عناصر الموضوع
السماء
أولًا : المعنى اللغوي:
لفظ السماء مأخوذ من: سما يسمو سموًّا أي: علا، ومنه يقال: سمت همته إلى معالي الأمور إذا طلب العزّ والشرف، والسّماء المظلة للأرض، وهو على معنى السقف 1.
والسماء في اللغة: يقال لكل ما ارتفع وعلا قد سما يسمو، وكل سقف فهو سماء، ومن هذا قيل للسحاب: السماء، لأنها عالية2.
فهي كل ما علا وارتفع و كان فوق رأسك وأصلها السماء المعروفة.
ثانيًا : المعنى الاصطلاحي:
الأصل أن: سماء كلّ شيء: أعلاه3، ومنه هذه السماء المعروفة التي فوقنا.
والسماء: اسم جنس للعالي لا يخص شيئًا، فهي متعبد الملائكة ومستقر الوحي وفيها أنوار الطاعات4، فهي عمومًا كل ما في الجهة العليا فوق رءوسنا، وكل ما علاك فأظلك5، يقال له سماء.
فكل أفق من الآفاق فهو سماء كما أن كل طبقة من الطباق سماء6.
وردت مادة (سمو) في القرآن الكريم (٣٨١) مرةً، ويخص موضوع البحث منها (٣١٣) مرة7.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الاسم (مفرد) |
١٢٠ |
(ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [البقرة:٢٢] |
الاسم (جمع) |
١٩٠ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [فصلت:١٢] |
وجاءت السماء في القرآن على وجهين8:
الأول: السماء المعروفة: ومنه قوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ) [الذاريات:٤٧].
الثاني: سقف البيت: ومنه قوله تعالى: (ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [الحج:١٥]. أي: فليمدد بحبل إلى سماء البيت.
الفلك:
الفلك لغة:
كل شيء دائر، والفلك مجرى الكواكب وتسميته بذلك لكونه كالفلك، قال الله عز وجل: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأنبياء:٣٣] وفلكة المغزل ومنه اشتق فلك ثدي المرأة، وفلكت الجدي إذا جعلت في لسانه مثل فلكة يمنعه عن الرضاع9.
الفلك اصطلاحًا:
والفلك واحد أفلاك النجوم. وفي حديث ابن مسعود: (تركت فرسي كأنه يدور في فلك). كأنه لدورانه شبهه بفلك السماء الذي تدور عليه النجوم. قال ابن زيد: الأفلاك مجاري النجوم والشمس والقمر، وهي بين السماء والأرض10.
الصلة بين الفلك والسماء:
الفلك جزء كبير تحت السماء الدنيا ، فيه كل ما يزينها من نجوم وكواكب ، ويمكن أن يقال هو: ما يكون تحت السماء الدنيا مباشرة، التي يراها الناس ويبحثون فيها ويستكشفون ما بها وينظرون فيها ويطيرون تحتها ويهتدون بما فيها وغير ذلك.
الأرض:
الأرض لغة:
الجرم المقابل للسماء، وجمعه أرضون، ولا تجيء مجموعة في القرآن، ويعبر بها عن أسفل الشيء، كما يعبر بالسماء عن أعلاه11.
الأرض اصطلاحًا:
يمكن القول أن أشمل تعريف هو ما ذكره علماء الجغرافيا والبيئة: «الأرض هي أحد الكواكب التسعة التي تدور حول الشمس، وهي الثالثة بالنسبة للقرب من الشمس، والثالثة من حيث درجة اللمعان إذا ما شوهدت من عند الشمس، والخامسة بين المجموعة الشمسية من حيث الحجم».12
الصلة بين الأرض والسماء:
صلة السماء بالأرض من حيث إن الأرض مهبط لما ينزل من السماء، والسماء مصعد لما يرفع إليها من الأرض، وقد ذكرتا مقترنتين في القرآن الكريم بألفاظ متقاربة في مواضع كثيرة.
قال ابن القيم: «وأما الأرض فأكثر ما تجيء مقصودًا بها معنى التحت والسفل دون أن يقصد ذواتها وأعدادها، وحيث جاءت مقصودًا بها الذات والعدد أتى بلفظ يدل على البعد كقوله: (ﰈ ﰉ ﰊ) [الطلاق:١٢].
وفرق ثان وهو أن الأرض لا نسبة لها إلى السموات وسعتها، بل هي بالنسبة إليها كحصاة في صحراء ، فهي وإن تعددت وتكبرت فهي بالنسبة إلى السماء كالواحد القليل فاختير لها اسم الجنس13.
القسم: هو أن يريد المتكلم الحلف على شيء فيحلف بما يكون فيه فخر له أو تعظيم لشأنه أو تنويه لقدره14.
أولًا: السماء والطارق:
وذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ) [الطارق:١-٣].
والطارق: النجم لأنّه يطلع بالليل، وما أتاك ليلًا فهو طارق، ثم فسره فقال: (ﭙ ﭚ) والثاقب: المضيء، والعرب تقول: أثقب نارك للموقد، ويقال: إن الثاقب: هو النجم الّذي يقال له: زحل، والثاقب: الّذي قد ارتفع على النجوم، والعرب تقول للطائر إذا لحق ببطن السماء ارتفاعًا: قد ثقب، كل ذلك جاء في التفسير15، والصحيح أنه اسم جنس يشمل سائر النجوم الثواقب16.
وأقسم ربنا بالسماء وبالطارق الذي يطرق ليلاً من النجوم المضيئة، ويخفى نهاراً، وكل ما جاء ليلاً فقد طرق وبنحو ذا قال أهل التأويل17.
وأبهم الموصوف بالطارق ابتداء، ثم زيد إبهامًا مشوبًا بتعظيم أمره بقوله: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) ثم بين بأنه: (ﭙ ﭚ) ليحصل من ذلك مزيد تقرر للمراد بالمقسم به وهو أنه من جنس النجوم 18.
فهي النجوم العالية التي تضيء وتتلألأ في الليل المظلم، وتختفي إذا طلعت شمس النهار، والفرق بين الطارق والطرائق : أن الطارق نجم، والطرائق هي السبع السماوات فكل سماء طريقة.
وإنما سمي النجم طارقاً ؛ لأنه إنما يرى بالليل ويختفي بالنهار، ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح (نهى أن يطرق الرجل أهله طروقاً)19، أي: يأتيهم فجأة بالليل20.
ثم تفسيره بالنجم الثاقب من تفخيم شأنه وإجلال محله ما لا يخفى على ذي نظر ثاقب، ولإرادة ذلك لم يقل ابتداء والنّجم الثّاقب مع أنه أخصر وأظهر، ولله عز وجل أن يفخم شأن ما شاء من خلقه لما شاء 21.
فالطارق الذي أقسم الله به نجم ساطع في الليل ، وضوؤه ثاقب فهي له مزية خاصة به دون غيره.
ثانيًا: السماء ذات الرجع:
وذلك في قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الطارق:١١] أي: المطر ويسمى رجعاً لأنه تعالى يرجعه وقتًا فوقتًا إلى العباد، ولولاه لهلكوا وهلكت مواشيهم22، فهو يرجع من السماء وترجع به السماء، فترجع به الأرض إلى البهاء والحسن.
قال ابن عباس: الرجع المطر، وعنه: هو السحاب فيه المطر، وعنه: والسماء ذات الرجع تمطر ثم تمطر، وقال قتادة: ترجع رزق العباد كل عام ولولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم، وقال ابن زيد: ترجع نجومها وشمسها وقمرها يأتين من هاهنا23.
ثم أقسم قسمًا ثانيًا على صحة القرآن، فقال: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) أي: ترجع السماء بالمطر كل عام، وتنصدع الأرض للنبات، فيعيش بذلك الآدميون والبهائم، وترجع السماء أيضًا بالأقدار والشئون الإلهية كل وقت، وتنصدع الأرض عن الأموات24، فهي أمور ترجع بالسماء ومن السماء بين حين وآخر.
وافتتح الكلام بالقسم تحقيقًا لصدق القرآن في الإخبار بالبعث وفي غير ذلك مما اشتمل عليه من الهدى، ولذلك أعيد القسم بالسماء، كما أقسم بها في أول السورة، وذكر من أحوال السماء ما له مناسبة بالمقسم عليه، وهو الغيث الذي به صلاح الناس، فإن إصلاح القرآن للناس كإصلاح المطر، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا)25.
وفي اسم الرجع مناسبة لمعنى البعث في قوله عز وجل: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الطارق:٨] وفيه محسن الجناس التام ، وفي مسمى الرجع وهو المطر المعاقب لمطر آخر مناسبة لمعنى الرجع البعث ، فإن البعث حياة معاقبة بحياة سابقة26، فهي سماء ذات رجع لحياة الأرض بعد موتها ليدل على حياة أخروية دائمة لا تنقطع.
وللبدء في القسم بالطارق ثم بالرجع بيان للمفسرين وهو كما يأتي:
أنه قسم على الغيث الذي به صلاح الناس والقرآن مثل الغيث في إصلاحه كما تقدم.
مجموع قوله: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) أي: إنزال المطر، وإنبات النبات وهو إحياء الأرض بعد موتها، مناسب لأن يكون الإقسام على تحقق البعث27.
وخلاصة ذلك : أن : قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الطارق:١١-١٢].
هذا هو القسم الثاني للسماء، والقسم الأول ما كان في أول السورة، فهناك قال: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ) [الطارق:١-٣].
وهنا قال: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) والمناسبة بين القسمين -والله أعلم : أن الأول فيه إشارة إلى الطارق الذي هو النجم، والنجم ترمى به الشياطين الذين يسترقون السمع، وفي رمي الشياطين بذلك حفظ لكتاب الله عز وجل، أما هنا فأقسم بالسماء ذات الرجع أن هذا القرآن قول فصل، فأقسم على أن القرآن قول فصل، فصار القسم الأول مناسبته : أن فيه الإشارة إلى ما يحفظ به هذا القرآن حال إنزاله، وفي القسم الثاني الإشارة إلى أن القرآن حياة، يعني يقال: (ﮃ ﮄ ﮅ) الرجع هو المطر، يسمى رجعًا؛ لأنه يرجع ويتكرر، ومعلوم أن المطر به حياة الأرض. (ﮇ ﮈ ﮉ) الصدع هو : الانشقاق يعني التشقق بخروج النبات منه، فأقسم بالمطر الذي هو سبب خروج النبات، وبالتشقق الذي يخرج منه النبات، وكله إشارة إلى حياة الأرض بعد موتها، والقرآن به حياة القلوب بعد موتها، كما قال الله تبارك وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [الشورى:٥٢].
فسمى الله القرآن روحًا؛ لأنه تحيى به القلوب28.
فهو في القسم الأول حفظ للقرآن من السماء حتى يصل إلى الأرض، وهو في القسم الثاني بيان لما يفعله القرآن من صلاح وإصلاح حين يعمل به في الأرض، والله أعلم.
ثالثًا: السماء ذات البروج:
جاء في القرآن الكريم أن للسماء بروجاً، وورد ذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الحجر:١٦].
وقوله: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الفرقان:٦١].
وقوله:(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ)[البروج:١].
والبروج: القصور، الواحد: برج، وبه سمّي بروج السماء لمنازلها المختصة بها، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [البروج:١].
وقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الفرقان:٦١].
وقوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النساء:٧٨].
ويصح أن يراد بها بروج في الأرض -أي: البروج المشيدة وهو الأقرب-، وأن يراد بها بروج النجم، ويكون استعمال لفظ المشيدة فيها على سبيل الاستعارة -لتكون دليلاً على معنى آخر- وثوب مبرّج: صوّرت عليه بروج، واعتبر حسنه، فقيل: تبرّجت المرأة أي: تشبّهت به في إظهار المحاسن، وقيل: ظهرت من برجها، أي: قصرها، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الأحزاب:٣٣].
وقوله: (ﭴ ﭵ ﭶ) [النور:٦٠].
والبرج: سعة العين وحسنها تشبيها بالبرج في الأمرين2930، فهي منازل ظاهرة الحسن كاملة الخلق عالية المكان.
ومناسبة القسم لما أقسم عليه :أن المقسم عليه تضمن العبرة بقصة أصحاب الأخدود، ولما كانت الأخاديد خطوطًا مجعولة في الأرض مستعرة بالنار؛ أقسم على ما تضمنها بالسماء بقيد صفة من صفاتها التي يلوح فيها للناظرين في نجومها ما سماه العرب بروجًا، وهي تشبه دارات متلألئة بأنوار النجوم اللامعة الشبيهة بتلهب النار31.
فحينما خدوا الأخاديد موقدة بالنار، جعلوها كالسماء حينما تكون بادية البروج ليلاً يعاينها الناظرون.
ونقل ابن جرير أقوالاً ثم قال: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: معنى ذلك: والسماء ذات منازل الشمس والقمر، وذلك أن البروج جمع برج، وهي منازل تتخذ عالية عن الأرض مرتفعة32.
أي: ذات المنازل المشتملة على منازل الشمس والقمر، والكواكب المنتظمة في سيرها ، على أكمل ترتيب ونظام دال على كمال قدرة الله تعالى ورحمته، وسعة علمه وحكمته33.
وهذه البروج هي في التحقيق: سموت تقابلها الشمس في فلكها مدة شهر كامل من أشهر السنة الشمسية يوقتون بها الأشهر والفصول بموقع الشمس نهارًا في المكان الذي تطلع فيه نجوم تلك البروج ليلًا 34.
فأقسم سبحانه بما فيه غيب وشهود، وهو السماء ذات البروج، فإن كواكبها مشهود نورها، مرئيّ ضوؤها، معروفة حركاتها فى طلوعها وغروبها، وكذلك البروج نشاهدها وفيها غيب لا نعرفه بالحس، وهو حقيقة الكواكب وما أودع الله فيها من القوى وما فيها من عوالم لا نراها ولا ندرك حقيقتها35.
فهو قسم عظيم من الله، ونحن لا نقسم إلا بالله، ولا نعلم من ذلك إلا ما علمنا من علم الله.
والقسم بالسماء بوصف ذات البروج يتضمن قسمًا بالأمرين معًا لتلتفت أفكار المتدبرين إلى ما في هذه المخلوقات وهذه الأحوال من دلالة على عظيم القدرة وسعة العلم الإلهي ؛ إذ خلقها على تلك المقادير المضبوطة لينتفع بها الناس في مواقيت الأشهر والفصل36.
فهو قسم ومعجزة ونعمة ودليل كبير -لمن كان له قلب- على نعم الله وقدرته وحكمته.
رابعًا: السماء ذات الحبك:
وذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الذاريات:٧-٩].
وهي ذات الطرائق ، فمن الناس من تصور منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة، وإلى ذلك أشار بقوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [آل عمران:١٩١]37.
يقول تعالى ذكره: والسماء ذات الخلق الحسن وعنى بقوله: (ﭒ ﭓ) [الذاريات:٧]: ذات الطرائق... وبنحو ذا قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظ قائليه فيه38.
قال ابن عباس رضي الله عنه: ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء39.
وهذه الحبك في معناها ومدلولها، وبيان خلقها وإعجازها سيأتي في آخر البحث بكلام أبين وأوسع.
ومناسبة هذا القسم للمقسم عليه في وصف السماء بأنها ذات حبك، أي طرائق لأن المقسم عليه: إن قولهم مختلف طرائق قددًا؛ ولذلك وصف المقسم به ليكون إيماء إلى نوع جواب القسم40.
خامسًا: السماء وما بناها:
جاء في القرآن الكريم الحديث عن بناء السماء، ورد ذلك في قوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الذاريات:٤٧].
وقوله: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ) [النازعات:٢٧].
وقوله: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الشمس:٥].
يقال: بنيت أبني بناء وبنية وبنى... (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الشمس:٥].
والبنيان واحد لا جمع؛ لقوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة:١١٠].
وقال بعضهم: بنيان جمع بنيانة، فهو مثل: شعير وشعيرة، وتمر وتمرة، ونخل ونخلة، وهذا النحو من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه41.
يقول جل ثناؤه: والسماء ومن بناها، يعني: ومن خلقها، وبناؤه إياها: تصييره إياها للأرض سقفاً ، وبنحوه قال أهل التأويل42.
فبناء الأرض والسماء في غاية الإحكام حتى صارت السماء كأنها سقفاً ثابتاً للأرض.
فينظرون(ﮅ ﮆ) قبة مستوية الأرجاء، ثابتة البناء، مزينة بالنجوم الخنس، والجوار الكنس، التي ضربت من الأفق إلى الأفق في غاية الحسن والملاحة، لا ترى فيها عيبًا، ولا فروجًا، ولا خلالاً ولا إخلالاً، يقول تعالى مبينًا لقدرته العظيمة: (ﯰ ﯱ) أي: خلقناها وأتقناها، وجعلناها سقفًا للأرض وما عليها (ﯲ) أي: بقوة وقدرة عظيمة، ويقول: (ﮊ) أيها البشر (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) ذات الجرم العظيم، والخلق القوي، والارتفاع الباهر (ﮐ) الله (ﮒ ﮓ) أي: جرمها وصورتها، (ﮔ) بإحكام وإتقان يحير العقول، ويذهل الألباب، ويقول: (ﭠ ﭡ ﭢ) يحتمل أن «ما» موصولة، فيكون الإقسام بالسماء وبانيها، الذي هو الله تبارك وتعالى، ويحتمل أنها مصدرية، فيكون الإقسام بالسماء وبنيانها، الذي هو غاية ما يقدر من الإحكام والإتقان والإحسان43.
فهو بناء ثابت مزين حسن مليح لا عيب فيه ولا خلل، وبناؤه بقوة وقدرة عظيمة، فهي أعظم من خلق الناس وأكرم، ولله في خلقه شئون، (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [المؤمنون:١٤].
وكلاهما متلازم44 -موصولة أو مصدية-، فيكون الإقسام بالسماء وبانيها، الذي هو الله تبارك وتعالى، ويحتمل أنها مصدرية، فيكون الإقسام بالسماء وبنيانها، الذي هو غاية ما يقدر من الإحكام والإتقان والإحسان45.
ولذا جاء في السنة ما يبين قوتها وشدتها وقدرتها على حمل ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فقد روى أبو ذر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد، لو علمتم ما أعلم؛ لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولا تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم على أوالي الصعدات تجأرون إلى الله)46.
فأما حقيقة السماء فلا ندريها ،وهذا الذي نراه فوقنا متماسكاً لا يختل ولا يضطرب تتحقق فيه صفة البناء بثباته وتماسكه، أما كيف هو مبني، وما الذي يمسك أجزاءه فلا تتناثر وهو سابح في الفضاء الذي لا نعرف له أولًا ولا آخرا؛ فذلك ما لا ندريه وكل ما قيل عنه مجرد نظريات قابلة للنقض والتعديل47.
فبناء السماء بناء محكم متقن، جملها الله بالنجوم والكواكب التي هي بروج فيها، وجعل فيها طرائق لما فيها من مخلوقات عظيمة تسير فيها وفق نظام لطيف، ويرجع منها لما يحيي الأرض مرة بعد مرة، ليدل على أن السماء بما فيها أصل لحياة الأرض، وأن الحياة الحقيقية في السماء ولا تكون حياة في الأرض إلا بما يأتيها من السماء، فهي مصدرها في كل شيء والمصير إليها.
وفي الاستدلال بخلق السماء بهذه العظمة، دلالة عظيمة على قدرة الله العظيم في خلق الناس من العدم، كما قال عز وجل: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الإسراء:٩٩].
بل وعلى سهولة رجوعهم بعد الموت كما قال عز وجل: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأحقاف:٣٣].
للسماء أوصاف عديدة في القرآن الكريم، منها ما هو متعلق بذات السماء، ومنها أوصاف خارجة عنها، نوضحها فيما يأتي:
أولًا: أوصاف السماء الذاتية:
١. السماء بناء.
وذلك في قوله عز وجل: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة:٢٢].
وقوله عز وجل: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [غافر:٦٤].
فبناء السماء على الأرض كهيئة القبة وهي سقف على الأرض48، أي: سقفًا للأرض49.
وإنما ذكر الله عز وجل السماء والأرض فيما عدّد عليهم من نعمه التي أنعمها عليهم، لأن منهما أقواتهم وأرزاقهم ومعايشهم، وبهما قوام دنياهم، فأعلمهم أنه الذي خلقهما وخلق جميع ما فيهما وما هم فيه من النعم50، فهي بناء محكم متقن، بني بقوة، ويمسكه الله سبحانه فهو القائم عليه ليعبد وحده.
فجعل لكم الأرض فراشًا تستقرون عليها، وتنتفعون بالأبنية، والزراعة، والحراثة، والسلوك من محل إلى محل، وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها، وجعل السماء بناء لمسكنكم، وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم، كالشمس، والقمر، والنجوم51.
٢. السماوات عددها سبع.
وقد ورد في القرآن الكريم ذكر هذا العدد في قوله عز وجل: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة:٢٩].
وقوله عز وجل: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [المؤمنون:١٧].
وقوله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [فصلت:١٢].
وقوله عز وجل: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الطلاق:١٢].
وقوله عز وجل: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الملك:٣].
وقوله عز وجل: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [نوح:١٥].
وجاء في التفصيل بأنها سبع سماوات مع ذكر ما فيها في حديث أنس رضي الله عنه لقصة المعراج أن رسول الله قال: (ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحب بي، ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية... ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى...) الحديث52.
وقد اقتنع الناس منذ القدم بأنها سبع سماوات53.
وجاءت مضافة في القرآن الكريم بأوصاف مختلفة وبيانها كالآتي:
والطريق : السبيل الذى يطرق بالأرجل أي يضرب ،وأطباق السماء يقال لها طرائق، قال الله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [المؤمنون:١٧]54.
وقوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [المؤمنون:١٧]يعنى السموات كلّ سماء طريقة55.
يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا فوقكم أيها الناس سبع سماوات بعضهن فوق بعض؛ والعرب تسمي كل شيء فوق شيء طريقة، وإنما قيل للسماوات السبع سبع طرائق، لأن بعضهن فوق بعض، فكل سماء منهن طريقة ، وبنحو ذا قال أهل التأويل56.
فهي السماوات السبع كل سماء فوق سماء، وقيل لها طريقة لذلك ولأنها طرق للملائكة.
والطرائق: السموات، لأنه طورق بعضها فوق بعض كمطارقة النعل، وكل شيء فوقه مثله فهو طريقة: أو لأنها طرق الملائكة ومتقلباتهم57.
وهذا في قوله عز وجل: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الملك:٣].
وقوله عز وجل: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [نوح:١٥] ، أي: بعضها فوق بعض ، والطباق: مصدر من قولهم: طابقت مطابقة وطباقا. وإنما عني بذلك: كيف خلق الله سبع سموات، سماء فوق سماء مطابقة58، أي: واحدة فوق واحدة... أي: فاوت بينهما في الاستنارة فجعل كلاً منهما أنموذجاً على حدة59.
وقد تضافرت الأدلة على أن السماوات بعضها فوق بعض بمسافات ولكل سعتها.
كما في قوله عز وجل: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [النبأ:١٢].
يعني السموات السبع في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثوابت والسيارات60.
وإنما تشير هذه الآية إلى أن هذه السبع الشداد متينة التكوين، قوية البناء، مشدودة بقوة تمنعها من التفكك والانثناء، وهو ما نراه ونعلمه من طبيعة الأفلاك والأجرام فيما نطلق عليه لفظ السماء فيدركه كل إنسان... كما تشير إلى أن بناء هذه السبع الشداد متناسق مع عالم الأرض والإنسان61.
٣. السماء سقف محفوظ.
وجاء ذلك في قوله عز وجل: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنبياء:٣٢].
والسقف طول في انحناء تشبيهاً بالسقف62، أي عالياً محروساً أن ينال ، أو محفوظاً من التغير بالمؤثرات، مهما تطاول الزمان63، فكان محفوظًا من أن يقع ويسقط على الأرض، دليله قوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الحج:٦٥]. وقيل: محفوظًا بالنجوم من الشياطين، دليله قوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الحجر:١٧]وقيل: محفوظاً من الهدم والنقض، وعن أن يبلغه أحد بحيلة، وقيل: محفوظاً فلا يحتاج إلى عماد، وقال مجاهد: مرفوعاً، وقيل: محفوظاً من الشرك والمعاصي64.
٤. السماء واسعة.
وذلك في قوله عز وجل: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الذاريات:٤٧].
والسعة تقال في الأمكنة وفي الحال وفى الفعل كالقدرة والجود ونحو ذلك... وقوله (ﯳ ﯴ) فإشارة إلى نحو قوله (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ)[طه:٥٠].
ووسع الشيء اتسع والوسع الجدة والطاقة، ويقال ينفق على قدر وسعه، وأوسع فلان إذا كان له الغنى، وصار ذا سعة، وفرس وساع الخطو شديد العدو65، والوسع المراد سعة الباني سبحانه ووسع المبني.
لذو سعة بخلقها وخلق ما شئنا أن نخلقه وقدرة عليه...فأوسعها جلّ جلاله66، (ﯳ ﯴ) لأرجائها وأنحائها، وإنا لموسعون أيضاً على عبادنا، بالرزق الذي ما ترك الله دابة في مهامه القفار، ولجج البحار، وأقطار العالم العلوي والسفلي، إلا وأوصل إليها من الرزق، ما يكفيها، وساق إليها من الإحسان ما يغنيها، فسبحان من عم بجوده جميع المخلوقات، وتبارك الذي وسعت رحمته جميع البريات67.
٥. السماء كانت دخانًا.
وورد ذلك في قوله عز وجل: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [فصلت:١١].
والدخان كالعثان المستصحب للهيب، قال: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)، أي: هي مثل الدخان إشارة إلى أنه لا تماسك لها68.
وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس، فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات69.
٦. السماء مرفوعة بغير عمد.
وجاء هذا في قوله عز وجل: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الرعد:٢].
وقوله عز وجل: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [لقمان:١٠].
يقال عمدت الشيء إذا أسندته، وعمدت الحائط مثله، والعمود خشب تعتمد عليه الخيمة وجمعه عمد وعمد... والعمدة كل ما يعتمد عليه من مال وغيره وجمعها عمد، وقرئ (في عمد) والعميد السيد الذى يعمده الناس70.
فنفى عنها ما تعتمد عليه لكمال البناء، وحكمة من بناها وقدرته وقوته على ذلك.
فهي مرفوعة بغير عمد نراها، كما قال ربنا جل ثناؤه، ولا خبر بغير ذلك، ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه71.
ويخبر الله تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بإذنه وأمره رفع السموات بغير عمد، بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعداً لا تنال ولا تدرك مداها، فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها، مرتفعة عليها من كل جانب على السواء، وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية...
وقوله: (ﮬ ﮭ ﮮ) روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد أنهم قالوا: لها عمد ولكن لا ترى، وقال إياس بن معاوية: السماء على الأرض مثل القبة، يعني بلا عمد، وكذا روي عن قتادة، وهذا هو اللائق بالسياق.
والظاهر من قوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الحج:٦٥] فعلى هذا يكون قوله: ترونها تأكيداً لنفي ذلك، أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها، وهذا هو الأكمل في القدرة72، فليس لها عمد، ولو كان لها عمد لرئيت، وإنما استقرت واستمسكت، بقدرة الله تعالى73.
والحقيقة الواردة في الآيتين في «الرعد» و «لقمان» حول السماء هو ذكر العمد، وذكر المفسرون تأويلين للآيات:
فمنهم من أثبت أن للسماوات أعمدة إلا أنها لا ترى، وجعل جملة (ﮮ) صفة لـ (ﮭ) والضمير يعود إلى عمد.
ومنهم من ذهب إلى أن ليس للسماوات عمد أصلًا، ويكون معنى الآية: الله الذي رفع السماوات كما ترونها، بغير عمد، وذلك بجعل جملة (ﮮ) حالًا من السماوات ويعود الضمير إلى السماوات.
ويميل علماء الفلك المعاصرون إلى التأويل الأول فيقولون: إن الأجرام السماوية كلها قد بناها الخالق سبحانه وتعالى وجعل كل جرم فيه بمثابة لبنة من بناء شامخ، ورفع هذه الأجرام كلها بعضها فوق بعض بقوى هي نوع القوة الطاردة المركزية، كما ربطها في نفس الوقت برباط الجاذبية العالية، والجاذبية تتعادل مع القوى الطاردة المركزية الناجمة عن الدوران في مسارات شبه دائرية أو قطاعات ناقصة، وهي بمثابة الأعمدة المقامة بالفعل.
ورغم أننا لا نبصرها بأعيننا إلا أن ذلك لا يعني أن تلك الأعمدة غير موجودة بحال من الأحوال، فنحن نستطيع أن نتصورها في مجال كل جسم مادي وربما إذا منح شخص منا حاسة أخرى زيادة على ما لدينا من حواس يستطيع ذلك الشخص أن يرى تلك الأعمدة أو يحسبها تماماً كما ندرك بحواسنا العادية أيّ جسم مادي عادي74.
والذي يظهر -والله أعلم- أن قول ابن كثير أنها بلا عمد هو الأقرب لدلالته على كمال العظمة، وكمال القدرة.
فلو كانت بعمد فهذا من إتقان صنع الله، ولو كانت بغير عمد فهو أقوى لتوافر الأدلة على كمال قدرة الله، والله أعلم بالصواب.
٧. السماء لها أبواب.
ورد ذلك في قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأعراف:٤٠].
وقوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [القمر:١١].
وقوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النبأ:١٩].
وفي السماء قولان:
أحدهما: أنها السماء المعروفة، وهو المشهور.
والثاني: أنّ المعنى: لا تفتح لهم أبواب الجنة ولا يدخلونها، لأن الجنة في السماء، ذكره الزجاج75.
وهو شامل للقولين فلا تفتح أبواب السماء لأعمالهم وأرواحهم ولا تفتح لهم أبواب الجنة.
وفي الآية الأولى ثلاث قراءات سبعيات(لا يفتح لهم أبواب السماء) وهي قراءة حمزة، والكسائي.(لا تفتح لهم أبواب السماء) وهي قراءة أبي عمرو . (لا تفتّح لهم أبواب السّماء) وهي قراءة نافع، وابن كثير، وعاصم، وابن عامر76 وهذه القراءات الثلاث معناها واحد... وفي عدم فتح أبواب السماء لهم أقوال متقاربة معروفة، لا يكذب بعضها بعضًا، وهي كلها حق، قال بعض العلماء: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) فيرفع لهم منها عملٌ صالح؛ لأن أعمالهم مردودة إلى الله، كما قال الله: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [فاطر:١٠].
والكفار ليس عندهم عملٌ صالح يرفع كلمهم، وليس عندهم كلمٌ طيب، قالوا: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) لترفع أعمالهم الصالحة إلى الله، وقال بعض العلماء: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) لاستجابة دعواتهم؛ لأن دعواتهم مردودة (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الرعد:١٤].
وقال بعض العلماء: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) أي: لا تنزل إليهم البركات والرحمات من الله (جل وعلا) نازلة مفتحة لها أبواب السماء لكفرهم، وكل هذه الأقوال حق، وذهب جماهير من المفسرين أن معنى: (ﮒ ﮓ ﮔ) لأرواحهم عند الموت (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) والآية تشمل هذا كله77.
٨. السماء قائمة بأمر الله.
وقد ورد ذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الروم:٢٥].
فقوام السماء بما فيها وما هو من شأنها وكذلك الأرض بيد الله، ولذا قال عن نفسه (ﮨ ﮩ).
ومن آياته العظيمة :أن قامت السماوات والأرض واستقرتا وثبتتا بأمره فلم تتزلزلا ولم تسقط السماء على الأرض، فقدرته العظيمة التي بها أمسك السماوات والأرض أن تزولا يقدر بها أنه إذا دعا الخلق دعوة من الأرض إذا هم يخرجون78، فقيام السماء والأرض بأمره، أي: هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها79.
٩. السماء والأرض خلقتا في ستة أيام.
وقد ذكر ذلك في قوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأعراف:٥٤]80.
يخبر تعالى بأنه خلق هذا العالم: سماواته وأرضه، وما بين ذلك في ستة أيام، كما أخبر بذلك في غير ما آية من القرآن، والستة الأيام هي: الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة -وفيه اجتمع الخلق كله، وفيه خلق آدم، عليه السلام، واختلفوا في هذه الأيام: هل كل يوم منها كهذه الأيام كما هو المتبادر إلى الأذهان ؟ أو كل يوم كألف سنة، كما نص على ذلك مجاهد، والإمام أحمد بن حنبل، ويروى ذلك من رواية الضحاك عن ابن عباس؟ فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق؛ لأنه اليوم السابع، ومنه سمي السبت، وهو القطع81.
فهو سبحانه خلقهما والأرض في ستة أيام مع كل ما فيهما، (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [فصلت:١٢].
وكل هذا الأمر العظيم لحكمة يعلمها وهو القادر (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يس:٨٢]؛ ولذا قال: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأحقاف:٣٣]
واليوم: من طلوع الشمس إلى غروبها، قيل: هذه الأيام من أيام الدنيا وقيل: من أيام الآخرة، وهذه الأيام الست أولها: الأحد، وآخرها: الجمعة، وهو سبحانه قادر على خلقها في لحظة واحدة، يقول لها كوني فتكون، ولكنه أراد أن يعلم عباده الرفق والتأني في الأمور، أو خلقها في ستة أيام لكون شيء عنده أجلاًً، وفي آية أخرى : ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب82.
ثانيًا: الأوصاف الخارجية للسماء:
وردت في القرآن الكريم أوصاف للسماء لكنها لا تتعلق بذاتها بل هي خارجة عنها وهي كالآتي:
١. للسماء بروج.
والبروج: القصور، الواحد: برج، وبه سمي بروج السماء لمنازلها المختصة بها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [البروج:١].
وقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الفرقان:٦١].
وقوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النساء:٧٨] فيصح أن يراد بها بروج في الأرض، وأن يراد بها بروج النجم83.
والمراد بها: السماء الدنيا ففيها منازل للشمس والقمر، وهي كواكب ينزلها الشمس والقمر، أي: وزينا السماء بالكواكب لمن نظر إليها وأبصرها، وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: هي قصور في السماء84، لأن البروج والأبراج معروفة بعلوها وإحكامها.
٢. الكواكب زينة للسماء.
وذلك في قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الصافات:٦].
وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الانفطار:١-٢].
والكواكب: هي النجوم البادية، ولا يقال: لها كواكب إلا إذا بدت، قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأنعام:٧٦]وقال: (ﯚ ﯛ ﯜ) [الصافات:٦].
(ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الانفطار:٢]ويقال: ذهبوا تحت كل كوكب: إذا تفرقوا، وكوكب العسكر: ما يلمع فيها من الحديد85.
يخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض (ﭪ ﭫ)، قرئ بالإضافة وبالبدل86، وكلاهما بمعنى واحد، فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوءها جرم السماء الشفاف، فتضيء لأهل الأرض، كما قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)87[الملك:٥].
والمراد التزيين في رأي العين، فإن الكواكب تبدو للناظرين كأنها جواهر متلألئة88، وأيًّا مّا كان فإقحام لفظ زينة تأكيد، والباء للسببية، أي زيّنا السماء بسبب زينة الكواكب فكأنه قيل: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) تزيينًا فكان (ﭪ ﭫ) في قوّة: بالكواكب تزييناً، فقوله: (ﭪ) مصدر مؤكد لفعل زيّنّا في المعنى ولكن حوّل التعليق فجعل «زينة» هو المتعلق ب «زيّنّا» ليفيد معنى التعليل ومعنى الإضافة في تركيب واحد على طريقة الإيجاز، لأنه قد علم أن الكواكب زينة من تعليقه بفعل «زيّنّا» من غير حاجة إلى إعادة «زينة» لولا ما قصد من معنى التعليل والتوكيد89، فكما أن النجوم أمنة للسماء، فالكواكب زينة حين تبدوا للناظرين.
٣. للسماء سكان.
فالسماء جعلها الله عز وجل (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الصافات:٧].
أي: وحفظنا السماء من كل شيطان متمرد عات يرمون بالشهب، لا يسمّعون إلى الملإ الأعلى يعني: إلى الملائكة والكتبة؛ لأنهم سكان السماء وذلك أن الشياطين يصعدون إلى قرب السماء فربما سمعوا كلام الملائكة؛ فيخبرون به أولياءهم الإنس ويوهمون بذلك أنهم يعلمون الغيب فمنعهم الله من ذلك بهذه الشهب90.
وذكر الطبري عن قتادة، قال: «بلغنا أن جبرئيل عليه السلام لما أصبح نشر جناحه، فانتسف به أرضهم بما فيها من قصورها، ودوابها، وحجارتها، وشجرها وجميع ما فيها، فضمها في جناحه، فحواها وطواها في جوف جناحه، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب، وكانوا أربعة آلاف ألف، ثم قلبها فأرسلها إلى الأرض منكوسة، دمدم بعضها على بعض، فجعل عاليها سافلها، ثم أتبعها حجارة من سجيل»91.
٤. للسماء حرس يحرسونها.
وذلك في قوله تعالى حاكياً عن الجن: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الجن:٨].
والحرس، واحدهم حارس، وهو الرقيب، شديداً: أي قوياً92، فلما أخبر الله أن الملائكة تنزل بالوحي من السماء، بين أنه حرس السماء عن استراق السمع بعد أن زينها بالكواكب93، ليخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أن السماء ملئت حرساً شديداً، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك؛ لئلا يسترقوا شيئاً من القرآن، فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصادق، وهذا من لطف الله بخلقه ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز.
ولهذا قال الجن: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الجن:٨] أي: من يروم أن يسترق السمع اليوم يجد له شهاباً مرصداً له، لا يتخطاه ولا يتعداه، بل يمحقه ويهلكه94.
ونقل الطبري عن ابن زيد، في قوله: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الجن:٨] حتى بلغ (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الجن:٩].
فلما وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس، فقالوا: منع منا السمع، فقال لهم: إن السماء لم تحرس قط إلا على أحد أمرين: إما لعذاب يريد الله أن ينزله على أهل الأرض بغتة، وإما نبي مرشد مصلح95.
فحراس السماء هم الملائكة والنجوم تحرسها وترسل الشهب على من يسترق السمع.
ثالثًا: أمور أسندت للسماء:
هناك أمور وأفعال ذكرت مسندة إلى السماء، وكأنها هي من قامت بها وهي كالآتي:
١. إنزال الماء.
ذكر الله عز وجل امتنانه بإنزال الماء من السماء في مواضع كثيرة، فالله (جل وعلا) ينزل الماء من السماء؛ لأن إنزال الماء من السماء فيه غرائب وعجائب، يجب على الإنسان تأملها96.
وأعظم دليل على إنزال الماء من السماء، قوله تعالى: (ﯮ ﯯ) [هود:٤٤]ومعلوم أن المعنى: أقلعي عن إنزال الماء97.
وذكر جل وعلا، في أول سورة الجاثية ستة براهين من براهين التوحيد الدالة على عظمته وجلاله، وكمال قدرته، وأنه المستحق للعبادة وحده تعالى ، وجاءت موضحة في آيات كثيرة جدًا كما هو معلوم ، الخامس منها هو: إنزال الماء من السماء وإحياء الأرض به وإنبات الرزق فيها المذكور في قوله عز وجل: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الجاثية:٥].
فقد جاء موضحًا أيضًا في آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى في البقرة: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) إلى قوله: (ﭹ ﭺ ﭻ) [البقرة:١٦٤].
(ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) وهو المطر النازل من السحاب، (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) فأظهرت من أنواع الأقوات، وأصناف النبات، ما هو من ضرورات الخلائق، التي لا يعيشون بدونها... (ﭭ ﭮ) أي: في الأرض (ﭯ ﭰ ﭱ) أي: نشر في أقطار الأرض من الدواب المتنوعة، ما هو دليل على قدرته وعظمته، ووحدانيته وسلطانه العظيم، وسخرها للناس، ينتفعون بها بجميع وجوه الانتفاع، فمنها: ما يأكلون من لحمه، ويشربون من دره، ومنها: ما يركبون، ومنها: ما هو ساع في مصالحهم وحراستهم، ومنها: ما يعتبر به98.
وقوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) إلى قوله: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [عبس:٢٤-٣٢].
وإيضاح هذا البرهان باختصار : أن قوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) وهذا أمر من الله تعالى لكل إنسان مكلف أن ينظر ويتأمل في طعامه كالخبز الذي يأكله، ويعيش به من خلق الماء الذي كان سببًا لنباته99.
وإنما تعلق النظر بالطعام مع أن الاستدلال هو بأحوال تكوين الطعام، إجراءً للكلام على الإيجاز ويبينه ما في الجمل بعده من قوله: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) إلى آخرها.
فالتقدير: فلينظر الإنسان إلى خلق طعامه وتهيئة الماء لإنمائه وشق الأرض وإنباته وإلى انتفاعه به وانتفاع مواشيه في بقاء حياتهم100.
٢. إنزال البركات من السماء.
والبركة: ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف:٩٦].
وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة101.
قرأ هذا الحرف عامة القراء غير ابن عامر: (لفتحنا) بالتخفيف، وقرأه ابن عامر: (لفتّحنا عليهم) بالتشديد102، والبركات: الخيرات، وبركات السماء: ما ينزل منها من الأمطار103؛ لأرسل عليهم السّماء مدرارًا ولأنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم104، كان ذلك دليلاً على حلول البركة، وليست العبرة بالنعمة ؛ إنما العبرة بالبركة فى النعمة، ولذا لم يقل أضعفنا لهم النعمة ولكنه قال: باركنا لهم فيما خوّلنا105، ولا ينال ذلك إلا بالتقوى.
فلما ذكر تعالى أن المكذبين للرسل يبتلون بالضراء موعظة وإنذاراً، وبالسراء استدراجاً ومكراً، ذكر أن أهل القرى، لو آمنوا بقلوبهم إيماناً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهراً وباطناً بترك جميع ما حرم الله، لفتح عليهم بركات السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدراراً، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم، في أخصب عيش وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كد ولا نصب106.
٣. إنزال الرجز.
وأصل الرجز: الاضطراب... وقوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [سبأ:٥].
فالرجز هاهنا كالزلزلة، وقال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [العنكبوت:٣٤]107، والرجز العذاب108.
وهو عذاب وغضب وموت فجأة وأوجاع وأسقام عذب الله بها بني إسرائيل لما بدلوا غير ما قيل لهم.
والرجز: العذاب، ويحتمل أن المراد به: الطاعون، كما قاله كثير من المفسرين، ويحتمل أن يراد به ما تقدم من الآيات: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، فإنها رجز وعذاب109.
ويمكن أن يقال: إن إضافته للسماء؛ لبيان أنه مما لا يمكن لأحد دفعه أو الهروب من وقوعه110.
٤. المائدة التي أنزلت من السماء.
والميد: اضطراب الشيء العظيم كاضطراب الأرض ويقال: مادني يميدني، أي: أطعمني، وقوله تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [المائدة:١١٤].
قيل: استدعوا طعاماً، وقيل: استدعوا علماً، وسماه مائدة من حيث إن العلم غذاء القلوب كما أن الطعام غذاء الأبدان111.
وهذا الخبر يحكيه الله تعالى عن عيسى عليه السلام في طلب قومه منه مائدة من السماء.
واختلفت القراء112 في قراءة قوله: (يستطيع ربك)، فقرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين: (هل تستطيع) بالتاء، (ربك) بالنصب، بمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربك، وهل تستطيع أن تدعو ربك، أو هل تستطيع وترى أن تدعوه؟ وقالوا: لم يكن الحواريون شاكين أن الله تعالى ذكره قادر أن ينزل عليهم ذلك، وإنما قالوا لعيسى: هل تستطيع أنت ذلك؟113.
والقصة كاملة:
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [المائدة:١١٢].
أي: مائدة فيها طعام، وهذا ليس منهم عن شك في قدرة الله، واستطاعته على ذلك. وإنما ذلك من باب العرض والأدب منهم.
ولما كان سؤال آيات الاقتراح منافياً للانقياد للحق، وكان هذا الكلام الصادر من الحواريين ربما أوهم ذلك، وعظهم عيسى عليه السلام فقال: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) فإن المؤمن يحمله ما معه من الإيمان على ملازمة التقوى، وأن ينقاد لأمر الله، ولا يطلب من آيات الاقتراح التي لا يدري ما يكون بعدها شيئًا.
فأخبر الحواريون أنهم ليس مقصودهم هذا المعنى، وإنما لهم مقاصد صالحة، ولأجل الحاجة إلى ذلك فـ(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) وهذا دليل على أنهم محتاجون لها، (ﯴ ﯵ) [المائدة:١١٣] ، بالإيمان حين نرى الآيات العيانية، فيكون الإيمان عين اليقين، كما كان قبل ذلك علم اليقين، كما سأل الخليل عليه الصلاة والسلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى (ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [البقرة:٢٦٠].
فالعبد محتاج إلى زيادة العلم واليقين والإيمان كل وقت، ولهذا قال: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) أي: نعلم صدق ما جئت به، أنه حق وصدق، (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [المائدة:١١٣].
فتكون مصلحة لمن بعدنا، نشهدها لك، فتقوم الحجة، ويحصل زيادة البرهان بذلك.
فلما سمع عيسى عليه الصلاة والسلام ذلك، وعلم مقصودهم، أجابهم إلى طلبهم في ذلك، فقال: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [المائدة:١١٤].
أي: يكون وقت نزولها عيداً وموسماً، يتذكر به هذه الآية العظيمة، فتحفظ ولا تنسى على مرور الأوقات وتكرر السنين.
كما جعل الله تعالى أعياد المسلمين ومناسكهم مذكرًا لآياته، ومنبهاً على سنن المرسلين وطرقهم القويمة، وفضله وإحسانه عليهم. (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) أي: اجعلها لنا رزقًا، فسأل عيسى عليه السلام نزولها وأن تكون لهاتين المصلحتين، مصلحة الدين بأن تكون آية باقية، ومصلحة الدنيا، وهي أن تكون رزقًا.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [المائدة:١١٥].
لأنه شاهد الآية الباهرة وكفر عنادًا وظلمًا، فاستحق العذاب الأليم والعقاب الشديد، واعلم أن الله تعالى وعد أنه سينزلها، وتوعدهم -إن كفروا- بهذا الوعيد، ولم يذكر أنه أنزلها، فيحتمل أنه لم ينزلها بسبب أنهم لم يختاروا ذلك، ويدل على ذلك، أنه لم يذكر في الإنجيل الذي بأيدي النصارى، ولا له وجود، ويحتمل أنها نزلت كما وعد الله114 ، والله لا يخلف الميعاد، ويكون عدم ذكرها في الأناجيل التي بأيديهم من الحظ الذي ذكروا به فنسوه.
أو أنه لم يذكر في الإنجيل أصلاً وإنما ذلك كان متوارثاً بينهم، ينقله الخلف عن السلف، فاكتفى الله بذلك عن ذكره في الإنجيل، ويدل على هذا المعنى قوله: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) والله أعلم بحقيقة الحال115.
فهذه قصة المائدة، وإليها تنسب السورة فيقال: «سورة المائدة»116، وهي مما امتن الله به على عبده ورسوله عيسى، عليه السلام، لما أجاب دعاءه بنزولها، فأنزلها الله آية ودلالة معجزة باهرة وحجة قاطعة، وقد ذكر بعض الأئمة أن قصة المائدة ليست مذكورة في الإنجيل، ولا يعرفها النصارى إلا من المسلمين، فالله أعلم117.
وهذه المائدة نزلت من السماء جاهزة بكل ما فيها معجزة من الله لرسوله وإجابة لدعائه.
ولعلنا لا نستغرب عندما نجد القرآن الكريم يصرف أنظار قريش المطالبين بالآيات المادية وغيرها من المقترحات ويلفت أنظارهم إلى ما هو الأجدى والأليق والأرحم ، وكان في هذا الصرف رحمة بهم، فقد جرت سنّة الله سبحانه وتعالى في رسالاته إلى الناس أن القوم إن أجيبوا إلى مطالبهم من المعجزات المادية الباهرة القاهرة ثم نكصوا على أعقابهم فكفروا بعد ذلك، جرت سنّة الله أن يكون العذاب المستأصل حظّهم في الدنيا والعذاب المهين مصيرهم في الأخرى، وهذا ما يتجلى في الآيات التي تحكي مصائر الأمم والشعوب118.
رابعًا: أحوال السماء عند قيام الساعة:
١. تشققها بالغمام.
وذلك في قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الفرقان:٢٥].
وقوله: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الرحمن:٣٧].
وقوله: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الحاقة:١٦].
وقوله: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الانشقاق:١].
والتشقق: التفتح، قرأ عاصم والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وأبو عمرو، تشقق بتخفيف الشين، وأصله تتشقق، وقرأ الباقون، بتشديد الشين على الإدغام119.
واختار القراءة الأولى أبو عبيد، واختار الثانية أبو حاتم، ومعنى تشققها بالغمام: أنها تتشقق عن الغمام، قال أبو علي الفارسي: تتشقق السماء وعليها غمام... وقيل: إن السماء تتشقق بالغمام الذي بينها وبين الناس، والمعنى: أنه يتشقق السحاب بتشقق السماء، وقيل: إنها تتشقق لنزول الملائكة كما قال سبحانه بعد هذا: ونزّل الملائكة تنزيلاً ، وقيل: إن الباء في بالغمام سببية، أي: بسبب الغمام، يعني بسبب طلوعه منها كأنه الذي تتشقق به السماء، وقيل: إن الباء متعلقة بمحذوف، أي: ملتبسة بالغمام120.
وإذا جاء يوم القيامة تصدعت السموات واختلت نظمها، وتبعثرت أجرامها وكواكبها عن مداراتها، واحمر لونها وأذيبت حتى صارت كأنها الزيت ونحوه مما يدّهن به121.
وأما ما يصنع بالسماء، فإنها تضطرب وتمور وتتشقق ويتغير لونها، وتهي بعد تلك الصلابة والقوة العظيمة، وما ذاك إلا لأمر عظيم أزعجها، وكرب جسيم هائل أوهاها وأضعفها122.
فيخبر تعالى عن هول يوم القيامة، وما يكون فيه من الأمور العظيمة، فمنها : انشقاق السماء وتفطرها وانفراجها بالغمام، وهو ظلل النور العظيم الذي يبهر الأبصار، ونزول ملائكة السموات يومئذ، فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر، ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء123.
ولما علم الله أن قلوب أوليائه الذين يعقلون هذه الأوصاف عنه، وتتراءى لهم تلك الأهوال لا تتمالك؛ لطف بهم فنسب (الملك) إلى أعم اسم في الرحمة فقال (الرحمن) ليلاقي هذا الاسم تلك القلوب التي يحل بها الهول فيمازج تلك الأهوال، ولو كان بدله اسماً آخر من عزيز وجبار لتفطرت القلوب124.
٢. طيّها وانفطارها وانشقاقها.
أولًا: الطّيّ: ضد النشر: ومن ذلك قوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأنبياء:١٠٤].
وقوله: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الزمر:٦٧]
طويت الشيء طيًّا، وذلك كطي الدرج وعلى ذلك قوله: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)125.
ونقل الطبري أقوالًا ثم قال: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: السجل في هذا الموضع الصحيفة، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، ولا يعرف لنبينا صلى الله عليه وسلم كاتب كان اسمه السجل، ولا في الملائكة ملك ذلك اسمه. فإن قال قائل: وكيف تطوى الصحيفة بالكتاب إن كان السجل صحيفة؟ قيل: ليس المعنى كذلك، وإنما معناه: يوم نطوي السماء كطي السجل على ما فيه من الكتاب، ثم جعل نطوي مصدراً، فقيل: (كطي السجل للكتاب) واللام في قوله (للكتاب) بمعنى: على، واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الأمصار، سوى أبي جعفر القارئ: (يوم نطوي السماء) بالنون. وقرأ ذلك أبو جعفر: (يوم تطوى السماء) بالتاء وضمها، على وجه ما لم يسم فاعله ، والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار، بالنون، لإجماع الحجة من القراء عليه، وشذوذ ما خالفه، وأما السجل، فإنه في قراءة جميعهم بتشديد اللام، وأما الكتاب، فإن قراء أهل المدينة، وبعض أهل الكوفة والبصرة قرءوه بالتوحيد: (كطي السجل للكتاب)، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: (للكتب) على الجمع، وأولى القراءتين عندنا في ذلك بالصواب: قراءة من قرأه على التوحيد للكتاب لما ذكرنا من معناه، فإن المراد منه: كطي السجل على ما فيه مكتوب126.
فيخبر تعالى أنه يوم القيامة يطوي السماوات على عظمها واتساعها كما يطوي الكاتب للسجل أي: الورقة المكتوب فيها، فتنثر نجومها، ويكور شمسها وقمرها، وتزول عن أماكنها127.
فالسماوات على سعتها وعظمها مطويات بيمينه فكأنها بعد أن كانت عظيمة تصبح لا شيء ؛ لأنها سوف تتبدل غير ما كانت.
٣. الانفطار.
ومن ذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [الانفطار:١].
وأصل الفطر: الشق طولاً، يقال: فطر فلان كذا فطرًا، وأفطر هو فطورًا، وانفطر انفطارًا.
قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الملك:٣].
أي: اختلال ووهي فيه، وذلك قد يكون على سبيل الفساد، وقد يكون على سبيل الصلاح قال: (ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [المزمل:١٨]128.
يقول تعالى ذكره (ﯭ ﯮ ﯯ): أي: السماء مثقلة بذلك اليوم متصدعة متشققة، وانفطرت: انشقت129.
أي: إذا انشقت السماء وانفطرت، وانتثرت نجومها، وزال جمالها، أي: انفطرت وتمايز بعضها من بعض، وانتثرت نجومها، وخسف بشمسها وقمرها130.
فهذا من الأحداث والأهوال التي ستكون عند قيام الساعة فيما يختص بالسماء.
والظاهر أن هذا الانفطار هو المعبر عنه بالانشقاق أيضًا في سورة الانشقاق 131.
٣. الانشقاق.
ومن ذلك قوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الانشقاق:١].
والشق: الخرم الواقع في الشيء يقال: شققته بنصفين قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [عبس:٢٦].
وقال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [ق:٤٤].
وقال تعالى: (ﮀ ﮁ) [الحاقة:١٦].
وقال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ)132.
فهو شق غائر ليفصل بين الشيء بعضه عن بعض، ويحمل معنى الانفطار كذلك.
يقول تعالى ذكره: إذا السماء تصدعت وتقطعت في يوم القيامة فكانت أبوابًا133.
وقد ذكر هذا الانشقاق في مواضع أخرى، حيث قال عز وجل: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الرحمن:٣٧].
وقال عز وجل: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الحاقة:١٦].
وقال عز وجل: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الانشقاق:١].
فانشقاق السماء حقيقة من حقائق ذلك اليوم العصيب، أما المقصود بانشقاق السماء على وجه التحديد فيصعب القول به، كما يصعب القول عن هيئة الانشقاق التي تكون، وكل ما يستقر في الحس هو مشهد التغير العنيف في هيئة الكون المنظور، وانتهاء نظامه هذا المعهود، وانفراط عقده، الذي يمسك به في هذا النظام الدقيق134.
وفائدة الأمثال: أنها تصور المعاني كتصور الأشخاص؛ فإن الأشخاص والأعيان أثبت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس، بخلاف المعاني المعقولة فإنها مجردة عن الحس؛ ولذلك دقت ولا ينتظم مقصود التشبيه والتمثيل إلا بأن يكون المثل المضروب مجربًا مسلمًا عند السامع، وفي ضرب الأمثال من تقرير المقصود ما لا يخفى إذ الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي والشاهد بالغائب135.
أولًا: المستحيل أو الشعور بالضيق:
وذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأنعام:١٢٥]
والصعود: الذهاب في المكان العالي، والصعود والحدور لمكان الصعود والانحدار، وهما بالذات واحد، وإنما يختلفان بحسب الاعتبار بمن يمر فيهما، فمتى كان المار صاعدًا يقال لمكانه: صعود، وإذا كان منحدراً يقال لمكانه: حدور، والصعد والصعيد والصعود في الأصل واحد، لكن الصعود والصعد يقال للعقبة، ويستعار لكل شاق ، وقوله: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأنعام:١٢٥] ، أي: يتصعد. وأما الإصعاد فقد قيل: هو الإبعاد في الأرض، سواء كان ذلك في صعود أو حدور، وأصله من الصعود، وهو الذهاب إلى الأمكنة المرتفعة136.
وكلما ارتفع عن المكان المنخفض شعر بالضيق واشتدت عليه عملية التنفس.
وهذا مثل من الله تعالى ذكره، ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه، مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه؛ لأن ذلك ليس في وسعه137.
وقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رجلًا من الأعراب من أهل البادية من مدلج: ما الحرجة؟ قال هي الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية، ولا وحشية، ولا شيء. فقال عمر ، رضي الله عنه: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير138.
فقوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) أي: يتكلف الصعود في جهة السماء، وطبعه يهبط إلى الأرض، فشبه للمبالغة في ضيق صدره، بمن يزاول أمراً غير ممكن، لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع ويبعد من الاستطاعة، وتضيق عنه المقدرة، وقيل: معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوًّا عن الحق، وتباعداً في الهرب منه139.
فمن يقدر الله له الضلال -وفق سنته الجارية من إضلال من يرغب عن الهدى ويغلق فطرته عنه- (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ)، فهو مغلق مطموس يجد العسر والمشقة في قبوله، (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ)، وهي حالة نفسية تجسم في حالة حسية، من ضيق النفس، وكربة الصدر، والرهق المضني في التصعد إلى السماء 140.
وأثبت العلم الحديث أنه كلما كان الصعود قلت نسبة الهواء فيؤدي للاختناق والضيق.
ثانيًا: مثل الحياة الدنيا كماء أنزل من السماء:
وورد ذلك في قوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [يونس:٢٤].
وقوله عز وجل: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [الكهف:٤٥].
وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابق لحالة الدنيا، فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتًا قصيرًا، فإذا استكمل وتم اضمحل، وزال عن صاحبه، أو زال صاحبه عنه، فأصبح صفر اليدين منها، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها141.
وقوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) معنى الآية التشبيه والتمثيل، أي صفة الحياة الدنيا في فنائها وزوالها وقلة خطرها والملاذ بها كماء... وقالت الحكماء: إنما شبه تعالى الدنيا بالماء ؛ لأن الماء لا يستقر في موضع، كذلك الدنيا لا تبقى على واحد، ولأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة كذلك الدنيا، ولأن الماء لا يبقى ويذهب كذلك الدنيا تفنى، ولأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتل كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها، ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعاً منبتاً، وإذا جاوز المقدار كان ضاراً مهلكاً، وكذلك الدنيا الكفاف منها ينفع وفضولها يضر... ولذا ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما أتاه)142، فأصبح، أي النبات، هشيماً أي: متكسراً من اليبس متفتتاً، يعني بانقطاع الماء عنه، فحذف ذلك إيجازاً لدلالة الكلام عليه143.
فالحياة وما فيها مشبهة للناس بما ينزل من ماء السماء على تراب الأرض، فيحدث فيها اهتزاز للتتغير إلى الأفضل فيزهوا ويغتر به محبوه ثم يصبح عند انقطاع الماء عنه قبل استوائه غير ما كان عليه من النضرة والبهاء، وقد يتغير قبل حصاده بسبب من الأسباب فلا ينتفع به.
فشبّه الحياة الدنيا بالماء المنزّل من السماء ينبت به النبات وتخضرّ الأرض وتظهر الثمار، ويوطّن أربابها عليها نفوسهم، فتصيبهم جائحة سماوية بغتة، وتصير كأن لم تكن144، فمن وطّن النّفس على الدنيا وبهجتها غرته بأمانيها، وخدعته بالأطماع فيها، ثم إنها تخفي الصّاب-أي: المرّ- في شرابها، والحنظل في عسلها، والسراب في مآربها تعد ولا تفي بعداتها، وتوفى آفاتها على خيراتها، نعمها مشوبة بنقمها، وبؤسها مصحوب بمأنوسها، وبلاؤها فى ضمن عطائها ؛ فالمغرور من اغترّ بها، والمغبون من انخدع فيها145.
والتشبيه في الآيات المذكورة عند البلاغيين من التشبيه المركب، لأن وجه الشبه صورة منتزعة من أشياء، وهو كون كل من المشبه والمشبه به يمكث ما شاء الله، وهو في إقبال وكمال، ثم عما قليل يضمحل ويزول، والعلم عند الله تعالى146.
فإذا كان النبات بعد نزول الماء قد اخضر وألبس الأرض حللاً وزادها جمالاً ثم ينتهي ذلك كأن لم يكن، فإن السماء مع ما فيها من زينة وبهاء ستنتهي يوماً كالنبات وتبدل شيئاً آخر.
ثالثًا: تمثيل الوحي بالماء المنزل من السماء:
ورد في القرآن الكريم أن الله عز وجل أنزل من السماء الماء، وذلك في مواطن كثيرة، ومن الآيات التي أشير بها إلى الوحي كقوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الرعد:١٧].
وهذا مثل ضربه الله للحق والباطل، والإيمان به والكفر، يقول تعالى ذكره: مثل الحق في ثباته والباطل في اضمحلاله مثل ماء أنزله الله من السماء إلى الأرض، يقول: فاحتملته الأودية بملئها، الكبير بكبره، والصغير بصغره، فاحتمل السيل الذي حدث عن ذلك الماء الذي أنزله الله من السماء زبداً عالياً فوق السيل، فهذا أحد مثلي الحق والباطل، فالحق هو الماء الباقي الذي أنزله الله من السماء، والزبد الذي لا ينتفع به هو الباطل147.
ولما ذكر الله عز وجل في سورة البقرة أنه أنزل من السماء ماء ليدلهم على عبوديته؛ أعقب ذلك بأنه نزّل على عبده الوحي المبارك؛ ليدل إنزال الماء من السماء لحياة الأرض، على إنزال الوحي من السماء لحياة العبودية الحقة، التي يضمن بها العباد سعادتهم في الدارين والله أعلم.
ويمكن أن يستدل لذلك بقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الأعراف:٥٨].
فلما أمر الله جل وعلا ونهى في هذه الآية الكريمة، وبين عظائم آياته وبرهان عبادته وربوبيته أنه الرب وحده، والمعبود وحده، وبين أنه أنزل إلى هذه الخلائق كتاباً فصله على علم هدى ورحمة، بين هنا أن الناس الذين أنزل عليهم هذا الكتاب لهم شبه بعنصرهم الأول وهو الأرض، وشبه الوحي الذي أنزله على نبينا صلى الله عليه وسلم بالمطر.
فالوحي كثيراً ما يشبه بالمطر148، فكما أن المطر يحيي الله به الأرض بعد موتها وينبت به النباتات والزروع والثمار، وينعش به الحيوانات، ويهيئ به لبني آدم مصالحهم الدنيوية، فكذلك القرآن هو مطر أرض القلوب، إذا نزل مطر القرآن على أرض القلوب أثمرت القلوب ثمراتها الرائعة اليانعة...
وكل خصلة حسنة يثمرها مطر القرآن في قلب المؤمن؛ كالخشية من الله، والتوبة عند الزلات، والإنابة إليه، والسخاء والشجاعة والرضا بقضاء الله، والإيثار وعدم الشح، إلى غير ذلك من خصال الإسلام الكريمة الجميلة 149.
فالوحي يحيي القلوب ويوقظها ويجعلها قريبة من ربها، فمن ابتعد عن الوحي كان فيه من آثار الموت بقدر ابتعاده وربما كان كالميت تماماً، وكلما كان الإنسان قريباً من الوحي كانت حياته على قدر قربه (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [فاطر:٣٢] .
رابعًا: تمثيل المشرك بمن يخر من السماء فتخطفه الطير:
وذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الحج:٣١].
ويجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق، فإن كان تشبيهًا مركبًا فكأنه قال: من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكاً ليس بعده نهاية، بأن صور حاله بصورة حال من خرّ من السماء فاختطفته الطير، فتفرق مزعاً في حواصلها، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة، وإن كان مفرقًا.
فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة، والشيطان الذي يطوّح به في وادي الضلالة بالريح التي تهوى بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة150.
وهذا المثل لمن أشرك بالله تعالى، فهو يسقط من العلو الذي بوأه الله وهو عبوديته؛ فلما رفض العلو والكرامة سقط من مكانته فاختطفه الشركاء المضلون لدنياه وأخراه فتشتت وتتلاشى، ولو نجا منهم لسقط إلى قاع مظلم لا راحة ولا طمأنينة فيه.
فضرب الله للمشرك مثلاً في ضلاله وهلاكه وبعده عن الهدى فقال: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) أي: سقط منها، (ﭞ ﭟ)، أي: تقطعه الطيور في الهواء، (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) أي: بعيد مهلك لمن هوى فيه151.
ولهذا جاء في حديث البراء: (وأما الفاجر فإذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا أتاه ملك الموت فيقعد عند رأسه وينزل الملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيقعدون منه مد البصر، فيقول ملك الموت: اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينقطع معها العروق والعصب كما يستخرج الصوف المبلول بالسفود ذي الشعب، قال: فيقومون إليه فلا يدعونه في يده طرفة عين فيصعدون بها إلى السماء فلا يمرون على جند من الملائكة إلا ، قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ قال: فيقولون: فلان بأقبح أسمائه، قال: فإذا انتهي به إلى السماء غلقت دونه أبواب السماوات، قال: ويقال اكتبوا كتابه في سجين، قال: ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فيرمى بروحه حتى تقع في جسده، قال: ثم قرأ (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) قال: فتأتيه الملائكة فيقولون: من ربك؟ قال: فيقول: لا أدري، فينادي مناد من السماء أن قد كذب فأفرشوه من النار وألبسوه من النار وأروه منزله من النار...)الحديث 152.
من الدلالات التي ذكرت في الآيات التي تحدثت عن السماء، آيات فيها لمسات إعجازية من حيث خلق السماء وما فيها ومدلولاتها وهي كالآتي:
أولًا: السماء وهي دخان:
قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [فصلت:١١].
أي: هي مثل الدخان، إشارة إلى أنه لا تماسك لها153.
أصل السماء هو ذلك الكائن المشبه بالدخان، أي أن السماء كونت من ذلك الدخان... فتكون مادة السماء موجودة قبل وجود الأرض154، وهو: بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض155، و قد ثار على وجه الماء156.
لما خلق تعالى الأجزاء التي لا تتجزأ، فقبل أن خلق فيها كيفية الضوء، كانت مظلمة عديمة النور، ثم لما ركبها وجعلها سموات وكواكب وشمساً وقمراً، وأحدث صفة الضوء فيها، فحينئذ صارت مستنيرة، فثبت أن تلك الأجزاء، حين قصد الله تعالى أن يخلق منها السماوات والشمس والقمر، كانت مظلمة؛ فصح تسميتها بالدخان، لأنه لا معنى للدخان إلا أجزاء متفرقة، غير متواصلة، عديمة النور ثم قال: فهذا ما خطر بالبال في تفسير الدخان. والله أعلم بحقيقة الحال157.
وفي الآيات الكريمة إشارة إلى حقائق كونية: منها : أن : أصل الكون المادي من الدخان، لم يصل العلم الحديث للآن إلى معرفة أصل الوجود المادي للكون على الرغم من توصل العلم إلى نجاحات كبيرة في المسائل التطبيقية والاستفادة من دراسة خصائص المادة واستخدام الطاقات الكونية المختلفة، وهذه الحقيقة لا يستطيع العلم البشري أن يصل إليها إلا من طريق الوحي من خالق السماوات والأرض، لأن وسائل البشر محدودة فلا يستطيع أن يخترق بوسائله المادية حجب غيب الماضي ليعرف تكوين الأجرام الكونية والسابق منها عن اللاحق158.
فسبحان من يخلق من أصغر الأشياء؛ أكبر الأشياء وأعظمها.
ثانيًا: السماء ذات الحبك:
تقدم معنا الحديث حول تفسيرها، وأنها ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء.
فمعنى (ﭒ ﭓ) [الذاريات:٧].ذات المجاميع من الكواكب المربوط بعضها ببعض... (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الذاريات:٨] أي متخالف متناقض، قال ابن زيد: يتخرصون يقولون: هذا سحر ويقولون: إن هذا إلّا أساطير الأوّلين ، يؤفك أي يصرف عنه من أفك ، أي صرف عن الحق الصريح الصرف التام، إذ لا صرف أشد منه.
وقد ذكر في مناسبة المقسم به للمقسم عليه، هو تشبيه أقوالهم في اختلافها، وتنافي أغراضها، بالطرائق للسموات في تباعدها، واختلاف غاياتها 159.
والحبك: بضمتين جمع حباك ككتاب وكتب ومثال ومثل، أو جمع حبيكة مثل طريقة وطرق، وهي مشتقة من الحبك بفتح فسكون وهو إجادة النسج وإتقان الصنع، فيجوز أن يكون المراد بحبك السماء نجومها ، لأنها تشبه الطرائق الموشاة في الثوب المحبوك المتقن، وروي عن الحسن وسعيد بن جبير ، وقيل الحبك: طرائق المجرّة التي تبدو ليلًا في قبة الجو.
وقيل: طرائق السحاب، وفسر الحبك بإتقان الخلق، روي عن ابن عباس وعكرمة وقتادة، وهذا يقتضي أنهم جعلوا الحبك مصدرًا أو اسم مصدر، ولعله من النادر، وإجراء هذا الوصف على السماء إدماج أدمج به الاستدلال على قدرة الله تعالى مع الامتنان بحسن المرأى160.
وقرأ الجمهور: الحبك بضم الحاء والباء، وقرئ بضم الحاء وسكون الباء وبكسر الحاء وفتح الباء، وبكسر الحاء وضم الباء، قال ابن عطية: هي لغات، والمراد بالسماء هنا هي المعروفة، وقيل: المراد بها السحاب، والأول أولى161.
وفيه للعلماء أقوال متقاربة لا يكذب بعضها بعضًا: ذات الطرائق، ذات الخلق الحسن المحكم ،وعلى هذا القول فالحبك مصدر، لأن كل عمل أتقنه عامله وأحسن صنعه، وذات الشدة والزينة، والآية تشمل الجميع، فكل الأقوال حق162.
وكأنه -والله أعلم-أراد بذلك السماء التي فيها الكواكب الثابتة، وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد، وهو الحسن والبهاء، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة، شديدة البناء، متسعة الأرجاء، أنيقة البهاء، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات، موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات163.
فالقسم العظيم بالأمر العظيم على أمر عظيم، ذكره الله لنا وهو العلي العظيم.
وما يكاد القسم الأول ينتهي حتى يعقبه قسم آخر بالسماء: (ﭑ ﭒ ﭓ)، فيقسم بالسماء المنسقة المحكمة التركيب، كتنسيق الزرد المتشابك المتداخل الحلقات، وقد تكون هذه إحدى هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد مجعدة تجعد الماء والرمل إذا ضربته الريح، وقد يكون هذا وضعاً دائماً لتركيب الأفلاك ومداراتها المتشابكة المتناسقة، يقسم بالسماء المنسقة المحبوكة على أنهم في قول مختلف164.
ثالثًا: سعة السماء:
وتقدم معنا في أوصاف السماء أنها واسعة ، ومنه قوله عز وجل: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الذاريات:٤٧]
الموسع: ذو الوسع والسعة، والمعنى: إنا لذو سعة بخلقها وخلق غيرها لا نعجز عن ذلك، وقيل: لقادرون، من الوسع بمعنى الطاقة والقدرة، وقيل: إنا لموسعون الرزق بالمطر. قال الجوهري: وأوسع الرجل: صار ذا سعة وغنى165.
فيكون قوله (ﯳ ﯴ) حالًا مؤكدة أو تذييلًا إثباتًا لسعة قدرته كل شيء فضلاً عن السماء أو لموسعون السماء أي: جاعلوها واسعة أو ما بينها وبين الأرض أو الرزق على خلقنا ؛ لقوله تعالى (ﮨ ﮩ ﮪ)، وفيه إشارة إلى أن وسعة البيت والرزق من تجليات الاسم الواسع166.
وبالنظر في قول الله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الذاريات:٤٧].
نجد أن بناء الكون المادي المترامي الأطراف المشتمل على بلايين المجرات التي تحتوي كلّ مجرة منها بلايين الشموس والنجوم وما يتبع كل شمس أو نجم من كواكب وأقمار، وكل ذلك إلى جانب ما يعجّ به الفضاء من طاقات وإشعاعات مختلفة القدر والصفات، وقد اتسعت له مقدرة الخالق عزّ وجلّ، ولديه أكثر وأكثر يضاف إلى ذلك.
قوله: (ﯳ ﯴ) السماء حين خلقنا الكون ابتداء على اتساع لا نهاية له، ولذلك فهو يتسع لكل المجرات مهما تباعدت عن بعضها بعضاً، ومن الوجهة العلمية لم يثبت حجم الكون على حال منذ راح العلماء يقيسون أبعاده. ولقد جعل العلماء للنجوم أقداراً بحسب درجات بريقها أو لمعانه، وعدد النجوم التي يمكن أن ترى في القبة السماوية وتلمع بدرجات متفاوتة القدر بالنسبة للعين المجردة لا تزيد عن نحو ستة آلاف نجم تقريباً167.
وهي في أصلها واسعة الأرجاء فلا يعلمها إلا الله، كما ذكر ذلك جمع من المفسرين.
قال ابن القيم رحمه الله مبينًا شأن هذه الآية الكونية: «ولهذا قل أن تجيء سورة في القرآن إلا وفيها ذكرها إما إخباراً عن عظمها وسعتها، وإما إقساماً بها، وإما دعاءً إلى النظر فيها، وإما إرشاداً للعباد أن يستدلوا بها على عظمة بانيها ورافعها، وإما استدلالًا منه سبحانه بخلقها على ما أخبر به من المعاد والقيامة، وإما استدلالاً منه بربوبيته لها على وحدانيته وأنه الله الذي لا إله إلا هو، وإما استدلالاً منه بحسنها واستوائها والتئام أجزائها وعدم الفطور فيها على تمام حكمته وقدرته»168.
وقال: فتأمل خلق السماء وارجع البصر فيها كرة بعد كرة كيف تراها من أعظم الآيات في علوها وارتفاعها وسعتها وقرارها بحيث لا تصعد علواً كالنار ولا تهبط نازلة كالأجسام الثقيلة ، ولا عمد تحتها وعلاقة فوقها ؛ بل هي ممسوكة بقدرة الله الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، ثم تأمل استواءها واعتدالها فلا صدع فيها ولا فطر ولا شق ولا أمت ولا عوج ، ثم تأمل ما وضعت عليه من هذا اللون الذي هو أحسن الألوان وأشدها موافقة للبصر وتقوية له حتى أن من أصابه شيء أضر ببصره يؤمر بإدمان النظر إلى الخضرة وما قرب منها إلى السواد ، وقال الأطباء : أن من كلّ بصره فإنه من دوائه أن يديم الاطلاع إلى إجانة خضراء مملوءة ماء، فتأمل كيف جعل أديم السماء بهذا اللون ليمسك الأبصار المتقلبة فيه ولا ينكأ فيها بطول مباشرتها له هذا بعض فوائد هذا اللون والحكمة فيه أضعاف ذلك169.
فهي في وسعها وعظيم سعتها تضع المسلم في إيمان متين وثبات على صراط الله المستقيم؛ ليتصل المرء بها ويتخذ فيها موطنا حسنا قبل الانتقال إليها.
رابعًا: السماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما:
وذلك في قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأنبياء:٣٠].
وهي: حقائق كونية في غاية الوضوح.
والرتق: الضم والالتحام، خلقة كان أم صنعة أي: منضمتين، والفتق: الفصل بين المتصلين، وهو ضد الرتق170.
وهذا شروع في آياته الكونية، الدالة على وحدته في ألوهيته، التي عمي عنها المشركون، فلم يروها رؤية اعتبار وتدبر، ومعنى قوله: كانتا رتقًا أي لا تمطر ولا تنبت (ﮜ) أي بالمطر والنبات، فالفتق والرتق استعارة، ونظيره قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الطارق:١١-١٢].
و(الرجع) لغة هو الماء و (الصدع) هو النبات ؛ لأنه يصدع الأرض أي يشقها.
وقوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [عبس:٢٤]. أي: كيف انفردنا في إحداثه وتهيئته ليقيم بنيته.
(ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [عبس:٢٥]. أي: من المزن بعد أن لم يكن.
(ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [عبس:٢٦]. أي: ثم بعد أن كانت الأرض رتقاً متماسكة الأجزاء، شققناها شقًّا مرئيًّا مشهودًا، كما تراه في الأرض بعد الريّ. أو شقًّا بالنبات171.
ثم إن قوله تعالى: (ﮚ) يحتمل أن تكونا معًا رتقًا واحدًا بأن تكون السماوات والأرض جسمًا ملتئمًا متصلًا، ويحتمل أن تكون كل سماء رتقًا على حدتها، والأرض رتقًا على حدتها وكذلك الاحتمال في قوله تعالى: (ﮜ).
وإنما لم يقل نحو: فصارتا فتقًا؛ لأن الرتق متمكن منهما أشدّ تمكن كما قلنا ليستدل به على عظيم القدرة في فتقهما، ولدلالة الفعل على حدثان الفتق إيماء إلى حدوث الموجودات كلها وأن ليس منها أزلي، والرتق يحتمل أن يراد به معان تنشأ على محتملاتها معان في الفتق.
فإن اعتبرنا الرؤية بصرية ، فالرتق المشاهد هو ما يشاهده الرائي من عدم تخلل شيء بين أجزاء السماوات وبين أجزاء الأرض، والفتق :هو ما يشاهده الرائي من ضد ذلك حين يرى المطر نازلًا من السماء ويرى البرق يلعج منها والصواعق تسقط منها فذلك فتقها، وحين يرى انشقاق الأرض بماء المطر وانبثاق النبات والشجر منها بعد جفافها، وكل ذلك مشاهد مرئي دال على تصرف الخالق، وفي هذا المعنى جمع بين العبرة والمنة172.
فكان هذا الرتق أمر دال على عظيم قدرة الله وإتقان خلقه للسماوات والأرض.
وقد يشير القرآن أحياناً إلى حقائق كونية كهذه الحقيقة التي يقررها هنا: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأنبياء:٣٠].
ونحن نستيقن هذه الحقيقة لمجرد ورودها في القرآن، وإن كنا لا نعرف منه كيف كان فتق السماوات والأرض، أو فتق السماوات عن الأرض، ونتقبل النظريات الفلكية التي لا تخالف هذه الحقيقة المجملة التي قررها القرآن، ولكننا لا نجري بالنص القرآني وراء أية نظرية فلكية، ولا نطلب تصديقاً للقرآن في نظريات البشر، وهو حقيقة مستيقنة! وقصارى ما يقال: إن النظرية الفلكية القائمة اليوم لا تعارض المفهوم الإجمالي لهذا النص القرآني السابق عليها بأجيال173.
ولذا كان خلق الناس بما أودع الله فيهم من العظمة أمر مهول، وقد ذكّر الله به بقوله تعالى: (ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الذاريات:٢١].
وأعظم من خلق الإنسان خلق السماوات والأرض وما أودع الله في السماوات من أسرار وفي الأرض من أغوار، ما يبهر العقول وتحار فيه الأبصار ، كما قال ربي القادر القهار: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [غافر:٥٧].
والقرآن الكريم يحث المسلم على التفكير في خلق السماء والأرض:(ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [آل عمران:١٩٠-١٩١]174.
والله أعلم وعليه اعتمادنا وهو المستعان فهو حسبنا ونعم الوكيل.
موضوعات ذات صلة: |
الآيات الكونية، الأرض، الجبال، الرياح، السحاب، الماء |
1 انظر: المصباح المنير، الفيومي ص ١٥١، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ص ٤٥٢.
2 تهذيب اللغة، الأزهري ١٣/١١٥.
3 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٢٧.
4 الوابل الصيب، ابن القيم ص٥٣.
5 تفسير المراغي ١٠/١٠٩.
وانظر: فقه اللغة، الثعالبي ص ٢٧٥.
6 الكليات، الكفوي ص٧٨٠.
7 انظر: المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب السين ص٦٨٣-٦٤٤.
8 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٣/٢٦٢-٢٦٤، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص ٣٥٨.
9 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٥٤، لسان العرب، ابن منظور ١٠/٤٧٨.
10 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٢٨٦.
11 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٧٣.
12 المدخل إلى علم الجغرافيا والبيئة، محمد محمود محمدين ص ١٠٩.
13 بدائع الفوائد، ابن القيم ص ١٤٩.
14 الاتقان، السيوطي ٢/٢٤٣.
15 معاني القرآن، الفراء ٣/٢٥٤.
16 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٠٨٥.
17 جامع البيان، الطبري ١٢/٥٣٢.
18 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٥٨.
19 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب كراهة الطروق، ٣/١٨٢٥، رقم ١٨٤
20 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٠١٧، أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٤٩٠.
21 انظر: روح المعاني ٢٩/٤٢٩، الكشاف، الزمخشري ٤/٤٧٣.
22 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٩/٣٧٦، الكشاف، الزمخشري ٤/٤٣٦.
23 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/٩، تفسير ابن كثير ٤/٢٠١٨، فتح القدير، الشوكاني ٥/٥٦٠، تفسير المراغي ١٠/١١٦.
24 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٣٠٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٠٨٥.
25 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم، ٤/١٧٨٧، رقم ٢٢٨٢.
26 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٦٦.
27 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٤٩٦.
28 تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، جزء عم، ص ١٥١.
29 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١١٥.
30 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٠١١، الدر المنثور، السيوطي ٥/٥٥٢.
31 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٣٧.
32 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٥١٩، الكشاف، الزمخشري ٤/٧٣٠.
33 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٠٨٣.
34 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٣٨.
35 تفسير المراغي ١٠/٩٩.
36 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٣٧.
37 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢١٧.
38 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/٤٤٤، الكشاف، الزمخشري ٤/٣٩٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢٢، فتح القدير، الشوكاني ٥/١١٠، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٥٣.
39 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٧٧٣.
40 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٣٤٠.
41 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٤٧.
42 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٦٠١، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٥٠.
43 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٤٨، ٩٥٧، ١٠٧٢، ١٠٩٢.
44 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٠٣٥.
45 تيسر الكريم الرحمن السعدي ص ١٠٩٢.
46 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب لو تعلمون ما أعلم، ٤/٥٥٦، رقم ٢٣١٢.
47 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٩١٦.
48 انظر: جامع البيان، الطبري ١/١٩٨، تفسير ابن أبي حاتم ١/٧٩، الكشاف، الزمخشري ٤/١٧٦.
49 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٠، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٠٩.
50 جامع البيان، الطبري ١/١٩٨.
51 تيسير الكريم الرحمن ص٣٤.
52 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله، ١/١٤٥، رقم ٢٥٩.
53 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٣٠١.
54 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٠٣.
55 معاني القرآن، الفراء ٢/٢٣٢.
56 جامع البيان، الطبري ٩/٢٠٦.
57 الكشاف، الزمخشري ٣/١٧٩.
58 جامع البيان ١٢/٢٥٢.
59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٩٤٩.
60 المصدر السابق ٤/١٩٨٢.
وانظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٦٨٥، أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٤٣٢، فتح القدير، الشوكاني ٥/٤٨٣.
61 في ظلال القرآن ٦/٣٨٠٦.
62 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤١٥.
63 محاسن التأويل، القاسمي ٧/٢٠١.
64 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٣٢، الكشاف، الزمخشري ٣/١١٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٢١٣، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٦٠٩.
65 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٧٨٠.
66 جامع البيان، الطبري ١١/٩٢.
67 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٥٧.
وانظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٤٠٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/١٧٧٨، فتح القدير، الشوكاني٥/١٢١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/١٦.
68 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣١٠.
69 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٦٥٢، فتح القدير، الشوكاني ٥/٦٦٥، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٧٧ .
70 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٨٥.
71 جامع البيان، الطبري ٧/٣٢٧.
72 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٩٧٢.
73 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٧٧.
74 مباحث في إعجاز القرآن، مصطفى مسلم ١٧٢.
75 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/١٥٦.
76 انظر: إتحاف فضلاء البشر، الدمياطي ص ٢٢٤.
77 انظر: العذب النمير، الشنقيطي ٣/٢٤٢.
78 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٢٩٠، محاسن التأويل، القاسمي ٧/٥٩٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٥١.
79 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٤٣٤.
80 وورد أن الله خلقها «في ستة أيام» في سورة يونس الآية ٣، وسورة هود الآية ٧، وسورة الفرقان الآية ٥٩، وسورة السجدة الآية ٤، وسورة ق الآية ٣٨، و سورة الحديد الآية ٤.
81 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٧٣٥.
82 فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٩٧.
83 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١١٥.
84 جامع البيان، الطبري ٩/٤٠٤.
85 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٩٥.
86 انظر: إتحاف فضلاء البشر، الدمياطي ص٣٦٧.
87 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٥٧٣.
88 محاسن التأويل، القاسمي ٨/٨١.
89 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٨٨.
90 لباب التأويل، الخازن ٤/١٥.
91 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٩٦.
92 تفسير المراغي ١٠/٩٧.
93 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٤٤.
94 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٩٥٣.
95 جامع البيان، الطبري ١٢/٢٦٦.
96 انظر: العذب النمير، الشنقيطي ٢/١٨، والآيات في هذا تصل إلى قرابة ٢٠ آية.
97 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٦٠٥.
98 تيسير الكريم الرحمن ص٧٤.
99 أضواء البيان، الشنقيطي ٧/١٨٢.
100 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/١٣٠.
101 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١١٩.
102 انظر: إتحاف فضلاء البشر، الدمياطي ٢٢٧.
103 العذب النمير، الشنقيطي ٣/٢٩٦.
104 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٥٢٧.
105 لطائف الإشارات، القشيري ١/٥٥٣.
106 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٣٦.
107 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٤١.
108جامع البيان، الطبري ١٠/١٣٨.
109 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٤١.
110 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ١/٣٤٥.
111 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٧٨٣.
112 انظر: إتحاف فضلاء البشر، الدمياطي ص ٣٠٤.
113 جامع البيان، الطبري ٥/١٢٩.
114 ظاهر القرآن يدل على أنه أنزلها استجابة لدعاء عيسى عليه السلام ولأنه طلب أن تكون آية ورزقاً والله ذو الفضل العظيم والله أعلم، والأصل أن الله أنزلها لكل ما جاء من رغبتهم في ذلك ودعاء نبيهم لذلك تلبية لرغبتهم.
115 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٧٥.
116 محاسن التأويل، القاسمي٤/٢٩٦.
117 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٤٥.
118 مباحث في إعجاز القرآن، مصطفى مسلم ص٣١-٣٥.
119 انظر: إتحاف فضلاء البشر، الدمياطي ص٣٢٨.
120 الكشاف، الزمخشري ٣/٢٧٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٨، فتح القدير، الشوكاني ٤/٩٦.
121 تفسير المراغي ٩/١٢٠.
122 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٠٤٢.
123 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٣٣٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٨٠.
124 انظر: البرهان، الزركشي ١/٢٩٠.
125 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٢٣.
126 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٩٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٢٣٣.
127 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٣١.
128 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٦٤٠.
129 انظر: جامع البيان، الطبري١٢/٢٩١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٠٠٠.
130 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٠٨١.
131 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/١٧١.
132 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٥٩.
133 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٥٠٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/١٧٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٠٠٧.
134 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٨٤٦.
135 انظر: البرهان، الزركشي ١/٣٠١، الاتقان، السيوطي ٢/٣٤٨.
136 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٨٣، لسان العرب، ابن منظور ٣/٢٥١.
137 جامع البيان، الطبري ٥/٣٣٩ .
138 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٩٦.
139 محاسن التأويل، القاسمي ٤/٤٩٧.
140 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢٠٣.
141 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤١٥.
142 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب في الكفاف والقناعة، ٢/٧٣٠، رقم ١٠٤٥.
143 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٢٦٨.
144 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٢/٨٨.
145 المصدر السابق ٢/٣٩٨.
146 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٣٤٠، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/١٥٣.
147 جامع البيان، الطبري ٧/٣٩٦.
148 ورد ذلك حديث أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن مثل ما بعثني الله به عز وجل من الهدى، والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به».
149 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/١٤٧، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٤٨١، في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣٠٠، العذب النمير، الشنقيطي ٣/٤٣٠،
150 الكشاف، الزمخشري ٣/١٥٥.
151 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٢٥٠.
152 أخرجه مطولاً أحمد في مسنده، ٣٠/٥٠٣، والبيهقي في شعب الإيمان ١/٦١٠.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٤٤، رقم ١٦٧٦.
153 لسان العرب، ابن منظور ٣/١٤٩.
154 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٢٤٦.
155 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٦٥٢، روح المعاني، الألوسي ٥/٥٨.
156 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٧٧.
157 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٩٠-٩١.
158 انظر: مباحث في إعجاز القرآن، مصطفى مسلم ص١٦٥-١٦٧.
159 محاسن التأويل، القاسمي ٨/٤٨٨.
160 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٣٤١.
161 فتح القدير، الشوكاني ٥/١١٠.
162 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٤٣٨.
163 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٧٧٤.
164 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٣٦٧.
166 روح المعاني، الألوسي ٩/٢٠٣.
167 مباحث في إعجاز القرآن، مصطفى مسلم ص١٧١.
168 مفتاح دار السعادة، ابن القيم ١/٢٠٢.
169 المصدر السابق ١/٢١٣.
170 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٤١.
171 انظر: محاسن التأويل ٧/١٩٦.
وذكره ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس ٣/١٢١٣، وقال: رجحه الطبري، ومال إليه الشنقيطي في أضواء البيان ٤/١٤١.
172 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/٥٤.
173 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٧٦.
174 مباحث في علوم القرآن للقطان ص٢٧٩.