عناصر الموضوع
الشجر
اولًا: المعنى اللغوي:
الشجر لغة: جمع شجرة، وهي في اللغة ما كان على ساق من نبات الأرض، قال ابن فارس: «الشين والجيم والراء أصلان متداخلان، يقرب بعضهما من بعض، ولا يخلو معناهما من تداخل الشيء بعضه في بعض، ومن علوٍ في شيءٍ وارتفاع؛ فالشجر معروفٌ، الواحدة شجرة، وهي لا تخلو من ارتفاعٍ وتداخل أغصان، ووادٍ شجر: كثير الشجر، ويقال: هذه الأرض أشجر من غيرها، أي: أكثر شجرًا. والشجر: كل نبتٍ له ساقٌ» 1.
وقيل أيضًا: «كل ما كان على ساق من نبات الأرض فهو شجر، أو كل ما تنبت الأرض فهو شجر، فعلى هذا الكلأ والعشب شجر، وقالوا في قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)[الرحمن: ٦]: إن النجم ما ينجم من الأرض مما ليس له ساق، والشجر ما له ساق، كما هو المستفاد من العطف، نعم عطف الجنس على النوع وبالضد مشهور، وما يشعره الشجر من الاختلاط حاصل في العشب والكلأ أيضا»2.
ويطلق اسم الشجر على كل ما تنبته الأرض من المرعى، وذلك في قوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل: ١٠].
أي: «ترعون مواشيكم السائمة في ذلك الشجر الذي هو المرعى، والعرب تقول: سامت المواشي، إذا رعت في المرعى الذي ينبته الله بالمطر، وأسامها صاحبها: أي رعاها فيه»3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
وأما تعريف الشجر في الاصطلاح فلا يخرج عن المعنى اللغوي في تعريفه.
ومما تقدم يمكن تعريف الشجر: بأنه كل ما ينبت على وجه الأرض من نبات له ساق صلب يقوم عليه، وتجنى ثماره، ويتصل بالأرض مع بروز ارتفاعه عنها وعلوه على غيره من النبات.
وردت مادة (شجر) في الاستعمال القرآني(٢٦) مرة4.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الاسم |
٢٦ |
(ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الفتح:١٨] |
وجاء الشجر في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي، وهو الشجر المعروف، وسمي بذلك لأنه لا يخلو من ارتفاعٍ وتداخل أغصان 5.
الزّرع:
الزرع لغةً:
من الفعل زرع، بمعنى: طرح البذر في الأرض، يقال: يزرعه زرعًا وزراعةً: بذره، والاسم الزرع، وجمعه زروع، والزرع: الإنبات، يقال: زرعه الله ، أي : أنبته6.
الزرع اصطلاحًا:
نفس المعنى اللغوي؛ إذ الزرع في الاصطلاح يعني الإنبات، قال الراغب: «الزرع الإنبات، وحقيقة ذلك تكون بالأمور الإلهية دون البشرية، قال عز وجل (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الواقعة: ٦٤].
فنسب الحرث إليهم، ونفى عنهم الزرع، ونسبه إلى نفسه، وإذا نسب إلى العبد فلكونه فاعلا للأسباب التي هي سبب الزرع،كما تقول : أنبت كذا إذا كنت من أسباب نباته، والزرع في الأصل مصدر، وعبر به عن المزروع، ويقال: زرع الله ولدك، تشبيهًا، كما تقول: أنبته الله» 7.
الصلة بين الزرع والشجر:
الزرع: ما ينبت على غير ساق، والشجر ما له ساق وأغصان، يبقى صيفا وشتاء8، ويفرق أيضًا: بأن الزرع موسمي فله مواسم يزرع فيها، وأخرى يحصد فيها.
النبات:
النبات لغة:
نبت: النون والباء والتاء أصل واحد يدل على نماءٍ في مزروع، يقال : نبت، وأنبتت الأرض، ونبت الشجر ، أي: غرسته، وكل ما أنبت الله في الأرض فهو نبتٌ والنبات فعله، ويجري مجرى اسمه، يقال: أنبت الله النبات إنباتًا ونحو ذلك9.
النبات اصطلاحًا:
«الحي النامي لا يملك فراق منشئه ويعيش بجذور ممتدة في الأرض أو في الماء وما أخرجته الأرض من شجر ونحوه، وأنبتت الأرض، أي : أخرجت النبات، والبقل نشأ وربا، ويقال: أنبت الله البقل، أخرجه من الأرض فهو منبوت، وأنبت الله الصبي نباتا حسنا»10.
الصلة بين النبات والشجر:
النبات هو كل ما ينبت من الأرض بقدرة الله تعالى دون تدخل البشر، وبذلك يكون النبات أعم من الزرع والغرس والشجر، لأن ما بعد الإنبات يشترك العباد فيه بالغرس والسقي والحفظ وغيره.
النبات أعم من الشجر؛ إذ يشمل الزرع: وهو ما ينبت على غير ساق، والشجر ما له ساق وأغصان.
الحرث:
الحرث لغةً:
مصدر حرث، بمعنى عمل في الأرض، وشقها، وأثارها، وأعدها للزراعة 11، قال ابن منظور: «العمل في الأرض زرعًا كان أو غرسًا، وقد يكون الحرث نفس الزرع» 12.
الحرث اصطلاحًا:
لا يختلف عن المعنى اللغوي؛ إذ هو: «إلقاء البذر في الأرض، وتهيؤها للزرع، ويسمى المحروث حرثًا »13.
الصلة بين الحرث والشجر:
من خلال ما سبق يتبين أن الحرث هو ما يقوم به الزارع في الأرض من عملٍ لإنبات النبات والحبوب والأشجار، ويطلق على ما يخرج من تلك الأرض التي حرثت، فالحرث عمل المزارع، أما الشجر فهو ما يحرثه المزارع من النبات مما له ساق وأغصان، والحرث بذلك أخص من الشجر؛ إذ الشجر يشمل الحرث، ويشمل غيره مما ينبته الله عز وجل.
والشجر أخص من وجه؛ إذ الحرث يشمل النبات والحبوب والأشجار.
وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تقرر وحدانية الله تعالى وتنزع عن المسلم كل الشبهات التي قد تطرأ على الأذهان ويثيرها بعض أعداء الإسلام بكل وسيلة لغرض تشكيك المسلم بعقيدته السليمة والتشويش عليه، وتثبت وجود الخالق الواحد الذي خلق الكون، ومن هذه الآيات آيات ذكر فيها الشجر ، وهي رد على كل من يدعي شريكًا للباري تعالى دون برهان أو دليل، وتثبت أيضًا قدرة الله تعالى على البعث والإعادة والنشور، وسيتبين ذلك من خلال النقاط الآتية:
أولًا: دليل الوحدانية:
من الآيات التي جاءت تقرر وحدانية الله تعالى في النفوس آيات الشجر ، كما في قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [النمل: ٦٠].
وقوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) أي: ما تقدرون أنتم أن تنبتوا شجرها، فمن هو دونكم أشد وأبعد، فكيف أشركتم في العبادة وتسمية الإلهية من هو دونكم في كل شيء؟!، وقوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ) أي: لا إله مع الله14.
والاستفهام في الآية الكريمة بمعنى الإنكار15 أي: لا إله مع الله، وهذا يدل على عدم وجود المساواة بين الله تعالى وغيره في الإلوهية والوحدانية.
أي: لم تكونوا تقدرون على إنبات شجرها، وإنما يقدر على ذلك الخالق الرازق، المستقل بذلك المتفرد به، دون ما سواه من الأصنام والأنداد، كما يعترف به هؤلاء المشركون، كما قال تعالى في الآية الأخرى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الزخرف: ٨٧].
وقوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [العنكبوت: ٦٣].
أي: هم معترفون بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له، ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه لا يخلق ولا يرزق، وإنما يستحق أن يفرد بالعبادة من هو المتفرد بالخلق والرزق؛ ولهذا قال: (ﮖ ﮗ ﮘ)، أي: أإله مع الله يعبد، وقد تبين لكم ولكل ذي لب مما يعترفون به أيضا أنه الخالق الرازق16.
يقول الإمام الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة: «معناه : ما كنتم لتنبتوا، لأنه تعالى لم يحرم عليهم أن ينبتوا الشجر، إنما نفى عنهم أن يمكنهم إنباتها، فإنه تعالى هو القادر على إنبات الشجر»17.
وإسناد الإنبات إليه سبحانه، لكيلا يظن أحد أن ذلك الإنبات من الأخذ بالأسباب والمسببات، وأنه فعل طبائع الأشياء، وبين الله تعالى أن ذلك الإنبات منه، وهو فوق الأسباب والمسببات، سبحانه بديع السماوات والأرض، والخالق لكل شيء18.
وتأتي (كان) للمضي وللتوكيد ،وبمعنى القدرة ، كقوله: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)، أي ما قدرتم19.
أما بالنسبة لإنبات الحدائق في الآية الكريمة ففيه إشارتان بيانيتان:
الأولى: أنه عبر بالإنبات للأشجار مع أنه في آيات أخريات كان يضيف الإنبات إلى الزرع ويعبر عن خلق الأشجار، بقوله تعالى: (ﭔ ﭕ ﭖ)[الأنعام: ٩٥].
وذكر الإنبات هنا بالنسبة للحدائق ذات الأشجار الوارفة الظلال؛ لبيان عظيم قدرته في أنه ينبت هذه الدوحات والأشجار العظام، ويتعهد من حال النبات، حتى يصير فيحاء ذات بهجة وزينة، ويسر الناظرين مرآها وثمرها اليانع، وقطوفها الدانية.
الثانية: هي قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)، كان هنا: كان الناقصة، ونفيها معناها نفي الكينونة، أي: ليس في وجود ولا كيان، أن لكم، أي : في قدرتهم، أن تنبتوا شجرها، إنما ينبتها العزيز الرحيم، والخلاق العظيم20.
وهذا يعني عجز الإنسان التام وعدم قدرته أن ينبت الأشجار مهما بلغ من العلم والمعرفة في فنون الزراعة وحرفتها، فعلى الرغم من قدرته على أن ينبت النبات بوضع البذر في الأرض مع العناية والمداراة إلا أن الإنبات لا يقدر عليه أحد سوى الله تعالى ؛ إذ هو القادر على ذلك.
وفي هذه الآية الكريمة أيضًا رد على شبهات بعض المشككين منها:
أولًا: في الرد على عبدة الأوثان، وأنه سبحانه وتعالى هو الخالق لأصول النعم وفروعها، فكيف تحسن عبادة ما لا منفعة منه البتة.
ثم إنه سبحانه وتعالى نبه على أن هذا الإنبات في الحدائق لا يقدر عليه إلا الله تعالى، لأن أحدنا لو قدر عليه لما احتاج إلى غرس ومصابرة على ظهور الثمرة وإذا كان تعالى هو المختص بهذا الإنعام وجب أن يخص بالعبادة 21.
وبالتأكيد أنه لا يخفى على عبدة الأوثان التي يصنعونها بأيدهم، أن هذه الأوثان عاجزة عن فعل أي شيء فكيف بإنبات الشجر.
ثانيًا: الرد على شبهة أن منبت الشجرة هو الإنسان.
«فإن الإنسان يقول: أنا الذي ألقي البذر في الأرض الحرة وأسقيها الماء وأسعى في تشميسها، وفاعل السبب فاعل للمسبب، فإذن أنا المنبت للشجرة، فلما كان هذا الاحتمال قائما، لا جرم أزال هذا الاحتمال فرجع من لفظ الغيبة إلى قوله: فأنبتنا، وقال: ما كان لكم أن تنبتوا شجرها؛ لأن الإنسان قد يأتي بالبذر والسقي والكرب والتشميس ثم لا يأتي على وفق مراده، والذي يقع على وفق مراده فإنه يكون جاهلا بطبعه ومقداره وكيفيته ، فكيف يكون فاعلا لها»22.
وبهذا الكلام يتبين عجز الإنسان بل وانعدام قدرته على أن ينبت النبات مهما هيأ له من ظروف ملائمة من ماء وهواء وضوء وتربة صالحة للزراعة ، فيبقى الأمر متعلقًا بقدرة الله تعالى ، فهو القادر عليه وحده، ويؤكد ذلك قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الواقعة: ٦٣-٦٤].
ويتضح مما مضى أن الله تعالى هو المختص بالقدرة على خلق الأرض التي فيها هذا الشجر وغيره، واختصاص فعل الإنبات بذاته تعالى، فإنبات الشجر بأنواعه المختلفة والحدائق والبساتين المختلفة الأصناف والألوان، والثمار والروائح، كل ذلك لا يقدر عليه إلا قادر خالق ، وهو الله وحده، لذلك وجب أن يكون هو المختص بالإلوهية والوحدانية.
ثانيًا: دليل القدرة على البعث:
أنكر البعض البعث واستبعد إحياء الموتى وإخراجهم من قبورهم ، وهؤلاء عرض القرآن الكريم لأقوالهم ورد عليها بشكل قاطع يؤكد أن البعث والنشور من وقائع اليوم الآخر بكل يقين.
ولا شك أن التكذيب بالبعث كان من أكثر شبهات الكافرين وما زالت موجودة إلى وقتنا الحاضر حيث ما زال إلى الآن يوجد من لا يؤمنون ببعث أو نشور أو حساب، ولهذا فقد أطال القران الكريم في الرد على تلك الشبهات وإثبات مسألة البعث وترسيخها في النفوس بأساليب كثيرة ومتنوعة لإقامة الحجة على المخالفين، وفي هذا البحث لسنا بصدد بيان كل ما جاء به القرآن الكريم من دلائل تثبت وجود البعث وترد على شبهات الكافرين، بل سنقتصر على بيان الدلائل المتعلقة بآيات الشجر التي ارتبط بعضها بقضية البعث والتي ساقها القرآن الكريم لبيان وحسم هذه القضية من الناحية العقلية.
وقد أعطى الله تعالى لنا شواهد ودلائل متنوعة وكثيرة في الدنيا تؤكد إمكان حصول البعث يوم القيامة ، ومن ذلك ما جاء متعلقًا بالنبات عامة من حيث إنباته وإحيائه وإظهاره للوجود، والشجر بصورة خاصة في آياته التي جاءت ترسخ مفهوم البعث في النفوس ، كما في الأدلة الآتية:
أولًا: إخراج النار المتوقدة من الشجر الأخضر.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [يس: ٨٠].
أي: «الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خضرًا نضرًا ذا ثمر وينع، ثم أعاده إلى أن صار حطبًا يابسًا، توقد به النار، كذلك هو فعال لما يشاء قادر على ما يريد ، لا يمنعه شيء»23.
ولا شك أن إخراج النار من الشجر الأخضر فيه دليل على الإعادة والبعث.
قال الزركشي: «فعلم سبحانه كيفية الاستدلال برد النشأة الأخرى إلى الأولى والجمع بينهما بعلة الحدوث ، ثم زاد في الحجاج بقوله: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ)، وهذا في غاية البيان في رد الشيء إلى نظيره والجمع بينهما من حيث تبديل الأعراض عليهما»24.
فنبه سبحانه على وحدانيته ودلل على قدرته على إحياء الموات بما يشاهد من إخراج النار من العود الندي الرطب.
ويتضح مما تقدم أن الشجر شاهدٌ من شواهد قدرة الله تعالى، وخلق النار وإيقادها من الشجر الأخضر فيه دليل واضح على البعث وقدرة الله تعالى على الإنشاء والإعادة، وأن القول بالبعث والمعاد وحصول الحشر والنشر غير مستبعد في العقول.
وقال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الواقعة: ٧١-٧٢].
وجه الاستدلال: «أن النار صاعدة والشجرة هابطة، وأيضا النار لطيفة والشجرة كثيفة، وأيضا النار نورانية والشجرة ظلمانية، والنار حارة يابسة والشجرة باردة رطبة، فإذا أمسك الله تعالى في داخل تلك الشجرة الأجزاء النورانية النارية فقد جمع بقدرته بين هذه الأشياء المتنافرة، فإذا لم يعجز عن ذلك ، فكيف يعجز عن تركيب الحيوانات وتأليفها؟! والله تعالى ذكر هذه الدلالة في سورة يس فقال: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [يس: ٨٠] »25.
وقيل أيضًا: «ووجه دلالة النار على البعث أن النار تكمن في الشجر والحجر، ثم تظهر بالقدح، وتشب بالنفخ، فالحجر والشجر كالقبر، والقدح والنفخ كالنفخة في الصور»26.
ويبدو أن الكلام الأخير هو الأقرب في تشبيه خروج النار من الشجر الأخضر بالبعث والنشور، ويذكر الإمام الرازي في تفسيره لشجرة النار وجوهًا:
أحدها: أنها الشجرة التي توري النار منها بالزند ، والزندة كالمرخ.
وثانيها: الشجرة التي تصلح لإيقاد النار كالحطب ، فإنها لو لم تكن لم يسهل إيقاد النار؛ لأن النار لا تتعلق بكل شيء كما تتعلق بالحطب.
وثالثها: أصول شعلها ووقود شجرتها ولولا كونها ذات شعل لما صلحت لإنضاج الأشياء والباقي ظاهر27.
وفي هذه الآية الكريمة تذكرة لنار القيامة فيجب على العاقل أن يخشى الله تعالى وعذابه إذا رأى النار الموقدة، وتذكرة بصحة البعث، لأن من قدر على إيداع النار في الشجر الأخضر لا يعجز عن إيداع الحرارة الغريزية في بدن الميت28.
ومما تقدم يتضح بيان قدرة الله تعالى على إيجاد المسببات من غير سبب ظاهر، كخلق النار من الشجر الأخضر الرطب ، كما تقدم في الآيتين السابقتين، وإيجاد النار مختص بالله تعالى وحده، وتشبيه إيجاد النار المستخرجة بإيجاد الإنسان، كما خلق آدم عليه السلام من غير أب ولا أم، وتشبيهها أيضا بالبعث والنشور، وكلها راجعة إلى قدرة الله تعالى وعظمته في إخراج الوجود من العدم، وقد ارتبطت الآيتان الكريمتان بدليل استخراج النار من الشجر الأخضر والاستدلال بها على البعث بعد الموت، فإن الله تعالى ألهم الناس استخراج النار من الشجر الأخضر على رغم التنافر بين خاصتيهما كما مضى سابقا.
ثانيًا: ومن أدلة البعث أيضا إحياء النبات.
وكون إنبات النبات بعد عدمه من براهين البعث ورد في آيات كثيرة، منها:
قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الواقعة: ٦٣-٦٤].
ومعنى الآية الكريمة: أي أفرأيتم البذر الذي تجعلونه في الأرض بعد حرثها، أي : تحريكها وتسويتها أأنتم تزرعونه أي: تجعلونه زرعا، ثم تنمونه إلى أن يصير مدركا صالحا للأكل أم نحن الزارعون له، ولا شك أن الجواب الذي لا جواب غيره هو أن يقال: أنت يا ربنا الزارع المنبت، ونحن لا قدرة لنا على ذلك، فيقال لهم: كل عاقل يعلم أن من أنبت هذا السنبل من هذا البذر الذي تعفن في باطن الأرض قادر على أن يبعثكم بعد موتكم29.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [فصلت: ٣٩].
ومن خلال هاتين الآيتين يستدل أنه من قدر على إخراج النار من الشجر الأخضر، والشجرة الباسقة من بذرة صغيرة لا يعجزه عن جمع الأجزاء وتركيب الأعضاء بعد تفرقها وتفتتها، ولا أحد يقدر على فعل ذلك سوى الله تعالى عز وجل.
خلق الله تعالى المخلوقات كلها لحكم ومنافع كثيرة ، ومنها الشجر ، فهو يكون غذاءً للإنسان والحيوان على السواء، أو دواءً ومن أغصانه نارًا وظلًا، ومن أخشابه سكنًا ومنافع كثيرة ، كالكتابة وغير ذلك، كما سيتبين من خلال النقاط الآتية:
أولًا: الثمرة:
جاء في القرآن الكريم ذكر لعدد كبير من الأشجار وثمارها أمثال: «النخيل، والتين، والزيتون، والأعناب، والرطب، والرمان، والموز (الطلح)، والعدس، والبصل، والقثاء» وغيرها، بناءً على أن الشجر قد يطلق على ما له ساق وعلى ما ليس له ساق، كما مضى في التعريف اللغوي للشجر، وكلها لها منافع وفوائد ووظائف، حيث إن أبرز منافع الثمار كونها مصدرًا أساسيًا للغذاء ورزقًا مستمرًا يسد حاجات الإنسان والحيوان، وتعد بذلك قيمة غذائية أساسية من مقومات الحياة شأنها شأن الماء والهواء.
فالثمار لغة: جمع ثمر، والثمر: حمل الشجر، وثمر الشجر، وأثمر: صار فيه الثمر، والثامر: ما خرج ثمره، والمثمر: ما بلغ أن يجنى30.
واصطلاحًا: اسم لكل ما يستطعم من أحمال الشجر31.
ولا فرق بين المعنى اللغوي والاصطلاحي للثمار ، والمعنى القريب لها هو كل ما خرج من الأشجار من أحمالها سواء أكان يؤكل أم لا يؤكل، وهي جزء منها، وديمومة بقائها، ويجمع على ثمار وأثمار وثمرات وثمر.
ويأتي لفظ الثمار في القرآن الكريم في آيات كثيرة ومتنوعة، في أربعة وعشرين موضعًا، ومعلوم أن هذه الثمار ترتبط مع الشجر ؛ لأنها حملها وسبب بقائها، ومن هذه الآيات التي ورد ذكرها ما يأتي:
جاء ذكر الثمار بلفظ المفرد في آية واحدة وذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة: ٢٥].
وجاء ذكر الثمار بلفظ (ثمرات) غير المعرفة في أربعة مواضع منها ما يأتي:
قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النحل: ٦٧].
أي: وجعل لكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا32.
وفي الآية دلالة على امتنان الله تعالى على عباده بثمار هاتين الشجرتين المباركتين التمر والزبيب كونهما رزقا حسنا.
وقوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [القصص: ٥٧].
قال الزمخشري: «النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات حاضرة في وادٍ يبابٍ33 ليس فيه نجم ولا شجر ولا ماء، لا جرم أن الله عز وجل أجاب دعوة إبراهيم ، فجعله حرما آمنا (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ)، ثم فضله في وجود أصناف الثمار فيه على كل ريف، وعلى أخصب البلاد وأكثرها ثمارا، وفي أي بلد من بلاد الشرق والغرب ترى الأعجوبة التي يريكها الله بوادٍ غير ذي زرع، وهي اجتماع البواكير والفواكه المختلفة الأزمان من الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد»34.
وجاء ذكر الثمار بلفظ (الثمرات) معرفة في اثني عشر موضعا حسب ترتيب المصحف منها ما يأتي:
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة: ٢٢].
وقال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [البقرة: ١٢٦].
لقد ذكرت الثمرات في هذه الآيات معرفة، وإن كان في آيات أخرى قد جاء لفظ الثمرات غير معرف ، كما ذكرناها في سورة النحل والقصص وفاطر وفصلت، وكونها غير معرفة، لكونه يفيد التبعيض.
وجاء كذلك بلفظ الجمع بصيغة (ثمره) في أربعة مواضع منها ما يأتي:
وقوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنعام: ٩٩].
وقوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنعام: ١٤١].
ويتضح من الآيات السابقة أن لفظ الثمار جاء في القرآن الكريم في مواضع متعددة ومتنوعة ، وهي تدل على معنى واحد كونها تمثل أحمال الأشجار، وتعد الأشجار وثمارها أصل الحياة، فهي مستمرة ومتجددة، ومنافعها كثيرة ومتعددة ، فهي نعمة من الله تعالى على عباده حيث سخر كل الأشجار وثمارها لخدمة الإنسان من الغذاء والدواء وغيرها من المنافع، وزينة تتمتع بها الأبصار من حيث تنوع أشكالها وألوانها وروائحها في الدنيا والآخرة، إضافة إلى المنافع الأخرى التي سوف يأتي ذكرها لاحقًا، والثمار هي حصيلة الزرع، ولا يمكن أن يستمر الزرع في الحياة دون وجود الثمار، وتعد قيمة مادية ومعنوية لجهد الإنسان وعمله في الحياة، لذا ينبغي للمؤمن أن يراعي حق الله تعالى فيها بما أوجبه عليه من فرض الزكاة، كما قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنعام: ١٤١].
ويجدر بنا هنا أن نعطي مثالًا من القرآن الكريم في بيان منافع الشجر ، وذلك في قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [المؤمنون: ٢٠].
فالشجرة المذكورة في الآية هي شجرة الزيتون بإجماع المفسرين35.
ومعنى الآية الكريمة: وأنشأنا لكم شجرة الزيتون التي تنبت في هذا الجبل بتلك البقعة المباركة، وتثمر زيتونًا تصنع منه الزيوت التي يدهن بها، وتتخذ إداما للآكلين36.
أي: «تنبت بنباتٍ وثمرٍ فيه الدهن ، وهو الزيت، فجاء في هذه الآية إطلاق الدهن مرادًا به النبات والثمر الذي يوجد في داخله الدهن، وهذا من إطلاق الحال في الشيء وإرادة محله، إذ الذي ينبت هي الفروع والورق والثمرات التي يوجد فيها الدهن، وفائدة هذا المجاز الإيجاز، وتوجيه نظر المخاطبين لما في شجرة الزيتون من دهن عظيم النفع للناس، كي يولوا زيت الزيتون اهتمامًا خاصًا، ويشكروا نعمة الله عليهم به»37.
وقد أكدت السنة النبوية فوائد شجرة الزيتون بأحاديث كثيرة ، منها ما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نعمة الزيتون حين قال عليه الصلاة والسلام: (كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة)38.
أي: إجعلوه إدامًا لخبزكم ولطعامكم، وادهنوا به أجسامكم.
ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم ما بهذه الشجرة من فوائد جمة جعلت منها شجرة مباركة ، لذلك أشاد بها وحث الناس عليها لما فيها من بركة في الغذاء والدواء.
وأما فوائد الزيتون من الناحية العلمية والطبية فسيأتي ذكرها لاحقًا إن شاء الله تعالى في المبحث الثامن في لمسات إعجازية في الشجر.
ثانيًا: إيقاد النار:
ذكرنا فيما مضى أن خلق النار وإيقادها من الشجر الأخضر فيه دليل الوحدانية والبعث، وفي هذا المطلب سنتطرق إلى ما يخص إحدى منافع الشجر كونه مصدرًا أساسيًا للحصول على النار التي لا تستغني عنها البشرية إطلاقا، حيث ترتبط فائدتها في أغراض متعددة ، منها الحصول على الطاقة، والدفء، والاستضاءة، والطهي، وما إلى ذلك، فكله يعتمد على النار التي مصدرها الشجر الأخضر.
وبذلك تعد نعمة وجود النار وإيقادها من الشجر من أبرز النعم التي من الله تعالى بها على عباده حين خلق لهم النار المتقدة من الشجر الأخضر الرطب ، وذلك في قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [يس: ٨٠].
ومعنى ذلك أن القرآن الكريم قد ربط بين النار والشجر الأخضر وجعل منها إعجازًا علميًا قائمًا إلى يوم القيامة ، ودعا البشرية إلى التفكر بخلق النار وإيقادها من الشجر الأخضر بقوله (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [يس: ٨٠].
يقول صاحب الظلال في تفسيره لهذه الآية: «والمشاهدة الأولية الساذجة تقنع بصدق هذه العجيبة التي يمرون عليها غافلين، عجيبة أن هذا الشجر الأخضر الريان بالماء، يحتك بعضه ببعض ، فيولد نارا ثم يصير هو وقود النار بعد الاخضرار، والمعرفة العلمية العميقة لطبيعة الحرارة التي يختزنها الشجر الأخضر من الطاقة الشمسية التي يمتصها، ويحتفظ بها ، وهو ريان بالماء ناضر بالخضرة التي تولد النار عند الاحتكاك، كما تولد النار عند الاحتراق، هذه المعرفة العلمية تزيد العجيبة بروزا في الحس ووضوحا، والخالق هو الذي أودع الشجر خصائصه هذه، والذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، غير أننا لا نرى الأشياء بهذه العين المفتوحة ولا نتدبرها بذلك الحس الواعي، فلا تكشف لنا عن أسرارها المعجبة، ولا تدلنا على مبدع الوجود، ولو فتحنا لها قلوبنا لباحت لنا بأسرارها، ولعشنا معها في عبادة دائمة وتسبيح39.
ويتضح مما مضى بيان عظمة الخالق في استخدام الشجر الأخضر للنار على الرغم من أن الشجر الأخضر يحوي على الماء الذي يطفئ النار، وهذا يعني أن الشجر بصفته نبات هو أصل النار والوقود ، سواء أكان بصورة خشب أم زيت أم غاز إلى غير ذلك، وأن من أبرز منافع الشجر المتعددة الحصول على النار المتوقدة التي يستعملها الإنسان في الإنارة والطهي والتدفئة ونحو ذلك، فالنار عنصر أساسي في حياة الإنسان لا يستطيع الاستغناء عنها ، فتشبه الماء والهواء من حيث حاجة الإنسان إليها.
ثالثًا: بناء السكن:
إن الشجر بصورة عامة له قيمة كبرى في حياة الإنسان منذ القدم وإلى وقتنا الحاضر، فلم يستغن الإنسان عن الأشجار الكبيرة والصغيرة، وجذوعها وأخشابها في بناء المساكن على مر الزمان.
ونقتصر في هذا المطلب على ما جاء ذكره في القرآن الكريم حين ضرب الله تعالى لنا مثلًا في اتخاذ النحل من الشجر بيوتًا على سبيل الإلهام في قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النحل: ٦٨].
ومعنى ذلك أن الله تعالى ألهم هذه المخلوقات القدرة العجيبة في دقة النظام والبناء ما يعجز عن فعله البشر، وفي ذلك حكم عظيمة في بيان ضعف الإنسان وعجزه أمام قدرة الله تعالى بإلهام تلك الحشرة الصغيرة التي ليس لها عقل بناء تلك البيوت المتناسقة والمتساوية الأضلاع دون كلل أو تعب خلافًا للإنسان.
قال الزمخشري: «الإيحاء إلى النحل: إلهامها والقذف في قلوبها وتعليمها على وجه هو أعلم به، لا سبيل لأحد إلى الوقوف عليه»40.
وقال ابن كثير: «المراد بالوحي هاهنا: الإلهام والهداية والإرشاد إلى النحل أن تتخذ من الجبال بيوتا تأوي إليها، ومن الشجر ومما يعرشون، ثم هي محكمة في غاية الإتقان في تسديسها ورصها، بحيث لا يكون بينها خلل»41.
ثم فسر سبحانه ما أوحى به إليها بقوله: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)، أي: اجعلي لك بيوتا فى الجبال تأوين إليها، أو في الشجر أو فيما يعرش الناس ويبنون من البيوت والسقف والكروم ونحوها42.
أي: تأخذ من فروع الأشجار بيوتا تصنع فيها ما يصنعه صاحب البيت فيه.
ويؤكد العلم الحديث أن بعض العلماء الذين كرسوا جهودهم لدراسة حياة الحشرات وقفوا على حقائق عجيبة وألفوا مئات الكتب التي أثبتت صحة ما جاء في القرآن من أن هناك فصائل برية من النحل تسكن الجبال ، وتتخذ من مغاراتها مأوى لها، وأن منه سلالات تتخذ من الأشجار سكنا بأن تلجأ إلى الثقوب الموجودة في جذوع الأشجار ، وتتخذ منها بيوتا تأوى إليها، ولما أراد الإنسان أن ينتفع بعسل النحل استأنسها وصنع لها خلايا من الطين أو الخشب يعيش فيها وهكذا تبين الآية الكريمة كيف كانت هذه الحشرات بإلهام من الله تأوى إلى مساكنها المختلفة منذ القدم إلى يومنا هذا43.
ويتضح مما مضى ومن خلال الآية الكريمة فائدة الشجر من حيث اتخاذه سكنا للنحل بإلهام من الله تعالى ، فلا يرى للنحل بيتًا في غير الجبال والأشجار ومما يعرش الناس لها ويبنون، واتخاذها لهذا السكن هو أمر من الله تعالى لها أن تسكن في هذه البيوت المتنوعة فكان انقيادها على وجه الخضوع والطاعة والامتثال.
رابعًا: الظل:
تحدث القرآن الكريم عن «الظل والظلال» في العديد من الآيات القرآنية في سور مختلفة بدلالات متنوعة جاءت بحسب موضوعاتها، ولسنا بصدد ذكر كل أنواع الظلال التي وردت في القرآن الكريم، بل سنحاول في هذا المحور أن نقتصر على توضيح منافع الشجر المرتبطة بالظل من خلال الآيات القرآنية المتعلقة بها.
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم منافع الشجر من حيث استعماله كظل يقي الناس من الحر في أحد عشر موضعًا تشمل الدنيا والآخرة، منها:
قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء: ٥٧].
وفي قوله: (ﯕ ﯖ) قال الضحاك: يعني : ظلال أشجار الجنة44.
ووصف بالظليل وصفا مشتقًا من اسم الموصوف للدلالة على بلوغه الغاية في جنسه45.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الرعد: ٣٥].
وقوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يس: ٥٦].
أي: في ظلال الأشجار46.
وقوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [المرسلات: ٤١].
والمراد بالظلال: ظلال الشجر47.
وقيل: أي : تكاثف أشجار ؛ إذ لا شمس يظل من حرها48.
وقوله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [النحل: ٨١].
أي: ومن نعمة الله عليكم أيها الناس أن جعل لكم مما خلق من الأشجار وغيرها ظلالا تستظلون بها من شدة الحر، وهي جمع ظل49.
وقوله تعالى: (ﭭ) بمعنى صير، بأن خلق لنا أشجارًا تظل الناس في الحرور، وفي الصحاري تجد الأشجار المظلة، وقال سبحانه وتعالى: (ﭯ ﭰ)، ولم يذكر شيئا بعينه؛ لأن أنواع ما خلق وكان منه الظلال كثيرة، فالجنات تتفيأ ظلالها بالغدو والآصال ، والبيوت فيها ظلال، لمن يكون بجوارها، والغمام يكف وهج الشمس وحرارتها، وإن هذه الظلال نعمة من الله تعالى في أرض صحراوية جدباء لا ماء يرطب جوها، ولا نسيم عليل يطفئ حرها؛ ولذلك كانت من نعم الله التي أنعم بها على سكانها الذين آتاهم الله تعالى مع ذلك جلدًا وقوة احتمال، فكانت هذه نعمًا أنعم الله بها عليهم ليستطيعوا أن يعيشوا وأن ينعموا في خيراتها50.
وقوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النحل: ٤٨].
والمعنى: «انظروا وفكروا فيما خلق من أشياء تتفيأ ظلاله، أي: لها فيء، ولهذا الفيء ظل، وتتداخل ظلاله، فالجبال لها فيء والأشجار لها فيء، وكل فيء له ظل، فتتفيؤ هذه الأفياء، ويكون ظلالًا، كما ترى الشجر المتداخل تتفيأ الظلال ذات اليمين وذات الشمال»51.
وقوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الإنسان: ١٤].
فيتضح من الآيات السابقة أن الظل هو نعمة من نعم الله تعالى منحها للعباد راحة لهم في الدنيا ونعيم في الآخرة.
وقد صح من رواية الشيخين عن أبي هريرة رضي الله عنه، يبلغ به أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة شجرة، يسير الراكب في ظلها مائة عام، لا يقطعها، فاقرءوا إن شئتم: (ﮐ ﮑ ﮒ) [الواقعة: ٣٠]52.
ومعنى الحديث: قال ابن الجوزي رحمه الله: «يقال: إنها طوبى، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: وشاهد ذلك عند أحمد والطبراني وابن حبان، (يسير الراكب في ظلها) أي: في ناحيتها، وإلا فالظل في عرف أهل الدنيا ما يقي من حر الشمس وأذاها، وقد قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الإنسان: ١٣].
وقد يقال: المراد بالظل هنا ما يقابل شعاع الشمس، ومنه ما بين ظهور الصبح إلى طلوع الشمس؛ ولذا قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ) [الواقعة: ٣٠] ويمكن أن يكون للشجرة من النور الباهر ما يكون لما تحته كالحجاب الساتر»53.
إلى غير هذا من الأحاديث في هذا المعنى تبين فوائد الشجر من حيث الاستظلال به في الدنيا والآخرة.
خامسًا: الكتابة:
امتن الله تعالى على الإنسان حين علمه الكتابة وجعل من الشجر وسيلة من وسائل الكتابة حيث قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [لقمان: ٢٧].
أي: لو أن سائر شجر الأرض؛ تحولت فروعه وأغصانه إلى أقلام يكتب بها، (ﯺ) الذي لا يحد حده، ولا يبلغ أمده، (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)تماثله في العمق والسعة والعظم وصارت مياه هذه البحار مجتمعة مدادًا تستمد منه هذه الأقلام وتكتب كلمات الله تعالى: لنفدت هذه الأبحر، ونضب ماؤها؛ و (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ).
وفي هذا يقول الإمام الرازي: «(ﯷ ﯸ ﯹ)، وحد الشجرة، وجمع الأقلام، ولم يقل : ولو أن ما في الأرض من الأشجار أقلام، ولا قال: ولو أن ما في الأرض من شجرة قلم إشارة إلى التكثير، يعني : ولو أن بعدد كل شجرة أقلاما54.
وفضلا عما تقدم فدلالة الآية الكريمة أن الله تعالى ذكر الشجر في هذا الموضع بوصفه الأقلام التي وظيفتها الكتابة ، ومداده الماء هو تشبيه مجازي لكلمات الله تعالى التي لا تنفد.
وأما معنى الأقلام: فالقلم الذي يكتب به، والجمع أقلام وقلام55، وعادة ما يكون القلم مصنوع من خشب الأشجار وكذلك الألواح.
والألواح: جمع لوح كل صفيحة عريضة من صفائح الخشب؛ قال الأزهري: اللوح صفيحة من صفائح الخشب56.
وقد ذكر الله تعالى لفظ الألواح في القرآن الكريم على اختلاف مدلولاتها في مواضع من سورة الأعراف منها:
قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأعراف: ١٤٥].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ) [الأعراف: ١٥٠].
وقوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الأعراف: ١٥٤].
٤- وقوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [القمر: ١٣].
والغرض من ذكر هذه الآيات الكريمة هو ارتباطها بمنافع الشجر الذي تعمل منه الأقلام والألواح التي لا يستغنى عنها في الكتابة وكذلك صناعة السفن ، فتعد بذلك نعمة من نعم الله تعالى التي امتن بها على عباده.
ذكر القرآن الكريم الشجر بأنه خلق من مخلوقات الله تعالى تعبده وتعظمه على وجه الانقياد والخضوع والطاعة، وتتمثل هذه العبادة بالسجود والتسبيح كبقية المخلوقات وهذا ما سوف نبينه من خلال النقاط الآتية:
أولًا: السجود والانقياد:
السجود: يطلق على وضع الوجه على الأرض بقصد التعظيم، ويطلق على الوقوع على الأرض مجازًا مرسلًا بعلاقة الإطلاق، أو استعارة ، ومنه قولهم: «نخلة ساجدة» إذا أمالها حملها، وسجود الشجر تطأطؤه بهبوب الرياح ودنو أغصانه للجانين لثماره والخابطين لورقه57.
وقد ذكر سجود الشجر لله تعالى والانقياد له في موضعين في القرآن الكريم هما:
قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الحج: ١٨].
فيخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعا وكرهًا، وسجود كل شيء مما يختص به، كما قال: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النحل: ٤٨].
وأما الجبال والشجر فسجودهما بفيء ظلالهما عن اليمين والشمائل58.
قال ابن عاشور رحمه الله: «فالسجود له معنى حقيقي ، وهو وضع الجبهة على الأرض ومعنى مجازي ، وهو التعظيم، وقد استعمل فعل يسجد هنا في معنييه المذكورين لا محالة»59.
ويأتي السجود والانقياد أيضًا في الآية الكريمة بمعنى الخضوع والخشوع ، كما في قوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [النحل: ٤٨].
٢- قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الرحمن: ٦].
وسجودهما يحتمل وجوهًا:
أحدها: سجود خلقة؛ قد جعل الله تعالى في خلقة كل شيء دلالة السجود له والشهادة له بالوحدانية.
والثاني: سجود هذه الأشياء الموات: طاعتها له عن اضطرار وتسخير؛ نحو قوله تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [فصلت: ١١].
والثالث: سجود حقيقة، يجعل الله في سرية هذه الأشياء معنى يسجدون به لله تعالى يعلمه هو، ولا يعلمه غيره؛ كقوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الإسراء: ٤٤].
وقال بعض الناس: سجودهما: هو تمييل ظلالهما؛ كقوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)60.
وفسر أكثر المفسرين61 كلمة النجم بمعنى النبات المجرد عن الساق، ومنهم من فسر النجم بالكواكب لا سيما مع تأكيد الإيهام بذكر الشمس والقمر، وأما الشجر ما كان له ساق وسجودهما هو طاعتهم المطلقة وخضوعهم وانقيادهم لله عز وجل، وسيرهم مع القوانين الكونية التي خلقها الله تعالى وعدم الخروج عنها على وجه الطاعة والتعظيم والانقياد لأمر الله تعالى.
وسواء أكان النجم نجم السماء أم كان نوعًا من النبات، فسجوده ليس كسجود الإنسان بوضع الرأس على التراب، بل بمعنى التسليم والخضوع لله تعالى، وكل الكائنات خاضعة لله تعالى بالسجود له، ولكن كل بحسبه ولغته، لا ندرك كيفيتها، لقوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الرعد: ١٥].
بل نؤمن بها كما جاء بها القرآن الكريم.
ثانيًا: التسبيح:
التسبيح في اللغة: هو التنزيه، تقول: سبحت الله تسبيحًا ، أي : نزهته تنزيها، وقيل: تنزيه الله تعالى عن كل ما لا ينبغي له أن يوصف62، ولا يخرج معناه الاصطلاحي عن هذه المعاني.
ولا تقتصر عبادة التسبيح على الإنسان بل شملت جميع الموجودات ومنها الشجر، وذلك في عدد من الآيات، منها:
قوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الإسراء: ٤٤].
أي: وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) أي لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغتكم، وهذا عام في النبات والجماد والحيوانات63.
والمراد أنها تسبح له بلسان الحال، حيث تدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته، فكأنها تنطلق بذلك، وكأنها تنزه الله عز وجل مما لا يجوز عليه من الشركاء وغيرها64.
وعن عكرمة (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) قال: الشجرة تسبح65، وقال قتادة رحمه الله: كل شيء فيه الروح يسبح، من شجر أو شيء فيه الروح66.
وقوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [النور: ٤١].
ودلالة الآية القرآنية واضحة في تقرير حقيقة التسبيح، وأن كل شيء في الوجود يسبح لله تعالى على وجه التقديس والتعظيم، وكل يسبح بطريقته ولغته التي لا يفهمها البشر ، بل نؤمن بها كما جاءت بالقرآن الكريم.
والملاحظ عدم تخصيص الشجر في هذه الآيات الكريمة إلا أنها تدخل في عموم المخلوقات والموجودات التي تسبح الله تعالى.
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم بعض الآيات جاء فيها لفظ الشجر مقرونًا بأحداث كبيرة ومتنوعة ارتبطت بالابتلاء، منها قصة آدم عليه السلام مع الشجرة التي نهي أن يقرب منها ، فأكل منها فصارت عليه محنة وابتلاءً، وقصة صاحب الجنتين، وأصحاب الجنة، وهذا ما سوف نبينه في النقاط الآتية:
أولًا :قصة آدم:
وهي أول قصة ابتلاء ارتبطت مع الشجر لأول إنسان خلقه الله تعالى ، ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الأعراف: ١٩-٢٢].
وملخص قصة آدم عليه السلام التي يرويها أكثر المفسرين تتمثل في أن الله تعالى أمر آدم عليه السلام وزوجته حواء أن يسكنا الجنة ويأكلا من ثمارها، ويبتعدا عن شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فأتى الشيطان إلى أدم عليه السلام وحواء، فقال لهما: هل أدلكما على شجرة إن أكلتما منها خلدتما فلم تموتا، وملكتما ملكًا لا ينقضي فيبلى، فحلف لهما على أنه ناصح لهما فيما ادعاه من الكذب.
فأكل آدم عليه السلام وحواء من الشجرة التي نهيا عن الأكل منها، وأطاعا أمر إبليس، وخالفا أمر ربهما ، فانكشفت لهما عوراتهما، وكانت مستورة عن أعينهما، فأقبلا يشدان عليهما من ورق الجنة ليسترا عوراتهما، وناداهما ربهما قال لهما: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما : إن الشيطان لكما عدو مبين، قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا ذنوبنا وترحمنا وتتجاوز عنا لنكونن من الخاسرين في العقوبة.
فتاب الله عليهما، وأوحى إليهما: أن اهبطوا من الجنة آدم وحواء وإبليس، بعضكم لبعض عدو، يكون إبليس لهما عدوًا، وهما لإبليس أعداء ، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين إلى منتهى آجالكم وإبليس إلى النفخة الأولى، قال الله فيها تحيون، يعني : في الأرض، وفيها تموتون عند منتهى آجالكم ، ومنها تخرجون يوم القيامة67.
والمتأمل في قصة آدم عليه السلام من خلال هذه الآيات القرآنية يجد ذكر الشجرة التي أخرجت آدم عليه السلام وزوجه من الجنة على وجه الابتلاء بعدم القرب والأكل منها.
فقوله تعالى المتكرر في سورة البقرة والأعراف: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ)، أي : اختبار من الله تعالى وامتحان لآدم68.
قال قتادة رحمه الله: «ابتلى الله آدم كما ابتلى ، الملائكة قبله وكل شيء خلق مبتلى ولم يدع الله شيئا من خلقه إلا ابتلاه بالطاعة ، فما زال البلاء بآدم حتى وقع فيما نهي عنه»69.
يقول ابن عاشور في تفسير هذه الآية: «يعني به : ولا تأكلا من الشجرة ؛ لأن قربانها إنما هو لقصد الأكل منها ، فالنهي عن القربان أبلغ من النهي عن الأكل ؛ لأن القرب من الشيء ينشىء داعية وميلا إليه»70.
ويأتي في هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه)71.
ولم يعرض القرآن الكريم ماهية تلك الشجرة ونوعها التي أكل منها آدم عليه السلام وزوجه، ومع ذلك فقد اختلف أهل التفسير فيها على أقوال، فقد ورد عن علي وابن مسعود وسعيد بن جبير والسدي أنها الكرمة، وعن ابن عباس والحسن وجمهور المفسرين أنها الحنطة، وعن قتادة وابن جريج ونسبه ابن جريج إلى جمع من الصحابة أنها شجرة التين، ووقع في سفر التكوين من التوراة إبهامها وعبر عنها بشجرة معرفة الخير والشر.
وفي هذا يقول الإمام الطبري رحمه الله: «والصواب في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة، دون سائر أشجارها، فأكلا منها، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين؛ لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة، وقد قيل: كانت شجرة البر، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك علم إذا علم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به72.
وعلى أية حال فمهما تعددت الأقوال في بيان نوع الشجرة وتعيينها تبقى مبهمة؛ لأن الله تعالى لم يذكر عنها شيئًا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الصحيحة ، فلا يوجد دليل على تحديد نوعها، ولا يترتب على تحديدها شيء؛ لذلك نؤمن بأنها شجرة من أشجار الجنة كان لها دور كبير في تغيير مسار حياة البشرية كافة حيث ابتلى الله تعالى سيدنا آدم عليه السلام بها حين نهي عن القرب منها ، فدنا منها فصارت عليه ابتلاء ومحنة، فأخرج من تلك الجنة والنعيم لتكون تلك الشجرة سببًا لبداية حياة البشرية على وجه الأرض.
ثانيًا: قصة صاحب الجنتين:
ارتبط مفهوم الشجر مع قصة صاحب الجنتين من حيث كون الشجر أصبح ابتلاء وفتنة بعدما كان نعمة من الله تعالى على صاحبه، حيث إن صاحب الجنتين لم يشكر هذه النعمة ولم ينسبها إلى المنعم، وتمادى في غيه وظلمه، وتجرأ على الكفر بإنكاره البعث والساعة؛ لأنه يعيش في النعم الدنيوية ، ويريدها أن تدوم بصورة أبدية، كما جاءت القصة في سورة الكهف في قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الكهف: ٣٢-٣٦].
وقوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ) أي: بين حالًا تكون فيها العبرة، وهي حال رجلين مختلفين طاعة وعصيانا، (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)، أي: جعل الله لأحدهما جنتين من كروم، وأحاطهما بنخل ، كفعل كبار الملاك الذين يجعلون مزارعهم ذات جنات وعيون ونخل يحوطها كأنه سور يطوف بها، فتكون مثمرة، ويكون سورها مثمرا لا يكون حديدًا ولا خشبًا، ولا بناءً ، بل يكون نخلًا حيًا مثمرًا يؤتي جناه، وجعلنا بينهما زرعًا، ينتج بقولًا وقمحًا، فحيثما نظرت إلى الجنتين وجدت طعامًا طيبًا، فاكهةً وتمرًا وغيرهما مما هو غذاء ومتعة.
و(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)، أي: ثمرها كاملًا موفورًا وبانتظام لم تتخلف سنة عن أخرى، بل آتت به رتيبا تباعا، ولم تظلم منه شيئا، أي: لم تنقص منه شيئا، (ﯸ ﯹ ﯺ)، أي: شققنا خلالهما نهرًا يجري والماء موفور، لا تصاب الزروع بحرمان منه، ولا الأرض بجفاف، بل كل شيء ممهد73.
وقوله: (ﯼ ﯽ ﯾ) قيل: المراد به: المال، روي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وقيل: الثمار، وهو أظهر هاهنا74.
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) أي: دخل الجنة في هذه الحال التي استولت عليه حال الغرور، وحال التعالي الكاذب وعدم المبالاة إلا بالساعة التي هو فيها، واندفع بها إلى الشرك، وهو بذلك الغرور والكبر وغمط الناس ظالم لنفسه، فظلمه لنفسه بهذا الذي هو محيط به، وقد أداه إلى الشرك كما ذكرنا ، وذلك ظلم عظيم، وقد أداه ذلك إلى أن يقول: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)، فهو حكم بالحاضر على المستقبل، وذلك شأن المادي الذي يأسر الحاضر تفكيره، حتى لا يفكر إلا في محيطه، وقد أكد بقاءها بالنفي بـ (ما)، وبـ (أبدا)، وكأنه يحكم على الله، ويتحكم في المقادير وما هو بشيء، ثم يتطاول فينكر البعث، ويفتات في تقديره، فيقول: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الكهف: ٣٦].
وينفي إيمانه بالساعة ويقول مستهينا غير عابئ كأن الأمر لا يوجب اهتمامه : (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)، ويفرض أنه إذا جاءت الساعة ، فإنه سينال مثل ما ينال في الدنيا وأكثر منه، فيقول مغترًا: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) مرجعًا انقلب إليه، بدلا مما كنت فيه، وهو في هذا يقسم مطمئنًا، وهو بهذا يقيس الحال المقبلة على الحال الحاضرة، وكأن جنات الدنيا ممتدة إلى الآخرة ، بل تزيد عليها، وأن هذا أقصى درجات الغرور، فهو يفتات على ربه أو يقسم عليه، وليس من المقربين إليه الذين عادوا بما آتاهم من خير على المحتاجين من اليتامى والمساكين وأبناء السبيل75.
والمتأمل في قراءة هذه القصة يجد عدم ذكر لفظ الشجر في هذه الآيات الكريمة إلا أنها تدخل في عموم الجنتين التي جاء ذكرها في القصة، ويجد من خلال هذه الآيات القرآنية كيف يفعل الغرور والتكبر بصاحبه حينما يتمكن منه.
ويتضح مما تقدم علاقة الشجر بقصة صاحب الجنتين في كونه ابتلاء ومحنة للذي أوتي الجنتين والذي جحد وعصى وتمرد فكفر بنعمة الله تعالى وأنكرها ، فكان جزاءه أن الله تعالى قطع عنه تلك النعم، وصب عليه أنواع العذاب والحرمان.
ثالثًا: قصة أصحاب الجنة:
ذكر الله تعالى قصة أصحاب الجنة في سورة القلم حيث ضرب للمشركين مثلًا بحال أصحاب الجنة، كما ضرب مثل قريب منه في قصة صاحب الجنتين ، كما مضى ذكرها في المطلب السابق، فكلتاهما امتحان للمبتلى واختبار شكره لتلك النعم أو كفره بها، فالمثل يضرب لمن كفر بنعمة الله تعالى على سبيل العظة والاعتبار.
وأما أصحاب الجنة فهم الذين ابتلاهم الله بأن أنعم عليهم بجنة، وهي بستان فيها زروع وثمار وأشجار، ثم جحدوا وكفروا بتلك النعمة حين قرروا منع حق الفقير والمسكين من تلك الثمار، ولذلك أنزل الله تعالى على تلك الجنة صاعقة فأحرقتها، وتأتي القصة بسياقها من خلال الآيات الآتية:
قال تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [القلم: ١٧-٣٢].
قال ابن كثير: «هذا مثل ضربه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة، وأعطاهم من النعم الجسيمة، وهو بعثه محمدًا صلى الله عليه وسلم إليهم، فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة؛ ولهذا قال: (ﭕ ﭖ) أي: اختبرناهم، (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه»76.
وقال ابن عاشور: «فالبلوى المذكورة هنا بلوى بالخير ، فإن الله أمد أهل مكة بنعمة الأمن ونعمة الرزق وجعل الرزق يأتيهم من كل جهة، ويسر لهم سبل التجارة في الآفاق بنعمة الإيلاف برحلة الشتاء ورحلة الصيف، فلما أكمل لهم النعمة بإرسال رسول منهم ليكمل لهم صلاح أحوالهم ويهديهم إلى ما فيه النعيم الدائم ، فدعاهم وذكرهم بنعم الله، أعرضوا وطغوا ولم يتوجهوا إلى النظر في النعم السالفة ولا في النعمة الكاملة التي أكملت لهم النعم، ووجه المشابهة بين حالهم وحال أصحاب الجنة المذكورة هنا هو الإعراض عن طلب مرضاة الله وعن شكر نعمته، وهذا التمثيل تعريض بالتهديد بأن يلحقهم ما لحق أصحاب الجنة من البؤس بعد النعيم والقحط بعد الخصب»77.
وقال ابن كثير: «وقوله: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) أي: حلفوا فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلًا ؛ لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل، ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء، (ﭠ ﭡ) أي: فيما حلفوا به»78.
ومعنى لا يستثنون: «أنهم لا يستثنون من الثمرة شيئًا للمساكين، أي : أقسموا ليصرمن جميع الثمر ولا يتركون منه شيئا، وهذا التعميم مستفاد مما في الصرم من معنى الخزن والانتفاع بالثمرة ، وإلا فإن الصرم لا ينافي إعطاء شيء من المجذوذ لمن يريدون»79.
ولهذا حنثهم الله في أيمانهم، فقال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) أي: أصابتها آفة سماوية80.
قال ابن عاشور: «ولم يعين جنس الطائف لظهور أنه من جنس ما يصيب الجنات من الهلاك، ولا يتعلق غرض بتعيين نوعه؛ لأن العبرة في الحاصل به»81.
(ﭫ ﭬ)، أي : كالليل الأسود، (ﭮ ﭯ) أي: لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضًا ليذهبوا إلى الجذاذ، (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) أي: تريدون الصرام، (ﭹ ﭺ ﭻ) أي: يتناجون فيما بينهم بحيث لا يسمعون أحدًا كلامهم، أي: يقول بعضهم لبعض: لا تمكنوا اليوم فقيرًا يدخلها عليكم، قال الله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) أي: قوة وشدة، (ﮇ) أي: عليها فيما يزعمون ويرومون، (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) أي: فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها، وهي على الحالة التي قال الله عز وجل قد استحالت عن تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء مدلهمة، لا ينتفع بشيء منها، فاعتقدوا أنهم قد أخطئوا الطريق؛ ولهذا قالوا: (ﮌ ﮍ) أي: قد سلكنا إليها غير الطريق فتهنا عنها، ثم رجعوا عما كانوا فيه، وتيقنوا أنها هي فقالوا: (ﮏ ﮐ ﮑ) أي: بل هذه هي، ولكن نحن لا حظ لنا ولا نصيب82.
قال ابن عاشور: «(ﮏ ﮐ ﮑ) إضراب للانتقال إلى ما هو أهم بالنظر لحال تبييتهم إذ بيتوا حرمان المساكين من فضول ثمرتهم ، فكانوا هم المحرومين من جميع الثمار، فالحرمان الأعظم قد اختص بهم إذ ليس حرمان المساكين بشيء في جانب حرمانهم، ويحتمل: أن يكون الضلال حقيقيًا، أي : ضلال طريق الجنة، أي : قالوا: إنا أخطأنا الطريق في السير إلى جنتنا ؛ لأنهم توهموا أنهم شاهدوا جنة أخرى غير جنتهم التي عهدوها، قالوا ذلك تحيرًا في أمرهم»83.
ويتبين من كلام المفسرين اعلاه ، ملخص قصة أصحاب الجنة ، وهي أن الله تعالى قد ابتلى أصحاب الجنة في يوم الحصاد، أي : في يوم جمع الثمار، حيث اتفقوا على أن يجمعوا ثمار هذه الجنة أو البستان في الصباح الباكر، ولا يتركوا من ثمارها شيئًا إلا جمعوه ، فأرسل الله تعالى عليها أثناء الليل وهم نائمون طائفًا من عنده فأحرقها، فأصبحت أشجارها وثمارها محترقة وهم لا يشعرون، فقاموا من نومهم متجهين ليباشروا حصاد تلك الثمار ، وهم يتحدثون بصوت خافت حتى لا ينتبه إليهم أحد، لأنهم قرروا أن يمنعوا حق الفقراء والمساكين في تلك الثمار، ونسوا أن الزكاة والصدقة تنمي المال وتمنعه من الزوال وتضع فيه البركة، ومع ذلك اعتقدوا أنهم ضلوا الطريق، فذهبوا إلى مكان آخر لكنهم فوجئوا بأنها هي الجنة نفسها فكان جزاؤهم أن حرموا من تلك النعم كلها نتيجة ظلمهم وأكلهم حق المساكين.
ويتضح مما مضى أن قصة أصحاب الجنة المذكورة في القرآن الكريم وارتباطها مع الشجر على سبيل الابتلاء والمحنة، حيث أعطت هذه القصة دروسًا في أخذ العبرة من أصحاب تلك الجنة التي حفت بالأشجار والثمار المتنوعة إلا أنهم جحدوا نعمة الله تعالى عليهم، بحرمانهم حق المساكين، مع نسيانهم أن الله تعالى هو المعطي ، وهو القادر على أن يسلب منهم كل النعم، فكان عقابهم الحرمان والهلاك والعذاب، وفي القصة تحذير عن فعلهم وعدم الاستهانة بنعم الله تعالى والحفاظ عليها وعدم التفريط بها، وذلك بالشكر والثناء على الله تعالى مع المسارعة إلى التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله تعالى.
ذكر لنا القرآن الكريم أمثلة كثيرة في مواطن شتى لتوضيح معانٍ كثيرة من إنفاقٍ في سبيل الله وإيمانٍ به تعالى وغيرها، وتقريب هذه المعاني إلى النفوس كي يزداد المؤمن يقينا بها، ومن هذه الأمثلة ما كان المثل فيها هو الشجر، وسيتم الحديث عنها في النقاط الآتية:
أولًا: الحث على الإنفاق في سبيل الله:
ضرب الله تعالى مثلًا للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل كما جاء في قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة: ٢٦١].
قال ابن كثير: «هذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فقال: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) قال سعيد بن جبير: في طاعة الله، وقال مكحول: يعني به: الإنفاق في الجهاد، من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك، وعن عكرمة عن ابن عباس: الجهاد والحج، يضعف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف؛ ولهذا قال الله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ)، وهذا المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة، فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل، لأصحابها، كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة»84.
قال ابن عاشور: «مثل (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) تشبيه حال جزائهم وبركتهم، والصلة مؤذنة بأن المراد خصوص حال إنفاقهم بتقدير مثل نفقة الدين، وقد شبه حال إعطاء النفقة ومصادفتها موقعها وما أعطي من الثواب لهم بحال حبة أنبتت سبع سنابل، أي: زرعت في أرض نقية وتراب طيب وأصابها الغيث فأنبتت سبع سنابل»85.
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف)86.
ومعنى الحديث أن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
«وقد ذكر الزمخشري وغيره: أن التشبيه ليس بين الذين ينفقون والحبة، بل بين الصدقة نفسها والحبة؛ فالكلام فيه مضاف محذوف مقدر في القول، وتقديره: مثل صدقة الذين ينفقون في سبيل الله، فقد شبه سبحانه الصدقة التي تنفق في سبيل الله بحبة تلقى في الأرض ، فتخرج عودًا مستويًا قائمًا تتعلق به سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، أي: أنه يتولد عن هذه الحبة التي باركها خالق الحب والنوى سبعمائة حبة، وإسناد الإنبات إليها من حيث اتصاله بها، وأن تلك الحبات هي نماء متولد عنها، وفي الحقيقة إن المنبت هو الله سبحانه وتعالى»87.
وتعطي الآية المتقدمة دروسًا في الإنفاق في سبيل الله وعدم البخل في المال، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ويرتبط مفهوم الشجر بالإنفاق في سبيل الله من حيث كون السنابل نباتًا، وهي مثل ضربه الله تعالى لبيان هذا الإنفاق.
ومن الجدير بالذكر أن لفظ السنبلة ذكر في القرآن الكريم في مواضع منها:
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة: ٢٦١].
وقال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [يوسف: ٤٣].
ثانيًا: الإيمان والهدى:
ضرب الله تعالى الشجرة المباركة مثالًا على نور إيمان المؤمن وهداه في قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [النور: ٣٥].
قال الواحدي: «بنوره وهداه يهتدي من في السماوات والأرض، ثم ضرب مثلا لذلك النور الذي يقذفه في قلب المؤمن حتى يهتدي به فقال: (ﮮ ﮯ ﮰ) وهي الكوة غير النافذة، والمراد بها هاهنا الذي وسط القنديل ، وقوله: (ﮱ ﯓ) يعني: السراج، (ﯕ ﯖ ﯗ) لأن النور في الزجاج وضوء النار أبين منه في كل شيء، (ﯙ ﯚ ﯛ) لبياضه وصفائه، (ﯜ) منسوب إلى أنه كالدر، (ﯝ) أي: الزجاجة ، والمعنى للمصباح، (ﯞ ﯟ) أي: من زيت شجرة، (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) ليست مما يطلع عليها الشمس في وقت شروقها فقط، (ﯤ ﯥ) أو عند الغروب ، والمعنى: ليس يسترها عن الشمس في وقت من النهار شيء فهو أنضر لها وأجود لزيتها (ﯦ ﯧ ﯨ) لصفائه دون السراج وهو قوله: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) يعني: نور السراج ونور الزيت ، ثم قال عز من قائل: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)»88.
فبعد بيان تفسير هذه الآية الكريمة يمكن بيان مفهوم الشجرة المباركة التي ذكرت في الآية الكريمة، وبعد أن شبه الله تعالى الزجاجة وفيها المصباح، بالكوكب الدري المتلألىء، عاد سبحانه وتعالى إلى المصباح، فأخبر أنه: (ﯝ ﯞ ﯟ)، فما المراد من هذه الشجرة؟
اختلف في هذا على ستة أقوال:
الأول: أنها ليست من شجر الشرق دون الغرب، ولا من شجر الغرب دون الشرق؛ لأن الذي يختص بإحدى الجهتين كان أدنى زيتًا، وأضعف ضوءًا ولكنها ما بين الشرق والغرب، كالشام؛ لاجتماع الأمرين فيه؛ وهو قول مالك.
وفي رواية ابن وهب عنه قال: هو الشام، الشرق من هاهنا والغرب من هاهنا، ورأيته لابن شجرة أحد حذاق المفسرين.
الثاني: أنها ليست بشرقية تستر عن الشمس عند الغروب، ولا بغربية تستر عن الشمس وقت الطلوع؛ بل هي بارزة؛ وذلك أحسن لزيتها أيضا؛ قاله قتادة.
الثالث: أنها وسط الشجر، لا تنالها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت، وذلك أجود لزيتها: قاله عطية.
الرابع: أنها ليس في شجر الشرق ولا في شجر الغرب مثلها، قاله يحيى بن سلام.
الخامس: أنها من شجر الجنة لا من الدنيا، قاله الحسن.
السادس: أنها مؤمنة، ليست بنصرانية تصلي إلى الشرق، ولا يهودية تصلي إلى الغرب، وهو قول ابن عمر89.
وعلى أية حال فأن جميع هذه الأقوال حسنة غير مردودة إلا أن أغلب المفسرين ذكروا أن هذه الشجرة هي هي شجرة الزيتون المباركة ضرب الله تعالى بها مثلا لنوره جل وعلا، ونور إيمان قلب المؤمن وهداه.
وأما وصفها مباركة:
وقيل : إنما وصفت بالبركة لأنها تثبت في الأرض التي بارك الله تعالى فيها للعالمين، وقيل : بارك فيها سبعون نبيا منهم إبراهيم عليه السلام، زيتونة بدل من شجرة، وقال أبو علي: عطف بيان عليها ، وهو مبني على مذهب الكوفيين من تجويزهم عطف البيان في النكرات، وأما البصريون فلا يجوزونه إلا في المعارف، وفي إبهام الشجرة ووصفها بالبركة ثم الإبدال عنها أو بيانها تفخيم لشأنها90.
وأما علاقة الشجر بهذه الآية الكريمة، كونه مثالًا للهدى والإيمان.
يقول أبو بكر ابن العربي: «فضرب مثلًا للهدى النور، وللقلب المشكاة، وللإيمان المصباح، وللصدر الزجاجة، ولصفاء الصدر وانشراحه الكوكب المضيء، وللاستضاءة سداد المعارف وصلاح الأعمال، وللإيقاد من الزيت الاستمداد من بحر المعارف، وللشجرة انقسام القلوب، والمعارف من أصل العلم الأول، على أغصان إلى أوراق إلى ثمار على اختلاف أنواع الشجر وصفات الأغصان واختلاف حال الثمار في الهيئات والطعوم، وإمكان الجني وتعذره، وحلوه ومره، إلى غير ذلك من معانٍ لا تبلغها القدرة البشرية، ولا تنتهي إليها العلوم الجزئية»91.
ويتضح مما تقدم ارتباط شجرة الزيتون المباركة بضرب الأمثال في القرآن الكريم، وهي مثل للمؤمن في نور الإيمان والهدى في قلبه.
ثالثًا: كلمات الله تعالى:
ضرب الله تعالى مثلا في الشجر بوصفه أقلاما تكتب بها كلمات الله تعالى في قوله تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [لقمان: ٢٧].
قال ابن كثير: «ولو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلامًا، وجعل البحر مدادًا ومده سبعة أبحر معه، فكتبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته وجلاله لتكسرت الأقلام، ونفد ماء البحر، ولو جاء أمثالها مددا»92.
قال الحسن البصري: «لو جعل شجر الأرض أقلامًا، وجعل البحر مدادًا، وقال الله: «إن من أمري كذا، ومن أمري كذا لنفد ما في البحور، وتكسرت الأقلام»93.
وقد روي أن هذه الآية نزلت جوابًا لليهود، قال ابن إسحاق: حدثني ابن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس؛ أن أحبار يهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة: يا محمد، أرأيت قولك: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الإسراء: ٨٥]. إيانا تريد أم قومك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا، فقالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها في علم الله قليل، وعندكم من ذلك ما يكفيكم)، وأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [لقمان: ٢٧]94.
قال الزركشي: «قال المفسرون: والغرض من ذلك الإعلام بكثرة كلماته وهي في نفسها غير متناهية وإنما قرب الأمر على أفهام البشر بما يتناهى ، لأنه غاية ما يعهده البشر من الكثرة، وقال بعض المحققين: إن ما تضمنت الآية أن كلمات الله تعالى لم تكن لتنفد ، ولم تقتض الآية أنها تنفد بأكثر من هذه الأقلام والبحور ، وكما قال الخضر عليه السلام: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من ماء البحر حين غمس منقاره فيها»95.
قيل لابن عرفة: إن قلت: ما فائدة قوله: (ﯷ ﯸ)، ولو حذف لكان أبلغ، لأنه إذا كان جميع ما في الأرض من شجر، وحجر ومدر وعظام أقلامًا، وكتب بها كلمات الله تعالى فلم تنفد بنفود الأقلام، فأحرى أن لا تنفد حالة كتبها بالأقلام المصنوعة من الشجر فقط، والجواب: بأنه لو لم يقل ، من شجرة ، لزم منه المحال ؛ لأن الأرض فيها الجوهر والعرض فيلزم صيرورة العرض كلاما وهو محال، وكان يلزم عليه المحال، وهو نفود كلمات الله تعالى؛ لأن المحال قد يستلزم محالا، ورده ابن عرفة في مختصره المنطقي: بأنه لو استلزم المحال محالًا لما صدقت قضية تقدمها كاذب، مع أنه قد تصدق وقد تكذب، فإن قلت: هلا قال: ولو أن ما في الأرض من شجر أقلام، فالجواب: أن الشجر أقرب إلى الأقلام من الحجر96.
قال الرازي: فإن قيل: كيف قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ)[الكهف: ١٠٩].
ولم يقل من شجر؟ قلنا: لأنه أراد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر شجرة واحدة إلا وقد بريت أقلامًا97.
ويتضح مما مضى ارتباط مفهوم الشجر بكلمات الله تعالى بوصفه أقلامًا يكتب بها كلمات الله تعالى الباقية التي لا تنفد، مع فرض شجر الأرض أقلامًا، والبحر ممدودًا بسبعة أبحر مدادًا، لا يقع نفاد الكلمات، وهذه صورة مقربة للأذهان بما يتناهى من الشجر والأقلام مع كلمات الله تعالى غير المتناهية، فلو جعلت الأشجار التي في الأرض أقلامًا لكتابة كلمات الله، وجعل مدادها البحر المتصل بمدار سبعة أبحر أخرى، فإن تلك الأقلام ومعها المداد تنفد دون أن تنفد كلمات الله.
قال الزمخشري: «وجاء التعبير بالشجرة على الإفراد دون الجمع لإرادة تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة، حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا قد بريت أقلامًا»98.
أولًا: شجر نعيم:
لا شك أن في الجنة أشجارًا وثمارًا كثيرةً ومتنوعةً لا حصر لها، أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين حيث وصفها الله تعالى في القرآن الكريم بأنها نعيم دائم لأصحاب الجنة، كما جاء في الآيات القرآنية نذكر بعضًا منها كما يأتي:
قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [المرسلات: ٤١-٤٢].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ) [النبأ: ٣١-٣٢].
وقال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الواقعة: ٢٧-٣٣].
وقال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [ص: ٥١].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الرحمن: ٦٨].
وقد وردت في القرآن الكريم أسماء لبعض أشجار الجنة وأكدت ذلك السنة النبوية .
ومنها ما يأتي:
١. شجرة طوبى.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الرعد: ٢٩].
قال الزمخشري: «ومعنى (طوبى لك) أصبت خيرا وطيبا، ومحلها النصب أو الرفع، كقولك : طيبا لك، وطيب لك، وسلاما لك، وسلام لك»99.
قال ابن عاشور: «وطوبى: مصدر من طاب طيبًا إذا حسن، وهي بوزن البشرى والزلفى، قلبت ياؤها واوا لمناسبة الضمة، أي : لهم الخير الكامل ؛ لأنهم اطمأنت قلوبهم بالذكر، فهم في طيب حال: في الدنيا بالاطمئنان، وفي الآخرة بالنعيم الدائم، وهو حسن المئاب ، وهو مرجعهم في آخر أمرهم»100.
وذكر الإمام الرازي في تفسير كلمة طوبى ثلاثة أقوال:
القول الأول: إنها اسم شجرة في الجنة، فعن عتبة بن عبد السلمي، يقول: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله عن الحوض، وذكر الجنة، ثم قال الأعرابي: فيها فاكهة؟ قال: (نعم، وفيها شجرة تدعى طوبى)، فذكر شيئا لا أدري ما هو؟ قال: أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: (ليست تشبه شيئا من شجر أرضك)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتيت الشام؟) فقال: لا، قال: (تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة، تنبت على ساق واحد، وينفرش أعلاها)، قال: ما عظم أصلها؟ قال: (لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك، ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما) 101.
وحكى أبو بكر الأصم رحمه الله: أن أصل هذه الشجرة في دار النبي صلى الله عليه وسلم وفي دار كل مؤمن منها غصن.
القول الثاني: وهو قول أهل اللغة أن طوبى مصدر من طاب، كبشرى وزلفى، ومعنى طوبى لك، أصبت طيبا، ثم اختلفوا على وجوه: قال ابن عباس رضي الله عنه: فرح وقرة عين لهم، وقال عكرمة: نعم ما لهم، وقيل: غبطة لهم ،عن الضحاك. وقيل: حسنى لهم ، عن قتادة، وقيل: خير وكرامة ، عن أبي بكر الأصم، وقيل: العيش الطيب لهم ، عن الزجاج.
واعلم أن المعاني متقاربة والتفاوت يقرب من أن يكون في اللفظ، والحاصل أنه مبالغة في نيل الطيبات ويدخل فيه جميع اللذات، وتفسيره أن أطيب الأشياء في كل الأمور حاصل لهم.
القول الثالث: إن هذه اللفظة ليست عربية، ثم اختلفوا : فقال بعضهم: طوبى اسم الجنة بالحبشية، وقيل: اسم الجنة بالهندية، وقيل: البستان بالهندية، وهذا القول ضعيف؛ لأنه ليس في القرآن إلا العربي لا سيما واشتقاق هذا اللفظ من اللغة العربية ظاهر102.
وعلى كلام الزمخشري تكون هذه الكلمة السامية تحية من الله تعالى لعباده المؤمنين، وتكون هذه التحية مقررة لهم بأن لهم السلام والاطمئنان، والطيب في إقامتهم في الجنة، بدليل ما جاء معطوفًا عليها، وهو قوله تعالى: (ﭗ ﭘ) أي: مآبٍ، ومرجع ونهاية ، هي حسنة في ذاتها، ليجتمع لها طيب الإقامة، وحسن الثواب، بل كلاهما من الثواب103.
ولا مانع من أن يكون لكلمة طوبى معنيان، الأول ما ذكره الزمخشري، والثاني ما جاء في السنة النبوية من أن طوبى شجرة في الجنة حسب ما جاء به حديث عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه كما مر ذكره.
٢. سدرة المنتهى.
جاء ذكرها في سورة النجم في قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [النجم: ١٣-١٥].
قال الإمام الطبري: والسدرة: شجرة النبق، وقيل لها سدرة : المنتهى في قول بعض أهل العلم من أهل التأويل، لأنه إليها ينتهي علم كل عالم104.
والمنتهى هي آخر شيء ومكانها عند جنة المأوى، حيث ينتهي إليها ما يصعد به من الأرض وما يهبط به من فوقها، وجاء في حديث المعراج المشهور لما عرج به جبريل إلى السماء ودخل السماء السابعة قال: «ثم رفعت إلي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى »105.
وأما سبب تسميتها سدرة المنتهى كما جاء في حديث ابن مسعود، قال: (لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها)106.
جاء عن ابن عباس في تسمية سدرة المنتهى: «لأن علم الملائكة ينتهي إليها ، ولم يجاوزها أحد إلا رسول صلى الله عليه وسلم»107.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى بما ورد عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ورفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كأنه قلال هجر، وورقها كأنه آذان الفيول، في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان، ونهران ظاهران، فسألت جبريل، فقال: أما الباطنان: ففي الجنة، وأما الظاهران: النيل والفرات)108.
٣. الظل الممدود.
قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ) [الواقعة: ٢٧-٣٠].
وظل ممدود: لا يتقلص، بل منبسط لا ينسخه شيء، قال مجاهد: «هذا الظل من سدرها وطلحها»109.
وذكر بعضهم في تفسير الظل الممدود على أنه شجرة في الجنة ، واعتمدوا في ذلك على ما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، يبلغ به عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة شجرة، يسير الراكب في ظلها مائة عام، لا يقطعها، فاقرءوا إن شئتم: (ﮐ ﮑ ﮒ) [الواقعة: ٣٠]110.
وجاء عن ابن عباس في قوله (ﮐ ﮑ) قال: «شجرة في الجنة على ساق يخرج إليها أهل الجنة فيتحدثون في أصلها ، فيشتهي بعضهم لهو الدنيا فيرسل الله عز وجل ريحًا من الجنة ، فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا»111.
ويتضح مما تقدم أن في الجنة أشجارًا كثيرة ومتنوعة أعدت للمؤمنين، ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم بأسمائها ، وأكدتها السنة النبوية بأحاديث كثيرة بينت صفاتها وأنواعها وثمارها.
ثانيًا: شجر عذاب:
كما أن لأهل الجنة شجر نعيمٍ، فإن لأهل النار أيضًا شجر عذابٍ، حيث ورد ذكر شجر العذاب كالشجرة الملعونة أو شجرة الزقوم في مواضع متفرقة في القرآن الكريم من خلال الآيات الآتية:
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الإسراء: ٦٠].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الواقعة: ٥١-٥٤].
وقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ)[الصافات: ٦٢-٦٦]
وقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ) [الدخان: ٤٣-٤٦].
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يجد أن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم التي جعلت طعامًا للظالمين ، كما وصفها الله تعالى.
ويرى جمهور المفسرين112 أن الشجرة الملعونة التي جاء ذكرها في سورة الإسراء والصافات والواقعة والدخان هي شجرة الزقوم نفسها.
قال ابن كثير: «وأما «الشجرة الملعونة»، فهي شجرة الزقوم، كما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى الجنة والنار، ورأى شجرة الزقوم، فكذبوا بذلك حتى قال أبو جهل لعنه الله بقوله: هاتوا لنا تمرًا وزبدًا، وجعل يأكل هذا بهذا ويقول: تزقموا، فلا نعلم الزقوم غير هذا»113.
وذكر في الشجرة الملعونة أقوال:
منها: أنها شجرة الزقوم طعام الأثيم، وقال الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك وسعيد بن جبير وطاووس وابن زيد: وكانت فتنتهم بها قول أبي جهل وأشياعه: النار تأكل الشجر فكيف تنبتها.
ومنها: هي الكشوت114 التي تلتوي على الشجر، قاله ابن عباس115.
فأما قوله: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)، وقوله: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)[الغاشية: ٦].
وقولهم: كيف يكون في النار نبت وشجر، فإنه لا تعلق لهم فيه، إن كان كنى بذلك الضريع وشجرة الزقوم عن جوعهم، وأنهم لا يشبعون وعن شيء مشبهٍ لشجرةٍ تشبه رؤوس الشياطين في قبح منظرها، فليس هناك نبت ولا شجر، وإنما ذلك أمثال وتشبيه، وإذا كان أراد تعالى تحقيق نبتٍ وشجرٍ يخرج من النار، فإن ذلك غير مستحيل116.
وأما قولهم ، إنه لا معنى لتمثيل طلع الشجرة برؤوس الشياطين ، من وجهين:
أحدهما: أن الشجرة لا طلع لها وإنما يكون الطلع دون الشجر.
والوجه الآخر: أننا لا نعرف رؤوس الشياطين، وليس هو ما تعرفه العرب، فيمثل لها به بعض الأشياء، فإنه باطل لأنه إنما أراد بقوله تعالى: (ﮟ) ثمرها لطلوعه كل سنةٍ ، ومنه سمي طلع النخل طلعًا عند أول خروجه، مأخوذٌ ذلك من طلوعه، فإذا تغيرت حاله وانتقل إلى حكمٍ آخر سمي باسمٍ آخر من بلحٍ وبسرٍ ورطب، فطلعها المراد به ثمرها الطالع، وأما الشياطين التي مثلها برؤوسها فإنها حياتٌ خفيفاتٌ الأجسام قبيحات المناظر والرؤوس117.
قال الرازي: فإن قيل: كيف قال: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)، وليس في القرآن لعن شجرة ما؟
قلنا: فيه إضمار تقديره: والشجرة الملعونة المذكورة في القرآن.
الثاني: أن معناه : الملعون آكلوها ، وهم الكفرة.
الثالث: أن الملعونة بمعنى المذمومة ، كذا قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وهي مذمومة في القرآن بقوله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ)، وبقوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ).
الرابع: أن العرب تقول لكل طعام مكروه أو ضار : ملعون، وفي القرآن الإخبار عن ضررها وكراهتها.
الخامس: أن اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد، فالملعون هو المطرود عن رحمة الله تعالى، المبعد عنها، وهذه الشجرة مطرودة مبعدة عن مكان رحمة الله تعالى وهو الجنة؛ لأنها في قعر جهنم، وهذا الإبعاد والطرد مذكور في القرآن بقوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)، وقال ابن الأنباري: سميت ملعونة لأنها مبعدة عن منازل أهل الفضل118.
وصح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (والشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة الزقوم)119.
وجاء في الحديث عنه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [آل عمران: ١٠٢].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟)120.
ويتضح مما مضى ارتباط الشجر بصنوف العذاب، وإذا كانت الأشجار ترتبط بالخير والبركة والرزق، فشجرة الزقوم ارتبطت بالشر والفتنة والكفر والعذاب الشديد، وعرفت بأنها الشجرة الملعونة الموجودة في جهنم ، أعدها الله تعالى طعامًا للكافرين والظالمين في جهنم.
قدم القرآن الكريم لنا وجوهًا كثيرة ومتنوعة الأساليب في الشجر من حيث الإعجاز البياني القائم على الفصاحة والبلاغة وبداعة النظم، والإعجاز العلمي الذي يرتبط مع العلم الحديث والتكنولوجيا وتطور منظومة الأبحاث العلمية وعلاقتها مع القرآن الكريم، وكذلك الإعجاز الطبي الذي يتعلق بصحة الإنسان وغذائه ودوائه وارتباطه مع بعض الأشجار والثمار التي ذكرها القرآن الكريم.
ومن هذه الآيات ما يأتي:
وتبين هذه الآية الكريمة قدرة الله تعالى في مخلوقاته حين ألهم النحل إلهامًا غريزيًا أن تتخذ من الجبال والأشجار بيوتًا تأوي إليها ، وهذه الحشرات منقادة لله تعالى وطائعة له.
ومن عجيب ما خلق الله في النحل أن ألهمها اتخاذ بيوتها مسدسة؛ فبذلك اتصلت حتى صارت كالقطعة الواحدة، وذلك أن الأشكال من المثلث إلى المعشر إذا جمع كل واحد منها إلى أمثاله لم يتصل، وجاءت بينهما فرج إلا الشكل المسدس فإنه إذا جمع إلى أمثاله (التسديس)، يحمي بعضها بعضًا عند الاتصال121.
والأعجب من ذلك كله أن الإنسان لا يستطيع أن يبني بيتًا مثل بيوت النحل دون الاستعانة بعلوم الهندسة المعمارية والحسابات الرياضية، وبكل الأدوات والمعدات الحديثة، ومع ذلك فهو عاجز أن يبني بيتًا يشبه بيوت النحل من حيث النظام والدقة والانسجام وانعدام الخلل.
وجعلت كل بيت على قدرها، فإذا تشكل عند حركة النحلة بقدرة الله وعلمه، وملأته عسلا انتقلت إلى غيره بتسخير الله وتقديره وتذليله، إن تركت عسلت، وإن حملت اتبعت، وهي ذات جناح، ولكن القابض الباسط هو الذي سخرها ودبرها122.
وتأتي اللمسة البيانية الأخرى في قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النحل: ٦٨].
حيث يتساءل الإمام الرازي بقوله: فإن قيل: كيف قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)، ولم يقل : في الجبال ، وفي الشجر ، والاستعمال إنما هو بفي ، يقال: اتخذ فلان بيتا في الجبل، أو في الصحراء ونحو ذلك؟
قلنا: «قال الزمخشري: إنما أتى بلفظة (من) لأنه أراد معنى البعضية، وأن لا تبني بيوتها في كل جبل، وكل الشجر، ولا في كل مكان من الجبل والشجر، وأنا أقول: إنه إنما ذكره بلفظة (من) لأنه أراد كون البيت بعض الجبل وبعض الشجر ، كما يشاهد ويرى من بناء بيوت النحل، لأنه متخذ من طين أو عيدان في الجبل والشجر ، كما تتخذ الطيور، فلو أتى بلفظة (في) لم تدل على هذا المعنى ، ونظيره قوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الشعراء: ١٤٩]»123.
فيتبين مما تقدم حكمة الله تعالى في إلهام النحل اتخاذ مساكنها في الجبال والشجر.
والإعجاز البياني في هذه الآية التي ارتبطت مع مفهوم الشجر من حيث كون عصا سليمان عليه السلام كانت من خشب الشجر، فلم يقل الله تعالى في الآية الكريمة (عصاه) بل عبر عنها بقوله تعالى: (منسأته)، والمنسأة: هي العصى، و(نسأ) في اللغة لها دلالتان:
الأولى: (نسأ) البعير إذا جره وساقه، والمنسأة: هي عصى عظيمة تزجر بها الإبل لتسوقها.
والثانية: (نسأ) بمعنى أخر الشيء (النسيء).
فلماذا استعمل كلمة (منسأة) ولم يستعمل كلمة (عصى)؟
قيل: إن (المنسأة) لها معنيان هما: سوق الإبل والتأخير؛ وفي قصة سليمان عليه السلام كانت العصى تسوق الجن إلى العمل مع أن عليه السلام كان ميتًا إلى أن سقطت العصى وسقط سليمان عليه السلام ، كما في قوله تعالى: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [سبأ: ١٤].
فكما أن الراعي يسوق الإبل لتسير، فهذه المنسأة كانت تسوق الجن، والمنسأة كأنها مدة حكم سليمان عليه السلام ، فهي أخرت حكمه إلى أن سقط، فاستعمالها في قصة سليمان عليه السلام أفاد المعنيين واستعمالها من الجهتين اللغويتين في غاية البيان من جهة السوق ومن جهة التأخير.
أما في قصة موسى عليه السلام فاستعمل كلمة العصى في قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [طه: ١٨].
ليهش بها على غنمه وبها رحمة بالحيوان فهي عكس الأولى، ولا يناسب استخدام كلمة منسأة124.
وبهذا الكلام يتضح الفرق بين العصا والمنسأة واستعمالهما في القرآن الكريم، ومع كونهما عصى مصنوعة من خشب الأشجار إلا أنهما اختلفا في الاستعمال القرآني من حيث اللغة والبيان ، كما مضى ذكره.
واللمسة البيانية في هذه الآية الكريمة:
ما ذكره الدكتور فاضل السامرائي بقوله: «ونلاحظ في القرآن أنه تعالى عندما يستعمل (من) يعطف عليها ما لا يعقل كما في قوله تعالى في سورة الحج: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الحج: ١٨].
أما عندما يستعمل (ما) فإنه يعطف عليها ما يعقل (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) وهو خط بياني لم يتخلف في القرآن أبدًا والحكمة البيانية منه الجمع125.
والإعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة هو إخراج النار المتوقدة من الشجر الأخضر، التي فيها أيضًا دلالة على البعث والنشور.
والنظرة العلمية أن وراء هذه الآية حقائق علمية رائعة تدل على إعجاز القرآن العلمي في تقريره أن الشجر الأخضر هو مادة الوقود، أي: مادة الطاقة التي هي عصب الحياة الصناعية في عالمنا المعاصر، فقد دلت الأبحاث الجيولوجية على أن الفحم الحجري والبترول والغازات القابلة للاشتعال تستخرج كلها من باطن الأرض، وذلك لأن النباتات والأشجار والغابات التي نمت فوق سطح الأرض في قديم الأزمان الجيولوجية أتت عليها ظروف متعاقبة من اضطرابات وانكسارات وتقلبات في القشرة الأرضية جعلت تلك الغابات والأشجار تنطمر في باطن الأرض، وتتعرض بعد ذلك لضغوط قوية ولحرارة شديدة ، فتحولت من أشجار خضراء إلى فحم حجري وبترول وغازات ، وهي من مواد الطاقة التي تستخدم نارها وحرارتها في الطهي والإنارة والتدفئة وإدارة المصانع ، فسبحان الله القادر الذى هيأ لحياة الإنسان على سطح الأرض مواد نافعة من باطنها بعد أن تحولت من شجر أخضر إلى فحم أسود وبترول وغازات126.
ويذكر الدكتور عبد الدائم الكحيل في موسوعته العلمية الإعجاز العلمي الحديث لهذه الآية الكريمة، فيقول: «وأن الذي هيأ الظروف للأشجار والنباتات بعدما فنيت واندثرت وغاصت في التراب وتفتت ،ولم يبق منها شيء يذكر، وأن الذي تركها لتتخمر وتتحول إلى نفط وغاز وفحم حجري، وهذه الأشياء نستطيع اليوم أن نستفيد منها في وقود التدفئة والصناعة والنقل، إن الذي خلق هذه الظروف والقوانين التي تضمن إعادة الحياة للشجر على شكل وقود قادر على أن يخلق ظروفًا جديدة تعيد الحياة للبشر بعد موتهم وقد فنوا.
وفي الوقت الحاضر توصل العلماء إلى اكتشاف جديد يؤكد وجود علاقة قوية بين تشكل العظام والشجر بطريقة لا تخطر على بال أحد من البشر، حيث توصل علماء إيطاليون من مركز أبحاث جامعة فلورنسا إلى اكتشاف طريقة لصناعة العظام من خشب بعض الأشجار ، وهذا ما يوفر مادة جديدة لصناعة بدائل العظام المهشمة بسبب الحوادث أو السرطان.
ويعتمد الاكتشاف العلمي الجديد على تحويل الخشب إلى مادة صلبة قوية التحمل تحاكي إلى حد ما خواص العظام البشرية، وتقول الباحثة «أنا تامبيري» رئيسة مجموعة البحث: إن تصنيع العظم يتم بتسخين الخشب عدة مرات ومعالجته بضغط عالٍ مع تغيير التركيب الكيماوي له بإضافة الكالسيوم والفوسفات إليه ليصبح مادة قوية وشديدة التحمل يمكن لحمها بالعظام الحقيقية ، ثم يتم العمل على جعل بنيتها الداخلية مماثلة لعظام الإنسان، وإن تصنيع عظام من الشجر أمر حديث لم يكن لأحد علم به زمن نزول القرآن، وبما أن القرآن قد استخدم مثال الشجر في موضع إحياء العظام وهي رميم، فهذه إشارة خفية لوجود علاقة بين العظم والشجر، ولكن العظم الذي صنعه الله تعالى يتميز بنفخ الروح فيه على عكس العظم الذي صنعه البشر حيث لا روح فيه، وأن الله تعالى يستخدم الحقائق العلمية لإثبات صدق كتابه وصدق وعده، فهذا الذي أنكر إعادة خلق العظام، يحتاج لدليل علمي ليقتنع بأنه من الممكن تصنيع عظام من مادة الشجر على يد البشر، ومن البديهي أن الله أقدر وأعظم من عباده، فهو قادر على إعادة تصنيع أو خلق هذه العظام من جديد.
والأمر الآخر أن الله تبارك وتعالى أشار إلى أمر مهم ، وهو وجود طاقة في الشجر، هذه الطاقة على شكل نار أودعها الله في الأشجار، بقيت لآلاف السنين ، وبسبب العوامل الطبيعية تحولت هذه الأشجار لفحم حجري وغاز طبيعي وبترول، وهذه المكتشفات الجديدة أشار إليها القرآن إشارة خفية بكلمة: (ﯔ)، لأننا لا نستفيد من هذه الثروات الطبيعية كالنفط والغاز إلا بعد حرقه وتحوله إلى نار، وبالتالي توليد الطاقة الميكانيكية والكهربائية من هذه النار، ولو قال تعالى: إن الشجر سيتحول إلى بترول، لم يفهم أحد خطاب القرآن، ولكن الله تعالى وضع كلمة (ﯔ) لتكون مناسبة لكل العصور ومهما تطور العلم ، فسبحان الله.
الإعجاز البياني واللغوي في هذه الآية الكريمة استعمال الشجرة لدلالة على الكتابة بوصفها أقلاما، وهناك بعض الالتفاتات التي أشار إليها الإمام الرازي، والإمام السيوطي في هذه الآية الكريمة.
يقول الإمام الرازي: «فإن قيل: قوله تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [لقمان: ٢٧] يطابقه وما في الأبحر من ماء مداد فكيف عدل عنه؟ قلنا: استغنى عن ذكر المداد بقوله تعالى: (ﯻ) لأنه من قولك : مد الدواة وأمدها، فجعل البحر المحيط بمنزلة الدواة، والأبحر السبعة المملوءة مدادًا أبدًا صبًا لا ينقطع، فصار نظير ما ذكرتم ، ونظيره قول تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) الآية، فإن قيل: كيف قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) ولم يقل : من شجر؟ قلنا: لأنه أراد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر شجرة واحدة إلا وقد بريت أقلامًا، فإن قيل: الكلمات جمع قلة والمقصود التعظيم والتفخيم، فكان جمع الكثرة وهو الكلم أشد مناسبة؟ قلنا: جمع القلة أبلغ فيما ذكرتم من المقصود، لأن جمع القلة إذا لم يغن بتلك الأقلام ، وذلك والمداد فكيف يغنى جمع الكثرة»127.
ويشير الإمام السيوطي إلى هذه الآية الكريمة بقوله: «لم قال : من شجرة ، ولم يقل : من شجر ، باسم الجنس الذي يقتضي العموم؟ فالجواب: أنه أراد تفصيل الشجر إلى شجرة شجرة حتى لا يبقى منها واحدة، فإن قلت: لم قال: (ﰂ ﰃ) ولم يقل : كلم الله، بجمع الكثرة؟ فالجواب: أن هذا أبلغ، لأنه إذا لم تنفد الكلمات مع أنها جمع قلةٍ فكيف ينفد الجمع الكثير»128.
ويتضح من كلام الإماميين الجليلين الإعجاز اللغوي والبياني لهذه الآية الكريمة التي وصفت الشجر وصفًا دقيقًا كونه أقلامًا، حيث جاء الآية بلفظ شجرة حتى لا يبقى منها واحدة على وجه الأرض إلا بريت أقلامًا.
واللمسة البيانية في هذه الآية الفرق بين كلمتي (سنبلات) و(سنابل) في القرآن الكريم وكلاهما جمع؟ فالجواب: استخدمت كلمة سنابل جمع كثرة في سورة البقرة في قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة: ٢٦١].
والحديث في السورة عن مضاعفة ثواب المنفق في سبيل الله لذا ناسب السياق أن يؤتى بجمع الكثرة (سنابل)، أما كلمة (سنبلات) كما وردت في سورة يوسف بقوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [يوسف: ٤٣].
فهي تدل على جمع قلة، والسياق في سورة يوسف في المنام وما رآه الملك فناسب أن يؤتى بجمع القلة (سنبلات)129.
والإعجاز العلمي والطبي في هذه الآية يبين أن شجرة الزيتون من الأشجار الخشبية التي تعمر طويلًا لمدد تزيد على مئات السنين وتثمر أثمارًا مستمرة بغير جهد من الإنسان، كما تتميز بأنها دائمة الخضرة جميلة المنظر، وتفيد الأبحاث العلمية أن الزيتون يعد مادة غذائية جيدة، ففيه نسبة كبيرة من البروتين، كما يتميز بوجود الأملاح الكلسية والحديدية والفوسفاتية ، وهي مواد هامة وأساسية في غذاء الإنسان، وعلاوة على ذلك فإن الزيتون يحتوي على فيتامينات، ويستخرج من ثماره زيت الزيتون الذي يحتوي على نسبة عالية من الدهون السائلة التي تفيد الجهاز الهضمي عامة والكبد خاصة، ويفضل زيت الزيتون كافة أنواع الدهون الأخرى نباتية أو حيوانية ؛ لأنه لا يسبب أمراضا للدورة الدموية أو الشرايين كغيره من الدهون، كما أنه ملطف للجلد إذ يجعله ناعما مرنا، ولزيت الزيتون استعمالات أخرى كثيرة في الصناعة إذ يحضر منه بعض الصناعات ، ويدخل في تركيب أفضل أنواع الصابون، وتكمن أهمية الزيتون من ناحيتيه الغذائية والدوائية أن الله سبحانه يقسم به في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [التين: ١-٣]. للتنويه بشأن الزيتون وبركته وعظيم منفعته130.
ويتضح مما مضى علاقة الشجر وثماره في الإعجاز القرآني بكل أنواعه وما ذكرناه ما هو إلا شيء قليل ولا يتسع المقام لذكر الأمثلة العديدة في هذا المبحث وذلك خشية الإطالة، إلا أن الباحث في هذا الشأن يجد ثراء المكتبات بالكتب التي تناولت مسألة الإعجاز في القرآن الكريم، فضلًا عما هو موجود حاليًا من بحوث ودراسات حديثة تؤكد علاقة الأشجار وثمارها وارتباطها بحياة الإنسان وصحته وغذائه ودوائه من خلال ما جاء في القرآن الكريم.
موضوعات ذات صلة: |
الأرض، الأكل، الجنة، الماء، النبات |
1 مقاييس اللغة ٣/٢٤٦.
2 الكليات، الكفوي، ص٥٢٣.
3 انظر: الأساليب والإطلاقات العربية، محمود المنياوي، ص٥٠.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٣٧٥.
5 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٥٥.
6 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٣/١٨٢٦
7 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢١٢.
8 الفروق اللغوية، العسكري ص ٢٦٦.
9 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٣٧٨، لسان العرب، ابن منظور ٢/٩٥.
10 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٨٩٢.
11 انظر: المصدر السابق ١/١٦٤.
12 لسان العرب، ابن منظور ٢/٨١٩.
13 المفردات، الراغب الأصفهاني ص١١٢.
14 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٨/١٢٧.
15 انظر: التحرير والتنوير، ٢٠/١٦.
16 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٢٠٢.
17 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٠/١٧٥.
18 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة، ١٠/٥٤٧١.
19 البرهان في علوم القرآن، الزركشي، ٤/٣١١.
20 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥٤٧١.
21 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٤/٥٦٣.
22 المصدر السابق.
23 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٥٩٥.
24 البرهان في علوم القرآن، ٢/٢٧.
25 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢/٣٥٥.
26 انظر: استخراج الجدال من القرآن الكريم، ابن الحنبلي، ١/٩٦.
27 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٩/٤٢٣.
28 المصدر السابق.
29 أضواء البيان، الشنقيطي، ٧/٥٣١.
30 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/١٠٦، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٣٥٩.
31 الكليات، الكفوي ص٣٢٣.
32 تفسير يحيى بن سلام، ١/٧٢.
33 أي: خراب.
انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ١٤٥.
34 الكشاف، الزمخشري، ٢/٥٦٠.
35 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٩/٢١، النكت والعيون، الماوردي، ٤/٥٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٢/١١٤، مدارك التنزيل، النسفي، ٢/٤٦٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/١٨، أوضح التفاسير، ١/٤١٣، أضواء البيان، ٥/٣٣٠.
36 تفسير المراغي، ١٨/١٥.
37 البلاغة العربية، عبد الرحمن بن حسن حبنكة، ٢/٢٧٩.
38 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٦٠٥٥، ٢٥/٤٥١، والترمذي في سننه، أبواب الأطعمة، باب ما جاء في أكل الزيت، ٤/٢٨٥، رقم ١٨٥١.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٢٩، رقم ٤٤٩٨.
39 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٥/٢٩٧٧.
40 الكشاف، الزمخشري، ٢/٦١٨.
41 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٥٨١.
42 انظر: تفسير المراغي، ١٤/١٠٤.
43 انظر: القرآن وإعجازه العلمي، ١/١٥١.
44 تفسير السمرقندي، ١/٣١١.
45 التحرير والتنوير، ٥/٩٠.
46 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٥٨٣.
47 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٣٨٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٩/١٦٧.
48 انظر: تفسير الجلالين، ص٧٨٦.
49 جامع البيان، الطبري، ١٧/٢٦٩.
50 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٨/٤٢٣٦.
51 المصدر السابق ٨/٤١٨٩.
52 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وَظِلٍ مَمْدُود} ، رقم ٤٨٨١، ٦/١٤٦.
53 مرقاة المفاتيح، الملا علي القاري، ٩/٣٥٧٧.
54 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٥/١٢٨.
55 لسان العرب، ابن منظور ١٢/٤٩٠.
56 المصدر السابق، ٢/٥٨٤.
57 انظر: التحرير والتنوير، ٢٧/٢٣٦.
58 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/٤٠٣.
59 التحرير والتنوير، ١/٩٩.
60 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٩/٤٦٣.
61 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٢/١١، تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٩/٤٦٣، النكت والعيون، الماوردي، ٥/٤٢٤، المحرر الوجيز، ابن عطية، ٥/٢٢٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٧/١٥٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٤٨٩.
62 انظر: لسان العرب، ٢/٤٧٢.
63 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/٧٩.
64 الكشاف، الزمخشري، ٢/٦٧٠.
65 جامع البيان، الطبري، ١٧/٤٥٥.
66 المصدر السابق، ١٧/٤٥٦.
67 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان، ٢/٣٢، جامع البيان، الطبري، ١٨/٣٨٨، أضواء البيان، ٤/١١٠.
68 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٢٣٤.
69 الدر المنثور، السيوطي، ١/١٣٠.
70 التحرير والتنوير، ١/٤٣٢.
71 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات، ٣/٥٣، رقم ٢٠٥١.
72 جامع البيان، الطبري، ١/٥٢١.
73 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٩/٤٥٢٨.
74 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/١٥٧.
75 زهرة التفاسير، ٩/٤٥٢٩-٤٥٣٠.
76 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/١٩٦.
77 التحرير والتنوير، ٢٩/٧٩.
78 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/١٩٦.
79 التحرير والتنوير، ٢٩/٨١.
80 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/١٩٦.
81 التحرير والتنوير، ٢٩/٨١.
82 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/١٩٦.
83 التحرير والتنوير، ٢٩/٨٦.
84 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٦٩١.
85 التحرير والتنوير، ٣/٤١.
86 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، ٢/٨٠٧، رقم ١١٥١.
87 انظر: الكشاف، الزمخشري، ١/٣١٠، زهرة التفاسير، أبو زهرة ٢/٩٧١.
88 الوجيز، الواحدي، ص٧٦٤.
89 أحكام القرآن، ابن العربي، ٣/٤٠٤.
90 انظر: روح المعاني، الألوسي، ٩/٣٦٠.
91 انظر: قانون التأويل، ابن العربي، ١/٤٧٩.
92 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٣٤٨.
93 المصدر السابق.
94 المصدر السابق.
95 البرهان في علوم القرآن، ٣/٥٤.
96 انظر: تفسير ابن عرفة، ٣/٢٧٦.
97 انظر: أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل، الرازي، ١/٤٠٥.
98 الكشاف، الزمخشري، ٣/٥٠١.
99 المصدر السابق ٢/٥٢٨.
100 التحرير والتنوير، ١٢/١٨٢.
101 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٧٦٤٢، ٢٩/١٩١.
102 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١٩/٤١.
103 انظر: زهرة التفاسير، ٨/٣٩٤٧.
104 جامع البيان، الطبري، ٢٢/٥١٣.
105 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج، ٥/٥٢، رقم ٣٨٨٧.
106 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى، ١/١٥٧، رقم ١٧٣.
107 شرح النووي على صحيح مسلم، ٢/٢١٤.
108 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ٤/١٠٩، رقم ٣٢٠٧.
109 البحر المحيط، ١٠/٨٢.
110 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وَظِلٍ مَمْدُود}، رقم ٤٨٨١، ٦/١٤٦.
111 لباب التأويل، الخازن، ٤/٢٣٧.
112 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٧/٤٨٤، الوجيز، الواحدي، ١/٦٣٩، معالم التنزيل، البغوي، ٣/١٤١، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/٢٨٢، أنوار التنزيل، البيضاوي، ٣/٢٦٠.
113 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/٩٢.
114 نبات مجتث مقطوع الأصل، وقيل: لا أصل له، وهو أصفر يتعلق بأطراف الشوك وأغصان الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض.
انظر: لسان العرب، ٢/١٨١.
115 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ٣/٢٥٣.
116 انظر: الانتصار للقرآن، القاضي أبو بكر الباقلاني، ٢/٥٩٩.
117 انظر: المصدر السابق ٢/٥٩٩- ٦٠٠.
118 انظر: أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل، ١/٢٨٧.
119 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب القدر، باب (وَمَا جَعَلْنَا الرُؤيَا الَتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَ فِتْنَةً لِلنَاسِ) ، ٨/١٢٥، رقم ٦٦١٣.
120 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٥٨٥، ١/٣٣٨، والترمذي في سننه، أبواب صفة جهنم، باب ما جاء في صفة شراب أهل النار، ٤/٢٨٨، رقم ٢٥٨٥.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٣١، رقم ٥٢٥٠.
121 أحكام القرآن، ابن العربي، ٣/١٣٦.
122 المصدر السابق.
123 أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل، ١/٢٥٨.
124 انظر: لمسات بيانية، فاضل السامرائي، ١/٧٢٤.
125 المصدر السابق، ١/٨٨٩.
126 انظر: القرآن وإعجازه العلمي، ١/١٥٥.
127 انظر: أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل، ١/٤٠٥-٤٠٦.
128 معترك الأقران في إعجاز القرآن، السيوطي، ٢/٤٠٣.
129 انظر: لمسات بيانية، فاضل السامرائي ١/٦٣٧.
130 انظر: القرآن وإعجازه العلمي، ١/١٦٤.