عناصر الموضوع

مفهوم السّلم

السّلم في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

مظاهر السّلم في القرآن

مقاصد السّلم

من أساليب القرآن في الحديث عن السّلم

قواعد السّلم مع غير المسلمين

أثر السلم على الفرد والمجتمع

السّلم بين القرآن و المواثيق الدولية

السّلم

مفهوم السّلم

أولًا: المعنى اللغوي:

يقول ابن فارس: «(سلم) السين واللام والميم معظم بابه من الصحة والعافية، ويكون فيه ما يشذ، والشاذ عنه قليل، فالسلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى»1.

فمن معانيه: الحياد وعدم وجود العلاقة بين طرفين، والعافية والسلامة من الأذى والآفات، وعلامة المسالمة وعدم وجود الحرب، وقول سديد لا لغو فيه، وقيل: قالوا سلامًا أي سدادًا من القول وقصدًا لا لغو فيه، وبمعنى ضد الحرب، والاستسلام والانقياد وإظهار الخضوع2.

فأكثر المعاني تعود لباب الصحة والعافية والسلامة.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

أما في الاصطلاح الشرعي فقد عرفه الماوردي بقوله: «أمن عام تطمئن إليه النفوس وتنشر فيه الهمم ويسكن إليه البريء ويأنس إليه الضعيف»3.

وقال الراغب «السلم والسلامة: التعري من الآفات الظاهرة والباطنة»4.

وتعرف إحدى الباحثات السلم بأنه: «غياب المظاهر السلبية في المجتمعات الإنسانية وكل ما له علاقة بالعنف، أو بحضور المظاهر الإيجابية مثل: الهدوء والاستقرار، والصحة، والنماء»5.

السّلم في الاستعمال القرآني

وردت مادة (سلم) في القرآن الكريم (١٤٠) مرة، يخص موضوع البحث (٣) مرات6.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

السِّلم

١

( ) [البقرة:٢٠٨]

السَّلم

٢

( ﯿ ) [الأنفال:٦١]

وجاء السّلم في الاستعمال القرآني على وجهين7:

الأول: الصلح: ومنه قوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الأنفال:٦١].

الثاني: شرائع الدين: ومنه قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [البقرة:٢٠٨]. يعني: في الدين.

الألفاظ ذات الصلة

الأمن:

الأمن لغة:

ضد الخوف، والفعل منه: أمن يأمن أمنًا8.

الأمن اصطلاحًا:

عدم توقع مكروه في الزمان الآتي9، وأصله: طمأنينة النفس وزوال الخوف10.

الصلة بين الأمن والسلم:

الأمن حالة من الاطمئنان ضد الخوف، سواء كان الخوف من الحاضر أو من المستقبل، وأكثر ما يستعمل في الأمن الداخلي، أما السلم فتعم السلم الداخلي والخارجي، فكلمة السلم أعم.

الأمان:

الأمان لغة:

هو طلب الأمن وتأمينه للغير11.

الأمان اصطلاحًا:

وهو الذي يعطى للكافر الحربي فلا يجوز التعرض له، ويدخل دار الإسلام آمنًا، ويجب على المسلمين رعاية هذا الأمان ومقتضاه ما دام قائمًا 12.

الصلة بين الأمان والسلم:

الفرق بينهما واضح بين، إن المستأمن يكون في حالة سلم لا يحارب ما دام في عقد الأمان، وطلب الأمان لا يكون للمسلم لعدم احتياجه إليه، فالعقد خاص بغير المسلم.

الموادعة:

الموادعة لغة:

مأخوذ من مادة (و د ع) بمعنى الترك، «وادع بني فلان أي صالحهم وسالمهم على ترك الحرب والأذى، وحقيقة الموادعة المتاركة أي: يدع كل واحد منهما ما هو فيه»13. فالموادعة: المصالحة والمسالمة.

الموادعة اصطلاحًا:

وقد عرفت الموادعة بأنها ترك القتال. قال شهاب الدين الشلبي: «إنما سميت المصالحة موادعة لما فيها من ترك القتال. والودع الترك»14.

الصلة بين السلم والموادعة:

الموادعة نوع من السلم تكون مع المحاربين، فالسلم أشمل وأعم.

الحرب:

الحرب لغة:

نقيض السلم، ورجل محرب أي شجاع، وفلان حرب فلان أي يحاربه، وحرّبته تحريبًا أي حرّشته على إنسان فأولع به وبعداوته15.

الحرب اصطلاحًا:

قال المناوي: «دفع بشدة عن اتساع المدافع بما يطلب منه الخروج فلا يسمح به ويدافع عنه بأشد مستطاع»16.

وقال الجرجاني: «وهو القتال بين فئتين»17.

الصلة بين السلم والحرب:

السلم ضد الحرب، ولا يجتمعان.

مظاهر السّلم في القرآن

أولًا: السّلم العقدي:

يقصد بالسلم العقدي كل ما يحقق للفرد المؤمن الحماية والسلامة والأمان والاطمئنان في نفسه ودينه ومجمتعه. ويتحقق هذا الأمان بمعرفة الحقائق الدينية المجموعة في أركان الدين الواردة في حديث جبريل عن أبي هريرة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزًا يومًا للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله، وتؤمن بالبعث). قال: ما الإسلام؟ قال: ( الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان). قال: ما الإحسان؟ قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك). قال: متى الساعة؟ قال:( ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [لقمان: ٣٤]). ثم أدبر، فقال: ردوه. فلم يروا شيئًا. فقال: (هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم)18.

وقال تعالى: ( ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ)[طه: ١٢٤].

وقد فسر البعض العذاب المذكور في الآية بعذاب القبر، ولكن العلامة السعدي يفسر الضنك الوارد في الآية «بما يصيب المعرض عن ذكر ربه، من الهموم والغموم والآلام، التي هي عذاب معجل، وفي دار البرزخ، وفي الدار الآخرة، لإطلاق المعيشة الضنك، وعدم تقييدها»19.

فالتوافق مع الذات ومطابقة الظاهر للباطن وعدم التناقض بين عقيدة الإنسان وسلوكه اليومي من أهم سمات ومظاهر الإنسان السليم.

يقول سيد قطب: «إن الإسلام يبدأ محاولة السلام أولًا في الضمير، ثم في محيط الأسرة ، ثم في وسط الجماعة، وأخيرًا يحاوله في المحيط الدولي بين الأمم والشعوب الأخرى»20.

وقد خصص سيد قطب في كتابه (السلام العالمي والإسلام) مساحةً واسعة من كتابه لشرح أثر العقيدة الإسلامية في الإنسان سماه (سلام الضمير) و(المنطق والعقيدة) بين فيه بساطة ووضوح العقيدة الإسلامية في كافة المسائل بلا غموض ولا تعقيد وبدون ألغاز ومعميات، وقارن بينه وبين ما عند الكنيسة من الآراء الغامضة ودور رجال الدين الكهنة في إضلال الناس21.

أثر التوحيد بأنواعه في السلم الداخلي:

مما لا شك فيه أن الإنسان المؤمن لا يعيش في صراع داخلي مع نفسه، وذلك راجع للتوحيد الذي يؤمن به.

يقول الدكتور القرضاوي: «عقيدة التوحيد سمت بأنفس المؤمنين... فلم يعد بشر يسجد لبشر أو ينحني لبشر أو يقبل الأرض بين يدي بشر، وهذا أصل الأخوة الإنسانية الحقة ، وأصل الحرية الحقة، وأصل الكرامة الحقة ؛ إذ لا أخوة بين عابد ومعبود، ولا حرية لإنسان أمام إله أو مدعي ألوهية، ولا كرامة لمن يركع أو يسجد لمخلوق مثله أو يتخذه حكمًا من دون الله»22.

علامات صحة النفس:

ولصحة النفس وسلامتها من الآفات والأمراض، أمارات تعرف بها:

  1. هداية القلب وراحة البال.

    قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ)[التغابن: ١١].

    يقول الطبري: «ومن يصدّق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذن الله بذلك يهد قلبه: يقول: يوفّق الله قلبه بالتسليم لأمره والرضا بقضائه»23. فراحة البال وهداية القلب متلازمان.

  2. الشعور بالأمن.

    قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ)[الأنعام:٨٢].

    قال الشيخ محمد رشيد رضا: «أولئك لهم الأمن دون غيرهم من العقاب الديني المتعلق بأصل الدين وهو الخلود في دار العذاب»24. فعدم الوقوع في الشرك تتبعه الشعور بالأمن.

  3. السعادة.

    قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [يونس: ٥٧-٥٨].

    يقول الزمخشري: «قد جاءتكم موعظة، أي: قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من موعظة وتنبيه على التوحيد، وهو فيه شفآء أي : دواء مما يجمعون صدوركم من العقائد الفاسدة ودعاء إلى الحق ورحمة لمن آمن به منكم»25.

    وفي معنى السعادة يقول الشيخ السعدي: «إذا حصل الهدى، وحلت الرحمة الناشئة عنه، حصلت السعادة والفلاح، والربح والنجاح، والفرح والسرور ؛ ولذلك أمر تعالى بالفرح بذلك.. فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين، لا نسبة بينها، وبين جميع ما في الدنيا، مما هو مضمحل زائل عن قريب»26. فسعادة المرء دليل على صحة قلبه.

  4. الاطمئنان على الرزق.

    قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الذاريات: ٢٢].

    فالأرزاق تنزل من السماء فلا داعي للقلق، قال البغوي: «قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل: يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق، وما توعدون، قال عطاء: من الثواب والعقاب. وقال مجاهد: من الخير والشر»27.

  5. الاطمئنان على الأجل.

    قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ) [الرعد: ٣٨].

    جاء في تفسيره «لفظ عام في جميع الأشياء التي لها آجال، وذلك أنه ليس كائن منها إلا وله أجل في بدئه أو في خاتمته، وكل أجل مكتوب محصور فأخبر تعالى عن كَتْبِهِ الآجال التي للأشياء عامة. وقال الضحاك والفراء: المعنى لكل كتاب أجل»28.

    ثانيًا: السّلم في العبادات:

    شرع الله سبحانه العبادات للإنسان لكي يتقرب به إلى الله تعالى ، والعبادة كلمة جامعة لكل معاني الخير كما يقول شيخ الاسلام ابن تيمية29. ومع ذلك فإن لكل عبادة أهدافًا وغايات أخرى تتحقق بالالتزام بتلك العبادة، وأحاول أن أركز على أهم العبادات وآثارها على إشاعة السلم والأمان في نفسية الفرد وفي المجتمع.

  6. الصلاة والسلم.

    الصلاة لا تكون في تمام وطمأنينة إلا في ظل الأمن؛ لقوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟﭠﭡ ﭢﭣﭤ ﭥﭦﭧ ﭨ ) [البقرة: ٢٣٩].

    يقول السعدي في تفسير الآية: «قوله (ﭖ ﭗ ﭘ) [البقرة: ٢٣٨].

    أي: ذليلين خاشعين، ففيه الأمر بالقيام والقنوت والنهي عن الكلام، والأمر بالخشوع، هذا مع الأمن والطمأنينة»30.

    والمصلي يكتسب المناعة ضد كل سلوك جرمي وتقيه من الأمراض الفتاكة بالفرد والمجتمع، وقال تعالى مبينًا هذه الحكمة من الصلاة (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ) [العنكبوت: ٤٥].

    فالمصلي إذا أدى الصلاة كما أمر، اكتسب طاقة روحية تقيه من كل فاحشة ومنكر.

    والصبر مع الصلاة شعار سلمي يرفعه المسلم لمواجهة أعباء الحياة.

    قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [البقرة: ١٥٣].

    والمسلم لا يخرج من الصلاة قبل التلفظ بعبارة السلام عليكم.

    مما سبق تبين لنا متانة العلاقة بين عبادة الصلاة وبين السلم.

  7. الصوم والسلم.

    قال تعالى مبينًا أثر عبادة الصوم في السلوك الإيجابي للمسلم (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[البقرة: ١٨٣].

    فالصيام يعد الناس ليصلوا إلى مرتبة التقوى. والوقاية هي ؛ «حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، فالتقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف»31.

    وينقل الشيخ محمد رشيد رضا بعضًا من حِكَم الصوم بقوله: «ومن وجوه إعداد الصوم للتقوى : أن الصائم عندما يجوع يتذكر من لا يجد قوتاً فيحمله التذكر على الرأفة والرحمة الداعيتين إلى البذل والصدقة، وقد وصف الله تعالى نبيه بأنه رءوف رحيم، ويرتضي لعباده المؤمنين ما ارتضاه لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولذلك أمرهم بالتأسي به»32.

    ومن ثمار الصوم أيضًا : توطيد العلاقات الاجتماعية بين المؤمنين، غنيهم وفقيرهم فهو يغرس في نفوس الموسرين روح البذل والعطاء حين يحسون وهم صائمون بالحاجة إلى الطعام، فيكون ذلك الجوع المؤقت مدعاةً لتذكّر جوعة الفقير الدائمة بسبب الحاجة والحرمان.

  8. الزكاة والسلم.

    أصل الزكاة النمو والبركة33 ، وهو أحد مباني ، الإسلام ولأهميتها قرنت في القرآن الكريم بالصلاة. وشرع الزكاة كما أشار إليه الآية الكريمة إلى التطهير والتزكية.

    ولو أردنا أن نبين العلاقة بين فريضة الزكاة والسلم الداخلي أو السلم بين أفراد المجتمع، يجدر بنا أن نذكر أهم حِكَمِها. وقد ذكر العلماء لها حِكَمًا وفوائد، ونحن هنا نذكر فقط الحِكَم المتعلقة بالبحث:

    الزكاة جزء من خطة الإسلام للقضاء على الفقر في المجتمع: ففي الزكاة دفع لحاجات الفقراء. وحول أهداف الزكاة يقول الدكتور القرضاوي: «ومن هذه الأهداف ما له صبغة اجتماعية، كمساعدة ذوي الحاجات والأخذ بأيدي الضعفاء من فقراء ومساكين وغارمين وأبناء سبيل، فإن مساعدة هؤلاء تؤثر فيهم بوصفهم أفراداً، وتؤثر في المجتمع كله باعتباره كيانًا متماسكًا»34.

    مكافحة الإجرام في المجتمع، وفي هذا يقول الدكتور الزلمي«أثبتت فلسفة التشريعات الجنائية بالاستقراء أن من أهم عوامل ارتكاب الجرائم (بوجه خاص الجرائم الاقتصادية)، عامل الفقر والحاجة. فتسديد حاجة المحتاجين ماديًا يقلل من ظاهرة الانحراف نحو السلوك الجرمي»35.

    فالزكاة تمنع الجرائم المالية، مثل: السرقات والنهب وما أشبه ذلك لاستغناء الفقراء عن هذه الجرائم بإعطائهم الزكاة أو بالصدقة والإحسان إليهم.

    شيوع روح المحبة والألفة بين الفقراء والاغنياء: فمن أهداف الإسلام الكبرى بناء المجتمع السليم المتآخي البعيد عن أسباب الحقد والغضاء. وأداء الزكاة كفيل بتحقيق هذه الأهداف.

    تطهير نفوس الأغنياء من الطغيان الذي سببه الغنى وكثرة المال. والطغيان من الرذائل الخلقية، قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [العلق: ٦].

    فالطغيان هو التعاظم والكبر، والاستغناء هو شدة الغنى، فمن طبع الإنسان أن يطغى ويتكبر ويتعاظم على غيره إذا أحس من نفسه الاستغناء36.

  9. الحج والسلم.

    الحج من أهم العبادات التي تتجلى فيها بوضوح معاني السلم، وتوضيح ذلك تكون من خلال:

    الحج تدريب للمسلم على السلام، فوقوعها في أشهر حرمت فيها القتال، وفي بلد سمي ببلد الحرام، وفي حال تمنع فيه حتى الصيد، كل ذلك تمنح المسلم جوًّا تسوده السلام والأمن والأمان، إن الحج لا يتحقق إلا مع الأمن والسلام؛ لقوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ)[البقرة: ١٩٦].

    وحذر القرآن الكريم من أكل أموال الناس بالباطل، وذلك من أجل بناء مجتمع متحاب.

    قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ١٨٨].

    والذي ينوي أداء الحج يجب عليه أن يؤدي الحقوق الواجبة عليه، قبل السفر إلى الديار المقدسة، وهذا الأداء يكون من خلال:

    • إرضاء الخصوم برد المظالم إلى أصحابها وقضاء الديون ورد الأمانات والودائع. وهذا الحكم (رد الحقوق) عام، سواء كان الاعتداء بالقول كالسب والشتم أو الغيبة، أو بالفعل كالقتل والجرح.
    • أن يترك لأهله ولده وزوجته ومن له حق النفقة عليه، ما يكفيهم ويقضي حاجاتهم ومتطلبات حياتهم ما يغنيهم في فترة غيابهم37.
    • الحج والتكافل الاجتماعي: من حِكَم الحج أنها وسيلة لاجتماع المسلمين في كافة أنحاء العالم.
    • البعد عن الأذى في الحج: قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ) [البقرة: ١٩٧].

      والقرآن الكريم حريص على تهذيب سلوك الحاج أثناء أداء العبادة وتخليصه من السلوك المخل بالعبادة، ورتب شعائر الحج بطريقة تجعل الحاج في سلم شامل، ليس مع الناس فقط، بل مع كل شيء؛ الشجر والحجر والحيوان ومع الكون كله، تسليمًا لرب العالمين.

      ثالثًا: السّلم في الأخلاق:

      للأخلاق الإسلامية أثر كبير في إشاعة الأمن والاستقرار النفسي في نفسية المتخلق بها، «إنها تحقق للفرد الإحساس بالأمان؛ إذ هو يستعين بها على مواجهة ضعفه وضعف نفسه، ومواجهة التحديات والعقبات التي تواجهه في حياته، كما أنها تعمل على إصلاح الفرد نفسيًّا، وتوجهه نحو الخير والإحسان الواجب وكافة مكارم الأخلاق التي تضمن حياة نظيفة في الدنيا وجزاء أوفى في الآخرة»38.

      فالأخلاق يمنح الإنسان السعادة ورضى الضمير، والبعد عن القلق والاضطراب وكثير من الأمراض النفسية.

      أما عن أثر الأخلاق في الحفاظ على السلم الإجتماعي والاستقرار فيقول الدكتور الزلمي: «إن المتدبر في آيات الله يجد أن الروح السائدة في القرآن الكريم من أوله إلى آخره روح خيرة ورشيدة تدعو إلى العلم والعمل والحرية والمساواة والعدل والرحمة والهدى والحق والإحسان والإيثار والإنفاق والتكافل والتضامن والصدق والأمانة والإخلاص ، إلى غير ذلك من الفضائل الإنسانية التي يجب أن يتحلى بها الإنسان»39.

      وهذه الأخلاق المذكورة كلها تسهم في بناء العلاقات الاجتماعية القوية، فالأخلاق ضرورة اجتماعية لا غنى عنها، ومتى فقدت الأخلاق التي هي الوسيلة والرابط بين الناس، تفكك بناء المجتمع، فانهيار خلق من الأخلاق يقابله انقطاع رابطة من الروابط الاجتماعية.

      فخلق الصبر مثلًا له أثر كبير في إدامة واستقرار العلاقة الزوجية.

      قال تعالى: (ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النساء: ١٩].

      يقول الشيخ محمد رشيد رضا: «فإن كرهتموهن لعيب في الخلق، أو الخلق مما لا يعد ذنبًا لهن، لأن أمره ليس في أيديهن، أو التقصير في العمل الواجب عليهن في خدمة البيت والقيام بشئونه مما لا يخلو عن مثله النساء وكذا الرجال في أعمالهم، أو الميل منكم إلى غيرهن، فاصبروا»40.

      فالقرآن أمر بالصبر حتى إن أحس الزوج بالنفرة لزوجته.

      وفي قصة موسى مع العبد الصالح تعليم لنا أن على التلميذ التحلي بالصبر إذا أراد العلم، فالصبر في مجال العلاقات الإنسانية إحدى مجالات الصبر المأمورة بها المسلم. وكذلك بقية مكارم الأخلاق المأمور بها، كل منها لها أثر كبير عند التحلي بها في إرساء دعائم السلام في المجتمع، والعكس صحيح. وإذا شاع بين الأفراد مكارم الأخلاق، ربط بينهم بأوثق الروابط من الألفة والثقة والتعاون ، ونشأ منهم مجتمع قوي فاضل ، متماسك كالبنيان، متعاطف كالجسد، كما قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ٧١].

      ونستطيع أن نوجز أثر الأخلاق في تماسك المجتمع في جملة من النقاط:

    • «تحفظ على المجتمع تماسكه، فتحدد له أهداف حياته، ومثله العليا، ومبادئه الثابتة المستقرة التي تحفظ له هذا التماسك والثبات اللازمين لممارسة حياة اجتماعية سليمة ومتواصلة.
    • تساعد المجتمع على مواجهة التغيرات التي تحدث فيه، بتحديدها الاختيارات الصحيحة والسليمة التي تسهل على الناس حياتهم، وتحفظ على المجتمع استقراره وكيانه في إطار موحد.
    • تربط أجزاء المجتمع بعضها ببعض حتى تبدو متناسقة، كما أنها تعمل على إعطاء النظم الاجتماعية أساسًا إيمانيًّا وعقليًّا يصبح عقيدة في ذهن أعضاء المجتمع.
    • تقي المجتمع من الأنانية المفرطة والنزعات والأهواء والشهوات الطائشة التي تضر به وبأفراده ونظمه.
    • تزود المجتمع بالصبغة الملائمة التي تربط بين نظمه الداخلية من اقتصادية وسياسية وإدارية، وبالتالي تحوطه بسياج حام من التفكك والانحلال»41.

      رابعًا: السّلم في المعاملات:

      المراد بالمعاملات: الأحكام الشرعية المنظمة لتعامل الناس في الدنيا، من بيع وشراء وإجارة ورهن وكتابة دين وغيرها42.

      لا ريب أن القرآن الكريم أعطى أهمية لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع من بيع وشراء ورهن وكتابة دين وغيرهم. وقد اقتصر القرآن الكريم في ذكر المعاملات على العناصر الأساسية من الأحكام، وخول العقل البشري ما عداها في ضوء حاجاته ومتطلباته وفي حدود المباديء التي حددها له القرآن الكريم.

      أهم المقاصد التي أرساها القرآن الكريم في المعاملات المالية:

      ولزيادة توضيح العلاقة بين المعاملات التي شرعها القرآن الكريم وأثرها في تحقيق السلم في المجتمع، لابد من ذكر أهم المقاصد في المعاملات المالية المتعلقة بالموضوع ، فقد أرسى القرآن الكريم دعائم أساسية لتثبيت السلم من خلال مباديء مذكورة في آيات كثيرة:

    1. مبدأ العدل.

      أي: تحقيق العدل والمساواة بين المتعاقدين البائع والمشتري في عقد البيع مثلًا.

      قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [المائدة: ٨].

      يقول الشيخ محمد رشيد رضا: «والقسط هو ميزان الحقوق، متى وقعت فيه المحاباة والجور لأي سبب أو علة من العلل زالت الثقة من الناس، وانتشرت المفاسد وضروب العدوان بينهم، وتقطعت روابطهم الاجتماعية، وصار بأسهم بينهم شديدًا، فلا يلبثون أن يسلط الله تعالى عليهم بعض عباده الذين هم أقرب إلى إقامة العدل والشهادة بالقسط منهم، فيزيلون استقلالهم، ويذيقونهم وبالهم»43.

      ولما كانت المعاملات سببًا للمشاحنات، فقد اشتملت التجارات والمعاملات على ظلم وهضم للحقوق، فقد منع القرآن الكريم الظلم بجميع أنواعه وصوره. وإن من أعظم وسائل الشريعة في تحقيق مقصد العدل ومنع الظلم إباحة البيع وتحريم الربا، كما في قوله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ) [البقرة: ٢٧٥].

      ثم نبه سبحانه عند ختم آيات تحريم الربا على على المقصود الشرعي من إباحة البيع وتحريم الربا، وهو تحقيق العدل ونفي الظلم. (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ) [البقرة: ٢٧٩].

    2. مبدأ الصدق والبيان في المعاملات المالية.

      والمراد به الصدق والبيان والتوضيح في جميع أجزاء العقد وفي كل مراحله، لما في الكتمان والكذب من مفاسد تهدد السلم الاجتماعي ويفضي إلى التنازع والخلاف44.

      ومن الأمثلة على تحريم الكذب في المعاملات:

      • الأمر بكتابة الدين لتوثيقها كما في آية الدين، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ) [البقرة: ٢٨٢]. قال البيضاوي: «وفائدة ذكر الدين أن لا يتوهم من التداين المجازاة ويعلم تنوعه إلى المؤجل والحال، وأنه الباعث على الكتبة ويكون مرجع ضمير فاكتبوه إلى أجل مسمى معلوم بالأيام والأشهر لا بالحصاد وقدوم الحاج. فاكتبوه لأنه أوثق وادفع للنزاع، والجمهور على أنه استحباب»45.
      • الأمر بالإشهاد على الحقوق المالية، كما في الآية الكريمة (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)[البقرة: ٢٨٢]. قال البيضاوي: «واطلبوا أن يشهد على الدين شاهدان من رجالكم من رجال المسلمين، وهو دليل اشتراط إسلام الشهود ، وإليه ذهب عامة العلماء»46.
      • تشريع الرهن، وهو توثيق دين بدين، (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ) [البقرة: ٢٨٣]47. يقول الرازي : «اعلم أنه تعالى جعل البياعات في هذه الآية على ثلاثة أقسام: بيع بكتاب وشهود، وبيع برهان مقبوضة، وبيع الأمانة، ولما أمر في آخر الآية المتقدمة بالكتبة والإشهاد، واعلم أنه ربما تعذر ذلك في السفر إما بأن لا يوجد الكاتب، أو إن وجد لكنه لا توجد آلات الكتابة ذكر نوعًا آخر من الاستيثاق وهو أخذ الرهن ، فهذا وجه النظم وهذا أبلغ في الاحتياط من الكتبة والإشهاد» 48
    3. مبدأ تحقيق التعاون والاجتماع والائتلاف.

      وهي من أعظم مقاصد الشريعة وخاصةً في المعاملات المالية.

      قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ) [المائدة: ٢].

      ومن الأمثلة عليه:

      تحريم الميسر ؛ لكونه أعظم وسائل الشيطان للوقيعة بين المسلمين وشق صفهم.

      قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المائدة: ٩١].

      يقول الشيح المراغي: «إن الشيطان يريد لكم شرب الخمر ومياسرتكم بالقداح ليعادي بعضكم بعضاً ويبغّض بعضكم إلى بعض عند الشراب والمياسرة، فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوّة الإسلام، ويصرفكم بالسكر والاشتغال بالميسر عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم، وعن الصلاة التي فرضها عليكم، تزكيةً لنفوسكم وتطهيرًا لقلوبكم»49.

    4. مبدأ عدم التعدي على أموال الناس بالباطل، وتوفر عنصر الرضا وطيبة النفس.

      وقد منع القرآن الكريم التعدي على أموال الناس وأكل أموالهم بالباطل، وذلك لتحقيق استقرار المجتمع وحماية مصالح أفراده.

      قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [البقرة: ١٨٨].

      فكل عقد لم يتوفر فيه رضا الطرفين وحصل عنصر الإكراه والخداع والغش، فهو حرام بنص الآية الكريمة. وتحت باب الأكل بالباطل تدخل كثير من المعاملات المالية، كالغصب والسرقة والخيانة، وعقود الربا والقمار ؛ لأنها من أكل أموال الناس بالباطل.

      مقاصد السّلم

      أولًا: الاعتصام والوحدة:

      الاعتصام في الاصطلاح يأتي بمعنى: التمسك بالدين والوثوق بوعد الله والالتجاء إليه في دفع شرور الكفار ومكايدهم. وهذه المعاني تربي من فهمها على أهمية الوحدة والاجتماع.

      وقد اهتم القرآن الكريم ببناء العلاقات بين المسلمين وتمتينها باعتبارها ضرورةً دينية لا غنى للمسلم عنها، واستخدم أساليب عديدة لتأكيد هذه الوحدة.

      أساليب القرآن الكريم في الحفاظ على الوحدة الإسلامية والاعتصام بحبل الله:

    1. التحذير من التنازع والاختلاف والتفرق؛ لأنه موجب لعذاب الله..

      قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [آل عمران: ١٠٥].

      يقول الشيخ ابن عاشور: «وأولئك لهم عذاب عظيم مقابل قوله في الفريق الآخر: وأولئك هم المفلحون ، فالقول فيه كالقول في نظيره، وهذا جزاء لهم على التفرق والاختلاف وعلى تفريطهم في تجنب أسبابه»50.

    2. الحض على الإخاء بين المؤمنين وتقويته بشتى السبل.

      قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الحجرات: ١٠].

      وقد أحاط القرآن الكريم هذه العلاقة بمجموعة من التدابير الوقائية للحفاظ عليها:

      فقد نهى عن السخرية والتنابز بالألقاب والظن والتجسس والغيبة، قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الحجرات: ١١-١٢].

      فهذه الآيات كما يقول سيد قطب «تقيم سياجًا آخر في هذا المجتمع الفاضل الكريم حول حرمات الأشخاص به وكراماتهم وحرياتهم، بينما هي تعلم الناس كيف ينظفون مشاعرهم وضمائرهم، في أسلوب مؤثر عجيب»51.

    3. النهي عن العصبية والتحذير من مكائد غير المسلمين من أهل الكتاب ومن غيرهم.

      قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران: ١٠٠-١٠١].

      يقول الشيخ محمد رشيد رضا: «بعد ما وبخ أهل الكتاب على كفرهم وصدهم عن سبيل الله وهو الإسلام، آثر إقامة الحجج عليهم وإزالة شبهاتهم، ناسب أن يخاطب المؤمنين مبينًا لهم أن من كان هذا شأنهم في الكفر، وهذا شأن ما دعوا إليه في ظهور حقيقته، لا ينبغي أن يطاعوا ولا أن يسمع لهم قول، فإنهم دعاة الفتنة ورواد الكفر»52.

    4. التحذير من الفرقة والاختلاف.

      قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ) [آل عمران: ١٠٥].

      قال الراغب الأصفهاني في سبب استحقاق أهل الكتاب العذاب: «نبه بقوله: (ﮱ ﯓ ﯔ) أن سبب استحقاقهم العذاب افتراقهم واختلافهم، تنبيهًا أنكم إن فعلتم فعلهم استحققتم العذاب استحقاقهم»53.

      نهى عن الخبائث المفضية إلى الفرقة والعداوة.

      قال تعالى: (ﭶﭷﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة: ١٠٢].

      والنهي هنا عن السحر، لدوره في إفساد الرابطة الزوجية، وقال تعالى في تحريم الخمر والميسر ذاكرًا الحكمة من التحريم (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩٠ -٩١].

      لذلك فقد نهى القرآن الكريم عن كل ما يؤدي إلى إيغار الصدور والعداوة والبغضاء.

    5. أمر بإصلاح ذات البين.

      قال تعالى: ( ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤﭥ)[الأنفال:١].

      ويراد بالإصلاح هنا «إزالة المنازعات والخصومات، وإحلال الألفة والمودة بين الناس سواء بين الزوجين، أو الورثة أو الإخوة أو غير ذلك»54.

    6. أمر في آيات كثيرة بإفشاء السلام وإطعام الطعام، وآداب أخرى كلها تحافظ على وحدة الأمة.

      قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ)[النساء: ٨٦].

      وفي إطعام الطعام أثنى عليهم فقال: (ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)[الإنسان: ٨].

      وفي الاعتصام صلاح المرء، وهو يورث محبة الله والعباد، ويجنب الإنسان مسالك الشيطان، وفي الاعتصام قوة الأمة؛ لأن الجماعة رحمة والفرقة عذاب. وثمرة الاعتصام في الآخر سعادة الدارين.

      ثانيًا: رفع الشقاق والتنازع:

      فالصلح والسلم ليس رافعًا للنزاع فقط، بل مانع لوقوعه أيضًا، حيث يقوم بدور وقائي لمنعه، وإذا كان رفع النزاع والشقاق من أهم مقاصد السلم فقد بين العلماء معنى الصلح واشتقاقاته بأنه رفع النزاع والتخاصم.

      فالإصلاح: «الوسائل المتنوعة المتعددة التي يزال بها الفساد أو النزاع أو الخصومة، أما المصالحة فهي العقد الذي يصل إليه المصلحون في جهودهم الإصلاحية، والصلح اسم منه، وهو التوفيق أو الاتفاق الذي يصل إليه المصلحون بعد إصلاحهم»55.

      والقرآن الكريم يبني السلم الاجتماعي الذي يقصد به «حالة الهدوء والاستقرار والوئام والاتفاق والانسجام، وفي العلاقة بين شرائحه وأفراده وقواه العديدة المختلفة»56.

      وذلك من خلال:

    7. رفع النزاع بين الورثة.

      قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة: ١٨٢].

      والآية واردة في كيفية رفع النزاع بين الورثة حال الوصية دون إضرار بالورثة ولا تبذير للوصية.

      قال الطبري: «من معاني الإصلاح الإصلاح بين الفريقين، فيما كان مخوفًا حدوث الاختلاف بينهم فيه، بما يؤمن معه حدوث الاختلاف؛ لأن الإصلاح إنما هو الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين، فسواء كان ذلك الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين قبل وقوع الاختلاف أو بعد وقوعه»57.

    8. رفع النزاع بين الزوجين.

      قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النساء: ١٢٨].

      فالآية واردة في الصلح بين الزوجين في حالة النشوز أو الإعراض، وكيفية رفع الخلاف بينهما.

      قال الإمام القرطبي: «(ﭢﭣ) ويدخل في هذا المعنى جميع ما يقع عليه الصلح بين الرجل وامرأته في مال أو وطء أو غير ذلك. خير أي خير من الفرقة؛ فإن التمادي على الخلاف والشحناء والمباغضة هي قواعد الشر»58.

    9. رفع النزاع بين أفراد المجتمع.

      قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ) [الأنفال: ١].

      «ومع أن الخلاف والصراع أمر محتمل الوقوع بين المؤمنين باعتبارهم بشرًا ، لهم مصالح وأهواء، لكن المجتمع عليه أن يتدخل لوضع حد لهذا الصراع»59.

      فالخلاف أمر محتم، وسرعة العلاج واجب.

    10. رفع النزاع بين الحاكم والمحكوم.

      قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [النساء: ٥٨ -٥٩].

      قال أبو حيان: «فإن اختلفتم أنتم وأولوا الأمر في شيء من أمور الدين»60.

      وقد ذكر القرآن الكريم في هذه الآية كيفية رفع النزاع بين الحاكم الذي سمي (أولي الأمر) وبين المحكوم أو الرعية، وهي الرجوع إلى الله (القرآن الكريم) ورسوله (السنة النبوية).

      ولهذا يقول الشيخ السعدي: «أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما ، أو إيماءًا، أو تنبيهًا، أو مفهومًا، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه؛ لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما»61.

      ثالثًا: تحقيق الأمن:

      الأمن في القرآن الكريم يراد به الأمن في الدنيا والآخرة، أما الأمن عند الآخرين فالمقصود فقط أمن الدنيا لا غير.

      قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ)[الأنعام: ٨٢].

      يقول ابن كثير مبينًا ما ذكرنا من شمول الأمن في القرآن للدارين: «هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، لو لم يشركوا به شيئًا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة»62.

      الأمن وأنواعه في القرآن:

      ذكر المختصون في هذا المجال أنواعًا كثيرة للأمن، أوصلها بعضهم إلى (٢٦ نوعًا)63.

      والقرآن الكريم أشار إلى عدة أنواع من الأمن، كل نوع منها تندرج في حفظ أمن الفرد أو المجتمع ، ونحن نذكر هنا بعضاً منها للتوضيح:

    1. الأمن الجماعي في القرآن.

      قال تعالى حاثًّا المؤمنين على التمسك بدينهم الذي هو سر وحدتهم ، والسبب الرئيسي لأمنهم واستقرارهم: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران: ١٠٣].

      أمن الدولة، والقرآن الكريم يذكرنا بدعاء إبراهيم الخليل عليه السلام حين يدعو بالأمن والسلام لبلده وأهله ، وحمايتها من الأخطار الخارجية والداخلية.

      قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ) [البقرة: ١٢٦].

    2. الأمن الجنائي.

      وقد ذكر القرآن الكريم في ذكره للحكمة من القصاص أنها وسيلة لردع المجرم حتى لا يرتكب قاتل آخر ما فعله الأول، وبذلك يأمن الناس من الاعتداء عليهم.

      قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة: ١٧٩].

    3. الأمن الغذائي.

      والقرآن الكريم يمن على قريش بأنهم يتمتعون بعيش آمن من خلال حصولهم على احتياجاتهم اليومية الغذائية دون خوف من أحد.

      قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [قريش: ١ -٤].

    4. الأمن النفسي والشخصي.

      كل فرد في المجتمع بحاجة للاطمئنان على عيشه وتأمين حياته، كي يكون في حالة توازن وتوافق، والقرآن الكريم يشير إلى هذا النوع من الأمن بقوله : (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ) [البقرة: ٢٨٣].

      أهمية الأمن وكونها إحدى المقاصد في القرآن:

      عند ذكرنا لأنواع الأمن في القرآن تبين لنا أهمية الأمن، ولتأكيدها فقد عد الأمن من أهم المقاصد في القرآن «فالله سبحانه وهب الإنسان نعمة الحياة، جعل حياطتها وحفظها كلًا وجزءًا مادةً ومعنىً في طليعة الأهداف التي أبرزها دينه الخالد ، وبعث بها رسله الأكرمين، ولذلك قرر لها من الحقوق والواجبات ما يحفظ لها ضروراتها الخمس المتمثلة في الدين والعقل والنفس والمال والعرض، ويكفل لها طمأنينتها ورخاءها»64.

      فتحقيق الأمن مقصد من مقاصد الشريعة، يقول صاحب كتاب المقاصد في المناسك عند ذكره المقاصد الاجتماعية: «المقصد الأول: الأمن على النفس والمال والعرض، مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسٍلامية له أعظم الاعتبار ليس في شعيرة الحج فحسب ، بل في كل أمر من أمور الحياة التعبدية والمعاملات والعادات وجميع أنواع الحياة البدوية والحضرية ... يعطي الشرع الشريف أهميةً كبيرةً على الحرص على الأمن على هذه المحاور الثلاثة في الاعتقادات والعبادات والمعاملات وفي كل أمور الحياة»65.

      وفي أثر الأمن على طلب العلم والعمل، يقول أبو حامد الغزالي: «لذا يجب أن نعلم أنه لا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن، وإلا فمن كان جميع أوقاته مستغرقًا بحراسة نفسه من الظلمة وطلب قوته من وجوه الغلبة، متى يتفرغ للعلم والعمل، وهما وسيلتاه إلى سعادة الآخرة»66.

      رابعًا: معاداة الشيطان وعدم اتباع خطواته:

      «الشيطان أو إبليس هو الجان الذي أبى السجود لآدم حين خلقه الله فاستحق لعنته، وطرد من جنته، ووجبت له النار بعد إنظار الله له إلى يوم القيامة، وأوتي من وسائل الإغواء ما لم يؤت أحد من العالمين»67.

      وقد ذكر في القرآن الكريم في آيات كثيرة عداوة الشيطان لآدم وذريته، ومحاولته إغوائهم وصدهم عن السبيل وهدم مجتمعهم وتفكيكهم.

    1. خطوات الشيطان في القرآن.

      المراد بخطوات الشيطان : «المراحل الشيطانية الموقعة في المعصية بدءًا ببواعث تلك المعصية ودواعيها في النفس، ثم مرورًا بارتكابها واكتساب الإثم، ثم انتهاءًا بكون تلك المعصية مفتاحًا لما يتلوها من معاص تنتهي إلى غاية الشيطان الكبرى ، وهي إيقاع الناس في الكفر والموت على ذلك»68.

      وقد وردت في القرآن عبارة (خطوات الشيطان) أربع مرات، وهي:

      قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة: ١٦٨].

      جاء في تفسيره «لا تتبعوا سبيله ولا تسلكوا طريقه ، لأن الخطوة اسم مكان، وهذا قول الزجاج وابن قتيبة، فإنهما قالا: خطوات الشيطان طرفه، وإن جعلت الخطوة بمعنى الخطوة كما ذكره الجبائي، فالتقدير: لا تأتموا به ولا تقفوا أثره ، والمعنيان مقاربان»69.

      قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [البقرة: ٢٠٨].

      يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر: «أمرهم بالعمل بجميع شعب الإيمان وشرائع الإسلام ما استطاعوا، ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان، فالذي يدخل في الإسلام مبتعد عن الشيطان وخطواته، والذي يترك شيئًا من الإسلام فقد اتبع بعض خطوات الشيطان، ولذلك كان تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله، أو الأكل من المحرمات والخبائث»70.

      وقال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأنعام: ١٤٢].

      يقول الألوسي: «معنى الآية استحلوا الأكل مما أعطاكم الله تعالى ، ولا تتبعوا في أمر التحليل والتحريم بتقليد أسلافكم المجازفين في ذلك من تلقاء أنفسهم المفترين على الله سبحانه خطوات الشيطان ، أي : طرقه فإن ذلك منهم بإغوائه واستتباعه إياهم ، إنه لكم عدو مبين أي ظاهر العداوة»71.

      قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ) [النور: ٢١].

      «والفحشاء كل فعل أو قول قبيح، والمنكر ما تنكره الشريعة وينكره أهل الخير»72.

      فمن وقع في الفحشاء والمنكر فقد اتبع خطوات الشيطان.

    2. مداخل الشيطان.

      الشيطان له غاية كبيرة وهي تمزيق المجتمع وتفكيكه، وللوصول لغايته يستخدم وسائل عدة، وقد ذكرها القرآن الكريم لنحذرها حتى ننعم بالسلم والأمان، فهو يأمر بالسوء والفحشاء، كما قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [البقرة: ١٦٩].

      قال الطبري: «والسوء الإثم، والفحشاء وهي كل ما استفحش ذكره، وقبح مسموعه»73.

      وهو ينزغ بين الناس ليفرق بينهم، لذلك يأمرنا الله سبحانه بالقول الأحسن حتى نتجنب نزعات الشيطان.

      قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ) [الإسراء: ٥٣].

      قال الطبري: «إن الشيطان يسوء محاورة بعضهم بعضًا ينزغ بينهم، يقول: يفسد بينهم، يهيج بينهم الشر» 74.

      ويخوفهم بالفقر وحثهم على عدم الإنفاق، وبذلك يحدث ثغرةً في بناء المجتمع، ويبعد الأغنياء عن الفقراء.

      قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة: ٢٦٨].

      قال البيضاوي: «الشّيطان يعدكم الفقر في الإنفاق، والوعد في الأصل شائع في الخير والشر، ويأمركم بالفحشاء ويغريكم على البخل»75.

      ويوسوس إلى أوليائه بمجادلة الناس والإكثار من ذلك ليشغلهم عن ظهور الحق.

      قال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ)[الأنعام: ١٢١].

      قال الفيومي في معنى المجادلة: «وجادل مجادلة وجدالًا إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب ، هذا أصله ثم استعمل على لسان حملة الشرع في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها ، وهو محمود إن كان للوقوف على الحق وإلا فمذموم»76.

      وتأثير الجدل في هدم المجتمع واضح بين في تفكيك رباط المجتمع وزرع الحقد بينهم.

      «والغضب مدخل من مداخل الشيطان، إذ به تحدث الجرائم وتتفكك الأسر ويضعف الإيمان وتضعف رابطة الأخوة، فهو شر تنبع منه شرورًا كثيرة»77.

      من أساليب القرآن في الحديث عن السّلم

      استخدم القرآن الكريم أسلوبين أساسيين وهما:

      أولًا: أسلوب الأمر:

      استخدم القرآن الكريم أسلوب الأمر بصيغ مختلفة تنطوي على أساليب بلاغية غاية في الروعة، لا تجاريها أسلوب بياني من غير القرآن الكريم الذي أنزله رب العزة، ومن هذه الصيغ المتعلقة بالآيات الواردة في السلم وما يتعلق بها:

      ١. فعل الأمر.

      قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [البقرة: ٢٠٨].

      قال الشيخ الطاهر بن عاشور: «صيغة الأمر في (ادخلوا) من أن حقيقتها طلب تحصيل فعل لم يكن حاصلًا أو كان مفرطًا في بعضه»78.

      فهنا أسلوب الأمر الحقيقي، باستخدام صيغة فعل الأمر (ادخلوا)، «والأصل في الأمر أن يراد به الحقيقة، بأن يكون لطلب الفعل على سبيل الاستعلاء والإيجاب، وذلك بأداء ما تضمنه الأمر حقًّا من غير تأويل بمعنى ثانوي»79.

      ٢. المضارع المجزوم بلام الأمر.

      قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [قريش: ٣].

      يقول أبو حيان: «أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلة»80.

      فصيغة الأمر هنا قوله () وهو عبارة عن لام الأمر داخلة على الفعل المضارع يعبد.

      ٣. الإخبار بأن ترك الفعل كفر أو ظلم أو فسق.

      مثل قوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النساء:٦٥].

      يقول الرازي: «(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) قسم من الله تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفة الإيمان إلا عند حصول شرائط، أولها: قوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) وهذا يدل على أن من لم يرض بحكم الرسول لا يكون مؤمنًا»81.

      فهنا الأمر للوجوب كما ذكرنا من قبل.

      ٤. أسلوب الدعاء.

      قال تعالى في دعاء إبراهيم عليه السلام أن ينعم على مكة بالأمن والأمان والسلام، ويرزقهم من أنواع الثمرات: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ)[البقرة: ١٢٦].

      وأسلوب الأمر هنا مجازي يسمى الدعاء، مستعملًا فعل الأمر (). «إبراهيم الأواه الحليم القانت المستقيم، يتأدب بالأدب الذي علمه ربه، فيراعيه في طلبه ودعائه»82.

      ٥. أسلوب الأمر في سياق النهي، وتفيد معنى الأمر.

      قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ) [النساء:٩٠].

      قال ابن عاشور: «ولذلك أمر المؤمنين بكف أيديهم عن هؤلاء إن اعتزلوهم ولم يقاتلوهم»83.

      وهذا الأسلوب وارد في اللغة العربية «فقد ترد صيغة الأمر في سياق النهي، والعكس في عدد من الآيات، ونحن نعلم أن النهي أمر في عدم الفعل، وهو في حقيقته أمر، إلا أنه ورد بأسلوب آخر.»84.

      ٦. الأمر على سبيل الاستفهام.

      وهو أمر غير صريح، قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)[المائدة: ٩١].

      وهذا الأمر من أبلغ أنواع الأمر، يقول الدكتور سعود بن غازي أبوتاكي:«والأمر عن طريق الاستفهام له دلالة تزيد عن الأمر بصيغه الصريحة، ومنها:

      • الأمر عن طريق الاستفهام أولى بالقبول والإستجابة لما فيه من تلطف في الطلب.
      • الأمر في الاستفهام، فيه مبالغة في الطلب.
      • الأمر عن طريق الاستفهام يعطي ثباتًا للمعنى وتأكيدًا».85

        ٧. الأمر في صورة المصدر.

        قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة: ١٧٨].

        فكلمة () هنا مصدر أناب معنى فعل الأمر (فاتبع).

        يقول أحد الباحثين: «فسياق الآية الترغيب في المصالحة في الدماء، وذلك أمر عظيم لا تكاد تذل النفس العربية إليه سريعًا، ومعالجتها له جد عظيمة، فلا تكاد صيغة (افعل) أو (لتفعل) قائمةً فيه بما يراد فعدل عن قوله (فليتبعه) و(فليؤده) إلى اتباع وأداء، مقام فعلي الأمر، فإن في هذا العدول إلى المصدر دلالة على الثبات»86.

        ومن المعلوم أثر العفو عن القاتل في تمتين العلاقة بينه وبين أولياء المقتول، وذهاب الشحناء والبغضاء بينهما وبالتالي تقوية أواصر المحبة والسلم الاجتماعي.

        ثانيًا: أسلوب النهي:

        استخدم القرآن الكريم أسلوب النهي في حديثه عن السلم وضرورة قيامه في المجتمع. ومن هذه الأساليب المتعلقة بالآيات الواردة في السلم وما يتعلق بها:

        ١. لا الناهية مع الفعل المضارع.

        وهذه الصيغة هي حقيقة في التحريم، بمعنى أنها تفيد تحريم الفعل المنهي عنه.

        قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ) [النساء: ٩٤].

        فصيغة النهي في الآية صريح وهي: لا الناهية الداخلة على الفعل المضارع ()، ومعنى النهي للتحريم لتحذيره من قتل المؤمن.

        قال أبو السعود العمادي: «نهيٌ عما هو نتيجةٌ لترك المأمور به وتعيينٌ لمادّة مهمّةٍ من الموادّ التي يجب فيها التبيين»87.

        وقال ابن عاشور: «استقصاء للتحذير من قتل المؤمن بذكر أحوال قد يتساهل فيها وتعرض فيها شبه»88.

        فقد استخدم القرآن الكريم هذه الصيغة ليحذر من قتل المؤمن، وقتله بغير حق يؤدي إلى تعكير السلم والأمن في المجتمع.

        ٢. الاستفهام الإنكاري أو التعجبي مقرونًا بالتهديد على الفعل.

        قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ) [الملك: ١٦].

        يقول الطاهر بن عاشور في معنى الآية: «انتقال من الاستدلال إلى التخويف؛ لأنه لما تقرر أنه خالق الأرض ومذللها للناس، وتقرر أنهم ما رعوا خالقها حق رعايته، فقد استحقوا غضبه وتسليط عقابه بأن يصير مشيهم في مناكب الأرض إلى تجلجل في طبقات الأرض ، فالجملة معترضة والاستفهام إنكار وتوبيخ وتحذير»89.

        ٣. كلمات اجتنبوا واتركوا التي تدل على طلب ترك الفعل.

        قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ)[الحجرات: ١٢].

        قال أبو حيان: «اجتنبوا كثيرًا من الظن: أي: لا تعملوا على حسبه، وأمر تعالى باجتنابه، لئلا يجترىء أحد على ظن إلا بعد نظر وتأمل وتمييز بين حقه وباطله » 90 .

        فهنا أسلوب النهي باستخدام كلمة تدل على ترك الفعل. ويدل على تحريم الظن أحاديث كثيرة منها:

        عن أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا وكونوا إخوانًا، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك)91.

        ٤. ما اشتق من كلمة النهي يفيد عموم الترك.

        وهو أعم من أن يكون حرامًا أو مكروهًا. وهي من أبلغ ما ينتهي به كما يقول الرازي92.

        قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)[المائدة:٩١].

        فكلمة () مشتق من كلمة (نهى)، والتي تدل على النهي الحقيقي، فالخمر والميسر منهي عنه نهيًا حقيقيًّا لكونه يفضي شربه إلى هدم المجتمع وتهديد للأمن والاستقرار، وقد استخدم هذا الأسلوب في الحديث النبوي بكثرة، منها: عن جابر بن عبد الله، قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض، وعن بيعها السنين، وعن بيع الثمر حتى يطيب)93.

        ٥. الخبر المعرب عن النهي.

        وقد يقع النهي بالجملة الإنشائية، وهو أبلغ في النهي، وهذا كثير في القرآن.

        قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ) [النساء: ٨٣].

        والآية واردة في النهي عن نشر الإشاعة في حالتي السلم والحرب.

        قال الشيخ محمد رشيد رضا: «فخوض العامة في السياسة وأمور الحرب والسلم، والأمن والخوف، أمر معتاد وهو ضار جدًّا إذا شغلوا به عن عملهم، ويكون ضرره أشد إذا وقفوا على أسرار ذلك وأذاعوا به»94.

        يقول الدكتور محمود توفيق محمد سعد: «جمهور أهل العلم على أن الخبر المنفي قد يرد في سياق فيفيد النهي عما دخلت عليه أداة النفي أو لازم ما دخلت عليه، فلا يكون النفي على ظاهره»95.

        ٦. العرض والتحضيض المراد به النهي.

        قال تعالى مذممًا الذين يطففون في الكيل والوزن وينشرون الغش والخداع في المجتمع، فتشيع البغضاء والحقد بين أفراده (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [المطففين: ١-٥].

        يقول الزمخشري مبينًا موضع النهي الوارد في الآية: «إنكار وتعجيب عظيم من حالهم في الاجتراء على التطفيف، كأنهم لا يحظرون ببالهم ولا يخمنون تخمينًا، ومحاسبون على مقدار الذرّة والخردلة.. وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظن، ووصف اليوم بالعظم، وقيام الناس فيه لله خاضعين، ووصفه ذاته برب العالمين: بيان بليغ لعظم الذنب وتفاقم الإثم في التطفيف وفيما كان في مثل حاله من الحيف وترك القيام بالقسط، والعمل على السوية والعدل في كل أخذ وإعطاء، بل في كل قول وعمل»96.

        فكلمة () فيه معنى التحضيض المعرب عن معنى النهي.

        قواعد السّلم مع غير المسلمين

        أرسى القرآن الكريم في علاقة المسلم بغيره عدة قواعد ومبادئ، يرجع إليها المسلم في بناء علاقته مع الغير، وقد سار الرسول الكريم والصحابة على هذه القواعد والمبادئ العامة، وسوف أتناول ذلك بالبيان فيما يلي:

        أولًا: مبادئ وحدة الإنسانية والتكاليف والدين والمصير:

        ١. الوحدة الإنسانية.

        صرح القرآن الكريم في آيات كثيرة بهذه الوحدة، وهي أن الناس جميعًا أمة واحدة، وأن الاختلاف عارض منشؤه الهوى، فكل الناس سواء في الحقوق بغض النظر عن اختلاف اللون والقومية والجنس، ولا محل لنظرية الشعب المختار.

        قال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ)[الحجرات: ١٣].

        قال السعدي: «يخبر تعالى أنه خلق بني آدم من أصل واحد وجنس واحد، وكلهم من ذكر وأنثى، ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء، ولكن الله تعالى بث منهما رجالًا كثيرًا ونساءًا، وفرقهم وجعلهم شعوبًا وقبائل، أي: قبائل صغارًا وكبارًا، وذلك لأجل أن يتعارفوا»97.

        وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [النساء: ١].

        «فالآية تصرح بأن بأن الأصل واحد، فقد خلق الله الناس جميعًا من نفس واحدة وخلق من هذه النفس زوجها، وتولد الناس من هذين الأبوين الكريمين»98.

        ٢. وحدة التكاليف.

        تتجه أوامر القرآن ونواهيه إلى كل الناس دون تفرقة بينهم، فأوامر القرآن الكريم يطالب بها كل الأجناس والطوائف من عرب وعجم وذكر وأنثى وأبيض وأسود، ورئيس ومرؤوس وغني وفقير.

        يقول الله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النساء: ١٢٣].

        وقد خاطب الله سبحانه جميع البشر وأمرهم بالتقوى، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [النساء: ١].

        وعبارة (ﭑ ﭒ) وردت كثيرًا في القرآن الكريم والمخاطب بها بني آدم كلهم. فالجميع على مستوى من المسؤولية أمام الله، وأمام المجتمع.

        ٣. وحدة الدين.

        القرآن الكريم آخر الكتب السماوية وخاتمها، فكل كتاب سماوي سابق كانت مناسبةً للزمان والمكان الذي أرسلت فيه، وتلتقي الرسالات السماوية جميعًا في الأسس العامة، أما التفصيلات فإنها تختلف باختلاف ظروف كل شريعة، وفقًا للزمان والمكان الذي ظهرت فيه، والإسلام هو دين الأنبياء جميعًا، منذ وجد الإنسان على وجه الأرض.

        يقول تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ) [الشورى: ١٣].

        يقول سيد قطب: «وبذلك يقرر حقيقة الأصل الواحد، والنشأة الضاربة في أصول الزمان»99.

        وهذا الشعور بالقربى يدعو إلى التعاون والتفاهم وإرساء السلام العميق، فالأصول الكلية واحدة والدين لدى الأنبياء كلهم هو الإسلام.

        ٤. وحدة المصير.

        والمراد بها «عرض جميع الخلائق على ربهم في عالم الآخرة، مما يقتضيهم التزام أمر الله، واجتناب نهيه، فتحقق لهم السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة، ولا داعي بعدئذ للتفرق والاختلاف في الدين»100.

        فالبشرية مصيرهم واحد في أطوار حياتهم وفي نهايتهم.

        يقول تبارك وتعالى: ( ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الحج: ٥].

        وهذا الشعور بوحدة المصير تدفع المسلم إلى بناء علاقة سليمة مع غيره.

        ثانيًا: القواعد والمبادئ التي على أساسها يتعامل المسلم مع غيره:

        ١. مبدأ التعاون الانساني.

        التعاون مبدأ عام قرره القرآن الكريم، فقد حث على التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان بقوله: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ) [المائدة: ٢].

        يقول ابن عاشور: «فهم وإن كانوا كفارًا يعاونون على ما هو بر؛ لأن البر يهدي للتقوى، فلعل تكرر فعله يقربهم من الإسلام»101.

        وانتماؤهم إلى أصل واحد أدعى إلى التعاون والتعارف، والتعارف لا يكون إلا بالتفاعل الإيجابي.

        يقول ربنا سبحانه وتعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ) [الحجرات: ١٣].

        وهذا الأساس هو ما يتعامل به مع الناس فتكمل إيمانهم ويدخلون به ملكوت السماوات، وأساس هذا التعاون أن يتظافروا على دفع الاعتداء وإقامة الحق، أو ما يسمى بالتعايش السلمي، وهذا التعاون مطلوب في كل صوره حتى تختفي روح التناحر والنزاع.

        ٢. مبدأ الحرية.

        الحرية مبدأ قرآني قرره في آيات عدة كمبدأ للتعامل والتعايش بين المسلم وغيره.«والحرية الحقيقية تبدأ بتحرير النفس من سيطرة الأهواء والشهوات، وجعلها خاضعة لسلطان العقل والإيمان»102.

        قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ)[آل عمران: ٦٤].

        وقد نص القرآن الكريم على حرية العقيدة باعتبار أنها لا تبنى بالإكراه والقوة، قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ) [البقرة: ٢٥٦].

        فمنع أن يكون الإكراه طريقًا للدين ، ومنع المؤمنين من أن يكرهوا أحدًا على الدين.

        ٣. مبدأ العدل.

        وقد جاء الإسلام لتحقيق الحق وإبطال الباطل وإقامة العدل مع الجميع الصديق والعدو.

        قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)[المائدة: ٨].

        فالعدل حق للأعداء كما هي للأولياء، والقرآن الكريم لم يعمم الحكم على الجميع بل أعطى لكل حقه، فقال عزو وجل: (ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [آل عمران: ١١٣].

        يقول الطبري: «يعني بذلك: أنهم غير متساوين. يقول: ليسوا متعادلين، ولكنهم متفاوتون في الصلاح والفساد، والخير والشر»103.

        والعدالة شاملة للجميع، فلا تمييز بسبب دين أو لون أو عرق. ولإقامة العدل أثر كبير في بناء العلاقات السليمة البعيدة عن الحقد والكراهية والنزاعات.

        ٤. مبدأ الوفاء بالعهد.

        والوفاء بالعهد خلق رفيع، سمي بذلك «لما فيه من بلوغ تمام الكمال في تنفيذ كل ما عاهد عليه الله، وفي كل ما عاهد عليه الناس»104.

        قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ) [المائدة: ١].

        وقال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الإسراء: ٣٤].

        والوفاء بالعهد هو السبيل لاستقرار السلام بين الأفراد أو بين الجماعات، ولذلك حث القرآن على الوفاء واعتبرها قوة والنكث فيها ضعفًا، فمن وثق عهده باليمين فقد اتخذ الله كفيلًا، فلا يصح له الغدر والغش.

        قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)[النحل: ٩١].

        والقرآن الكريم لا يكتفي بمجرد الدعوة إلى الوفاء بالعهد، بل يجعلها من المباديء السامية والقواعد الأساسية لإرساء السلم والسلام مع الغير105.

        ٥. مبدأ الفضيلة.

        وهي من الأسس المهمة التي أكد عليها القرآن في تنظيم العلاقة بين الأفراد أو بين الجماعات في حالتي السلم والحرب. والفضيلة حق لكل إنسان بحكم إنسانيته والتي هي وصف مشترك بين كل أبناء آدم. وهي من المباديء الإسلامية السامية، لما فيها من محافظة على قيمه الرفيعة، ودعوة إلى إقامة مجتمع فاضل يستطيع النهوض بأعبائه.

        ومراعاة للفضيلة فقد نهى عن التمثيل بالقتلى والتشويه بأجسادهم، وقتل الأطفال والشيوخ والنساء، ونهى عن التعذيب، حتى لو فعل الغير ذلك. ولا تقتل الأسير ولا يتم تجويعهم.

        قال تعالى: ( ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة: ١٩٤].

        وقد ذكر الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره تلك الأمور فقال: «أي: الذين هم مستعدون لقتالكم، وهم المكلفون الرجال، غير الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال. والنهي عن الاعتداء، يشمل أنواع الاعتداء كلها، من قتل من لا يقاتل من النساء والمجانين والأطفال والرهبان ونحوهم، والتمثيل بالقتلى، وقتل الحيوانات، وقطع الأشجار ونحوها، لغير مصلحة تعود للمسلمين. ومن الاعتداء : مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها، فإن ذلك لا يجوز»106. وبمراعاة تلك الأسس الأخلاقية في الحروب تميز المسلمون عن غيرهم.

        ٦. مبدأ التسامح.

        بتتبعنا لآيات القرآن الكريم لم نجد لفظة التسامح ومشتقاتها.

        بل وردت لفظة الصفح والعفو، قال تعالى: (ﮤﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)[البقرة: ١٠٩].

        وكظم الغيظ، قال تعالى: (ﭣ ﭤ)[آل عمران: ١٣٤].

        والصبر، قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ) [الشورى: ٤٣].

        ويهدف القرآن في إرساء هذا المبدأ في المجتمع إلى الدعوة للدخول في الإسلام، ونشر روح المحبة والسلام والوئام في المجتمع ونبذ التفرقة والاختلاف فيه.

        ويتمثل تسامح القرآن مع مخالفيه في:

      • عدم إكراه أحد على الدخول في الدين ابتداءًا، قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ) [البقرة: ٢٥٦].
      • إتاحة الفرصة للغير بإبداء آراءه شريطة عدم المساس بثوابت الدين وأمن المجتمع، وله أن يستخدم الأدلة والبرهان لإقناع الناس، قال تعالى(ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النحل: ١٢٥]107.
      • الترفق بغير المسلمين في الخطاب والنداء، فقد ورد في كثير من الآيات: (ﭫ ﭬ) [آل عمران: ٦٤].

        أثر السلم على الفرد والمجتمع

        للسلم أثر كبير وهام في حياة الفرد والمجتمع، سنتحدث عنها في النقاط الآتية:

        أولًا: أثر السلم على الفرد:

        للسلم أثر كبير في حياة الفرد، منها:

    3. حصول الاطمئنان النفسي وراحة البال، والانسجام بين الإنسان ونفسه وضميره.

      والطمأنينة هي «الوثوق بالشيء أو سكون يقويه أمن صحيح شبيه بالعيان، وهي سكون نفس في استراحة عيان» 108.

      فهي نفي الخوف والفزع عن الإنسان فردًا أو جماعةً، فالسلم يحقق راحة البال. وإلى هذا المعنى أشار الماوردي بقوله: «صلاح المرء وانتظامها في الدنيا بستة أشياء: أمن عام تطمئن إليه النفوس»109.

      قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[الأنفال: ١١].

      يقول ولديورانت: «إن الحضارة تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق؛ لأنه إذا ما أمن الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ، لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهض للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها»110.

      وفي السلم تحصل للنفس حالة التوافق الشخصي أي الرضا عن النفس، والتوافق الاجتماعي، ويحصل للمرء حالة من السعادة والراحة النفسية، لشعوره بالأمن والطمأنينة والثقة، ويشعر كذلك بالسعادة مع الآخرين، لما في علاقته معهم من الحب والاحترام والثقة المتبادلة بينهم، بسبب التكافل الاجتماعي.

    4. توفر الصحة والعافية للفرد، ببعده عن الصراعات والحروب، وسلامته من العاهات والآفات الظاهرة والباطنة.

      قال تعالى على لسان ملكة سبأ موضحًا أثر الحروب على المجتمعات وتدميرها: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ) [النمل: ٣٤].

      يقول القاسمي: «إن الملوك إذا دخلوا قريةً أي عنوةً وقهرًا أفسدوها أي أخربوها وجعلوا أعزة أهلها أذلةً أي بالقهر والغلبة والقتل والأسر ونهب الأموال، وكذلك يفعلون تأكيد لما وصفت من حالهم، وتقرير له بأن ذلك عادتهم المستمرة»111.

      ومن آثارها المجاعات والإعاقات بشتى أنواعها والموت والجرحى والدمار في الممتلكات والأمراض، وتشريد اللاجئين في البلدان المستسلمة بسبب الصراع.

      ومن أخطار الحروب : الأسلحة الفتاكة التي اكتشفها العلم ودفعت بأيدي البشرية، مما يوجب استعمالها في الحرب نسف الحضارة، من غير فرق بين الحروب المحدودة والحرب العالمية.. وفي حرب العراق مع إيران قدر مجموع القتلى والجرحى من الطرفين بمئات الألوف، كما أن حرب الروس لأفغانستان خلفت أكثر من مليون قتيل وجريح، بالإضافة إلى أربعة ملايين مشرد، والحرب بالإضافة إلى الهلاك والتدمير، تخلف مشوهي الحرب، والجرحى الذين يتألمون طول حياتهم من ويلاتها، فإن الأسلحة الفتاكة توجب مختلف الأمراض والتشويهات في الإنسان والحيوان والنبات، وقد جاء في تقرير: أن روسيا اشترت خمسة وعشرين مليون عضوًا كاليد والرجل والعين الصناعية، لأجل المشوهين، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، هذا بالإضافة إلى أن الحرب تذر الديار بلاقع، لا تصلح لإنبات النبات إلى آماد بعيدة.

      تلك هي حالة الناس في الحروب، والأمور تعرف بأضدادها، فالسلم يجنب الناس مآسي الحروب وويلاتها.

    5. تنشئة الفرد تنشئة صحيحة في حالة السلم.

      الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع، وهي نواته، ومنها تخرج الأجيال إلى المجتمع، فإذا ساد فيها السلم والوئام، كانت النتيجة تربية أناس أكفاء. وبوجود التنازع والشقاق في المؤسسة ينعكس ذلك على تربية الأفراد الموجودين فيها.

      يقول تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الروم: ٢١].

      يقول الشيخ المراغي: «من آياته الدالة على البعث والإعادة: أن خلق لكم أزواجًا من جنسكم لتأنسوا بها، وجعل بينكم المودة والرحمة لتدوم الحياة المنزلية على أتم نظام»112.

      يتعاون الزوجان على بناء الأسرة وتحمل المسؤولية، فكل منهما يكمل الآخر، وبهذا التعاون يصلان إلى أفضل النتائج في تربية الأولاد في ظل المحبة والسلام والاستقرار، لأن من أهم عوامل نجاح التربية وجود بيئة صالحة خالية من النزاعات، يقول الدكتور عبدالرحمن المحلاوي: «إذا اجتمع الزوجان على أساس من الرحمة، والاطمئنان النفسي المتبادل، فحينئذ يتربى الناشئ في جو سعيد يهبه الثقة، والاطمئنان والعطف والمودة بعيدًا عن القلق وعن العقد والأمراض النفسية التي تضعف شخصيته»113.

      ولهذا يأمر القرآن الكريم أهل الزوجين بالسرعة في إيجاد الحل لمشاكل الأسرة عند وجود شقاق ونفرة بين الزوجين، فقال: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النساء: ٣٥].

      ثانيًا: أثر السلم على المجتمع:

    1. السلم وعلاقته بعمران المجتمع، تقدم ورقي المجتمع والتنمية المستدامة في المجتمع.

      فإذا شعر الإنسان أن السلم والعدل قد شمل الكل، أدى ذلك إلى إقباله على العمل بجدية، وبذلك تكثر الأموال والخيرات، ولكن حينما يرى الاعتداء على الناس ولا يحس بالأمن، يحجم عن مزاولة الأعمال.

      نلاحظ أن الشريعة الإسلامية تربط ربطًا وثيقًا بين أهداف الإنتاج وتنميته وبين عدالة التوزيع بين الأفراد وعدم الطغيان.

      قال تعالى:(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الإسراء: ١٦].

      قال سيد قطب: «فالآية تقرر سنة الله، لقرية انها هالكة لأنها أخذت بأسباب الهلاك، فكثر فيها المترفون الذين نشروا الفاحشة واستهترت بالقيم والمقدسات والكرامات فلم تدافعهم ولم تضرب على أيديهم، فهي مسؤولة عما يجري لها على أيدي المترفين.»114.

      فكلما زاد الإحساس بالأمن لدى المجاميع الواسعة في أفراد الشعب من ناحية، كلما زادت مساحة العدل المتحققة في صوره المتعددة من ناحية ثانية، كل ما زاد التقدم الحضاري في ذلك المجتمع. «فالسلم هو المرتكز الأساس لكل عوامل البناء والتنمية، وتحقيق النهضة الشاملة في كافة المجالات. ولهذا ذكره الله إلى جانب الغذاء، فقال ممتنًا على أهل مكة: أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. بل قدمه على الغذاء، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف»115.

      يقول الدكتور محسن عبدالحميد: «بناء العلاقات على أساس السلم ستساعد كثيرًا على تنمية الحياة والمجتمع وإنجاح خطط التقدم الحضاري والاستفادة القصوى من الأمم المتقدمة، لأجل التغيير والبناء والتعويض عما فات من الخير»116.

      والتنازع والتخاصم يؤدي إلى انتكاسة في الاقتصاد، لأن الأموال تنفق في وجوه غير مشروعة من شراء السلاح، ودفع التعويضات للمتضررين. أما السلم فيحقق للمجتمع عمارتها وازدهارها، ويسرع تقدم عجلة التنمية.

    2. حصول العدالة والمساواة في المجتمع في حالة السلم، وعدم استئثار فئة على حقوق الآخرين، ويحصل بذلك الاتفاق والتراضي.

      والمراد بالمساواة : «تشابه المكانة الاجتماعية والحقوقية والمسئوليات والفرص للناس في المجتمع على النحو الذي تقوم فيه الحالة المتماثلة فيما بينهم»117.

      وبناءً على هذه الصورة للمساواة فالحكام والمحكومون والراعي والرعية متساوون في نظر الشريعة الإسلامية من جهة الحقوق والواجبات الإنسانية، فلا امتياز من حيث الأصل والمنشأ، إنما التفاوت بحسب القدرة والكفاءة والطموح والإبداع والتفوق.

      ومن المباديء التي على أساسها تم السلم في المجتمع: الأخوة والمحبة بين الناس، لذلك أمر الله سبحانه بتوزيع الثروة بالعدل والمساواة، وهذا لا يتم إلا في أجواء الحب والإخاء والمحبة بين الناس.

      قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ) [الحشر: ٧-٨].

      فالآية ترفض كل من ينادي بتغذية الصراع بين الأغنياء والفقراء، أو بين الطبقات بعضها مع بعض.

    3. الانسجام الاجتماعي بسبب التكافل والتضامن.

      قال الماوردي رحمه الله: «العدل الشامل يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطاعة وتعمر البلاد، وتنمو به الأموال ويكثر معه النسل ويأمن به السلطان، فليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق، من الجور ؛ لأنه ليس يقف على حد ولا ينتهي إلى غاية، ولكل منه قسط من الفساد حتى يستكمل»118.

      فالسلم يدعو إلى الألفة ويبعث على الطاعة وتعمر البلاد ، وما أجمل ذلك المشهد لتلك الأمة الجادة في عملها، قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [هود:١١٧].

      يقول الرازي: «والمعنى أنه تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم. والحاصل أن عذاب الاستئصال لا ينزل لأجل كون القوم معتقدين للشرك والكفر، بل إنما ينزل ذلك العذاب إذا أساؤا في المعاملات وسعوا في الإيذاء والظلم»119.

      فلا يهلك الله أهل القرى بمجرد كونهم مشركين إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم، وعذاب الاستئصال لا ينزل لأجل كون القوم مشركين فقط، بل إنما ينزل ذلك العذاب إذا أساؤوا في المعاملات وسعوا في الإيذاء والظلم، وهذا ما حدث في قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب لما حكى الله تعالى عنهم من إيذاء الناس.

    4. السلم والحرية وأثره في انتشار الدعوة الإسلامية.

      من الآثار الهامة في السلم وجود حالة من الحرية تسمح للناس أن تسمع كلام الآخرين ومناقشتها وقبولها، وهذه الحالة لا توجد في الحرب والصراع. «إن حرية الإنسان في الرؤية الإسلامية هي فريضة اجتماعية وتكليف إلهي، تتأسس عليها أمانة المسؤولية ورسالة الاستخلاف، التي هي جماع المقاصد الإلهية في خلق الإنسان.

      وفي الاصطلاح الإسلامي: الحرية ضد العبودية، والحر نقيض العبد والرق، وتحرير الرقبة عتقها من الرق والعبودية، فالحرية هي الإباحة التي تمكن الإنسان من الفعل المعبر عن إرادته في أي ميدان من ميادين الفعل أو الترك، وبأي لون من ألوان التعبير»120.

      وفي السلم يتمتع الناس بحرياتهم من غير ضغوط أو إكراه، ولذلك سمى الله سبحانه حالة السلم والهدنة مع قريش بالفتح بقوله : (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الفتح: ١-٣].

      يقول الزهري: «وما فتح في الإسلام فتح كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس؛ فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب، وأمن الناس كلهم بعضهم بعضًا، فالتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه ، فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل من كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر»121.

      فقد وضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس بعضهم بعضًا، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة. وهذه هي حالة السلم في كل العصور، تتلاقى فيها الأفكار والمباديء ويسمع الناس كل مة الحق بحرية ودون إكراه.

    5. دفع المفسدة وقمع الشرور، وقلة الجرائم المرتكبة في المجتمع.

      ففي السلم حقن الدماء التي قد تراق بين المتنازعين، وحماية للنفس البشرية التي حرم الله الاعتداء عليها وقتلها إلا بالحق.

      قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ) [الإسراء: ٣٣].

      يقول سيد قطب: «والإسلام دين الحياة ودين السلام، فقتل النفس عنده كبيرة تلي الشرك بالله، فالله واهب الحياة، وليس لأحد غير الله أن يسلبها إلا بإذنه وفي الحدود التي يرسمها»122.

      ولتحقيق السلم شرع القصاص في القتلى ووصف بالحياة، وكذلك مبدأ العفو في القصاص له أثر في الحد من الجريمة وتقليلها.

      ففي موضوع أثر العفو في التقليل من الجرائم يقول محمد أبو ركاب: «فشرعية القصاص فيها حياة لنفوس كثيرة، وفتح باب أخذ رأي أولي الدم يفتح بابًا للحياة وبابًا لسد المشكلات ونشر الأمن والاستقرار»123.

      فالمجتمع الآمن هو الذي يأمن الناس فيه على النفس والعرض والممتلكات؛ لأن وجود الأمن والسلم في المجتمع يؤدي إلى الحد من ارتكاب الجريمة، بل كفيل بمنعها نهائيًّا، وتجربة سيدنا عمر بن عبدالعزيز خير دليل على ما ذكرنا، حيث لم يرتكب الجريمة في عهده إطلاقًا124.

      السّلم بين القرآن و المواثيق الدولية

      أولًا: مفهوم السلم بين الفكر الإسلامي والمواثيق الدولية:

      ١. مفهوم السلم في الفكر الإسلامي.

      الفكر الإسلامي هو الفكر الذي ينطلق من الكتاب والسنة الصحيحة.

      وقد بين علماؤنا الكرام من مفسرين وفقهاء ومحدثين وغيرهم قديمًا وحديثًا مفهوم السلم كما جاء في القرآن والسنة.

      فقد بحثوا في كتاباتهم طبيعة العلاقة بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول: هل الأصل السلم أم الحرب؟ وتقسيم العالم إلى دار الإسلام ودار الحرب، كما حصل الآن من تقسيمه إلى دول وحكومات.

      وبحثوا مسائل الأمان والمعاهدات وأنواعها، وأهل الذمة، ولم ينسوا مسألة أسرى الحرب ومصيرهم والجرحى وكيفية معاملتهم، وكذلك مسألة الضرائب والخراج والغنائم وأموال الحرب. وذكروا المسائل المتعلقة بانتهاء الحرب والصلح وأقسامه وشروطه.

      استخدم علماؤنا مصطلح (السير) للدلالة على الأحكام المتعلقة بتنظيم العلاقة مع الغير في حالة الحرب. وأول من استعمل هذا المصطلح هو الإمام أبو حنيفة، ثم دون تلميذه محمد بن الحسن الشيباني هذه الأحكام في كتابين: السير الصغير والسير الكبير. فعلم السير هو«قواعد التعامل مع غير المسلمين في دار الكفر وفي دار الإسلام، وقت السلم ووقت الحرب»125. وهو ما يعرف بالقانون الدولي.

      يقسم الفكر الإسلامي مصطلح السلم إلى أقسام، وهو ما يميز الفكر الإسلامي عن غيره:

    1. السلم الداخلي.

      ويعني به «إصلاح نفسية الفرد ليكون خاضعًا لله في حكمه وأمره، محبًّا للناس في عسره ويسره، عاملًا للخير في منشطه ومكرهه، بعيدًا عن الأذى في غضبه ورضاه»126.

    2. السلم الأسري.

      والمراد به :«إقامة نظام الأسرة على حب تسكن إليه النفس، وسلم لا تشوبه محن ولا نزاع، وحقوق يتوازن بعضها مع بعض»127.

    3. السلم داخل المجتمع.

      وتبنى السلم في المجتمع على أسس العلم، وإعطاء الحقوق، ونشر الفضائل في المجتمع، وسيادة القانون. ووثيقة المدينة بين سكان المدينة من مسلمين وغيرهم خير شاهد على ذلك: فقد نظم العلاقة في مجموعة بنود تصب في صالح السلم والسلام في المجتمع على قاعدة الإخاء بين المهاجرين والأنصار، وأنهم أمة واحدة دون الناس، وأنهم كجسد واحد، وأن يدهم واحدة على من عاداهم. وعلى قاعدة العدل والمواطنة والحقوق والواجبات المتقابلة لغير المسلمين، كما أكدت على الحرية الدينية لكل الطوائف128. وسلم المجتمع بحاجة لإقامة حكومة عادلة تعمل على إقامة السلم في المجتمع بتربية النفوس على الخلق القويم، ومنع ما يؤدي إلى الاضطراب وتعكير صفو الأمن.

      ٢. مفهوم السلم في الوثائق الدولية:

    1. السلم الخارجي والقانون الدولي العام.

      يقصد بالقانون الدولي العام: «المواثيق والأعراف الدولية التي تطبق حال النزاعات المسلحة على اختلاف أقسامها، وتهدف إلى تقييد النزاع في حق استخدام أساليب القتال ووسائله، وحماية المتضررين من هذا النزاع، وتخفيف آثاره عنهم، وذلك حفاظًا على كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية»129.

      وهذا القانون يشمل: قانون لاهاي (١٨٠٩-١٩٠٧) والذي ينظم حقوق وواجبات المقاتلين عند وقوع الحرب، وقانون جنيف والذي يستهدف حماية المدنيين الذين لا يشاركون في الحروب ومعاملتهم معاملة إنسانية (١٩٤٩)130.

      وقد مرت مفهوم السلم في العلاقات الدولية بعدة مراحل من خلال اتفاقيات، أهمها:

      • معاهدة لاهاي عام ١٨٩٩م: اتفقت الدول الموقعة على أن محاولة التسوية السلمية أمر مرغوب فيه، وقطعت على نفسها عهدًا ببذل جهودها.
      • إتفاقية لاهاي ١٩٠٧م: هذه الاتفاقية سدت الثغرات الموجودة في الإتفاقية الأولى، وأسهمت في تأصيل السلم وتفضيل وسائل التسوية في حل النزاعات بين الدول.
      • عصبة الأمم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى: قامت محمكمة دائمة للعدل الدولي، وتضمن مادته السادسة عشرة جزاءات توقع على الدول التي تلجأ للحروب.
      • مؤتمر الأمم المتحدة: بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عقد ممثلون عن ٥٠ دولة مؤتمرًا للمحافظة على السلام والأمن في العالم وتنمية الود بين الأمم، وتحقيق التعاون في حل المشكلات الدولية، وأن تكون مركزًا لتنسيق أعمال الأمم للوصول إلى تلك الغايات العامة.
    2. يستند القانون الدولي في الحرب على مصادر، أهمها:
      • العرف: والمقصود به العرف المتبع بين الدول، والعدالة من الحق الطبيعي أو تعاليم الدين أو إملاء العقل والتأثر بآراء الفلاسفة والمفكرين والفقهاء ورجال السياسة. وتتبلور بقرارات هيئات التحكيم أو محاكم العدل الدولية.
      • الاتفاق: فيبنى بوجه خاص على المعاهدات العامة ذات الصفة التشريعية، إلى جانب المعاهدات الخاصة والتعامل الفعلي المستمر131.

        فمفهوم السلم في القانون الدولي العام هي : إشاعة السلم بين الدول وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية والودية، ومراعاة قواعد الحرب أثناء اندلاع الحروب بين الدول والتعايش السلمي وصيانة السلم العالمي. وقد سبق الإسلام كل المواثيق الدولية وأكد الحقوق المنصوص عليها في تلك المواثيق.

        ثانيًا: ضمانات تحقيق السلم بين القرآن والمواثيق الدولية:

        ١. ضمانات تحقيق السلم في القرآن.

        الضمان في الاصطلاح الشرعي هو: «ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فيثبت في ذمتهما جميعًا، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما، ويكون برد الشيء أو بدله، بالمثل أو بالقيمة.

        أما في الاصطلاح القانوني فيراد به: رابطة قانونية، نكون بمقتضاها مجبرين على الوفاء بأمر ما طبقًا للقانون» 132 . عندما يقر القرآن الكريم أمرًا أو تشريعًا فلا يكتفي بمجرد الدعوة إليها، بل يضع من الضمانات والأسس ما يجعلها على أرض الواقع.

        ولتحقيق السلم في المجتمع، وضع ضمانات نذكرها في نقاط:

        الضمانة الأولى: طاعة الله ورسوله ضمان لتحقيق السلم والأمان.

        في كثير من الآيات يربط القرآن الكريم بين حصول الأمن والسلام وبين اتباع أوامر الله سبحانه، وذلك ليؤكد لنا أن السلم يعني الدخول في الإسلام، كما أمر بقوله: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [البقرة: ٢٠٨].

        وربط دفع المضرة عنه وهو تحقيق السلم بتقوى الله، فقال: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الطلاق: ٢].

        وبعكسه الذنوب والمعاصي تجلب الويلات للإنسان وتدمر أمنه وحياته، كما قال: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النحل: ١١٢].

        وإلى هذا المعنى أشار الرسول الكريم بقوله : (يا معشر المهاجرين : خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم)133.

        الضمانة الثانية: إقرار القرآن الكريم لمباديء السلام.

        السلام هو: اسم من أسماء الله الحسنى، والإسلام دين السلام، وتحية المسلمين هي السلام، ودار السلام هي الجنة. وقد أقر القرآن الكريم جملة من المباديء تعتبر الالتزام بها جزءًا من الإيمان. فالناس جميعاً إخوة مهما اختلفت لغاتهم وأنسابهم وأوطانهم، فهم أبناء أب واحد وأم واحدة، والحب والتعاون وبذل الخير للناس جميعًا هو أساس الايمان. وفي كثير من الآيات المذكورة في ثنايا البحث فيها الإشادة بالسلام، فكل ما يؤدي إلى إيغار الصدور وإيقاع العداوة والبغضاء بين الناس حرام لا يجوز فعله، والأديان السماوية واحدة في أصولها وأهدافها العامة. هذه المباديء وغيرها كفيل بتحقيق السلام في المجتمع ومع غير المسلمين134.

        الضمانة الثالثة: التنمية بمعناها الشامل والتي تبناها القرآن الكريم أكبر ضمانة لتحقيق السلم، وعدم نشوب الحرب.

        والتنمية هي: تلبية الحاجات المتمثلة بتحقيق النمو الاقتصادي والتوزيع العادل للثروات، وتحقيق التنمية الاجتماعية بين أفراد المجتمع، والمحافظة على البيئة وحمايتها، واحترام التنوع الثقافي في المجتمع، وتحقيق التوازن بين المدن والأرياف والتهيئة العمرانية135.

        والأصل فيها قوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ)[الحشر: ٧].

        يقول الشيخ المراغي في معنى الآية: «وإنما حكمنا بذلك وجعلناه مقسمًا بين هؤلاء المذكورين، لئلا يأخذه الأغنياء ويتداولوه فيما بينهم، ويتكاثروا به، كما كان ذلك دأبهم فى الجاهلية، ولا يصيب الفقراء من ذلك شىء»136.

        وفي سبيل تحقيق العيش الكريم للفرد فقد ربط القرآن الكريم كثيرًا من العبادات والكفارات بالإطعام والكسوة، وحرم الافتخار بكثرة المال، وأكد على تواضع الأغنياء مراعاة للفقراء.

        الضمانة الرابعة: ضمان حقوق الكل من المعاهدين والمقاتلين وأهل الذمة.

        في المجتمع الإسلامي تعيش إلى جانب المسلمين من هو على غير دينهم وهم أهل الذمة من أهل الكتاب، وهؤلاء لهم حقوق وعليهم واجبات.

        وقد تربط الدولة الإسلامية بغيره من الدول علاقات تترتب عليها مسؤوليات والتزامات، وقد ألزم القرآن الكريم في الحالتين الوفاء بالعهود والالتزامات، فالوفاء بها ضرورة دينية، وكذلك تعتبر الضمان لتحقيق السلم بين المسلمين وغيرهم.

        «إن الضمان الوحيد لتكريس السلم في واقع أي مجتمع، هو ضمان حقوق أفراده، وهذا الضمان ليس من باب الإحسان أو المنة، وإنما هي واجبات على الدولة وحق مقرر لكل مواطن فيها بمقتضى العقد الاجتماعي»137.

        وقد كفل القرآن الكريم لهم حرية الاعتقاد والعبادة، ومساواتهم بالمسلمين أمام القانون في كثير من المسائل، وضمن لهم حقوقًا عامة كسائر المسلمين مثل حق حفظ كرامتهم الإنسانية، وعصمة النفس بالإضافة إلى حقوقهم المالية مع وجوب البر والعدل معهم، ولهم الحق في تقلد الوظائف العمومية.

        قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ) [البقرة: ٢٥٦].

        يقول ابن عاشور: «وهي دليل واضح على إبطال الإكراه على الدين بسائر أنواعه، لأن أمر الإيمان يجري على الاستدلال، والتمكين من النظر وبالاختيار138.

        وإذا تعامل المسلمون مع هذا الاختلاف في مجتمعهم المتمثل بوجود أهل الكتاب، انعكس إيجابيًّا عليهم فيكونون عامل تطور وتقدم، وإذا أهملوها صارت عامل تفرق وتشرذم وصراع، تهدد سلمهم، فالحفاظ على حقوقهم مع كونه واجب شرعي، أكبر ضمانة لتحقيق السلم في مجتمعهم.

        ٢. ضمانات تحقيق السلم في المواثيق الدولية.

        في بحث مفهوم السلم في المواثيق الدولية، ذكرنا أهم المعاهدات التي أدت إلى تأصيل مفهوم السلم في العالم. وتبعتها اتفاقيات أخرى بين الأعضاء، فقد عقدت اتفاقية السلم والتسامح في باريس من ٢٥ تشرين الأول -١٦ تشرين الثاني ١٩٩٥م، وحضرتها الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، وفي تحليل لنص الاتفاقية وضح لنا ما يلي:

      • تأكيد الأعضاء على إيمانهم بحقوق الإنسان وعزمهم على العيش بسلام.
      • ركزوا على دور التربية في تنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب.
      • الخوف من انتشار مظاهر الكراهية والعنف والإرهاب، وهي أعمال تهدد السلم.
      • الإعلان عن مباديء بشأن التسامح، موضحًا معنى التسامح، ودور الدولة في ضمان العدل وعدم التحيز.
      • يجب أن تتخذ اليونسكو التدابير الكافية بضمان التساوي في الكرامة والحدود للأفراد والجماعات.
      • التعليم هو أنجح الوسائل لمنع اللاتسامح، أي تعليم الناس الحقوق والحريات التي يتشاركون فيها مع غيرهم، وذلك لكي تحترم هذه الحقوق.
      • الالتزام بالعمل على تعزيز التسامح عن طريق برامج ومؤسسات.139

        ونظرة على الوثيقة تبين لنا جانبًا من ضمانات تحقيق السلم في المواثيق الدولية، وهي:

      • حفظ السلم عن طريق النصوص القانونية والمباديء المقررة لضمان احترام القانون الدولي. إن الكم الهائل من الاتفاقيات الدولية في مجال القانون الدولي تعد شاهدًا ودليلًا على حرص المجتمع الدولي على إرساء قواعد قانونية ذات طابع دولي لحماية حقوق الإنسان، حيث تمثل هذه القواعد الجانب الموضوعي للحماية الجنائية الدولية لحقوق الإنسان، والتي تعد في نظري ضمانةً مهمةً لهذه الحماية، وإن كانت الصيغة عامةً.

        ومن بين البنود المتعلقة:

      • عدم خضوع مجرمي الحرب لنظام التقادم، وتشمل الجرائم ضد الإنسانية المقترفة في وقت الحرب أو السلم، وعدم امتداد الحصانات الداخلية والدولية لمجرمي الحرب.
      • وجود آلية تضمن تطبيق تلك القواعد من قبل الدول، وهو ما سعت الأمم المتحدة إلى إنشائها، وتبين لنا في ثنايا هذه الدراسة بأن تلك الآليات منها ذات طبيعة وقائية (آلية الإشراف والرقابة) ومنها مالها طابع علاجي كآلية الحماية القضائية.
      • نشر ثقافة السلم في الدول والمجتمعات، عن طريق التربية والتعليم والبرامج والمؤسسات.
      • مرحلة الإنتقال من نصوص قانونية عقيمة، كثيرًا ما نجحت المصالح السياسية للدول العظمى في إيقاف دواليب وضعها حيز النفاذ، فرضتها الحاجة الإجتماعية للسلم. و يميّز ذلك عبر إحياء المعطيات الدينية والعقائدية التي تحث على السلم. ثقافة السلم تتطلب إقصاء العنف و القوة خارج الإطار الشرعي على المستوى الوطني كذلك. هذه السبل تضفي على مجهودات تحقيق السلم فاعلية واقعية ناجعة.
      • القوة الإلزامية لقواعد القانون الدولي الإنساني تتميز بصفتها الآمرة، بمعنى أن قواعده ملزمة لجميع أعضاءه. فالطبيعة الآمرة لبعض قواعد القانون الدولي تجعلها في مرتبة أعلى، وتؤدي إلى إبطال كل ما يتعارض معها أو يخالفها من الاتفاقات التي تبرمها الدول و التي لا تتمتع أحكامها بنفس الطبيعة. 140
      • الجرائم في حق السلم من بين الأفعال التي تم تجريمها على المستوى الدولي، و يكون مرتكبها مذنبًا على المستويين، الدولي و الداخلي، و لا يمكن التذرع بالحماية الدبلوماسية، ولا الحصانة على أساس أن القائم بهذا النوع من الجرائم كان في خدمة دولته و اقتصرت مهمته على تنفيذ أوامر السلطة العامة في الدولة .

1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٩٠.

2 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٢٨٩، جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/٨٥٨، الصحاح، الجوهري ٥/١٩٥٠.تاج العروس، الزبيدي ٣٢/٣٧١.

3 أدب الدنيا والدين، الماوردي ١/١٤٢.

4 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٢١.

5 لغة الحوار وأثرها على السلم الإجتماعي، مي عمر نايف ص ٣.

6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٣٥٥-٣٥٧.

7 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص٢٦٥-٢٦٦.

8 العين، الفراهيدي ٨/٣٨٨.

9 التعريفات، الجرجاني، ص ٣٧.

10 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص ٦٣.

11 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٣/٢١.

12 انظر: أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام، عبدالكريم زيدان ص ٤٦-٤٧.

13 لسان العرب، ابن منظور٨/٣٨٦.

14 تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي، الزيلعي ٣/٢٤٥

15 انظر:العين، الفراهيدي ٣/٢١٣.

16 التوقيف على مهمات التعاريف ١/١٣٧.

17 التعريفات، الجرجاني ص ١٠٤.

18 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، رقم ٥٠.

19 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥١٥.

20 السلام العالمي والإسلام، سيد قطب ص ٣٣.

21 انظر: المصدر السابق، ص٣٨.

22 الإيمان والحياة، يوسف القرضاوي ص ٣١-٣٢.

23 جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٢١.

24 المنار، محمد رشيد رضا ٧/٤٨٤.

25 الكشاف، الزمخشري، ٢/٣٣٦

26 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٦٦.

27 معالم التنزيل، البغوي، ٤/٢٨٤.

28 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٣٢٠.

29 انظر: العبودية، ابن تيمية ص ٣٨.

30 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٠٦.

31 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٨٨١.

32 المنار، محمد رشيد رضا ٢/١١٩.

33 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٢١٣.

34 فقه الزكاة في الإسلام، يوسف القرضاوي ص ٨٨٠.

35 حكم أحكام القرآن، مصطفى الزلمي ص ٥٠.

36 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٣٠/٤٤٤.

37 انظر: المقاصد في المناسك، عبدالوهاب سليمان، ص ٥٣.

38 موسوعة نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين، ١/٨٥.

39 حكم أحكام القرآن، مصطفى الزلمي ص ٢٧.

40 المنار، محمد رشيد رضا ٤/٣٧٤.

41 موسوعة نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين، ١/٨٦.

42 انظر: مقاصد الشريعة في المعاملات المالية عند ابن تيمية، ماجد العسكر، ص ٣٦.

43 المنار، محمد رشيد رضا ٦/٢٢٦.

44 انظر: تفعيل المقاصد الشرعية في المالية الإسلامية: التأصيل والتطبيق، صالح محمد الفوزان، ص٥٠.

45 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٦٤.

46 المصدر السابق ١/١٦٤.

47 انظر: المقاصد الشرعية وأثرها في فقه المعاملات المالية، رياض منصور الخليفي، ص ٣١-٣٣.

48 مفاتيح الغيب ، الفخر الرازي، ٧/٩٩.

49 تفسير المراغي ٧/٢٣.

50 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/٤٣.

51 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٣٤٥.

52 المنار، محمد رشيد رضا ٤/١٦.

53 تفسير الراغب الأصفهاني، ٢/٧٧٩.

54 الإصلاح في القرآن الكريم، فايزة عدلي، ص ٥٦.

55 المصالحة وخطابها، عبدالرؤوف أحمد عبدالغفور، ص ٥-٦.

56 دور الصلح العشائري في تحقيق السلم الاجتماعي، محمد سعيد صلاح، ص ٢٢.

57 جامع البيان، الطبري٣/٤٠٤.

58 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٤٠٦.

59 دور الصلح العشائري في تحقيق السلم الاجتماعي، محمد سعيد صلاح، ص ٣٢.

60 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ٣/٦٨٧.

61 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٨٣.

62 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٩٤.

63 انظر: الأمن في ضوء القصص القرآني، سامي محمد بشير الجدبة ص ١٠.

64 الأمن في الخطاب القرآني وفي شعر صدر الإسلام، فاطمة القاضي، ص ١٨١.

65 المقاصد في المناسك، عبدالوهاب أبو سليمان، ص ٦٩.

66 الاقتصاد في الاعتقاد، أبو حامد الغزالي ص ١٢٨.

67 الشيطان خطواته وغاياته، وائل عمر علي بشير، ص ٦.

68 المصدر السابق، ص ١٠٢.

69 مفاتيح الغيب ، الرازي ٥/١٨٦.

70 عالم الجن والشياطين، عمر سليمان الأشقر، ص١٢٨.

71 روح المعاني، الألوسي ٤/٢٨٢.

72 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٨/١٨٧.

73 جامع البيان، الطبري، ٣/٣٠٣.

74 المصدر السابق، ١٧/٤٦٩.

75 أنوار التنزيل، البيضاوي، ١/١٦٠.

76 المصباح المنير، الفيومي ١/٩٣.

77 البيان في مداخل الشيطان، عبدالحميد البلالي ص ١٠٣.

78 التحرير والتنوير، ابن عاشور٢/٢٧٦.

79 أسلوب الأمر في سورة يوسف، أحمد فتحي رمضان و أحمد محمود عزو ص ٧.

80 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي١٠/٥٤٨.

81 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/١٢٨.

82 في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/١١٤.

83 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/١٥٤.

84 أسلوب الأمر في سورة يوسف، أحمد فتحي رمضان و أحمد محمود عزو صالح ص ٦.

85 صور الأمر في العربية بين التنظير والتطبيق، سعود بن غازي أبو تاكي ص٢٣٥.

86 صورة الأمر والنهي في الذكر الحكيم، محمود توفيق محمد سعد، ص ٥٥.

87 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/٢١٨.

88 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/١٦٦.

89 المصدر السابق ٢٩/٣٣.

90 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ٩/٥١٩.

91 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٥١٤٣، كتاب الجمعة، باب من انتظر حتى تدفن.

92 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٢٥.

93 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ١٥٣٦، كتاب البيوع، باب النهي عن المحاقلة والمزابنة وعن المخابرة، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وعن بيع المعاومة وهو بيع السنين.

94 المنار، محمد رشيد رضا ٥/٢٤٢.

95 صورة الأمر والنهي في الذكر الحكيم، محمود توفيق محمد سعد ص ٨٤.

96 الكشاف، الزمخشري ٤/٧٢١.

97 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٠٢.

98 العلاقات الدولية في الإسلام، محمد أبو زهرة، ص ٢١.

99 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣١٤٧.

100 التفسير الوسيط، الزحيلي، ٢/١٦١٣.

101 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٦/٨٧.

102 العلاقات الدولية في الإسلام، محمد أبو زهرة، ص ٢٩.

103 جامع البيان، أبو جرير الطبري، ٧/١١٨.

104 موسوعة نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين، ٨/٣٨٣٩.

105 انظر: العلاقات الدولية في الإسلام، محمد أبو زهرة ص ٤٣-٤٤، أسس العلاقات الإنسانية في الإسلام، محمد نجيب نصرات ص ١٨.

106 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٩.

107 انظر: التعايش السلمي في إطار التعددية المذهبية داخل المجتمع المسلم وتطبيقاته في التربوية في الأسرة والمدرسة، مزنة بنت بريك بن مبارك المحلبدي، ص ٣٤-٣٥.

108 السكينة وطمأنينة النفس في القرآن الكريم، صلاح الدين سليم محمد ص ١١.

109 أدب الدنيا والدين، الماوردي ص ١٤٢.

110 قصة الحضارة، ول ديورانت ١/٣.

111 محاسن التأويل، القاسمي٧/٤٩١.

112 تفسير المراغي ٢١/٣٧.

113 أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، عبدالرحمن المحلاوي ص ١١٢.

114 في ظلال القران، سيد قطب ٤/٢٢١٧-٢٢١٨.

115 هدي النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الأمن والسلام، محمد سجاد يونس، مقال منشور على شبكة الألوكة.

116 الإسلام والتنمية الاجتماعية، محسن عبدالحميد ص ١٣٤.

117 الإسلام والأمن الاجتماعي، محمد عمارة، ص ٩٢.

118 أدب الدنيا والدين، الماوردي ص ١١٩.

119 مفاتيح الغيب ، الرازي، ١٨/٤١٠.

120 الإسلام والأمن الاجتماعي، محمد عمارة ص ٨٥.

121 جامع البيان، الطبري ٢٢/٢٥٩.

122 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٢٤.

123 المقاصد الاجتماعية من مشروعية القصاص في جريمة القتل العمد، محمد أبو ركاب ص ٣٦٦.

124 انظر: الأمن الاجتماعي في الإسلام، أسامة عبدالسميع، ص ١٦٦.

125 أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام محمد بن الحسن الشيباني، عثمان جمعة ضميرية، ١/٢٤٠.

126 مفهوم السلم في الفكر الإسلامي، محمد بازياني، ص ٢٣٩.

127 المصدر السابق ص٢٤٠.

128 انظر نص الوثيقة في: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، مهدي رزق الله أحمد، ص ٣٠٥-٣٠٧.

129 أحكام القانون الدولي في الإسلام، محمد سليمان نصرالله الفرا، ص ٦.

130 انظر: الأسس والمباديء الاسلامية للعلاقات الدولية، علي محي الدين القرداغي، مؤتمر مكة ص ٢٢٤.

131 انظر: مفهوم السلم في الفكر الإسلامي، محمد بازياني، ص ٢٧١-٢٨٥.

132 ضمانات الحقوق والحريات في المجتمع الإسلامي، ناظم عبدالله رشيد، ص ١٧-١٨.

133 أخرجه ابن ماجه في سننه، رقم ٤٠١٩، كتاب الفتن، باب العقوبات.

وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ١/٤٦٨، رقم ٧٦٤.

134 انظر: مفهوم السلم في الفكر الإسلامي، الدكتور محمد بازياني ص ٢٣٠.

135 انظر: الأمن والتنمية، محسن بن العجمي عيسى، ص ٥٣.

136 تفسير المراغي ٢٨/٣٩.

137 ضمان حقوق الأقليات وأثره في السلم الاجتماعي، صايل أحمد حسن أمارة، ص ٣٥.

138 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٢٦.

139 للاطلاع على نصوص الاتفاقية، انظر: موقع منظمة العدل للتنمية والإحسان.

وقد لخصنا أهم الفقرات الواردة فيما يخص السلم.

140 انظر: آليات وضمانات تطبيق القانون الدولي الإنساني، أنس المرزوقي، مقال نشر في موقع الحوار المتمدن في ٨/١/٢٠١٤.