عناصر الموضوع
الشرب
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: « الشين والراء والباء أصل واحد منقاس مطرد، وهو الشرب المعروف، ثم يحمل عليه ما يقاربه مجازًا وتشبيهًا. تقول: شربت الماء أشربه شربًا، وهو المصدر. والشرب الاسم. والشرب: القوم الذين يشربون. والشرب: الحظ من الماء.
والمَشْرَب: الوجه الذي يشرب منه، ويكون موضعًا ويكون مصدرًا.
والإشراب: لون قد أشرب من لون، يقال: فيه شربة حمرةٍ. ويقال: أشرب فلان حب فلانٍ، إذا خالط قلبه، قال الله جل ثناؤه: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [البقرة: ٩٣]. قال المفسرون: حب العجل»1.
يتبين مما سبق أن الشرب في اللغة يدور حول معنى واحد، وهو تناول كل مائع، ماء كان أو غيره.
قال تعالى في صفة أهل الجنة: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الإنسان: ٢١].
وقال في صفة أهل النار: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [يونس: ٤].
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
المعنى الاصطلاحي للشرب هو المعنى اللغوي، فالشرب: المائع الذي تشتفه الشفتان، وتبلغه إلى الحلق، فيبلع دون مضغ2.
وردت مادة (شرب) في القرآن الكريم (٣٩) مرة 3.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٣ |
(ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [البقرة:٢٤٩] |
الفعل المضارع |
٦ |
(ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [المؤمنون:٣٣] |
الفعل الأمر |
٧ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [مريم:٢٦] |
المصدر |
١٥ |
(ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الواقعة:٥٥] |
اسم الفاعل |
٥ |
(ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [النحل:٦٦] |
اسم المكان |
٣ |
(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [البقرة:٦٠] |
وجاء الشرب في القرآن على أربعة وجوه4:
الأول: الشرب المعروف ، ومنه قوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [البقرة: ٢٤٩].
الثاني: الحظ والنصيب من الماء، ومنه قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الشعراء: ١٥٥]، يعني: حظهم ونصيبهم من الماء.
والثالث: موضع الشرب، ومنه قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [البقرة: ٦٠].
والرابع: المخالطة وحب الشيء ، ومنه قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﲼ) [البقرة: ٩٣]. يعني: تمكن حب العجل من قلوبهم وخالطها.
الجرع:
الجرع لغة:
هو البلع، أي: تناول الشيء وشربه ماء كان أو غيره.
الجرع اصطلاحًا:
يدل على قلة الشيء المشروب.
والتجرع: تكلف الجرع، وتناول المشروب جرعة جرعة على الاستمرار.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [إبراهيم: ١٧].
الصلة بين الجرع والشرب:
اللفظان يحملان المعنى نفسه من تناول الشيء وشربه، إلا أن الجرع يزيد عن الشرب في قلة الشيء المشروب، وأنه قد يحمل معنى التكلف، وقد يدل على تناول المشروب جرعة جرعة على الاستمرار5.
النهل:
النهل لغة:
أول الشرب6.
النهل اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي.
الصلة بين النهل والشرب:
الشرب والنهل يتفقان إذا كانا لمرة واحدة، ويلاحظ أن الشرب أعم من النهل، فالشرب قد يكون مرة ومرتين، وقد يحصل منه الري، أما النهل فلا يكون إلا لأول الشرب، ولا يحصل منه الري غالبًا.
الأكل:
الأكل لغةً:
من أكل الطعام يأكله أكلًا، فهو آكلٌ، والإِكلة بالكسر: الحال التي يأكل عليها؛ متكئًا أو قاعدًا، يقال: إنه لحسن الإكلة، والأَكلة بالفتح: المرة الواحدة المشبعة، والأُكلة بالضم: اسم للقمة 7.
الأكل اصطلاحًا:
ليس هناك تعريفٌ اصطلاحيٌ للأكل يختلف عن تعريفه اللغوي، فالأكل معروف ولا يحتاج إلى تعريف، ويطلق لفظ الأكل ويراد به فعل الأكل، أي : تناول الطعام، وقد يطلق ويراد به الطعام نفسه.
الصلة بين الأكل والشرب:
كلاهما من الأطعمة، لكن غلب استعمال الشراب على السوائل، والأكل على ما يمضغ من الطعام.
الطعام:
الطعام لغة:
الطعام اسمٌ جامعٌ لكل ما يؤكل، ويقال: طعم يطعم طعمًا؛ فهو طاعمٌ، إذا أكل، أو ذاق، وإذا استعمل هذا الفعل بمعنى الذواق جاز فيما يؤكل وفيما يشرب. وروي عن ابن عباس أنه قال في زمزم: (إنها طعام طعمٍ، وشفاء سقمٍ)8 أي: يشبع الإنسان إذا شرب ماءها، كما يشبع من الطعام، ويطعم: بمعنى يشبع، ويطلق الطعام عند الحجازيين على البر خاصة9.
الطعام اصطلاحًا:
لا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
الصلة بين الطعام والشرب:
الطعام أعم من الشرب، فإذا استعمل بمعنى الذواق جاز فيما يؤكل وفيما يشرب.
الأكل والشراب نعمتان عظيمتان من نعم الله تعالى على خلقه منةً وتفضلًا، فهو الذي خلقهم، وتكفل برزقهم، وامتن عليهم بكثير من النعم، التي منها نعمة الأكل والشرب، ومما نلاحظه في القرآن الكريم اقتران الشرب بالأكل في كثير من المواضع؛ كقول الله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [البقرة: ٦٠].
وقوله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف: ٣١].
حتى في نعيم الجنة، قال الله: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الطور: ١٩].
وتتجلى الحكمة -والله أعلم- من اقتران الشرب بالأكل في القرآن، من ناحيتين:
كما نلاحظ أنه في القرآن كله حيثما اجتمع الأكل والشرب قدم تعالى الأكل على الشرب حتى في نعيم الجنة.
وأما عن الحكمة في تقديم الأكل على الشرب، فيمكن بيانها كالأتي:
وقد ورد تقديم الأكل على الشرب في حديث القرآن عن قصة مريم، في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [مريم: ٢٦].
وقد ذكر الإمام الرازي الحكمة من تقديم الأكل على الشرب في هذه الآية فقال: «قدم الأكل على الشرب لأن احتياج النفساء إلى أكل الرطب أشد من احتياجها إلى شرب الماء؛ لكثرة ما سال منها من الدماء»14.
الشرب بين الحقيقة والمجاز:
من الآيات التي ورد فيها مادة الشرب قول الله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [البقرة: ٩٣].
وقد اختلف المفسرون في قوله: (ﯨ) هل المراد به المعنى الحقيقي للشرب، أم أن العرب تستعمل هذه اللفظة بمعنى آخر؟ على قولين:
الأول: أن الشرب في الآية على معناه الحقيقي، والمراد: أنهم شربوا الماء الذي ذري فيه سحالة15 العجل.
وهذا القول روي عن السدي حيث قال: لما رجع موسى إلى قومه، أخذ العجل الذي وجدهم عاكفين عليه، فذبحه، ثم حرقه16 بالمبرد، ثم ذراه في اليم، فلم يبق بحر يومئذ يجري إلا وقع فيه شيء منه. ثم قال لهم موسى: اشربوا منه، فشربوا منه، فمن كان يحبه خرج على شاربه الذهب. فذلك حين يقول الله عز وجل: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)17.
الثاني: أن الشرب في الآية ليس بمعناه الحقيقي، وإنما هذا أسلوب عند العرب، فمن عادتهم أنهم إذا أرادوا العبارة عن مخامرة حب أو بغض في القلب أن يستعيروا لها اسم الشراب18.
والمقصود من الآية بيان أن حب العجل تداخل في قلوبهم، ورسخ فيها صورته؛ لفرط شغفهم به وحرصهم على عبادته، كما يتداخل الصبغ الثوب، والشراب أعماق البدن19.
فالشرب في الآية على معناه المجازي، والأسلوب استعارة مكنية، شبه حب عبادة العجل بمشروب لذيذ سائغ الشراب، وحذف المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو الإشراب20.
وهذه الاستعارة من فرائد الاستعارات يتمثل بها عند ذكر بلاغة القرآن21.
والمعنى الراجح هو ما ذكره أصحاب القول الثاني، والقول الأول مردود عليه بما يأتي:
نعم الله على عباده لا تعد ولا تحصى، فقد امتن الله على عباده بكثير من النعم، ومن هذه النعم نعمة الشرب، قال تعالى على لسان خليله إبراهيم عليه السلام، وهو يخاطب قومه: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الشعراء: ٧٩].
فالذي يطعم ويسقي هو رب العالمين، لا غيره.
والحق أن نعمة الشرب تحفها نعم كثيرة، منها ما يتعلق بالشرب في حد ذاته، ومنها ما يتعلق بأصناف الشاربين، ومنها ما يتعلق بالأشربة وهذا بيانها:
أولًا: ما يتعلق بالشرب:
الشرب في ذاته نعمة إلهية، وهذه النعمة الإلهية تكتنفها نعمٌ أخرى عند التأمل، فإيجاد قدرة الشرب في الإنسان نعمة، وخلق الشراب وإيجادها نعمة، وتنوعها نعمة، والحصول عليها نعمة، واستساغتها نعمة والارتواء منها نعمة، والتلذذ بها نعمة؛ ولم يقف الأمر عند هذه النعم، بل خلق الله تعالى في جسم الإنسان أجهزة تعمل بإذن ربها، لا بإرادة من الإنسان، لتحول ما يشربه إلى عناصر يمتصها الدم؛ لينقل كل عنصر إلى الجزء الذي يحتاجه الجسم ولا يخطئ؛ ليتم بذلك تجدد قوة الجسم ونشاطه.
«وحتى تتضح أهمية نعمة الشرب، لابد أن نعلم أن نقص الماء في جسم الانسان يؤدي إلى الجفاف، ويساعد في تزايد نسبه الأملاح في الجسم، وتؤدي كذلك إلى الإصابة بالتعب والإرهاق الجسدي، والإصابة بالصداع، والماء ومركباته الكهربية وجزيئاته لها أهمية ضخمة في كل التفاعلات الحيوية التي تحدث داخل الخلية، وتلك الخواص هي التي تحدد كل الخواص البيولوجية للمواد العضوية الكيماوية الأخرى : مثل البروتينات والأحماض النووية وأغشية الخلايا والريبوسومات وغيرها من التراكيب.
وعلى ذلك فتغير نسب الماء قد يدمر كل التفاعلات الكيماوية، ومن ثم الوظائف الحيوية للخلية»23.
ومن الآيات التي ورد فيها نعمة الشرب قول الله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [البقرة: ٦٠].
وقوله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف: ٣١].
وقوله: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل: ١٠].
وقوله: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الواقعة: ٦٨-٦٩].
وقوله: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الحجر: ٢٢].
وقوله: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الفرقان: ٤٩].
وغير ذلك من الآيات.
والملاحظ على الآيات التي ورد فيها نعمة الشرب ما يأتي:
بل ورد في بعض الآيات التصريح بأن الشرب وغيره من نعم الله، وأن الخلق لا يستطيعون إحصاء نعم الله عليهم، ففي سورة النحل ذكر الله تعالى أصنافًا من النعم، حيث ذكر أصولها ومكملاتها، ففي أول السورة نعمة الوحي وإرسال الرسل داعية إلى التوحيد، ثم ذكر الله تعالى نعمته بخلق السموات والأرض، وخلقه الإنسان من نطفة، ونعمته بخلق الأنعام، ونعمة إنزال الماء وشربه، ونعمة إرساء الجبال، وشق الأنهار، وتمديد الطرق، وتزيين السماء بالنجوم، واهتداء الخلق بها، في نظم عجيب، وآيات باهرة، ختمها الله تعالى بقوله: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النحل: ١٨].
ومن ذلك قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [البقرة: ٦٠].
فقد نص على المشرب في قوله: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ) تنبيهًا على المنفعة العظيمة التي هي سبب الحياة24.
وقوله: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل: ١٠].
فبعد أن ذكر نعمته عليهم بتسخير الدواب والأنعام - شرع يذكر نعمته عليهم في إنزال المطر ونعمة الشرب فقال: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) أي :إن الذي خلق لكم الأنعام والخيل وسائر البهائم لمنافعكم ومصالحكم هو الذي أنزل المطر من السماء عذبًا زلالًا تشربون منه25.
هذا الماء يذكر هنا نعمة من نعم الله فيه، وهو (ﭿ ﮀ ﮁ) فهي خصوصية الشراب التي تبرز في هذا المجال26.
وقوله: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الواقعة: ٦٨-٦٩].
لما ذكر تعالى نعمته على عباده بالطعام، ذكر نعمته عليهم بالشراب العذب الذي منه يشربون، وأنهم لولا أن الله يسره وسهله، لما كان لكم سبيل إليه27.
وتخصيص هذا الوصف (ﮱ ﯓ) بالذكر، مع كثرة منافع الماء؛ لأن الشرب أهم المقاصد التي من أجلها أنزل سبحانه الماء من السحاب، ولأن شرب الماء من أعظم النعم على الإنسان28.
فهذه الآيات السابقة تتجلى هداياتها في بيان عظيم نعمة الشرب التي امتن الله بها على عباده، وإنزال الماء الذي فيه وبه قوام حياتهم.
قصد القرآن من ورائها بجانب الامتنان على العباد، الاستدلال بنعمة الشرب وغيرها على وحدانية الله، أو إثبات البعث، أو الاثنين معًا.
ومن ذلك قوله: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الواقعة: ٦٨-٦٩].
أي : أخبروني أيها الناس عن الماء العذب الذي تشربونه لإطفاء العطش، أأنتم أنزلتموه من السحاب، أم نحن المنزلون بقدرتنا دون غيرنا، فكيف لا تقرون بالتوحيد، وتصدقون بالبعث؟29.
وفي قوله: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)
ففي الآية نلحظ أن صيغة تعريف المسند إليه والمسند أفادت الحصر، أي : هو لا غيره. وهذا قصر على خلاف مقتضى الظاهر؛ لأن المخاطبين لا ينكرون ذلك، ولا يدعون له شريكًا في ذلك، ولكنهم لما عبدوا أصنامًا لم تنعم عليهم بذلك، كان حالهم كحال من يدعي أن الأصنام أنعمت عليهم بهذه النعم، فنزلوا منزلة من يدعي الشركة لله في الخلق، فكان القصر قصر إفراد تخريجًا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر30.
وذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته في نعمة الشرب، وأن هذه النعمة وما يكتنفها من نعم أعظم دليل على وحدانية الله، وقدرته على بعث المخلوقات للحساب والجزاء.
وذلك نحو قوله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف: ٣١].
وسواء كان الأمر للوجوب أو للإباحة، ففي ذلك بيان نعمة الله على عباده؛ حيث أمرهم بما فيه منفعتهم، وأرشدهم إلى ما فيه وبه قوام حياتهم.
قال الشيخ الشعراوي عند تفسير هذه الآية: «والمأكل والمشرب من الأمور المباحة؛ لأن فيها مقومات الحياة»31.
وهذا من رحمة الله بعباده، فالله أنزل الماء من السماء؛ ليسقى البشر، والزرع والغراس، والأعشاب التي يكون منها طعام الإنسان والحيوان، وكل ما يدب على ظهر الأرض.
فمن ذلك قوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)
ففي هذه الآية يخبرنا الله أن الذي خلق لكم الأنعام والخيل وسائر البهائم لمنافعكم ومصالحكم هو الذي أنزل المطر من السماء عذبًا زلالًا تشربون منه، وتسقون أشجاركم ونباتكم التي تسيمون فيها أنعامكم، وفيها ترعى32.
فالآية استئناف لذكر دليل آخر من مظاهر بديع خلق الله تعالى أدمج فيه امتنان بما يأتي به ذلك الماء العجيب من المنافع للناس من نعمة الشراب، ونعمة الطعام للحيوان الذي به قوام حياة الناس وللناس أنفسهم33.
وقوله: (ﭿ ﮀ ﮁ) أي : أن الماء لكم منه شراب، تشربونه وتدفعون به العطش، وعبر سبحانه بقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ) ليشمل شربه ريًا وسقيًا34.
وهذا الماء الذي أنعم الله علينا بشربه، ذكر العلماء عجائب خواصه وتكوينه، فهو سائل شفاف، وهو في نقائه لا لون له، ولا رائحة، ولا طعم، ويتركب جزيء الماء من ذرتين من ذرات غاز الهيدروجين، وذرة واحدة من ذرات غاز الأوكسجين، وترتبط هذه الذرات الثلاث مع بعضها البعض برابطتين تساهميتين تشكلان فيما بينهما زاوية قدرها (١٠٥ من الدرجات).
وقد جعل ذلك لجزيء الماء قطبين كهربيين يحمل أحدهما شحنتين موجبتين، ويحمل الآخر شحنة سالبة مكافئة، وهذه الخاصية وفرت للماء -بأمر الله- من الصفات الطبيعية والكيميائية ما جعل منه أقوى مذيب معروف، وبالتالي جعله من أهم ضرورات الحياة، فأجساد الكائنات الحية يغلب على تركيبها الماء الذي تتراوح نسبته في جسم الإنسان بين (٧١٪) في الإنسان البالغ و (٩٣٪) في الجنين ذي الأشهر المعدودة. والماء العادي يحتوي على مواد كثيرة مختلفة، لكن الهيدروجين والأكسجين يشكلان الجزء الأكبر من تركيبه.
ويتميز الماء بخواص فيزيائية وكيميائية تجعله أهم مادة في الطبيعة على الإطلاق، بالنسبة إلى جميع الكائنات الحية، ومن عجائب تكوين الماء في تركيبه أنه مؤلف من هيدروجين وأوكسجين، فالهيدروجين مادة مشتعلة، والأوكسجين مادة تساعد على الاحتراق، فالهيدروجين نار، والأوكسجين نار، ولما التقيا صارت الحياة، وصار الماء، (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يس: ٨٢]35.
ومن ذلك قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الفرقان: ٤٨-٤٩].
فالآيات بيان لبعض بدائع آثار قدرته تعالى وحكمته، وروائع أحكام رحمته، ونعمه الفائضة على الخلق، وتلوين الخطاب لتوفية مقام الامتنان36.
والآيات تخبرنا أن الله هو الذي رحم عباده وأدر عليهم رزقه، بأن أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته وهو المطر، ومن بركته أنه أنزله ليحيي به بلدة ميتًا، فتختلف أصناف النوابت والأشجار فيها مما يأكل الناس والأنعام (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) أي: نسقيكموه أنتم وأنعامكم37.
وهنا يثور سؤال، وهو لم خص الإنسان والأنعام هاهنا بالذكر، دون الطير والوحش مع انتفاع الكل بالماء؟
الجواب: لأن الطير والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب، بخلاف الأنعام لأنها قنية38 الأناسي وعامة منافعهم متعلقة بها، فكأن الإنعام عليهم بسقي أنعامهم كالإنعام عليهم بسقيهم39.
وأخر ذكر الإنسان عن النبات والحيوان لحاجته إليهما في حياته، ولأنهم إذا ظفروا بماء يسقى أرضهم ومواشيهم، لم يعدموا ما يكون منه سقياهم40.
وفي تقديم الأنعام على الناس إشارة إلى أن رحمة الله تسرى في الكائنات كلها، وأنها ليست للناس وحدهم، وليس هذا فحسب، فإنه مع تقديم الأنعام على الناس، كان التعبير بـ«ما» التي هي لغير العقلاء، بدلا من «من» الذي للعقلاء، فقال تعالى: (ﮚ ﮛ) بدلا «ممن خلقنا» وذلك لتوكيد المعنى المقصود هنا، وهو أن الأنعام لها عند الله وزنها وتقديرها، وأنها إذ كانت أقل حيلة من الإنسان، فقد كفل الله لها حاجتها، وقدم مطلوبها على مطلوب الإنسان41.
فالآيات السابقة تبرز هداياتها في بيان بعض بدائع آثار قدرته تعالى وحكمته، وروائع أحكام رحمته، وسابغ إحسانه، ونعمه الفائضة على الخلق، والمنافع الناجمة لهم ولأنعامهم وزروعهم من إنزال الماء الذي فيه سر الحياة، وأنه لولا هذا الماء الذي ينزل من السماء، ما كان للحياة أثر على هذه الأرض.
ثانيًا: أصناف الشاربين:
ذكر القرآن أثناء حديثه عن الشرب أصنافًا وأشخاصًا امتن الله عليهم بنعمة الشرب، وذكر القرآن لهؤلاء الأشخاص تكريم لهم، وبيان لعناية الله بهم.
وما يأتي بيان لأمثلة من هذه الأصناف والأشخاص؛ طلبًا للاختصار:
١. البشرية جميعًا.
فقد امتن الله في كتابه على البشرية جميعًا بنعمة الشرب، وكل الآيات التي تناولت الشرب في الدنيا في مقام الامتنان، هي نعمة على البشرية جميعًا، ومن هذه الآيات قوله: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الواقعة: ٦٨] لتحيوا به أنفسكم، وتسكنوا به عطشكم42.
٢. بنو إسرائيل.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [البقرة: ٦٠].
فقد ذكر الله اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بنعمة من أجل نعمه على آبائهم، وهي إغاثتهم في التيه بالماء بعد أن اشتد بهم العطش، وهذه النعمة كانت نافعة لهم في دنياهم؛ لأنها أزالت عنهم الحاجة الشديدة إلى الماء ولولاه لهلكوا، وكانت نافعة لهم في دينهم؛ لأنها من أظهر الأدلة على وجود الله. وعلى قدرته وعلمه، ومن أقوى البراهين على صدق موسى عليه السلام في نبوته.
ومعنى الآية الكريمة: واذكروا يا بني إسرائيل وقت أن أصاب آباءكم العطش الشديد وهم في صحراء مجدبة، فتوسل إلينا نبيهم موسى عليه السلام في خشوع وتضرع أن أمدهم بالماء الذي يكفيهم، فأجبناه إلى ما طلب، إذ أوحينا إليه أن اضرب بعصاك الحجر، ففعل، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا بمقدار عدد الأسباط، وصار لكل سبط منهم مشرب يعرفه ولا يتعداه إلى غيره، وقلنا لهم: تمتعوا بما من الله به عليكم من مأكول طيب ومشروب هنيء رزقكم الله إياه من غير تعب ولا مشقة43.
وقوله: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ) كأنه أمر كل سبط أن لا يشرب إلا من جدول معين حسمًا لمادة التشاجر، فإن العادة في الرهط الواحد أن لا يقع بينهم من التنازع مثل ما يقع بين المختلفين. وهذا أيضًا من تمام النعمة عليهم44.
وأما إضافة المشرب إليهم فلأنه تعالى لما أباح لكل سبط من الأسباط ذلك الماء، الذي ظهر من ذلك الشق الذي يأتيه، صار ذلك كالملك لهم. وجازت إضافته إليهم45.
٣. مريم عليها السلام.
قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [مريم: ٢٤-٢٦].
فقد ذكر سبحانه جانبًا من إكرامه لمريم عليها السلام في تلك الساعات العصيبة من حياتها بعد ولادتها عيسى عليه السلام، مبينًا أن الله لم ينسك ولم يتركك، بل أجرى لك تحت قدميك جدولًا ساريًا- الأرجح أنه جرى للحظته من ينبوع، أو تدفق من مسيل ماء في الجبل- وهذه النخلة التي تستندين إليها هزيها فتساقط عليك رطبًا ، فهذا طعام وذاك شراب46.
وفي تخصيص الرطب: لأن «الطعام الحلو مناسب للنفساء»47، والرطب والتمر من أجود طعام النفساء.
وقدم الأكل على الشرب لأن احتياج النفساء إلى أكل الرطب أشد من احتياجها إلى شرب الماء؛ لكثرة ما سال منها من الدماء48.
وفرع على التسلية الأمر بالأكل والشرب؛ لأن الحزين قد لا يتفرغ لمثل ذلك، وأكد ذلك بالأمر الأخير49.
٤. أيوب عليه السلام.
قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [ص: ٤١-٤٢].
الآيات تخبرنا أن الله ابتلى عبده أيوب ببعض الأمراض التي لا تتنافى مع منصب النبوة، وقد صبر أيوب على ذلك حتى ضرب به المثل في الصبر، وقد توجه إلى ربه بالشكوى مما يلقى من إيذاء الشيطان، ولما عرف ربه منه صدقه وصبره، ونفوره من محاولات الشيطان، وتأذيه بها، أدركه برحمته، وأنهى ابتلاءه، وأعطاه من فضله الكثير من نعمه.
وقد أمره أن يضرب الأرض بقدمه، فتتفجر عين باردة، وقلنا له: هذا الماء النابع من العين إذا اغتسلت به وشربت منه ذهب كل مرض في داخل جسدك، ثم اغتسل به فيذهب ما كان في ظاهر بدنك، وتبرأ من الأمراض، ففعل ما أمرناه به، فبرئ بإذننا من كل داء50.
وظاهر اللفظ يدل على أنه نبعت له عين واحدة من الماء اغتسل منه، وشرب 51، وقد ذكر بعض التابعين أنه نبعت له حين ضرب برجله الأرض عينان، فشرب من إحداهما، واغتسل من الأخرى52.
فالآيات فيها بيان لنعمة الله على عبده أيوب عليه السلام باستجابة الدعاء، وإزالة ما به من الضر والمرض، وشفائه وسقيه من هذا الماء المبارك الذي أخرجه له من الأرض؛ جزاء لصبره على البلاء، وفي الآيات بيان أن من صبر على الضر فالله تعالى يثيبه ثوابًا عاجلًا وآجلًا.
ثالثًا: الأشربة:
فقد أنعم الله على عباده بالأشربة المباحة، وقد نص القرآن على عدد من الأشربة التي امتن الله بها على عباده، وهي: الماء، والألبان، والعسل؛ من باب التنبيه على أهميتها، وبيان نعمة الله على عباده. وسيأتي في المبحث الآتي تفصيل لذلك، فنقتصر على ما ذكرناه؛ لعدم التكرار.
مشروبات مباحة:
امتن الله على عباده بالإباحة للأشياء، فسخر لهم ما في السماوات والأرض نعمة منه ورحمة، قال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة: ٢٩].
وقال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الأعراف: ٣٢].
وهذه قاعدة عظيمة، فإن الأصل في كل شيء الحل حتى يوجد من الشرع دليل يخرجه من الحل إلى الحرمة، وأن ما يخرج من الحل إلى حرمة أو كراهة مفصل في الكتاب والسنة، وهو محصور معدود يمكن أن تستقصى أفراده، ألم تقرأ قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأنعام: ١٥١].
وقوله: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأنعام: ١١٩].
ومن هذا المنطلق فقد أباح الله لعباده كل الأشربة، إلا ما حرمه عليهم بالقرآن والسنة، وهذه الأشربة المباحة لا عدد لها ولا حصر، والدليل على ذلك أنه قال: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف: ٣١].
فلم يذكر ما الذي يشرب، والقاعدة تقول: إن حذف المتعلق يفيد العموم، فهذا يدل على أن جميع الأشربة مباحة إلا ما خصه الدليل بالتحريم.
قال الرازي: «قوله: (ﭙ ﭚ) مطلق يتناول الأوقات والأحوال، ويتناول جميع المطعومات والأشربة، فوجب أن يكون الأصل فيها هو الحل في كل الأوقات وفي كل المطعومات والأشربة إلا ما خصه الدليل المنفصل؛ لأن الأصل في المنافع الحل والإباحة»53.
إلا أن القرآن نص على بعض الأشربة، من باب التنبيه على أهميتها، وبيان نعمة الله على عباده، وهذا بيانها:
١. الماء.
الماء أصل الحياة، وعنصرها الذي لا تنشأ إلا به كما قدر الله، فقد خلق الله الإنسان والدواب وجميع الكائنات الحية من الماء ، كما قال في محكم كتابه: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الأنبياء: ٣٠].
وقد امتن الله على عباده بنعمة الماء وإنزاله من السماء، وجعله ينابيع في الأرض، يستخدمونه في أي وقت يشاءون لشربهم، وشرب أنعامهم وزروعهم، ولمنافعهم.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الحجر: ٢٢].
أي: وسخرنا الرياح، رياح الرحمة تلقح السحاب، فينشأ عن ذلك الماء بإذن الله، فيسقيه الله العباد ومواشيهم وأرضهم، ويبقى في الأرض مدخرًا لحاجاتهم وضروراتهم ما هو مقتضى قدرته ورحمته54.
وقوله: (ﮏ) أي : جعلناه لكم سقيًا، وهو أبلغ من «سقينا كموه» لما فيه من الدلالة على جعل الماء معدًا لهم ينتفعون به متى شاءوا55.
وقال ربنا: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [النحل: ١٠].
أي: أن الماء لكم منه شراب، تشربونه وتدفعون به العطش، وعبر سبحانه بقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ) ليشمل شربه ريًا وسقيا، ويشمل اتخاذه محلى بمادة من مواد الحلوى، وليشمل الشراب الذي يكون من النبات والكروم غير المتخمر، فإن الماء أصل ذلك كله56.
وامتن الله على عباده في كتابه بأنه أنزل لهم من السماء ماء طهورًا عذبًا فراتًا، صالحًا للشرب، فقال: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الفرقان: ٤٨-٤٩].
وقال: (ﭴ ﭵ ﭶ) [المرسلات: ٢٧]. أي: عذبًا سائغًا للشاربين.
ومن رحمة الله بعباده أنه لم يجعل ماء الشرب مالحًا، تكرهه النفوس، مع قدرته على ذلك، فامتن على عباده بهذه النعمة فقال: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الواقعة: ٦٨-٧٠].
فتخصيص هذا الوصف، وهو (ﮱ ﯓ) بالذكر، مع كثرة منافع الماء ، لأن شرب الماء من أعظم النعم على الإنسان57. وفي الآيات بيان لمظهر من مظاهر رحمته سبحانه، فلو نشاء أن نجعل هذا الماء النازل من المزن لشربكم، ماء جامعًا بين الملوحة والمرارة مكروهًا للنفوس، لا ينتفع به، لفعلنا، ولكنا لم نشأ ذلك رحمة بكم، وفضلًا منا عليكم.
فالآيات السابقة تتجلى هداياتها في بيان أن من نعم الله على الإنسان «نعمة الماء»، آية من آيات الله، خلق الله منه الكائنات، لا غنى للناس عنه؛ فهو سبب بقائهم، وأساس حياتهم، منه يشربون ويزرعون ويأكلون، وفيه منافع لهم ولأنعامهم.
والماء لم تنقص قيمته لا بتقدم الإنسانية ولا بتخلفها، بل لقد زادت أهميته ثم زادت، حتى صاروا يتحدثون عن الأمن المائي والصراع على موارد المياه ومصادرها ومنابعها.
فإنه يعد القرن الجديد «الألفية الثالثة»، قرن الصراع على المياه، حيث أخذت مشكلات استثماره، تشغل حيزًا كبيرًا في الأحداث العالمية المعاصرة، بل وفي رسم المستقبل السياسي لكثير من دول العالم. ومن الملاحظ، أن الخريطة المائية تظهر خطوطا متشابكة للتداخل الدولي في أحواض أنهارها، وفي استثمار مواردها مما يترك علاج هذا الاستثمار، رهينًا بالعلاقات القائمة بين الدول ذات العلاقة، التي تقوم في الأساس على مبدأ القوة أولًا، ومدى الاحترام المتبادل للاتفاقيات القائمة بينها ثانيًا».
٢. ألبان الأنعام.
من النعم التي امتن الله بها على العباد نعمة شرب ألبان الأنعام على اختلافها ما بين إبل وبقر وغنم، وقد امتن الله على عباده بهذه النعمة في كتابه فقال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النحل: ٦٦].
فهذه حجة أخرى، ومنة من المنن الناشئة عن منافع خلق الأنعام، أدمج في منتها العبرة بما في دلالتها على بديع صنع الله، حيث أسقاكم من بطونها المشتملة على الفرث والدم، فأخرج من بين ذلك لبنًا خالصًا من الكدر سائغًا للشاربين، للذته، ولأنه يسقي ويغذي58.
وقوله سبحانه: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) بيان لموطن العبرة، ومحل النعمة، ومظهر الدلالة على وحدانية الله تعالى وقدرته ورحمته.
وخلوصه: نزاهته مما اشتمل عليه البول والثفل59، وسوغه للشاربين: سلامته مما يشتمل عليه الدم من المضار لمن شربه، فلذلك لا يسيغه الشارب ويتجهمه6061.
وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ) [يس: ٧١-٧٣].
أي: أو لم يشاهد هؤلاء المشركون بالله أنا خلقنا لهم أنعامًا من الإبل والبقر والغنم يصرفونها كما شاءوا، فهي ذليلة منقادة لهم، وسخرنا لهم هذه الأنعام، فمنها ما يركبون في الأسفار، ويحملون عليه الأثقال، ومنها ما ينحرون، فيأكلون لحومها، ولهم فيها منافع أخرى غير الركوب والأكل منها، كالجلود والأصواف والأوبار والأشعار ولهم منها مشارب من ألبانها ونتاجها62.
وقوله: (ﭥ) هو محل الامتنان، أي :لأجلهم؛ فإن جميع المنافع التي على الأرض خلقها الله لأجل انتفاع الإنسان بها؛ تكرمة له63.
وقوله: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ) بيان لفوائد أخرى غير الركوب والأكل؛ وذلك لأن من الحيوانات ما لا يركب كالغنم، فقال: (ﭧ) لتعمها، والمشارب كذلك عامة، إن قلنا: بأن المراد جمع مشرب وهو الآنية، فإن من الجلود ما يتخذ أواني للشرب والأدوات من القرب وغيرها.
وإن قلنا: إن المراد: المشروب وهو الألبان والأسمان، فهي مختصة بالإناث، ولكن بسبب الذكور؛ فإن ذلك متوقف على الحمل، وهو بالذكور والإناث64.
وقوله: (ﭨﭩ) مصدر بمعنى المفعول65، والمراد به اللبن، وخص مع دخوله في المنافع؛ لشرفه واعتناء العرب به، وجمع باعتبار أصنافه، ولا ريب في تعددها، وتعميم المشارب للزبد والسمن
والجبن والأقط66 لا يصح إلا بالتغليب، أو التجوز؛ لأنها غير مشروبة67.
فالآيات فيها بيان لفضل الله على عباده في تذليل الأنعام لهم، وتسخيرها لمنافعهم المختلفة، وامتنان من الله على عباده بنعمة ألبان هذه الأنعام.
٣. العسل.
من الأشربة المباحة التي امتن الله بها على عباده شراب العسل الذي يخرج من النحل، فقال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النحل: ٦٨ - ٦٩].
فالله يخبر عباده بأنه جعل لهم آية في خلق هذه النحلة الصغيرة، التي هداها الله هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها ، ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ، مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة. فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعي سواه68.
فالآيات عطف عبرة على عبرة ، ومنة على منة، وغير أسلوب الاعتبار لما في هذه العبرة من تنبيه على عظيم حكمة الله تعالى؛ إذ أودع في خلقة الحشرة الضعيفة هذه الصنعة العظيمة وجعل فيها هذه المنفعة69.
وجملة (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) مستأنفة استئنافًا بيانيًا؛ لأن ما تقدم من الخبر عن إلهام النحل تلك الأعمال يثير في نفس السامع أن يسأل عن الغاية من هذا التكوين العجيب، فيكون مضمون جملة (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) بيانًا لما سأل عنه. وهو أيضًا موضع المنة كما كان تمام العبرة70.
وجيء بالفعل المضارع (ﮟ) للدلالة على تجدد الخروج وتكرره71.
وقد وصف الله العسل بهذه الصفات الثلاثة:
فالصفة الأولى: كونه شرابًا والأمر كذلك؛ لأنه تارة يشرب وحده، وتارة يتخذ منه الأشربة.
وعبر عن العسل باسم الشراب دون العسل لما يومئ إليه اسم الجنس من معنى الانتفاع به، وهو محل المنة، وليرتب عليه جملة (ﮥ ﮦ ﮧﮨ)، وسمي شرابًا لأنه مائع يشرب شربًا ولا يمضغ.
والصفة الثانية: قوله: (ﮣ ﮤ) والمعنى: أن منه أحمر وأبيض وأصفر، وغير ذلك من ألوان العسل، على حسب اختلاف مراعيها ومآكلها، وغير ذلك بما اقتضته حكمته سبحانه، ووصفه بـ (ﮣ ﮤ) لأن له مدخلًا في العبرة؛ فذلك من الآيات على عظيم القدرة ودقيق الحكمة72.
والصفة الثالثة: قوله: (ﮥ ﮦ ﮧﮨ)، وسيأتي الحديث عن هذه الصفة في المبحث الأخير.
والآيات السابقة تتجلى فيها قدرة الله في خلق النحلة الصغيرة وما يخرج من بطونها من عسل لذيذ، مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، وفي ذلك دليل على كمال عناية الله وتمام لطفه بعباده، وأنه لا ينبغي أن يحب غيره ويرجى سواه.
ثانيًا :مشروبات محرمة:
التحريم لم يأت في شريعة الإسلام إلا لشيء كانت مفسدته خالصة أو غالبة، وجميع المحرمات لا تخلو من أن تكون على واحد من الوصفين، والله ما حرم شيئًا على عباده إلا وفي هذا التحريم مصلحة لهم؛ لذلك حرم عليهم بعض الأشربة لضررها وخبثها، وقد ذكر القرآن من هذه الأشربة المحرمة الخمر والدم.
١. الخمر.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩٠-٩١].
هذه الآيات هي المرحلة الأخيرة التي مر بها تحريم الخمر، وتخبرنا الآيات أنه بعد أن نهى الله سبحانه فيما سلف عن تحريم ما أحل الله من الطيبات، وأمر بأكل ما رزق الله من الحلال الطيب، وكان من جملة الأمور المستطابة عند العرب الخمر والميسر، لا جرم أن بين عز اسمه أنهما غير داخلين فيما يحل، بل هما مما يحرم73.
وقد وصف الله هذه الأقسام الأربعة بوصفين:
الأول: قوله: (ﭙ) والرجس في اللغة كل ما استقذر من عمل. فالرجس هو العمل الذي يكون قوي الدرجة كامل الرتبة في القبح.
الوصف الثاني: قوله: (ﭚ ﭛ ﭜ) وهذا أيضًا مكمل لكونه رجسًا ،لأن الشيطان نجس خبيث والخبيث ، لا يدعو إلا إلى الخبيث74.
وقد ذكر الله في هذه الآيات نوعين من المفسدة في الخمر:
النوع الأول: ما يتعلق بالدنيا : وهو قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) فالظاهر فيمن يشرب الخمر أنه يشربها مع جماعة، ويكون غرضه من ذلك الشرب أن يستأنس برفقائه ويفرح بمحادثتهم ومكالمتهم، فكان غرضه من ذلك الاجتماع تأكيد الألفة والمحبة إلا أن ذلك في الأغلب ينقلب إلى الضد؛ لأن الخمر يزيل العقل، وإذا زال العقل استولت الشهوة والغضب من غير مدافعة العقل، وعند استيلائهما تحصل المنازعة بين أولئك الأصحاب، وتلك المنازعة ربما أدت إلى الضرب والقتل والمشافهة بالفحش، وذلك يورث أشد العداوة والبغضاء.
النوع الثاني: المفاسد المتعلقة بالدين، وهو قوله: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) وشرب الخمر يمنع عن ذكر الله والصلاة؛ لأن شرب الخمور يورث الطرب واللذة الجسمانية، والنفس إذا استغرقت في اللذات الجسمانية غفلت عن ذكر الله تعالى75.
والقرآن وإن كان قد ذكر نوعين من مفسدة الخمر، فقد ذكر الأهم، والخمر فيها مفاسد أخرى، ولها أضرار كثيرة، منها أضرار صحية، فهي تحدث أضرارًا جسيمة بأجهزة الجسم المختلفة، كالجهاز العصبي والدوري والهضمي والتناسلي والجلد والعظام و الأسنان وغيرها، ومنها أضرار اجتماعية، وأضرار أمنية، وأضرار اقتصادية تتعلق بالمتعاطي، وتتعلق باقتصاد الدول، مما يؤكد أن الله ما حرمها إلا لضررها.
وقوله: (ﭳ ﭴ ﭵ) والاستفهام هنا تقريري، فكأنه قيل له: أتفعله بعد ما قد ظهر من قبحه ما قد ظهر؟76.
والآيات دالة على تحريم شرب الخمر من وجوه:
أحدها: تصدير الجملة بإنما، وذلك لأن هذه الكلمة للحصر، فكأنه تعالى قال: لا رجس ولا شيء من عمل الشيطان إلا هذه الأربعة.
وثانيها: أنه تعالى قرن الخمر والميسر بعبادة الأوثان.
وثالثها: أنه تعالى أمر بالاجتناب، وظاهر الأمر للوجوب.
ورابعها: أنه قال: (ﭞ ﭟ) جعل الاجتناب من الفلاح، وإذا كان الاجتناب فلاحًا كان الارتكاب خيبة.
وخامسها: أنه شرح أنواع المفاسد المتولدة منها في الدنيا والدين، وهي وقوع التعادي والتباغض بين الخلق وحصول الإعراض عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة.
وسادسها: قوله: (ﭳ ﭴ ﭵ) وهو من أبلغ ما ينتهى به، كأنه قيل: قد تلي عليكم ما فيها من أنواع المفاسد والقبائح فهل أنتم منتهون مع هذه الصوارف؟ فالاستفهام في الآية خرج عن بابه إلى الأمر، أي: انتهوا.
وسابعها: أنه تعالى قال بعد ذلك: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [المائدة: ٩٢].
فظاهره أن المراد: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فيما تقدم ذكره من أمرهما بالاجتناب عن الخمر والميسر، وقوله (ﭻﭼ) أي :احذروا عن مخالفتهما في هذه التكاليف.
وثامنها: (ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) وهذا تهديد عظيم ووعيد شديد في حق من خالف في هذا التكليف وأعرض فيه عن حكم الله، وبيانه، يعني : أنكم إن توليتم فالحجة قد قامت عليكم والرسول قد خرج عن عهدة التبليغ والإعذار والإنذار، ولا شك أنه تهديد شديد، فصار كل واحد من هذه الوجوه الثمانية دليلًا قاهرًا وبرهانًا باهرًا في تحريم الخمر77.
٢. الدم المسفوح.
ورد تحريم الدم في أربع آيات من القرآن، منها قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة: ١٧٣].
وقوله: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الأنعام: ١٤٥].
فالله يخبر عباده المؤمنين في الآية الأولى أنه حرم عليهم بعض الأطعمة وغيرها؛ لما لها من ضرر اعتقادي أو دنيوي عليهم، ومن هذه المحرمات الدم.
ونص الله على تحريمه لأن العرب كانت تأكل الدم، كانوا يأخذون المباعر78 فيملأونها دمًا، ثم يشوونها بالنار ويأكلونها79.
وقد ورد تحريم الدم مطلقًا في ثلاث آيات من القرآن، وورد في الآية الرابعة مقيدًا بالدم المسفوح في قوله: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) والدم المسفوح: هو الدم الجاري المهراق من البهيمة بعد ذبحها، فعلى ذلك يحمل المطلق على المقيد، فيكون تحريم الدم مقيدًا بالدم المسفوح، وأما الدم المتبقي في أجزاء لحم البهيمة بعد تذكيتها فلا شيء فيه80.
وتتجلى حكمة تحريم الدم فيما يأتي:
ولا شك، فإن تكرار شرب الدماء لمن اعتاد عليها، وهي مشبعة بهذا الغاز القاتل، مؤدٍ إلى أضرار صحية بالغة الخطورة قد تودي بحياة الإنسان.
وتتميمًا للفائدة أقول: من رحمة الله بعباده أن الله أحل تناول الأطعمة والأشربة المحرمة عند الضرورة؛ لأن التحريم كان بسبب المفاسد الناتجة من ذلك، والمعارضة لحفظ الضروريات الخمس، فالخمر يحل شربها دفعًا لهلاك النفس؛ لأن حفظ النفس ضروري، فكان لابد من تحصيله بإباحة المحرم، وإذا أباحه الله للضرورة فذلك بشرطين: غير باغ، أي: غير طالب للمحرم، مع قدرته على الحلال، أو مع عدم جوعه، ولا عادٍ، أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له، اضطرارًا، وذلك ما ورد في قوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [البقرة: ١٧٣].
والآيات السابقة تتضح فيها رحمة الله بعباده؛ حيث نهاهم عما فيه مضرتهم في أبدانهم وعقولهم، حيث لم يحرم عليهم الخمر والدم إلا وفي هذا التحريم مصلحة لهم، وحفظ لأبدانهم وعقولهم.
فائدة مهمة:
كما ورد تقييد الدم بالمسفوح في القرآن، فقد ورد تقييده في السنة أيضًا، فأحل النبي صلى الله عليه وسلم من الدم الكبد والطحال، كما ورد في حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال)82.
أقام الله الدنيا على الابتلاء، كما قال: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الملك: ٢].
والله له أن يبتلي عباده بما يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك، والابتلاء يكون بالخير والشر كما قال: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ) [الأنبياء: ٣٥].
فالابتلاء يكون بالنعم أيضًا، وقد ابتلى الله بعض عباده ببعض النعم، ومن هذه النعم التي ابتلى الله بها بعض عباده نعمة الماء وشربه، وقد قص القرآن ذلك علينا من قصة بني إسرائيل، وقصة ثمود.
أولًا: بنو إسرائيل:
ورد ابتلاء بني إسرائيل بنعمة الماء وشربه في قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة: ٢٤٩].
والآيات قبل ذلك تحكي قصة الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام إذ طلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكًا يقاتلون معه في سبيل الله، فأخبرهم نبيهم أنه قد يفرض عليهم القتال ولا يمتثلون، فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلًا منهم، وأخبرهم نبيهم أن الله قد اختار طالوت ملكًا عليهم، وأقام لهم الأدلة -بعد جدالهم- العقلية والمادية على أحقية طالوت في الملك عليهم، وبعد أن قامت الأدلة أيقنوا بذلك، فخرج طالوت بجنوده لملاقاة العدو ويتجلى لنا مصداق حكمة الله في اصطفاء هذا الرجل ، إنه مقدم على معركة ومعه جيش من أمة مغلوبة، عرفت الهزيمة والذل في تاريخها مرة بعد مرة، وهو يواجه جيش أمة غالبة فلابد إذن من قوة كامنة في ضمير الجيش تقف به أمام القوة الظاهرة الغالبة، هذه القوة الكامنة لا تكون إلا في الإرادة. الإرادة التي تضبط الشهوات والنزوات، وتصمد للحرمان والمشاق، فتجتاز الابتلاء بعد الابتلاء، فلابد للقائد المختار إذن أن يبلو إرادة جيشه، وصموده وصبره.
واختار هذه التجربة وهم كما تقول الروايات عطاش؛ ليعلم من يصبر معه ممن ينقلب على عقبيه، ويؤثر العافية وصحت فراسته (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) فهو عاص ولا يتبعنا لعدم صبره وثباته ولمعصيته (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) أي: لم يشرب منه فإنه مني (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) فلا جناح عليه في ذلك، ولعل الله أن يجعل فيها بركة فتكفيه، وفي هذا الابتلاء ما يدل على أن الماء قد قل عليهم ليتحقق الامتحان، فعصى أكثرهم وشربوا من النهر الشرب المنهي عنه، (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) ورجعوا على أعقابهم ونكصوا عن قتال عدوهم، وكان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة أكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول وتحصل فيه المشقة الكبيرة، وكان من الخير ومن الحزم أن ينفصلوا عن الجيش الزاحف؛ لأنهم بذرة ضعف وخذلان وهزيمة83.
وظاهر قول طالوت: (ﭖ ﭗ ﭘ) أن ذلك بوحي إلى النبي وإخبار من النبي لطالوت، ويحتمل أن يكون هذا مما ألهم الله طالوت إليه، فجرب به جنده، وجعل الإلهام ابتلاء من الله لهم، وهذه النزعة واجب أن تقع من كل متولي حرب، فليس يحارب إلا بالجند المطيع84.
وحكمة هذا الابتلاء وجهان:
الأول: كان مشهورًا من بني إسرائيل أنهم يخالفون الأنبياء والملوك مع ظهور الآيات الباهرة، فأراد الله تعالى إظهار علامة قبل لقاء العدو، يتميز بها من يصبر على الحرب ممن لا يصبر؛ لأن الرجوع قبل لقاء العدو لا يؤثر كتأثيره حال لقاء العدو، فلما كان هذا هو الصلاح قبل مقاتلة العدو لا جرم قال: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) 85.
الثاني: أنه تعالى ابتلاهم ليتعودوا الصبر على الشدائد.
وقوله: (ﭟ ﭠ ﭡ) فيه سد للذرائع؛ لأن أدنى الذوق يدخل في لفظ الطعم، فإذا وقع النهي عن الطعم فلا سبيل إلى وقوع الشرب ممن يتجنب الطعم. ولهذه المبالغات لم يأت الكلام «ومن لم يشرب منه»86.
وقوله: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) مفهومه أن من طعمه ليس منه؛ ليعلم السامعون أن المغترف غرفة بيده هو كمن لم يشرب منه شيئًا، وأنه ليس دون من لم يشرب في الولاء والقرب87.
روي عن ابن عباس وقتادة وغيرهما أن القوم شربوا على قدر يقينهم. فشرب الكفار شرب الهيم، وشرب العاصون دون ذلك، وانصرف من القوم ستة وسبعون ألفًا، وبقي بعض المؤمنين لم يشرب شيئًا، وأخذ بعضهم الغرفة، فأما من شرب فلم يرو، بل برح به العطش، وأما من ترك الماء فحسنت حاله ، وكان أجلد ممن أخذ الغرفة88.
ثانيًا: قوم ثمود:
أرسل الله صالحًا عليه السلام إلى قومه ثمود، فدعاهم صالح إلى عبادة الله وحده، وأن يطيعوه فيما بلغهم من رسالة ربهم فأبوا وكذبوا، وكانت البشرية جيلًا بعد جيل تطلب خارقة معجزة من الرسول تدل على أنه حقًا مرسل من الله: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الشعراء: ١٥٤].
وهكذا طلبت ثمود تلك الخارقة، اقترحوا عليه آية يأتيهم بها ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم، وهو أن يخرج لهم الآن من هذه الصخرة ناقة عشراء صفتها كذا وكذا، فما كان منه إلا أن أخذ عليهم نبي الله صالح العهود والمواثيق: لئن أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به وليتبعنه، فأعطوه ذلك، فقام نبي الله صالح عليه السلام، فصلى، ثم دعا الله عز وجل أن يجيبهم إلى سؤالهم، فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عشراء، على الصفة التي وصفوها، فآمن بعضهم، وكفر أكثرهم89، ووصاهم صالح عليه السلام بأمرين:
الأول: قوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الشعراء: ١٥٥].
أي: لها حظ ونصيب من الماء، ولكم نصيب من الماء، فاقتنعوا بشربكم ولا تزاحموا على شربها90.
والثاني: قوله: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الشعراء: ١٥٦].
فابتلاهم الله بهذا الابتلاء، وأخبر في سورة القمر عن كيفية ذلك الابتلاء فقال: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [القمر: ٢٧ - ٢٨].
وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ) التعريف في الماء للعهد، أي ماء: القرية الذي يستقون منه، فإن لكل محلة ينزلها قوم ماء لسقياهم91.
وأخبر عن الماء بأنه قسمة، والمراد مقسوم، فهو من الإخبار بالمصدر للتأكيد والمبالغة92.
وضمير (ﭕﭖ) عائد إلى معلوم من المقام بعد ذكر الماء؛ إذ من المتعارف أن الماء يستقي منه أهل القرية لأنفسهم وماشيتهم، ولما ذكرت الناقة علم أنها لا تستغني عن الشرب، فغلب ضمير العقلاء على ضمير الناقة الواحدة، وإذ لم يكن للناقة مالك خاص أمر الله لها بنوبة في الماء93.
قال قتادة: إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله، وشربهم في اليوم الذي لا تشرب94.
وقال مجاهد: إن ثمود يحضرون الماء يوم نوبتهم فيشربون، ويحضرون يوم نوبتها فيحتلبون95. فكانت إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله أول النهار وتسقيهم اللبن آخر النهار، وإذا كان يوم شربهم كان لأنفسهم ومواشيهم وأرضهم، ليس لهم في يوم ورودها أن يشربوا من شربها شيئًا، ولا لها أن تشرب في يومهم من مائهم شيئًا96. وهذا مبدأ الفتنة، فإن الناقة كانت في يوم شربها تشرب ماء البئر كله، فشحوا بذلك وأضمروا منعها عن الماء، فأبلغهم صالح أن الله ينهاهم عن أن يمسوها بسوء97.
وقد جعلت القسمة على هذا الوجه لمنع الضرر؛ لأن حيوانات القوم كانت تنفر منها، ولا ترد الماء وهي عليه، فصعب ذلك عليهم98.
والمحتضر بفتح الضاد، اسم مفعول من الحضور وهو ضد الغيبة. والمعنى: محتضر عنده ، فحذف المتعلق لظهوره. وهذا من جملة ما أمر رسولهم بأن ينبئهم به، أي : لا يحضر القوم في يوم شرب الناقة، وهي بإلهام الله لا تحضر في أيام شرب القوم99.
فمكثت الناقة بين أظهرهم حينًا من الدهر ترد الماء، وتأكل الورق والمرعى، وينتفعون بلبنها، يحتلبون منها ما يكفيهم شربًا وريًا، ولكن ثمود لم يصبروا على الابتلاء، فلما طال عليهم الأمد وحضر شقاؤهم، تمالؤوا على قتلها وعقرها، وأهلكهم الله بسبب عنادهم وكفرهم وعصيانهم، كما أخبر القرآن.
بعد تأمل لما ورد في حديث القرآن عن الشرب، نتلمس بعض الأحكام المتعلقة بالشرب، ومنها:
١. عدم التحليل والتحريم بالأهواء.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [النحل: ١١٥-١١٧].
فالآية الأولى نصت على بعض المحرمات، ومنها تناول الدم، ثم تبين الآيات أن ذلك حد الحلال والحرام الذي شرعه الله في المطعومات، فلا تخالفوه اتباعًا لأوهام الوثنية، ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم وتحكيه: هذا حلال وهذا حرام. فهذا حلال وهذا حرام حين تقولونها بلا نص هي الكذب عينه، الذي تفترونه على الله. فالتحريم والتحليل لا يكونان إلا بأمر من الله، فهما تشريع. والتشريع لله وحده لا لأحد من البشر، وما يدعي أحد لنفسه حق التشريع بدون أمر من الله إلا مفتر، والمفترون على الله لا يفلحون، وليس لهم إلا المتاع القليل في الدنيا، ومن ورائه العذاب الأليم، والخيبة والخسران100.
وفي وصف ألسنتهم الكذب، مبالغة في وصف كلامهم بالكذب، حتى لكأن ماهية الكذب كانت مجهولة، فكشفت عنها ألسنتهم ووضحتها، ووصفتها، ونعتتها بالنعوت التي جلتها101.
والآية وإن كانت واردة في سياق تحريم بعض المطعومات والأشربة، إلا أنها عامة، كما قال ابن كثير: «ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئًا مما حرم الله، أو حرم شيئًا مما أباح الله، بمجرد رأيه وتشهيه»102.
فالآيات فيها بيان أن التحليل والتحريم حق لله، وليس لغيره، والذي يشرع بتحليل أو تحريم من نفسه مدع، ومفتر، وكذاب، وليس له إلا العذاب الأليم؛ جزاء تعديه على حق الله.
٢. الشكر.
نعم الله تعالى تترادف على عباده، وقيدها الشكر، وقد أمر الله عباده بالشكر وحضهم عليه في كثير من آيات القرآن، والمراد بالشكر: أن يواظب العبد على شكر ربه، وعلى المداومة على ما يرضيه، وعلى استعمال النعم فيما خلقت له.
ومن النعم التي يجب شكر الله عليها نعمة الشرب والأشربة التي أباحها الله لعباده، وقد ورد الحث على الشكر في غير آية من الآيات التي تحدثت عن نعمة الشرب.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الواقعة: ٦٨-٧٠].
وهذه الآيات فيها عدد من النعم، فيها نعمة الماء وإنزاله من السحاب، ونعمة شربه، ونعمه كونه عذبًا فراتًا، لم يجعله الله ملحًا، فبعد أن عدد الله على عباده النعم في هذه الآيات، حثهم على الشكر فقال: (ﯡ ﯢ) أي : فهلا شكرتم الله على هذه النعم الجليلة، التي هي ملاك حياتكم وحياة زروعكم، وحيواناتكم؟ وأخلصتم له العبادة والطاعة، ووضعتم نعمه في مواضعها؟ وكل نعمة من النعم المذكورة في الآيات تستحق الشكر بذاتها.
والملاحظ في هذه الآيات أن الله ذكر الشكر في الشرب، ولم يذكره في الطعام في الآيات السابقة في قوله: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الواقعة: ٦٣-٦٥].
وحكمة ذلك تتجلى فيما يأتي:
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في امتثال أوامر القرآن، فقد ورد أنه إذا شرب الماء قال: (الحمد لله الذي سقانا عذبًا فراتًا برحمته، ولم يجعله ملحًا أجاجًا بذنوبنا)104.
وفي ذلك تعليم لأمته أن تقتدي به في شكر نعمة الشرب وغيرها.
وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ) [يس: ٧١-٧٣].
فقد ذكر الله عباده في هذه الآيات بعدد من النعم من خلق الأنعام، وتمليكها لهم، وتسخيرها للركوب والأكل، وشرب ألبانها، وغير ذلك من المنافع، ثم حضهم على شكر هذه النعم وغيرها فقال: (ﭪ ﭫ) أفلا يشكرون هذه النعم التي توجب العبادة شكرًا، ولو شكرتم لزادكم من فضله، ولو كفرتم لسلبها منكم، فما قولكم؟ أفلا تشكرون استدامة لها واستزادة فيها؟105.
وقوله: (ﭪ ﭫ) استفهام تعجيبي لتركهم تكرير الشكر على هذه النعم المتعددة106.
وجيء بالفعل المضارع (ﭫ) المفيد للتجديد والاستمرار؛ لأن تلك النعم متتالية متعاقبة في كل حين107.
يقول سيد قطب: « (ﭪ ﭫ) وحين ينظر الإنسان إلى الأمر بهذه العين وفي هذا الضوء الذي يشيعه القرآن الكريم، فإنه يحس لتوه أنه مغمور بفيض من نعم الله، فيض يتمثل في كل شيء حوله، وتصبح كل مرة يركب فيها دابة، أو يأكل قطعة من لحم، أو يشرب جرعة من لبن، أو يتناول قطعة من سمن أو جبن،، لمسة وجدانية تشعر قلبه بوجود الخالق ورحمته ونعمته. ويطرد هذا في كل ما تمس يده من أشياء حوله، وكل ما يستخدمه من حي أو جامد في هذا الكون الكبير. وتعود حياته كلها تسبيحًا لله وحمدًا وعبادة آناء الليل وأطراف النهار ، ولكن الناس لا يشكرون»108.
والآيات السابقة تتجلى هداياتها في بيان أن الشرب نعمة عظمى من نعم الله على خلقه، وأنه يجب مقابلة هذه النعم بالشكر والاعتراف بمنعمها، وتسخيرها في طاعته.
٣. عدم الإسراف.
نهى الله عباده عن الإسراف في كل أمور حياتهم، ومما ورد النهي فيه عن الإسراف موضوع الشرب، فقد قال تعالى آمرًا عباده بالأكل والشرب من الطيبات، ناهيًا عن الإسراف: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الأعراف: ٣١].
والإسراف: تجاوز الحد المتعارف في الشيء109. والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي، والشره في المأكولات الذي يضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفه في المآكل والمشارب واللباس، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام110.
وقد بغض الله تعالى الإسراف للناس ببيان أنه سبحانه لا يحبه ولا يرضاه لعباده فقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) لأن الإسراف يؤدي إلى إضرار أبدانهم، وحرمان لغيرهم، وضياع لذوي الحاجة في الجماعة الإسلامية، كما قال ابن عباس: ما من مسرف إلا ووراءه حق مضيع. وقد أكد سبحانه وتعالى بغضه للإسراف بنفي المحبة، ومحبة الله مطلب المؤمنين111.
(ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ) هذا الأمر المقيد بما عطف عليه من النهي، إرشاد عال أيضًا فيه صلاح للبشر في دينهم ومعاشهم ومعادهم، لا يستغنون عنه في وقت من الأوقات، ولا عصر من الأعصار، وكل ما بلغوه من سعة العلم في الطب وغيره لم يغنهم عنه، بل هو يغني المهتدي به في أمره ونهيه عن معظم وصايا الطب لحفظ الصحة112.
قال بعض السلف: جمع الله الطب كله في نصف آية: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ)113.
وقال ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة114.
والآية تظهر هدايتها في لفت أنظارنا إلى الترشيد وعدم الإسراف، وهكذا علمتنا سنة المصطفي صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا.
٤. عدم العتو والإفساد في الأرض.
أنعم الله على عباده بالنعم الكثيرة ليستعملوها في عمارة الأرض، وطاعة ربهم، ونهى الله عباده عن استغلال النعم في العتو والإفساد في الأرض، وقد ورد النهي عن ذلك أيضًا في حديث القرآن عن الشرب، فقال تعالى في قصة بني إسرائيل: (ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [البقرة: ٦٠].
فالآية تذكر حال بني إسرائيل، وما أنعم الله عليهم من النعم، ومنها نعمة الأكل والشرب، ثم نهاهم عن العتو والإفساد، أي: لا يكون شكركم على النعمة بالإفساد في الأرض، فتتحول النعم التي بين أيديكم إلى نقم، وتصبحوا على ما فعلتم نادمين.
والنهي متوجه إلى بني إسرائيل خصوصًا؛ لأن النعمة إذا كثرت على أمثال بني إسرائيل كانت مظنة الفساد115.
والنهي وإن كان متوجهًا لبني إسرائيل، إلا أنه نهي للبشرية جميعًا؛ فإن النعمة قد تنسي العبد حاجته إلى الخالق فيهجر الشريعة فيقع في الفساد.
والآية ترشدنا إلى أن حق النعمة مقابلتها بالشكر، وعدم تسخيرها في الفساد والإفساد، والبطر والتكبر.
٥. التفكر والاعتبار.
أمر الله عباده في آيات كثيرة بإعمال العقول والتفكر في نعم الله، للوصول إلى معرفة الله وعبادته، ومن النعم التي أمر الله عباده بالتفكر فيها نعمة الماء وشربه، فقال: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [النحل: ١٠-١١].
في كمال قدرة الله الذي أنزل هذا الماء من السحاب الرقيق اللطيف ورحمته، حيث جعل فيه ماء غزيرًا، منه يشربون وتشرب مواشيهم، ويسقون منه حروثهم، فتخرج لهم الثمرات الكثيرة والنعم الغزيرة116.
فقد ختم الله الآية بالتفكر للحض على التفكر والتأمل في عظيم قدرته سبحانه؛ حتى يصل المتأمل إلى إخلاص العبادة له عز وجل.
وفي الآية تعريض بالمشركين الذين لم يهتدوا بما في ذلك من دلالة على تفرد الله بالإلهية بأنهم قوم لا يتفكرون117.
يقول سيد قطب: « (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) في تدبير الله لهذا الكون، ونواميسه المواتية لحياة البشر، وما كان الإنسان ليستطيع الحياة على هذا الكوكب لو لم تكن نواميس الكون مواتية لحياته، موافقة لفطرته، ملبية لحاجاته. وما هي بالمصادفة العابرة أن يخلق الإنسان في هذا الكوكب الأرضي، وأن تكون النسب بين هذا الكوكب وغيره من النجوم والكواكب هي هذه النسب، وأن تكون الظواهر الجوية والفلكية على ما هي عليه، ممكنة للإنسان من الحياة، ملبية هكذا لحاجاته على النحو الذي نراه.
والذين يتفكرون هم الذين يدركون حكمة التدبير، وهم الذين يربطون بين ظاهرة كظاهرة المطر وما ينشئه على الأرض من حياة وشجر وزروع وثمار، وبين النواميس العليا للوجود، ودلالتها على الخالق وعلى وحدانية ذاته ووحدانية إرادته ووحدانية تدبيره. أما الغافلون فيمرون على مثل هذه الآية في الصباح والمساء، في الصيف والشتاء، فلا توقظ تطلعهم، ولا تثير استطلاعهم، ولا تستجيش ضمائرهم إلى البحث عن صاحب هذا النظام الفريد»118.
والآيات فيها حث على ضرورة التفكر والتأمل في نعمة الشرب، وما يكتنفها من النعم؛ وصولًا من وراء ذلك إلى وحدانية الخالق وعبادته، والإيمان بقدرته وإبداعه.
الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله لعباده المؤمنين، وقد أعد الله لهم فيها من النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأنواع النعيم في الجنة لا حصر لها ولا عدد، ومن هذا النعيم مشروبات أهل الجنة، وقد ذكر الله في كتابه عددًا من مشروبات أهل الجنة، وصفة شربهم، وبيان ذلك فيما يأتي:
أولًا: مشروبات أهل الجنة:
أخبرنا الله أن في الجنة أنهارًا، وعيونًا، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [البقرة: ٢٥].
وقال: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الحجر: ٤٥].
ومن هذه الأنهار والعيون تأتي أشربة أهل الجنة، وهذه الأشربة لا حصر لها ولا عدد، فقد قال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الطور: ١٩].
فترك ذكر المأكول والمشروب لتنوعهما وكثرتهما، وهذا ما يعبر عنه بأن حذف المتعلق يفيد العموم، وقال: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [ص: ٥١].
أي: بألوان متنوعة متكثرة من الفواكه، وشراب كثير، فحذف «كثير» لدلالة الأول عليه119 ، وخص الشراب والفاكهة من بين ما يتنعم به فيها، لأن بلاد العرب قليلة الفواكه والأشربة، فالنفس إليها أشوق، وفي ذكرها أرغب، كما أن في ذلك إيماء إلى أن مطاعمهم وشربهم للتغذي والتفكه والتلذذ 120. وتنوين (ﮡ) هنا للتعظيم والتنويع.
وقد نص القرآن على بعض مشروبات أهل الجنة، وهذا بيانها:
١. الماء.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [محمد: ١٥].
وسبب اختيار الأنهار من الأجناس الأربعة: لأن المشروب إما أن يشرب لطعمه فألذها: الحلو وهو متمثل بالعسل، والدسم متمثل باللبن، وإما لأمر غير عائد إلى الطعم: متمثلًا بالماء والخمر121.
وهذه الأصناف المذكورة في الآية كانت من أفضل ما يتنافسون فيه، ومن أعز ما يتيسر الحصول عليه، فكيف الكثير منها، فكيف إذا كان منها أنهار في الجنة. وتناول هذه الأصناف من التفكه الذي هو تنعم أهل اليسار والرفاهية122.
وبدأ الله بالماء في الآية التي تتحدث عن أنهار الجنة لأن أهل الدنيا لا يستغنون عنه بأي حال من الأحوال123.
وبما أن الجنة لا تشابه الدنيا فقد ذكر الله تعالى صفة الماء في الجنة بقوله: (ﮐ ﮑ) يقال: أسن الماء، وأسن يأسن: إذا تغير ريحه تغيرًا منكرًا124، والمعنى: أي غير متغير، لا بوخم، ولا بريح منتنة، ولا بحرورة ولا بكدورة، بل هو أعذب المياه وأصفاها وأطيبها ريحًا وألذها شربًا125.
وقد قرأ ابن كثير: (غير أسن) والمقصود به: الإخبار به عن الحال، وقرأ الجمهور: (ﮐ ﮑ) يريد به أن يكون كذلك في المستقبل126، فالمراد من القراءتين بيان أن ماء الجنة لا يتغير لا في الحال ولا في المستقبل ، وإنما هو ماء طيب لذيذ، تشتهيه النفوس.
وقد وصف الله الأنهار بأنها جارية، ومعلوم أن الماء الجاري لا يأسن، فالفائدة من قوله: (ﮐ ﮑ) الماء الجاري وإن كان لا يأسن، فإنه إذا أخذ منه شيء وطال مكثه أسن، وماء الجنة لا يعرض له ذلك، ولو طال مكثه ما طال127.
ووصف الله ماء الجنة بقوله: (ﮓ ﮔ) [الواقعة: ٣١].
أي: جارٍ في منازلهم، من غير أخدود، ولا يحتاجون فيه إلى جلب من الأماكن البعيدة، ولا الإدلاء في بئر128.
٢. اللبن.
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [محمد: ١٥].
ذكر اللبن بعد الماء لأنه يجرى مجرى المطعوم لكثير من العرب في غالب أوقاتهم129. وقد نفى الله عز وجل آفة اللبن، وهي فساده بتغير طعمه إلى الحموضة كما تتغير ألبان الدنيا؛ لأنهم كانوا إذا حلبوا وشربوا أبقوا ما استفضلوه إلى وقت آخر؛ لأنهم لا يحلبون إلا حلبة واحدة أو حلبتين في اليوم، فيقع في طعم اللبن تغير130. بل هو في غاية البياض، والحلاوة، والدسومة131.
٣. الخمر.
(ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [محمد: ١٥].
وذكرها بعد الماء واللبن لأنه إذا حصل الري والشبع تشوفت النفس لما يستلذ به132.
وقال: (ﮛ ﮜ) للإشعار بأنها لذيذة لجميع من يشربونها، بخلاف خمر الدنيا؛ فإن من الناس من ينفر منها ويعافها حتى ولو كان على غير دين الإسلام133.
ونفى القرآن عن خمر الآخرة ما هو موجود في خمر الدنيا، فليس فيها حموضة ولا مرارة، ولم تدنسها الأرجل بالدوس، ولا الأيدي بالعصر، وليس في شربها ذهاب عقل ولا صداع ولا وجع بطن، ولا آفة من آفات الخمر، بل خمر الآخرة لذيذة لهم، طيبة الشرب، لا يتكرهها الشاربون بخلاف خمر الدنيا، فإنها كريهة عند الشرب، وخمر الآخرة لمجرد الالتذاذ، وتفريح الطبع، وقد تكون سببًا في تقوية البدن، تعويضًا عن خمور الدنيا، وخمر الآخرة حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل134. قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الصافات: ٤٥-٤٧].
وقال: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الواقعة: ١٩].
وقال: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الطور: ٢٣].
قال ابن عباس: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول. فذكر الله خمر الجنة ، فنزهها عن هذه الخصال135.
وقد أخبر الله أن خمر الجنة تمزج بالكافور فقال: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الإنسان: ٥-٦].
والكأس في اللغة: هو الإناء الذي فيه الشراب، وإذا لم يكن فيه الشراب لم يسم كأسًا، بل هو إناء، وقد يطلق الكأس على نفس الخمر136.
والآية تخبرنا أن الأبرار وهم الذين برت قلوبهم بما فيها من محبة الله ومعرفته، والأخلاق الجميلة، فبرت جوارحهم، واستعملوها بأعمال البر، أخبر أنهم (ﰄ ﰅ ﰆ) أي: شراب لذيذ من خمر قد مزج بكافور، أي: خلط به ليبرده ويكسر حدته، وهذا الكافور في غاية اللذة قد سلم من كل مكدر ومنغص، موجود في كافور الدنيا، فإن الآفة الموجودة في الأسماء التي ذكر الله أنها في الجنة وهي في الدنيا تعدم في الآخرة137. وقوله: (ﭖ ﭗ) أي: يشقونها شقًا، كما يفجر الرجل النهر هاهنا وهاهنا إلى حيث يريد. وقال مجاهد: يقودونها حيث شاءوا، وتتبعهم حيثما مالوا مالت معهم138.
هذه أقوال تتعاضد على أن المراد بالكأس والشارب في الآية هي الخمر، لكن ما المانع أن يشمل الشراب غير الخمر؛ خاصة إذا كان الحديث عن نعيم أهل الجنة، فلهم أن يشربوا ما شاءوا مما أعده الله لهم؟!
وقد اختلف العلماء في قوله تعالى: (ﰇ ﰈ ﰉ) هل هي اسم عين في الجنة أم أن ماء هذه العين ببرد الكافور أو ريحه أو طعمه؟
قال الحسن: «ببرد الكافور وطعم الزنجبيل»139. وقال قتادة: «المقصود ريح الكافور»140. وقال السدي: «كأن طعمه طعم الكافور»141. وقال عطاء: «إن ماء تلك العين يسمى كافورًا»142. وقد ذهب الرازي إلى: «أن ماء ها في بياض الكافور ورائحته وبرده، ولكن لا يكون فيه طعمه ولا مضرته، فالمعنى من ذلك الشراب: يكون ممزوجًا بماء هذه العين»143. وجمع أبو السعود والألوسي بين هذه الآراء فقالا: (ﰉ) أي: ماء كافور، هو اسم عين في الجنة، ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده»144.
وأخبر تارة أن الخمر تمزج بالزنجبيل، فقال: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الإنسان: ١٧-١٨].
والمعنى أن أهل الجنة يسقون في الجنة كأسًا من الخمر ممزوجة بالزنجبيل، وقد كانت العرب تستلذ مزيج الشراب بالزنجبيل لطيب رائحته، وقال مقاتل : هو زنجبيل لا يشبه الدنيا، أي : يلذع الحلق فتصعب إساغته.
قلت: وكذلك ما في الجنان من الأشجار والثمار والقصور والنساء والحور والمأكولات والأشربة والملبوسات لا يشبه ما في الدنيا إلا في مجرد الاسم، لكن الله سبحانه وتعالى يرغب الناس ويطمعهم بأن يذكر لهم أحسن شيء وألذه وأطيبه مما يعرفونه في الدنيا لأجل أن يرغبوا ويسعوا فيما يوصلهم إلى هذا النعيم المقيم145. وسميت هذه العين سلسبيلًا، قيل: إنها سلسلة يصرفونها حيث شاءوا146. وقيل: لأنها تنسل عليهم في مجالسهم وغرفهم وطرقاتهم147. وقيل: لأنها سلسلة السبيل، أي : حديده جديدة الجدية تسيل في حلوقهم انسلالًا148.
وقد تعاضدت كلمة المفسرين على أن المراد بالشراب هنا الخمر أيضًا ، لكن قد يشمل الشراب غير الخمر، كما سبق بيانه.
وعن حكمة مزج الخمر بالكافور في الآية الأولى، وبالزنجبيل في هذه الآية يقول ابن القيم: «فأخبر سبحانه عن العين التي يشرب بها المقربون صرفًا، إن شراب الأبرار يمزج منها؛ لأن أولئك أخلصوا الأعمال كلها لله، فأخلص شرابهم، وهؤلاء مزجوا فمزج شرابهم»149. وقال ابن كثير: «فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد، وتارة بالزنجبيل وهو حار؛ ليعتدل الأمر»150.
وقد يوهم أن شربهم من هذه الكأس الممزوجة بالكافور والمسك قد تؤثر في عقولهم، فقال واصفًا هذا الشراب (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الإنسان: ٢١].
فهذا احتراس مما يوهمه شربهم من الكأس الممزوجة بالكافور والزنجبيل من أن يكون فيها ما في أمثالها المعروفة في الدنيا، ومن الغول وسوء القول والهذيان، فعبر عن ذلك بكون شرابهم طهورا بصيغة المبالغة في الطهارة، وهي النزاهة من الخبائث، أي : منزهًا عما في غيره من الخباثة والفساد، وللإشعار بأن هذا الشراب قد بلغ النهاية في الطهارة 151.
وأسند سقيه إلى ربهم إظهارًا لكرامتهم، أي: أمر هو بسقيهم ، كما يقال: أطعمهم رب الدار وسقاهم152.
وفي آية أخرى وصف الله شراب أهل الجنة من الخمر فقال: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [المطففين: ٢٥-٢٦].
والرحيق: اسم للخمر الطيبة الصافية، الخالية من كل ما يكدر أو يذهب العقل. وهذه الخمر مختوم على إنائها بخاتم، بحيث لم تمسها يد قبل أيديهم. وهذه الخمر-أيضًا- من صفاتها أن شاربها يجد في نهاية شربها ما يشبه المسك في جودة الرائحة153.
الجمع بين موهم الاختلاف:
قال الله: (ﮘ ﮙ ﮚ) [محمد: ١٥].
وقال: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المطففين: ٢٥].
والنهر لا يختم عليه، فكيف الجمع بين الآيتين؟ طريق الجمع بينهما أن المذكور في سورة المطففين في أوانٍ مختوم عليها؛ لشرفها ونفاستها، وهي غير تلك الخمر التي في الأنهار154.
٤. العسل.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [محمد: ١٥].
في غاية الصفاء وحسن اللون، والطعم، والريح155. والعسل يشوب أجزاؤه من الشمع والشوائب وغيرها ما هو موجود في عسل أهل الدنيا156.
وسبب ذكره في نهاية الحديث عن أنهار الجنة؛ لما فيه من الشفاء في الدنيا مما يعرض من المشروب والمطعوم، فهو متأخر بالرتبة157.
قال ابن القيم: «ثم تأمل اجتماع هذه الأنهار الأربعة التي هي أفضل أشربة الناس، فهذا لشرابهم وطهورهم، وهذا لقوتهم، وهذا للذتهم وسرورهم، وهذا لمنفعتهم»158.
والآيات التي تحدثت عن شراب أهل الجنة تتجلى هداياتها في بيان عظيم نعمة الله على أهل الجنة، وأن إيمانهم كان سببًا في نيلهم هذه المكانة العظمى، كما فيها تحفيز وتشويق النفوس لهذا النعيم.
ثانيًا: صفة شراب أهل الجنة:
كما ذكر القرآن أشربة أهل الجنة، وعدد أنواعًا منها، فقد ذكر أيضًا صفة شربهم؛ بيانًا لهذا النعيم، وتشويقًا للنفوس، وصفة شراب أهل الجنة هي:
١. شراب هنيء.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الطور: ١٧-١٩].
فتخبرنا الآيات بأن الذين اتقوا ربهم لهم جنات ونعيم، متمتعين على وجه الفرح والسرور بما أعطاهم الله من النعيم الذي لا يمكن وصفه، ووقاهم عذاب الجحيم، فرزقهم المحبوب، ونجاهم من المرهوب؛ لما فعلوا ما أحبه الله، وجانبوا ما يسخطه ويأباه، ويقال لهم وهم في هذا النعيم: كلوا واشربوا مما تشتهيه أنفسكم، من أصناف المآكل والمشارب اللذيذة، متهنئين بتلك المآكل والمشارب على وجه الفرح والسرور والبهجة والحبور159.
والهنيء: كل ما لا يلحق فيه مشقة، ولا يعقب وخامة، ولا تنغيص فيه، ولا نكد، ولا كدر، ولا أذى160.
وقوله: (ﭷ) إشارة إلى خلو الأكل والشرب عما يكون فيها من المفاسد في الدنيا، منها: أن الآكل يخاف من المرض فلا يهنأ له الطعام.
ومنها: أنه يخاف النفاد فلا يسخو بالأكل، والكل منتفٍ في الجنة فلا مرض ولا انقطاع، فإن كل أحد عنده ما يفضل عنه. ولا إثم ولا تعب في تحصيله؛ فإن الإنسان في الدنيا ربما يترك لذة الأكل لما فيه من تهيئة المأكول بالطبخ والتحصيل من التعب أو المنة، أو ما فيه من قضاء الحاجة واستقذار ما فيه، فلا يتهنأ، وكل ذلك في الجنة منتفٍ.
ومنها: أنهم أمنوا من الموت، فلا يفوتهم هذا النعيم؛ فإن ما لا يبقى أو لا يبقى الإنسان معه منغص، وذلك منتفٍ في الجنة161.
فالملاحظ أن قوله: (ﭷ) قد جمع كل أنواع اللذة والفرح والسرور والبهجة والحبور لأهل الجنة، وفوق ذلك أن هذا الطعام والشراب فيه تكريم لأهل الجنة ، فينادون هذا النداء العلوي ، ويقال لهم: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) وهذا بذاته لذة ومتعة ونعيم يفوق كل نعيم.
٢. شراب لذيذ.
من أوصاف شراب أهل الجنة أنه لذيذ، وقد جاء هذا في وصف خمر الجنة، فقال ربنا: (ﯴ ﯵ ﯶ) [الصافات: ٤٦].
وقال: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [محمد: ١٥].
أي: ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا، بل هي حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل162.
وقال: (ﮛ ﮜ) لأن اللذة تختلف باختلاف الأشخاص، فرب طعام يلتذ به شخص ويعافه الآخر، فقال: (ﮛ ﮜ) بأسرهم، ولأن الخمر كريهة الطعم، فقال: (ﮛ) أي: لا يكون في خمر الآخرة كراهة الطعم163.
وقد جاء وصف اللذة أيضًا مضمنًا في قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الإنسان: ٦].
فمن المفسرين من ذهب إلى تناوب الحروف، فمعنى (ﭒ ﭓ) أي : يشرب منها164، ومنهم من ذهب إلى التضمين165، فضمن (ﭒ ﭓ) أي: يروى166. والأولى أن يكون معنى (ﭒ ﭓ) أي: يتلذذون بها؛ لأن أهل الجنة لا يظمؤون، وإنما ينشدون من الشرب المسرة، ويطلبون اللذة والاستمتاع. والله أعلم.
النار دار العقاب التي أعدها الله للكفار والعصاة، وقد أعد فيها من العذاب أنواعًا، ومن أنواع العذاب في جهنم شراب أهل النار، وقد ذكر القرآن أنواعًا من شراب أهل النار، ووصف شربهم، وفيما يأتي بيان ذلك.
أولًا: مشروبات أهل النار:
ذكر القرآن عددًا من أشربة أهل النار، منها:
١. الحميم.
وقد ذكره القرآن في عدة آيات، منها: قوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأنعام: ٧٠].
وقوله: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الحج: ١٩-٢٠].
وقوله: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [محمد: ١٥].
والحميم هو الماء الحار، الشديد الحرارة والغليان. فأهل النار يسلط عليهم من الجوع ما يضطرهم إلى أكل الزقوم167 الذي هو كالمهل، فإذا ملؤوا منه البطون يسلط عليهم من العطش ما يضطرهم إلى شرب الحميم168. وهذا الحميم قد وصفه الله بعدة أوصاف، وهي:
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الحج: ١٩-٢٠]. أي: يذيب ما في بطونهم، ويشوي جلودهم. قال ابن عباس: تسيل أمعاؤهم وتتناثر جلودهم. وقال أيضًا: يمشون وأمعاؤهم تتساقط وجلودهم، وقال: يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها، والجلود مع البطون169. فهذا الحميم من شدته له أثر على ظاهر أهل النار وباطنهم.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [محمد: ١٥]. فهذا الماء الحار يقطع أمعاءهم، أي : مصارينهم، فتخرج من أدبارهم لفرط حرارته170.
٢. الصديد.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [إبراهيم: ١٥-١٦].
فالآيتان تخبرنا أن جهنم تنتظر هذا الجبار العنيد، وتترصد له، وتتبعه حيث كان، بحيث لا يستطيع الفرار منها، أو الهرب عنها، ويلقى فيها من الأهوال ألوانًا وأشكالًا، ومن هذه الأهوال أنه يسقى من ماء مخصوص ليس كالمياه المعهودة، هو الصديد وهو ما يسيل من جلود أهل النار ولحومهم، وهو دم مختلط بقيح، يسيل من جلد الكافر ولحمه. وقال مجاهد: هو القيح والدم171. وقال محمد بن كعب القرظي: هو ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر172. واشتقاقه من الصد ، لأنه يصد الناظرين عن رؤيته173.
وجعل الصديد ماء على التشبيه البليغ في الإسقاء؛ لأن شأن الماء أن يسقى. والمعنى: ويسقى صديدًا عوض الماء إن طلب الإسقاء174.
٣. المهل.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الكهف: ٢٩].
وقال: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الدخان: ٤٣-٤٥].
والمهل فيه أقوال: قال ابن عباس وابن مسعود: كل شيء أذبته من ذهب أو نحاس أو فضة فهو المهل175.
وقال مجاهد: إنه الصديد والقيح. وقال سعيد بن جبير: إنه ضرب من القطران. قال ابن عباس وابن عمر: المهل ماء غليظ مثل دردي الزيت وعكره176.
وقال الضحاك: ماء أسود، وإن جهنم لسوداء، وماؤها أسود، وشجرها أسود، وأهلها سود177.
قال الحسن: كان ابن مسعود على بيت المال لعمر بالكوفة، فأذاب يوما فضة مكسرة، فلما انماعت، قال: يدخل من بالباب، فدخلوا، فقال لهم: هذا أشبه ما رأينا في الدنيا بالمهل. قال مجاهد: ولو وقعت منها قطرة في الأرض لأفسدت على أهل الأرض معايشهم178.
وقد ذكر القرطبي أن هذه الأقوال صحيحة ومرادة في معنى الآية179.
واستغاثتهم يحتمل أن تكون لأنهم إذا طلبوا ماء للشرب فيعطون هذا المهل، ويحتمل أن يستغيثوا من حر جهنم فيطلبوا ماء يصبونه على أنفسهم للتبريد فيعطون هذا الماء180.
وقوله: (ﮎ ﮏ) لأن المقصود بشرب الشراب تسكين الحرارة، وهذا يبلغ في احتراق الأجسام مبلغًا عظيمًا181.
وقد ذكر الله لهذا المهل في القرآن أوصافًا، وهي:
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) فأهل النار حين يستغيثون من الظمأ لاحتراق أفئدتهم يغاثوا بماء كالمهل يشوي وجوهم ويذيبها من فرط حرارته.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الدخان: ٤٣-٤٥].
والمعنى أن هذه الشجرة إذا طعمها الكافر في جهنم، صارت في جوفه تفعل كما يفعل المهل السخن من الإحراق والإفساد.
٤. الغساق.
قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [ص: ٥٧].
قال ابن عباس: غساق: الزمهرير182.
قال محمد بن كعب: هو عصارة أهل النار. وقال السدي: الغساق الذي يسيل من دموع أهل النار يسقونه مع الحميم، وكذا قال ابن زيد183.
وقال مجاهد ومقاتل: هو الثلج البارد الذي قد انتهى برده184.
قال الربيع بن أنس: الغساق: هو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم، فهو بارد لا يستطاع من برده، ولا يواجه من نتنه185.
وقال: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النبأ: ٢٤-٢٥].
أي: لا يذقون في جهنم بردًا يبرد حر السعير عنهم إلا الغساق، ولا شرابًا يرويهم من شدة العطش إلا الحميم، فهم لا يذوقون مع شدة الحر ما يكون فيه راحة من ريح باردة، أو ظل يمنع من نار، ولا يجدون شرابًا فيسكن عطشهم، ويزيل الحرقة من بواطنهم، ولكن يجدون الماء الحار المغلي، وما يسيل من جلودهم من الصديد والقيح والعرق، وسائر الرطوبات المستقذرة.
والخلاصة: إنهم لا يذوقون فيها شرابًا إلا الحميم البالغ الغاية في السخونة، أو الصديد المنتن، ولا بردًا إلا الماء الحار المغلي186.
يقول سيد قطب: « (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) ثم يستثني فإذا الاستثناء أمر وأدهى: (ﯝ ﯞ ﯟ) إلا الماء الساخن يشوي الحلوق والبطون. فهذا هو البرد! وإلا الغساق الذي يغسق من أجساد المحروقين ويسيل. فهذا هو الشراب!» 187.
٥. شراب من عين آنية.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الغاشية: ٤-٥].
أي: متناهية في الحر، والآني الذي قد انتهى حره، من الإيناء بمعنى التأخر، يقال: آناه يؤنيه إيناء، أي : أخره وحبسه188.
والمعنى: إن أهل النار إذا عطشوا في تلك الدار وطلبوا ما يطفئ غلتهم، جيء لهم بشراب من هذه العين الآنية، بلغ من الحرارة غايتها، فهو لا يطفئ لهبًا، ولا ينقع غلة189.
والقرآن لم يحدد نوع الشراب الذي يسقاه أهل النار من العين الآنية، فقد يكون ماء حميمًا، وقد يكون صديدًا، أو مهلًا، أو غير ذلك، وهذا من الأمور الغيبية ، فنقف معه حيث وقف القرآن.
والآيات السابقة تبرز هداياتها في بيان شراب أهل النار وأوصافه؛ تفظيعًا لحالهم، وبيانًا لما هم فيه من شدة العذاب، وأن سبب دخولهم النار هو كفرهم برب العباد، كما تشير إلى تحذير الخلق من هذا المصير والجزاء.
ثانيًا: صفة شرب أهل النار:
وصف الله شرب أهل النار بوصفين، هما:
١. شرب الهيم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الواقعة: ٥١-٥٦].
فالآيات تخبرنا أن أهل النار بعد أكلهم شاربون بعد ذلك من ماء حار لغلبة العطش عليكم، ولكنه شرب لا يشفى الغليل، ومن ثم تشربون ولا ترتوون190، وشربكم لا يكون شربكم شربًا معتادًا بل شرب الهيم.
قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك: هو جمع أهيم، وهو الجمل الذي أصابه الهيام، بضم الهاء، وهو داء معطش يشرب معه الجمل حتى يموت أو يسقم سقمًا شديدًا.
وقال قوم آخرون: هو جمع هائم وهائمة، وهذا أيضًا من هذا المعنى؛ لأن الجمل إذا أصابه ذلك الداء هام على وجهه وذهب، وقال سفيان الثوري وابن عباس: الهيم هنا الرمال التي لا تروى من الماء، وذلك أن الهيام بفتح الهاء هو الرمل الدق الغمر المتراكم191.
أي: إن هذا الشراب الجهنمي يقبل عليه الذين أكلوا من هذا الطعام الزقومي، يقبلون عليه في سعار مجنون، أشبه بالإبل الهيم، أي : العطاش، التي حبست عن الماء أيامًا، فإذا وردت عليه عبت منه في نهم شديد، لتنقع غلتها، وتروي ظمأها.
وفي إقبال أهل هذا الطعام على هذا الشراب - إشارة إلى أن ما في بطونهم من لهيب، أشد من هذا الحميم، فهم يستشفون من داء بداء، ويستجيرون من بلاء ببلاء، ويطفئون النار بالنار! 192.
وإعادة فعل (شاربون) لتأكيد تلك الصورة الفظيعة193.
(ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) عطف على (ﭗ) لإفادة تعقيب أكل الزقوم بشرب الهيم دون فترة ولا استراحة194.
وإعادة (ﭡ) توكيد لفظي لنظيره، وفائدة هذا التوكيد زيادة تقرير ما في هذا الشرب من الأعجوبة ، وهي أنه مع كراهته يزدادون منه كما ترى الأهيم، فيزيدهم تقطيعًا لأمعائهم لإفادة التعجيب من حالهم تعجيبًا ثانيا بعد الأول، فإن كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة أمر عجيب، وشربهم له كما تشرب الإبل الهيم في الإكثار أمر عجيب أيضًا، فكانتا صفتين مختلفتين195.
وقوله: (ﭦ ﭧ ﭨ) بيان لزيادة العذاب، أي : لا يكون أمركم أمر من شرب ماء حارًا منتنًا فيمسك عنه، بل يلزمكم أن تشربوا منه مثل ما تشرب الهيم، وهي الجمال التي أصابها العطش ، فتشرب ولا تروى، وهذا البيان في الشرب لزيادة العذاب196.
وهذا العذاب وهذا الشراب (ﭫ ﭬ ﭭ) وفيه مبالغة بديعة؛ لأن النزل ما يعد للقادم عاجلًا إذا نزل، ثم يؤتى بعده بما هو المقصود من أنواع الكرامة، فلما جعل هذا، مع أنه أمر مهول، كالنزل، دل على أن ما بعده لا يمكن لبشر تصوره197.
والتعبير عما أعد لهم من عذاب بالنزل، على سبيل التهكم198.
٢. التجرع وعدم الاستساغة.
قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [إبراهيم: ١٥-١٧].
تخبرنا الآيات أن من وراء الجبار العنيد جهنم، أي: هي له بالمرصاد تنتظره، ليسكنها مخلدًا فيها أبدًا، ويعرض عليها في الدنيا غدوا وعشيًا إلى يوم التناد. ثم بين شرابه فيها فقال: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) أي : ليس له في النار شراب إلا ماء يخرج من جوفه وقد خالطه القيح والدم، وخص بالذكر لأنه آلم أنواع العذاب، ثم ذكر ألمه من ذلك الشراب فقال: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) أي : يتحساه جرعة بعد جرعة، ولا يكاد يزدرده؛ من شدة كراهته، ورداءة طعمه ولونه، وريحه وحرارته199.
والتجرع: التحسي، أي: يتحساه مرة بعد مرة، لا مرة واحدة؛ لمرارته وحرارته ونتنه وكراهته، وقيل: يكلف تجرعه ويقهر عليه، وقيل: إنه دال على المهلة، أي : يتناوله شيئًا فشيئًا200.
وقوله: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) يقال: ساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغًا إذا كان سهلًا، والمعنى: لا يقارب أن يسيغه ويبتلعه، فكيف يكون الإساغة؟ بل يغص به فيشربه جرعة بعد جرعة ، فيطول عذابه بالحرارة والعطش تارة، ويشربه على هذه الحالة أخرى، فإن السوغ انحدار الشراب في الحلق بسهولة وقبول نفس، ونفيه لا يوجب نفي ما ذكر جميعًا. وقيل: لا يكاد يدخله في جوفه، وعبر عنه بالإساغة لما أنها المعهودة في الأشربة، وقيل: إنه يسيغه بعد شدة وإبطاء201.
وهو توكيد لشناعة هذا الصديد، وأنه لا يسوغه الشارب أبدًا، ولا يكون على أية درجة من درجات الإساغة ، وهذا أبلغ من أن يقال: «ولا يسيغه» ؛ لأن نفى الإساغة لا يقطع بأن تكون هناك درجة من درجات الإساغة في هذا الشراب، ولكن نظرًا لقلتها، فقد شملها النفي202.
يقول سيد قطب: «يسقى من الصديد السائل من الجسوم. يسقاه بعنف فيتجرعه غصبًا وكرهًا، ولا يكاد يسيغه؛ لقذارته ومرارته، والتقزز والتكره باديان نكاد نلمحهما من خلال الكلمات!» 203.
القرآن آية الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم التي تحدى بها البشر جميعًا، أن يأتوا بمثله في كل شيء، وقد اشتمل القرآن على وجوه كثيرة من الإعجاز، وفيه إشارات علمية مما لم يكن ليحيط به علم بشر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من تلقاء نفسه، ثم يبقى الناس يكتشفون أسراره في الكون، والقرآن قد سبق به منذ دهر بعيد تصريحًا وتلويحًا، كان يتلوه على الناس نبي أمي، لم يدرس علوم الفضاء ولا البيئة ولا البحار ولا طبقات الأرض ولا الأجنة، لينبئ العالم أنه رسول رب العالمين، وأن هذا القرآن من علم الله الذي أحاط بكل شيء.
وقد أشار القرآن إلى بعض الإشارات العلمية في بعض الأشربة، وهذا بيانها:
أولًا: اللبن:
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النحل: ٦٦].
هذه الآية اشتملت على بعض الإشارات الإعجازية العلمية في تكوين اللبن، وقيمته، وبيان ذلك فيما يأتي:
١. مراحل تكوين اللبن من بين الفرث والدم.
الفرث: الطعام المتبقي في أمعاء الحيوان بعد هضمه. وأصل الفرث: التفتيت. يقال: فرثت كبده، أي: فتتتها204.
وقد فهم المفسرون من هذه الآية أن المقصود: نسقيكم من بين الفرث والدم الذي اشتملت عليه بطون الأنعام، لبنًا نافعًا لأبدانكم، خالصًا من رائحة الفرث، ومن لون الدم، مع أنه موجود بينهما سائغًا للشاربين بحيث يمر في الحلوق بسهولة ويسر، ويشعر شاربه بلذة وارتياح.
وقد استطاع العلماء حديثًا معرفة كيف يتكون اللبن في بطون الأنعام بعد اكتشاف أسرار الجهاز الهضمي، ومعرفة وظائف أعضائه، وبعد اكتشاف الدورة الدموية وعلاقتها بعملية امتصاص المواد الغذائية من الأمعاء ودخولها في الدم.
في هذه الآية الكريمة يلفت الله نظرنا إلى ظاهرة عجيبة تحمل لنا العبرة من قدرة الخالق، فاللبن الذي يعتبر من أهم الأغذية يخرج لنا من بطون الأنعام بصورة مدهشة.
مراحل تكون اللبن من بين الفرث والدم205:
يتم تكوين اللبن في الأنعام بالتنسيق المحكم والتدرج الدقيق بين الجهاز الهضمي والجهاز الدوري والجهاز التناسلي عن طريق الغدد اللبنية في الضروع وغيرها من الأجهزة، حيث جعل الله لكل جهاز وظيفة وأعمالًا خاصة يقوم بها ليتكون - في نهاية المطاف - اللبن الخالص السائغ للشاربين.
ويمكن أن نجمل مراحل تكون اللبن كالآتي:
ويكفى أن نعلم أنه من أجل إنتاج لتر واحد من الحليب في ثدي الحيوان يجب أن يمر ما يقارب خمسمائة لتر من الدم خلال هذا العضو؛ كي يتم امتصاص المواد اللازمة من البروتينيات، والكربوهيدرات، والدهون، والعناصر والفيتامينات والهرمونات اللازمة لتكوين ذلك اللتر من اللبن.
وجه الإعجاز في تكوين اللبن:
ما كان أحد يعلم قبل اكتشاف أجهزة التشريح في القرنين الماضيين أسرار ما يجري في الجهاز الهضمي للحيوان، ووظائف ذلك الجهاز المعقد، وعلاقته بالدورة الدموية، ومراحل تكون اللبن في بطون الأنعام، فلما تكاملت صناعة الأجهزة والتجارب العلمية على مر قرون كثيرة عرف الإنسان أن مكونات اللبن تستخلص بعد هضم الطعام من بين الفرث، وتجري مع مجرى الدم لتصل إلى الغدد اللبنية في ضروع الإناث التي تقوم باستخلاص مكونات اللبن من بين الدم، دون أن يبقى أثر للفرث أو الدم في اللبن، وتضاف إليه في حويصلات اللبن مادة سكر اللبن التي تجعله سائغًا للشاربين.
هذه الأسرار كانت محجوبة عن البشر فلم يكتشفوها إلا بعد رحلة طويلة من البحث والتجارب التي استغرقت قرونًا، لكن القرآن كشفها أمام قارئيه بأجمل عبارة وأوجز لفظ قبل ألف وأربعمائة عام206، وما كان بشر في ذلك العهد ليتصورها فضلًا على أن يقررها بهذه الدقة العلمية الكاملة.
والقرآن -وهو يعبر عن هذه الحقائق العلمية- يحمل أدلة الوحي من الله في خصائصه الأخرى لمن يدرك هذه الخصائص ويقدرها، ولكن ورود حقيقة واحدة على هذا النحو الدقيق يفحم المجادلين المتعنتين.
٢. قيمة اللبن الغذائية.
امتن الله على عباده بأنواع الأشربة المباحة الكثيرة، وقد نص القرآن على بعض هذه الأشربة في سياق امتنان الله على عباده، وكون القرآن ينص على بعض الأشربة بعينها، فهذا يبين أهمية هذه الأشربة وفائدتها للإنسان، ومن هذه الأشربة: اللبن.
وقد أثبت العلم الحديث أن اللبن ذو قيمة غذائية مرتفعة، ويفي بالاحتياجات الغذائية في شكل ملائم ونسب متزنة، وأقرب إلى الكمال من أي غذاء آخر. والحقيقة أن اللبن أكمل الأغذية من الناحية البيولوجية، رغم أنه ينقصه قليل من العناصر الغذائية، ولكن رغم ذلك يعد أفضل من أي غذاء منفرد وحيد، ولا توجد أي مادة غذائية أخرى يمكن أن تقارن مع اللبن من حيث قيمته الغذائية المرتفعة؛ وذلك لاحتوائه على المواد الغذائية الأساسية الضرورية؛ التي لا يستغني عنها جسم الإنسان في جميع مراحل نموه وتطوره. فاللبن يعد من أفضل الأغذية للأطفال والناشئين، والبالغين والمسنين على السواء، فعلاوة على أنه ينفع الصغار في حياتهم ويكسبهم مناعة ضد كثير من الأمراض؛ فإنه أيضًا يفيد الكبار كثيرًا؛ لقيمته الغذائية المرتفعة.
القيمة الغذائية للبن:
يمد اللبن جسم الإنسان بمجموعة كبيرة جدا من العناصر والمركبات الغذائية الحيوية المهمة، ويمكن إيجاز ذلك في النقاط الآتية:
هذا هو اللبن الذي أخرجه المولى بقدرته العظيمة من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين، يجزئ الأصحاء ويكفيهم، ويقوي المرضى ويشفيهم ، وصدق الله إذ يقول: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)
وجه الإعجاز:
ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أطعمه الله طعامًا، فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيرًا منه، ومن سقاه الله لبنًا، فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه، فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن)208.
وهذه الإشارة من النبي صلى الله عليه وسلم يتجلى لنا منها بوضوح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى قيمة اللبن الغذائية المتميزة في زمن لم يكن يدرك الناس وقتئذ تركيب اللبن، وما يحتوي عليه من عناصر ومركبات الغذاء الحيوية المهمة، التي لا تجتمع في شراب غيره. ثم لما تقدم العلم وتوفرت الأجهزة توصل العلماء والباحثون إلى اكتشاف هذه المواد الغذائية التي يحتوي عليها اللبن من البروتينات والكربوهيدرات، والسكريات، والدهون، والمعادن والفيتامينات، وغير ذلك.
فمن أخبر محمدًا صلى الله عليه وسلم بهذه الحقائق في وقت كان يستحيل فيه على الإنسان أن يتوصل إلى ما توصل إليه اليوم؟ مما يدل دلالة قاطعة على أن محمدًا رسول الله، وأن ما أخبر به وذكره إنما هو بتعليم الله له: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [النجم: ٣-٤].
ثانيًا: العسل:
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النحل: ٦٨-٦٩].
أخبر القرآن أن العسل فيه شفاء للناس، وجعل الشفاء مظروفًا في العسل على وجه الظرفية المجازية، وهي الملابسة؛ للدلالة على تمكن ملابسة الشفاء إياه209.
وقد أثبت العلم الحديث ما أخبر به القرآن، من خلال مئات البحوث التي قام بها العلماء عبر التجارب، وتتجلى فوائد العسل فيما يأتي:
وقد ورد هذا الأمر في السنة النبوية، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن أخي استطلق بطنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسقه عسلًا) فسقاه، ثم جاءه فقال: إني سقيته عسلًا فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: (اسقه عسلًا) فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدق الله، وكذب بطن أخيك) فسقاه فبرأ)210.
وجه الإعجاز في الشفاء بالعسل:
هذه الأسرار في الاستشفاء بالعسل كانت محجوبة عن البشر، فلم يكتشفوها إلا بعد رحلة طويلة من البحث والتجارب التي استغرقت قرونا، لكن القرآن كشفها أمام قارئيه بأجمل عبارة وأوجز لفظ قبل ألف وأربعمائة عام، ومن أخبر محمدًا صلى الله عليه وسلم بهذه الحقائق في وقت كان يستحيل فيه على الإنسان أن يتوصل إلى ما توصل إليه اليوم؟ فذلك دليل على صدق القرآن وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وسبحان من أودع في العسل هذا السر الإلهي ليكون إحدى الدلالات على عظمة الخالق عز وجل.
والحمد لله رب العالمين.
موضوعات ذات صلة: |
الأكل، الأنهار، الخمر، الطعام، الماء |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٢٦٧-٢٦٨.
وانظر: مختار الصحاح، الرازي ص١٦٣.
2 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/١١٤.
3 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص ٢٣٨-٢٤١، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الخاء ص٤٧٩-٤٨٢.
4 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٣/٣٠٥، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٢/٢٥٧، الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٩٣.
5 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٤٤٤، مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٨٠ ، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٢١١.
6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٣٦٤، لسان العرب، ابن منظور ١١/٦٨٠، الكليات، الكفوي ص٨٧٣.
7 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/١٠٠.
8 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه، رقم ٢٤٧٣، بدون لفظ (وشفاء سقم)، وأخرجه البيهقي في السنن الصغير رقم ١٧٢٤٤/٣٥٢، باب دخول الكعبة والصلاة فيها، مرفوعًا من رواية أبي ذر الغفاري.
9 انظر: العين، الفراهيدي ٢/٢٥، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٣٦٣.
10 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٢٢٠.
11 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٤٢٢.
12 انظر: روح المعاني، الألوسي ١/٢٧٢.
13 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٧/٢٥٦، روح المعاني، الألوسي ٨/٤٠٤.
14 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٥٢٨.
15 السحالة: ما سقط من الذهب والفضة ونحوهما إذا سحلا، أي: بردا بالمبرد.
انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/١٤٠.
16 حرقه: برده بالمبرد.
انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٧٠.
17 جامع البيان، الطبري ٢/٣٥٨.
18 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١/٢٦٢.
19 انظر: فتح البيان، القنوجي ١/٢٢٥.
20 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ١/٣٢٠.
21 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١/٢٢٦.
22 انظر: روح المعاني، الألوسي ١/٣٢٦، المنار، محمد رشيد رضا ١/٣٢٠.
23 التحديد القرآني لدور المياه في الحياة للدكتور/إسلام محمد الشبراوي، مقال منشور على موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي.
24 انظر: روح المعاني، الألوسي ١/٢٧٢.
25 انظر: تفسير المراغي ١٤/٥٩.
26 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢١٦٢.
27 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٣٥.
28 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/١٩٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٣٢٣، التفسير الوسيط، طنطاوي ١٤/١٧٨.
29 التفسير المنير، الزحيلي ٢٧/٢٦٩.
30 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/١١٣.
31 انظر: تفسير الشعراوي ٧/٤١١٣.
والمقصود بكون الأكل والشرب من الأمور المباحة، بيان نعمة الله على عباده في الأكل والشرب، لا أن المقصود بالإباحة ترك الإنسان للأكل والشرب، فإن الأصوليين نصوا على أن المباح إذا أطلق فإنما هو بالنسبة إلى الجزء وليس إلى الكل، كالأكل والشرب فهما مباحان، فللمكلف أن يختار ما يأكل وما يشرب من المباحات، كما له أن يترك الأكل والشرب في بعض الأوقات، ولكن أصل الأكل والشرب مطلوب من حيث الجملة، لأن فيهما حياة الإنسان، وحفظ الحياة مطلوب من المكلف.
انظر: الوجيز في أصول الفقه، عبد الكريم زيدان ص٤٨.
32 انظر: تفسير المراغي ١٤/٥٩.
33 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/١١٣.
34 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٨/٤١٣٩.
35 انظر: المدخل إلى العلوم البيئية، سامح يحيى فرحان الغرايبة ص٢٤٨.
36 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٢٢٣.
37 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٨٤.
38 قنية: ملكهم، وملازمة لهم.
انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٢٩.
39 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٤٦٦.
40 تفسير المراغي ١٩/٢٤.
41 انظر: التفسير القرآني للقرآن، لخطيب ١٠/٣٦.
42 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٢٢٠.
43 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١/١٤٣.
44 غرائب القرآن، النيسابوري ١/٢٩٨.
45 مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٥٣٠.
46 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٠٧.
47 انظر: المصدر السابق.
48 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٥٢٨.
49 روح المعاني، الألوسي ٨/٤٠٤.
50 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣٠٢١، التفسير الوسيط، طنطاوي ١٢/١٦٧.
51 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٩٨.
52 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/١٠٧.
53 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٢٢٩.
54 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٣٠.
55 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/٧٢.
56 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٨/٤١٣٩.
57 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٣٢٣.
58 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/١٩٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٤٤.
59 الثفل: الكدر.
انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٣٨٠.
60 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/١٩٩.
61 التجهم: حلاف البشاشة والطلاقة، والمراد: يتغير وجهه إذا أجبر على ذلك الشراب كرهًا له.
انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٤٩٠.
62 انظر: تفسير المراغي ٢٣/٣٢.
63 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/٦٧.
64 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٠٦.
65 هذا على أحد القولين في المراد بالمشارب، وإلا فما قبله يبين المعنيين.
66 الأقط: اللبن المجفف.
انظر: مختار الصحاح، الرازي ص١٩.
67 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٢/٥٠.
68 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٤٤.
69 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/٢٠٤.
70 انظر: المصدر السابق.
71 انظر: المصدر السابق.
72 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٢٣٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/٢٠٤، التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/١٨٩.
73 انظر: تفسير المراغي ٧/٢٠.
74 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٢٣.
75 انظر: المصدر السابق.
76 انظر: المصدر السابق.
77 انظر: المصدر السابق.
78 المباعر: مكان البعر، والمراد هنا: أمعاء الإبل.
انظر: لسان العرب ٤/٧١.
79 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/١١٨.
80 انظر: المصدر السابق.
81 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٥٤.
82 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٣٢١٨ ٢/١٠٣٧، وابن ماجه في سننه، كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال، رقم ٣٣١٣، ٤/٤٣١.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/١٠٢، رقم ٢١٠.
83 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٢٦٨.
84 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٣٣٤.
85 مفاتيح الغيب، الرازي ٦/٥٠٩.
86 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٣٣٤.
87 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٤٩٧.
88 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/٣٤٣، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٣٣٤.
89 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٥٢٥.
90 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٢٥، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٢٥٩، التفسير المنير، الزحيلي ١٩/٢٠٠.
91 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٢٠٠.
92 المصدر السابق.
93 المصدر السابق.
94 انظر: الدر المنثور ٦/٣١٦ وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
95 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/١٤٧.
96 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/١٣٠.
97 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٢٠٠.
98 تفسير المراغي ٢٧/٩١.
99 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٢٠٠.
100 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٠٠.
101 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/٢٥٢.
102 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٦٠٩.
103 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٤٢٢، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/١٩٨.
104 أخرجه الطبراني في الدعاء رقم ٨٩٩، ص٢٨٠، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٨/١٣٧، وهو مرسل.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، رقم ٤٤٢٢.
105 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٠٦.
106 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/٦٧.
107 انظر: المصدر السابق.
108 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٩٧٥.
109 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٩٢.
110 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٨٧.
111 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٦/٢٨١٨.
112 المنار، محمد رشيد رضا ٨/٣٤١.
113 معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٢٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٠٦.
114 أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا في كتاب اللباس، ٧/١٤٠.
115 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ١/٢٤٨.
116 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٣٦.
117 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/١١٥.
118 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢١٦٢.
119 فتح البيان، القنوجي ١٢/٥٦.
120 انظر: تفسير المراغي ٢٣/١٣٠.
121 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/٤٧.
122 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٩٦.
123 روح المعاني، الألوسي ٢٦/٤٨.
124 المفردات، الراغب ١/١٨.
125 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٦/٤٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٢٣٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٧٧، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٨٦.
126 انظر: الحجة للقراء السبعة، الفارسي ٦/١٩١.
127 حادي الأرواح، ابن القيم ص٣٧٢.
128 نظم الدرر، البقاعي ٧/٤٠٩.
129 تفسير المراغي ٢٦/٥٧.
130 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٣٢٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٨١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٨٦.
131 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣١٣.
132 تفسير المراغي ٢٦/٥٧.
133 التفسير الوسيط، طنطاوي ١٣/٢٣٠.
134 انظر: فتح البيان، القنوجي ١٣/٦٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣١٣، تفسير المراغي ٢٦/٥٧.
135 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ١٠/٣٢١١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٣.
136 انظر: فتح البيان، القنوجي ١٤/٤٦٠.
137 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٠١.
138 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٥٤٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٩٦.
139 النكت والعيون، الماوردي ٤/٧٥.
140 المصدر السابق.
141 المصدر السابق.
142 معالم التنزيل، البغوي ٨/٢٩٣.
143 مفاتيح الغيب، الرازي ٣١/١٠٠.
144 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١٠٠، روح المعاني، الألوسي ٢٩/٥٠.
145 فتح البيان، القنوجي ١٤/٤٧١.
146 جامع البيان، الطبري ٢٩/٥٠.
147 النكت والعيون، الماوردي ٤/٦٠.
148 تفسير غريب القرآن، ابن قتيبة ٤/٨٠.
149 حادي الأرواح، ابن القيم ص٣٨٢.
150 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٨٠.
151 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٤٠٠.
152 المصدر السابق.
153 التفسير الوسيط، طنطاوي ١٥/٣٢٦.
154 انظر: فتح البيان، القنوجي ١٥/١٣٥.
155 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٧٧.
156 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٦/٤٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٦/٤٨.
157 انظر: روح المعاني، الألوسي ٢٦/٤٨، تفسير المراغي ٢٦/٥٧.
158 انظر: حادي الأرواح، ابن القيم ص٣٧٣.
159 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨١٥.
160 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٦٥، روح المعاني، الألوسي ١٤/٣٢.
161 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/٢٠٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٦٥.
162 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣١٣.
163 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/٤٦.
164 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٢٧٠.
165 التضمين: أن يدل بكلمة واحدة على معنى كلمتين.أو إعطاء الشيء معنى الشيء.
انظر: الإتقان للسيوطي ٣/١٣٦.
166 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/١٢٦.
167 الزقوم: الزاء والقاف والميم أصيل يدل على جنس من الأكل، والزقوم طعام أهل النار.
انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/١٦، جامع البيان، الطبري ٢٢/٤٣.
168 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٤٦٤.
169 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٤٩٧، فتح البيان، القنوجي ٩/٢٩.
170 انظر: فتح البيان، القنوجي ١٣/٦٢.
171 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٦١٨.
172 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/٣٤١.
173 انظر: فتح البيان، القنوجي ٧/٩٧، التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٧/١٦١، التفسير الوسيط، طنطاوي ٧/٥٣٧.
174 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٢١١.
175 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٥٥-٥٦.
176 انظر: المصدر السابق ٢١/٥٧.
177 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٦/١٦٧.
178 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٥٦، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٧٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٤٦٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٣٩٤.
179 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٣٩٤.
180 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٤٦٠.
181 المصدر السابق ٢١/٤٦٠.
182 معالم التنزيل، البغوي ٧/٩٩.
183 جامع البيان، الطبري ٢٠/١٢٧.
184 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/١٢٩، معالم التنزيل، البغوي ٧/٩٩.
185 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٠٧.
186 تفسير المراغي ٣٠/١٣.
187 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٨٠٧.
188 فتح البيان، القنوجي ١٥/٢٠١.
189 تفسير المراغي ٣٠/١٣٢.
190 تفسير المراغي ٢٧/١٤٣.
191 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٢٤٧.
192 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١٤/٧٢٢.
193 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٣١٠.
194 المصدر السابق.
195 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٤٦٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٣١٠، التفسير الوسيط، طنطاوي ١٤/١٧٣.
196 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٤١٤.
197 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٩/١٢٥.
198 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٩/١٢٥، التفسير الوسيط، طنطاوي ١٤/١٧٣.
199 تفسير المراغي ١٣/١٣٨.
200 انظر: فتح البيان، القنوجي ٧/٩٧.
201 المصدر السابق.
202 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٧/١٦١.
203 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٠٩٣.
204 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٤٩٨.
205 انظر: إشارات إعجازية في تكوين لبن الأنعام، حامد عطية محمد ص٣١ وما بعدها، بحث منشور في موقع الهيئة العالمية للإعجاز.
206 انظر: المصدر السابق.
207 انظر: الإعجاز العلمي في قيمة اللبن الغذائية علي أحمد علي الشحاتن ، مقال منشور على موقع الهيئة العالمية للإعجاز.
208 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٩٧٨، ٢/٤٧٢، وأبو داود في سننه، كتاب الأشربة، باب ما يقول إذا شرب اللبن، رقم ٣٧٣٠، ٥/٥٦١، والترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب ما يقول إذا أكل طعامًا، رقم ٣٤٥٥، ٥/٥٠٦، وابن ماجه في سننه، كتاب الأطعمة، باب اللبن، رقم ٣٣٢٢، ٤/٤٣٥ .
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠٤٤، رقم ٦٠٤٥.
209 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/٢٠٩.
210 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب الدواء بالعسل، رقم ٥٦٨٤، ٧/١٢٣، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب التداوي بالعسل، رقم ٢٢١٧، ٤/١٧٣٦.