عناصر الموضوع

التعريف بشعيب عليه السلام

ذكر شعيب عليه السلام في القرآن

معجزة شعيب عليه السلام

معالم دعوة شعيب عليه السلام

موقف قوم شعيب عليه السلام منه

عاقبة قوم شعيب عليه السلام

الدروس المستفادة من قصة شعيب

شعيب عليه السلام

التعريف بشعيب عليه السلام

أولًا: اسمه ونسبه:

هو نبي الله شعيب عليه السلام، وشعيب تصغير شعب أو شعب بكسر الشين وفتحها1.

وقيل: هو اسم مرتجل، وهو ابن نويلى أو نويب بن رعويل بن عيفا بن مدين : ومدين هو ابن إبراهيم عليه السلام2.

وقد اختلف المفسرون في الذي زوج ابنته موسى عليه السلام، فبينما يرى جمع أنه ليس هو شعيب النبي ، ويجزم ابن عاشور بأنه هو ، وأن موسى قد تزوج ابنته المسماة صفوره3.

وإلى مثله ذهب الدكتور عبد الكريم زيدان حيث قال: (أرسل الله تعالى رسوله شعيبا إلى مدين، ثم استشهد بقوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [القصص: ٢٣].

وقال: وهم أصحاب الأيكة، فدعاهم شعيب عليه السلام إلى عبادة الله وحده)4.

وهذا فيه نظر ؛ فإن موسى قد جاء بعد شعيب عليهما السلام بعشرات السنين5.

وقد فصل الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى هذه المسألة في رسالة خاصة بقصة شعيب عليه السلام، فبعد أن نقل الأقوال عن كتب التفسير وغيرها قال: فهذه كتب التفسير التي تروي بالأسانيد المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لم يذكر فيها عن أحد أنه شعيب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن نقلوا بالأسانيد الثابتة عن الحسن البصري أنه قال: يقولون : إنه شعيب ، وليس بشعيب ، ولكنه سيد الماء يومئذٍ6.

فالحسن يذكر أنه شعيب عمن لا يعرف ، ويرد عليهم ذلك ، ويقول : ليس هو شعيب، وإن كان الثعلبي قد ذكر أنه شعيب فلا يلتفت إلى قوله ؛ فإنه ينقل الغث والسمين7.

فمن جزم بأنه شعيب النبي فقد قال : ما ليس له به علم وما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عمن يحتج بقوله من علماء المسلمين ،وخالف في ذلك ما ثبت عن ابن عباس والحسن البصري ، مع مخالفته أيضًا لأهل الكتابين، فإنهم متفقون على أنه ليس هو شعيب النبي، فإن ما في التوراة التي عند اليهود والإنجيل الذي عند النصارى أن اسمه يثرون، وليس لشعيب النبي عندهم ذكر في التوراة.

وقد ذكر غير واحد من العلماء أن شعيبًا كان عربيًا، بل قد روي عن أبي ذر مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو حاتم وغيره: ( أن شعيبًا كان عربيًا، وكذلك هود وصالح)8.

وموسى كان عبرانيًا، فلم يكن يعرف لسانه، وظاهر القرآن يدل على مخاطبة موسى للمرأتين وأبيهما بغير ترجمان9.

وذكر القرطبي أن اسم شعيب بالسريانية بيروت، ونقل أقوالا في نسبه، واختلافًا في اسم أبيه، وكذا فعل الشوكاني وغيرهما من المفسرين، ولسنا بحاجة إلى الوقوف عند هذا طويلًا، مع أن الكثيرين عدوه من ولد مدين بن إبراهيم عليهم السلام10.

وبعد أن نقل رشيد رضا رحمه الله تعالى ما في الأسفار من أقوال في اسمه ونسبه قال: وأما علماؤنا فقال بعضهم كأبي عبيدة من حملة اللغة والبخارى من المحدثين والمؤرخين: إن مدين بلدٌ11.

وإن قوله تعالى: (ﭩ ﭪ) فيه حذف المضاف : إلى أهل مدين، وهو غلطٌ. وأما شعيبٌ فقد قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم عليه السلام12.

وقيل: إن جده يشجر بن لاوى بن يعقوب عليهم السلام ،وقال الحافظ في الفتح: هو شعيب بن ميكيل بن يشجر بن لاوى بن يعقوب. كذا قال ابن إسحاق ، ولا يثبت.

وقيل: هو شعيب بن صفور بن عنقا بن ثابت بن مدين ، وكان مدين ممن آمن بإبراهيم لما أحرق.

وروى ابن حبان في حديث أبي ذرٍ الطويل: «أربعةٌ من العرب : هودٌ وصالحٌ وشعيبٌ ومحمدٌ». فعلى هذا هو من العرب الخلص13.

ولا يترتب على هذا الخلاف كبير فائدة ولا عظيم أهمية، إذ لا تأثير لذلك على ما نحن بصدده من بيان هدايات هذه القصة.

وذكر بعض المفسرين في وصفه بالضعف في قوله تعالى حكاية عن قومه: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [هود: ٩١]: أنه كان ضرير البصر أعمى، أو أنه كان ناحل البدن، قال ابن عطية بعد أن نقل قول من قال بذلك: وهذا كله ضعيف، ولا تقوم عليه حجة بضعف بصره أو بدنه، والظاهر من قولهم: () أنه ضعيف الانتصار والقدرة، وأن رهطه الكفرة كانوا يراعون فيه14.

وقد كان شعيب عليه السلام من المرسلين المؤيدين بالمعجزة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)15.

واختلف في معجزته؛ لأن الله تعالى لم يذكرها صراحة، لكنه قال على لسانه: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الأعراف: ٨٥].

فما هي هذه البينة؟ الظاهر أنها معجزة قامت بها الحجة عليهم لم يذكرها القرآن الكريم، كما أنه لم يذكر معجزة هود ونوح عليهم السلام.

ونبي الله شعيب هو خطيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد جاء ذلك في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن محمد بن إسحاق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فيما ذكر لي يعقوب بن أبي سلمة ـ إذا ذكر شعيبا قال: (ذاك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه، فيما يرادهم به)16.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول: كان شعيب عليه الصلاة والسلام خطيب الأنبياء17.

وهذه فضيلة مهمة لسيدنا شعيب عليه السلام، لاسيما في باب النصح الذي اتسمت به دعوته، ولا يخفى ما للخطيب المفوه من قدرة على إقناع المستمعين، وإقامة الحجة على المعاندين، بحيث لا يجدون فكاكا عن أحد الأمرين، إما الإيمان به وإجابته، وإما إلزامهم بصدق دعوته.

ثانيًا: قوم شعيب:

نجد في قصة شعيب عليه السلام التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم ذكر أهل مدين وأصحاب الأيكة، وذلك في قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأعراف: ٨٥].

وقوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الشعراء: ١٧٦-١٧٧].

ونظرائها من الآيات.

فهل أهل مدين هم أصحاب الأيكة، أم هما قومان، وأن شعيبا عليه السلام قد أرسل إليهما؟

اختلف العلماء في ذلك على قولين، فمنهم من يرى الأول ،ومنهم من يرى الثاني، ولكل دليله على ما ذهب إليه، وسنختصر القول في ذلك، إذ لا يترتب على هذا الخلاف كبير ثمرة في ما نحن بصدده من عرض قصة شعيب عليه السلام، وبيان دعوته وأمانته في تبليغ رسالة ربه، فهو قد صدق في النصح لقومه سواء كانوا أمة واحدة أم أمتين مختلفتين ، فنقول:

ذهب الإمام الطبري إلى أنهما أمتان ، وأن شعيبا أرسل إليهما ، فكفرتا ، فعذبهما الله تعالى بعذابين مختلفين، أهل مدين بالصيحة، وأصحاب الأيكة بالظلة18، كذا نقله ابن عطية عن الطبري وسكت عنه، فكأنه ارتضاه19.

ويستفاد من كلام الرازي أنه يقول بذلك، فإنه بعد أن بين أن الضمير في قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ) [الحجر: ٧٩] يعود إلى أصحاب مدين والأيكة ، لأن شعيبا كان مبعوثا إليهما ، قال: فإن قيل: هلا قال :أخوهم شعيب ، كما في سائر المواضع؟ جوابه: إن شعيبا لم يكن من أصحاب الأيكة20.

وقال في تفسير سورة الشعراء: وروي أن شعيبا بعث إلى أمتين أصحاب مدين وأصحاب الأيكة21.

وبعد أن بين الألوسي معنى الأيكة وأنها الغيضة التي تنبت ناعم الشجر ، قال: وهي غيضة من ساحل البحر إلى مدين يسكنها طائفة، وكانوا ممن بعث إليهم شعيب عليه السلام ، وكان أجنبيا منهم، ولذلك قيل (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) ولم يقل أخوهم، وقيل: الأيكة الشجر الملتف ، وكان شجرهم الدوم ، وهو المقل، وعلى القولين أصحاب الأيكة غير أهل مدين، ومن غريب النقل عن ابن عباس أنهم هم أصحاب مدين22.

وانتصر لهذا ابن عاشور فبعد أن نقل بعض أقوال العلماء في ذلك قال: «والأظهر أن أهل الأيكة قبيلة غير مدين، فإن مدين هم أهل نسب شعيب ، وهم ذرية مدين بن إبراهيم من زوجه (قطورة)، سكن مدين في شرق بلد الخليل ، كما في التوراة ، فاقتضى ذلك أنه وجده بلدا مأهولا بقوم فهم إذن أصحاب الأيكة، فبنى مدين وبنوه المدينة، وتركوا البادية لأهلها، وهم سكان الغيضة»23.

وذكر الدكتور أحمد الكبيسي تحت عنوان رسالة جديدة: «إن الله بعد أن أهلك مدين ونجا شعيبا عليه السلام أرسله مرة أخرى إلى أصحاب الأيكة، وكان غريبا عنهم ، لذا لم يقل تعالى ، أخوهم شعيب، وكانت أخلاقهم كأخلاق أهل مدين من تطفيف المكيال والميزان، وبخس الناس أشياءهم، والإفساد في الأرض»24.

ويستفاد من كلام الشوكاني أنهما أمة واحدة، حيث قال في تفسير سورة الحجر: وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب ،وقد تقدم خبرهم، واقتصر الله سبحانه على وصفهم بالظلم، وقد فصل ذلك الظلم فيما سبق، ثم قال في عود الضمير () بعد أن ذكر قول الجمهور أنه يعود على قوم لوط وأصحاب الأيكة، وقيل: الضمير للأيكة ومدين ، لأن شعيبا كان ينسب إليهما25.

وأيد هذا الدكتور صلاح الخالدي حيث قال: فالراجح أن شعيبا عليه السلام بعث إلى أهل مدين ، ومدين هم أنفسهم أصحاب الأيكة، وأن الله دمر مدين أصحاب الأيكة بعذاب واحد، هو الرجفة والصيحة والظلة26.

ثم أيد ما ذهب إليه بالتفصيل الذي ذكره الحافظ ابن كثير، وخلص منه إلى أنهما أمة واحدة، وأنها أهلكت بأنواع من العذاب27.

ومما قال ابن كثير: وإنما لم يقل ههنا : أخوهم شعيب ؛ لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة، وهي شجرة ، وقيل: شجر ملتف كالغيضة كانوا يعبدونها، فلهذا لما قال: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) لم يقل : إذ قال لهم أخوهم شعيب، وإنما قال (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) فقطع نسب الأخوة بينهم للمعنى الذي نسبوا إليه، وإن كان أخاهم نسبا، ومن الناس من لم يفطن لهذه النكتة، فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين، فزعم أن شعيبا عليه السلام بعثه الله إلى أمتين28.

أقول: ولعل هذا هو الراجح في هذه المسألة، ويمكن أن نفصل ذلك بأنهما أمة واحدة غير أن بعضا منهم - وهم أهل مدين - كانوا يسكنون المدينة، وأن بعضا آخر - وهم أصحاب الأيكة - كانوا يسكنون الغيضة، ومما يرجح أنهما أمة واحدة أن الله تعالى قد ذكر عن أهل الأيكة من المذمة ما ذكره عن أهل مدين ـ كما يقول ابن كثير ـ من التطفيف في المكيال والميزان29.

فنقرأ في سورة الأعراف قوله تعالى في نصيحة أهل مدين: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأعراف: ٨٥].

وقوله تعالى في سورة الشعراء في نصيحة أصحاب الأيكة: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [الشعراء: ١٨١-١٨٣].

ومما يدل على أن أهل مدين هم أصحاب الأيكة : ما أخرجه الحاكم عن وهب بن منبهٍ قال: إن الله بعث شعيبًا إلى أهل مدين ، وهم أصحاب الأيكة ، فكانت الأيكة من الشجر الملتف، وكانوا أهل كفرٍ بالله وبخسٍ للناس في المكاييل والموازين، وإفسادٍ لأموالهم، وكان الله تعالى وسع عليهم في الرزق وبسط لهم في العيش ؛ استدراجًا منه لهم مع كفرهم به ، فقال لهم شعيبٌ: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) فكان من قول شعيبٍ لقومه وجواب قومه له ما قد ذكر الله في كتابه.30

ونكتفي بهذا القدر فكما قلنا : إن الذي يهمنا هنا هو ما نستخلصه من الدروس والعبر والعظات من قصة شعيب عليه السلام وصدقه في نصح قومه، وذلك يتأتى من كونه عليه السلام مرسلا إلى أمة واحدة أو إلى أمتين، إذ الصدق والإخلاص حاصل في هذا وفي ذاك. والله تعالى أعلم.

[انظر: مدين: التعريف بمدين]

ذكر شعيب عليه السلام في القرآن

ورد ذكر (شعيب) عليه السلام في القرآن الكريم (١١) مرة في (٤) سور.

وأما قصته عليه السلام فقد وردت في السور الآتية:

السورة

الآيات

الأعراف

٨٥-٩٣

هود

٨٤-٩٥

الشعراء

١٧٧-١٩١

العنكبوت

٣٦-٣٧

معجزة شعيب عليه السلام

المعجزة كما عرفها العلماء: أمر خارق للعادة سالم من المعارضة ، يجريه الله تعالى على يد نبي من أنبيائه على سبيل التحدي31.

وهي بمثابة قول الله تعالى: صدق عبدي فيما يبلغ عني.

وما من نبي من أنبياء الله تعالى إلا أيده الله تعالى بمعجزة، تظهر صدقه وتدل على نبوته، كما تقدم في قول النبي المصطفى صلى الله عليه و سلم: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر) الحديث32.

ولكنا وجدنا أن الله تبارك وتعالى قد قص علينا نبأ بعض الأنبياء عليهم السلام، ولم يذكر لنا معجزاتهم، من مثل: نوح وهود وشعيب عليهم السلام، والذي يهمنا أن نقف عنده في هذا البحث هو شعيب عليه السلام، فهل له معجزة؟ وما هي؟

لم نقرأ في قصته التي حكاها الله تعالى في كتابه الكريم على شيء من ذلك إلا قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الأعراف: ٨٥].

فهل هذه البينة هي المعجزة؟ أم له معجزة لم يخبرنا الله تعالى بها؟

من العلماء من يرى أن البينة المذكورة هي المعجزة، ومن هؤلاء الإمام الكسائي فيما نقله القرطبي عنه33، وابن عطية حيث قال: (والبينة إشارة إلى معجزته، وإن كنا نحن لم ينص لنا عليها)34.

وبذلك جزم الرازي حيث قال رحمه الله تعالى: (ويجب أن يكون المراد من البينة ههنا المعجزة، لأنه لا بد لمدعي النبوة منها، وإلا لكان متنبئًا لا نبيًّا)35.

بينما ذهب القرطبي ـ بعد ما نقل عن الكسائي ما تقدم ـ إلى أن الله تعالى لم يذكر له معجزة في القرآن.

وأما الطبري فيرى أن البينة علامة دالة على صدقه حيث قال: «يقول: قد جاءتكم علامة وحجة من الله بحقيقة ما أقول، وصدق ما أدعوكم إليه»36.

وإلى نحو هذا ذهب ابن عاشور، فذكر أنها حجة أقامها على بطلان ما هم عليه من الشرك وسوء الفعل، وعجزوا عن مجادلته فيها فقامت عليهم الحجة، فهي علامة على صدق شعيب عليه السلام37.

وللإمام الألوسي تفصيل في ذلك، فقد فسر البينة بالمعجزة، حيث قال: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ): أي: معجزة عظيمة ظاهرة من مالك أموركم، وقال: ولم تذكر معجزته عليه السلام في القرآن العظيم كما لم تذكر أكثر معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم السلام فيه، ثم بين غلط من ذهب إلى أن شعيبا لم تكن له معجزة وعلل ذلك بأن الفاء في قوله سبحانه: (ﮇ ﮈ ﮉ) لترتيب الأمر على مجيء البينة، وقال: واحتمال كونها عاطفة على (اعبدوا) بعيد، وإن كانت عبادة الله تعالى موجبة للاجتناب عن المناهي التي معظمها بعد الكفر البخس ، فكأنه قيل: قد جاءتكم معجزة شاهدة بصحة نبوتي أوجبت عليكم الإيمان بها والأخذ بما أمرتكم به، فأوفوا.. إلخ.

ودلل على ذلك بأنه لو ادعى مدع النبوة بغير معجزة لم تقبل منه، لأنها دعوى أمر غير ظاهر ، وفيه إلزام للغير ، ومثل ذلك لا يقبل من غير بينة، وقال: ومن الناس من زعم أن البينة نفس شعيب. ومنهم من زعم أن المراد بالبينة : الموعظة ، وأنها نفس () إلخ ، وليس بشيء كما لا يخفى38.

وقال القاسمي: «ولا يخفى أن البينة أعم من المعجزة بعرفهم، فكل من أبطلت شبهة ضلاله، وأظهرت له حجة الحق الذي يدعى إليه فقد جاءته البينة ؛ لأن حقيقة البينة كل ما بين الحق فاحفظه»39.

وسكت عن هذا الدكتور فضل عباس حيث قال: «فقد جاءتهم المعجزة الدالة على صدقه عليه السلام، والقرآن لم يبين لنا نوع هذه الآية التي جاءتهم، فنسكت عما سكت عنه»40.

وإلى مثله ذهب الدكتور عبدالكريم زيدان وقال: «وإن كنا جازمين بأن الله تعالى قد أيده بآية هي البينة التي دلت على أنه رسول من رب العالمين، وبها قامت الحجة على قومه»41.

وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من الأنبياء نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر) الحديث، وقد سبق الاستدلال به42.

والدكتور الخالدي فقد اكتفى بقوله: «(ﮁ ﮂ ﮃ) المراد بالبينة هنا الآية والدليل والبرهان، على أن شعيبا عليه السلام هو رسول الله إليهم، وأنه يجب عليهم اتباعه»43.

وقد ورد في القرآن الكريم ذكر المعجزة بعد ذكر البينة ، كما في قوله تعالى في قصة صالح عليه السلام: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأعراف: ٧٣].

وفي قصة موسى عليه السلام: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) إلى أن قال: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأعراف: ١٠٥-١٠٧].

أقول: ولعل الراجح في هذه المسألة، قول من قال: إن في قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) إشارة إلى معجزة شعيب عليه السلام، وأنها كانت آية ظاهرة لا لبس فيها و لا غموض، دالة بلا امتراء على صدق من جاء بها، والأولى أن نسكت عن الجزم بها ؛ لأن الله تعالى سكت عن ذكرها، ولم يكشف عنها في كتابه الكريم، فنجزم أن شعيبا عليه السلام قد أيده الله تعالى بمعجزة، والله تعالى أعلم بها.

وأما من قال: إن الحجة قامت عليهم بمجرد عجزهم عن مجادلته ففيه نظر، إذ لو كان ذلك كافيا في إثبات نبوته، لثبتت نبوة كثيرين، فكم من صاحب دعوى يعجز الآخرون عن مقارعة حجته!! والله تعالى أدرى بأسرار كلامه.

معالم دعوة شعيب عليه السلام

أولًا: آفاق النصيحة في القرآن الكريم:

لا يخفى أن الله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته ، كما قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)[الذاريات: ٥٦].

ولما علم سبحانه وتعالى أن أمور الخلق لا تستقيم، وأن تلك العبادة لا تتحقق بدون أن يكون هناك تعليم منه وإرشاد، أرسل الرسل وأنزل الكتب، وبذلك قامت حجة الله على عباده.

ولفظ النصح ومشتقاته من الألفاظ الدائرة في الكتاب العزيز، فقد ورد على ألسنة جمع من خلق الله تعالى، من ذلك إحدى عشرة آية جاءت على لسان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مما يدل على أهمية النصيحة في حياة كل أمة.

وقد كان من أولى مهمات الرسل عليهم الصلاة والسلام أن ينصحوا أممهم، ويدعوهم إلى توحيد الله وعبادته، وقد ساروا جميعا في هذا الطريق غير مبالين بما أصابهم في سبيل ذلك من نكبات، وما اعترضهم من عقبات، مبلغين رسالات ربهم على أتم وجه وأكمله، حتى ختمت تلك الرسالات بمسك الختام، سيدنا ونبينا محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام، ذلك النبي الخاتم الذي جاء بالكتاب العظيم الخاتم، (فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم)44.

وقد حكى الله تعالى لنا فيه نصح الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم، فمن ذلك ما حكاه الله تعالى عن نوح عليه السلام في نصح قومه: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ) [الأعراف: ٦٢].

ومثله قول هود لقومه: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأعراف: ٦٨].

وقول صالح: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ) [الأعراف: ٧٩].

وقول شعيب: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف: ٩٣].

والنصيحة: من نصح ينصح نصحا ونصاحة ونصاحية، وهو ناصح ونصيح، والاسم النصيحة، فالنون والصاد والحاء ـ كما يقول ابن فارس ـ أصل يدل على الملائمة بين شيئين وإصلاح لهما، وهي خلاف الغش، ونصحت له ونصحته بمعنى45.

وفي الصحاح: وهو باللام أفصح، قال الله تعالى: (ﮒ ﮓ)46.

وقال الزجاج: وفي الكلام : نصحت لك أكثر من نصحتك47.

فأصل النصح في اللغة: الخلوص، فالنصيحة: كلمة يعبر بها عن جملة، هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها48.

وهي الدعاء إلى ما فيه الصلاح، والنهي عما فيه الفساد، والنصح: إخلاص العمل عن شوائب الفساد49.

قال الأصمعي: الناصح الخالص من العسل وغيره مثل الناصع، وكل شيء خلص فقد نصح50.

وقد كثرت أقوال العلماء في تعريفها وبيان حقيقتها، وخلاصة ذلك أنها: إرادة الخير للمنصوح والإخلاص في ذلك.

وإذا علمنا أن النصح يعني الإخلاص والصدق والنقاء وأنه نقيض الغش، كما تقدم في المعنى اللغوي، فقد كان الأنبياء عليهم السلام كلهم كذلك.

وقد حدثنا القرآن الكريم أنهم أخلصوا النصح لقومهم في آيات بينات واضحات، تقدم ذكر بعضها، فلم يكن شعيب عليه السلام بدعا من الرسل في ذلك، لقد بذل جهده في نصح قومه، لاسيما وأنه خطيب الأنبياء عليهم السلام، ولا يخفى ما للخطابة من ميزة في حسن العرض وجودة التعبير، مما يكون أثر بالغ في إيصال المقصد الأعظم من الرسالة.

فقد أدى المهمة التي أرسل من أجلها على أتم وجه وأكمله.

قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الأنعام: ٤٨-٤٩].

وهكذا صنع شعيب عليه السلام مع قومه، كما أنهم كانوا فريقين تجاه دعوته، (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف: ٨٧].

لقد اشتمل نصح شعيب عليه السلام لقومه على دروس متعددة، وفيه عبر وعظات متنوعة، تستفيد منها الأجيال على مر الدهور وتعاقب العصور، فقد كان نصحا صادقا، صادرا من مخلص مستجمع لما يجب أن يكون عليه الناصحون، ومن حكم الشعر51:

فما كُل ذي نُصْحٍ بمؤْتِيك نُصْحَهُ

ولا كل مُؤْتٍ نُصْحَه بلبيب

ولكن إذا ما استجمعا عند صاحب

فحق له من طاعةٍ بنصيب

فكان حريًا بقومه أن يسمعوا ويطيعوا، ولكن أغلبهم كان على خلاف ذلك، وهكذا هو شأن من لا يحبون الناصحين.

ثانيًا: الدعوة إلى توحيد الله تعالى وعبادته.

إن الإيمان بالله تعالى وتوحيده وإفراده بالعبادة، مقصد مهم من مقاصد خلق الإنسان، ذاك أن الله تعالى هو الذي أنعم على هذا الإنسان وأخرجه بفضله من العدم، ولأهمية العبادة في حياة الإنسان، فقد توجه ربنا تبارك وتعالى بنداء جميع خلقه ، وأمرهم بذلك بلا استثناء، فإنه بعد أن ذكر أصناف الناس في صدر سورة البقرة، أردف ذلك بقوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [البقرة: ٢١].

«والإيمان لغة: التصديق، وشرعًا: تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن ربه»52.

«والإيمان بالله تعالى هو التصديق القاطع الجازم بوجود الله تعالى، كما أخبر سبحانه وتعالى به، واطمئنان القلب وسكون النفس إلى ذلك، بحيث لا يبقى في القلب أدنى مرض وظلمة، ولا في العقل أقل شبهة أو ريبة في وجود الله جل جلاله ووجوب الإيمان به سبحانه، فلو زالت الجبال من مواضعها ما زال إيمان المؤمن عن قلبه، ولو ضل الناس عن الإيمان به سبحانه ثبت هو على إيمانه»53.

فقوله: «ما جاء به عن ربه»، ومثله «كما أخبر سبحانه وتعالى به»، يخرج ما كان عليه المشركون من الاعتراف بوجود الله وإشراكهم غيره معه ، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

«والإيمان بالله عز وجل أساس مسائل العقيدة كلها، وعنه تتفرع بقية الأمور الاعتقادية التي يجب إنهاض العقل للتأمل فيها ، ثم الإيمان بها، وبتعبير آخر نقول: إن ما تراه من حقائق الكون كلها، إنما هو فيض عن حقيقة واحدة كبرى، ألا وهي ذات الله عز وجل، ومن المحال أن تدرك ما هية الحقائق المتفرعة الصغرى قبل أن تدرك منبعها وأصلها الأول، فكان لابد إذًا لكي تستطيع التعرف على الكون من أن تعرف خالقه أولًا»54.

ومن هنا فإن الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى وتوحيده وإفراده بالعبادة، كانت من أبرز مهمات الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهي سمة ظاهرة، وقدر مشترك بين جميع الأنبياء من لدن آدم إلى محمد صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين، فقد كانت هذه الدعوة من الألفاظ الدائرة في الكتاب العزيز على لسان الأنبياء جميعا، من ذلك قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأعراف: ٨٥] ونظائرها.

وقوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النساء: ٣٦].

ولدى تتبع ما جاء عن شعيب عليه السلام في الكتاب الكريم، نجد أن لنصح شعيب دعائم يقوم عليها، وهي جملة من الأوامر والنواهي، تنظم لقومه شؤون حياتهم في الدنيا على أمن وسلام وطمأنينة، وتكفل لهم سعادة ونجاة وفوزا في الحياة الآخرة، وإن من أهم تلك الدعائم: توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة.

وعند تأمل هذه الدعامة في قصة شعيب عليه السلام، نجد أنها جاءت متعددة متنوعة في أكثر من سورة من سور القرآن الكريم، ففي سورتي الأعراف وهود وردت بلفظ: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأعراف: ٨٥] و [هود: ٨٤].

وفي سورة الشعراء وردت بلفظ: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الشعراء: ١٧٧-١٧٩].

وفي سورة العنكبوت وردت بلفظ: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [العنكبوت: ٣٦].

ويلاحظ أن شعيبًا عليه السلام قد ابتدأ الدعوة بالإيمان ؛ لأن به صلاح الاعتقاد والقلب، وإزالة الزيف من العقل55، وذلك أمر مهم لتلقي ما بعده.

وآيتا الأعراف وهود صريحتان في الدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، وتأتي الآيات في سورة الشعراء، مكملة لذلك بالدعوة إلى تحقيق التقوى والطاعة المطلقة لله ولرسوله شعيب عليه السلام، وذلك شامل للرسالة كلها، ذاك أن التقوى على مراتب أدناها اتقاء الشرك بالله، ثم امتثال الأوامر واجتناب النواهي56.

وأما آية العنكبوت فنجد فيها التذكير باليوم الآخر: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [العنكبوت: ٣٦].

ذاك لأن العبادة هي سر وجود الإنسان، قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الذاريات: ٥٦].

ومن ضيع سر وجوده فقد ضاع منه كل شيء، ومن حكم الشعر:

لكل شيء إذا ضيعته عوض

وليس لله إن ضيعت من عوض

وأمره إياهم بأن يرجوا اليوم الآخر يدل على أنهم لم يكونوا مؤمنين بالبعث، لأن المراد بالرجاء هنا: الترقب واعتقاد الوقوع في المستقبل57، ولأن عبادة الله تعالى يرجى منها الخير في الدارين58، فمن آمن بالبعث وباليوم الآخر صح رجاؤه59.

ثالثًا: إقامة القسط في الكيل والميزان:

إن من أهم مقاصد رسالة شعيب عليه السلام ومن أبرز أهدافها بعد الدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة : تصحيح ما كان عليه قومه من تطفيف الكيل والميزان، بل إن الدعوة إلى إقامة القسط في الكيل والميزان مما تميز به شعيب عليه السلام، وهو ظاهر في دعوته، بل هو أظهر شيء وأهمه بعد التوحيد كما ذكرنا.

وفي هذا يقول الله تعالى على لسان شعيب عليه السلام: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [الشعراء: ١٨١-١٨٣].

ونظائرها من الآيات التي تحدثت عن قصة شعيب مع قومه.

لقد كان هذا الخلق السيء ديدن قوم شعيب، وقد كان ذلك أمرا مألوفا عندهم، لا يرون فيه بأسًا ولا غضاضة، به طبعوا ، وعليه درجوا، ولذا فقد رفضوا دعوة شعيب هذه، وقابلوها بالإعراض والإنكار، فقالوا ما حكاه الله تعالى عنهم: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [هود: ٨٧].

وقولهم: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) قالوه على طريق الاستهزاء، فهم ينكرون على شعيب منعه لهم عن التطفيف ؛ لأن تلك أموالهم فهم يفعلون بها ما يشاءون!

والبخس هو النقص في آلة الكيل والوزن، وهو جرم اجتماعي، ويكون في السلعة بالتعييب والتزهيد فيها، أو المخادعة عن القيمة، والاحتيال في التزيد في الكيل والنقصان منه ـ كما يقول القرطبي ـ وكل ذلك من أكل المال بالباطل، وذلك منهي عنه في الأمم المتقدمة والسالفة على ألسنة الرسل صلوات الله وسلامه على جميعهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل60.

ودعامة إقامة القسط في الكيل والميزان دعامة هامة جدًا في تماسك النظام الاقتصادي، وإن الإخلال بها يؤدي إلى اضطراب في المجتمع، ويفقده الأمن والاستقرار، وبه تظهر الطبقية والاستبداد، وعن طريقه تؤكل أموال الناس بالباطل، ولذا فقد جاءت شريعتنا - وهي شريعة الكمال - آمرة بما أمر به شعيب عليه السلام، فقال تعالى في الوصايا العشر في أواخر سورة الأنعام: (ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الأنعام: ١٥٢].

والملاحظ أن هذه الوصية أدرجت ضمن وصايا عظيمة ، ابتدأها ربنا بالنهي عن الشرك والأمر ببر الوالدين، وبذلك تدرك موقع هذه الوصية ومدى خطورتها، ولا يخفى أن من أسباب عاصفة الأزمة الاقتصادية التي مرت بالناس هذه السنوات اختلال ميزان العدل الذي وضعه الله تعالى لعباده.

قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الرحمن: ٧-٩].

والأمر والنهي هنا شامل للبشرية جمعاء، ذاك أن رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم عامة شاملة، ولا شيء عند الله تعالى أقبح من الظلم ، ولذا فقد حرمه على نفسه سبحانه وتعالى ، كما في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا) الحديث61.

لقد أوضح شعيب عليه السلام لقومه كيفية بناء الاقتصاد السليم، على أسس من الرزق الحلال، وترك المحرمات التي نهانا الله عز وجل عنها، ومن ذلك نستفيد في بناء اقتصادنا العملي -كما يقول الدكتور نواف الحليسي- بأن نبتعد عن كل ما نهى الله تبارك وتعالى عنه على ضوء تاريخنا الاقتصادي من خلال قصة شعيب عليه السلام، وبذلك تتضح لنا القواعد الأساسية في حياتنا الاقتصادية62.

وأعلمهم بأن قليل الحلال خير وأعظم بركة من كثير الحرام ، دل على هذا قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [هود: ٨٦].

فكم جر الحرام على أصحابه من نكبات وويلات، ومن يقف على بعض دواعي الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم هذه الأيام يدرك سر ذلك.

وإن نصح شعيب عليه السلام ليعد الدرس الأول في الاقتصاد التطبيقي من ناحية الوزن والكيل، الذي يؤثر في حياة الناس اليومية، وتعاملهم الاقتصادي والمالي والتجاري في مختلف المجالات التي تحتاج إلى إيفاء من الكيل والميزان، كي تستقيم المعاملات بين الناس63.

رابعًا: النهي عن الفساد في الأرض:

لم يكن تطفيف الكيل والميزان هو الذنب الوحيد الذي كان عليه قوم شعيب عليه السلام بعد الشرك بالله، بل ثمة ذنوب أخرى لا تقل جرما عن ذنب التطفيف، لقد كان التطفيف والبخس والإفساد في الأرض، والصد عن سبيل الله أمورًا متلازمة، يقوم بها قوم شعيب عليه السلام، وكلها أمراض خطيرة، متى ما استشرت في قوم أفسدتهم، وألحقت الدمار بهم، ولذا فقد حذر شعيب الشفيق على قومه من مغبة ذلك، وبالغ في النصح لهم، وأمرهم بالكف عن هذه المساوئ.

قال تعالى على لسانه: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأعراف: ٨٥-٨٦].

والفساد -كما يقول الراغب- خروج الشيء عن الاعتدال، قليلًا كان الخروج عنه أو كثيرا، ويضاده الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة، يقال: فسد فسادًا وفسودًا، وأفسده غيره64.

فهي إذًا كلمة جامعة لصنوف الشر، فشملت الصد عن سبيل الله تعالى، والسلب وقطع الطريق، وأكل أموال الناس بالباطل، فقوله: (ﮎ ﮏ) نهي عام عن دقيق الفساد وجليله ـ كما يقول ابن عطية ـ وكذلك الإصلاح عام65، فكل أعمالهم التي نهاهم شعيب عليه السلام عنها كانت من الفساد في الأرض، فهي شاملة لإفساد نظام المجتمع بالظلم وأكل أموال الناس بالباطل، وإفساد الأخلاق بارتكاب الفواحش، وإفساد العمران بالجهل وعدم النظام66، وكل ذلك مما يمقته الله ولا يحبه، قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [البقرة: ٢٠٥].

وقوله: (ﮘ ﮙ ﮚ) شرط لحصول الخير والنفع الذي وعدوا به، وإلا فلا ينفع عمل دون إيمان67، ومن هنا ندرك سر ابتداء شعيب عليه السلام تبليغ رسالة ربه بالدعوة إلى الإيمان والتوحيد كما تقدم، كما هو شأن سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.

موقف قوم شعيب عليه السلام منه

أولًا: التكذيب والاستهزاء:

لقد أخلص شعيب عليه السلام النصح لقومه كما تقدم، ومن أهم ذلك أن ذكرهم بنعم الله تعالى، وأمر هذه الدعامة عظيم، ذاك لأن الشكر سبب مهم في دوام النعم وازديادها ، كما أن الكفر سبب في انمحاقها واضمحلالها.

قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [إبراهيم: ٧].

وقد كان قوم شعيب عليه السلام في نعمة سابغة، لاسيما نعمة الأولاد الذين كثروا بهم بعد قلة، فخشي عليهم زوال تلك النعمة بما كانوا عليه من الاعوجاج والكفر والطغيان، فقال لهم: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الأعراف: ٨٦].

ومن المعلوم أن الشكر ليس قولا باللسان، إنما يقوم على دعامتين هما: نسبة النعم إلى المنعم جل جلاله، والاجتهاد في استعمالها في طاعته.

فما كان من قومه بعد هذا النصح والتذكير إلا أن يقابلوه بالسخرية والاستهزاء، وتكذيبه فيما جاء به من ربه، بل واتهموه بالسحر، تلك التهمة التي لم يسلم منها نبي من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الذاريات: ٥٢-٥٣].

ومن ذلك قول قوم شعيب له عليه السلام: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الشعراء: ١٨٥-١٨٦].

وما كان من شعيب في الوقت نفسه إلا أن يقابل ذلك بالثبات على ما جاء به، والصبر على أذية قومه، وهذه سمة ظاهرة في حياة الأنبياء جميعا، وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل، وعلى رأسهم سيدنا النبي المصطفى صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين، فقد شاءت حكمة الله تعالى أن تكون هذه الحياة دار ابتلاء، وأن الكفر لم يزل يصارع الإيمان.

قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة: ٢١٧].

فلم يكن شعيب عليه السلام بِدْعًا من الرسل في هذا، فلاقى من أذى قومه ما لاقى إخوانه الأنبياء عليهم السلام، وصبر كما صبروا.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأعراف: ٨٨-٨٩].

ويلاحظ هنا تفويض شعيب الأمر إلى الله، حيث قال: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)، وفي هذا إشارة إلى أن الأمر كله لله، إنه ليس ثمة خلود إلى الرجاء، ولكنه المزج بينه وبين الخوف، ثم يعلن عن اعتماده على الله تعالى وحده، (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)، إنه التوكل الصادق، بعيدا عن العجب والغرور، إنه التعويل على فضل الله، كما قال سبحانه وتعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النور: ٢١].

هكذا كان شعيب عليه السلام وأتباعه، إنهم يعولون على فضل الله، غير متعلقين بشيء سواه.

ثم ما كان من شعيب عليه السلام بعد أن استنفذ كل ما يمكنه من وسائل النصح إلا أن يتوجه إلى الله تعالى ويصدق في اللجوء إليه ، ويطلب الإغاثة منه بأن يفصل بينه وبين قومه الذين أصروا على العناد ، فقال: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأعراف: ٨٩].

وذلك بعد أن تبجح قومه فقالوا: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ)، ثم زاد تعنتهم وبالغوا في التكذيب والاستهزاء حتى سألوا العذاب ، وقالوا: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الشعراء: ١٨٧].

هنالك دعا شعيب عليه السلام ربه، فكان دعاء صادقا، اتسم بتفويض الأمر لله، ليقضي سبحانه وتعالى بما يشاء، وهذا ما وضحه بقوله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الشعراء: ١٨٨].

ذلك هو دعاء شعيب، لم يعرف أنه دعا بنزول عذاب معين، بل ولا حتى نزول العذاب، ولكنه أحال الأمر إلى العزيز الحكيم، فكان فتحا مبينا ونصرا عظيما له ولمن آمن به، حيث قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأعراف: ٩١-٩٢].

وهكذا ينتصر الله تعالى للصادقين من عباده، كما قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الروم: ٤٧].

كما سيأتي توضيحه في المبحث الرابع إن شاء الله تعالى.

ومما ينبغي أن يذكر هنا: أن قوم شعيب عليه السلام لم يكونوا كلهم كذلك، بل إن منهم طائفة قد آمنت بشعيب عليه السلام، وصدقت في اتباعه، إلا أنهم كانوا قلة.

قال تعالى على لسان شعيب: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)[الأعراف: ٨٧].

ثانيًا: الصد عن سبيل الله تعالى:

لم يكتف قوم شعيب عليه السلام بالتكذيب والاستهزاء، إنما عمدوا إلى مسلك خبيث آخر، ألا وهو الصد عن سبيل الله تعالى، والوقوف بوجه كل من أراد الإيمان بشعيب واتباعه.

قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأعراف: ٨٦].

لقد كان من بغي قوم شعيب ومزيد تعنتهم أن لم يكتفوا بتكذيب نبيهم شعيب عليه السلام والإعراض عن قبول ما جاءهم به عن ربهم، ولم يكتفوا بالضلال الذي كانوا عليه، ولكنهم عمدوا إلى إضلال الآخرين، بل ومنعهم من الإيمان بشعيب عليه السلام، وتهديدهم بالقتل إن هم فعلوا ذلك، وهذا غاية الظلم ونهاية الإجرام، وحين علم شعيب بذلك نهاهم عن ذلك البغي بقوله: ( ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)يعني :لا تجلسوا بكل طريق -وهو الصراط- توعدون المؤمنين بالقتل.

قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: وكانوا، فيما ذكر، يقعدون على طريق من قصد شعيبًا وأراده ليؤمن به، فيتوعدونه ويخوفونه، ويقولون: إنه كذاب68!

وذكر عدة آثار تدل على ذلك منها:

حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال:حدثنا سعيد، عن قتادة ( ﮟ ﮠ) قال: كانوا يوعدون من أتى شعيبا وغشيه فأراد الإسلام69.

وذكر ابن كثير أن شعيبا عليه السلام كان ينهاهم عن قطع الطريق الحسي والمعنوي، بقوله (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)، أي :تتوعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم، قال السدي وغيره: كانوا عشارين70.

وعن ابن عباس ومجاهد وغير واحد (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ): أي : تتوعدون المؤمنين الآتين إلى شعيب ليتبعوه.

قال ابن كثير: والأول أظهر، لأنه قال: (ﮞ ﮟ) وهو الطريق، أما المعنى الثاني فهو مستفاد من قوله: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)، أي: تصرفون من يريد الإيمان عن دين الله، وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة71.

ثالثًا: همهم بإخراج شعيب عليه السلام ورجمه:

لقد دعا شعيب قومه إلى أعدل خطة، ولقد وقف عند آخر نقطة لا يملك أن يتراجع وراءها خطوة، نقطة الانتظار والتريث والتعايش بغير أذى، وترك كلٍ وما اعتنق من دين، وهو ما جاء في قوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)[الأعراف: ٨٧].

لكن الطواغيت لا يرضيهم أن يكون للإيمان في الأرض وجود ممثل في جماعة من الناس لا تدين للطاغوت72.

لذا لم يكتفوا بما كانوا عليه من التكذيب والاستهزاء بنبي الله شعيب عليه السلام، وإنما هموا بأمر خطير، وارتكاب أمر قبيح، ألا وهو إخراج شعيب ومن آمن به من قريتهم، لا لشيء إلا أنهم لم يعبدوا الأصنام مثلهم، وهذا ديدن أهل الكبر والطغيان متى ما غلبوا في البرهان وقامت عليهم الحجة عمدوا إلى مثل هذا (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)، ذاك أن وجود جماعة مسلمة في الأرض، لا تدين إلا لله، ولا تعترف بسلطان إلا سلطانه، ولا تحكم في حياتها شرعًا إلا شرعه، ولا تتبع في حياتها منهجًا إلا منهجه، إن وجود جماعة مسلمة كهذه يهدد سلطان الطواغيت حتى لو انعزلت هذه الجماعة في نفسها، وتركت الطواغيت لحكم الله حين يأتي موعده73.

فتعجب شعيب من صنيعهم وسألهم: (ﭥ ﭦ ﭧ) العود في ملتكم التي أنقذنا الله منها؟ فقالوا له: نعم، فقال: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)أي : قد اختلقنا على الله كذبًا إن دخلنا في دينكم (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) أي : بعد أن أكرمنا الله تعالى بالإسلام، وأنقذنا من ملتكم، يقال: معناه ، كنا كاذبين مثلكم لو دخلنا في دينكم بعد إذ نجانا الله تعالى من ذلك74.

وهذا هو إصرار الصادقين، وثبات الموقنين، وتمسكهم بالمبدأ الذي هم عليه حتى لو كلفهم ذلك التضحية بالنفس أو الوطن أو ما يملكون.

غير أن شعيبا عليه السلام وإن كان لا يشك في أنه كان على الحق، وخصومه على الباطل، إلا أنه فوض الأمر إلى الله تعالى، فقال: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ).

ثم إن قوم شعيب عليه السلام لم يكتفوا بهذا التهديد، وهو الإخراج من الأرض والإبعاد عن الوطن، إنما عمدوا إلى تهديد من نوع آخر هو أشد من هذا وأنكى، فبعد أن دعاهم إلى الاستغفار والتوبة، وذكرهم بعفو الله تعالى ورحمته ولطفه بهم إن تابوا وأنابوا (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [هود: ٩٠].

إنه يدعوهم ويذكرهم برفق ولين، ويحاورهم بلطف وهدوء، ولكنهم يقابلون ذلك بصلف وعناد، بعد هذا الرفق واللطف عمدوا إلى التهديد فـ(ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ) [هود: ٩١].

وقد تقدم بيان المراد بالضعف بأنه كان ضعيف الانتصار والقدرة، وأما الرهط فهو جماعة الرجل، والرجم إما أن يراد به الرجم بالحجارة وهو الظاهر، وإما أن يراد به السب، وسواء أريد هذا أم ذاك، فهم غير عابئين بشعيب عليه السلام، وهذا ما دلت عليه فاصلة الآية: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) أي: لست بذي منعة وعزة ومنزلة في نفوسنا75.

ولكن الله تعالى الذي أرسل شعيبا قد تكفل بحفظه وحمايته، فلم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا مما هددوه به، حتى بلغ رسالة ربه على أتم وجه وأكمله.

وبعد هذا التعنت من قوم شعيب ما كان منه عليه السلام إلا أن يخوفهم مغبة ما هم عليه من الصلف والعناد، فيقول لهم بأسلوبه الهادئ الذي اتسم به: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [هود: ٩٣].

فماذا كانت النتيجة؟

هذا ما نبينه في المبحث القادم إن شاء الله تعالى.

[انظر: مدين: موقف قوم مدين من رسولهم عليه السلام]

عاقبة قوم شعيب عليه السلام

أولًا: دعاء شعيب عليه السلام ربه عز وجل:

الدعاء سلاح ماض، وهو يمثل حاجة العبد إلى مولاه، وشدة فاقته إلى عونه ونصرته، ولأهمية الدعاء أمر به ربنا تبارك وتعالى، ووعد بإجابة الداعي حيث قال: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)، وفي الوقت نفسه حذر من ترك الدعاء، وأوعد من كان كذلك بالعقاب الأليم، لما فيه من الإعراض عن الله تعالى، وإظهار الاستغناء عنه جل وعلا، وذلك مخالف للحقيقة، ومجانب للواقع، فقال تعالى في تمام الآية السابقة: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [غافر: ٦٠].

والمراد بالعبادة هنا الدعاء، فقد أخرج ابن جرير من طريقه عن السدي، إن معنى قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) قال: عن دعائي، ومعنى: () قال: صاغرين76.

وبما أن الرسل عليهم السلام هم صفوة الخلق، وأعرفهم بربهم تبارك وتعالى، فقد كان الدعاء ديدنهم في الرخاء والشدة، وفي السر والعلن، ومن جملة الدعاء الذي كانت الرسل تقوله : الدعاء على أقوامهم،ولكن هذا السلاح ما كانوا يستعملونه إلا بعد أن يستنفذوا كل ما بوسعهم من النصح والإرشاد، والتحذير والإنذار، فيصدق فيهم قوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [غافر: ٥١].

وكذلك فعل شعيب عليه السلام، في دعائه على قومه، وقد ورد دعاء شعيب عليه السلام صراحة في قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأعراف: ٨٩].

والملاحظ على دعاء شعيب عليه السلام أنه لم يصرح فيه بطلب نزول العذاب أو حلول سخط الله تعالى على قومه، بل اتسم بالتفويض والتوكل على الله جل في علاه، وقد ظهر هذا التفويض والتوكل على الله تعالى جليا أيضا فيما حكاه الله تعالى عنه من قوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الأعراف: ٨٧].

وقوله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)[الشعراء: ١٨٨].

والملاحظ أن الدعاء الصريح جاء بعد ذكر من آمن من قومه ومن كفر، وموضع التفويض الأول جاء بعد ما حكاه الله تعالى من قوله: (ﮊ ﮋ)، والثاني77 جاء بعد ما حكى الله تعالى من قول قومه: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[الشعراء: ١٨٧].

وبهذا يتسم دعاء شعيب عليه السلام بصدق اللجوء إلى الله تعالى، وتفويض الأمر إليه وحده جل في علاه.

ثم إنه لما فوض الأمر إلى ربه جل وعلا ليحكم بينه و بين قومه، ويقضي بالقضاء الفاصل، مع يقينه بأن الله تعالى عالم بما يعمل قومه، وما هم عليه من عبادة الأصنام، وفعل المنكرات، ومن أبشعها الصد عن سبيل الله جل في علاه، لما كان ذلك كذلك كان الجواب هو حكم الله العادل الذي لا يتخلف، وهو نصرة المظلومين وقمع الظالمين، فحل بقوم شعيب ما حل بمن سبقهم من الظالمين.

ثانيًا :إهلاك قوم شعيب عليه السلام:

بعد أن بلغ شعيب عليه السلام قومه رسالة ربه، وبذل جهده في نصحهم، واجتهد في تحذيرهم وتذكيرهم، وقال لهم على طريق الإشفاق عليهم والرفق بهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [هود: ٨٩].

وبعد أن أصروا على التكذيب والبغي والعناد، حل بهم ما حذرهم منه، وتحققت سنة الله تعالى فيهم، فأصابهم الله تعالى بثلاثة أنواع من العذاب، وهي التي أخبرنا الله تعالى بها في كتابه الكريم، وهي قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأعراف: ٩١-٩٢].

وقوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [هود: ٩٤-٩٥].

وقوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الشعراء: ١٨٩].

وهذا التنوع في العذاب (الرجفة والصيحة والظلة)، كان أحد أسباب اختلاف المفسرين رحمهم الله تعالى في كون أهل مدين وأصحاب الأيكة أمة أو أمتين، كما سبق بيانه، غير أن هذا التنوع لا يقتضي ذلك، إذ لا يمنع أن يتنوع العذاب على أمة واحدة، ولا مانع أن يكون كل ذلك في آن واحد.

وقد أثار الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى سؤالا وأجاب عنه فقال:

فإن قيل: الهلاك الذي أصاب قوم شعيبٍ ذكر تعالى في الأعراف أنه رجفةٌ، وذكر في هودٍ أنه صيحةٌ، وذكر في الشعراء أنه عذاب يوم الظلة.

فالجواب: ما قاله ابن كثيرٍ رحمه الله في تفسيره قال: وقد اجتمع عليهم ذلك كله أصابهم عذاب يوم الظلة ، وهي سحابةٌ أظلتهم فيها شررٌ من نارٍ ولهبٍ ووهجٍ عظيمٍ، ثم جاءتهم صيحةٌ من السماء، ورجفةٌ من الأرض شديدةٌ من أسفل منهم، فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام78.

وأما ابن عاشور رحمه الله تعالى فقد فصل هذه الأنواع من العذاب حيث قال: «الرجفة التي أصابت أهل مدين هي صواعق خرجت من ظلة وهي السحابة، قال تعالى في سورة الشعراء: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) . وقد عبر عن الرجفة في سورة هود بالصيحة، فتعين أن تكون من نوع الأصوات المنشقة عن قالع ومقلوع، لا قارع ومقروع وهو الزلزال، والأظهر أن يكون أصابهم زلزال وصواعق، فتكون الرجفة الزلزال، والصيحة الصاعقة، كما يدل عليه: (ﯤ ﯥ ﯦ )»79.

وهذا توجيه حسن، ومنه نعلم أن أصحاب الأيكة هم أهل مدين كما تقدم، وإلى مثله ذهب الدكتور عبد الكريم زيدان حيث قال: فاستحقوا بكفرهم وإصرارهم الهلاك، وكان هلاكهم بأنواع العذاب: بالصيحة، وبالرجفة، وبعذاب يوم الظلة، واستشهد بالآيات الكريمة ، ثم قال: وهكذا اجتمع عليهم ذلك كله: أصابهم عذاب يوم الظلة وهي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم، فزهقت أرواحهم وخمدت أجسامهم80.

وبهذا العذاب المدمر يكون قوم شعيب قد باءوا بالخسران الذي وصموا به شعيب عليه السلام ومن آمن معه إذ قالوا ما حكاه الله تعالى عنهم: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)[الأعراف: ٩٠].

قال الله تعالى بعدها ردا عليهم: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأعراف: ٩٢].

ويلاحظ أن الله تعالى كرر قوله: (ﮬ ﮭ ﮮ)، وذلك لتعظيم المذلة لهم وتفظيع ما يستحقون من الجزاء على جهلهم، وأيضا فإنهم لما قالوا: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ)، بَيَنَ تعالى أن الذين لم يتبعوه وخالفوه هم الخاسرون81.

ثالثًا: عدم تأسف شعيب على هلاك قومه:

بعد أن رأى شعيب عليه السلام ما حل بقومه، وما أصابهم من نقمة ربه تبارك وتعالى، لم يكترث بما نزل بهم، ولم يأسف عليهم، بل أعرض عنهم وتركهم ماضيا في سبيله ،وهو يقول ما حكاه الله تعالى عنه: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف: ٩٣].

وهذه الآية لها دلالات عظيمة:

منها: أن شعيبًا عليه السلام قد أقام الحجة على قومه بتبليغ رسالة ربه، وأنه قد نصح لهم، وصبر على أذاهم وسخريتهم، وهذا النصح شأن كل رسول، فهو لابد أن يكون مبلغا فصيحا ناصحا عالما بالله لا يدركه أحد من خلق الله في هذه الصفات، ولذا فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم عرفة، وهم أوفر ما كانوا وأكثر جمعًا: (أيها الناس، إنكم مسئولون عني، فما أنتم قائلون؟) قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكتها عليهم ، ويقول: (اللهم اشهد، اللهم اشهد)82.

وفي قوله: (ﯢ ﯣ) بالجمع لإفادة التجدد؛ لأن كل تبليغ يتضمن رسالة بما بلغه83، أو المراد ما أوحي إلي في الأوقات المتطاولة أو في المعاني المختلفة من الأوامر والنواهي والمواعظ والزواجر والبشائر والنذائر، ويجوز أن يريد رسالاته إليه وإلى الأنبياء من قبله84.

ومن ذلك: أنه لا ينبغي التأسف على هلاك الظالمين، لأنهم جراثيم تنخر في قلب المجتمع وتهدد استقراره، لا يصح المجتمع ولا يصلح إلا باجتثاثهم، ولنتأمل موقع الحمد بعد هلاك الظالمين في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام: ٤٥].

فما أجمل ما حكاه الله تعالى عن شعيب عليه السلام إذ يقول: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف: ٩٣].

وعدم الأسى عليهم بعد الإعذار بالنصح لهم، سمة بارزة من سمات المرسلين عليهم الصلاة والسلام، وقد قال الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الشورى: ٤٨].

فليس من مهماتهم نتائج ذلك التبليغ، ولذا فهم بعد أن يؤدوا ما عليهم لا يتأسفون على ما حل بأقوامهم من العذاب والنكال، وهكذا كان شعيب مع قومه ، قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف: ٩٣].

وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة، سائرين إلى الله على هدي النبوة، يدعون إلى الله على بصيرة، محاسبين أنفسهم على ذلك، هل أدوا النصح كما ينبغي؟ غير ناظرين إلى نتائج ما تسفر عنه تلك الدعوة، إذ الأمر لله من قبل ومن بعد (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة: ٢١٣].

كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [القصص: ٥٦].

وقال له أيضا في الموضوع ذاته: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الشورى: ٥٢].

ومعنى (): أي : لا تزرع الهداية في القلوب، ولا توصل إلى الإيمان المطلوب، ومعنى (): أي : لتدل وترشد وتوضح الطريق، وبذلك يجمع ما بين الآيتين، ويزول ما قد يوهم التعارض بينهما.

[انظر: مدين: عاقبة قوم مدين]

الدروس المستفادة من قصة شعيب

وسنركز في هذا المبحث على طرف من تلك الفوائد والدرر التي اشتملت عليها هذه القصة المباركة، مراعين في ذلك ما تمس الحاجة إليه، لاسيما ما يحتاج إليه الدعاة والمرشدون ورجال التربية في أيامنا هذه، مما ينعكس على الأمة أمنا وسلاما ومحبة ووئاما، وذلك في نقاط معدودة على النحو الآتي:

  1. أن التوحيد وتصحيح العقيدة أساس دعوة الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام، غير أن ذلك ليس بمعزل عن واقع الحياة، ولذا فإن شعيبا عليه السلام لم يقتصر على دعوتهم إلى التوحيد فحسب، بل أمرهم بإيفاء الكيل والوزن، وذلك لتنظيم الجانب الاجتماعي والاقتصادي في حياة الناس، والعدول عن النظام الاقتصادي القائم على الظلم والجشع، فينبغي على الدعاة والمصلحين مراعاة ذلك والاهتمام به.
  2. يعد البيان الناصع، وجودة التعبير، وحسن المنطق، وجزالة الأسلوب، وأدب الحوار، من الأمور الهامة للدعاة إلى الله تعالى، لما في ذلك من أثر فاعل في إيصال كلمة الحق إلى الناس بأحسن طريق، كما قال تعالى على لسان شعيب عليه السلام: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [هود: ٨٨]. وبحسن مراجعة قومه سمي خطيب الأنبياء عليه وعلهم الصلاة والسلام.
  3. لقد كان الحرص على هداية الناس، وإيصالهم إلى الصراط المستقيم، وإصلاح أمورهم، واستقامة أحوالهم، من أهم مهمات الرسل عليهم الصلاة والسلام، وينبغي أن يتأسى بهم الدعاة المصلحون في كل عصر ومصر، وهكذا كان شعيب عليه السلام: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [هود: ٨٨].
  4. أن قليل الحلال خير وأعظم بركة من كثير الحرام ، دل على هذا قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [هود: ٨٦]. فكم جر الحرام على أصحابه من نكبات وويلات، وكم من دراهم قليلة من الحرام، أكلت كثيرا من دراهم الحلال !! ومن يقف على بعض دواعي الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم هذه الأيام يدرك سر ذلك.
  5. يعد نصح شعيب عليه السلام لقومه الدرس الأول في الاقتصاد التطبيقي من ناحية الوزن والكيل، الذي يؤثر في حياة الناس اليومية، وتعاملهم الاقتصادي والمالي والتجاري في مختلف المجالات التي تحتاج إلى إيفاء من الكيل والميزان، كي تستقيم المعاملات بين الناس85.
  6. للصلاة أثر كبير في تغيير سلوك الإنسان إلى الأحسن، قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [العنكبوت: ٤٥]. وقد أدرك قوم شعيب ذلك ، ولذا فقد: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [هود: ٨٧]. حيث لاحظوا أن تأثير الصلاة على شعيب وأتباعه قد غيرت أوضاعهم، وأدت إلى التحرر من عبادة غير الله، وترك الغش في المكاييل والأوزان، فكان أن تهكموا عليه بهذا القول، ؛لأنهم في قرارة أنفسهم لا يريدون تغيير ما هم فيه86.
  7. (الشيء) في قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)[هود: ٨٥] يشمل الأنواع الحسية من كافة معاملات الناس التي تندرج تحت اسم المكاييل والأوزان، كما يشمل المعاني المعنوية من احترام الناس وتقديرهم حسب فضلهم ومعطياتهم وتضحياتهم للمجتمع، أو هضم حقوقهم المعنوية ، كالعلوم والمعرفة والمهارة بالصنائع بعدم الاعتراف بها، وعدم تنزيلهم المنزلة التي يستحقونها بموجبها87.
  8. الهدف من تأكيد الوجوب بالإيفاء بالمكيال والميزان في المعاملات التجارية هو إقرار العدل حتى لا ينتشر الفساد ، وتعم الفوضى في البلاد، وتصل الأمور إلى الهاوية، ولذا فقد حذر شعيب عليه السلام قومه من الإفساد في الأرض والغش88.
  9. ينبغي الترفع عن مقابلة السفهاء بمثل سفاهتهم ، نلاحظ ذلك في الفرق الكبير بين خطاب قوم شعيب عليه السلام ورده عليهم، فتأمل حلمه وصبره ورده عليهم بعد طلبهم العذاب: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الشعراء: ١٨٨].
  10. ذكر شعيب عليه السلام قومه بأنعم الله عليهم ، فقال لهم : واذكروا إذ كنتم قليلا في عددكم، فكثركم بالنسل والتوالد حتى صار عددكم كبيرا، و في هذا إشارة إلى أن الكثرة نعمة عظمية لما فيها من المهابة والعزة والقوة89.
  11. الإيمان الصادق لا يزيد أصحابه إلا قوة وإصرارا على الحق ، وكذلك كان شعيب عليه السلام والذين آمنوا معه، وبه عرف الصادقون في كل زمان ومكان، على مر العصور وتعاقب الدهور.
  12. من أهم ما يجب على الدعاة: أن يتحلوا بما يدعون إليه من الأخلاق والآداب، ويتصفوا بذلك، وهذا ما أعلن عنه شعيب عليه السلام بقوله: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ )، وهو أمر لا بد منه لحصول النفع للمدعو، والنجاة للداعي.
  13. المسلم يتوكل على الله تعالى في كل شؤونه وأحواله، ويستعين به، ويصبر لأمره، ويدعو الله أن يثبته وينصره90.
  14. إن النجاة في الصدق، وإن مآل الكاذب الفضيحة، وعاقبته وخيمة، وللتنبه على هذه الحقيقة قال شعيب لقومه ما حكاه الله تعالى عنه: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [هود: ٩٣].
  15. الصد عن سبيل الله ظلم سافر، وخلل في الفكر لا يقل ضرره عن الخلل الاقتصادي، ولذا فإن شعيبا قد حذر قومه من عاقبة ذلك (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأعراف: ٨٦]. وقد شاهدنا في أيامنا هذه عاقبة أمثال هؤلاء سواء كانوا من أبناء جلدتنا أم من غيرنا.
  16. مراعاة جناب الله تعالى أولى من كل شيء، وقد نبه شعيب عليه السلام قومه: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) أي : أتتركوني لأجل عشيرتي ولا تتركوني ولا تؤذونني ؛إعظاما لجناب الله تبارك وتعالى الذي أرسلني إليكم لتبليغكم رسالته؟91
  17. الدعاء سلاح ماض ، وقد استعمله الرسل عليهم السلام ، ولكن بعد أن استنفذوا كل ما بوسعهم من النصح والإرشاد، فصدق فيهم قوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [غافر: ٥١]. وكذلك فعل شعيب عليه السلام، فقد دعا على قومه، ولكنه دعاء اتسم بالتفويض والتوكل على الله جل في علاه (ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأعراف: ٨٩]. فكان دعاءً متميزًا، لم يظهر فيه طلب نزول العذاب أو استعجاله.
  18. لقد تحققت سنة الله في قوم شعيب عليه السلام، كما قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)[الأعراف: ٩١-٩٢]
  19. ينبغي عدم التأسف على هلاك الظالمين ، لأنهم معاول هدم في المجتمع تهدد أمنه واستقراره، لا يصح المجتمع ولا يصلح مع استمرار فسادهم وبغيهم، ولنتأمل موقع الحمد بعد هلاك الظالمين في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام: ٤٥]. فما أجمل ما حكاه الله تعالى عن شعيب عليه السلام إذ يقول: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف: ٩٣].

1 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٧/٢٤٨.

2 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير ١/٤٠٧ ذكر أولاد إبراهيم الخليل عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، ونقل عن محمد بن إسحاق أنه شعيب بن ميكيل بن يشجر، قال: واسمه في السريانية : يثرون.

انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٧٠.

وذهب إلى هذا الدكتور أحمد الكبيسي في كتابه القصص القرآني ص ١١١حيث قال: إنه الابن الرابع لإبراهيم عليه السلام وقد تزوج مدين من ابنة لوط عليه السلام فكثر الله نسله.

وقد شكك الدكتور فضل عباس رحمه الله تعالى في كون مدين ابنا لإبراهيم عليه السلام، وقال ص ٤٥٤ في كتابه قصص القرآن: إن القضية تحتاج إلى تحقيق تأريخي، لذا فإني لا أستريح إلى ما رجحه صاحب المنار رحمه الله، لكني لا أجزم برأي؛ لأن الجزم يحتاج إلى تحقيق، وذكر بأن إبراهيم قد رزق إسماعيل وإسحاق عليهم السلام على كبر، فمتى تزوج هذه المرأة، وولدت له هذا العدد من الأولاد؟ أقول: وقد نقله رشيد رضا عن الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات كما سيأتي.

3 انظر: التحرير والتنوير ٢٤٠/٢/٨.

4 انظر: المستفاد ١/٢٣٧.

5 انظر: القصص القرآني، الخالدي ص ١١.

6 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، ٩/٢٩٦٥، رقم ١٨٣٣.

7 قال الثعلبي في الكشف والبيان ٧/٢٤٤: فقال مجاهد والضحاك والسدي والحسن: هو شعيب النبي صلى الله عليه وعلى جميع الأنبياء.

8 أخرجه ابن حبان في صحيحه مطولًا من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه، كتاب البر والإحسان، باب ذكر الاستحباب للمرء أن يكون له من كل خير حظ ٢/٧٦-٧٧، رقم ٣٦١، بلفظ: (وأربعة من العرب هود وشعيب وصالح ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم).

9 انظر: جامع الرسائل ١/٦٣.

10 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٧/٢٤٧-٢٤٨.

11 انظر: فتح الباري، ابن حجر ٨/٢٦٢-٢٦٣.

12 انظر: تهذيب الأسماء واللغات ١/٢٤٦.

13 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٨/٤٦٧، فتح القدير ٢/٢٢٤ ، فقد نقل الشوكاني طرفا من تلك الأقوال.

14 انظر: المحرر الوجيز ٧/٣٨٤.

15 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي، ١١/١٩٣، رقم ٤٩٨١، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، رقم ١٥٢.

16 أخرجه ابن جرير في تفسيره، رقم ١٤٨٦٩، عن ابن إسحاق.

17 أخرجه في تفسيره، رقم ٦٦٢، ١/٣٦٣.

18 انظر: جامع البيان ١٧/١٢٤، وفيه: ذكر لنا أنه سلط عليهم الحر سبعة أيام، لا يظللهم منه ظل، ولا يمنعهم منه شيء، فبعث الله عليهم سحابة، فحلوا تحتها يلتمسون الروح فيها، فجعلها الله عليهم عذابا، بعث عليهم نارا فاضطرمت عليهم فأكلتهم، فذلك عذاب يوم الظلة، إنه كان عذاب يوم عظيم.

19 انظر: المحرر الوجيز ٨/٣٤٥.

20 انظر: مفاتيح الغيب ١٩/٢٠٩.

21 المصدر السابق السابق ٢٤/١٦٣.

22 انظر: روح المعاني ١٠/١١٦.

وما نقله عن ابن عباس أخرجه ابن جرير ١٧/١٢٤ من طريق حجاج عن ابن جريج قوله: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) قال: قوم شعيب، قال ابن عباس: الأيكة ذات آكام وشجر كانوا عليها.فقوله من قوم شعيب ، من كلام ابن جريج ـ كما ترى ـ وليس من كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

23 التحرير والتنوير ١٩/١٨٣.

24 انظر: القصص القرآني ١١٥.

25 انظر: فتح القدير ٣/١٤٠.

26 القصص القرآني ٢/٣٧.

27 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير ص ١٩٣-١٩٤.

28 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٥٥٢.

29 انظر: المصدر السابق.

30 أخرجه الحاكم رقم ٤٠٧٣، وسكت عنه الذهبي ٢/٦٢٠.

31 انظر: الإتقان ٤/٣، وانظر: كبرى اليقينيات الكونية ص ٢١٤.

32 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي، ١١/١٩٣، رقم ٤٩٨١، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، رقم ١٥٢.

33 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٧/٢٤٨.

34 المحرر الوجيز ٥/٥٧٤.

35 مفاتيح الغيب ١٤/١٨٠.

36 جامع البيان ١٢/٥٥٥.

37 انظر: التحرير والتنوير ٨/٢٤١.

38 انظر: روح المعاني ٤/٤١٣.

39 محاسن التأويل ٧/٢٠٦.

40 قصص القرآن الكريم ص ٤٥٥.

41 انظر: المستفاد ١/٢٣٨.

42 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي، ١١/١٩٣، رقم ٤٩٨١، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، رقم ١٥٢.

43 القصص القرآني ٢/١٥.

44 هذا جزء من حديث طويل أخرجه الترمذي من حديث الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه، أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل القرآن ٥/١٧٢، رقم ٢٩٠٦. والحديث وإن كان في سنده مقال، إلا أن الوصف صادق، وهو بتمامه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا إنها ستكون فتنة).فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: ( كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: ( ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭟ ﭠ ﭡ ﭟ ﭠ ﭡ) [الجن:٢] من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم ) خذها إليك يا أعور.قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإسناده مجهول، وفي الحارث مقال.

45 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٣٥، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٥٠٠.

46 الصحاح، الجوهري ١/٤١٠.

47 انظر: معاني القرآن وإعرابه ٤/١٣٨.

48 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٥/٦٣.

49 التعريفات، الجرجاني ص ٣٠٩.

50 انظر: الصحاح، الجوهري ١/٤١١.

51 انظر: ديوان أبي الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو بن سفيان ص٦.

52 فتح الباري، ابن حجر ١/١١٢.

53 أركان الإيمان، وهبي غاوجي ص ١٣.

54 كبرى اليقينيات الكونية ص ٧٧.

55 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٢٤١.

56 انظر: دعائم السلوك الأمثل ص ٧١.

57 انظر: التحرير والتنوير ٢٠/٢٤٧.

58 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/٦٦.

59 انظر: المحرر الوجيز ١١/٣٨٨.

60 الجامع لأحكام القرآن ٧/٢٤٨.

61 وهو حديث طويل، أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة ، باب تحريم الظلم، ١٧/١٢٤-١٢٥، رقم ٢٥٧٧ ، عن أبي ذر رضي الله عنه.

62 انظر: المنهج الاقتصادي في المكاييل والموازين لنبي الله شعيب عليه السلام ص ١٨.

63 انظر: المصدر السابق ص ٢٠-٢١.

64 مفردات القرآن ص ٦٣٦.

65 انظر: المحرر الوجيز ٥/٥٧٤.

66 انظر: التفسير المنير ٨/٢٨٨.

67 انظر: المحرر الوجيز ٥/٥٧٤.

68 انظر: جامع البيان ١٢/٥٥٦.

69 انظر: المصدر السابق.

70 قوله «عشارين»: جمع عشار، وهو الذي يأخذ العشر من أموال الناس، ويسمى الضريبة، وهي التي يأخذها الماكس بغير حق.

انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٣/٢٣٨، ٥/٣٤٩.

71 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٧٠.

وانظر: التفسير المنير ٨/٢٩٣.

72 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣١٨.

73 انظر: المصدر السابق.

74 انظر: تفسير السمرقندي ١/٥٣٣.

75 انظر: المحرر الوجيز ٧/٣٨٥.

76 أخرجه ابن جرير في تفسيره، ٢١/٤٠٨.

77 يلاحظ أن قوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ)، وقوله: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)وإن لم يكن بصيغة الدعاء المعروفة، إلا أنه يفيد ذلك؛ لما فيه من التفويض ورد الأمر لله، وذلك غاية الدعاء، ومما يؤيد هذا أن الله تعالى قد انتصر له والله تعالى أعلم.

قال الألوسي رحمه الله تعالى في روح المعاني ١/٤١٥ عند قوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ): خطاب للكفار ووعيد لهم، وقال ١٠/١١٨ عند قوله: (ﭲ ﭳ ﭴ ): أي : هو تعالى أعلم بأعمالكم من الكفر والمعاصي، وبما تستوجبون عليها من العذاب، فسينزله عليكم حسبما تستوجبون في وقته المقدر له لا محالة.

78 انظر: أضواء البيان ٢/٣٦.

79 التحرير والتنوير ٩/١٣.

80 انظر: المستفاد ١/٢٤٧.

81 انظر: مفاتيح الغيب ١٤/١٩٠.

82 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم ١٢١٨.

وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٥٧.

83 انظر: التحرير والتنوير ٨/١٩٣.

84 انظر: الكشاف ٢/٨٦.

85 انظر: المنهج الاقتصادي في المكاييل والموازين لنبي الله شعيب عليه السلام ص ٢٠-٢١.

86 انظر: مع الأنبياء في القرآن الكريم ص ٢٠٧.

87 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٨/٥٢٥، محاسن التأويل، القاسمي ٧/٢٠٧.

88 انظر: أحسن القصص ص ٨٩.

89 التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم ٣/٦٠.

90 المصدر السابق ٣/٦١.

91 انظر: المستفاد ١/٢٤٦.