عناصر الموضوع
السعي
أولًا: المعنى اللغوي:
يأتي السعي في اللغة على معان هي:
الأول: المشي، قال الله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الصافات:١٠٢] يعني: المشي 1.
الثاني: الإسراع في المشي، ومنه قوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [القصص:٢٠]. أي: يسرع في مشيه 2.
الثالث: السعي: الجد، ومنه قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [سبأ:٥]. أي: اجتهدوا في أن يظهروا لنا عجزاً فيما أنزلناه من الآيات3.
الرابع: العمل والتصرف والكسب في أي عمل كان، ومنه قوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)[طه:١٥]. أي: تكسب4، وأصل السعي التصرف في كل عمل وعليه قوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [النجم:٣٩].أي: إلا ما عمل5.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
السعي اصطلاحًا هو: العمل والفعل، وهذا مروي عن كثير من المفسرين منهم عكرمة ومجاهد، وزيد بن أسلم، وابن شهاب قال مالك: وإنما السعي في كتاب الله عز وجل العمل والفعل6.
ويمكن صياغة تعريف للسعي في القرآن بأنه: العمل والفعل الجاد الذي يقوم على النية والقصد سواءً أكان ذلك في الخير أو الشر.
وردت مادة (سعى) في القرآن الكريم (٣٠) مرة7.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٧ |
(ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:٢٠٥] |
الفعل المضارع |
١٢ |
(ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [القصص:٢٠] |
فعل الأمر |
١ |
(ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الجمعة:٩] |
المصدر |
١٠ |
(ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الصافات:١٠٢] |
وجاء السعي في القرآن الكريم على وجهين، وهما8:
الأول:المشي، أو الإسراع في المشي: قال تعالى:(ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [عبس:٨]. يعني:يمشي، أو يسرع.
الثاني: العمل: قال تعالى:(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الإسراء:١٩]. يعني:وعمل لها عملًا وهو مؤمن، كان عملهم مقبولًا.
العمل:
العمل لغة:
المهنة والفعل، قال ابن فارس: «(عمل) العين والميم واللام أصل واحد صحيح، وهو عام في كل فعل يفعل»9.
العمل اصطلاحًا:
كل فعل كان بقصد وفكر سواءً كان من أفعال القلوب كالنية أم من أفعال الجوارح كالصلاة 10.
الصلة بين العمل والسعي:
العمل هو المعنى الرئيس في القرآن للسعي ويقوم على القصد والإرادة.
الشغل:
الشغل لغة:
(شغل) الشين والغين واللام أصل واحد، يدل على خلاف الفراغ، تقول: شغلت فلانًا فأنا شاغله، وهو مشغول، وجمع الشغل أشغال، وقد جاء عنهم: اشتغل فلان بالشيء، وهو مشتغل11.
الشغل اصطلاحًا:
لا يختلف معنى الشغل في الاصطلاح عن معناه في اللغة.
وقال الراغب: الشّغل والشّغل: العارض الذي يذهل الإنسان، قال عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [يس:٥٥]12.
الصلة بين الشغل والسعي:
يشتركان في العمل الذي ينشغل به الإنسان، فهو سعي وشغل، وقد يكون الشغل بغير عمل، وقد يراد بالسعي غير العمل.
أقسم الله تعالى على أن سعي الناس أنواع مختلفة، وذلك في قوله: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الليل:١-٤].
أي : إن عملكم لمختلف أيها الناس؛ لأن منكم الكافر بربه، والعاصي له في أمره ونهيه، والمؤمن به، والمطيع له في أمره ونهيه، ومنكم من سعيه في طلب دنياه، ومنكم من سعيه في شهوات نفسه واتباع هواه، ومنكم من سعيه في طلب جاهه ومناه، وآخر في طلب عقباه13.
أولًا: السعي الممدوح:
١. السعي في الطاعات.
إن السعي في الطاعات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى من السعي الممدوح الذي يكسب به الساعي رضى الله تعالى، وثناء الناس.
وقد أمر الله تعالى بالسعي إلى الطاعات في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الجمعة:٩].
وفي الآية أمر من الله تعالى للمؤمنين بالسعي إلى صلاة الجمعة عند قعود الإمام على المنبر للخطبة، وأصل السعي في هذا الموضع العمل، والسعي لذكر الله تعالى يتضمن جميع الطاعات، وهذا أولى لأنه أوفق لعموم اللفظ14.
ومثله السعي في الحج في جميع المشاعر وبين الصفا والمروة كما في قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة:١٥٨]15.
كما أخبر سبحانه وتعالى أن من يسعى إلى عمل الآخرة أن سعيهم مشكور.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الإسراء:١٩].
وقوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الأنبياء:٩٤].
وهذه الآيات مشتملة على الأعمال التي بواسطتها يحصل الفوز بسعادة الآخرة وهي تشمل جميع الطاعات16.
كذلك يدل على هذا المعنى الآيات التي ذكر فيها عمل الصالحات، ومنها قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [البقرة:٢٧٧].
وقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النساء:١٢٤].
وقوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الإسراء:٩].
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار)17، وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله -وأحسبه قال- وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر)18.
والمراد بالساعي في الحديث: الكاسب لهما، العامل لمؤنتهما ، والأرملة من لازوج لها سواء كانت تزوجت أم لا ، وقيل هي التي فارقت زوجها، وسميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج ، يقال : أرمل الرجل إذا فني زاده، والمسكين الذي لا شيء له19.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة)، وفي رواية (وأنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئًا20.
وأما كافل اليتيم فهو: القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه أو من مال اليتيم بولاية شرعية21.
٢. السعي في نصرة الحق وأهله.
إن السعي في نصرة الحق وأهله من السعي الممدوح فاعله.
قال تعالى عن العبد الصالح الذي نصر الحق ودافع عن المرسلين:(ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [يس:٢٠]22.
فقد جاء هذا الرجل من أقصى المدينة، وفي ذلك بلاغة باهرة؛ لأن ذلك يدل على أنه تحمل المشقة والبعد من أجل نصرة الحق وأهله، والمدينة هي أنطاكية، وهي كانت كبيرةً شاسعةً، قائلا لهم: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)، أي: اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل23، حتى وإن ضحى الساعي في نصرة الحق بنفسه فقد جاء قتادة في قوله: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) قال: بلغني أنه رجل كان يعبد الله في غار واسمه حبيب فسمع بهؤلاء النفرالذين أرسلهم عيسى إلى أهل انطاكية فجاءهم فقال: تسألون أجراً فقالوا: لا ، فقال لقومه (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) حتى بلغ (ﯳ) قال: فرجموه بالحجارة فجعل يقول: رب اهد قومي فإنهم لا يعلمون (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) حتى بلغ (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) قال: فما نوظروا بعد قتلهم إياه حتى أخذتهم (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) 24.
وكذلك ذكر القرآن الكريم مؤمن آل فرعون حين نصر الحق.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [غافر:٢٨].
فقد كتم هذا الرجل الإيمان من أجل الدعوة والدفاع عنها، وفي مرحلة الضعف خوفا على النفس، مما أباحه الشرع، وقد ذكر الله تعالى في معرض المدح رجلاً مؤمناً من آل فرعون كان يكتم إيمانه25، وأظهر الرجل إيمانه حين رأى أن ذلك من مصلحة الدعوة، ومواجهة خطر فرعون، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [غافر:٢٦].
فأخذت الرجل غضبة لله عز وجل وقام بواجبه بالجهاد بالكلمة عند سلطان جائر والتي هي أفضل الجهاد، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر)26.
ولا أعظم من هذه الكلمة عند فرعون، وهي قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [غافر:٢٨] أي: لأجل أن يقول ربي الله27.
واختلف المفسرون أيضًا: هل كان إسرائيلياً أو قبطياً من آل فرعون ؟ والتحقيق أن الرجل المؤمن المذكور في هذه الآية هو من جماعة فرعون، كما هو ظاهر قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) 28، دون أن يذكر القرآن اسمه، وإنما أشار إلى خاصته، وذوي قرابته، فهو إنسان ذو شأن في المجتمع الفرعوني، ومع هذا لم يكشف القرآن عن اسمه.
ويكون السعي في نصرة الحق وأهله بكل الوسائل الممكنة بالقول والبيان كما في هذه الآيات السابقات، أومن خلال الجهاد الشرعي المضبوط بضوابطه الفقهية المعروفة عند الفقهاء.
قال تعال: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الأنفال:٥-٨].
٣. السعي في طلب العلم.
إن السعي في طلب العلم من أفضل الأعمال التي توازي الجهاد في سبيل الله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [التوبة:١٢٢].
أي: فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة، ليتفقهوا في الدين، يعني: فرقة القاعدين يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والأحكام، فإذا رجعت السرايا أخبروهم بما أنزل الله بعدهم على نبيه من القرآن29.
وقد عاتب الله تعالى نبيه الكريم في الإعراض عن الذين يسعون في طلب العلم، قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [عبس:٨] أي: لطلب العلم، ويخشى الله فأنت عنه تتلهى، وتتشاغل... وهذا كله من قبيل العتاب للنبي صلى الله عليه وسلم 30.
وقد بين الله تعالى أنه اصطفى من عباده من يحمل الكتاب وهم: علماء الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم، أو الأمة بأسرهم، فإن الله اصطفاهم على سائر الأمم فمنهم ظالم لنفسه بالتقصير في العمل به، ومنهم مقتصد يعمل به في غالب الأوقات، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله بضم التعليم والإرشاد إلى العمل، وقيل الظالم الجاهل والمقتصد المتعلم والسابق العالم، وقيل الظالم المجرم والمقتصد الذي خلط الصالح بالسيء والسابق الذي ترجحت حسناته بحيث صارت سيئاته مكفرة.
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [فاطر:٣٢]31.
وروى الترمذي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر) 32.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه)33.
ومعنى الحديث: من سلك طريقا: حسية أو معنوية، ونكره ليتناول أنواع الطريق الموصلة إلى تحصيل أنواع العلوم الدينية، والمعنى سهل الله له بسبب العلم طريقاً من طرق الجنة ، وذلك لأن العلم إنما يحصل بتعب ونصب، فمن تحمل المشقة في طلبه سهلت له سبل الجنة سيما إن حصل المطلوب.
قال ابن جماعة: «والأظهر أن المراد أن يجازيه يوم القيامة بأن يسلك به طريقاً لا صعوبة له فيه ولا هول إلى أن يدخله الجنة سالمًا، فأبان أن العلم ساعد السعادة وأس السيادة والمرقاة إلى النجاة في الآخرة والمقوم لأخلاق النفوس الباطنة والظاهرة فهو نعم الدليل والمرشد إلى سواء السبيل، وتقديم الظرفين (فيه - له) للاختصاص؛ لأن تسهيل طريق الجنة خاص بالله وغيره في مقابلته كالعدم ؛ لأنه في حقه غير مفيد، وكذا بالنسبة لسببه فإن غير هذا السبب من أسباب التسهيل كالعدم ؛ لأنه أقوى الأسباب المسهلة وفيه حجة باهرة على شرف العلم وأهله في الدنيا والآخرة لكن الكلام في العلم النافع لأنه الذي يترتب عليه الجزاء المذكور كما تقرر»34.
وهناك أحاديث نبوية صحيحة عديدة فيها تنويه بالعلم وحثّ عليه وتنويه بالعلماء وفضلهم ومسؤولياتهم، يصح أن يساق في هذا المقام، من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدّين)35.
وسلوك طريق العلم مما تعترضه المشقات والسفر والبعد عن الأوطان.
وقد قال الله تعالى عن نبيه موسى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الكهف:٦٢-٦٩].
يخبر تعالى عن قول موسى عليه السلام لذلك الرجل العالم، وهو الخضر، الذي خصه الله بعلم لم يطلع عليه موسى، كما أنه أعطى موسى من العلم ما لم يعطه الخضر قال له موسى : هل أتبعك ؟ سؤال تلطف لا على وجه الإلزام والإجبار، وهكذا ينبغي أن يكون سؤال المتعلم من العالم36.
٤. السعي في عمارة المساجد.
إن السعي في عمارة المساجد من السعي المحمود الذي يقوم به المؤمنون
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [التوبة:١٧-١٨].
إن عمارة المسجد هي: لزومه، والإقامة فيه، وعبادة الله فيه، وبناؤه وترميمه، وهي نوعان: حسية، ومعنوية:
فالحسية: بالتشييد والبناء والترميم والتنظيف والفرش والتنوير بالمصابيح والدخول إليها والقعود فيها.
والمعنوية: بالصلاة وذكر الله، والاعتكاف، والزيارة للعبادة فيها، وذلك يشمل العمرة، ومن الذكر: درس العلم، بل هو أجله وأعظمه وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا، فضلا عن فضول الحديث37.
والمعنى في هذه الآية إنما يعمر مساجد الله بالحق لهم والواجب، ولفظ هذه الآية الخبر وفي ضمنها أمر المؤمنين بعمارة المساجد، وقد قال بعض السلف: إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا به38، (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)، وعمارتها رمّ ما استرم منها، وقمها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا ؛ لأنها بنيت للعبادة والذكر، ومن الذكر درس العلم39.
ثم بين سبحانه أن المؤمنين الصادقين هم الجديرون بعمارة مساجد الله، فقال: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) أي: ليس المشركون أهلًا لعمارة مساجد الله وإنما الذين هم أهل لذلك المؤمنون الصادقون الذين آمنوا بالله إيماناً حقًّا، وآمنوا باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب، وآمنوا بما فرضه الله عليهم من فرائض فأدوها بالكيفية التي أرشدهم إليها نبيهم صلى الله عليه وسلم فهم في صلاتهم خاشعون وللزكاة معطون بسخاء وإخلاص.
قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [التوبة:١٨]40.
٥. السعي في النصيحة.
إن النصيحة ذات أهمية عظيمة عند ذوي الألباب والفهوم؛ لأنها إرشاد إلى الصواب وتوجيه نحو العمل الصالح والأخلاق الفاضلة والسيرة الحسنة وهداية إلى ما يعود نفعه وفائدته على المنصوح بالسعادة والعز والنصيحة ، تبصير بالمضار حتى لا يقع فيها من لا يعرفها.
ولذلك ينبغي أن يكون الناصح ذا رأي ثاقب وعقل راجح قد جرب الأمور وعركته الأيام والليالي ، وذاق حلوها ومرها وانتفع بما رآه فيها من عسر ويسر وفرح وسرور، وخلص قلبه من هم قاطع وغم شاغل ليسلم رأيه وتخلص نصيحته من الشوائب المكدرة41.
والسعي في النصيحة من الأعمال التي قام بها الأبياء عليهم السلام.
قال تعالى إخبارًا عن نوح عليه السلام: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأعراف:٥٩-٦٢].
وقال عن هود عليه السلام: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأعراف:٦٥-٦٨].
وقال عن صالح عليه السلام: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأعراف:٧٧-٧٩].
وقال عن شعيب عليه السلام: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف:٩٠-٩٣].
فإذا علمت أن شراً سينزل بمؤمن غافل عنه فواجب عليك أن تنبهه وتحذره ليأخذ حذره من الكائدين ، وأسرع بأخباره كما حذر رجل موسى عليه السلام.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [القصص:٢٠].
فهذا الرجل هو مؤمن آل فرعون والمشهور إن هذا الرجل المؤمن كان (قبطيًّا) من آل فرعون، وجاء من أقصى المدينة ومعنى ( ﯺ) يعدو أي: من أطرافها البعيدة، (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) فيه تأويلان:
أحدهما: يتشاورون في قتلك.
الثاني: يأمر بعضهم بعضًا بقتلك.
ومنه قوله: (ﭬ ﭭ ﭮ) [الطلاق:٦] أي: ليأمر بعضكم بعضًا، والملأ أشراف القوم، والمنظور إليهم.
(ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [القصص:٢٠]أي: من الناصحين لك في الأمر بالخروج، والنصح للإنسان هو الإشارة عليه بما يصلح أمره، وقد كان السلف يطلب هذا بعضهم من بعض42.
وتختلف النصيحة عن السعي بالنميمة؛ لأن النميمة نقل للحديث من قوم الى قوم على وجه الإفساد بينهم وهي من الكبائر، أما نقل الكلام بقصد النصيحة فواجب، كما يدل على ذلك قوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [القصص:٢٠]43.
ثانيًا: السعي المذموم:
إن السعي المذموم في القرآن الكريم لكل صور وأمثلة، منها:
١. السعي في الصد عن سبيل الله تعالى.
إن الصد عن سبيل الله تعالى قد يكون بالانصراف والامتناع عنه.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [النساء:٦١].
وقد يكون بالصرف والمنع عن سبيل الله نحو قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النمل:٢٤].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [محمد:١] إلى غير ذلك من الآيات44.
وقد بين الله تعالى أن الكافرين والمنافقين يسعون مجتهدين في الصد عن سبيل الله تعالى بكل أنواع الصد، سواءً أكان بالإعراض عن القرآن، وعدم الالتفات إليه، أو كان ذلك بمنع وصرف من يريد اتباع الرسول، والإقرار بالقرآن الذي أنزله الله تعالى كما يدل عليه قوله بعد: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [سبأ:٦]45.
وفي قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)، إشارة إلى سعى هؤلاء المشركين، وأنه سعي للباطل والضلال، حيث يسعون لإعجاز آيات الله، وغلبتها وصرفها عن طريقها.
وفي تعدية الفعل بحرف الجر «في» الذي يفيد الظرفية، إشارة إلى أنهم يدخلون فى آيات الله ويلبسون الحق بالباطل، إذ يحرفون الكلم عن مواضعه، ويلقون فيه بالهذر من القول، والسخف من الكلام46.
ويكون المعنى: والذين جهدوا في إبطال آياتنا، ورد دعوة الدين، والتكذيب بها، وثبطوا الناس عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، ظناً منهم أنهم يعجزوننا ويتفلتون من أمرنا وبعثنا لهم وأننا لا نقدر عليهم، فهم أهل النار الحارة الموجعة، الشديد عذابها ونكالها، المقيمون فيها على الدوام.
وقد بين الله تعالى أن هؤلاء هم أصحاب الجحيم، قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الحج:٥١].
وقال سبحانه: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [سبأ:٥]47.
كما حكى القرآن ذلك عنهم في قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [سبأ:٣٨].
كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [النحل:٨٨]48.
واختلف أهل التفسير في معنى قوله: (ﮫ)، قال الماوردي في تفسير قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) فيه وجهان:
أحدهما: أنه تكذيبهم بالقرآن، قاله يحيى ابن سلام.
الثاني: أنه عنادهم في الدين، قاله الحسن.
(معجزين) قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقرأ الباقون (معاجزين) فمن قرأ معجزين ففي تأويله أربعة أوجه:
أحدها: مثبطين لمن أراد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول السدي.
الثاني: مثبطين في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول مجاهد.
والثالث: مكذبين، حكاه ابن شجرة.
الرابع: معجزين لمن آمن بإظهار تعجيزه في إيمانه.
ومن قرأ (معاجزين) ففي تأويله أربعة أوجه:
أحدها: مشاققين، قاله ابن عباس.
والثاني: متسارعين حكاه ابن شجرة.
والثالث: معاندين، قاله قطرب.
والرابع: معاجزين يظنون أنهم يعجزون الله هرباً، قاله السدي49.
ثم أخبر عن هؤلاء أنهم أصحاب النار بقوله: (ﮄ ﮅ ﮆ) [الحج:٥١].
وقوله: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [سبأ:٥].
وقال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [النحل:٨٨].
فالعذاب من الرجز الأليم المذكور في «سبأ» هو عذاب الجحيم المذكور في الحج50.
ثم توعدهم الله تعالى بالويل: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [إبراهيم:٢-٣]51.
وأخبر تعالى أن أهل الكتاب يصدون عن سبيل الله، فقال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [التوبة:٣٤].
وكذلك قال تعالى عن المشركين: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الحج:٢٥].
وكذا قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الأنفال:٤٧]52.
يقول تعالى بعد أمره المؤمنين بالإخلاص في القتال في سبيله، وكثرة ذكره، ناهياً لهم عن التشبه بالمشركين في خروجهم من ديارهم، ( ﭧ) أي : دفعاً للحق، ( ﭨ ﭩ) وهو المفاخرة والتكبر عليهم، كما قال أبو جهل: لما قيل له: إن العير قد نجا فارجعوا، فقال: لا والله لا نرجع، حتى نرد ماء بدر، وننحر الجزر، ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان، وتتحدث العرب بمكاننا فيها يومنا أبداً، فانعكس ذلك عليه أجمع، لأنهم لما وردوا ماء بدر وردوا به الحمام، وركموا في أطواء بدر مهانين أذلاء، صغرةً أشقياء في عذاب سرمدي أبدي، ولهذا قال: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) أي : عالم بما جاءوا به وله، ولهذا جازاهم عليه شر الجزاء لهم53.
٢. السعي بالإفساد في الأرض.
إن السعي بالفساد من سجايا اليهود قولًا وفعلًا.
قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [المائدة:٦٤]
قال أبو جعفر الطبري: «يقول تعالى ذكره: ... ويعمل هؤلاء اليهود والنصارى بمعصية الله، فيكفرون بآياته ويكذبون رسله، ويخالفون أمره ونهيه، وذلك سعيهم فيها بالفساد والله لا يحب المفسدين»، يقول: والله لا يحب من كان عاملاً بمعاصيه في أرضه»54، أي: من سجيتهم أنهم دائماً يسعون في الإفساد في الأرض، والله لا يحب من هذه صفته55.
وصفة السعي بالفساد من صفات الملوك الجبابرة، قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النمل:٣٤].
وقال تعالى عن فرعون: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النازعات:٢٢].
فبعد أن رأى فرعون الآية الكبرى، وهي المعجزة الكبرى الدالة على صدق نبوته، وهي انقلاب العصا حيةً أو اليد، ومع ذلك كذب وخالف، كما قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) أي: فكذب فرعون بموسى وبما جاء به وبالحق، وعصى الله عز وجل فلم يطعه، وتولى وأعرض عن الإيمان، وأخذ يسعى بالفساد في الأرض، ويجتهد في مكايدة موسى ومعارضة ما جاء به والعمل على إبطال أمره56.
وكذلك يسعى المنافقون في الفساد في الأرض، قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:٢٠٤-٢٠٥].
فالمنافق إذا تولى وأعرض وأدبر أو تولى إذا أصبح واليًا سلطانًا جارٍ، (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:٢٠٥]57.
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول الآية أقوالًا:
قال القاضي ابن عطية: «قال السدي: «نزلت في الأخنس بن شريق، واسمه أبي، والأخنس لقب، وذلك أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأظهر الإسلام، وقال: الله يعلم أني صادق، ثم هرب بعد ذلك، فمر بقوم من المسلمين، فأحرق لهم زرعاً، وقتل حمرًا، فنزلت فيه هذه الآيات ، وما ثبت قط أن الأخنس أسلم.
وقال ابن عباس: نزلت في قوم من المنافقين تكلموا في الذين قتلوا في غزوة الرجيع عاصم بن ثابت وخبيب وابن الدثنة وغيرهم قالوا: ويح هؤلاء القوم لا هم قعدوا في بيوتهم ولا أدوا رسالة صاحبهم، فنزلت هذه الآيات في صفات المنافقين.
ثم ذكر المستشهدين في غزوة الرجيع في قوله: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) الآية، وقال قتادة ومجاهد وجماعة من العلماء: نزلت هذه الآيات في كل مبطن كفر أو نفاق أو كذب أو إضرار وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك، فهي عامة»58.
وقوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ) .
قال المفسرون إن : المراد الأخنس في إحراقه الزرع وقتله الحمر، وقال مجاهد: المراد أن الظالم يفسد في الأرض فيمسك الله المطر فيهلك الحرث والنسل، وقيل: المراد أن المفسد يقتل الناس فينقطع عمار الزرع والمنسلون، وقال الزجاج: يحتمل أن يراد بالحرث : النساء وبالنسل نسلهن»59.
قال القاضي أبو محمد بن عطية: «والظاهر أن الآية عبارة عن مبالغة في الإفساد، إذ كل فساد في أمور الدنيا، فعلى هذين الفصلين يدور»60.
أي: أن المنافق أعوج المقال سيء الفعال، كلامه كذب، واعتقاده فاسد، وأفعاله قبيحة، وليس له همة إلا الفساد في الأرض وإهلاك الحرث، وهو محل نماء الزروع والثمار والنسل، وهو نتاج الحيوانات اللذين لا قوام للناس إلا بهما، ( ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) أي : لا يحب من هذه صفته، ولا من يصدر منه ذلك61.
ومن الفساد في الأرض محاربة الله ورسوله كقطع الطريق وقتل النفس ونقض العهود والمواثيق.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [المائدة:٣٣-٣٤].
والمحاربة هي المضادة والمخالفة، وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل، وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر، 62 حتى قال كثير من السلف، منهم سعيد بن المسيب: إن قطع الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض.
وقد قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:٢٠٥].
ثم قال بعضهم: نزلت هذه الآية الكريمة في المشركين، كما روى ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري، قالا: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا عليه، لم يكن عليه سبيل، وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل، أو أفسد في الأرض، أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه، لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصاب.
قال الإمام ابن كثير: «والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات.
كما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قلابة واسمه عبدالله ابن زيد الجرمي البصري عن أنس بن مالك أن نفرًا من عكل ثمانية، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا المدينة، وسقمت أجسامهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال (ألا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبوا من أبوالها وألبانها) فقالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا، فقتلوا الراعي، وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا6364.
وقال ابن عاشور: «وفي الآية الكريمة إشارة إلى بني إسرائيل، وإلى أنهم هم الوجه البارز فى الإنسانية، الذي تظهر فيه تلك المنكرات ظهوراً واضحاً، حتى لتكاد تكون الأصل الذي يقاس عليه كل منكر يظهر في الناس. فهم يحادون الله ورسوله، والمحادة هي العدوان على حدود الله، والاستباحة لحرماته»65.
٣. السعي في خراب المساجد.
إن السعي في خراب المساجد من أظلم الظلم كما قال ربنا جل وعلا: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [البقرة:١١٤].
أي: لا أظلم ممن اجتهد وبذل وسعه في خرابها الحسي والمعنوي، فالخراب الحسي: هدمها وتخريبها، وتقذيرها، والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم الله فيها، وهذا عام، لكل من اتصف بهذه الصفة66.
وقد اختلف المفسرون في المراد من الذين منعوا مساجد الله وسعوا في خرابها؟ على قولين:
القول الأول: إن المراد بالذين منعوا مساجد الله وسعوا في خرابها بأنهم هم النصارى قال مجاهد: هم النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ويمنعون الناس أن يصلوا فيه وعن قتادة قال: هو بختنصر وأصحابه، خرب بيت المقدس، وأعانه على ذلك النصارى، وقال سعيد عن قتادة: قال أولئك أعداء الله، النصارى حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس، حتى خربه وأمر أن تطرح فيه الجيف67.
وهذا القول اختاره ابن جرير، واحتج بأن قريشًا لم تسع في خراب الكعبة، وأما الروم فسعوا في تخريب بيت المقدس.
قال ابن جرير: «والدليل على صحة ما قلنا في ذلك، قيام الحجة بأن لا قول في معنى هذه الآية إلا أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرناها، وأن لا مسجد عنى الله عز وجل بقوله: (ﭽ ﭾ ﭿ)، إلا أحد المسجدين، إما مسجد بيت المقدس، وإما المسجد الحرام، وإذ كان ذلك كذلك، وكان معلوماً أن مشركي قريش لم يسعوا قط في تخريب المسجد الحرام، وإن كانوا قد منعوا في بعض الأوقات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الصلاة فيه صح وثبت أن الذين وصفهم الله عز وجل بالسعي في خراب مساجده، غير الذين وصفهم الله بعمارتها، إذ كان مشركو قريش بنوا المسجد الحرام في الجاهلية، وبعمارته كان افتخارهم، وإن كان بعض أفعالهم فيه، كان منهم على غير الوجه الذي يرضاه الله منهم.
وأخرى أن الآية التي قبل قوله: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) مضت بالخبر عن اليهود والنصارى وذم أفعالهم، والتي بعدها نبهت بذم النصارى والخبر عن افترائهم على ربهم، ولم يجر لقريش ولا لمشركي العرب ذكر، ولا للمسجد الحرام قبلها، فيوجه الخبر بقول الله عز وجل: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) إليهم وإلى المسجد الحرام.
وإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بالآية أن يوجه تأويلها إليه، وهو ما كان نظير قصة الآية قبلها والآية بعدها، إذ كان خبرها لخبرهما نظيراً وشكلاً إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها بخلاف ذلك، وإن اتفقت قصصها فاشتبهت»68.
القول الثاني: إن المراد بهم المشركون الذين حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وبين أن يدخلوا مكة، حتى نحر هديه بذي طوى، وهادنهم، فعن ابن عباس أن قريشاً منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام، فأنزل الله: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)69.
ورجح هذا القول الإمام ابن كثير فقال في ترجيح هذا القول:«شرع في ذم المشركين الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة، ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام، وأما اعتماده على أن قريشاً لم تسع في خراب الكعبة، فأي خراب أعظم مما فعلوا؟ أخرجوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الأنفال:٣٤].
وقال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [التوبة:١٧-١٨].
وقال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الفتح:٢٥].
وقال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [التوبة:١٨].
فإذا كان من هو كذلك مطرودًا منها مصدودًا عنها، فأي خراب لها أعظم من ذلك؟
وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط، إنما عمارتها بذكر الله فيها وإقامة شرعه فيها، ورفعها عن الدنس والشرك»70.
وقوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) هذا خبر معناه الطلب، أي: لا تمكنوا هؤلاء إذا قدرتم عليهم من دخولها، إلا تحت الهدنة والجزية، وهذا إنما كان تصديقاً وعملاً بقوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [التوبة:٢٨].
وقال بعضهم: ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين، على حال التهيب وارتعاد الفرائص من المؤمنين، أن يبطشوا بهم فضلاً أن يستولوا عليها ويمنعوا المؤمنين منها، والمعنى: ما كان إلا الحق والواجب إلا ذلك، لولا ظلم الكفرة وغيرهم.
وقيل: إن هذا بشارة من الله للمسلمين، أنه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد، وأنه يذل المشركين لهم، حتى لا يدخل المسجد الحرام أحد منهم، إلا خائفاً يخاف أن يؤخذ فيعاقب أو يقتل، إن لم يسلم، وقد أنجز الله هذا الوعد، كما تقدم من منع المشركين من دخول المسجد الحرام، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا يبقى بجزيرة العرب دينان، وأن يجلى اليهود والنصارى منها، ولله الحمد والمنة. وما ذاك إلا تشريف أكناف المسجد الحرام، وتطهير البقعة التي بعث الله فيها رسوله إلى الناس كافةً، بشيراً ونذيراً، صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الخزي لهم في الدنيا، لأن الجزاء من جنس العمل، فكما صدوا المؤمنين عن المسجد الحرام، صدوا عنه، وكما أجلوهم من مكة أجلوا عنها، ولهم في الآخرة عذاب عظيم على ما انتهكوا من حرمة البيت، وامتهنوه من نصب الأصنام حوله، ودعاء غير الله عنده، والطواف به عرياً وغير ذلك من أفاعيلهم التي يكرهها الله ورسوله71.
وإذا كان لا أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، فلا أعظم إيماناً ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية، كما قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [التوبة:١٨]72.
وعلى أي حال، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فتشمل أهل الكتاب والمشركين ومن على شاكلتهم، في كل زمان ومكان، وينطبق على ما وقع من تيطس الروماني الذي دخل بيت المقدس بعد موت المسيح بنحو سبعين سنة وخربها، وهدم هيكل سليمان عليه السلام، وأحرق بعض نسخ التوراة، وكان المسيح قد أنذر اليهود بذلك، كما ينطبق على مشركي مكة الذين منعوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من دخول مكة، وكذلك على الصليبيين الذين أغاروا على بيت المقدس وغيره من بلاد المسلمين، وصدهم عن المسجد الأقصى وتخريبهم كثيراً من المساجد، ويتكرر الأمر من اليهود في الوقت الحاضر بتخريب كثير من مساجد فلسطين، وإحراق المسجد الأقصى، ومحاولات هدمه المتكررة73.
قال وهبة الزحيلي: «إن تدمير المساجد أو الصد عنها جرم عظيم، لا يرتكبه إلا من فقد الإيمان، وعادى جوهر الدين، واتبع الأهواء، وحارب الأخلاق والفضائل، ولم يقدم على تلك الجريمة في الماضي أو في العصر الحاضر، سواءً في ديار الإسلام أو غيرها إلا الملحدون المارقون من الدين، الذين يبتغون نشر الإلحاد وتقويض دعائم الدين والإسلام»74.
بدهي أن يكتب السعي ويحاسب عليه؛ لأن ذلك سنة الله الجارية في الخلق وسيكون هذا المبحث عن ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: كتابة السعي:
بين الله تعالى أنه يكتب سعي المؤمن الذي يعمل الصالحات في قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الأنبياء:٩٤].
والمعنى: فمن عمل بما أمره الله به من العمل الصالح، وأطاعه في أمره ونهيه، وهو مقر بوحدانية الله؛ مصدق بوعده ووعيده متبرئ من الأنداد والآلهة، فإن الله يشكر عمله الذي عمل له مطيعاً له، وهو به مؤمن، فيثيبه في الآخرة ثوابه الذي وعد أهل طاعته أن يثيبهموه، ولا يكفر ذلك له فيجحده، ويحرمه ثوابه على عمله الصالح (ﭷ ﭸ ﭹ) يقول: ونحن نكتب أعماله الصالحة كلها، فلا نترك منها شيئاً لنجزيه على صغير ذلك وكبيره وقليله وكثيره. وإنا مثبتون له ذلك فى صحيفة أعماله، لا نترك منه شيئاً جل أو قل، عظم أو حقر، والكتابة تكون في اللوح المحفوظ، وفي الصحف التي مع الحفظة أو في صحيفة عمله 75.
وهذا مثل قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [آل عمران:١٩٥].
أي: كل ذلك محفوظ ليجازي به76.
وأكد ذلك بقوله:(ﭷ ﭸ ﭹ) مؤكدًا بحرف التأكيد للاهتمام به، والكتابة كناية عن تحققه وعدم إضاعته؛لأن الاعتناء بإيقاع الشيء يستلزم الحفظ عن إهماله وعن إنكاره، ومن وسائل ذلك كتابته ليذكر ولو طالت المدة. وهذا لزوم عرفي77.
كما بين سبحانه أنه يكتب سعي وعمل الكافر في مواضع متعددة من كتابه، كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [يونس:٢١].
وقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الزخرف:٨٠].
وقوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الجاثية:٢٩].
وقوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الزخرف:١٩].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [آل عمران:١٨١].
وقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الانفطار:١٠-١٢].
وقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الكهف:٤٩].
وقوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الإسراء:١٣-١٤].
إلى غير ذلك من الآيات78.
كما أخبر الله تعالى عن كتابة السعي بخيره وشره للمسلم والكافر.
قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [يس:١٢]79.
فما قدموا هو أفعالهم وآثارهم أفعال الشاكرين فبشرهم حيث يؤاخذون بها ويؤجرون عليها والثالث: ما ذكرنا أن الآثار الأعمال وما قدموا النيات فإن النية قبل العمل80.
وقوله: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) يحتمل وجوهًا:
أحدها: أن يكون ذلك بياناً لكون ما قدموا وآثارهم أمرًا مكتوبًا عليهم لا يبدل، فإن القلم جف بما هو كائن فلما قال: نكتب ما قدموا بين أن قبل ذلك كتابة أخرى، فإن الله كتب عليهم أنهم سيفعلون كذا وكذا، ثم إذا فعلوه كتب عليهم أنهم فعلوه.
وثانيها: أن يكون ذلك مؤكدًا لمعنى قوله: (ﯢ) ؛ لأن من يكتب شيئًا في أوراق ويرميها قد لا يجدها فكأنه لم يكتب فقال: نكتب ونحفظ ذلك في إمام مبين، وهذا كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [طه:٥٢].
وثالثها: أن يكون ذلك تعميمًا بعد التخصيص كأنه تعالى يكتب ما قدموا وآثارهم وليست الكتابة مقتصرةً عليه، بل كل شيء محصى في إمام مبين، وهذا يفيد أن شيئًا من الأقوال والأفعال لا يعزب عن علم الله ولا يفوته، وهذا كقوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [القمر:٥٢-٥٣].
يعني: ليس ما في الزبر منحصرًا فيما فعلوه، بل كل شيء فعلوه مكتوب.
وقوله: (ﯩ) أبلغ من كتبناه، لأن من كتب شيئًا مفرقًا يحتاج إلى جمع عدده فقال: هو محصى فيه وسمي الكتاب إماماً لأن الملائكة يتبعونه فما كتب فيه من أجل ورزق وإحياء وإماتة اتبعوه.
وقيل هو اللوح المحفوظ، وإمام جاء جمعًا في قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الإسراء:٧١] ، أي : بأئمتهم وحينئذ، فإمام إذا كان فردًا فهو ككتاب وحجاب، وإذا كان جمعًا فهو كجبال وحبال.
والمبين هو المظهر للأمور لكونه مظهرًا للملائكة ما يفعلون وللناس ما يفعل بهم، وهو الفارق يفرق بين أحوال الخلق فيجعل فريقًا في الجنة وفريقًا في السعير81.
ثانيًا: المحاسبة على السعي:
إن كتابة السعي تمثل مرحلةً تمهيديةً للحساب عليه.
وقد عامل الله سبحانه وتعالى البشر بما أمرهم أن يتعاملوا به من توثيق المعاملات بينهم (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [البقرة:٢٨٢].
من أجل أن يعلموا أن السعي في الخير والشر مسجل ومقيد بكل صغيرة وكبيرة ليوم الحساب.
قال تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [النجم:٣٩-٤٠].
أي: أن عمل كل عامل سوف يراه يوم القيامة، من ورد القيامة بالجزاء الذي يجازى عليه، خيراً كان أو شراً، لا يؤاخذ بعقوبة ذنب غير عامله، ولا يثاب على صالح عمله عامل غيره82.
(ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) قيل: معناه يراه الخلق يوم القيامة، والأظهر أنه صاحبه83؛ لقوله: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الزلزلة:٦-٨].
وقد أخبر تعالى بأن الحساب سيكون بموجب الكتابة للأعمال.
قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الإسراء:١٣-١٤].
وقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الكهف:٤٩].
وقوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [ق:١٨]84.
إلا ما سعى بصيغة الماضي دون المستقبل لزيادة الحث على السعي في العمل الصالح وتقريره هو أنه تعالى لو قال: ليس للإنسان إلا ما يسعى، تقول النفس إني أصلي غداً كذا ركعة وأتصدق بكذا درهماً، ثم يجعل مثبتاً في صحيفتي الآن لأنه أمر يسعى وله فيه ما يسعى فيه، فقال: ليس له إلا ما قد سعى وحصل وفرغ منه، وأما تسويلات الشيطان وعداته فلا اعتماد عليها ثم قال تعالى: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ)[النجم:٤٠-٤١]85.
كقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التوبة:١٠٥].
أي: فيخبركم به ويجزيكم عليه أتم الجزاء إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وهكذا قال هاهنا: (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) أي : الأوفر86.
إن المقصود من كتابة السعي لكل إنسان هو الحساب يوم القيامة فكل سعي يعمله الإنسان من خير أو شر فهو مكتوب مسجل له أو عليه، ويعطى له كتابه يوم القيامة بكل ما عمله من خير أو شر، وذلك لإقامة الحجة عليه؛ لأن الله تعالى عليم بكل شيء، ولا يحتاج إلى كتابة تعالى الله علواً كبيراً، و حتى ما يهم به الإنسان من خير فإنه يكتب له.
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنةً فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف ،وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه فإن عملها كتبتها سيئةً واحدةً)87.
فهذا الحديث صريح في أن كل شيء يعمله الإنسان فهو مكتوب عند الحفظة سواءً كان خيراً أو شراً، حتى الهم إذا هم بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة88.
وحساب الله تعالى على الأعمال هو: أن تقابل السيئات بالحسنات، وتقابل الحسنات بالنعم، فإن الإنسان عليه حقوق لله تعالى في مقابل النعم. وبعض الناس يستكثر أعماله فيقول: عملت أعمالاً كثيرةً من صلوات وصدقات وأذكار وقراءة قرآن وجهاد وحج وعمرة وصوم وطواف، ولم أقترف سيئات أبدًا.
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الإسراء:١٣-١٤].
ويخبر سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أنه ما من إنسان إلا وسيجد كتاب أعماله ملازمًا له، ينشر عليه في يوم القيامة، ويقال له: اقرأ كتابك وأنت حسيب نفسك، بعد أن تقف على كل أعمالك التي عملتها في الدنيا، وهذا هو العدل التام، والإنصاف الكامل.
وقال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الحاقة:١٩-٢٩].
وهذا وصف من الله جل وعلا، وتقسيم كذلك لحال الناس بالنسبة لإيتائهم كتبهم: قسم يأخذه بيمينه، ثم يعبر عن سروره وغبطته، وما يصير إليه حاله من النعيم العظيم، والفوز الكبير.
وقسم آخر يأخذه بشماله، ثم يعبر عن حسرته وندامته وتمنيه أنه لم يكلف بقراءة كتاب ولم يوقف لحساب، أو تمنيه كذلك لأن تكون موتته التي ماتها هي القاضية فلا يبعث ولا يحاسب، ثم يتذكر بعض الأسباب التي كانت تحول بينه وبين السعادة في الآخرة، والتي منها اغتراره بالمال والسلطان، وهما آفة الكثير ممن يقع عليهم شدة الحساب ووقوع العذاب.
وقال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الكهف:٤٩].
وهذا تصوير بديع لحالة وقوف الناس على كتبهم خائفين وجلين، وكأنهم قد اطلعوا على ما فيها من تسجيل كامل لجرائمهم التي كانوا يتفننون في ارتكابها، ومع هذا الخوف الشديد، والرهبة الكاملة فهم لا يخفون انزعاجهم من دقة هذا الكتاب، الذي لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها، ووضحها تمام الوضوح، ولكن هذا صنع من يريد العدل سبحانه وتعالى بعباده، فليس هناك خوف من الظلم، فليطمئن كل مخلوق إلى أنه سوف لا يقع عليه إلا ما قدم لنفسه.
قال الإمام ابن كثير في معنى الآية: «(ﭾ ﭿ) أي: كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير، والفتيل والقطمير، والصغير والكبير.
(ﮀ ﮁ ﮂ) أي: من أعمالهم السيئة، وأفعالهم القبيحة، لأن هذا الكتاب لم يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها»89.
وقال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الإسراء:٧١].
يخبر سبحانه وتعالى أنه في يوم القيامة، في موقف فصل القضاء، يدعو كل أمة بإمامهم، أي : كتاب الأعمال ثم يعطون كتب أعمالهم، على ما سبق وصفه، إما باليمين أو بالشمال، وأخبر سبحانه أنه لا يقع على أي مخلوق ظلم أو نقص من عمل، حتى وإن كان شيئًا تافهًا لا يسترعي الانتباه، كالفتيل ومثقال الذرة وما إلى ذلك90.
وهذه الآية كقوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الانشقاق:٧-١٢].
إن هناك أسباب للسعي الممدوح، والسعي المذموم، وهذه الأسباب تعتبر الطرق الموصلة لكلا السعيين، ويمكن بيانها في النقاط الآتية:
أولًا: أسباب السعي الممدوح:
١. الإيمان.
اعتبر القرآن الكريم الأيمان أهم الأسباب الموصلة للسعي الممدوح الموصل إلى الجنة بإذن الله تبارك و تعالى، ولكنه دائماً يأتي مقروناً بالعمل الصالح، لذلك لا تكاد تجد موضع فيه ذكر للأيمان وأنه سبب لدخول الجنة إلا وهو مقرون بالعمل الصالح، وباب الأعمال الصالحة واسع وكبير، وطرق كسب الثواب عظيمة ومتعددة لا يحصيها إلا الله سبحانه وتعالى.
قال تبارك وتعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الإسراء:١٩].
وكذلك قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الأنبياء:٩٤].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الحديد:١٢].
٢. التقوى.
إن التقوى سبب لكثير من أنواع السعي الممدوح.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [آل عمران:١٣٣-١٣٦].
وقال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة:١-٥].
وقوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الأحزاب:٧٠-٧١].
٣. طاعة الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تبارك وتعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النساء:٦٩].
وقال عز وجل: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [النور:٥٢].
وقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الفتح:١٧].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) قالوا يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)91.
كما أن امتثال قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الجمعة:٩].
وكذلك قوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [الصافات:١٠٢].
٤. الجهاد في سبيل الله.
إن الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال من أعظم الأعمال ومن الأسباب التي تجعل المجاهد يعمل السعي الممدوح لما في ذلك من الفضل العظيم.
قال تبارك وتعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [التوبة:١١١].
وقال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الصف:١٠-١٣].
ولما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: (إيمان بالله ورسوله). قيل: ثم ماذا؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) قيل: ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور)92.
٥. التوبة.
إن التوبة تدفع المسلم لمزيد من السعي الممدوح من أجل المحافظة على التوبة والحذر من العودة إلى المعاصي والسيئات.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [مريم:٦٠].
وقال تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [طه:٨٢].
وقال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الفرقان:٧٠-٧١].
وقال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [القصص:٦٧].
فالتوبة تجب ما قبلها وكما قال صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)93.
وقال تبارك وتعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [مريم:٦٠].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [التحريم:٨].
٦. الاستقامة على دين الله.
وقال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [هود:١١٢].
وكذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فصلت:٣٠].
وقوله تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [الأحقاف:١٣-١٤].
إن الاستقامة هي أن يجمع العبد بين فعل الطاعات واجتناب المعاصي؛ لأن التكليف يشتمل على أمر بطاعة تبعث على الرغبة ونهي عن معصية يدعو إلى الرهبة94.
٧. طلب العلم.
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (... ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)95.
وقال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [عبس:٨].
ثانيًا: أسباب السعي المذموم:
١. الكفر والشرك بالله تعالى.
الشرك بالله: بأن يجعل لله شريكاً في الرّبوبية، أو الألوهية، أو الصّفات. فمن اعتقد أنّ مع الله خالقاً مشاركاً، أو منفرداً، أو اعتقد أن مع الله إلهاً يستحق أن يعبد، أو عبد مع الله غيره فصرف شيئاً من أنواع العبادة إليه، أو اعتقد أنّ لأحدٍ من العلم والقدرة والعظمة ونحوها مثل ما لله عزّ وجلّ؛ فقد أشرك بالله شركاً أكبر، واستحقّ الخلود في النار.
قال الله عزّ وجلّ: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المائدة:٧٢].
والكفر بالله عزّ وجلّ، أو بملائكته، أوكتبه، أو رسله، أو اليوم الآخر، أو قضاء الله وقدره: فمن أنكر شيئاً من ذلك تكذيباً، أو جحداً، أو شكّ فيه؛ فهو كافر مخلّد في النار.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النساء:١٥٠-١٥١].
وهؤلاء هم الذين وصف الله سعيهم بأنه ضلال.
قال سبحانه: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الكهف:١٠٤].
٢. الصد عن سبيل الله تعالى.
إن الصد عن سبيل الله تعالى يعتبر من السعي المذموم فاعله.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الحج:٥١].
وقوله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [سبأ:٥].
وقوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [سبأ:٣٨].
٣. النفاق.
وهو أن يكون كافراً بقلبه، ويظهر للناس أنه مسلم، إما بقوله، أو بفعله.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [النساء:١٤٥].
وهذا الصنف أعظم مما قبله؛ ولذلك كانت عقوبة أصحابه أشدّ، فهم في الدرك الأسفل من النار؛ وذلك لأن كفرهم جامع بين الكفر والخداع، والاستهزاء بالله وآياته ورسوله، وكذلك قوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:٢٠٤-٢٠٥].
٤. الفساد في الأرض.
إن الفساد في الأرض بكل صوره وأشكاله من السعي المذموم قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:٢٠٤-٢٠٥].
وقال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [المائدة:٦٤].
٤. الحرابة.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [المائدة:٣٣-٣٤].
٥. الظلم.
ومن أظلم الظلم السعي في خراب المساجد.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [البقرة:١١٤].
وقال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الكهف:٥٧].
٦. فعل الكبائر والمعاصي.
كعقوق الوالدين: وعقوقهما أن يقطع ما يجب لهما من برٍّ وصلةٍ، أو يسيء إليهما بالقول أو الفعل.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الإسراء: ٢٣-٢٤].
وقال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [لقمان:١٤].
وقطيعة الرّحم: وهي أن يقاطع الرجل قرابته فيمنع ما يجب لهم من حقوقٍ بدنيةٍ، أو ماليةٍ، فعن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنّة قاطع)96.
قال سفيان: يعني قاطع رحمٍ، وقال صلى الله عليه وسلم: (خلق اللّه الخلق فلمّا فرغ منه قامت الرّحم فأخذت بحقو الرّحمن فقال له : مه ، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟! قالت :بلى يا ربّ ، قال : فذاك ثمّ ، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : اقرءوا إن شئتم: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [محمد:٢٢-٢٣])97.
وأكل الرّبا: قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [آل عمران:١٣٠-١٣٢].
وقد توعّد الله تعالى من عاد إلى الرّبا بعد أن بلغته موعظة الله، وتحذيره توعّده بالخلود في النار، فقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [البقرة:٢٧٥].
٧. العمل من أجل الدنيا.
أن السعي من أجل الدنيا دون اعتبار قصد الآخرة من السعي المذموم، وعلى العكس من ذلك العمل من أجل الآخرة، فمن كان عمله للدنيا فقط نال منها ما قدره الله له، ولم يكن له في الآخرة نصيب، ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه الله منها مع ما قسم له في الدنيا، كما قال تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الشورى:٢٠].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الإسراء:١٨-١٩].
ولهذا قال هاهنا (ﮪ ﮫ) أي سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم98.
إن السعي بنوعيه الممدوح والمذموم لكل منهما جزاء في الدنيا والآخرة، وهذا الجزاء يدفع بالمسلم للسعي الممدوح حتى ينال الجزاء المترتب عليه، ويجتنب السعي المذموم حتى لا يناله الجزاء على ذلك أيضاً، كما أن معرفة الجزاء يدفع المسلم للإقدام على السعي الممدوح، واجتناب السعي المذموم، وفي هذا المبحث سيتم بيان هذين النوعين من الجزاء كما يأتي:
أولًا: جزاء السعي الممدوح في الدنيا والآخرة:
١. جزاء السعي الممدوح في الدنيا.
إن للسعي الممدوح جزاءٌ عاجلٌ في الدنيا قبل الثواب في الآخرة، وليس جزاء العمل الصالح مقتصرًا على الجزاء الأخروي فقط كما يظن ذلك كثير من الناس، بل إن الله تعالى يجازي من يعمل صالحاً جزاءً دنيوياً عاجلًا كما دلت على ذلك النصوص، ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله لا يظلم مؤمناً حسنةً، يعطى بها في الدّنيا ويجزى بها في الآخرة) 99.
فمن ذلك ما يأتي:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [مريم:٩٦].
وفي الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريل: إن الله تعالى يحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إنّ الله يحبّ فلانًا فأحبّوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)100.
فينثي الله عليه ثناءً حسنًا جزاءً على السعي الممدوح في الدنيا، كما قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البينة:٧].
فقد أثنى الله تعالى عليهم بأنهم خيرية البرية، والبرية كل من خلق الله على العموم101.
ويكفي العمل الصّالح فضلًا، ويكفي أهله شرفًا أنّ الله تعالى زكّاهم وأثنى عليهم، فيا له من فضلٍ وشرفٍ لمخلوقٍ يزكّيه الخالق سبحانه وتعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البينة:٧]. فجعلهم سبحانه خير الخليقة.
وفي آيةٍ أخرى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [ص:٢٤].
فالعمل الصالح سبب لسعادة القلب وفرحه، وذهاب همه وغمه؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتاح بالصلاة، وجعلت قرة عينه فيها، وكان إذا حزبه أمر صلى، والمؤمن يجد لذةً وسعادةً عقب كل عمل صالح يعمله، وهذه السعادة التي لا تشترى بمال، ولا تنال بجاه، وهي من الجزاء العاجل على العمل الصالح: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النحل:٩٧] فمن الّذي لا يريد الحياة الطّيّبة الهانئة؟! والحياة الطّيّبة تشمل وجوه الرّاحة من أيّ جهةٍ كانت.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النور:٥٥].
وعد الله الذين آمنوا بالله ورسوله منكم أيها الناس، وعملوا الصالحات وأطاعوا الله ورسوله فيما أمراه ونهياه (ﭳ ﭴ ﭵ) أي : ليورثنهم الله أرض المشركين من العرب والعجم، فيجعلهم ملوكها وساستها (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) أي : كما فعل من قبلهم ذلك ببني إسرائيل، إذ أهلك الجبابرة بالشأم، وجعلهم ملوكها وسكانها (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) يقول: وليوطئن لهم دينهم، يعني: ملتهم التي ارتضاها لهم، (ﮁ) بمعنى: وليغيرن حالهم عما هي عليه من الخوف إلى الأمن، قال أبي ابن كعب: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة آوتهم الأنصار ومنهم العرب عن قوس واحدهً، وكانوا لا يبيتون إلا مع السلاح، ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا: أترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله، فنزلت هذه الآية»، وقد حقّق الله تعالى ذلك للمسلمين الأولين لما آمنوا وعملوا الصالحات، ففتحوا مشارق الأرض ومغاربها، ومنحهم التمكين والعزّة والقوة102.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الطلاق:٢].
وقال سبحانه: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الطلاق:٣].
وقال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الطلاق:٤].
وفي الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدّت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم....)103.
وفي هذا الحديث الشريف؛ أنّ السعي والعمل الصالح مع الإخلاص: يفرّج الكروب، وينجي من الشدائد والصعاب.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [محمد:٧].
وقوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الحج:٤٠].
فمن ينصر دين الله في الأرض، ينصره الله تعالى على أعدائه، وهذا ما حقّقه المسلمون، إذ نصروا دين الله تعالى، فنصرهم الله، مع قلّة عددهم وكثرة عدوهم.
قال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [سبأ:٣٩].
وعن أسماء رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا توكي فيوكى عليك) أي: لا تدّخري ما عندك، وتمنعي ما عندك، فينقطع الله عنك الرزق. والإيكاء: شد رأس الوعاء بالوكاء، وهو الرباط الذي يربط به، وفي رواية: (أنفقي ولا تحصي، فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك)104.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نفّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة. ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه. ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)105.
قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [محمد:٢]أي: أصلح دينهم ودنياهم، وقلوبهم وأعمالهم، وأصلح ثوابهم، بتنميته وتزكيته، وأصلح جميع أحوالهم. فإصلاح البال يجمع إصلاح الأمور كلها؛ لأن تصرفات الإنسان تأتي على حسب رأيه، والمعنى: أقام أنظارهم وعقولهم فلا يفكرون إلا صالحاً، ولا يتدبرون إلا ناجحاً106.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الكهف:٨٢].
قال ابن عباس رضي الله عنه: «حفظا بصلاح أبيهما، وقيل: كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء، قال محمد بن المنكدر: إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده، وعترته وعشيرته وأهل دويرات حوله، فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم»107.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأعراف:١٩٦].
فهذه الآية دليل على أنّ من سنّته سبحانه وتعالى أن ينصر الصّالحين من عباده ولا يخذلهم.
وقوله تعالى : (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الشورى:٢٦] أي: إذا دعوه استجاب دعاءهم، وأعطاهم ما طلبوا وزادهم على مطلوبهم.
٢. جزاء السعي الممدوح في الآخرة.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الإسراء:١٩]يعني: فمن فعل ذلك (ﭭ ﭮ) يعني : عملهم بطاعة الله (ﭯ) وشكر الله إياهم على سعيهم ذلك حسن جزائه لهم على أعمالهم الصالحة، وتجاوزه لهم عن سيئها برحمته، ويضعف لهم الحسنات، ويمحو عنهم السيئات، ويرفع لهم الدرجات108.
قال القاضي ابن عطية: «وذلك كله مرتبط متلازم ثم شرط في مريد الآخرة أن يسعى لها سعيها، وهو ملازمة أعمال الخير وأقواله على حكم الشرع وطرقه، فأولئك يشكر الله سعيهم ولا يشكر الله عملاً ولا سعياً إلا أثاب عليه وغفر بسببه»109.
وقد أوضح تعالى هذا في آيات كثيرة؛ كقوله: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النساء:١٢٤].
وقوله: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النحل:٩٧].
وقوله: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [غافر:٤٠] إلى غير ذلك من الآيات110.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الحديد:١٢].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [التحريم:٨].
يقول تعالى مخبرًا عن المؤمنين المتصدقين أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة، بحسب أعمالهم، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «يسعى نورهم بين أيديهم على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة ومنهم من نوره مثل الرجل القائم، وأدناهم نوراً من نوره في إبهامه يتقد مرةً ويطفأ مرةً»111.
قال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ) [الغاشية:٩].
أي: لعملها الذي عملت في الدنيا من طاعة ربها راضية، وقيل: والمعنى: لثواب سعيها في الآخرة راضية، يعني: رأى ثوابه في الجنة، راضية مرضية، رضي الله عنه بعمله في الدنيا، ورضي العبد من الله تعالى في الآخرة، من الثواب في جنة عالية يعني: ذلك الثواب في جنة عالية، مرتفعة في الدرجات العلى112.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الغاشية:١٠-١٦].
قال الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ) [الغاشية:٩] :«فيه تأويلان:
أحدهما : أنهم حمدوا سعيهم واجتهادهم في العمل لله، لما فازوا بسببه من العاقبة الحميدة كالرجل يعمل العمل فيجزى عليه بالجميل، ويظهر له منه عاقبة محمودة فيقول، ما أحسن ما عملت، ولقد وفقت للصواب فيما صنعت فيثني على عمل نفسه ويرضاه.
والثاني: المراد لثواب سعيها في الدنيا راضية إذا شاهدوا ذلك الثواب، وهذا أولى، إذ المراد أن الذي يشاهدونه من الثواب العظيم يبلغ حد الرضا حتى لا يريدوا أكثر منه، وإما وصف دار الثواب»113.
ثانيًا: جزاء السعي المذموم في الدنيا والآخرة:
١. جزاء السعي المذموم في الدنيا.
قال تعالى مخبرًا عن بني إسرائيل: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الصف:٥].
لما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الشك والحيرة.
قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ) [التوبة:٦٧].
وقال تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [الأعراف:٥١].
وقال سبحانه: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [السجدة:١٤]ذوقوا العذاب بسبب تكذيبكم به وتناسيكم له، يقول الله تعالى ذلك من باب المقابلة؛ لأنّ الله تعالى لا ينسى شيئًا، ولا يضلّ عنه شيء. وقد حذّر الله تعالى عباده أن ينسوه فقال: (ﯓ ﯔ ﯕ) [التوبة:٦٧].
قال تعالى في المنافقين: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة:١٤-١٥].
وقال تعالى في المنافقين: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [التوبة:٧٩].
وأما المكر: تدبير الأمر في خفية، والمكر من الله تعالى هو جزاؤهم بالعذاب مع مكرهم من حيث لا يشعرون. وقال سبحانه: (ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأنفال:٣٠].
وقال: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [النمل:٥٠].
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [البقرة:١١٤].
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [المائدة:٣٣-٣٤].
قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [المائدة:٦٤].
قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الكهف:١٠٤-١٠٨].
٢. جزاء السعي المذموم في الآخرة.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الحج:٥١].
وهو العذاب من رجز أليم: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [سبأ:٥].
وقال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [سبأ:٣٨].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الإسراء:١٨-١٩].
يخبر تعالى أنه ما كل من طلب الدنيا وما فيها من النعيم يحصل عليه، بل إنما يحصل لمن أراد الله وما يشاء، وهذه مقيدة لإطلاق ما سواها من الآيات، فإنه قال: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) أي: في الدار الآخرة (ﭠ) أي يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه (ﭡ) أي : في حال كونه مذموماً على سوء تصرفه وصنيعه، إذ اختار الفاني على الباقي ( ﭢ) مبعداً مقصياً حقيراً ذليلاً مهاناً114.
قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الكهف:١٠٤-١٠٦].
وقد أوضح جل وعلا هذا المفهوم في آيات أخر؛ كقوله في أعمال غير المؤمنين: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الفرقان:٢٣].
وقوله: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [إبراهيم:١٨].
وقوله: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [النور:٣٩].
إلى غير ذلك من الآيات.
قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [هود:١٥-١٦].
وقوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الشورى:٢٠]115، ومثل ذلك قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [هود:١٥-١٦].
وتوفيتهم أعمالهم، إنالتهم ثمراتها مكملةً في الدنيا، (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) : لا ينقصون من جزائهم عليها بتحصيل المسببات التي توسلوا إليها بأسبابها. ثم في الآخرة تحبط تلك الأعمال فلا يكون عليها من جزاء ولا لها من ثمرة، لأنها كانت أعمالًا باطلةً لا ثبات لها116.
موضوعات ذات صلة: |
الرزق، السير، العمل، الكسب، المشي |
1 انظر: تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة ص ٢٧٤، الكشف والبيان، الثعلبي ٢/٢٥٧، التفسير الوسيط، الواحدي ١/٣٧٦.
2 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤١١.
3 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤١٢، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٢٢٢.
4 انظر: لسان العرب، ابن منظور١٤/٣٨٦، تاج العروس، الزبيدي ٣٨/٢٨٠، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٤٣١.
5 انظر: المصباح المنير، الفيومي ١/٢٧٧.
6 انظر: معاني القرآن، الفراء ٢/٣٨٩، أحكام القرآن، الجهضمي ص ١٩٨.
7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٣٥١.
8 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٥٨، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص ٣٤٩.
9 مقاييس اللغة ٤/١٤٥.
وانظر: لسان العرب، ابن منظور ١١/٤٧٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٤/١٠١.
10 انظر: معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي ص ٣٢٢.
11 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/١٩٥.
12 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٥٧.
13 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٤٦٧، النكت والعيون، الماوردي ٦/٢٨٧، التفسير الوسيط، الواحدي ٤/٥٠٢ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٠٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٣٨٠.
14 انظر: معاني القرآن، الأخفش ٢/٥٤٢، جامع البيان، الطبري ٢٣/٣٨٠، مفاتيح الغيب، الرازي ٤/١٣٩، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٣/٧٥.
15 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٣٨٠، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٣٦١، النكت والعيون، الماوردي٦/٨، التفسير الوسيط، الواحدي ١/٢٤١، تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣٥٥.
16 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/١٠١، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٣٢٣، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٢٥٠.
17 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل، رقم ٥٣٥٣، ٧/٦٢.
18 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، رقم ٢٩٨٢، ٤/٢٢٨٦.
19 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٩/١٠٣، النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٢/٣٨٥.
20 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب اللعان، رقم ٥٣٠٤، ٧/٥٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، رقم ٢٩٨٣، ٤/٢٢٨٧، عن سهل بن سعد.
21 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم ١٨/١١٢، شرح صحيح البخارى، ابن بطال ٩/٢١٨.
22 انظر: تفسير المراغي ٢٢/١٥٣، مدارك التنزيل، النسفي ٣/١٠٠.
23 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٢٦٢.
24 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/١٤، الدر المنثور، السيوطي ٧/٥١.
25 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٣٧٥.
26 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الملاحم، باب الأوامر والنواهي، رقم ٤٣٤٤، ٤/١٢٤، والترمذي في سننه، كتاب الفتن، باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، رقم ٢١٧٤، ٤/٤٧١، والنسائي في سننه، كتاب البيعة، فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر، رقم ٤٢٠٩، ٧/١٦١.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٤٠.
27 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/١٥٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٣٠٦، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٢/١٢٢٦، أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٣٨٤.
28 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/١٥٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٣٠٦، أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٣٨٤.
29 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/٤٠٣.
30 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٢١٥، فتح القدير، الشوكاني ٥/٤٦٣، تفسير المراغي ٣٠/٤١، التفسير الوسيط، طنطاوي ١٥/٢٨٤.
31 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢٥٩.
32 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، ٣٦٤١، ٣/٣١٧، والترمذي في سننه، أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم ٢٦٨٢، ٥/٤٨، وابن ماجه في سننه، كتاب الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم ٢٢٣، ١/٨١ .
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٢١١٧، ٢/١٠٧٩.
33 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، رقم ٢٦٩٩، ٤/٢٠٧٤.
34 انظر: فتح الباري، ابن حجر ١/١٧٤، فيض القدير، المناوي ٦/١٥٤، دليل الفالحين، البكري ٧/١٧٥.
35 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، رقم ٧١، ١/٢٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الكسوف، باب النهي عن المسألة، رقم ١٠٣٧، ٢/٧١٩.
36 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٦٣، أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٣٤١.
37 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٢/٣٤٦، تفسير القرآن، السمعاني ٢/٢٩٤، الكشاف، الزمخشري٢/٢٥٤، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٨٦.
38 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٢٥٥، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/١٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٩٠.
39 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٠٥.
40 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٦/٢٢٨.
41 انظر: موارد الظمآن لدروس الزمان، عبدالعزيز السلمان ٣/٤٦٧.
42 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/١٣٨، النكت والعيون، الماوردي ٤/٢٤٤، تفسير القرآن، السمعاني ٤/١٣٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٤١.
43 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٨٢٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٥/١٢٦.
44 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٧٧، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٣٩٠.
45 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٢١٨، أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٢٦٤.
46 انظر: التفسير القرآني للقرآن، يونس الخطيب ٩/١٠٥٩.
47 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/٤٤٧.
48 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٧/٢٤٤.
49 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣.
50 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٢٧٦، جامع البيان، الطبري ١٨/٦٦١، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٣٣، تفسير المراغي ١٧/١٢٦.
51 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/٢١٦، التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٢٣، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٣٣، تفسير المراغي ١٧/١٢٦.
52 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٣/١٠٣.
53 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٩٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٦٣.
54 جامع البيان ١٠/٤٦١.
وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٣٣.
55 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٢/١٨٩، تفسير الراغب الأصفهاني ٥/٣٩٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٣٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦/٢٤٨.
56 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٢٠٢، تفسير القرآن، السمعاني ٦/١٥٠، مدارك التنزيل، النسفي ٣/٥٩٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٢١٨ التفسير القرآني للقرآن، يونس الخطيب ١٦/١٤٣٩.
57 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١/٣١٠، تفسير الراغب الأصفهاني ١/٤٢٨.
58 المحرر الوجيز ١/٢٧٩.
وانظر: جامع البيان، الطبري ٤/٢٣٢، التفسير الوسيط، الواحدي ١/٣١٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٨٥.
59 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٢٠٢، تفسير القرآن، السمعاني ٦/١٥٠، مدارك التنزيل، النسفي ٣/٥٩٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٢١٨.
60 انظر: المحرر الوجيز ١/٢٧٩.
61 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٢٠.
62 الحرابة هي: قطع الطريق وإشهار السلاح خارج المصر، وقال البعض تتحقق الحرابة داخل المصر..والمحارب وفسره الجمهور في هذه الآية بالذي يقطع الطريق على الناس، مسلماً كان أو كافرًا.
انظر: معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي ص ١٧٧، القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ص ٨٣، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٨٤، البحر المحيط، أبو حيان ٤/٢٤٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/١٥٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور٦/١٨٢.
63 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق، رقم ٣٠١٨، ٤/٦٢، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب حكم المحاربين والمرتدين، رقم ١٦٧١، ٣/١٢٩٦.
64 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٢٤٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٨٥.
65 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦/١٨٠.
66 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٥٢٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٦٩.
67 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٥٢٠، تفسير القرآن، السمعاني ١/١٢٨، النكت والعيون، الماوردي ١/١٧٣، تفسير الراغب الأصفهاني ١/٢٩٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٦٩.
68 جامع البيان ٢/٥٢٠.
69 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٥٢٠، التفسير الوسيط، الواحدي ١/١٩٢، تفسير القرآن، السمعاني ١/١٢٨، النكت والعيون، الماوردي ١/١٧٣، تفسير الراغب الأصفهاني ١/٢٩٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٦٩.
70 تفسير القرآن العظيم ١/٢٧٠.
71 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١/١٩٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٧٠.
72 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ١/٤٣.
73 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١/٢٨٠.
74 انظر: المصدر السابق ١/٢٨١.
75 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٥٢٤، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٠٤، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٤٢٠، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/١٨٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/١٤٣، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٣٠، تفسير المراغي ١٧/٧٠.
76 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٦٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣٣٩.
77 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور١٧/١٤٤.
78 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٥٢٤، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٠٤، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/١٨٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/١٤٣، أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٥٠٨.
79 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٢١.
80 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٢٥٨.
81 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٢٥٩، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٩٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٢٦، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٦/١٨٠.
82 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٤٧، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/٧٦.
83 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/١٧٢، التفسير الوسيط، الواحدي ٤/٢٠٤، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٣١١.
84 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٢٩١.
85 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٢٧٧، لباب التأويل، الخازن ٤/٢١٤، الجواهر الحسان، الثعالبي ٥/٣٣١.
86 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٤٧، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/١٧٢، التفسير الوسيط، الواحدي ٤/٢٠٤، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٣١١، التسهيل لعلوم التنزيل تفسير ابن جزي ٢/٣٢٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٣٢.
87 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد، ١/١١٧، رقم ١٢٨.
88 انظر: تفسير المراغي ٢٧/٦٦.
89 تفسير القرآن العظيم ٧/٤٣٢.
90 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٤٧، التفسير الوسيط، الواحدي ٤/٢٠٤، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٣١١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٣٢.
91 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم ٧٢٨٠، ٩/٩٢.
92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من قال إن الإيمان هو العمل، رقم٢٦، ١/١٤.
93 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد باب ذكر التوبة، رقم ٤٢٥٠، ٢/١٤١٩، من حديث ابن مسعود.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٣٠٠٨، ١/٥٧٨.
94 النكت والعيون، الماوردي ٥/١٨٠.
95 سبق تخريجه.
96 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب إثم القاطع، رقم ٥٩٨٤، ٨/٥، من حديث أبي هريرة.
97 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب ( ﮆ ﮇ )، رقم ٤٨٣٠، ٦/١٣٤.
98 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٩٧.
99 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا، رقم ٢٨٠٨، ٤/٢١٦٢.
100 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، رقم ٣٢٠٩، ٤/١١١.
101 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٤/٥٤٠، تفسير القرآن، السمعاني ٣/٢٦٣.
102 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٠٨، التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٣٢٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٤١٣.
103 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرقاق، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال، رقم ٢٧٤٣، ٤/٢٠٩٩.
104 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها قال الله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ)، رقم ٢٥٩١، ٣/١٥٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة باب الحث على الإنفاق وكراهة الإحصاء، رقم ١٠٢٩، ٢/٧١٣.
105 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، رقم ٢٦٩٩، ٤/٢٠٧٤.
106 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/١٥١، النكت والعيون، الماوردي ٥/٢٩٠، لباب التأويل، الخازن ٤/١٣٩.
107 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/١٠١، معالم التنزيل، البغوي ٣/٢١١ .
108 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٣/٢٢٩، معالم التنزيل، البغوي ٣/١٢٦، زاد المسير، ابن الجوزي ٣/١٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١١٣.
109 انظر: المحرر الوجيز ٣/٤٤٦.
110 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٢١١، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٣٥٣، التفسير الوسيط، طنطاوي ٩/٩٢، الكشاف، الزمخشري ٤/٦٩٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣١٩، أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٨١.
111 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/٤٧٣، التفسير الوسيط، الواحدي ٤/٢٤٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٩.
112 جامع البيان، الطبري ٢٤/٣٨٥.
113 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣١/١٤١، التفسير القرآني للقرآن، يونس الخطيب ٨/٧٨٦.
114 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٥٨.
115 أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٨٢.
116 جامع البيان، الطبري ١٥/٢٦٩، التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٥٦٧، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٥١.