار عن محارم الله، شكور لنعمه، قال سبحانه وتعالى: (ﮊ ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [لقمان: ٣١].
يخبر سبحانه وتعالى أنه هو الذي سخر البحر لتجري فيه الفلك بأمره، أي: بلطفه وتسخيره، فإنه لولا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت؛ ولهذا قال: (ﮅ ﮆ ﮇ)، أي: من قدرته، (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)، أي: صبار في الضراء شكور في الرخاء18. ولما تقدم ذكر جري الفلك في البحر، وكان في ذلك ما لا يخفى على راكبه من الخوف، وتقدم ذكر النعمة، ناسب الختم بالصبر على ما يحذر، وبالشكر على ما أنعم به سبحانه وتعالى19.
وفي الآية دلالة على أن آيات الله الكونية إنما ينتفع بها أهل الصبر والشكر.
ومنها: ما أخبر سبحانه وتعالى بها في سياق الحديث عن سبأ وما حل بهم، وما في ذلك من عبرةٍ لكل صبار على المكاره والشدائد، شكور لنعم الله عز وجل.
قال سبحانه وتعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [سبأ: ١٩].
في الآية دلالة على أن قصص القرآن فيها آيات وعبرٌ لأهل الصبر وأهل الشكر.
ومنها: ما أخبر سبحانه وتعالى فيها بأن أحوال الفلك في البحر فيها عبرة لكل صبار شكور.
قال سبحانه وتعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى: ٣٣].
جعل ذلك آية لكل صبار شكور؛ لأن في الحالتين خوفًا ونجاة، والخوف يدعو إلى الصبر، والنجاة تدعو إلى الشكر، وإنما جعل ذلك آية للمؤمنين؛ لأنهم الذين ينتفعون بتلك الآية فيعلمون أن الله منفرد بالألوهية ، بخلاف المشركين فإنها تمر بأعينهم فلا يعتبرون بها20.
أساليب القرآن في الحث على الشكر
تنوعت أساليب القرآن في الحث على الشكر على النحو الآتي:
أولًا: أسلوب الأمر:
١. الأمر بالشكر بصيغة المفرد.
أخبر الله سبحانه وتعالى أنه أعطى العبد الصالح لقمان الحكمة، وهي الفقه في الدين وسلامة العقل والإصابة في القول، وأمره أن يشكره على نعمه عليه.
قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [لقمان: ١٢].
«أمره الله بشكره على ما هو محفوف به من نعم الله التي منها نعمة الاصطفاء لإعطائه الحكمة، وإعداده لذلك بقابليته لها، وهذا رأس الحكمة؛ لتضمنه النظر في دلائل نفسه وحقيقته قبل النظر في حقائق الأشياء، وقبل التصدي لإرشاد غيره، وأن أهم النظر في حقيقته هو الشعور بوجوده على حالة كاملة، والشعور بموجده ومفيض الكمال عليه، وذلك كله مقتضٍ لشكر موجده على ذلك»21.
وفي الآية تنبيه على أن الحكمة الأصلية والعلم الحقيقي هو العمل بهما، وعبادة الله والشكر له. وقال سبحانه وتعالى حاثًا الإنسان على شكره عز وجل، وشكر والديه: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ ﮋﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [لقمان: ١٤].
أي: «قلنا له أن اشكر لي ولوالديك. قيل: الشكر لله على نعمة الإيمان، وللوالدين على نعمة التربية»22.
٢. الأمر بالشكر بصيغة الجمع.
جاء الأمر بالشكر بصيغة الجمع، قال سبحانه وتعالى آمرًا المؤمنين بشكره: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [البقرة: ١٥٢].
وقال سبحانه وتعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [البقرة: ١٧٢].
وهو أمر، وليس بإباحة. قيل: ولا يمكن القول بوجوب الشكر؛ لأنه إما أن يكون بالقلب، أو باللسان، أو بالجوارح23.
وأخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه أن إبراهيم عليه السلام أمر قومه بعبادة الله وشكره على نعمه عليهم، قال عز وجل: (ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ) [العنكبوت: ١٧].
وأمر الله سبحانه وتعالى الأنبياء بشكره على نعمة النبوة والرسالة:
فأمر سبحانه وتعالى موسى عليه السلام بشكره على ما آتاه من النبوة والرسالة، فقال سبحانه وتعالى لموسى: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الأعراف: ١٤٤].
وأمر سبحانه وتعالى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يكون من الشاكرين له على نعمه، فقال: (ﯢ ﯣ ﯤ) [الزمر: ٦٦].
أي: على ما أنعم به عليك، من أن جعلك سيد ولد آدم24.
ثانيًا: أسلوب الترغيب:
وعد الله سبحانه وتعالى من ثبت على الإيمان وشكره على نعمة الإسلام، بأنه سيجزيه أحسن الجزاء؛ وذلك ترغيبًا للمؤمنين للاقتداء بهم في ثباتهم.
قال سبحانه وتعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [آل عمران: ١٤٤].
أي: الذين صبروا وجاهدوا واستشهدوا25.
وهذا «وعد عظيم بالجزاء، وجاء بالسين التي هي في قول بعضهم: قرينة التفسير في الاستقبال، أي: لا يتأخر جزاء الله إياهم عنهم ، وظاهر هذا الجزاء أنه في الآخرة، وقيل: في الدنيا بالرزق، والتمكين في الأرض»26.
ثالثًا: أسلوب المدح:
قال سبحانه وتعالى مادحًا إبراهيم عليه السلام؛ لشكره نعم الله عليه: (ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [النحل: ١٢١].
«مدح لإبراهيم عليه السلام ، وتعريض بذريته الذين أشركوا وكفروا نعمة الله، مقابل قوله: (ﭯ ﭰ ﭱ) [النحل: ١١٢]»27.
رابعًا: أسلوب الاستفهام:
أخبر سبحانه وتعالى أنه اختص داود عليه السلام بأن علمه صناعة الدروع، يعملها حلقًا متشابكة، تسهل حركة الجسم؛ لتحمي المحاربين من وقع السلاح فيهم.
قال سبحانه وتعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الأنبياء: ٨٠].
استفهام يتضمن الأمر، أي: اشكروا الله على ما أنعم به عليكم28.
وكان العدول عن إيلاء (هل) الاستفهامية بجملة فعلية إلى الجملة الاسمية مع أن لـ (هل) مزيد اختصاص بالفعل، فلم يقل: فهل تشكرون، وعدل إلى: (ﯡ ﯢ ﯣ)؛ ليدل العدول عن الفعلية إلى الاسمية على ما تقتضيه الاسمية من معنى الثبات والاستمرار، أي: فهل تقرر شكركم وثبت؛ لأن تقرر الشكر هو الشأن في مقابلة هذه النعمة29.
سمى الله تعالى نفسه بالشاكر والشكور، وقرن سبحانه وتعالى بين الشكر والعبادة؛ لارتباطهما ببعضهما ارتباطًا وثيقًا، وقرن بين الشكور والغفور، والشكور والحليم، والشاكر والعليم، وفي هذا المبحث نتناول الشكر في حقه عز وجل، واقتران أسماء الله (الشاكر، والشكور) ببعض أسمائه الحسنى:
أولًا: استحقاق الله للشكر:
يمتن الله سبحانه وتعالى على عباده بنعمه، ويدعوهم إلى شكرها ورؤيتها؛ وعدم الغفلة عنها.
قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [لقمان: ٢٠].
هذه النعم الجسيمة يقابلها وجوب شكر المنعم المتمثل بعبادته وحده دون غيره من الأنداد؛ ولذلك قرن سبحانه وتعالى في مواضع من كتابه بين الشكر والعبادة.
قال سبحانه وتعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [البقرة: ١٧٢].
فالشكر في هذه الآية، هو العمل الصالح، وهنا لم يقل: (حلالًا)؛ لأن المؤمن أباح الله له الطيبات من الرزق خالصة من التبعة؛ ولأن إيمانه يحجزه عن تناول ما ليس له.
وقوله: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)، أي: فاشكروه، فدل على أن من لم يشكر الله، لم يعبده وحده، كما أن من شكره، فقد عبده، وأتى بما أمر به، ويدل أيضًا على أن أكل الطيب، سبب للعمل الصالح وقبوله. والأمر بالشكر عقيب النعم؛ لأن الشكر يحفظ النعم الموجودة، ويجلب النعم المفقودة30.
وأمركم سبحانه وتعالى بالشكر له؛ لأنه الذي خلقها لكم، وسهل عليكم أسبابها، بأن تتبعوا سنته الحكيمة في طلب هذه الطيبات واستخراجها، وفي استعمالها فيما خلقت لأجله، وبالثناء عليه جل جلاله وعم نواله، واعتقاد أن هذه الطيبات من فضله وإحسانه، ليس لمن اتخذوا أندادًا له تأثير فيها.
ولذلك قال: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)، أي: إن كنتم تخصونه بالعبادة، وتؤمنون بانفراده بالسلطة والتدبير، فاشكروا له خلق هذه النعم وإباحتها لكم، ولا تجعلوا له أندادًا تطلبون منهم الرزق أو ترجعون إليهم بالتحليل والتحريم؛ فإن ذلك له وحده، وإلا كنتم مشركين به كافرين لنعمه، كالذين من قبلكم ، جهلوا معنى عبادة الله سبحانه وتعالى ، فاتخذوا بينهم وبينه وسطاء في طلب الرزق، ورؤساء يشرعون لهم من الدين ما لم يشرعه، ويحلون لهم ويحرمون عليهم ما لم يشرعه لهم. ومن الشكر له سبحانه وتعالى استعمال القوى التي غذيت بتلك الطيبات في نفع أنفسكم وأمتكم وجنسكم31.
فالآية توحي بأن الشكر عبادة وطاعة يرضاها الله من العباد.
وقال سبحانه وتعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النحل: ١١٤].
يقول سبحانه وتعالى آمرا عباده المؤمنين بأكل رزقه الحلال الطيب وبشكره على ذلك؛ فإنه المنعم المتفضل به ابتداء الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له32.
وقال سبحانه وتعالى: ( ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[العنكبوت: ١٧].
أي: فالتمسوا عند الله الرزق لا من عند أوثانكم، تدركوا ما تبتغون من ذلك، وذلوا له واشكروا له على رزقه إياكم، ونعمه التي أنعمها عليكم33.
فهذه الآيات ترشد إلى شكر الله؛ لأنه المتفضل على عباده بالنعم ابتداء دون طلب منهم، وهو المستحق لإفراده بالعبادة، لكن من الخلق من يعبد غيره، ويشكر غيره، كما جاء في الحديث الذي يستأنس به، عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: إني والجن والإنس في نبأٍ عظيمٍ، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري)34.
ثانيًا: معنى اسم الله الشاكر والشكور:
الله سبحانه وتعالى هو الشكور، وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره، بل يعيد الشاكر مشكورًا.
ومعنى الشكر المضاف إليه سبحانه وتعالى، «الرضا بيسير الطاعة من العبد والقبول له، وإعظام الثواب عليه»35.
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: «ومن أسمائه الشاكر والشكور، وهو الذي يشكر القليل من العمل الخالص النقي النافع، ويعفو عن الكثير من الزلل، ولا يضيع أجر من أحسن عملا، بل يضاعفه أضعافًا مضاعفة بغير عدٍ ولا حساب، ومن شكره أنه يجزي بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة»36.
ثالثًا: اقتران اسم الله الغفور بالشكور:
اقترن اسم الله الغفور بالشكور في ثلاثة مواضع:
قوله سبحانه وتعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [فاطر: ٣٠].
عن قتادة رحمه الله في قوله سبحانه وتعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ) إنه غفور لذنوبهم، شكور لحسناتهم37.
وقال ابن عاشور رحمه الله: «فإن من صفاته الغفور الشكور، أي: الكثير المغفرة، والشديد الشكر .
فالمغفرة تأتي على تقصير العباد المطيعين؛ فإن طاعة الله الحق التي هي بالقلب والعمل والخواطر لا يبلغ حق الوفاء بها إلا المعصوم، ولكن الله تجاوز عن الأمة فيما حدثت به أنفسها، وفيما همت به ولم تفعله، وفي اللمم، وفي محو الذنوب الماضية بالتوبة. والشكر كناية عن مضاعفة الحسنات على أعمالهم فهو شكر بالعمل؛ لأن الذي يجازي على عمل المجزي بجزاء وافر، يدل جزاؤه على أنه حمد للفاعل فعله»38.
وقال السعدي رحمه الله: «غفر لهم السيئات، وقبل منهم القليل من الحسنات»39.
وقوله سبحانه وتعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [فاطر: ٣٤].
«وصفوه سبحانه وتعالى بأنه يغفر الذنوب ويجازي على القليل من الأعمال الصالحة بالكثير من الثواب»40.
وقوله سبحانه وتعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الشورى: ٢٣].
قوله: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) تذييل وتعليل؛ للزيادة لقصد تحقيقها بأن الله كثيرة مغفرته لمن يستحقها، كثير شكره للمتقربين إليه41.
رابعًا: اقتران اسم الله الشكور بالحليم:
اقترن اسم الله الشكور بالحليم في موضع واحد، في قوله سبحانه وتعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)[التغابن: ١٧].
قوله: (ﯦ)، أي: لا يعجل بالعقوبة، بل يستر ويتجاوز عن الذنوب. ومجيء هذا التذييل هنا يشعر بالتوجيه في بعض نواحي إصلاح الأسرة، وهو أن يقبل كل من الزوجين عمل الآخر بشكر، ويقابل كل إساءة بحلم؛ ليتم معنى حسن العشرة؛ ولأن الإنفاق يستحق المقابلة بالشكر، والعداوة تقابل بالحلم42.
خامسًا: اقتران اسم الله الشاكر بالعليم:
اقترن اسم الله الشاكر بالعليم في موضعين من كتابه:
قوله سبحانه وتعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة: ١٥٨].
الشاكر والشكور، من أسماء الله سبحانه وتعالى، الذي يقبل من عباده اليسير من العمل، ويجازيهم عليه العظيم من الأجر، الذي إذا قام عبده بأوامره، وامتثل طاعته، أعانه على ذلك، وأثنى عليه ومدحه، وجازاه في قلبه نورًا وإيمانًا وسعة، وفي بدنه قوة ونشاطًا، وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء، وفي أعماله زيادة توفيق، ثم بعد ذلك، يقدم على الثواب الآجل عند ربه كاملًا موفورًا، لم تنقصه هذه الأمور.
ومن شكره لعبده : أن من ترك شيئا لله أعاضه الله خيرا منه، ومن تقرب منه شبرا، تقرب منه ذراعا، ومن تقرب منه ذراعا، تقرب منه باعا، ومن أتاه يمشي، أتاه هرولة، ومن عامله، ربح عليه أضعافا مضاعفة. ومع أنه شاكر، فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل، بحسب نيته وإيمانه وتقواه، ممن ليس كذلك، عليم بأعمال العباد، فلا يضيعها، بل يجدونها أوفر ما كانت، على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم الحكيم43.
وقوله سبحانه وتعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [النساء: ١٤٧].
أي: مثيبًا موفيًا أجوركم. وأتى بصفة الشكر باسم الفاعل بلا مبالغة؛ ليدل على أنه يتقبل ولو أقل شيء من العمل وينميه، (ﯽ) بشكركم وإيمانكم فيجازيكم. وفي قوله: (ﯽ)، تحذير وندب إلى الإخلاص لله سبحانه وتعالى. وقيل: الشكر من الله إدامة النعم على الشاكر44.
سادسًا: من صور شكره سبحانه وتعالى لعبده:
فالله سبحانه وتعالى يشكر عبده بقوله، بأن يثني عليه بين ملائكته وفي ملئه الأعلى، ويلقى له الشكر بين عباده، ويشكره بفعله، فإذا ترك له شيئًا أعطاه أفضل منه، وإذا بذل له شيئًا رده عليه أضعافًا مضاعفة.
نماذج من شكره سبحانه وتعالى لعباده:
لما عقر سليمان عليه السلام الخيل غضبًا لله؛ إذ شغلته عن ذكره، فأراد ألا تشغله مرة أخرى، أعاضه عنها متن الريح، قال سبحانه وتعالى واصفًا شغل سليمان عن ذكره، ثم عقره للخيل: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [ص: ٣١-٣٣].
ثم قال سبحانه وتعالى في تعويضه لسليمان بتسخير الريح: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [ص: ٣٦].
ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها في مرضاته، أعاضهم عنها أن ملكهم الدنيا وفتحها عليهم، قال سبحانه وتعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النور: ٥٥].
وقد حقق لعباده هذا الوعد، ودانت لهم البلاد والعباد، وننتظر متعبدين أن يحقق الله ذلك للمؤمنين في هذا الزمان.
ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن، شكر له ذلك بأن مكن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، قال سبحانه وتعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [يوسف: ٥٦].
ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزقها أعداؤه، شكر لهم ذلك، بأن أعاضهم منها طيرًا خضرًا أقر أرواحهم فيها، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها إلى يوم البعث، فيردها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه، روى أبو داود بسند حسن عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما أصيب إخوانكم بأحدٍ، جعل الله أرواحهم في جوف طيرٍ خضرٍ، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهبٍ معلقةٍ في ظل العرش)45.
ولما بذل رسله أعراضهم فيه لأعدائهم، فنالوا منهم وسبوهم، أعاضهم من ذلك بأن صلى عليهم هو وملائكته، وجعل لهم أطيب الثناء في سماواته وبين خلقه، فأخلصهم بخالصة ذكرى الدار، قال سبحانه وتعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [ص: ٤٦].
ومن شكره سبحانه وتعالى أن العبد من عباده يقوم له مقامًا يرضيه بين الناس، فيشكره له، وينوه بذكره، ويخبر به ملائكته وعباده المؤمنين، كما شكر لمؤمن آل فرعون ذلك المقام، وأثنى به عليه، ونوه بذكره بين عباده، قال سبحانه وتعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [القصص: ٢٠].
وكذلك شكره لصاحب (يس) مقامه ودعوته إليه، قال سبحانه وتعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [يس: ٢٠].
فهذه من صور شكره لعباده، والصور كثيرة لا يتسع المجال لاستقصائها.
للشكر أنواع ثلاثة، هي: شكر العمل، وشكر الاعتراف، وشكر التحدث.
أولًا: شكر العمل بالطاعة:
قال سبحانه وتعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [سبأ: ١٣].
أي: اعملوا بالطاعات في حال شكر منكم لله على هذه النعم، ويحتمل أن يكون نصبه على جهة المفعول، أي : اعملوا عملا هو الشكر، كأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي نفسها الشكر؛ إذ سدت مسده46. وفي الآية دلالة على أن الشكر يكون بالفعل، كما يكون بالقول والنية47، كما قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثةً
يدي ولساني والضمير المحجبا
قال أبو عبد الرحمن الحبلي: الصلاة شكر والصيام شكر، وكل خير تعمله لله عز وجل شكر، وأفضل الشكر الحمد. وعن ثابت البناني قال: كان داود عليه السلام قد جزأ على أهله وولده ونسائه الصلاة، فكان لا تأتي عليهم ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي48.
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وأحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى)49.
ثانيًا: شكر القلب بالاعتراف:
قال السعدي: «الشكر: اعتراف القلب بمنة الله تعالى وتلقيها افتقارًا إليها، وصرفها في طاعة الله تعالى وصونها عن صرفها في المعصية»50.
ثالثًا: شكر باللسان بالتحدث بالنعمة:
قال سبحانه وتعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الضحى: ١١].
أي: أخبر بما أنعم الله عليك؛ اعترافًا بفضله51، فإن التحدث بنعمة الله، داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها؛ فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن52.
قال ابن القيم رحمه الله:
«في هذا التحديث قولان:
أحدهما: أنه ذكر النعمة والإخبار بها، وقول العبد: أنعم الله علي بكذا وكذا.
قال مقاتل: يعني : أشكر ما ذكر من النعم عليك في هذه السورة من الإيواء مع اليتم، والهدى بعد الضلال، والإغناء بعد العيلة. والتحدث بنعمة الله شكر، كما في حديث جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من صنع إليه معروفٌ، فليجز به، فإن لم يجد ما يجزي به، فليثن عليه، فإنه إذا أثنى عليه، فقد شكره، وإن كتمه، فقد كفره، ومن تحلى بما لم يعط، كان كلابس ثوبين من زور)ٍ53.
فذكر أقسام الخلق الثلاثة: شاكر النعمة المثني بها، والجاحد لها، والكاتم لها، والمظهر أنه من أهلها وليس من أهلها. فهو متحلٍ بما لم يفعله، قال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر: (من لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس، لم يشكر الله. التحدث بنعمة الله شكرٌ، وتركها كفرٌ)54.
والقول الثاني: أن التحدث بالنعمة المأمور به في هذه الآية، هو الدعوة إلى الله، وتبليغ رسالته، وتعليم الأمة. قال مجاهد: هي النبوة. وقال الزجاج: أي: بلغ ما أرسلت به، وحدث بالنبوة التي آتاك الله.
وقال الكلبي: هو القرآن، أمره أن يقرأه على الناس.
والصواب: أنه يعم النوعين، إذ كل منهما نعمة مأمور بشكرها، والتحدث بها، وإظهارها من شكرها»55.
أخبر الله في كتابه أن الشكر من عباده قليل، وأن الشاكرين لنعمه قليل.
أولًا: الشكر قليل:
ورد في كتاب الله آيات تدل على أن الشكر قليل من العباد.
منها: قوله سبحانه وتعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأعراف: ١٠].
يقول جل جلاله: ولقد وطأنا لكم -أيها الناس- في الأرض، وجعلناها لكم قرارا تستقرون فيها، ومهادا تمتهدونها، وفراشا تفترشونها، وجعلنا لكم فيها معايش تعيشون بها أيام حياتكم، من مطاعم ومشارب، نعمة مني عليكم وإحسانا مني إليكم، وأنتم قليل شكركم على هذه النعم التي أنعمتها عليكم لعبادتكم غيري، واتخاذكم إلها سواي56.
والخطاب للمشركين خاصة؛ لأنهم الذين قل شكرهم لله سبحانه وتعالى؛ إذ اتخذوا معه آلهة. ووصف قليل يستعمل في معنى المعدوم، ويجوز أن يكون على حقيقته، أي: إن شكركم الله قليل؛ لأنهم لما عرفوا أنه ربهم فقد شكروه، ولكن أكثر أحوالهم هو الإعراض عن شكره، والإقبال على عبادة الأصنام وما يتبعها، ويجوز أن تكون القلة كناية عن العدم على طريقة الكلام المقتصد؛ استنزالا لتذكرهم57.
ومنها: قوله سبحانه وتعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [السجدة: ٩].
وقوله سبحانه وتعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﮊ ﮋﭾ) [المؤمنون: ٧٨].
وقوله سبحانه وتعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الملك: ٢٣].
يخبر سبحانه وتعالى بمننه على عباده الداعية لهم إلى شكره، والقيام بحقه ، فقال: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)؛ لتدركوا به المسموعات، فتنتفعوا في دينكم ودنياكم، (ﭹ)؛ لتدركوا بها المبصرات، فتنتفعوا بها في مصالحكم، (ﭺ) التي تدركون بها الأشياء، وتتميزون بها عن البهائم، فلو عدمتم السمع، والأبصار، والعقول، بأن كنتم صمًا عميا بكما، ماذا تكون حالكم؟ وماذا تفقدون من ضرورياتكم وكمالكم؟ أفلا تشكرون الذي من عليكم بهذه النعم، فتقومون بتوحيده وطاعته؟! ولكنكم قليل شكركم، مع توالي النعم عليكم58.
ثانيًا: الشاكرون قليل:
قال سبحانه وتعالى مبينًا عداوة الشيطان للمؤمنين: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الأعراف: ١٧].
أي: من جميع الجهات والجوانب، ومن كل طريق يتمكن فيه من إدراك بعض مقصوده فيهم، ولما علم الخبيث أنهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم، وكان جازما ببذل مجهوده على إغوائهم، ظن وصدق ظنه، فقال: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)، فإن القيام بالشكر من سلوك الصراط المستقيم، وهو يريد صدهم عنه، وعدم قيامهم به59.
ولقد ظن إبليس ظنًا غير يقين أنه سيضل بني آدم، وأنهم سيطيعونه في معصية الله، فصدق ظنه عليهم، فأطاعوه وعصوا ربهم إلا فريقًا من المؤمنين بالله، فإنهم ثبتوا على طاعة الله، قال سبحانه وتعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [سبأ: ٢٠].
ولقد اتبع كثير من الناس إبليس فأضلهم، فلا تجد أكثرهم شاكرين لنعمه الجمة.
قال سبحانه وتعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [البقرة: ٢٤٣].
أي: ألم تسمع بهذه القصة العجيبة الجارية على من قبلكم من بني إسرائيل، حيث حل الوباء بديارهم، فخرجوا بهذه الكثرة، فرارًا من الموت، فلم ينجهم الفرار، ولا أغنى عنهم من وقوع ما كانوا يحذرون، فعاملهم بنقيض مقصودهم، وأماتهم الله عن آخرهم، ثم تفضل عليهم، فأحياهم، إما بدعوة نبي، كما قاله كثير من المفسرين، وإما بغير ذلك، ولكن ذلك بفضله وإحسانه، وهو لا يزال فضله على الناس، وذلك موجب لشكرهم لنعم الله بالاعتراف بها وصرفها في مرضاة الله، ومع ذلك فأكثر الناس قد قصروا بواجب الشكر60.
وأخبر سبحانه وتعالى أنه لذو فضل على خلقه؛ بتركه معاجلة من افترى عليه الكذب بالعقوبة في الدنيا وإمهاله إياه، ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على تفضله عليهم بذلك.
قال سبحانه وتعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [يونس: ٦٠].
وأخبر سبحانه وتعالى أنه تفضل على عباده بنعمة التوحيد والإيمان، ولكن أكثر الناس لا يشكرون.
قال يوسف عليه السلام: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [يوسف: ٣٨].
وأخبر سبحانه وتعالى أنه وحده هو الذي جعل للناس الليل؛ ليسكنوا فيه، ويحققوا راحتهم، والنهار مضيئًا؛ ليصرفوا فيه أمور معاشهم، ولكن أكثرهم لا يشكرون.
قال سبحانه وتعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ ﮋﭾ ﭿ ﮀ) [غافر: ٦١].
وذمه سبحانه وتعالى الأكثر غير الشاكر دلالة على مدح الأقل الشاكر، الذين قال مثنيًا عليهم: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [سبأ: ١٣].
أي: قلنا ذلك لآل داود فعمل منهم قليل، ولم يعمل كثير، وكان سليمان من أول الفئة القليلة، والشكور: الكثير الشكر. وإذ كان العمل شكرًا أفاد أن العاملين قليل61.
وهذا هو واقع البشر؛ لأن توفيقه الشكر نعمة تستدعي شكرًا آخر لا نهاية له؛ ولذلك قيل : الشكور من يرى عجزه عن الشكر62.
فالشكر من العباد يكون «بقدر الطاقة البشرية هو الواقع وقليل فاعله، وأما الشكر الذي يناسب نعم الله فلا قدرة عليه، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها»63.
وقد سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلًا يقول: اللهم اجعلني من القليل، فقال له عمر: ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل: أردت قوله عز وجل: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)، فقال عمر رضي الله عنه: «كل الناس أعلم من عمر»64.
ثالثًا: منفعة الشكر عائدة إلى العبد:
قال سبحانه وتعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النمل: ٤٠].
أي: «ومن شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن ربي غني كريم، فكل متقرب إلى الله بعمل صالح يجب أن يستحضر أن عمله إنما هو لنفسه يرجو به ثواب الله ورضاه في الآخرة، ويرجو دوام التفضل من الله عليه في الدنيا، فالنفع حاصل له في الدارين65؛ إذ صان نفسه عن كفران النعمة، وفعل ما هو واجب عليه من شكر نعمة الله عليه»66.
فالعبد عند شكره لربه «إنما هو محسن إلى نفسه بالشكر، لا أنه مكافئ به لنعم الرب، فالرب تعالى لا يستطيع أحد أن يكافئ نعمه أبدًا ولا أقلها ولا أدنى نعمة من نعمه، فإنه سبحانه وتعالى هو المنعم المتفضل الخالق للشكر والشاكر وما يشكر عليه»67.
الذي لا يشكر الناس لا يشكر الله، فشكر الإنسان على ما قدم له من إحسان سمت الصالحين، وعدم انتظار الشكر من المحسن إليه صفة الأبرار المتقين:
أولًا: شكر المحسن:
من أحق الناس بالشكر الوالدان؛ ولذلك قرن سبحانه وتعالى بين شكره وشكرهما في كتابه.
قال سبحانه وتعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ ﮋﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [لقمان: ١٤].
يقول سيد قطب رحمه الله: «وتوصية الولد بالوالدين تتكرر في القرآن الكريم، وفي وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ترد توصية الوالدين بالولد إلا قليلا، ومعظمها في حالة الوأد، وهي حالة خاصة في ظروف خاصة؛ ذلك أن الفطرة تتكفل وحدها برعاية الوليد من والديه، فالفطرة مدفوعة إلى رعاية الجيل الناشئ لضمان امتداد الحياة، كما يريدها الله، وإن الوالدين ليبذلان لوليدهما من أجسامهما وأعصابهما وأعمارهما ومن كل ما يملكان من عزيز وغال، في غير تأفف ولا شكوى، بل في غير انتباه ولا شعور بما يبذلان! بل في نشاط وفرح وسرور ، كأنهما هما اللذان يأخذان! فالفطرة وحدها كفيلة بتوصية الوالدين دون وصاة، فأما الوليد فهو في حاجة إلى الوصية المكررة؛ ليلتفت إلى الجيل المضحي المدبر المولى الذاهب في أدبار الحياة، بعد ما سكب عصارة عمره وروحه وأعصابه للجيل المتجه إلى مستقبل الحياة، وما يملك الوليد وما يبلغ أن يعوض الوالدين بعض ما بذلاه، ولو وقف عمره عليهما»68.
وفي الآية دلالة على وجوب شكر الله على نعمة الإيمان، وشكر الوالدين على نعمة التربية.
وكل من أسدى من الخلق معروفًا استحق الشكر. روى أبو داود بسنده عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه)69، أي: من أحسن إليكم أي إحسان فكافئوه بمثله، فإن لم تقدروا فبالغوا في الدعاء له جهدكم حتى تحصل المثلية70.
ثانيًا: عدم انتظار المـحسن شكر من أحسن إليه:
أثنى الله على المؤمنين المحسنين إلى خلقه، فقال سبحانه وتعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الإنسان: ٨-٩].
قال ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهما في قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ): على قلته وحبهم إياه وشهوتهم له71، وقال مجاهد رحمه الله في قوله: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ): إنهم لم يقولوا ذلك، لكن علمه الله منهم ، فأثنى عليهم ليرغب في ذلك الراغبين72، ألا ترى أنهم كانوا يطعمون الأسارى، ولا يطمع من الأسارى المجازاة والشكر؛ ليعلم أنهم لم يقصدوا بها إلا وجه الله تعالى والتقرب إليه73.
إن سبب ما فعله هؤلاء للمحتاجين «الرحمة الفائضة من القلوب الرقيقة الرفيقة، التي تتجه إلى الله تطلب رضاه، ولا تبتغي بها جزاء من الخلق ولا شكرًا، ولا تقصد بها استعلاء على المحتاجين ولا خيلاء، كما تتقي بها يومًا عبوسًا شديد العبوس، تتوقعه وتخشاه، وتتقيه بهذا الوقاء»74.
تنوعت مجالات الشكر في القرآن الكريم، ومنها:
أولًا: مجال الإيمان:
قال سبحانه وتعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الإسراء: ١٩].
يقول عز وجل: من أراد الآخرة وإياها طلب، ولها عمل عملها الذي هو طاعة الله وما يرضيه عنه، وهو مؤمن مصدق بثواب الله، وعظيم جزائه على سعيه لها، كان عملهم بطاعة الله مشكورا، وشكر الله إياهم على سعيهم ذلك حسن جزائه لهم على أعمالهم الصالحة، وتجاوزه لهم عن سيئها برحمته75.
فالذي يريد الآخرة لا بد أن يسعى لها سعيها، فيؤدي تكاليفها، وينهض بتبعاتها، ويقيم سعيه لها على الإيمان، وليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، والسعي للآخرة لا يحرم المرء من لذائذ الدنيا الطيبة، إنما يمد بالبصر إلى آفاق أعلى، فلا يكون المتاع في الأرض هو الهدف والغاية، ولا ضير بعد ذلك من المتاع حين يملك الإنسان نفسه، فلا يكون عبدا لهذا المتاع.
وإذا كان الذي يريد العاجلة ينتهي إلى جهنم مذموما مدحورا، فالذي يريد الآخرة ويسعى لها سعيها ينتهي إليها مشكورا يتلقى التكريم في الملأ الأعلى؛ جزاء السعي الكريم لهدف كريم، وجزاء التطلع إلى الأفق البعيد الوضيء76.
وقد قرن سبحانه وتعالى الشكر بالإيمان وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به.
قال سبحانه وتعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [النساء: ١٤٧].
أي: ما يصنع الله -أيها المنافقون- بعذابكم، إن أنتم تبتم إلى الله ورجعتم إلى الحق الواجب لله عليكم، فشكرتموه على ما أنعم عليكم من نعمه في أنفسكم وأهاليكم وأولادكم، بالإنابة إلى توحيده والاعتصام به، وإخلاصكم أعمالكم لوجهه، وترك رياء الناس بها، وآمنتم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم فصدقتموه ، وأقررتم بما جاءكم به من عنده ، فعملتم به. يقول: لا حاجة بالله أن يجعلكم في الدرك الأسفل من النار إن أنتم أنبتم إلى طاعته وراجعتم العمل بما أمركم به وترك ما نهاكم عنه؛ لأنه لا يجتلب بعذابكم إلى نفسه نفعا، ولا يدفع عنها ضرا؛ وإنما عقوبته من عاقب من خلقه جزاء منه له على جراءته عليه وعلى خلافه أمره ونهيه، وكفرانه شكر نعمه عليه، فإن أنتم شكرتم له على نعمه وأطعتموه في أمره ونهيه، فلا حاجة به إلى تعذيبكم، بل يشكر لكم ما يكون منكم من طاعة له وشكر، بمجازاتكم على ذلك بما تقصر عنه أمانيكم فلم تبلغه آمالكم77.
وفي الآية استفهام إنكاري بين الله لنا به أنه سبحانه وتعالى لا يعذب أحدًا من عباده تشفيًا منه ولا انتقامًا بالمعنى الذي يفهمه الناس من الانتقام بحسب استعمالهم إياه فيما بينهم، وإنما ذلك جزاء كفرهم بنعم الله عليهم بالحواس والعقل والوجدان والجوارح، باستعمالها في غير ما خلقت لأجله من الاهتداء بها إلى تكميل نفوسهم بالعلوم والفضائل والأعمال النافعة، وكفرهم بالله سبحانه وتعالى باتخاذ شركاء له، وإن سماهم بعضهم وسطاء وشفعاء.
فبكفرهم بالله سبحانه وتعالى وبنعمه عليهم في الآفاق وفي أنفسهم تفسد فطرتهم، وتتدنس أرواحهم فتهبط بهم في دركات الهاوية، ويكونون هم الجانين على أنفسهم، ولو شكروا وآمنوا فطهرت أرواحهم من دنس الشرك والوثنية، وظهرت آثار عقولهم وسائر قواهم بالأعمال الصالحة المصلحة لمعاشهم ومعادهم، لعرجت بهم تلك الأرواح القدسية إلى المقام الكريم، والرضوان الكبير في دار النعيم، وقدم الشكر هنا على الإيمان؛ لأن معرفة النعم والشكر عليها طريق إلى معرفة المنعم والإيمان به.
(ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) يثيب المؤمنين الشاكرين المصلحين على حسب علمه بحالهم، لا أنه يعذبهم، بل يعطيهم أكثر مما يستحقون على شكرهم وإيمانهم78.
«إن عذابه لجزاء على الجحود والكفران، وتهديد لعله يقود إلى الشكر والإيمان، إنها ليست شهوة التعذيب، ولا رغبة التنكيل ولا التذاذ الآلام، ولا إظهار البطش والسلطان، تعالى الله عن ذلك كله علوًا كبيرًا، فمتى اتقيتم بالشكر والإيمان فهنالك الغفران والرضوان، وهناك شكر الله سبحانه وتعالى لعبده، وعلمه سبحانه وتعالى بعبده، وشكر الله سبحانه وتعالى للعبد، يلمس القلب لمسة رفيقة عميقة.
إنه معلوم أن الشكر من الله سبحانه وتعالى معناه الرضا، ومعناه ما يلازم الرضا من الثواب، ولكن التعبير بأن الله سبحانه وتعالى: (شاكر) تعبير عميق الإيحاء. وإذا كان الخالق المنشئ، المنعم المتفضل، الغني عن العالمين يشكر لعباده صلاحهم وإيمانهم وشكرهم وامتنانهم، وهو غني عنهم وعن إيمانهم وعن شكرهم وامتنانهم، إذا كان الخالق المنشئ، المنعم المتفضل، الغني عن العالمين يشكر، فماذا ينبغي للعباد المخلوقين المحدثين المغمورين بنعمة الله تجاه الخالق الرازق المنعم المتفضل الكريم؟! ألا إنها اللمسة الرفيقة العميقة التي ينتفض لها القلب ويخجل ويستجيب»79.
في الآية دلالة على أن الإيمان بالله وصفاته أول درجات شكر العبد ربه.
المقابلة بين الشكر والكفر:
قسم الله سبحانه وتعالى عباده في كتابه إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحب الأشياء إليه الشكر وأهله.
قال سبحانه وتعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الإنسان: ٣].
وقال نبيه سليمان عليه السلام: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [النمل: ٤٠].
وقال سبحانه وتعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [إبراهيم: ٧].
وقال سبحانه وتعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [آل عمران: ١٤٤].
والشاكرون هم الذين ثبتوا على نعمة الإيمان، فلم ينقلبوا على أعقابهم، وقال سبحانه وتعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الزمر: ٧].
«فالكفر والشكر واقعان بمشيئته وقدره، وأحدهما محبوب له مرضٍ، والآخر مبغوض له مسخوط»80.
ثانيًا: مجال الأحكام الشرعية:
أخبر سبحانه وتعالى أنه يريد بعباده اليسر والسهولة في شرائعه، ولا يريد بهم العسر والمشقة، ويريد منهم الشكر له على ما أنعم به عليهم من الهداية والتوفيق والتيسير في شرائعه.
قال سبحانه وتعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البقرة: ١٨٥].
يعني تعالى ذكره: (ﯦ ﯧ)؛ ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق، وتيسير ما لو شاء عسر عليكم81.
فغاية الصيام «أن يشعر الذين آمنوا بقيمة الهدى الذي يسره الله لهم، وهم يجدون هذا في أنفسهم في فترة الصيام أكثر من كل فترة، وهم مكفوفو القلوب عن التفكير في المعصية، ومكفوفو الجوارح عن إتيانها. وهم شاعرون بالهدى ملموسًا محسوسًا؛ ليكبروا الله على هذه الهداية؛ وليشكروه على هذه النعمة؛ ولتفيء قلوبهم إليه بهذه الطاعة»82.
وأخبر سبحانه وتعالى أنه يريد في أمر المؤمنين بالطهارة أن يحط بها عنهم أوزارهم، ويدخلون بها عليه، ويرفع به درجاتهم، لا أن يضيق عليهم بها؛ وأباح التيمم توسعةً عليهم، ورحمة بهم، إذ جعله بديلًا للماء في الطهارة، فكانت رخصة التيمم من تمام النعم التي تقتضي شكر المنعم بطاعته فيما أمر وفيما نهى.
قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [المائدة: ٦].
فالله سبحانه وتعالى لا يريد أن يعنت الناس، ويحملهم على الحرج والمشقة بالتكاليف، إنما يريد أن يطهرهم، وأن ينعم عليهم بهذه الطهارة، وأن يقودهم إلى الشكر على النعمة؛ ليضاعفها لهم ويزيدهم منها. فهو الرفق والفضل والواقعية في هذا المنهج اليسير القويم83.
وبين الله سبحانه وتعالى للمؤمنين حكم الأيمان والتحلل منها؛ ليشكروا له، وهذه عادة شرعه أن يكون بيانًا، قال سبحانه وتعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [المائدة: ٨٩].
أي: لا يؤاخذكم الله بالأيمان التي تحلفونها بلا قصد، كما يقول الرجل في كلامه بدون قصد : لا والله، وبلى والله، فلا مؤاخذة على مثل هذه بكفارة في الدنيا، ولا عقوبة في الآخرة، ولكن يؤاخذكم بما صممتم عليه من الأيمان وقصدتموه إذا أنتم حنثتم فيه، والذي يكفر عقد اليمين إذا نقض، أو إذا أريد نقضه بالحنث به هو إحدى هذه المبرات الثلاث على سبيل التخيير:
فمن لم يستطع واحدًا من الثلاثة المتقدمة فعليه أن يصوم ثلاثة أيام متتابعات أو متفرقات، فإن عجز عن ذلك لمرض، صام عند القدرة، فإن لم يقدر يرجى له عفو الله ورحمته إذا صحت نيته وصدقت عزيمته، (ﯻ ﯼ)، فلا تبذلوها في أتفه الأمور وأحقرها، ولا تكثروا من الأيمان الصادقة فضلا عن الأيمان الكاذبة، على هذا النحو الشافي الوافي ، يبين الله لكم أعلام شريعته وأحكام دينه؛ ليعدكم ويؤهلكم بذلك إلى شكر نعمه على الوجه الذي يحبه ويرضاه، ويكون سببًا في المزيد من فضله وإحسانه84.
وفي الآيات السابقة دلالة على أنه ينبغي للعبد أن يتدبر الحكم والأسرار في شرائع الله؛ ليزداد معرفة وعلما، ويزداد شكرا لله ومحبة له على ما شرع من الأحكام، التي توصل العبد إلى المنازل العالية الرفيعة.
ثالثًا: مجال النعم:
أنعم الله على عباده بنعمة الأطعمة الحلال المستلذة؛ ليشكروه عليها، قال سبحانه وتعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [البقرة: ١٧٢].
وأنعم على أهل مكة بجميع أنواع الثمار التي تجلب إليهم من مواطنها؛ ليشكروه عليها، فقال سبحانه وتعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [إبراهيم: ٣٧].
وسخر لهم البحر؛ ليأكلوا مما يصطادون من سمكه لحمًا طريًا، ويستخرجوا منه زينة يلبسونها ، كاللؤلؤ والمرجان وغيرهما، وسخر لهم السفن العظيمة تشق وجه الماء تذهب وتجيء، ويركبونها؛ ليطلبوا رزق الله بالتجارة والربح فيها؛ ليشكروه على هذه النعم العظيمة، ولا يعبدوا غيره.
قال سبحانه وتعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النحل: ١٤].
وقال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [فاطر: ١٢].
وأنعم سبحانه وتعالى على عباده بوسائل الإدراك من السمع والبصر والقلوب؛ لعلهم يشكرونه على تلك النعم، وبتلك النعم، ويفردونه سبحانه وتعالى بالعبادة، فقال عز وجل: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ) [النحل: ٧٨].
وسخر سبحانه وتعالى البدن؛ ليأكلوا منها ويطعموا منها الفقير الذي لم يسأل تعففا، والذي يسأل لحاجته؛ ويشكروا الله على هذه النعم الجليلة.
قال سبحانه وتعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الحج: ٣٦].
وجعل سبحانه وتعالى لعباده الليل ظلامًا؛ ليستقروا فيه وترتاح أبدانهم، وجعل النهار ضياء؛ ليطلبوا فيه معايشهم، وليشكروه على إنعامه وإفضاله، قال سبحانه وتعالى: (ﮋﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [القصص: ٧٣].
وأنعم سبحانه وتعالى على عباده المجاهدين بنعمة النصر على المشركين مع قلة عددهم وعددهم ، فقال سبحانه وتعالى في معرض المن عليهم، وأن هذا النصر سبب لشكره سبحانه وتعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [آل عمران: ١٢٣].
يقول سبحانه وتعالى: فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه؛ لتشكروه على ما من به عليكم من النصر على أعدائكم، وإظهار دينكم، ولما هداكم له من الحق الذي ضل عنه مخالفوكم85.
وفي نسبة النصر إليه سبحانه وتعالى حض منه على اللجأ إليه وطلبه منه وحده سبحانه وتعالى؛ لأنه «لا ناصر لهم من أنفسهم ولا من سواهم، فإذا اتقوا وخافوا فليتقوا وليخافوا الله، الذي يملك النصر والهزيمة والذي يملك القوة وحده والسلطان، فلعل التقوى أن تقودهم إلى الشكر، وأن تجعله شكرًا وافيًا لائقًا بنعمة الله عليهم على كل حال»86.
وأخبر سبحانه وتعالى على رغبة الزوجين في الذرية الصالحة، صلاحًا في الخلقة وصلاحًا في الخلق؛ ليشكروه عليها، فإذا آتاهم الله الولد صالحًا سليمًا كما أراده، صرفاه عن الفطرة إلى الشرك.
قال سبحانه وتعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأعراف: ١٨٩].
فنعم الله على عباده لا تحصى و لا تعد، وهي سبيل من سبل معرفة الله وتعظيمه وإفراده بالوحدانية والعبادة.
رابعًا: مجال الشدائد:
لقن الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: من ينقذكم من مخاوف ظلمات البر والبحر؟ أليس هو الله سبحانه وتعالى الذي تدعونه في الشدائد متذللين جهرًا وسرًا؟ تقولون: لئن أنجانا ربنا من هذه المخاوف لنكونن من الشاكرين بعبادته عز وجل وحده لا شريك له، قال سبحانه وتعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنعام: ٦٣].
وأخبر سبحانه وتعالى أنه هو الذي يسير الناس في البر على الدواب وغيرها، وفي البحر في السفن، حتى إذا كانوا فيها وجرت بريح طيبة، وفرح ركاب السفن بالريح الطيبة، جاءت هذه السفن ريحٌ شديدة، وجاء الركاب الموج من كل مكان، وأيقنوا أن الهلاك قد أحاط بهم، أخلصوا الدعاء لله وحده، وتركوا ما كانوا يعبدون، وقالوا: لئن أنجيتنا من هذه الشدة التي نحن فيها، لنكونن من الشاكرين لك على نعمك.
قال سبحانه وتعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [يونس: ٢٢].
خامسًا: الشكر والتفكر:
ينوع الله سبحانه وتعالى الحجج والبراهين ويضرب فيها الأمثال للشاكرين نعمه؛ لأنهم يرونها من أكبر النعم الواصلة إليهم من ربهم، فيتلقونها مفتقرين إليها فرحين بها، فيتدبرونها ويتأملونها ويعملون بمقتضاها.
قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأعراف: ٥٨].
أي: والبلد الطيبة تربته، العذبة مشاربه، يخرج نباته -إذا أنزل الله الغيث وأرسل عليه الحيا- بإذنه طيبا ثمره في حينه ووقته، والذي خبث فردؤت تربته وملحت مشاربه لا يخرج نباته إلا عسرا في شدة، كذلك نبين آية بعد آية، وندلي بحجة بعد حجة، ونضرب مثلا بعد مثل، لقوم يشكرون الله على إنعامه عليهم بالهداية وتبصيره إياهم سبيل أهل الضلالة، باتباعهم ما أمرهم باتباعه، وتجنبهم ما أمرهم بتجنبه من سبل الضلالة. وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالبلد الطيب الذي يخرج نباته بإذن ربه مثل للمؤمن، والذي خبث فلا يخرج نباته إلا نكدًا مثل للكافر87.
وفي الآية دلالة على أن الشاكرين ينتفعون بالآيات الكونية الدالة على وجود الصانع سبحانه وتعالى وقدرته وعظمته وتفرده بالتدبير.
والله سبحانه وتعالى يدعو عباده إلى معرفته بالنظر والتأمل في مصنوعاته في الكون:
ومن ذلك أنه سخر لعباده البحر؛ لتجري السفن فيه بأمره، وليبتغوا من فضله بأنواع التجارات والمكاسب؛ لعلهم يشكرونه على تسخيره البحر ويثنون عليه، ويهتدون إلى الصانع سبحانه وتعالى من خلال مصنوعاته، قال عز وجل: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الجاثية: ١٢].
وفي الآية دلالة على أن من حكم تسخير البحر للناس: حملهم على الاعتراف لله بالعبودية، ونبذهم إشراك غيره فيها، وشكره والثناء عليه.
ومنها: أنه سبحانه وتعالى بين لعباده ما منحهم في آيات الليل والنهار من المصالح والمنافع؛ كي يتفكروا فيهما ويستدلوا بهما على وحدانيته وقدرته الباهرة؛ فيشكرونه ويثنون عليه ويفردونه بالعبادة.
قال سبحانه وتعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [القصص: ٧٣].
ومن آياته الدالة على تفرده بالألوهية والتي انتفع بها الشاكرون، توجيه الرياح إلى بلد محتاج إلى المطر، فتحيا به البلاد والعباد.
قال سبحانه وتعالى: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الروم: ٤٦].
أي: «من آياته أشياء يقضي كل عقل بأنها لا مشاركة للأوثان فيها، وهو ما في الريح من المنافع ، وذلك أنها بشرى بالمطر، ويذيق الله بها المطر، ويلقح بها الشجر، وغير ذلك، ويجري بها السفن في البحر، ويبتغي الناس بها فضل الله في التجارات في البحر، وفي ذرو الأطعمة، وغير ذلك»88.
فالشكر والتفكر قرينان، فالتفكر يغذي الشكر؛ لأنه يمد الشاكرين بدلائل الوحدانية والقدرة الباهرة، فيشكرون الرب ويفردونه بالعبادة.
أخبر سبحانه وتعالى في كتابه عن نماذج شكرت نعمه فأثنى عليها، وألقى في قلوب عباده المؤمنين الثناء عليهم، وأخبر عن الجاحدين نعمه وكيف سلبها منهم، وفي هذا المبحث نبين نماذج شاكرة لنعم الله، ونماذج غير شاكرة لنعمه؛ لنقتدي بالأولى، ونتجنب عاقبة الثانية:
أولًا :نماذج شاكرة:
أثنى الله سبحانه وتعالى على الرسل والأنبياء الشاكرين لنعمه بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم في كتابه الكريم؛ ليقتدي بهم المؤمنون في شكرهم ويتابعونهم عليه، ومن هؤلاء:
١. نوح عليه السلام.
الذي أثنى الله عليه بأنه كان عبدًا شكورًا بقلبه ولسانه وجوارحه.
قال سبحانه وتعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ L M ﭾ) [الإسراء: ٣].
عن مجاهدٍ رحمه الله قال عن نوح عليه السلام: «لم يأكل شيئًا قط إلا حمد الله عز وجل، ولم يشرب شرابًا قط إلا حمد الله عليه، ولم يمش مشيًا قط إلا حمد الله عليه، ولم يبطش بشيءٍ قط إلا حمد الله عليه؛ فأثنى الله عز وجل عليه أنه كان عبدًا شكورًا»89.
وفي هذا المعنى روى مسلم بسنده عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها)90.
وفي الآية دلالة على أن من يعبد الله فقد شكره، ومن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته.
٢. إبراهيم عليه السلام.
أثنى الله على خليله إبراهيم عليه السلام فقال: (ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [النحل: ١٢١].
كان عليه السلام يخلص الشكر لله فيما أنعم عليه، ولا يجعل معه في شكره في نعمه عليه شريكًا من الآلهة والأنداد وغير ذلك، كما يفعل مشركو قريش91.
وفي الآية أوثر صيغة جمع القلة؛ للإيذان بأنه عليه السلام كان لا يخل بشكر النعمة القليلة، فكيف بالكثيرة؟!92.
٣. موسى عليه السلام.
أمر سبحانه وتعالى موسى عليه السلام أن يأخذ ما أعطاه من أمره ونهيه، وأن يتمسك به، وأن يعمل به، وأن يكون من الشاكرين له سبحانه وتعالى على ما آتاه من رسالته، واختصاصه بكلامه، قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الأعراف: ١٤٤].
«وأمر الله سبحانه وتعالى لموسى بأخذ ما آتاه، والشكر على الاصطفاء والعطاء، فهو أمر التعليم والتوجيه لما ينبغي أن تقابل به نعمة الله. والرسل صلوات الله وسلامه عليهم قدوة للناس، وللناس فيهم أسوة، وعلى الناس أن يأخذوا ما آتاهم الله بالقبول والشكر؛ استزادة من النعمة، وإصلاحًا للقلب، وتحرزًا من البطر، واتصالًا بالله»93.
وقد قام عليه السلام لله مقامات عظيمة في مقابلة أعدى عدو له وهو فرعون، وصدع بأمره، وعالج أمتي القبط وبني إسرائيل أشد المعالجة، وتحمل في سبيل ذلك الأذى؛ وصبر عليه ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى، وكان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يصبر نفسه بما حدث لأخيه موسى عليه السلام ويقول: (يرحم الله موسى؛ لقد أوذي بأكثر من هذا ، فصبر)94.
٤. محمد صلى الله عليه وسلم.
أمر الله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعبادة ربه وحده لا شريك له، وأن يكون من الشاكرين لنعمه، قال سبحانه وتعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الزمر: ٦٦].
فامتثل صلى الله عليه وسلم أمر ربه ، وقام بمقام الشكر حق القيام؛ ففي مقام العبادة قام بين يدي ربه حتى تورمت قدماه الشريفتان.
روى البخاري بسنده عن زيادٍ هو ابن علاقة أنه سمع المغيرة يقول: (قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا)95.
وأوصى معاذًا فيما رواه أبو داود عن معاذ بن جبلٍ، أن رسول صلى الله عليه وسلم أخذ بيده، وقال: (يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاةٍ تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)96.
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباسٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: (رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى إلي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكارًا، لك ذكارًا) 97.
وفي تبليغ الرسالة: لما نزل عليه: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المدثر: ١-٤].
شمر عن ساق الدعوة، وقام في ذات الله أتم قيام، ودعا إلى الله ليلا ونهارا، وسرا وجهارا، ولما نزل عليه: (ﭞ ﭟ ﭠ) [الحجر: ٩٤].
فصدع بأمر الله ، لا تأخذه فيه لومة لائم، فدعا إلى الله الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، والأحمر والأسود، والجن والإنس98.
وفي هذا المعنى يقول سيد قطب رحمه الله: «إنه النداء العلوي الجليل، للأمر العظيم الثقيل، نذارة هذه البشرية وإيقاظها، وتخليصها من الشر في الدنيا، ومن النار في الآخرة، وتوجيهها إلى طريق الخلاص قبل فوات الأوان، وهو واجب ثقيل شاق، حين يناط بفرد من البشر -مهما يكن نبيًا رسولا- فالبشرية من الضلال والعصيان والتمرد والعتو والعناد والإصرار والالتواء والتفصي من هذا الأمر، بحيث تجعل من الدعوة أصعب وأثقل ما يكلفه إنسان من المهام في هذا الوجود، (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ)، والإنذار هو أظهر ما في الرسالة، فهو تنبيه للخطر القريب الذي يترصد للغافلين السادرين في الضلال وهم لا يشعرون، وفيه تتجلى رحمة الله بالعباد، وهم لا ينقصون في ملكه شيئا حين يضلون، ولا يزيدون في ملكه شيئا حين يهتدون؛ غير أن رحمته اقتضت أن يمنحهم كل هذه العناية ليخلصوا من العذاب الأليم في الآخرة، ومن الشر الموبق في الدنيا، وأن يدعوهم رسله ليغفر لهم ويدخلهم جنته من فضله»99.
هذا غيض من فيض من شكره صلى الله عليه وسلم، وإلا فهو سيد الشاكرين.
ثانيًا: نماذج غير شاكرة:
هذان نموذجان لقرى غير شاكرة لأنعم الله، وبيان كيف سلب الله نعمه منهم:
١. قرية كانت آمنة.
أخبر سبحانه وتعالى عن بلدة كانت في أمان من الاعتداء، واطمئنان من ضيق العيش، يأتيها رزقها هنيئًا سهلا من كل جهة، فجحد أهلها نعم الله عليهم، وأشركوا به، ولم يشكروا له، فعاقبهم الله بالجوع، والخوف.
قال سبحانه وتعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النحل: ١١٢].
قال ابن عباس ومجاهد وابن زيد وقتادة رحمهم الله: «والقرية المضروب بها المثل مكة، كانت بهذه الصفة التي ذكر الله؛ لأنها كانت لا تغزى ولا يغير عليها أحد، وكانت الأرزاق تجلب إليها، وأنعم الله عليها برسوله، فكفروا بأنعم الله في ذلك وفي جملة الشرع والهداية، فأصابتهم السنون والخوف، وسرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزواته»100.
«وإن من أشنع ما كانوا يصنعون تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه منهم، وذلك أظهر في معنى الإنعام عليهم والرفق بهم»101.
وفي الآية دلالة على أن عدم شكر نعم الله سبب لزوالها عن أهلها.
٢. قبيلة سبأ.
قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ ﮋﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [سبأ: ١٥-١٩].
سبأ قبيلة معروفة في أداني اليمن، ومسكنهم بلدة يقال لها : (مأرب)، ومن نعم الله ولطفه بالناس عمومًا، وبالعرب خصوصًا، أنه قص في القرآن أخبار المهلكين والمعاقبين، ممن كان يجاور العرب، ويشاهد آثاره، ويتناقل الناس أخباره؛ ليكون ذلك أدعى إلى التصديق، وأقرب للموعظة، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)، أي: محلهم الذي يسكنون فيه (ﭖ)، والآية هنا: ما أدر الله عليهم من النعم، وصرف عنهم من النقم، الذي يقتضي ذلك منهم، أن يعبدوا الله ويشكروه. ثم فسر الآية بقوله: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) وكان لهم وادٍ عظيم، تأتيه سيول كثيرة، وكانوا قد بنوا سدًا محكما، يكون مجمعًا للماء، فكانت السيول تأتيه، فيجتمع هناك ماء عظيم، فيفرقونه على بساتينهم، التي عن يمين ذلك الوادي وشماله. وتغل لهم تلك الجنتان العظيمتان من الثمار ما يكفيهم، ويحصل لهم به الغبطة والسرور، فأمرهم الله بشكر نعمه التي أدرها عليهم من وجوه كثيرة:
منها: هاتان الجنتان اللتان غالب أقواتهم منهما.
ومنها: أن الله جعل بلدهم بلدة طيبة، لحسن هوائها، وقلة وخمها، وحصول الرزق الرغد فيها.
ومنها: أن الله سبحانه وتعالى وعدهم -إن شكروه- أن يغفر لهم ويرحمهم؛ ولهذا قال: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ).
ومنها: أن الله لما علم احتياجهم في تجارتهم ومكاسبهم إلى الأرض المباركة -الظاهر أنها قرى صنعاء، قاله غير واحد من السلف، وقيل: إنها الشام- هيأ لهم من الأسباب ما به يتيسر وصولهم إليها، بغاية السهولة، من الأمن، وعدم الخوف، وتواصل القرى بينهم وبينها، بحيث لا يكون عليهم مشقة، بحمل الزاد والمزاد.
ولهذا قال: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)، أي: سيرا مقدرا يعرفونه، ويحكمون عليه، بحيث لا يتيهون عنه (ﮓ ﮔ ﮕ)، أي: مطمئنين في السير في تلك الليالي والأيام، غير خائفين، وهذا من تمام نعمة الله عليهم، أن أمنهم من الخوف، فأعرضوا عن المنعم، وعن عبادته، وبطروا النعمة، وملوها، حتى إنهم طلبوا وتمنوا أن تتباعد أسفارهم بين تلك القرى، التي كان السير فيها متيسرًا، (ﮜ ﮝ) بكفرهم بالله وبنعمته.
فعاقبهم الله سبحانه وتعالى بهذه النعمة، التي أطغتهم، فأبادها عليهم، فأرسل عليها سيل العرم، أي: السيل المتوعر، الذي خرب سدهم، وأتلف جناتهم، وخرب بساتينهم، فتبدلت تلك الجنات ذات الحدائق المعجبة، والأشجار المثمرة، وصار بدلها أشجار لا نفع فيها، ولهذا قال: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)، أي: شيء قليل من الأكل الذي لا يقع منهم موقعا (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)، وهذا كله شجر معروف، وهذا من جنس عملهم.
فكما بدلوا الشكر الحسن بالكفر القبيح، بدلوا تلك النعمة بما ذكر، ولهذا قال: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)، أي: وهل نجازي جزاء العقوبة -بدليل السياق- إلا من كفر بالله وبطر النعمة؟! فلما أصابهم ما أصابهم، تفرقوا وتمزقوا، بعدما كانوا مجتمعين، وجعلهم الله أحاديث يتحدث بهم، وأسمارًا للناس، وكان يضرب بهم المثل، فيقال: «تفرقوا أيدي سبأ»، فكل أحد يتحدث بما جرى لهم، ولكن لا ينتفع بالعبرة فيهم إلا من قال الله: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ).
صبار على المكاره والشدائد، يتحملها لوجه الله، ولا يتسخطها ، بل يصبر عليها، شكور لنعمة الله سبحانه وتعالى يقر بها ويعترف، ويثني على من أولاها، ويصرفها في طاعته، فهذا إذا سمع بقصتهم، وما جرى منهم وعليهم، عرف بذلك أن تلك العقوبة جزاء لكفرهم نعمة الله، وأن من فعل مثلهم فعل به كما فعل بهم، وأن شكر الله سبحانه وتعالى حافظ للنعمة، دافع للنقمة، وأن رسل الله صادقون فيما أخبروا به، وأن الجزاء حق، كما رأى أنموذجه في دار الدنيا102.
أطلق الله جزاء الشاكرين ولم يقيده، ففي سياق الحديث عن الذين ثبتوا على الإيمان حين أشاع الأعداء مقتل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد.
قال سبحانه وتعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [آل عمران: ١٤٤].
قوله: (ﮎ ﮏ ﮐ)، أي: الذين صبروا وقاتلوا واستشهدوا؛ لأنهم بذلك شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام103، فهم الذين يعرفون مقدار النعمة التي منحها الله لعباده في إعطائهم هذا المنهج، فيشكرونها باتباع المنهج، ويشكرونها بالثناء على الله، ومن ثم يسعدون بالمنهج؛ فيكون هذا جزاء طيبًا على شكرهم، ثم يسعدون بجزاء الله لهم في الآخرة، وهو أكبر وأبقى104.
وقد ذكر الطبري بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في تفسير هذه الآية: (الشاكرون) الثابتون على دينهم، أبو بكر وأصحابه، وكان يقول: «أبو بكر أمير الشاكرين»، وهذه عبارة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنما هي إلى صدع أبي بكر رضي الله عنه بهذه الآية في يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم وثبوته في ذلك الموطن، وثبوته في أمر الردة.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قبض وشاع موته، هاج المنافقون وتكلموا، وهموا بالاجتماع والمكاشفة، أوقع الله سبحانه وتعالى في نفس عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبض ، فقام بخطبته المشهورة المخوفة للمنافقين برجوع النبي صلى الله عليه وسلم، ففت ذلك في أعضاد المنافقين وتفرقت كلمتهم، ثم جاء أبو بكر بعد أن نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسمع كلام عمر فقال له: «اسكت»، فاستمر عمر في كلامه، فتشهد أبو بكر فأصغى الناس إليه، فقال: «أما بعد فإنه من كان يعبد الله تعالى فإن الله حي لا يموت ، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات،(ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ)»، وتلا الآية كلها.
فبكى الناس ولم يبق أحد إلا قرأ الآية، كأن الناس ما سمعوها قبل ذلك اليوم، قالت عائشة رضي الله عنها: «فنفع الله بخطبة عمر، ثم بخطبة أبي بكر»، فهذا من المواطن التي ظهر فيها شكر أبي بكر وشكر الناس بسببه105.
وفي هذه الآية الكريمة إرشاد من الله سبحانه وتعالى لعباده أن يكونوا بحالة لا يزعزعهم عن إيمانهم أو عن بعض لوازمه فَقْدُ رئيسٍ ولو عَظُم، وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدين بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه، إذا فقد أحدهم قام به غيره، وأن يكون عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله، والجهاد عنه، بحسب الإمكان، لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس، فبهذه الحال يستتب لهم أمرهم، وتستقيم أمورهم.
وفي هذه الآية أيضًا أعظم دليل على فضيلة الصديق الأكبر أبي بكر، وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم هم سادات الشاكرين106.
ووعد سبحانه وتعالى من طلب بعمله الجزاء منه في الآخرة أن يمنحه ما طلبه، ويؤتيه جزاءه وافرًا مع ما له في الدنيا من رزق مقسوم؛ لأنه شكر الله بطاعته وجهاده.
قال سبحانه وتعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ) [آل عمران: ١٤٥].
أي: من كان عمله للدنيا فقط نال منها ما قدره الله له، ولم يكن له في الآخرة نصيب، ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه الله منها مع ما قسم له في الدنيا، كما قال سبحانه وتعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الشورى: ٢٠].
وقال سبحانه وتعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الإسراء: ١٩].
وقوله: (ﮪ ﮫ)، أي: سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم107.
وليس المراد أن من أراد ثواب الدنيا وحظوظها يحرم من ثواب الآخرة وحظوظها؛ فإن الأدلة الشرعية دلت على أن إرادة خير الدنيا مقصد شرعي حسن، وهل جاءت الشريعة إلا لإصلاح الدنيا، والإعداد لحياة الآخرة الأبدية الكاملة.
قال الله سبحانه وتعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [آل عمران: ١٤٨].
وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [التوبة: ٥٢].
أي: الغنيمة أو الشهادة، وجملة: (ﮪ ﮫ)، تذييل يعم الشاكرين ممن يريد ثواب الدنيا، ومن يريد ثواب الآخرة، ويعم الجزاء كل بحسبه108.
قال ابن فورك: وفيه إشارة إلى أنهم ينعمهم الله بنعيم الدنيا، ولا يقصرهم على نعيم الآخرة109.
أولًا : الثمرات الدنيوية:
١. الهداية إلى الحق.
قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنعام: ٥٣].
أي: ابتلينا واختبرنا وامتحنا بعضهم ببعض، ليقولوا: أهؤلاء من الله عليهم من بيننا، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان غالب من اتبعه في أول بعثته ضعفاء الناس، من الرجال والنساء والعبيد والإماء، ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل، والغرض أن مشركي قريش كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم، ويعذبون من يقدرون عليه منهم، وكانوا يقولون: أهؤلاء من الله عليهم من بيننا؟! أي: ما كان الله ليهدي هؤلاء إلى الخير، لو كان ما صاروا إليه خيرًا لم يدعنا.
وقال في جوابهم: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ)، أي: أليس هو أعلم بالشاكرين له، بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم، فيوفقهم ويهديهم سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم.
وكذلك ابتلى الله سبحانه وتعالى بعض عباده ببعض بتباين حظوظهم من الأرزاق والأخلاق، فجعل بعضهم غنيًا وبعضهم فقيرًا، وبعضهم قويًا وبعضهم ضعيفًا، فأحوج بعضهم إلى بعض اختبارًا منه لهم بذلك؛ ليقول الكافرون الأغنياء: أهؤلاء الضعفاء من الله عليهم بالهداية إلى الإسلام من بيننا؟! أليس الله سبحانه وتعالى بأعلم بمن يشكرون نعمته، فيوفقهم إلى الهداية لدينه؟110.
في الآية دلالة على أن الله تعالى بحكمته يقيم العبد في مقامه الذي يليق به.
٢. حفظ النعم من الزوال.
قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الأنفال: ٥٣- ٥٤].
«يخبر تعالى عن تمام عدله وقسطه في حكمه بأنه سبحانه وتعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد، إلا بسبب ذنب ارتكبه، كقوله سبحانه وتعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الرعد: ١١].
وقوله: (ﭥ ﭦ ﭧ) أي: كصنعه بآل فرعون وأمثالهم، حين كذبوا بآياته، أهلكهم بسبب ذنوبهم وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم، من جنات وعيون وزروع وكنوز ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، وما ظلمهم الله في ذلك ، بل كانوا هم الظالمين»111.
فقد أزال الله عنهم ما هم فيه من النعم والنعيم، بسبب ذنوبهم وتغييرهم ما بأنفسهم، فإن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم من نعم الدين والدنيا، بل يبقيها ويزيدهم منها، إن ازدادوا له شكرًا112.
ومن تأمل ما قص الله في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نعمه عنهم، وجد سبب ذلك جميعه إنما هو مخالفة أمره وعصيان رسله، وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره، وما أزال الله عنهم من نعمه، وجد ذلك كله من سوء عواقب الذنوب، فما حفظت نعمة الله بشيء قط مثل طاعته، ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شكره، ولا زالت عن العبد نعمة بمثل معصيته لربه؛ فإنها نار النعم التي تعمل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس، ومن سافر بفكره في أحوال العالم استغنى عن تعريف غيره له113.
فشكر النعم وثيقة تأمين إلهية تحفظ النعم من زوالها.
٣. زيادة النعم.
في سياق الحديث عن إنجاء المؤمنين مع موسى عليه السلام.
قال سبحانه وتعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [إبراهيم: ٧].
قال الربيع: أخبرهم موسى عن ربه أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله، وأوسع لهم من الرزق، وأظهرهم على العالم114.
قوله: (ﭰ ﭱ ﭲ)، أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، (ﭴ ﭵ)، أي: كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها (ﭶ ﭷ ﭸ)، وذلك بسلبها عنهم، وعقابه إياهم على كفرها115.
وعن علي رضي الله عنه قال: «إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر معلق بالمزيد، وهما مقرونان جميعًا، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد»116.
«إن شكر النعمة دليل على استقامة المقاييس في النفس البشرية، فالخير يشكر؛ لأن الشكر هو جزاؤه الطبيعي في الفطرة المستقيمة، هذه واحدة، والأخرى أن النفس التي تشكر الله على نعمته، تراقبه في التصرف بهذه النعمة، بلا بطر، وبلا استعلاء على الخلق، وبلا استخدام للنعمة في الأذى والشر والدنس والفساد، وهذه وتلك مما يزكي النفس، ويدفعها للعمل الصالح، وللتصرف الصالح في النعمة بما ينميها، ويبارك فيها، ويرضي الناس عنها وعن صاحبها، فيكونون له عونًا، ويصلح روابط المجتمع؛ فتنمو فيه الثروات في أمان، إلى آخر الأسباب الطبيعية الظاهرة لنا في الحياة، وإن كان وعد الله بذاته يكفي لاطمئنان المؤمن -أدرك الأسباب أولم يدركها- فهو حق واقع؛ لأنه وعد الله»117.
٤. النجاة من الهلاك.
قال سبحانه وتعالى: (ﭻ ﮊ ﮋﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [القمر: ٣٤-٣٥].
أي: وكما أثبنا لوطا وآله، وأنعمنا عليه، فأنجيناهم من عذابنا بطاعتهم إيانا، كذلك نثيب من شكرنا على نعمتنا عليه، فأطاعنا وانتهى إلى أمرنا118.
٥. الأمن من عذاب الله.
قال سبحانه وتعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)[النساء: ١٤٧].
ما يصنع الله -أيها المنافقون- بعذابكم، إن أنتم تبتم إلى الله، فشكرتموه على ما أنعم عليكم من نعمه في أنفسكم وأهاليكم وأولادكم، بالإنابة إلى توحيده والاعتصام به، وإخلاصكم أعمالكم لوجهه، وترك رياء الناس بها، وآمنتم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم فصدقتموه، وأقررتم بما جاءكم به من عنده ، فعملتم به. فلا حاجة بالله أن يجعلكم في الدرك الأسفل من النار إن أنتم أنبتم إلى طاعته، وعملتهم بما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه؛ لأنه لا يجتلب بعذابكم إلى نفسه نفعًا، ولا يدفع عنها ضرًا، وإنما عقوبته من عاقب من خلقه جزاءً منه على خلافه أمره ونهيه، وكفرانه شكر نعمه عليه، فإن أنتم شكرتم له على نعمه، وأطعتموه في أمره ونهيه، فلا حاجة به إلى تعذيبكم، بل يشكر لكم ما يكون منكم من طاعة له وشكر، بمجازاتكم على ذلك بما تقصر عنه أمانيكم فلم تبلغه آمالكم119.
ثانيًا : الثمرات الأخروية:
قال سبحانه وتعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ) [آل عمران: ١٤٥].
أي: ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ما وعده مع ما يجرى عليه من رزقه في دنياه120.
ولما دخل أهل الجنة إلى منازلهم ورأوا نعيمها وما أعده الله لهم فيها، قالوا: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [فاطر: ٣٤].
قوله سبحانه وتعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) «ثناء على الله، شكروا به نعمة السلامة، أثنوا عليه بالمغفرة؛ لما تجاوز عما اقترفوه من اللمم وحديث الأنفس، ونحو ذلك مما تجاوز الله عنه بالنسبة للمقتصدين والسابقين؛ ولما تجاوز عنه من تطويل العذاب وقبول الشفاعة بالنسبة لمختلف أحوال الظالمين أنفسهم، وأثنوا على الله بأنه شكور؛ لما رأوا من إفاضته الخيرات عليهم ومضاعفة الحسنات مما هو أكثر من صالحات أعمالهم»121.
موضوعات ذات صلة: |
الجزاء، الحمد، المدح |
1 انظر: العين، الفراهيدي ٥/٢٩٢، تهذيب اللغة، الأزهري ١٠/١٠، أساس البلاغة، الزمخشري ١/٥١٦، لسان العرب، ابن منظور ٤/٤٢٣، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر ٢/١٢٢٥.
2 انظر: الكليات، الكفوي ص٥٣٥.
3 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٦١.
4 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٦١.
5 انظر: العين، الفراهيدي ٥/٢٩٢، جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/٧٣٢، الصحاح، الجوهري ٢/٧٠٢، المخصص، ابن سيده ٣/٤٢٤.
6 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الشين، ص٦٦٩-٦٧١.
7 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/١٠٠.
8 بدائع الفوائد، ابن القيم ٢/٩٣.
9 انظر: غريب القرآن، ابن قتيبة ص٢٠.
10 انظر: تفسير القرآن، أبو المظفر السمعاني ١/٣٥، الكشاف، الزمخشري ١/٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٢٨.
11 التعريفات، الجرجاني ص٧٢.
12 انظر: شمس العلوم، نشوان الحميرى ٢/٨٩٥.
13 الكليات، الكفوي ص٣٢٤.
14 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص٢٠١، التعريفات، الجرجاني ص١٢٨.
15 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٩٥٢، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر ٣/٢٢٨١.
16 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٢٧٣.
17 التحرير والتنوير ١٣/١٩١.
18 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣١٤.
19 البحر المحيط ٨/٤٢٣.
20 التحرير والتنوير ٢٥/١٠٦.
21 التحرير والتنوير ٢١/١٥٢.
22 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٦٤.
23 البحر المحيط ٢/١٠٩.
24 الكشاف، الزمخشري ٤/١٤٢.
25 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٢٦.
26 البحر المحيط ٣/٣٦٥.
27 التحرير والتنوير ١٤/٣١٧.
28 البحر المحيط ٧/٤٥٧.
29 التحرير والتنوير ١٧/١٢٢.
30 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨١.
31 المنار، محمد رشيد رضا ٢/٧٨.
32 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٢٣.
33 جامع البيان، الطبري ١٨/٣٧٥.
34 أخرجه البيهقي في الشعب ٢/١١/١، والطبراني في مسند الشاميين، ٢/٩٣/٩٧٤.
وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، رقم ٢٣٧١.
35 شأن الدعاء ص٦٥-٦٦.
36 الحق الواضح المبين ص٧٠.
37 جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٦٤.
38 التحرير والتنوير ٢٢/٣٠٨.
39 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٨٩.
40 المحرر الوجيز ٤/٤٤٠.
41 التحرير والتنوير ٢٥/٨٥.
42 أضواء البيان ٨/٢٠٦.
43 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٦.
44 تفسير البحر المحيط ٤/١١٥.
45 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في فضل الشهادة، رقم ٢٥٢٠.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٢٤، رقم ٥٢٠٥.
46 المحرر الوجيز ٤/٤١٠.
47 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٤٢.
48 المصدر السابق.
49 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب ٣٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، رقم ١٨٦، ١٨٧.
50 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٧٦.
51 التحرير والتنوير ٣٠/٤٠٣.
52 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٢٨.
53 أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب من صنع إليه معروف فليكافئه، رقم ٢١٥.
وصححه الألباني صحيح الأدب المفرد، ص٩٨.
54 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٠/٣٩٠، رقم ١٨٤٤٩.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٣٠١٤.
55 التفسير القيم، ابن القيم ص٥٧٤.
56 جامع البيان، الطبري ١٠/٧٣.
57 التحرير والتنوير ٨ ب/٣٥.
58 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٥٦.
59 المصدر السابق ص٢٨٤.
60 المصدر السابق ص٩٥١.
61 التحرير والتنوير ٢٢/١٦٤.
62 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢٤٤.
63 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١٩٩.
64 المحرر الوجيز ٤/٤١٠.
65 التحرير والتنوير ١٩/٢٧٢.
66 المحرر الوجيز ٨/٢٤١.
67 مدارج السالكين، ابن القيم ٢/٢٥٢.
68 في ظلال القرآن ٥/٢٧٨٨.
69 أخرجه أبو داود في سننه، باب عطية من سأل بالله، ٢/٥٢.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٦٠٢١.
70 فيض القدير، المناوي ٦/٥٥.
71 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/١٢٨.
72 النكت والعيون، الماوردي ٦/١٦٧.
73 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ١٠/٣٦٣.
74 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٧٨٢.
75 جامع البيان، الطبري ١٤/٥٣٧.
76 في ظلال القرآن ٤/٢٢١٨.
77 جامع البيان، الطبري ٧/٦٢٤.
78 المنار، محمد رشيد رضا ٥/٣٨٦.
79 في ظلال القرآن ٢/٧٨٦.
80 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٢٦٦.
81 جامع البيان، الطبري ٣/٢٢٢.
82 في ظلال القرآن ١/١٧٢.
83 المصدر السابق ٢/٨٥٠.
84 تفسير المراغي ٧/١٧.
85 جامع البيان، الطبري ٦/١٦.
86 في ظلال القرآن ١/٤٧٠.
87 جامع البيان، الطبري ١٠/٢٥٨.
88 المحرر الوجيز ٤/٣٤١.
89 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، ٦/٢٥٦، رقم ٤١٣٢.
90 أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب حمد الله سبحانه وتعالى بعد الأكل والشرب، ٢٧٣٤.
91 جامع البيان، الطبري ١٤/٣٩٣.
92 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/١٤٩.
93 في ظلال القرآن ٣/١٣٧٠.
94 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى عليه السلام، رقم ٣٢٢٤.
95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب قيام النبي حتى تتورم قدماه، رقم ٤٤٥٩.
96 أخرجه أبو داود في سننه، باب الاستغفار، ١٥٢٢.
وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم ٧٩٦٩.
97 أخرجه أحمد في مسنده، ٢/٤٥٢، رقم ١٩٩٧.
وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم ٣٤٨٥.
98 زاد المعاد، ابن القيم ٣/١٢.
99 في ظلال القرآن ٦/٣٧٥٤.
100 المحرر الوجيز ٣/٤٢٦.
101 التحرير والتنوير ١٤/٣٠٨.
102 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٧٧.
103 فتح القدير، الشوكاني ١/٤٤٢.
104 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٨٦.
105 المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٥١٧.
106 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٥٠.
107 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١١٣.
108 التحرير والتنوير ٤/١١٥.
109 البحر المحيط ٣/٣٦٧.
110 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٣٣.
111 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٦٩.
112 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٢٤.
113 التفسير القيم، ابن القيم ص٦٠٩.
114 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/١١٨.
115 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤١٢.
116 انظر: الشكر، ابن أبي الدنيا ص١١.
117 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٠٨٩.
118 جامع البيان، الطبري ٢٢/١٤٨.
119 انظر: المصدر السابق ٧/٦٢٤.
120 المصدر السابق ٦/١٠٨.
121 التحرير والتنوير ٢٢/٣١٦.