عناصر الموضوع

مفهوم السعادة

السعادة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع السعادة

أسباب السعادة

بعض مظاهر السعادة الدنيوية

مظاهر السعادة في الدار الآخرة

السعادة

مفهوم السعادة

أولًا: المعنى اللغوي:

أصل مادة (س ع د) تدل على خير وسرور خلاف النحس، فالسعد: اليمن في الأمر1.

والسعادة: خلاف الشقاوة، يقال: يوم سعد ويوم نحس، وقد سعد يسعد سعدًا وسعادة فهو سعيد: نقيض شقي، وسَعُد بالضم فهو مسعود، والجمع سعداء2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

عرفها الراغب بأنها: معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير3.

وقال ابن عاشور: «والسّعيد: ضدّ الشّقيّ، وهو المتلبّس بالسّعادة الّتي هي الأحوال الحسنة الخيّرة الملائمة للمتّصف بها»4.

والسعادة عند علماء التربية: «حالة نفسية من مشاعر الراحة والطمأنينة والرضى عن النفس والقناعة بما كتب الله سبحانه وتعالى»5.

السعادة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (سعد) في القرآن الكريم مرتين6.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١

( ﯿ ) [هود:١٠٨]

صيغة المبالغة

١

( ) [هود:١٠٥]

وجاءت السعادة في الاستعمال القرآني بمعنى معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير7.

الألفاظ ذات الصلة

الرضا:

الرضا لغةً:

ضد السخط، وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللّهمّ أعوذ برضاك من سخطك)8: وأرضاه: أعطاه ما يرضى به9.

الرضا اصطلاحًا:

سرور القلب بمر القضاء10، أو طيب النفس بما يصيبه ويفوته مع عدم التغير11.

الصلة بين الرضا والسعادة

وبمقارنة الرضا بالسعادة نجد أن الأول ضد السخط والثاني ضد الشقاوة وأن السخط بعض ألوان الشقاء.

الفرح:

الفرح لغة:

يقال فرح يفرح فرحًا، فهو فرحٌ على خلاف الحزن 12.

الفرح اصطلاحًا:

«انشراح الصّدر بلذّة عاجلة، وأكثر ما يكون ذلك في اللّذات البدنيّة الدّنيوية»13.

الصلة بين الفرح والسعادة:

نجد أن الفرح يبدو واضحًا تحققه في اللذة العاجلة المرتبطة بملذات الدنيا، ويؤكد ذلك الآيات القرآنية؛ كقوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ)، وبمقارنته بالسعادة نجد بينه وبين مفهوم السعادة نوعًا من التقارب الواضح، إلا أن الأوضح، هو أن السعادة أشمل وأعم، ففرح الإنسان بنعم الله ولذات الدنيا ومتاعها وانشراح صدره بذلك إنما هو داخل في المعونة الإلهية للإنسان على نيل الخير، والذي يشمل خير الدنيا والآخرة، إلا أن الفرح قد يحدث عند الإنسان بلذة دنيوية بحتة، لا تقرب من سعادة الآخرة، بل ربما تباعد بينه وبينها قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الرعد:٢٦].

السرور:

السّرور لغة:

يقال: سررت برؤية فلانٍ وسرّني لقاؤه، وقد سررته أسرّه ، أي : فرّحته، السّرور خلاف الحزن ، تقول: سرّني فلانٌ مسرّةً، والسرور: ما ينكتم من الفرح 14.

السرور اصطلاحًا:

«حالة نفسانية تعرض عند حصول اعتقاد وعلم أو ظن لحصول شيء لذيذ»15.

الصلة بين السرور والسعادة:

السرور هو ما انشرح واطمأن له القلب من الفرح بلذة عاجلة أو آجلة، وبمقارنته بالسعادة نجد بينه وبين مفهوم السعادة نوعًا من التقارب، إلا أن السعادة أشمل وأعم، فسرور الإنسان بنعم الله ولذات الدنيا ومتاعها وانشراح صدره بذلك إنما هو داخل في المعونة الإلهية للإنسان على نيل الخير، والذي يشمل خير الدنيا والآخرة، إلا أن السرور قد يحدث عند الإنسان بلذة دنيوية بحتة، لا تقرب من سعادة الآخرة، بل ربما تباعد بينه وبينها، قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الانشقاق:١٣].

وعليه فقد يكون الشخص مسرورًا لكنه شقي.

أنواع السعادة

كل إنسان على وجه الأرض يسعى لتحقيق السعادة لنفسه، ورغم اختلاف الناس في مشاربهم ومذاهبهم وأعراقهم وألوانهم إلا أنهم يتفقون في غاية واحدة هي طلب السعادة، ويبذلون لتحقيقها الأموال والأعمار.

والسعادة: هي ذاك الشعور الداخلي الذي يحسه الإنسان بين جنبيه، وتتمثل في سكينة النفس وطمأنينة القلب وراحة الضمير والبال؛ نتيجةً لاستقامة السلوك الظاهر والباطن، المدفوع بقوة الإيمان، لا تقتصر على تحقيق مطالب وملذات الجسد والدنيا، بل تمتد لتشمل التشوق إلى الحياة الأخروية الأبدية الدائمة المتمثلة في دار الخلود التي لا ينقطع نعيمها ولا يمتنع.

ويشتمل هذا المبحث على النقاط الآتية:

أولًا: السعادة الموهومة الزائلة:

السعادة هي الحلم الذي ينشده كل إنسان على الأرض فأين نجدها؟ سؤال حير الناس من قديم.... أين السعادة؟ طلبها الأكثرون في غير موضعها، فعادوا كما يعود طالب اللؤلؤ في الصحراء صفر اليدين، مجهود البدن، كسير النفس!

فقد جرّب الناس في شتى العصور ألوان المتع المادية، وصنوف الشهوات الحسية فما وجدوها وحدها تحقق السعادة أبدًا ، وربما زادتهم مع كل جديد منها همًّا جديدًا16.

لقد ظن قوم أن السعادة في النساء فأكثروا من منادمتهن بالحلال والحرام، وظن آخرون أنها في النعيم المادي والغنى ورخاء العيش، وظن غيرهم أنها في البنين فتفاخروا بهم وتباهوا، ورآها آخرون في المنصب والملك والجاه.

قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [آل عمران:١٤].

في هذه الآية الكريمة يجمع السياق القرآني أحب شهوات الأرض إلى نفس الإنسان، والتي يعتقد أنها سر سعادة الإنسان في هذه الحياة الدنيا ؛ لأنها خلاصة الرغائب الأرضية، إما بذاتها، وإما بما تستطيع أن توفره لأصحابها من لذائذ أخرى، ويخبر تعالى عمّا زين للناس في هذه الدنيا من أنواع الملاذ بصيغة الفعل المبني للمجهول، إشارة إلى أن تركيبهم الفطري قد تضمن هذا الميل، فهو محبب ومزين، بل هو جزء من تكوين الإنسان الأصيل لا حاجة لإنكاره، فهو ضروري للحياة البشرية كي تتأصل وتنمو وتطرد17.

١. السعادة في النساء.

المرأة كائن عجيب هي ألطف الكائنات إذا اتقت ربها، وأحبت نبيها، وهي سكن الرجل وسر راحته واستقراره، وحلم حياته، وهي شيطان بل أشد كيدًا إذا ما أطلقت العنان لنفسها! قال بعضهم: «إن الشيطان يقول للمرأة أنت نصف جندي، وأنت سهمي الذي أرمي به فلا أخطئ، وأنت موضع سري، وأنت رسولي في حاجتي»18.

قال القرطبي في قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن، لأنهن حبائل الشيطان وفتنة الرجل، عن أسامة بن زيدٍ رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (ما تركت بعدي فتنةً أضرّ على الرّجال من النّساء)19.

ويقال : في النساء فتنتان ، وفي الاولًاد فتنة واحدة ؛ لأن النساء خلقن من الرجل، والرجل خلق فيه الشهوة، وجعلت سكنًا له فغير مأمون كل واحدٍ منهما على صاحبه، قال عمر حين نزلت الآية: «الآن يا رب حين زينتها لنا»20.

وقال غيره من المفسرين: بدأ سبحانه بأقوى دواعي الشهوة وهو حب النساء، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودينٍ أغلب لذي لبٍّ منكنّ)21.

أما إذا كان القصد بالنساء الإعفاف وكثرة الاولًاد، فهذا مطلوب مرغوب فيه، مندوب إليه بالأحاديث الشريفة المرغبة في الزواج والاستكثار منه، وخير هذه الأمة أكثرها نساءً.

عن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدّنيا متاعٌ وخير متاعها المرأة الصّالحة)22.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حبّب إليّ من الدّنيا : النّساء ، والطّيب ، وجعلت قرّة عيني في الصّلاة)23.

فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يقر بحبه لنسائه، ويقرر أن خير المتاع والمسرّة والسعادة تكمن في المرأة الصالحة.

وإذا رجعنا إلى تاريخ البشرية القديم نجد أن أول جريمة قتل ارتكبت على الأرض بسبب النساء.

قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [المائدة:٢٧]24.

فهل السعادة المنشودة تحصل حقًّا بمنادمة النساء والنظر إليهن والأنس بهن فقط، وأن اللذة بهن فوق كل اللذات والسعادات؟ إن كان كذلك ؛ فما الذي منع يوسف عليه السلام أن يحقق لنفسه أعظم اللذات والسعادات، وما الذي جعل امرأة العزيز تلوم نفسها وتعترف بصراحة (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [يوسف:٥٣].

ما الذي دفع عابد بغداد حين تعرضت له إحدى الغانيات لتفتنه وتتراقص له بين الأشجار أن يصدها واعظًا لها حتى قلبها من بغي إلى ناسكة عابدة25.

ولماذا امتنع الرجل الثاني في حديث الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار بفعل صخرة انحدرت على بابه -عن مواقعة ابنة عمه26.

لولا أن هناك سعادة أعظم، وسرورًا أكبر ينتظر! ما ظننت أن هؤلاء يفوتون على أنفسهم تلك السعادة المرجوة بمعاشرة النساء.

٢. السعادة في البنين.

الأولاد زهرة الحياة الدنيا وزينتها، ومجال للتفاخر بهم، وللتباهي والتعالي على الناس.

قال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الكهف:٣٤] أي: أكثر خدمًا وحشمًا وولدًا، قال قتادة: تلك أمنية الفاجر كثرة المال وعزة النفر27.

فكثير من الناس يرى أن سعادته وسروره وقرة عينه في الأبناء، ويحلم بتكثير عددهم، ويطلبهم للاستئناس والفرح بهم، والقرآن الكريم يروي لنا قصة موسى الرضيع حين وجده آل فرعون.

قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [القصص:٩].

وقال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [القصص:١٣].

وقد سجل القرآن الكريم اعتزاز العرب بالبنين وتفاخرهم بهم.

قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الطور:٣٩].

وقد عيروا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مقطوع لا ولد له.

قال تعالى: ( ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الكوثر:٣].

وأشارت سورة المدثر إلى منّة الله العظيمة على الوليد بن المغيرة المخزومي بنعمة الولد (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ) [المدثر:١٢-١٣].

فالبنون حلم جميل وشهوة محببة إلى النفس ، لذا نرى جميع الناس يسعون إليها، وتتعلق قلوبهم بها، ويظهر ذلك جليًّا فيمن حرم هذه النعمة، وعقم عن الإنجاب، فإنه يدفع أغلى الأثمان من الآلاف المؤلفة، من أجل الحصول على ولد ، حتى أن الأنبياء الذين اختبرهم الله بعدم الإنجاب، رفعوا أيديهم بالدعاء لله رب العالمين.

قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الأنبياء:٨٩].

وقال تعالى: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [مريم:٢-٧].

لو استقرأنا الواقع لوجدنا أن كثيرًا من الأولاد جرّوا على آبائهم الويلات وأذاقوهم أصناف العذابات، حتى كان حتف بعضهم على يد ابنه طمعًا في ثروته!، وكم سمعنا من القصص العجيبة عن عقوق الأبناء وتعاسة الآباء.

قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الكهف:٨٠] حيث كان قتل هذا الغلام أفضل لوالديه من حياته.

وقال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [التغابن:١٤].

فالسعادة إذن لا تتحقق بالأبناء، ثم هل الذين حرموا من الأولاد محكوم عليهم بالشقاء المؤبد والتعاسة الدائمة؟ لا أظن ذلك28.

٣. السعادة في المال.

إن المال عصب الحياة حقيقة، والكل يشتهي اقتناءه على شتى أصنافه من ذهب أو فضة أو مجوهرات أو أوراق نقدية، ويرى فيه مصدر عزٍّ وعلو مكانةٍ، ويحرص على الاستزادة منه دون شبع، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لو كان لابن آدم واديان من ذهبٍ لابتغى الثّالث)29.

وقد ورد لفظ المال ومشتقاته في القرآن في ستة وثمانين موضعًا على اختلاف المفاهيم التي تشير إليها الآيات30.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الكهف:٤٦].

وقال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [القلم:١٣-١٤].

وقال سبحانه: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الفجر:٢٠].

وقال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ) [الحديد:٢٠].

وقال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يونس:٨٨].

وقد حرص الناس على اقتناء الذهب والفضة وكنزهما، قال تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الزخرف:٣٣-٣٥].

وتشير آيات الزخرف الكريمة إلى افتتان الناس بالفضة والذهب، وتعلقهم بحب اقتنائهما، وقد قال المفسرون في تبيين معنى تلك الآيات: لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه، فيجتمعوا على الكفر لأجل المال فيصبحون أمة واحدة مجتمعة على الكفر، لجعل الله لبيوت الكافرين سقفًا وسلالم ودرجًا من فضة عليها يصعدون، وأبوابًا لبيوتهم وأغلاقًا وسررًا، كل ذلك مصنوع من الفضة والذهب ، وما ذلك إلا من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله تعالى، أي يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب ، ليوافوا الآخرة وليس لهم عند الله تبارك وتعالى حسنة يجزيهم بها31.

وهذا المال الذي يميل إليه كثير من الناس، ويرون أن السعادة تتحقق بجمعه، وبه يحصلون على متع الحياة ولذاتها، قد يكون سببًا لشقاء إلانسان في الحياة الدنيا؛ لأن في جمع المال والحفاظ عليه مشقة، فصاحبه لا يصبح إلا مهمومًا ولا يمسي إلا مغمومًا. فهل حقًّا السعادة في المال والنعيم المادي؟!!

ومما يؤكد على أن السعادة ليست في المال : أن بعض الإحصاءات أشارت إلى أن كلًّا من شعوب إيسلندا وهولندا والدانمارك أكثر من ٩٢٪ من أفرادها يستشعرون السعادة رغم أن مستواها الاقتصادي يقل كثيرًا عن دول مثل أمريكا وألمانيا التي يسود أفرادها الاكتئاب والأمراض النفسية المختلفة، كما أن الثروة الطائلة لم تحقق لليابانيين والصينيين وكل أتباع بوذا وكنفوشيوس السعادة المرجوة، وأكدت التجارب والخبرات أن السعادة شعور خفي ينبعث من داخل الفرد نفسه ، وأنه ينبغي الفصل التام بين المال والسعادة32.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [التوبة:٥٥].

والعذاب هو المشقة والألم والهم والسقم33.

وما قصة قارون عنا ببعيد حين حمد الذين تمنوا مكانه بالأمس الله على فضله عليهم ومنّه الذي تمثل بحرمانهم من الثروات والكنوز التي أودت بقارون إلى الخسف والهلاك.

وقد ربّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على ما هو أعظم من حب المال والتعلق به إلى ما فيه راحة وسعادة أعظم؛ رباهم على القناعة وغرسها في نفوسهم34.

ومثال ذلك ما حدث مع حكيم بن حزام ، فقد كان رضي الله عنه يحب المال ويكثر من طلبه، عن حكيم بن حزامٍ رضي اللّه عنه، قال: (سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأعطاني ، ثمّ سألته، فأعطاني ، ثمّ قال لي: يا حكيم، إنّ هذا المال خضرٌ حلوٌ، فمن أخذه بسخاوة نفسٍ، بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفسٍ، لم يبارك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خيرٌ من اليد السّفلى، قال حكيمٌ: فقلت: يا رسول اللّه، والّذي بعثك بالحقّ لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتّى أفارق الدّنيا، فكان أبو بكرٍ يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثمّ إنّ عمر دعاه ليعطيه، فيأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين، إنّي أعرض عليه حقّه، الّذي قسم اللّه له من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيمٌ أحدًا من النّاس بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى توفّي رحمه اللّه)35.

والقناعة في الحقيقة طريق السعادة في الدنيا والآخرة ؛ ذلك لأن القناعة تعني العزة والكرامة وعدم سؤال الناس حتى ولو كان محتاجًا، وإذا كان ولابد فليسأل الله تبارك وتعالى ؛ فسؤاله عبادة وهو القادر وحده على سد الحاجة، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل)36.

٤. السعادة في الخيل المسوّمة.

لقد ذكر الله الخيل في كتابه الكريم في عدة مواضع منها ما جاء في سورة آل عمران في الآية موضع البحث (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [آل عمران: ١٤].

وجاء ذكرها في سورة كاملة في القرآن الكريم وهي سورة العاديات ، قال تعالى (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [العاديات:١-٥].

يقسم الله سبحانه وتعالى بالعاديات ضبحًا، قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة ومقاتل وأبو العالية وغيرهم: هي الخيل العادية في سبيل الله تضبح، والضبح: صوت أجوافها إذا عدت37. ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى لا يقسم بشيء إلا لتشريفه ولإظهار مكانته.

والخيل لها شأنها عند العرب منذ القدم، وكانت مصدر مفاخرة بينهم وكان الشعراء يتباهون بها باعتبارها مصدرًا من مصادر القوة لديهم، وهناك القصائد العديدة التي ألقيت في الخيل، أشهرها قول المتنبي38:

فالخيل والليل والبيداء تعرفني

والضرب والطعن والقرطاس والقلم

وقول امرئ القيس في وصف فرسه39:

مكرٍّ مفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معًا

كجلمود صخرٍ حطّه السّيل من عل

وورد في الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من فرسٍ عربيٍّ إلاّ يؤذن له عند كلّ سحرٍ بدعوتين : اللّهمّ خوّلتني من خوّلتني من بني آدم وجعلتني له فاجعلني أحبّ أهله وماله إليه أو من أحبّ ماله وأهله إليه)40.

وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلوي ناصية فرسٍ بإصبعه، وهو يقول: (الخيل معقودٌ بنواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة)41.

ومما يؤكد هذه المكانة العظيمة للخيل في نفوس مقتنيها، ما ذكره القرآن الكريم في قصة نبي الله سليمان عليه السلام ، وكيف شغله حبه للخيل وإعجابه بها عن ذكر الله أو صلاة العصر.

قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [ص:٣٠-٣٣].

ومعنى قوله تعالى على لسان سليمان عليه السلام: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) أي: آثرت حب الخير وأراد بالخير الخيل، وسميت كذلك ، لأنه معقود بنواصيها الخير، الأجر والمغنم، فهل حقًّا السعادة في اقتناء الخيول وامتطاء صهواتها مطلقًا؟! لو كان الأمر كذلك لما وجدنا سليمان عليه السلام يذبحها لأنها شغلته عن صلاة ما، ولما وجدنا حاتم الطائي يذبح فرسه لإطعام ضيفه وإكرامه، إذن هناك سعادة أعظم وأمورًا أكثر إسعادًا من الخيل!

٥. السعادة في الأنعام والحرث.

تختلف أذواق الناس فيما يسعدهم ويدخل السرور إلى قلوبهم، فهناك من رأى سعادته في كنز الذهب والفضة والأوراق النقدية مثل الرأسماليين الكبار، وأهل الفروسية يرون سعادتهم فيما يقتنونه من خيل وركاب، والفلاحون وأهل الزراعة يرون سعادتهم فيما يمتلكونه من أنعام وحرث.

وقد امتن سبحانه وتعالى على عباده بهذه النعمة العظيمة، بل أنزل سورة كاملة تتحدث عن هذا الفضل الكبير، شيعها سبعون ألفاً من الملائكة هي سورة الأنعام.

قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الأنعام:١٤١-١٤٢].

وفصلت الآيات في أنواع هذه الأنعام، قال تعالى: (ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأنعام:١٤٣-١٤٤].

وقال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النحل:٦٦-٦٧].

وتبرز سورة الكهف موقفًا لبعض أولئك الذين وجدوا سعادتهم في الزروع والجنات مما دفعه إلى التفاخر والتباهي والتعالي على صاحبه.

قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الكهف:٣٢-٣٦].

جاءت هذه الآيات الكريمة بعد ذكر المشركين المستكبرين عن مجالسة الضعفاء والمساكين من المسلمين، وافتخروا عليهم بأموالهم وأحسابهم، فضرب لهم القرآن مثلًا برجلين، جعل لأحدهما جنتين، أي: بستانين من أعناب محفوفتين بالنخيل المحدقة، في جنباتهما، وفي خلالهما الزروع، وكل من الأشجار والزروع مثمر في غاية الجودة، حيث قال تعالى:(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) ، أي : أخرجت ثمارها ولم تنقص منه شيئًا والأنهار متفرقة بين الأشجار42.

(ﯼ ﯽ ﯾ) قيل له مال من الذهب والفضة، وقيل : ثمار وهو هنا أظهر، قال صاحب هاتين الجنتين لصاحبه وهو يجادله ويخاصمه ويفتخر عليه أنه أكثر خدمًا وحشمًا وولدًا، ودخل حديقته متمردًا متكبرًا كافرًا بأنعم الله، ومتجبرًا منكرًا المعاد، اغترارًا منه لما رأى فيها من الزروع والثمار ظانًا أنها لا تفنى ولا تفرغ ولا تهلك، بل ويصر على أنه لو كان هناك معاد ورجعة إلى الله سيكون حظه أحسن من الدنيا لأن له عند الله كرامة؛ كما يزعم43.

فهل حقًا تكمن السعادة في اقتناء الأنعام وامتلاك الحدائق والبساتين، والجواب في قصة أصحاب الجنة الواردة في سورة القلم، قال تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [القلم:١٧].

في هذه القصة مثل يضربه الله تعالى لكفار قريش ولكل من أنعم الله عليهم بنعمة كبيرة أو رحمة عظيمة فقابلوها بالجحود والنكران. وأصحاب الجنة هؤلاء إخوة من اليمن ورثوا حديقةً عن أب تقي كان يؤدي حق الله في جنته، ولما أرادوا أن يجنوا ثمارها بعد أن نضجت وصلحت، قرّروا أن يمنعوا حق الفقراء فيها، ويقطفوها ليلًا دون أن يشعر بهم أحد ، ظانين أن السعادة والفرح في استئثارهم بثمر تلك الجنة، فلما وصلوها أنكروها بعد أن رأوها قد تحولت عن تلك النضارة والزهوة إلى سوداء مدلهمة ، لا ينتفع بشيء منها فقالوا: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [القلم:٢٧].

أي: نحن لا حظ لنا ولا نصيب.

ثم أقروا جميعًا بسوء صنيعهم وأدركوا أن الخير كل الخير في الرجوع إلى الله تعالى ، وشكره على ما أعطاهم وأنعم عليهم، واعترفوا بظلمهم لأنفسهم وطغيانهم، ورجوا الله أن يبدلهم خيرًا منها في الدنيا ليحسنوا من جديد، أو احتسبوا ثوابها في الدار الآخرة. بعد أن عاشوا أيام تعاسة وشقاء على فقدان تلك الجنة التي كانوا يرون فيها مصدر سعادة وهناء44.

فلا سعادة إذن في حرث وزرع قد يثمر وقد لا يثمر وفي حدائق قد تزهر وقد تصبح حطامًا، تنشغل بها النفوس وتتعلق بها القلوب وهي ترتقب وتنتظر.

ها قد أوردنا كل ما يعتقده المعتقدون ويلهث وراءه اللاهثون ويتلذذ به المتلذذون بأنواع الشهوات المختلفة من نساء وبنين وأموال وخيل وأنعام وحرث وشهرة.

هؤلاء التائهون اللاهثون وراء أوهام السعادة المزيفة من كفروا بالله، وأعرضوا عن طريق الإيمان لن يصلوا إلا للهلاك.

قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ) [طه:١٢٤].

كل ما سبق هي سعادات موهومة لا حقيقة لها، يغلفها الهم والغم والشقاء! أين السعادة إذن؟ وكيف نحصل عليها؟

ثانيًا: السعادة الأبدية الخالدة:

وهي بيت القصيد في هذا البحث المتواضع والتي لأجلها رخص الشهداء أرواحهم وأموالهم، وجاهد المؤمنون شهواتهم وأهوائهم، وأفنى العلماء والعباد أعمارهم، إنها الجنة دار السعادة التي لا تنقطع، والسرور الذي لا يزول، فنعيم الجنة يفوق الوصف، ويقصر دونه الخيال، ليس لنعيمها نظير فيما يعلمه أهل الدنيا، ومهما تقدموا وتطوروا وترقوا في دنياهم فسيبقى ما يبلغونه أمرًا هينًا ولا يذكر بالنسبة لنعيم الآخرة، ولقد حاز ذكر الجنة ووصفها في القرآن الكريم على الكثير من الآيات والسور، وكذلك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وذاك حتى تتعلق بها القلوب، وتسعى إلى سكناها النفوس، متسليةً بها عن كل ملمات الحياة ومشاقها.

قال تعالى: ( ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الإنسان:٢٠].

وما أخفاه الله عنا من نعيم الجنة شيء عظيم لا تدركه العقول، ولا تصل إلى كنهه الأفكار، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: شهدت من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مجلسًا وصف فيه الجنّة حتّى انتهى ثمّ قال صلى الله عليه وسلم في آخر حديثه: (فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشرٍ ثمّ قرأ هذه الآية: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [السجدة:١٦-١٧]45.

وفي وصف طعام أهل الجنة قال تعالى: ( ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الواقعة:٢٠-٢١].

وقال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ) [الزخرف:٧١].

قال المفسرون في شرح الآيات: أي: يطوف عليهم الغلمان بما يتخيرون من الثمار، وفي الآية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخير لها46.

قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الكهف:١٠٧].

وقال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الدخان:٥٦].

وقال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الحديد:١٢].

الجنة خالدة لا تفنى ولا تبيد، وأهلها فيها خالدون، لا يرحلون عنها ولا يظعنون ولا يبيدون، ولا يموتون والآية الكريمة في سورة الدخان تؤكد على أنهم لا يذوقون فيها الموت أبدًا47.

كما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالموت كهيئة كبشٍ أملح فينادي منادٍ يا : أهل الجنّة فيشرئبّون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم هذا الموت وكلّهم قد رآه ، ثمّ ينادي: يا أهل النّار فيشرئبّون وينظرون فيقول :هل تعرفون هذا فيقولون :نعم هذا الموت وكلّهم قد رآه فيذبح، ثمّ يقول : يا أهل الجنّة خلودٌ فلا موت ويا أهل النّار خلودٌ فلا موت)48.

وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينادي منادٍ إنّ لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدًا ، وإنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا ، وإنّ لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدًا ، وإنّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا)49.

إن مقتضى النصوص أن الجنة تخلق خلقًا غير قابل للفناء ، وكذلك أهلها ، ففي الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يدخل الجنّة ينعم لا يبأس ، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه)50.

وقد أنكر أهل السنة والجماعة قول الجهم بن صفوان -إمام المعطلة -بفناء الجنة والنار، قال شارح الطحاوية: «فأما أبدية الجنة، وأنها لا تفنى ولا تبيد، فهذا مما يعلم بالضرورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به.

قال تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ) [هود:١٠٨]»51.

أسباب السعادة

غفل كثير من الناس عن الأسباب الحقيقية التي تبعث السعادة في النفوس، والتي يمكن إجمالها في الالتزام بكتاب الله عز وجل وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم الذي بين لنا أن التمسك بهما طريق السعادة الحقيقية.

وقبل الحديث عن الأسباب التي تحقق السعادة في الدنيا والآخرة لابد من الإشارة إلى أنه لا توجد سعادة مطلقة في هذه الدنيا وإنما هي نسبية، وهي ومضات خاطفة في حياة الناس؛ في مواقف وأوضاع خاصة، وتبعًا لأسباب وأخلاق وقيم إنسانية يمكن الوقوف عليها من خلال المطالب الستة التالية.

أولًا: الإيمان:

الإيمان معناه: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)52.

هذا ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام حين سأله عن الإيمان في حديث عمر رضي الله عنه.

وهو أعظم نعم الله سبحانه على عباده، والتي تستحق من صاحبها أن يواظب على شكرها ليلًا ونهارًا قائلًا (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأعراف:٤٣].

قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الحجرات:١٧].

إن الإنسان الذي يؤمن بالله تعالى إيمانًا صافيًا من الشوائب يكون مطمئن القلب، هادئ النفس. فخضوع المؤمن لله تعالى يقوده إلى الراحة النفسية.

والإيمان ليس فقط سببًا لجلب السعادة بل هو أيضًا سبب لدفع موانعها، «وإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس البشرية، فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها وغذاؤها، وهواؤها وضياؤها، إن الإيمان يفجر ينابيع السعادة التي لا يمكن أن تغيض، والتي تتمثل في السكينة والأمن والأمل والرضا والحب»53

ويظهر من خلال السياق القرآني ما ينعم به المؤمنون من خير عميم يمكن أن يلخص بما يلي:

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة:٢٥٧].

يخبر سبحانه وتعالى: أنه يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام، فيخرج المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير، فما أعظمها سعادةً أن ينقذ الله من آمن من التخبط والحيرة ويلهمهم الصراط المستنير، وقد أفرد سبحانه وتعالى لفظ () لوحدة الحق، وجمع () لتعدد فنون الضلال، فالحق واحد والكفر أجناس54.

وهذا النور ليس قاصرًا على الدنيا بل يراه المؤمن نورًا حقيقيًا يوم القيامة قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الحديد:١٢].

يقول سيد قطب: «هؤلاء هم المؤمنون والمؤمنات نراهم، ولكننا نرى بين أيديهم وبأيمانهم إشعاعًا لطيفًا هادئًا، ذلك نورهم يشع منهم ويفيض بين أيديهم، فهذه الشخوص الإنسانية قد أشرقت وأضاءت وأشعت.... إنه النور الذي أخرجها الله إليه وبه من الظلمات، والذي أشرق في أرواحها فغلبت على طينتها، أم لعله النور الذي خلق الله منه هذا الكون وما فيه ومن فيه ظهر بحقيقته في هذه المجموعة التي حققت في ذواتها حقيقتها»55.

وأما قوله تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الرعد:٢٨-٢٩].

أي: تطيب وتركن وتسكن وترضى به مولىً ونصيرًا.

قال ابن عباس: () فرج وقرة عين، وقال الضحاك غبطة لهم وقيل: خير لهم وقيل أصابوا خيرًا، وحسنى لهم56.

ثانيًا: العمل الصالح:

العمل الصالح وعلى رأسه أداء العبادات هو ثمرة من ثمرات الإيمان، لذا لا نكاد نرى آيةً تتحدث عن الإيمان إلا وقرنت ذلك بالعمل الصالح.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ) [مريم:٩٦].

وقال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [محمد:٢].

الصالحات في اللغة: جمع مؤنث سالم من اسم الفاعل صالح، والصلاح ضد الفساد57.

وفي الاصطلاح: كل ما أمر الله بفعله من عبادة وخلق وعمل وتعامل، وفي أولها إقامة شريعة الله في الأرض، والحكم بين الناس بما شرع الله58.

وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ) أي: صدّقوا (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) أي: محبة في الناس في الدنيا، يحبهم الله ويحببهم إلى خلقه المؤمنين، قال ابن عباس: الود من المسلمين في الدنيا والرزق الحسن واللسان الصادق59.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ الله إذا أحبّ عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحبّ فلاناً فأحبّه، قال: فيحبّه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إنّ الله يحبّ فلاناً فأحبّوه، فيحبّه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل عليه السلام، فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إنّ الله يبغض فلانًا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض)60.

وكان هرم بن حيان يقول:ما أقبل عبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم. وكان عثمان ابن عفان رضي الله عنه يقول:(ما من عبد يعمل خيرًا أو شرًا إلا كساه الله عز وجل رداء عمله)61.

قال القرطبي: «إذا كان محبوبًا في الدنيا فهو كذلك في الآخرة، فإن الله تعالى لا يحب إلا مؤمنًا تقيًا، ولا يرضى إلا خالصًا نقيًا، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه»62.

وأما سيد قطب فيقول: «وللتعبير بالود في هذا الجو نداوة رخية تمس القلوب، وروح رضي يلمس النفوس، وهو ود يشيع في الملأ الأعلى، ثم يفيض على الأرض والناس فيمتلئ به الكون كله ويفيض»63.

وأفضل الأعمال على الإطلاق هي العبادات التي شرعها الله وجعل فيها الخير كل الخير، والسعادة كل السعادة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي فيما يروى عن رب العزة عز وجل: (من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، وإن سألني عبدي لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما تردّدت عن شيءٍ أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته)64.

التزام المؤمن بما فرض الله عليه من صلاة وصيام وزكاة وحج، ثم الزيادة عليها بالنوافل من قيام وصيام وصدقة يرفعه ويعلي شأنه ليصبح من أولياء الله، فتصاحبه معية الله وتلازمه في حله وترحاله، ويقظته ومنامه، فإذا هو يرى بنور الله ويسمع، ويستعمل يده بتوفيق الله، بل ويسدد له خطاه، ثم هو مستجاب الدعوة عند ربه ومستجار.

وللعبادات دور مهم في إسعاد المسلم، يمكن توضيحه في النقاط الآتية:

١. الصلاة والزكاة.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [المؤمنون:١-٤].

وقال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الأعلى:١٤-١٥].

وقال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [لقمان:٤-٥].

يقول سيد قطب في قوله: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ): «تستشعر قلوبهم رهبة الموقف في الصلاة بين يدي الله، فتسكن، وتخشع، ويغشى أرواحهم جلال الله في حضرته، فتختفي من أذهانهم جميع الشواغل، ولا تشتغل بسواه... ويتطهر وجدانهم من كل دنس وتجد الروح الحائرة طريقها، ويعرف القلب الموحش مثواه»65.

ويقول في قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ). «والزكاة طهارة للقلب من الشح، واستعلاء على حب الذات، وثقة بما عند الله من العوض والجزاء، وطهارة للمال تجعل ما بقي من بعدها طيبًا حلالًا»66.

وتتضافر الآثار التربوية والنفسية التي يغنمها العبد المصلي، وتؤدي الصلاة دورها في تزكية النفس وطهارتها فقد ورد عن أبي مالكٍ الأشعريّ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والصلاة نور)67.

فهي نور تضيء لصاحبها طريق الهداية، وتحجزه عن المعاصي وتهديه إلى العمل الصالح، قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [العنكبوت:٤٥].

وهي نور في قلبه بما يجد من حلاوة الإيمان ولذة المناجاة لربه، وهي نور لما تمنح النفس من تزكية وطمأنينة وراحة، وبما تمدها من أمن وسكينة، وهي نور ظاهر على وجه المقيم لها في الدنيا، تتجلى بها وضاءة الوجه وبهاؤه بخلاف تارك الصلاة، وهي نور له يوم القيامة68.

ومن أهم آثار الصلاة الطمأنينة وراحة النفس فإذا أقبل العبد على صلاته بهمّة ورغبة تمده بقوة روحية وتمنحه طمأنينة النفس وراحتها، وتعينه على مواجهة متاعب الحياة.

قال تعالى:( ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ)[البقرة:١٥٣].

وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وجعلت قرة عيني في الصلاة)69.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(قم يا بلال فأرحنا بالصلاة)70.

أي: أقم الصلاة لنستريح بها من مقاساة الشواغل، كما يستريح المتعب إذا وصل إلى مأمنه ومنزله، ولذلك لم تكن الصلاة مقصورةً على الفرائض، وإنما هناك سنن ونوافل متنوعة تزيد صلة العبد بربه وتقر بها عينه، وتأمن بها نفسه حتى تصبح الصلاة سلاحه الدائم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (قم يا بلال فأرحنا بالصلاة) يدل على أنه صلى الله عليه وسلم تقر عينه وتغمره الفرحة والبهجة والسكينة والطمأنينة بل والسعادة، كلها عندما يناجي ربه في صلاته؛ لأن الصلاة صلة بالله سبحانه وحضور بين يديه سبحانه71.

٢. الصيام.

قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة:١٨٣].

ومعنى قوله: (ﭯ ﭰ) أي: «تتّقون المعاصي بسبب هذه العبادة، لأنّها تكسر الشّهوة وتضعف دواعي المعاصي، كما ورد في الحديث أنّه جنّةٌ وأنّه وجاءٌ»72.

وأما عن أثر الصيام في سعادة المسلم قال تعالى: ( ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة:١٨٤].

تظهر هذه الآية فضل الصيام وكونه خير للمسلم في الدنيا والآخرة، والصائم يعيش سموًا روحيًا يتعالى فيه على مطالب الجسد، يسيح فيه القلب والفكر والوجدان في ملكوت السموات، والصبر أخو الصلاة في ضبط المسلم حيث قال مجاهد في تفسير قوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة:٤٥].

الصبر في هذه الآية : الصوم، وفيه قيل لرمضان : شهر الصبر، فجاء الصوم والصلاة على هذا القول متناسبًا، في أن الصيام يكبح الشهوات، ويزهد في الدنيا، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، بل وهناك سعادة أكيدة وفرحة يقينية تحل في قلب الصائم حيث روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(للصّائم فرحتان : فرحةٌ عند فطره، وفرحةٌ عند لقاء ربّه)7374.

٣. الحج.

وأما الحج: فإن المتعة والسعادة واللذة الروحية التي يتركها الحج في قلوب حجاج بيت الله الحرام لا تخفى على أحد، وقد سمع الجميع ما يرويه الحجاج، ويتحدثون به عن مشاعرهم عندما وطأت أقدامهم الأرض المباركة، وعند رؤية الكعبة المشرفة، أو زيارة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رجعوا إلى ديارهم يتشوقون للعودة لتلك الديار وأداء تلك المناسك.

ثالثًا: الإحسان إلى عباد الله:

للإحسان مرتبة عظيمة تعلو على مرتبة الإيمان والإسلام وهو كما ورد في حديث عمر رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ما الإحسان؟ فقال:(أن تعبد اللّه كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك)75.

وهو مرتبة سامية تتبوأها الصفوة المختارة من عباد الله الأخيار؛ الذين يستشعرون رقابة الله عليهم في كل عمل وعبادة، فيجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا الذنوب الصغيرة التي تكفل الاستغفار بها؛ لأن العصمة لا تكون إلا للنبي. والإحسان كما قال المناوي:«إسلام ظاهر يقيمه إيمان باطن يكمله إحسان شهودي ، أي : إخلاص وكمال الطاعة»76.

والإحسان ضد الإساءة.

قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الإسراء:٧].

وكل حسنة سواء أكانت صغيرة أو كبيرة تعد إحسانًا لكن مرتبة الإحسان لا يتذوق حلاوتها إلا من روض نفسه على ترك المعاصي والإكثار من الحسنات، فهو يحسن لمن أحسن إليه ويحسن لمن أساء إليه وهنا يكمن السر.

عن كلثومٍ الخزاعيّ رضي الله عنه قال:أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال يا رسول اللّه: كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أنّي قد أحسنت ، وإذا أسأت أنّي قد أسأت فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ( إذا قال جيرانك قد أحسنت فقد أحسنت وإذا قالوا إنّك قد أسأت فقد أسأت)77.

ومن صور الإحسان في حياة المسلم:

١. الإحسان إلى الوالدين.

الوالدان هما سر حياة الإنسان ومصدر وجوده، لهما عليه كل حق وتقدير فلابد من برهما، والتودد إليهما، والدعاء لهما، وقد قرن الله سبحانه وتعالى بين عبادته وحده والإحسان إليهما.

قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الإسراء:٢٣-٢٤].

أمر المولى ببرهما في كل الأحوال وخاصةً في سن الكبر حين يضعف جسمهما، وفاءً لهما ولما قدماه لولدهما وقد بلغ بأحد الصالحين أن لا يؤاكل أمه في طبق واحد حتى لا تسبق يده إلى ما تسبق إليه عينها، وآخر أنه ما علا سقفًا يكون أبوه أسفله، أو تقدم عليه برًا به. وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال:أقبل رجلٌ إلى نبيّ اللّه صلى الله عليه وسلم فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من اللّه، قال: (فهل من والديك أحدٌ حيٌّ ؟)قال: نعم بل كلاهما قال: (فتبتغي الأجر من اللّه؟) قال :نعم قال: (فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما)78.

٢. الإحسان إلى ذي القربى واليتامى والمساكين والجيران والخدم.

قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)[النساء:٣٦].

تناولت هذه الآية الكريمة أمر الإحسان لشريحة واسعة وممتدة وشاملة لأصناف المجتمع المسلم.

فبعد أن أوصى سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الوالدين، عطف بالإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء، وإلى اليتامى الذين فقدوا من يقوم بمصالحهم ثم المساكين؛ وهم المحاويج من ذوي الحاجات الذين لا يجدون ما يقوم بكفايتهم.

عن عليٍّ رضي الله عنه، قال:كان آخر كلام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:(الصّلاة الصّلاة اتّقوا اللّه فيما ملكت أيمانكم)79.

وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إخوانكم خولكم جعلهم اللّه تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل ، وليلبسه ممّا يلبس ولا تكلّفوهم ما يغلبهم فإن كلّفتموهم فأعينوهم)80.

وعن أبي أمامة رضي الله عنه، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (من مسح رأس يتيمٍ لم يمسحه إلاّ للّه كان له بكلّ شعرةٍ مرّت عليها يده حسناتٌ، ومن أحسن إلى يتيمةٍ أو يتيمٍ عنده، كنت أنا وهو في الجنّة كهاتين)، وفرّق بين أصبعيه السّبّابة والوسطى81.

وفي الإحسان إلى الجار: يقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أبو شريحٍ الخزاعيّ رضي الله عنه : (من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)82.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا يدخل الجنّة من لا يأمن جاره بوائقه)83.

وذلك لأن سعادة المجتمع وترابطه وشيوع المحبة بين أبنائه لا تتم إلاّ بالقيام بهذه الحقوق للجار وغيره مما جاءت به الشريعة، وإن واقع كثير من الناس يشهد بقصور شديد في هذا الجانب، حتى إن الجار قد لا يعرف اسم جاره الملاصق له في السكن، وبعضهم يغصب حق جاره، وإن بعضهم ليخون جاره، ويعبث بعرضه وحريمه، وهذا من أكبر الكبائر، وإذا كان الشاعر الجاهلي عنترة يعف عن جارته فيقول84:

وأغضّ طرفي إن بدت لي جارتي

حتى يواري جارتي مأواها

فحري بنا نحن المسلمين أن نكون أكثر حرصًا وأداءً لحقوق الجار، والإحسان إليه، وحفظ عرضه.

٣. الإحسان إلى البنات.

عن ابن عبّاسٍ رضي الله تعالى عنهما، قال:قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (ما من رجلٍ تدرك له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلاّ أدخلتاه الجنّة)85.

ومن صور إحسان النبي صلى الله عليه وسلم إلى كريمته السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، أنه كان إذا دخلت عليه يقوم لها ويقبل رأسها.

٤. الإحسان في الزواج.

بدءًا من اختيار الزوج وانتهاءً بحسن العشرة وأداء الحقوق.

هذا غيض من فيض من صور الإحسان في الإسلام ولا يتسع المقام لتقصيها وقد تجاوزت الإحسان إلى البشر إلى الإحسان إلى الحيوان.

يقول عائض القرني: «الجميل كاسمه والمعروف كرسمه والخير كطعمه، أول المستفيدين من إسعاد الناس هم المتفضلون بهذا الإسعاد، يجنون ثمراته عاجلًا في نفوسهم وأخلاقهم وضمائرهم، فيجدون الانشراح والانبساط والهدوء والسكينة ، فإن طاف بك طائف من همٍّ أو ألمّ بك غمٌّ فامنح غيرك معروفًا، وأسد لهم جميلًا، تجد الفرحة والسرور، وأعط محرومًا، انصر مظلومًا، أنقذ مكروبًا، أطعم جائعًا، عد مريضًا، أعن منكوبًا تجد السعادة تغمرك من بين يديك ومن خلفك. إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه، وعوائد الخير النفيسة عقاقير مباركة تصرف في صيدلية الذين عمرت قلوبهم بالبر والإحسان. إن توزيع البسمات المشرقة على فقراء الأخلاق صدقة جارية في عالم القيم، عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال:قال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرنّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ)86. إن شربة ماء من كف بغي لكلب عقور أثمرت دخول جنة عرضها السموات والأرض لأن صاحب الثواب غفور شكور»87.

ما أعظمها من سعادات أن يحيا المؤمن المحسن في هذه الحياة الدنيا وهو يشع بالخير والإحسان لكل من خالطه أو جاوره أو رافقه أو عاشره أو آكله أو احتاجه أو استعان به، فهو كحامل المسك إن لم يعط لم يؤذ بل أسعد الناس بطيب ريحه.

فكان جزاؤه أن يقذف الله في قلبه سعادة يتذوق طعمها في قلبه، ويحظى بفوائد وآثار تقر بها عينه ونفسه.

رابعًا: الرضا والاستسلام لقضاء الله والصبر:

الصبر فضيلة من أمهات الفضائل، وهو من أبرز الأخلاق التي كثر ذكرها في آيات القرآن الكريم، وهو دليل على صدق الإيمان، ووسيلة تعين على هذه الدنيا، وهو الدواء الشافي لنفس المصاب أو المبتلى حيث يخفف حزنها وآلامها88.

ولقد ذكر الله تعالى الصبر في القرآن الكريم في نحو مائة وثلاثة مواضع وأضاف إليه أكثر الخيرات والدرجات وجعلها ثمرة له قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ) [السجدة:٢٤].

وقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النحل:٩٦].

فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر، قال تعالى: (ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [الزمر:١٠].

والصبر خلق أهل العزائم وأصحاب الإرادة القوية: قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الشورى:٤٣].

والصبر والاستسلام لقضاء الله يمنح الروح طاقة قادرة على الصمود أمام كوارث الحياة ، وهو في حالة وقوعها ثابت لا يهتز، قوي لا يقهر ولا يتقهقر، لأن من مقتضيات الإيمان التسليم قولًا وعملًا بقاعدة أزلية ربانية هي: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [التوبة:٥١].

مما يعطي المؤمن ثقة بالنفس واعتزازًا بها واستعلاءً على صغائر الحياة، (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [المنافقون:٨].

والمؤمن بقضاء الله لا يعرف المهانة والذلة ولا يستسلم للضعف والحزن89.

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال لابنه عند الموت: يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم، أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنّ أوّل ما خلق اللّه القلم فقال له: اكتب ، قال : ربّ وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كلّ شيءٍ حتّى تقوم السّاعة) يا بنيّ إنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : ( من مات على غير هذا فليس منّي)90.

قال علي رضي الله عنه: يا ابن آدم لا تفرح بالغنى ولا تقنط بالفقر ولا تحزن بالبلاء ولا تفرح بالرخاء، إن الذهب يجرّب بالنار وإن العبد الصالح يجرب بالبلاء، وإنك لا تنال ما تريد إلا بترك ما تشتهي، ولن تبلغ ما تؤمل إلا بالصبر على ما تكره91.

فأي قرة عين! وأي طمأنينة نفس وراحة بال تحل على قلب من استسلم لقضاء الله وتصبّر. قال عمر رضي الله عنه لو كان الصبر والشكر بعيرين فما باليت أيهما أمتطي92... وأي سعادة تحل على قلوب الصابرين في الدنيا والآخرة.

خامسًا: استشعار نعم الله وشكرها:

إن نعم الله على الإنسان كثيرة، ولا أصدق في التعبير عن ذلك من قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [النحل:١٨].

وحقيقة لا مراء فيها أن المرء لو حاول أن يعد نعم الله عليه لوجد أن ما دقّ وخفي من النعم أكثر مما ظهر واتضح، ووجد أنه يتقلب في نعم الله ليلًا ونهارًا، بل في كل لحظة من لحظات عمره في الدنيا منذ أن كان جنينًا إلى أن يلقى الله ثم تستمر النعم والسعادة على المؤمنين.

إن تقلب الإنسان في نعمة الله عليه وإلفه لها جعله يفقد الشعور بقيمة تلك النعمة بالنسبة إليه؛ إلا أن يسلبها فيدرك ذلك ويرفع أكف الضراعة إلى المنعم أن يعيدها عليه.

والمؤمن يملك أعظم نعمة على الإطلاق حيث ينعم بالطمأنينة والسكنية والسعادة التي يتمناها غيره ولا يدركها.

وتعداد نعمة الله يطول والاستطراد فيه ليس هنا مقامه، ولا يمكن تحصيله وإدراكه؛ ولذلك لابد من التعرض إلى شكر المنعم سبحانه وتعالى.

والشكر من أعلى مراتب الدين، وأسمى درجات الإيمان ومن دلائل حب العبد لمولاه، لذلك أكثر القرآن الكريم من الآيات التي تتحدث عن فضل الشكر والشاكرين، وكفار النعمة الجاحدين، وأمر سبحانه عباده الصالحين بالشكر قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [البقرة:١٧٢]وقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الزمر:٦٦].

ووعد سبحانه على الشكر بالمزيد حيث قال: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [إبراهيم:٧].

ومما يجب معرفته أن الشكر لا تعود منفعته على الله، لأن الله غني عن عباده بل فضله وعائدته يكون لصاحبه93.

قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [النمل:٤٠].

وإن تذكر الإنسان نعم الله عليه التي تغمره تزيل ما يصيب نفسه من حزن و كآبة بسبب الملمات.

يقول الشيخ محمود المصري: «عندك عينان، ولسان وشفتان ويدان ورجلان (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الرحمن:١٣].

هل هي مسألة سهلة أن تمشي على أقدامك، وقد بترت أقدام، وأن تعتمد على ساقيك، وقد قطعت سوق، أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار الألم نوم الكثير، وأن تملأ معدتك من الطعام الشهي، وأن تكرع من الماء البارد، وهناك من عكّر عليه الطعام، ونغص عليه الشراب، بأمراض وأسقام، تفكر في سمعك وقد عوفيت من الصمم» 94.

وذكر النعمة كذلك من أسباب السعادة لذلك أمرنا القرآن الكريم بذكر النعم.

قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [آل عمران:١٠٣].

وقال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [البقرة:٤٠].

يذكر سيد قطب موقفًا عاشه استشعر فيه قيمة النعمة التي يغفل الناس عن شكرها يقول: «وكنا فترة طويلة محرومين من رؤية الشمس. وكان شعاع منها لا يتجاوز حجمه حجم القرش ينفذ إلينا أحيانًا. وإن أحدنا ليقف أمام هذا الشعاع يمرره على وجهه ويديه وصدره وظهره وبطنه وقدميه ما استطاع. ثم يخلي مكانه لأخيه ينال من هذه النعمة ما نال! ولست أنسى أول يوم بعد ذلك وجدنا فيه الشمس. لست أنسى الفرحة الغامرة والنشوة الظاهرة على وجه أحدنا وفي جوارحه كلها وهو يقول في نغمة عميقة مديدة الله! هذه هي الشمس، شمس ربنا وما تزال تطلع، الحمد لله»95.

والشكر صفة الله سبحانه وتعالى و(الشكور) اسم من أسمائه:

قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [النساء:١٤٧].

وقال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة:١٥٨] فما أعظم أن يتحلى المرء بما وصف الله به نفسه وله المثل الأعلى سبحانه.

سادسًا: جهاد النفس:

تعيش الإنسانية اليوم أشد مراحل الهبوط والانحطاط البشري، والفساد الأخلاقي، والاختلال في الموازين، والانحراف عن الحق والفضيلة والاستسلام للهوى والشهوات، والانغماس في الضلال، وكثرة الفاسدين والمفسدين؛ وارثة كل ما تركه السابقون من فساد في العقيدة والتصور، والخضوع لشريعة الشيطان، حتى أصبح الإنسان تتقاذفه أمواج الفتن بحيث لا يكاد ينجو من هذا الخضم الزاخر بالفتن إلا بشق الأنفس، مخدوشًا غير سالم بالكلية، فإن نجا من فتنة احتوته أخرى96.

فضلًا عن سقوط المقدسات في يد أعداء الأمة الإسلامية وترديها إلى حد جعل أعداءها يتداعون عليها كتداعي الأكلة على قصعتها، فأصبح المسلم المستقيم على دينه غريبًا كالقابض على الجمر.

هذا يستدعي أن يبذل المسلم الجهود المضاعفة أضعافًا كثيرةً على محاور عديدة في جهاد نفسه، وأصبحت مجاهدة النفس أمرًا ليس بالهيّن، يمكن أن ندّعي لصاحبها البطولة في السّمو وعلو الهمّة، ويكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: (يأتي على النّاس زمانٌ الصّابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر)97.

ومعنى جهاد النفس: استفراغ الوسع في تزكية النفس بترويضها على الطاعات، ومخالفة نوازعها الشريرة وأهوائها، والغاية من جهاد النفس: إدراك السعادة السرمدية.

ومقام المجاهدة من المقامات العظمية في الإسلام.

قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [العنكبوت:٦٩].

وهذا جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته، ومنه مجاهدة النفس، والمرابطة على ثغورها لئلا تنزع إلى أمر الشيطان في غفلة عن الإنسان، وهذا المقام هو المذكور في قوله تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [آل عمران:٢٠٠].

يقول ابن كثير في معنى قوله تعالى: «(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ)، أي: لنبصرنهم طرقنا في الدنيا والآخرة وقال بعض العارفين: الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله لما لا يعلمون98.

وجهاد النفس من أفضل أنواع الجهاد، قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النازعات:٤٠-٤١].

أي: زجرها عن المعاصي والمحارم وقيل: «ترك الهوى مفتاح الجنة، وقال عبدالله بن مسعود: أنتم في زمان يقود الحق الهوى، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق فنعوذ بالله»99.

وأما قطب فيقول في قوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ): «إن الإنسان إنسان بهذا النهي، وبهذا الجهاد، وبهذا الارتفاع، وليس إنسانًا بترك نفسه لهواها، وإطاعة جواذبه إلى دركها، بحجة أن هذا مركب في طبيعته، فالذي أودع نفسه الاستعداد لجيشان الهوى، هو الذي أودعها الاستعداد للإمساك بزمامه، ونهي النفس عنه، ورفعها عن جاذبيته، وجعل له الجنة جزاءً ومأوىً حين ينتصر ويرتفع ويرقى»100.

والإنسان في هذه الدنيا يعيش حالة صراع مع أعداء ظاهرين وآخرين لا يراهم، وربما كانوا أشد فتكًا به من أعدائه المشاهدين، وإن أعدى أعداء المرء نفسه التي بين جنبيه، فإنها تحث على نيل كل مطلوب والفوز بكل لذة، حتى وإن خالفت أمر الله ورسوله101.

والعبد إذا أطاع نفسه هلك أما إن جاهدها وزمها بزمام الإيمان وألجمها بلجام التقوى فإنه يحرز نصرًا في أعظم ميادين الجهاد.

وفي شأن السعادة واللذة التي تعقب مجاهدة الإنسان لهوى النفس يقول ابن القيم: «ومن فوائد غض البصر: أنه يورث القلب سرورًا وفرحةً وانشراحًا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، وذلك لقهره عدوه بمخالفته، ومخالفة نفسه وهواه. وأيضًا فإنه لما كف لذته، وحبس شهوته لله أعاضه الله سبحانه مسرّةً ولذةً أكمل منها»102.

عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النظر سهم من سهام إبليس مسمومة فمن تركه من خوف الله آتاه الله إيمانًا يجد حلاوته في قلبه)103.

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (من غض بصره عن النظر الحرام: زوج من الحور العين حيث أحب، ومن اطلع فوق بيوت الناس حشره الله يوم القيامة أعمى)104.

بعض مظاهر السعادة الدنيوية

لقد تكرر القول بأن السعادة في هذه الدنيا أمر نسبي، وهي ومضات خاطفة أو ساعات معدودة لا تستمر ولا تدوم، بل لابد وأن تعتريها منغصات ومكدّرات من الأمراض والأعراض، لأن هذه الدنيا دار ممر للآخرة، والإنسان فيها مسافر، عما قريب سيحط رحاله إما إلى جنة أو إلى نار، وهي سجن المؤمن، لذا فهي محفوفة بالآلام والابتلاءات، والمصاعب والمشكلات.

قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [البلد:٤].

إن الفرح أو اللذة الدنيوية إنما هي لحظات قليلة يمكن اعتبارها إرهاصات للسعادة الحقيقية الدائمة، ولمحات أو إشارات سريعة تربط قلب المؤمن بمصيره الأبدي المنتظر، فيظل هذا القلب ينبض في الدنيا بأشواق الآخرة، وتظل النفس تتشوف لذلك النعيم المقيم الذي لا يقع في دائرة الإدراك أو الحواس.

وسنتعرض في هذا المبحث إلى بعض مظاهر السعادة الدنيوية من النقاط الآتية:

أولًا: الحياة الطيبة:

قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النحل:٩٧].

الحياة الطيبة أعظم مظاهر السعادة الدنيوية وكذلك الأخروية، لأن الطّيّب: خلاف الخبيث، وقد تتسع معانيه فيكون الطيب: هو الحسن والأفضل في كل شيء، يقال: أرض طيبة للتي تصلح للإنبات، وريح طيبة: إذا كانت لينة.

قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [يونس:٢٢].

طعام طيب إذا كان حلالًا مستلذًا، قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ) [المؤمنون:٥١].

أي: كلوا من الحلال، وكل مأكول حلال مستطاب.

وامرأة طيبة: إذا كانت حصانًا عفيفة، ومنه قوله تعالى: (ﯠ ﯡ) [النور:٢٦].

أي: الطيبات من النساء للطيبين من الرجال، أو الكلمات الطيبات للطيبين.

وكلمة طيبة إذا لم يكن فيها مكروه، قال تعالى: ( ﯧ ﯨ ﯩ) [فاطر:١٠].

والكلام الطيب: توحيد الله وقول لا إله إلا الله. وبلدة طيبة: أي : آمنة، كثيرة الخير، قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [سبأ:١٥].

ونفس طيبة بما قدّر لها، أي: راضية وطاب الشيء: لذّ وزكا.

وقوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ) [الزمر:٧٣].

معناه طيبين في الدنيا فادخلوها105، أي: الجنة.

ومن المدلولات المختلفة لكلمة الطيب في اللغة، يبدو واضحًا مقدار ما يتميز به المؤمن الذي يعمل الصالحات على غيره من حيازة الخير والحسن في كل شيء، حيث وردت هذه الكلمة في القرآن في مواضع عديدة، وفي كل موضع كانت توحي بالهناء والسرور.

يقول سيد قطب في قوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ): «إن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض، لا يهم أن تكون ناعمةً رغدةً ثريةً بالمال. فقد تكون به، وقد لا يكون معها. وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية: ففيها الاتصال بالله والثقة به والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه. وفيها الصحة والهدوء والرضا والبركة، وسكن البيوت ومودات القلوب، وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير، وآثاره في الحياة، ليس المال إلا عنصرًا واحدًا يكفي منه القليل، حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله. وأن الحياة الطيبة في الدنيا لا تنقص من الأجر الحسن في الآخرة وأن هذا الأجر يكون على أحسن ما عمل المؤمنون العاملون في الدنيا، ويتضمن هذا تجاوز الله لهم عن السيئات فما أكرمه من جزاء!»106.

وقال غير واحد : الحياة الطيبة في الدنيا، أريد بها حياةً تصحبها القناعة والرضا بما قسمه الله تعالى وقدّره، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: (اللّهمّ قنّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كلّ غائبةٍ لي بخير)107.

وهؤلاء أصحاب الحياة الطيبة زادهم الله من فضله فكل شيء في حياتهم طيب، الرزق والبلد، الطعام والشراب، الأزواج والزوجات أقوالهم طيبة، وطريقهم طيب.

يقول تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ) [الحج:٢٤].

هؤلاء الطيبون طيبون في كل شيء حتى تحيتهم طيبة مثل حياتهم، قال تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [النور:٦١].

وهل السعادة تتحقق إلا بالحياة الطيبة التي وصفتها الآيات الكريمة السابقة؟

ثانيًا: البشريات العديدة:

قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [يونس:٦٢-٦٣].

البشرى ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية في كثير من المواضع، وهذا يدل على أن الله عز وجل يريد لعباده الخير والسعادة والسرور.

قوله: ( ﭒ ﭓ ﭔ) اختلف المفسرون فيمن يستحق هذا الاسم، قال بعضهم: هم الذين ذكرهم الله فقال: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يونس:٦٣].

وقال قوم: هم المتحابون في الله يجعل الله وجوههم نورًا ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدّام الرحمن يفزع الناس ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون.

عن عبدالرحمن بن غنم رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: من أولياء الله فقال: (خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله)108.

(ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) اختلفوا في هذه البشرى على أقوال:

الأول: البشرى في الدنيا: هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، سأل رجلٌ أبا الدّرداء عن قول اللّه تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) ، فقال ما سألني عنها أحدٌ غيرك إلاّ رجلٌ واحدٌ منذ سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: (ما سألني عنها أحدٌ غيرك منذ أنزلت، هي الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم أو ترى له)109.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: (لم يبق من النّبوّة إلاّ المبشّرات) قالوا وما المبشّرات ؟قال:( الرّؤيا الصّالحة)110.

الثاني: هي الثناء الحسن، قال أبو ذر: قيل لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أرأيت الرّجل يعمل العمل من الخير ويحمده النّاس عليه قال: (تلك عاجل بشرى المؤمن)111.

الثالث: هي نزول الملائكة بالبشارة من الله تعالى عند الموت.

قال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [فصلت:٣٠].

وعن ابن عباس: «البشرى في الدنيا عند الموت، تأتيهم الملائكة بالبشارة وفي الآخرة عند خروج نفس المؤمن، يعرج بها إلى الله ويبشر برضوان الله»112.

الرابع: قال الحسن: هي ما بشر الله المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [البقرة:٢٥].

وقوله: (ﯲ ﯳ) [البقرة:٢٢٣، التوبة:١١٢، يونس:٨٧، الصف:١٣].

وقوله: (ﭟ ﭠ) [فصلت: ٣٠]113.

هذا وقد قدم السياق القرآني بشريات متعددة منها ما هو للدنيا مثل: تبشير إبراهيم عليه السلام وزوجه سارة بإسحاق.

قال تعالى: ( ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [هود:٧١].

وزكريا عليه السلام (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [مريم:٧].

وأكثرها مبشرات لأهل الله من الأتقياء والمؤمنين والمحسنين الصالحين. قال تعالى في شأن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله مبشرًا بالرحمة والرضوان: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [التوبة٢٠-٢١].

وبشر الذين قتلوا في سبيل الله في قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [آل عمران:١٦٩-١٧١].

وبشر تعالى أهل التوحيد والاستقامة في قوله: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فصلت:٣٠].

وهناك الكثير من البشارات التي لا يتسع المقام لذكرها.

ولكن ما أعظم هؤلاء المؤمنين الذين أخذوا بأسباب السعادة، فأتم الله عليهم سعادته، بالحياة الطيبة في الدنيا، والبشريات المختلفة التي تملأ قلوبهم سرورًا وحبورًا وتشوفًا لاستكمال هذه السعادة في دار المقامة التي لا يمسهم فيها لغوب.

ثالثًا: الرضا:

قال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [المائدة:١١٩].

وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [البينة:٨].

والرضا واحد من المقامات العالية التي يبلغها المؤمن، وهو «ارتفاع الجزع في أيّ حكمٍ كان. وقيل رفع الاختيار، وقيل استقبال الأحكام بالفرح. وقيل سكون القلب تحت مجاري الأحكام. وقيل نظر القلب إلى قديم اختيار اللّه تعالى للعبد»114.

وقيل: «من أراد أن يبلغ محل الرضا فليلزم ما جعل الله رضاه فيه»115.

وعن عمر رضي الله عنه أنه كتب لأبي موسى الأشعري: «أما بعد فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر»116.

وقد تضمنت الآيات الكريمة السابقة الجزاء على الصدق والإيمان والأعمال الصالحة، ومجاهدة أعداء الله، بأن رضي عنهم فأرضاهم، فرضوا عنه وإنما حصل لهم هذا الرضى لأنهم رضوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا وبالإسلام دينًا ويتحقق الرضا عن الله للعبد إذا استوت في رضاه النعمة والمصيبة بحسب اختيار الله له، كما في قول عمر رضي الله عنه: «لو كان الصبر والشكر بعيرين لما باليت أيهما أمتطي»117، لأن المسلم يذوق بالرضا طعم السكينة التي لا أنفع له منها، لأنها متى نزلت على فؤاده استقام، وصلحت أحواله وهدأ باله، فمن أعظم نعم الله على عبده المسلم أن ينزل السكينة عليه، ومن أعظم أسبابها الرضى عن الله في جميع الحالات.

والمسلم يعلم كذلك أن أعظم راحة وسرور ونعيم في الرضى عن ربه - تعالى وتقدس -في جميع الحالات لأن الرضى باب الله الأعظم ومستراح المحبين، فجدير بمن نصح لنفسه أن تشتد رغبته فيه وأن لا تستبدل به غيره118.

يقول سيد قطب في قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [البينة:٨] : ورضا الله عنهم هو الرضا الذي تتبعه المثوبة، وهو في ذاته أعلى وأكرم مثوبة، ورضاهم عن الله هو الاطمئنان إليه سبحانه والثقة بتقديره، وحسن الظن بقضائه، والشكر على نعمائه، والصبر على ابتلائه، ولكن التعبير بالرضا هنا وهناك يشيع جو الرضا الشامل الغامر، المتبادل الوافر، الوارد الصادر بين الله سبحانه وهذه الصفوة المختارة من عباده، ويرفع من شأن هذه الصفوة -من البشر -حتى ليبادلون ربهم الرضى، وهو ربهم الأعلى، وهم عبيده المخلوقون، وهو حال وشأن وجوّ لا تملك الألفاظ البشرية أن تعبر عنه، ولكن يتنسم ويستشرف ويستجلى من خلال النص القرآني بالروح المتطلع والقلب المتفتح والحسّ الموصول! ذلك حالهم الدائم مع ربهم (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) وهناك تنتظرهم علامة هذا الرضى (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [التوبة:١٠٠]119. وليس هناك سعادة أعظم من أن يرضى العبد عن ربه فيتقبل الضراء كما يتقبل السراء برضى نفس وطمأنينة وشعور داخلي بعدم الجزع أو السخط.

رابعًا: الأمن النفسي والطمأنينة والسكينة:

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأنعام:٨٢].

وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [النمل:٨٩].

من أعظم مظاهر سعادة المؤمن تحقق الأمن النفسي لديه، ولا نعمة أعظم من الأمن، عن عبيد اللّه بن محصنٍ الخطميّ رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا في سربه معافًى في جسده عنده قوت يومه فكأنّما حيزت له الدّنيا)120.

بل ويمتن الله سبحانه على عباده الذين رضي عنهم بأن حقق لهم الأمن في غرفات الجنات هذا عن الأمن الحسي، أما الأمن النفسي، فيقول القرضاوي: «كما لا يتحسر المؤمن على الماضي باكيًا حزينًا، ولا يلقى الحاضر جزوعًا ساخطًا، لا يواجه المستقبل خائفًا وجلًا، ولا يعيش في فزع منه، ورهبة من غموضه، بل يعيش آمن النفس كأنه في الجنة، لأن إيمانه كان مصدرًا للأمن والطمأنينة والسكينة، ولا سعادة بدون هذا الأمن النفسي وقد قيل لحكيم: ما السرور؟ فقال: الأمن فإني وجدت الخائف لا عيش له، ولا عجب أن جعل الله الجنة دار السلام والأمن الكاملين، فأهلها في الغرفات آمنون، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وتتلقاهم الملائكة منذ اللحظة الأولى (ﯜ ﯝ ﯞ) [الحجر:٤٦] »121.

يقول المفسرون في تلك الآية الكريمة من سورة الأنعام: إن الناس يخافون من أشياء كثيرة وأمور شتى، ولكن المؤمن سدّ أبواب الخوف كلها، فلم يعد يخاف إلا الله وحده، يخافه أن يكون فرّط في حقه أو اعتدى على خلقه، أما الناس فلا يخافهم وهذا إبراهيم عليه السلام يدعو إلى توحيد الله وتحطيم الأصنام، فخوفه قومه من آلهتهم فقال إبراهيم متعجيًا: ( ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الأنعام:٨١] أي: الفريقين أحق بالأمن؟ فيجيبهم سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ).

بهذه الضمانات يعيش المؤمن حياته آمنًا مطمئنًا على رزقه وأجله وعلى أولاده وزوجه، فكان يذهب إلى ميدان الجهاد حاملًا روحه على كفه متمنيًا الموت في سبيل الله ، ومن خلفه ذرية ضعاف موقن أنه يتركهم في رعاية رب كريم هو أبر بهم وأحنى عليهم منه122.

قال ابن القيم رحمه الله : « في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وصدق معاملته وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه، والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدًا»123.

والسعادة الدنيوية ثلاثة أضرب:سعادة نفسية وبدنية وخارجية، ولا يمكن أن تتحقق السعادة النفسية التي هي أهم السعادات إلا بتحقق الأمن والطمأنينة والسكينة في النفس الإنسانية124.

خامسًا: انشراح الصدر:

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الأنعام:١٢٥].

وقال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الشرح:١].

انشراح الصدر نعمة عظيمة ومظهر من مظاهر سعادة المسلم في هذه الحياة، وقد منّ الله على حبيبه محمد بهذه النعمة العظيمة في قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) لهذه الدعوة ونيسر لك أمرها، ونجعلها حبيبةً لقلبك، ونشرع لك طريقها، وننر لك الطريق حتى ترى نهايته السعيدة، ألم نفتح ونوسع ونلن لك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة125.

فتش في صدرك، ألا تجد فيه الروح والانشراح والإشراق والنور؟ واستعد في حسك مذاق هذا العطاء وقل: ألا تجد معه المتعة مع كل مشقة والراحة مع كل تعب، واليسر مع كل عسر، والرضى مع كل حرمان126.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الزمر:٢٢].

والله يشرح للإسلام قلوبًا يعلم فيها الخير، ويصلها بنوره فتشرق به وتستضيء.

يقول سيد قطب: «وهذه الآية تصور حقيقة القلوب التي تتلقى الإسلام فتنشرح له، وتندى به، وتصور حالها مع الله حال الانشراح والتفتح والنداوة والبشاشة والإشراق والاستنارة...ومن يشرح الله صدره للإسلام ويمد له من نوره، ليس قطعًا كالقاسية قلوبهم من ذكر الله وشتان شتان بين هؤلاء وهؤلاء»127.

هذا غيض من فيض من مظاهر سعادة المؤمن الذي أخذ بأسباب السعادة سابقة الذكر، وهو من باب الإشارة إلى ذلك ولا سبيل لحصر مظاهر السعادة في الحياة الدنيا، ولعل من أهمها بعد ما ذكر الحب في الله والثبات في الحياة والممات، والسعادة الزوجية القائمة على إرضاء الله، والسكينة وراحة البال والأنس بالله والقناعة وغيرها.

مظاهر السعادة في الدار الآخرة

للسعادة في الدار الآخرة أشكال وألوان، وصور ومظاهر متعددة، يتقلب السعيد فيها من صورة إلى أخرى ومن مظهر لآخر.

إنها سعادة كاملة لا يشوبها نقص، ولا يعكر صفوها كدر، وما ذكره القرآن الكريم وما أخبر به النبي صلي الله عليه وسلم يحير العقل ويذهله، لأن العقل يعجز عن إدراك واستيعاب وتصور ذلك النعيم128.

والحقيقة التي لا مراء فيها ولا جدال، أنه لا وجه أبدًا للمقارنة بين متاع الدنيا وإن كان حاصلًا وواقعًا مشهودًا، وبين نعيم الجنة الموعود.

فنعيم الجنة خير وأفضل، وقد أطال القرآن في بيان فضل الآخرة وذم الدنيا، وذلك حتى يشمّر المشمّرون، ويجتهد العابدون.

قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء:٧٧].

وقال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [التوبة:٣٨].

فنعيم الجنة كثير لا ينفد ولا ينقطع، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غدوةٌ في سبيل اللّه أو روحةٌ خيرٌ من الدّنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم أو موضع قدمٍ من الجنّة خيرٌ من الدّنيا وما فيها)129.

وسنتحدث في النقاط الآتية عن السعادة الحقيقية الخالدة التي تصبو إليها النفوس وتتشوف إليها العقول والقلوب.

أولًا: الزحزحة عن النار:

قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [آل عمران:١٨٥].

يخبر تعالى إخبارًا عامًا يعم جميع الخليقة بأن (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الرحمن:٢٦-٢٧].

فالجميع ميت، الجن والإنس والملائكة وحملة العرش، فإذا شاء الله أقام القيامة، وجازى الخلائق بأعمالها ، جليلها وحقيرها، كبيرها وصغيرها، فلا يظلم أحدٌ مثقال ذرة (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) أي : من جنب النار ونجا منها وأدخل الجنة فقد فاز كل الفوز130.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ موضع سوطٍ في الجنّة لخيرٌ من الدّنيا وما فيها ، اقرءوا إن شئتم: ( ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ»131.

إن النجاة من النار في حكم الله وتقديره هي الفلاح العظيم والفوز الكبير والنجاة العظمى132، والتي تبدو تباشيرها عند حضور ملك الموت133.

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه ومن كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه )، قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنّا لنكره الموت، قال : ( ليس ذاك ولكنّ المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان اللّه وكرامته، فليس شيءٌ أحبّ إليه ممّا أمامه فأحبّ لقاء اللّه وأحبّ اللّه لقاءه ، وإنّ الكافر إذا حضر بشّر بعذاب اللّه وعقوبته فليس شيءٌ أكره إليه ممّا أمامه كره لقاء اللّه وكره اللّه لقاءه)134.

ثانيًا: نزع الغل من الصدور:

قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف:٤٣].

وقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ) [الحجر:٤٧].

أي: نزعنا ما في صدورهم من حقد وحسد وضغينة، فبعد أن يجتاز المؤمنون النار ويزحزحون عنها، يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار ثم يهذبون وينقون وذلك بأن يقتص لبعضهم من بعض إذا كانت بينهم مظالم في الدنيا حتى إذا دخلوا الجنة كانوا أطهارًا أبرارًا.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخلص المؤمنون من النّار فيحبسون على قنطرةٍ بين الجنّة والنّار فيقصّ لبعضهم من بعضٍ مظالم كانت بينهم في الدّنيا حتّى إذا هذّبوا ونقّوا أذن لهم في دخول الجنّة فوالّذي نفس محمّدٍ بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنّة منه بمنزله كان في الدّنيا)135

وقال ابن عباس: «إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند بابها شجرة، في أصل ساقها عينان، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور، واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبدًا»136.

أما الفخر الرازي فيقول في قوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ): «اعلم أن نزع الشيء قلعه من مكانه، والغل: الحقد الذي يدخل بلطفه إلى صميم القلب فيكون لهذه الآية تأويلان:

الأول: أن يكون المراد أزلنا الأحقاد التي كانت لبعضهم على بعض في دار الدنيا فيكون المعنى: تصفية الطباع وإسقاط الوساوس ومنعها من أن ترد على القلوب، لأن الشيطان في العذاب فليس له سبيل لإلقاء الوساوس في القلوب.

والقول الثاني: أن المراد أن درجات أهل الجنة متفاوتة بحسب الكمال والنقصان فالله تعالى أزال الحسد عن قلوبهم حتى أن أصحاب الدرجة النازلة لا يحسدون أصحاب الدرجة الكاملة»137.

ثالثًا: تسليم الملائكة على أهل السعادة والترحيب بهم:

قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الرعد:٢٣-٢٤].

وقال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [النحل:٣٢].

وقال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الزمر:٧٣].

هذه الآيات الكريمة تعرض لمظهر عظيم من مظاهر سعادة أولئك السعداء، أولئك في مقامهم العالي لهم عقبى الدار: جنات عدن للإقامة والقرار، تشارك الملائكة فيه بالتأهيل والترحيب والتكريم في حركة رائحة غادية (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)، ويدعنا السياق نرى المشهد حاضرًا وكأنما نشهده، ونسمع الملائكة أطوافًا أطوافًا (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) فهو مهرجان حافل باللقاء والسلام والحركة الدائبة والإكرام138.

هذا التسليم والتكريم لا يكون في الجنة فحسب؛ بل إنه يبدأ قبل ذلك بكثير، من يوم الاحتضار الذين تتوفاهم الملائكة طيبةً نفوسهم بلقاء الله، معافين من الكرب وعذاب الموت يقولون () طمأنةً لقلوبهم وترحيبًا بقدومهم (ﯝ ﯞ) تعجيلًا لهم بالبشرى وهم على أعتاب الآخرة139.

أخبر الله عن هؤلاء السعداء المتصفين بالصفات الحسنة بأن لهم جنات الإقامة يخلدون فيها مع أزواجهم وآبائهم وذرياتهم، والملائكة تدخل عليهم من ههنا وههنا للتهنئة بدخول الجنة، فعند دخولهم إياها تفد عليهم الملائكة مسلمين مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام، والإقامة في دار السلام في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام140.

عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هل تدرون أوّل من يدخل الجنّة من خلق اللّه؟) قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال: ( أوّل من يدخل الجنّة من خلق اللّه الفقراء والمهاجرون الّذين تسدّ بهم الثّغور، ويتّقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاءً فيقول اللّه عز وجل لمن يشاء من ملائكته : ائتوهم فحيّوهم : فتقول الملائكة : نحن سكّان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلّم عليهم؟ قال: إنّهم كانوا عبادًا يعبدوني لا يشركون بي شيئًا وتسدّ بهم الثّغور ويتّقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاءً . قال : فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كلّ بابٍ ، سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار)141.

وهذا الترحيب بعد قطعهم جسر جهنم وحبسهم على قنطرة للقصاص حتى إذا هذبوا وطيبوا قال لهم رضوان عليه السلام وأصحابه : سلام عليكم142.

رابعًا: ذهاب الهموم والأحزان ونسيان البؤس والآلام:

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فصلت:٣٠].

وقال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الأعراف:٤٩].

وقال تعالى: ( ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الزمر:٦١].

وقال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [فاطر:٣٤].

نعيم الجنة نعيم حقيقي مؤكد لا يشوبه كدر، تبشر به الملائكة عند الموت وفي القبر وعند البعث من القبور وعند دخول الجنة، تبشر به من سبقت له السعادة والفوز عند ربه، فلا همّ ولا غمٌّ ولا نقص ولا تغيير، آمنون من الفزع الأكبر ومن كل فزع وخوف143.

وقد حكى سبحانه وتعالى عن حال أهل الجنة إذا دخلوها قولهم: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [فاطر:٣٤].

قال السعدي: « أسكنهم الدار التي تدوم فيها الإقامة والتي يرغب في المقام فيها لكثرة خيراتها وتوالي مسراتها، وزوال كدوراتها (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [فاطر:٣٥].

أي: لا تعب في الأبدان ولا في القلب والقوى ولا في كثرة التمتع، وهذا يدل على أن الله تعالى يجعل أبدانهم في نشأة كاملة، ويهيئ لهم من أسباب الراحة على الدوام، ما يكونون بهذه الصفة بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب ولا هم يحزنون»144. أراحهم مما كانوا يتخوفون ويحذرون من هموم الدنيا والآخرة145.

وهذا المظهر العظيم من مظاهر سعادة المؤمن في الجنة عام في كل من دخل الجنة سواءً دخل النار قبلها، أو لم يدخل، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن غمسةً واحدةً في الجنة تنسي السعيد كل بؤس عاشه في الدنيا، فكيف بمن تكون الجنة مستقره وداره! ولا يبعد أن يشمل هذا البؤس الذي عاناه المسلم عندما كان في النار.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة فيصبغ في النّار صبغةً ثمّ يقال : يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قطّ؟ هل مرّ بك نعيمٌ قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ ، ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسًا في الدّنيا من أهل الجنّة فيصبغ صبغةً في الجنّة فيقال له : يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قطّ؟ هل مرّ بك شدّةٌ قطّ فيقول :لا واللّه يا ربّ ما مرّ بي بؤسٌ قطّ ولا رأيت شدّةً قطّ)146.

فما أعظم هذا الفضل والمن! إنه من إله رحيم كريم!

خامسًا: الفوز بالجنة:

قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الحشر:٢٠].

وقال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الصف:١٢].

وقال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الصافات:٦٠-٦١].

عند الحديث عن السعادة الحقيقة في الدار الآخرة لا يمكن الاستغناء عن صيغة أفعل التفضيل!! فهل حقًا هناك أعظم وأحسن من الفوز.. وأي فوز! إنه الفوز بالجنة! هل هناك أدنى وجه للمقارنة بين من كان من أهل النار، في الحميم والغساق وشجر الزقوم، وبين من سكن الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، شتان.. شتان!

يقول قطب عند تفسير قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ): لا يستويان طبيعةً وحالًا، ولا طريقًا ولا سلوكًا، ولا وجهًا ولا مصيرًا، فهما على مفرق طريقين لا يلتقيان أبدًا في طريق ولا في سمة ولا في خطّة، ولا يلتقيان أبدًا في سياسة ولا يلتقيان أبدًا في صف واحد في دنيا ولا في آخرة147.

قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الصف:١٠-١٢].

وهذه الآيات تشير إلى تجارة رابحة وصفقة ناجحة مع رب العالمين، بل هي أربح تجارة أن يجاهد المؤمن في حياته القصيرة حتى حين يفقد هذه الحياة كلها، ثم يعوض عنها تلك الجنات وهذه المساكن في نعيم مقيم وحقًا ( ﯭ ﯮ) 148.

ويحسن الإشارة هنا إلى أن الفوز بنعيم الجنة لا يستلزم ترك متاع الدنيا كما يظن الرهبان وكثير من العباد، الذين يشقون على أنفسهم، ويعذبون أجسادهم، ويعزفون عن العمل والزواج، وهذه فكرة خاطئة إذ من عظمة هذا الدين أن يجمع للمسلم خير الدنيا إلى الآخرة.

قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأعراف:٣٢].

سادسًا: الاشتغال بالملذات والتمتع بالمسرات:

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يس:٥٥-٥٦].

قال ابن مسعود وابن عباس: « شغلهم افتضاض العذارى»، وقال أبو قلابة: «بينما الرجل من أهل الجنة مع أهله إذ قيل له: تحوّل إلى أهلك فيقول: أنا مع أهلي مشغول، فيقال : تحول أيضًا إلى أهلك»، وقيل: أصحاب الجنة في شغل بما هم فيه من اللذات والنعيم عن الاهتمام بأهل المعاصي ومصيرهم وما هم فيه من أليم العذاب؛ وإن كان فيهم أقرباؤهم وأهلوهم. وقالوا () أي : في زيارة بعضهم بعضًا وقيل: في ضيافة الله تعالى، أو في نعيم معجبون به، () أي : فرحون بسماع الأوتار مسرورون149.

وقال ابن عباس: « إن الرجل من أهل الجنة ليعانق الحوراء سبعين سنة لا يملها ولا تمله، كلما أتاها وجدها بكرًا»150.

يقول قطب: «إنهم مشغولون بما هم فيه من النعيم، ملتذون متفكهون وإنهم لفي ظلال مستطابة يستروحون نسيمها..وعلى أرائك متكئين في راحة ونعيم هم وأزواجهم ولهم فوق اللذائذ التأهيل والتكريم () يتلقونه من ربهم الكريم»151.

لماذا يأكل أهل الجنة ويشربون ويمتشطون إذن؟ هل يجوعون؟ هل يعطشون؟. إذا كان أهل الجنة فيها خالدون، وكانت خاليةً من الآلام والأوجاع والأمراض لا جوع فيها ولا عطش ولا قاذورات ولا أوساخ، فلماذا يأكلون؟ 152.

أجاب القرطبي في التذكرة عن هذا السؤال قائلًا: «نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم، فليس أكلهم عن جوع، ولا شربهم عن ظمأ، ولا تطيبهم عن نتن، وإنما هي لذات متوالية ونعم متتابعة ألا ترى قوله تعالى: ( ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [طه:١١٨-١١٩].

وحكمة ذلك أن الله تعالى عرفهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا، وزادهم على ذلك ما لا يعلمه إلا الله عز وجل» 153.

سابعًا: رؤية الله تعالى:

قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [القيامة:٢٢-٢٣].

وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [يونس:٢٦].

قال المفسرون في قوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ): « فأما الذين أحسنوا الاعتقاد، وأحسنوا العمل، وأحسنوا معرفة الصراط المستقيم، وإدراك القانون الكوني المؤدي إلى دار الإسلام، فأما هؤلاء فلهم الحسنى جزاء ما أحسنوا، وعليها زيادة من فضل الله غير محدودة»154.

عن صهيبٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنّة الجنّة قال يقول اللّه تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيّض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنّة وتنجّنا من النّار ؟ قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئًا أحبّ إليهم من النّظر إلى ربّهم عز وجل)، وفي رواية ثمّ تلا هذه الآية: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)155.

وقيل: الحسنى البشرى، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم، قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ): () من النضارة أي : حسنة بهية مشرقة مسرورة، و() أي : تراه عيانًا، وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة، في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها156.

عن جرير بن عبد اللّه، قال:كنّا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلةً-يعني البدر-فقال: (إنّكم سترون ربّكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها فافعلوا)157.

وعن أبي بكر بن عبد اللّه بن قيسٍ، عن أبيه، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (جنّتان من فضّةٍ آنيتهما وما فيهما، وجنّتان من ذهبٍ آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربّهم إلاّ رداء الكبر على وجهه في جنّة عدنٍ)158.

وفي هذا رد على كل من أنكر رؤية المؤمنين لله يوم القيامة مثل المعتزلة والجهمية والفرعونية، والرافضة والقرامطة والباطنية والصابئة والمجوس واليونان الذين قالوا بكفر من اعتقد ذلك وأنه من أهل التشبيه والتجسيم، وتابعهم على ذلك كل عدو للسنة وأهلها، والله تعالى ناصر كتابه وسنة رسوله ولو كره الكافرون159.

يقول قطب: هذه الوجوه الناضرة، نضّرها أنها إلى ربها ناظرة؟! فأي مستوى من الرفعة هذا؟ أي مستوى من السعادة؟ إن روح الإنسان لتستمتع أحيانًا بلمحة من جمال الإبداع الإلهي في الكون والنفس، تراها في الليلة القمراء أو الليل الساجي أو الفجر الوليد، إلى آخر مطالع الجمال في هذا الوجود فتغمرها النشوة وتفيض بالسعادة، وترف بأجنحة من نور في عوالم مجنحة طليقة وتتوارى عنها أشواك الحياة. فكيف بها وهي تنظر -لا إلى جمال صنع الله -ولكن إلى جمال ذات الله؟ ألا إنه مقام يحتاج أولًا إلى مد من الله، ويحتاج ثانيًا إلى تثبيت من الله، ليملك الإنسان نفسه، فيثبت ويستمتع بالسعادة التي لا يحيط بها وصف، ولا يتصور حقيقتها إدراك؟ (ﭙ ﭚ ﭛ)، وما لها لا تنضر وهي إلى جمال ربها ناظرة؟160.


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٥٥٧.

2 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٣/٢١٣.

3 المفردات ص ٤١٠.

4 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/١٦٤.

5 دليلك الشخصي إلى السعادة والنجاح، إبراهيم القعيد، ص٣٧.

6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ٣٥٠.

7 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤١٠، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي٢/١٩٨.

8 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، رقم ٤٨٦.

9 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٤/٣٢٣.

10 انظر: التعريفات، الجرجاني، ص١٢٥.

11 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٣٦٥.

12 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٤٩٩.

13 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٢٨.

14 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٦١.

15 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ١٩٣.

16 انظر: الإيمان والحياة، يوسف القرضاوي، ص٧٦.

17 انظر: في ظلال القرآن ١/٣٧٣.

18 إحياء علوم الدين، الغزالي ٣/١٠٠.

19 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب ما تبقى من شؤم المرأة، رقم ٥٠٩٦.

20 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/١٧٦٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٤/٢٠.

21 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الغسل، باب ترك الحائض الصوم، رقم ٣٠٤.

22 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة، رقم ١٤٦٧.

23 أخرجه النسائي في سننه، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء، رقم ٣٩٤٠.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٩٩، رقم ٣١٢٤.

24 سبب هذا القربان أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى، وكان آدم عليه السلام يزوج الذكر من هذا البطن بالأنثى من البطن الآخر، ولا تحل له أخته التي ولدت معه، فولدت مع قابيل أخت جميلة، ومع هابيل أخت ليست كذلك، فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل: أنا أحق بأختي، فأمره آدم فلم يأتمر، وزجره فلم ينزجر، فاتفقوا على القربان وأنه يتزوجها من تقبل قربانه.فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل، فقال قابيل لأخيه: لأقتلنك ثم قتله.

انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٢/٣٦.

25 انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي ١/١٠١.

26 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي، رقم ٢٢١٥.

27 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/١١٣٠.

28 انظر: الإيمان والحياة، ص ٨٠، ٨١.

29 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب ما يتّقى من فتنة المال، رقم ٦٤٣٦.

30 المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ص٦٨٢، ٦٨٣.

31 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/١٦٨٠.

32 انظر: مجلة الأزهر، ربيع الأول ١٤٢٣هـ يونيو ٢٠٠٢، ج٣، السنة ٧٥.

33 انظر: الإيمان والحياة، ص ٧٦-٧٩.

34 انظر: تزكية النفس، محمد عبدالقادر أبو فارس، ص٢٧٠.

35 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي، رقم ٣١٤٣.

36 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب في الاستعفاف، رقم ١٦٤٥.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠٤٤، رقم ٦٠٤١.

37 الجامع لأحكام القرآن، ٢٠/١٥٤.

38 ديوان المتتنبي بشرح العكبري ٢/٣٦٩.

39 ديوان امرئ القيس، ص٥٢٠.

40 أخرجه النسائي في سننه، كتاب الخيل، باب دعوة الخيل، رقم ٣٥٧٩.

وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، ٢/٥٣١.

41 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الخمس، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحلت لكم الغنائم)، رقم ٣١١٩.

42 انظر : مفاتيح الغيب ، الرازي ٢١/١٢٤- ١٢٥.

43 تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ٣/١١٢٩-١١٣٠.

44 انظر: إرشاد العقل السليم ، أبو السعود ٦/٣٧٨، فتح القدير، الشوكاني، ٥/٣١٤.

45 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم ٢٨٢٥.

46 انظر: تفسير القرآن العظيم ٤/١٨٢٣.

47 انظر: المصدر السابق، ٤/١٦٩٨.

48 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ )، رقم ٤٧٣٠.

49 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة، رقم ٢٨٣٧.

50 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة، باب في دوام نعيم الجنة، رقم ٢٨٣٦.

51 شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز ٢/٦٤١، انظر: حادي الأرواح، ابن القيم، ص٢٤٤-٢٤٥.

52 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، رقم ٢.

53 انظر: الإيمان والحياة، القرضاوي، ص٩٢.

54 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/٢٥٠.

55 في ظلال القرآن ٦/٣٤٨٥.

56 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٩٨٣.

57 لسان العرب، ابن منظور ٢/٥١٦.

58 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٩٥٣.

59 انظر: معالم التنزيل، البغوي، ٣/١٧٦، تفسير القرآن العظيم ٣/١١٧٩.

60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، رقم ٣٢٠٩.

61 الجامع لأحكام القرآن ١١/١٨.

62 المصدر السابق ١١/١٩١.

63 في ظلال القرآن ٤/٢٣٢١.

64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم ٦٥٠٢.

65 في ظلال القرآن ٤/٢٤٥٤.

66 المصدر السابق ٤/٢٤٥٥، بتصرف.

67 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، رقم ٤٢٢.

68 انظر: منهج الإسلام في تزكية النفس، أنس أحمد كرزون، ص٢٣٣.

69 أخرجه النسائي في سننه، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء، رقم ٣٩٤٠.

وصححه الألباني.في صحيح الجامع، ١/٥٩٩، رقم ٣١٢٤.

70 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب ما جاء في صلاة العتمة، رقم ٤٩٨٦.

وصححه الألباني في الإرواء، ٨/٦٦.

71 انظر: منهج الإسلام في تزكية النفس، أنس أحمد كرزون ١/٢٢٥-٢٢٧.

72 فتح القدير، الشوكاني ١/٢٠٧.

73 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب هل يقول إني صائم إذا شتم، رقم ١٩٠٤.

74 انظر الجامع لأحكام القرآن ١/٣٧٢.

75 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، رقم ٥٠.

76 انظر: التقوى، محمود طافش، ص٦٥.

77 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب الثناء الحسن، رقم ٤٢٢٢.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/١٦٦، رقم ٦١٠.

78 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به، رقم ٢٥٤٩.

79 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في حق المملوك، رقم ٥١٥٦.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٤٧، رقم ٤٦١٦.

80 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، رقم ٣٠.

81 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٦/٤٧٤، رقم ٢٢١٥٣.

82 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، رقم ٤٨.

83 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان تحريم إيذاء الجار، رقم ٤٦.

84 ديوان عنترة بن شداد، تحقيق: محمد سعيد مولوي، ص٣٠٨.

85 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الأدب، باب بر الوالدين والإحسان إلى البنات، رقم ٣٦٧٠.

وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص٥٧، رقم ٧٧.

86 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء، رقم ٢٦٢٦.

87 ثلاثون سبباً للسعادة، عائض القرني، بتصرف يسير، ص٢١-٢٢.

88 انظر: الأخلاق في الإسلام، كايد فرعوش وآخرين، ص١٣٣.

89 انظر: المدخل إلى القيم الإسلامية، جابر قميحة، ص٧١.

90 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في القدر، رقم ٤٧٠٠.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٠٥، رقم ٢٠١٨.

91 انظر: رسالة المسترشدين، الحارث المحاسبي ص٥٢-٥٦.

92 انظر: الصبر والثواب عليه، ابن أبي الدنيا، ص ٢٤.

93 في ظلال القرآن ، سيد قطب ٤/٢٠٨٩.

94 لا تحزن وابتسم للحياة، ص٦٤-٦٥.

95 في ظلال القرآن ٥/٢٩٨٨.

96 انظر: فقه الجهاد في الإسلام، حسن أيوب ص١٢-١٤.

97 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الفتن، رقم ٢٢٦٠.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣٢٦، رقم ٨٠٠٢.

98 انظر: تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ٣/١٤٢٦.

99 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٢٠٨.

100 في ظلال القرآن ٦/٣٨١٩، بتصرف يسير.

101 انظر: مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل، العز بن عبدالسلام، ص١٢٤.

102 روضة المحبين، ابن القيم ، ص ١٠٢، ١٠٣ بتصرف يسير.

103 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الرقاق، رقم ٧٨٧٥، ٤/٣٤٩.

قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، ٣/١٧٧، رقم ١٠٦٥.

104 انظر: رسالة المسترشدين، الحارث المحاسبي، ص ١١٩.

105 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٥٦٣-٥٦٥.

106 في ظلال القرآن ٤/٢١٩٣.

107 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الدعاء والتهليل والذكر، رقم ١٨٧٨، ١/٦٩٠.

قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وضعفه الألباني في ضعيف الأدب المفرد، ٦٦، رقم ١٠٦.

108 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٧٩٩٨.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٦/٨٣٥، رقم ٢٨٤٩.

109 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب سورة يونس، رقم ٢٢٧٣.

قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٤٤، رقم ٢٨٢٢.

110 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب المبشرات، رقم ٦٩٩٠.

111 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أثنى على الصالح فهي بشرى ولا تضره، رقم ٢٦٤٢.

112 معالم التنزيل ، البغوي ٢/٣٠٤.

113 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٨/٣٥٧.

114 مدارج السالكين، ابن القيم ٢/١٧٥، غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، السفاريني، ٢/٥٣٢.

115 الفتاوى الكبرى، ابن تيمية ٢/٣٩٧.

116 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٨٥.

117 انظر: الصبر والثواب عليه، ابن أبي الدنيا ص ٢٤.

118 انظر: منهاج الأنبياء في تزكية النفوس، سليم الهلالي ص٤٧-٤٨.

119 في ظلال القرآن ٣/١٧٠٦، بتصرف.

120 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد، رقم ٢٣٤٦.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠٤٤، رقم ٦٠٤٢.

121 الإيمان والحياة ص١٥٧.

122 انظر: الإيمان والحياة ص١٦٠.

123 مدارج السالكين ٣/١٧٢.

124 انظر التوقيف على مهمات التعاريف ، المناوي ص٤٣٣.

125 انظر: معالم التنزيل ٤/٤٦٩.

126 في ظلال القرآن ٦/٣٩٢٩.

127 المصدر السابق ٥/٣٠٤٨.

128 انظر: الجنة والنار، عمر الأشقر ص١١٣.

129 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم ٦٥٦٨.

130 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٤/٣٠٢.

131 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب سورة آل عمران، رقم ٣٠١٣.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٢٧، رقم ٦٦٣٥.

132 انظر: الجنة والنار، عمر سليمان الأشقر، ص١١٣.

133 انظر: البعث، أبو بكر بن أبي داود السجستاني، ص١٤-١٥.

134 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، رقم ٦٥٠٧١.

135 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة، رقم ٦٥٣٥.

136 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٧/٢٠٨، الجنة والنار، عمر سليمان الأشقر، ص١١٧.

137 مفاتيح الغيب ١٤/٨٠.

138 انظر: في ظلال القرآن ٤/٢٠٥٨.

139 انظر: المصدر السابق ٤/٢١٦٩.

140 انظر: تفسير القرآن العظيم ٢/٩٨٢.

141 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٦٥٧٠.

وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ٣١٨٣، ٣/١٣١.

142 انظر: فتح القدير ٣/٩٠.

143 انظر: تفسير القرآن العظيم ٤/١٦٢٤.

144 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٧٥٨.

145 انظر: تفسير القرآن العظيم ٣/١٥٤٥.

146 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار، ح٢٨٠٧.

147 انظر: في ظلال القرآن ٦/٣٥٣١.

148 انظر: المصدر السابق، ٦/٣٥٥٩.

149 حادي الأرواح، ابن القيم، ص١٦٥.

150 انظر: جامع أحكام القرآن ١٥/٤٤-٤٥، حادي الأرواح، ابن القيم، ص١٦٥.

151 في ظلال القرآن ٥/٢٩٧٢.

152 انظر: الجنة والنار، عمر سليمان الأشقر، ص٢٢٥.

153 انظر: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، ص ٤١٦.

154 في ظلال القرآن ٣/١٧٧٩.

155 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم، رقم ١٨١.

156 انظر: تفسير القرآن العظيم ٤/١٩٧١.

157 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الفجر، رقم ٥٧٣.

158 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب وجوه يومئذ ناضرة، رقم ٧٤٤٤.

159 انظر: حادي الأرواح، ص٢١١.

160 في ظلال القرآن ٦/٣٧٧٠ بتصرف.