عناصر الموضوع

التعريف بيوسف عليه السلام

ذكر يوسف عليه السلام في القرآن الكريم

صفاته وأخلاقه عليه السلام

يوسف عليه السلام وتعبير الرؤى

يوسف عليه السلام مع والده

يوسف عليه السلام وإخوته

يوسف عليه السلام وامرأة العزيز

يوسف عليه السلام في السجن

يوسف عليه السلام في الملك

الدروس المستفادة من قصة يوسف

يوسف عليه السلام

التعريف بيوسف عليه السلام

أولًا: اسمه ونسبه عليه السلام:

هو نبي الله:يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم جميعًا الصلاة والسلام، قال النووي رحمه الله: وفي يوسف ست لغاتٍ ضم السين وكسرها وفتحها مع الهمز فيهن وتركه 1.

وهذا نسب معلوم مشهور وقد دل عليه القرآن والسنة وكفى بهما.

أما القرآن ففي قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام: ( ﭶﭷ ) [يوسف:٦].

وقوله على لسان يوسف عليه السلام: ( ) [يوسف:٣٨].

وأما في السنة: فحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام)2.

وهو أحد أولاد يعقوب عليه السلام الاثني عشر ذكرًا.

أما أبوه: فهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، ويعقوب عليه السلام: هو إسرائيل3 أبو بني إسرائيل الذي ينسبون إليه 4.

وكان أبوه من أنبياء الله الصالحين الذين اصطفاهم الله واجتباهم وأثنى عليه مع جملة من إخوانه الأنبياء فقال: ( ﭿ ) [ص:٤٥-٤٧].

وقال عنه: ( ﭱﭲ ) [الأنعام:٨٤].

وقال: ( ﯼﯽ ﯿ ) [مريم:٤٩-٥٠].

وقال: ( ﯲﯳ ﭜﭝ ) [الأنبياء:٧٢-٧٣].

وقد أعطاه الله علمًا وبصيرة في تعبير الرؤى، وقال عنه: ( ) [يوسف:٦٨].

وأما أمه: فلم يرد ذكر اسمها في الكتاب أو السنة، والصحيح أنها عاشت وحضرت أحداث قصته خلافا لمن قال بوفاتها قبل ذلك، وهذا هو الذي يدل عليه ظاهر القرآن حيث قال في رؤياه في بداية قصته: ( ) [يوسف:٤].

وفسرت الشمس بأمه، وقال سبحانه في نهاية قصته: ( ﭿ ) [يوسف:٩٩-١٠٠].

وإذا أطلق الأبوان فالمراد بهما الأب والأم حقيقة إلا إذا وجدت قرينة صارفة ولا قرينة ههنا.

قال أبو جعفر ابن جرير الطبري: وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن إسحاق بأن المراد بأبويه:أبوه وأمه؛ لأن ذلك هو الأغلب في استعمال الناس والمتعارف بينهم في«أبوين»، إلا أن يصح ما يقال من أن أم يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك بحجة يجب التسليم لها، فيسلم حينئذ لها 5.

وقال الحافظ ابن كثير قال ابن جريرٍ: ولم يقم دليلٌ على موت أمه، وظاهر القرآن يدل على حياتها. وهذا الذي نصره هو المنصور الذي يدل عليه السياق 6.

ثانيًا: زمانه عليه السلام:

يوسف عليه السلام هو النبي الخامس المنحدر من سلالة الخليل إبراهيم عليه السلام، ويعتبر يوسف عليه السلام من أوائل أنبياء بني إسرائيل بل لعله أولهم بعد أبيه، لأن أباه يعقوب هو إسرائيل الذي تنسب إليه بني إسرائيل وأنبياؤهم من نسله، كموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى وغيرهم، وقد جاؤوا بعد يوسف كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم حين قال في سياق قصة موسى عليه السلام مع فرعون: ( ﭝﭞ ﭨﭩ ) [غافر:٣٤].

وقد نشأ في حضن أبيه وعاصر إخواته وحصل منهم تجاهه ما قصه القرآن، وقد عاصر أيضًا أممًا أخرى، ودعاهم إلى الله تعالى، فقد نشأ في الشام، وانتقل إلى مصر حين بيع بها رقيقًا ظلما وعدوانًا، ثم استقر له بها المقام بعد أن من الله عليه بالبراءة والنجاة من تلك المحن، ورفع من قدره، وآلت إليه أمور الملك، وجاء بوالديه وإخوته فأقاموا معه بمصر، ولا زال بها حتى توفاه الله تعالى.

ثالثًا: مكانته عليه السلام:

يوسف عليه السلام نبي من أنبياء الله، اصطفاه الله واجتباه، ورفع مكانته، ومن ملامح ذلك:

  1. أنه أنزلت في شأنه سورة كاملة سميت باسمه وهي سورة يوسف، وتكرر ذكر اسمه فيها أربعًا وعشرين مرة، ولم تذكر قصته في غيرها، ولم يذكر اسمه في غيرها إلا في سورة الأنعام وغافرٍ 7.
  2. أثنى الله تعالى عليه في هذه السورة ووصفه بالإخلاص وأضافه إليه في زمرة عباده فقال: ( ﭿ ) [يوسف:٢٤].
  3. أثنى عليه في جملة من الأنبياء والمرسلين وقال عنهم: ( ﭿ ) [الأنعام:٨٣-٨٦]، فقوله: ( )، وقوله: ( ) يشمل جميع المذكورين من إسحاق إلى هنا8.
  4. لطف الله به وتولاه بعنايته في قصته والمحن التي مر بها؛ حيث حفظه في البئر وأمنه، وهيأ له أن يكون في مصر في بيت العزيز مكرمًا، وعصمه من فتنة النساء، وصبره في السجن، وبرأه مما اتهم به، وأنجاه من السجن، وأعطاه الملك، وجمع شمله بأبيه بعد حين من الدهر، كما سيأتي تفصيل ذلك.
  5. قال النبي صلى الله عليه وسلم منوها بمكانته: (لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي)9.
  6. قوله صلى الله عليه وسلم هذا فيه ثناء على يوسف عليه السلام وبيانٌ لصبره وتأنيه، والمراد بالداعي رسول الملك الذي أخبر الله سبحانه وتعالى أنه قال: ( ﮬﮭ ) [يوسف:٥٠].

    فلم يخرج يوسف صلى الله عليه وسلم مبادرًا إلى الراحة ومفارقة السجن الطويل؛ بل تثبت وراسل الملك في كشف أمره الذي سجن بسببه ولتظهر براءته، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه ما قاله تواضعًا وإيثارًا للإبلاغ في بيان كمال فضيلة يوسف عليه السلام والله أعلم 10.

    ذكر يوسف عليه السلام في القرآن الكريم

    ورد ذكر يوسف عليه السلام في القرآن الكريم (٢٧) مرة في سورتين11.

    وأما قصته عليه السلام فقد ذكرت في سورة واحدة حملت اسمه عليه الصلاة والسلام.

    صفاته وأخلاقه عليه السلام

    أولًا: صفاته الخَلْقية:

    يوسف عليه السلام ميزه الله وأكرمه بجملة من محاسن الصفات الخلقية، وأكتفي بأبرزها وهو: جمال خلقته.

    فقد كان نبي الله يوسف عليه السلام من أجمل خلق الله ومن أحسنهم وجهًا، وصار جماله مضرب المثل 12، وقد دل على جمال صورته القرآن والسنة.

    أما القرآن: فقد ذكر في قصته ما حصل من افتتان امرأة العزيز به بسبب جماله حتى راودته عن نفسه واستعانت عليه بالنسوة فلما رأينه ذهلن من جماله وقطعن أيديهن وهن لا يشعرن، وعبرن عن دهشتهن من جماله وشبهنه بالملائكة كما حكى ذلك القرآن حيث قال: ( ) [يوسف:٣١].

    وأما السنة: فما أخرجه مسلم في صحيحه من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء، وفيه: (فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم، إذا هو قد اعطي شطر الحسن) 13.

    وقوله: (قد أعطي شطر الحسن) في معناه أقوال للعلماء، منها: أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام؛ لأن الله تعالى خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، فكان في غاية نهايات الحسن البشري 14.

    ومنها: أن المراد أن يوسف أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم 15.

    ومنها: أن المراد بـ (شطر الحسن): نصف جنس الحسن مطلقًا، أو نصف حسن جميع أهل زمانه 16. وأيا ما كان المعنى المراد بشطر الحسن فالمقصود أن الله أعطاه جمالًا في الصورة.

    ثانيًا: صفاته الخُلُقية:

    نبي الله يوسف عليه السلام كان متحليًا بمحاسن الأخلاق و جميل الصفات وكريم الخصال كحال إخوانه من الأنبياء والمرسلين، ومن خلال التأمل في سيرته يمكن استخلاص جملة من هذه الصفات، ومنها:

  1. الإخلاص.

    وقد شهد له بذلك رب العالمين جل جلاله حين قال: ( ﭼﭽ ﭿ ) [يوسف:٢٤].

    وهو من أسباب عصمته من الفاحشة، «فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه عن عبوديته لغيره، ومن حلاوة محبته لله ما يمنعه عن محبة غيره، إذ ليس عند القلب السليم أحلى، ولا ألذ، ولا أطيب، ولا أسر، ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله، ومحبته له، وإخلاص الدين له»17.

  2. الكرم.

    وقد دل على ذلك القرآن الكريم، ونصت عليه السنة النبوية، فقد تجلى كرمه في السجن في تعامله مع السجناء وإحسانه إليهم حتى وصفوه بالإحسان وقالوا: ( ) [يوسف:٣٦].

    وتجلى كرمه حين ولي الملك وصار يوزع القوت على الناس ويجود به عليهم وقال عن نفسه: ( ) [يوسف:٥٩].

    وحين عفا عن إخوته مع قدرته على الانتقام ولا يفعل ذلك إلا الكرام، وغير ذلك من صور كرمه.

    وقد شهد له بهذا الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام)18.

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه: (قيل يا رسول الله: من أكرم الناس؟ قال: (أتقاهم) فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (فيوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله) قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (فعن معادن العرب تسألون؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) وفي لفظ عند البخاري: قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال: (أكرمهم عند الله أتقاهم) قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: (فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله)، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: (فعن معادن العرب تسألوني؟) قالوا: نعم. قال: (فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا)19.

    قال النووي: «قال العلماء وأصل الكرم كثرة الخير، وقد جمع يوسف صلى الله عليه وسلم مكارم الأخلاق مع شرف النبوة مع شرف النسب، وكونه نبيًا ابن ثلاثة أنبياء متناسلين أحدهم خليل الله صلى الله عليه وسلم، وانضم إليه شرف علم الرؤيا وتمكنه فيه، ورياسة الدنيا وملكها بالسيرة الجميلة، وحياطته للرعية، وعموم نفعه إياهم، وشفقته عليهم، وإنقاذه إياهم من تلك السنين، والله أعلم 20».

    وكرم يوسف عليه السلام كرم أصيل في النفس، موروث من أجداده، فجده الخليل عليه السلام هو مكرم الضيفان؛ وإذا كان الأصل طيبًا كان الفرع كذلك.

  3. الصدق.

    حتى صار من معه في السجن يخاطبه بقوله: ( ) [يوسف:٤٦].

    أي: كثير الصدق في أقواله وأفعاله21.

    «وإنما وصفه به عن خبرةٍ وتجربةٍ اكتسبها من مخالطة يوسف عليه السلام في السجن» 22.

    وشهدت له بذلك امرأة العزيز أمام الملإ حين قالت: ( ﯿ ) [يوسف:٥١].

  4. الأمانة.

    وأعظم ما تجلت في كفه عن الفاحشة، وعدم خيانته لله تعالى ولا لزوج المرأة، وقد قالت امرأة العزيز عند ساعة البراءة: ( ﯿ ) [يوسف:٥١].

    ثم قالت: ( ) [يوسف:٥٢].

    وكذلك أمانته في المال وقوله للملك ( ﭸﭹ ) [يوسف:٥٥].

  5. العفة.

    في قصة يوسف عليه السلام يتجلى تمام عفته عليه السلام؛ حيث كف عن الشهوة المحرمة وعن جريمة الزنى مع توفر الأسباب والدواعي، بل بمجرد أن ( ﭜﭝ ) ودون تردد ( ) [يوسف:٢٣].

    ولما أرادت أن تجبره على ذلك هرب منها ( ) [يوسف:٢٥].

    بل إنه لما تمالأ عليه النسوة اختار السجن على فعل الفاحشة ( ﮐﮑ ﮡﮢ ) [يوسف:٣٣-٣٤].

    قال الحافظ ابن كثير:«وهذا في غاية مقامات الكمالأنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته، وهي امرأة عزيز مصر، وهي مع هذا في غاية الجمال والمال، والرياسة ويمتنع من ذلك، ويختار السجن على ذلك؛ خوفًا من الله ورجاء ثوابه»23.

    بل من عجيب أمره أنه يدعى إلى الخروج من السجن فيأبى ويرفض الخروج إلا بعد ثبوت براءته وتطهير سمعته ( ﮬﮭ ﯜﯝ ) [يوسف:٥٠].

    فأي عفة هذه؟!

  6. العفو والصفح.

    وهذا من أعظم ما تجلى من خلق يوسف عليه السلام في قصته مع إخوته، فبعد كل الأذى الذي لحق به منهم: كالهم بقتله وإلقائه في البئر والتفريق بينه وبين أبيه، والتسبب في تلك المحن المتتالية: محنة البئر ومحنة الرق ومحنة فتنة المرأة ومحنة السجن؛ لكنه مع كل ذلك عفا عنهم وسامحهم وهو في موقع قوة ولو شاء أن ينتقم لانتقم ولكنه لم يفعل، بل قال تلك الكلمة العظيمة: ( ﯓﯔ ﯗﯘ ) [يوسف:٩٢].

    فضرب أروع الأمثلة في العفو والصفح.

  7. الصبر.

    تجلى ذلك في صبره على أذى إخوته وعفوه عنهم وقوله لهم مبينا فضل الصبر: ( ﮌﮍ ﮒﮓ ﮗﮘ ) [يوسف:٩٠].

    وتجلى ذلك أيضًا في صبره عن المعصية وكف نفسه عن الشهوة مع توفر الأسباب والدواعي بل ووجود المغالبة، وفي صبره في السجن حتى عندما عفي عنه وطلب من الخروج من السجن لم يستعجل للخروج بل بقي حتى ثبتت براءته، وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على صبره وقال منوها بشأنه: (ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي) 24.

    قال ابن الجوزي: قرأت سورة يوسف عليه السلام فتعجبت من مدحه عليه السلام على صبره، وشرح قصته للناس، ورفع قدره بترك ما ترك، فتأملت خبيئة الأمر،فإذا هي مخالفة للهوى المكروه، فقلت: وا عجبًا! لو وافق هواه من كان يكون؟! ولما خالفه، لقد صار أمرًا عظيمًا، تضرب الأمثال بصبره، ويفتخر على الخلق باجتهاده، وكل ذلك قد كان بصبر ساعة، فيا له عزًا وفخرًا، أن تملك نفسك ساعة الصبر عن المحبوب وهو قريب25.

  8. الشكر.

    كان من صفاته عليه السلام شكر الله على نعمه ورد الفضل إليه، تجلى ذلك في قوله للسجينين: ( ﯿﰀ ) [يوسف:٣٧].

    وفي قوله: ( ﭖﭗ ﭟﭠ ) [يوسف:٣٨].

    وفي قوله: ( ) [يوسف:١٠١].

  9. التواضع.

    وهذا واضح من خلال الآيات السابقة ورده الفضل دائمًا إلى الله تعالى لا إلى نفسه، ومن خلال تواضعه لوالديه، كما قال تعالى: ( ) [يوسف:١٠٠].

    وعدم نسيانه للسجن حتى وهو في الملك حيث قال: ( ) [يوسف:١٠٠].

  10. العلم.

    علم الوحي وعلم تعبير الرؤى وعلم سياسة الناس وغيره.

    قال عنه الله تعالى: ( ﯩﯪ ﯺﯻ ﯿ) [يوسف:٢١-٢٢].

    وقال هو عن نفسه مخاطبًا الفتيين في السجن: ( ﯿﰀ ) [يوسف:٣٧].

  11. الإحسان.

    شهد له بذلك رب العزة جل وعلا حيث قال: ( ﯺﯻ ﯿ) [يوسف:٢٢].

    وقال: ( ﭿ ) [يوسف:٥٦].

    ووصفه بذلك أهل السجن حين قالوا: ( ) [يوسف:٣٦].

    ووصفه بذلك إخوته حين قالوا: ( ) [يوسف:٧٨].

  12. العدل.

    تجلى ذلك من خلال سياسته في الملك وعدله في توزيع الطعام بين الناس في سني الجدب وإعطائه لكل واحد حمل بعير لا يزيد عليه، ومن خلال قوله لإخوته لما طلبوا منه أن يأخذ واحدًا منهم بدلًا من أخيه الذي وجد المتاع في رحله: ( ) [يوسف:٧٩].

  13. حفظ الجميل.

    حيث حفظ جميل العزيز وإحسانه إليه؛ فلم يخنه من ورائه، وذكر ذلك لامرأته لما راودته ( ﭜﭝ ﭠﭡ ﭥﭦ ) [يوسف:٢٣].

    فقوله: ( ) قصده العزيز، «فذكر عنوان الربوبية هنا دون السيادة؛ لما فيه من الاعتراف بالمعروف والفضل، وهذا دليل على أن من المروءة ورفيع الأخلاق أن يحفظ الإنسان حق من أحسن إليه، فضلًا عن أن يخونه، والسياق دال على أن المراد هو من رباه وقال:أكرمي مثواه، لا خالقه؛ لأنه المتبادر إلى مفهوم المرأة المتلقية للخطابة»26.

  14. الغيرة على دين الله.

    حتى إنه مارس الدعوة وهو داخل السجن، وقال منكرًا على من عبد غير الله ( ) [يوسف:٣٩].

  15. الأناة.

    وهذا واضح من خلال امتناعه عن الخروج من السجن- حين طلب منه ذلك- حتى تثبت براءته، وحين تأني في الإتيان بوالديه وضم الأسرة إليه؛ ليكون ذلك على أحسن حال وأنسب وقت، وغير ذلك.

    هذا ما بدا لنا من صفات يوسف وأخلاقه من خلال التأمل في قصته والآيات والأحاديث الواردة في شأنه، وأسأل الله العفو والمغفرة عن أي خطإ أو زلل.

    يوسف عليه السلام وتعبير الرؤى

    أولًا: تعليم الله إياه تعبير الرؤى:

    برع يوسف عليه السلام في تعبير الرؤى وتفسير الأحلام27، فكان إذا عبر الرؤيا وقعت كما عبرها، وقد كان ذلك بتعليم الله تعالى له، كما قال سبحانه وتعالى: ( ) [يوسف:٢١].

    وقال له والده: ( ) [يوسف:٦].

    وقال هو عن نفسه: ( ) [يوسف:١٠١].

    فقد بين الله جل وعلا أنه علم نبيه يوسف عليه السلام من تأويل الأحاديث، وتأويل الأحاديث هو: تعبير الرؤيا 28.

    قال القرطبي: وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا، وقيل: أحاديث الأمم والكتب ودلائل التوحيد»29.

    ثانيًا: رؤيا يوسف عليه السلام:

    تبدأ قصة يوسف عليه السلام ورحلته مع الرؤى من الرؤيا التي رآها في المنام وهو صغير؛ فكانت هذه الرؤيا مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام من الارتفاع في الدنيا والآخرة، وهكذا إذا أراد الله أمرًا من الأمور العظام قدم بين يديه مقدمة، توطئة له، وتسهيلًا لأمره، واستعدادًا لما يرد على العبد من المشاق؛ لطفًا بعبده؛ وإحسانا إليه30.

    قال الطاهر ابن عاشور: وابتداء قصة يوسف عليه السلام بذكر رؤياه إشارةٌ إلى أن الله هيأ نفسه للنبوءة فابتدأه بالرؤيا الصادقة كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها (أن أول ما بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح)31.

    وفي ذلك تمهيدٌ للمقصود من القصة وهو تقرير فضل يوسف عليه السلام من طهارةٍ وزكاء نفسٍ وصبرٍ؛ فذكر هذه الرؤيا في صدر القصة كالمقدمة والتمهيد للقصة المقصودة، وجعل الله تلك الرؤيا تنبيهًا ليوسف عليه السلام بعلو شأنه ليتذكرها كلما حلت به ضائقةٌ فتطمئن بها نفسه أن عاقبته طيبةٌ32.

    ولما رأى يوسف عليه السلام تلك الرؤيا قصها على والده يعقوب عليه السلام كما قال تعالى: ( ) [يوسف:٤].

    ففهم أبوه تأويل هذه الرؤيا، وأولها بأن الشمس: أمه، والقمر: أبوه، والكواكب: إخوته، وأنه ستنتقل به الأحوال إلى أن يصير إلى حال يخضعون له، ويسجدون له إكرامًا وإعظامًا، وأن ذلك لا يكون إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء الله له، واصطفائه له، وإتمام نعمته عليه بالعلم والعمل، والتمكين في الأرض، وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب، الذين سجدوا له وصاروا تبعًا له فيها 33.

    ولهذا قال: ( ) [يوسف:٦]. أي: كما أراك ربك، هذه الكواكب مع الشمس والقمر ساجدةً لك، فكذلك يختارك ويصطفيك لنبوته.

    ( ) أي: من تعبير الرؤيا، وبيان ما تؤول إليه أحاديث الأمم والكتب السماوية ونحوها.

    ( ) أي: بالنبوة، وما انضاف إليها من سائر النعم.

    ( ) أي: يجعل فيهم النبوءة، إضافة إلى ماينالهم من النعم بسببك.

    ( ) حيث أنعم عليهما بإنعامات كبيرة أعظمها النبوة والرسالة، «وعبر عنهما بالأبوين مع كون أحدهما جدًا وهو إبراهيم؛ لأن الجد أبٌ»34.

    ( ) أي: بخلقه () أي: في تدبيره فيضع كل شيء في موضعه فيكرم من هو أهل للإكرام، ويحرم من هو أهل للحرمان 35.

    ولما بان تعبيرها ليوسف، نهاه أبوه أن يخبر بها إخوته؛ لئلا يحسدوه، وقال له: ( ) [يوسف:٥]. أي: حسدًا من عند أنفسهم، أن تكون أنت الرئيس الشريف عليهم.

    ( ) [يوسف:٥]. أي: بين العداوة، لا يفتر عنه ليلًا ولا نهارًا، ولا سرًا ولا جهارًا، فالبعد عن الأسباب التي يتسلط بها على العبد أولى36.

    قال الشوكاني:«كأن يوسف عليه السلام قال: كيف يقع منهم؟! فنبهه بأن الشيطان يحملهم على ذلك،؛لأنه عدوٌ للإنسان مظهرٌ للعداوة مجاهرٌ بها»37.

    وظاهر الآية أن يوسف عليه السلام لم يقص رؤياه على إخوته وهو المناسب لكماله الذي يبعثه على طاعة أمر أبيه38، قال السعدي: «فامتثل يوسف أمر أبيه، ولم يخبر إخوته بذلك، بل كتمها عنهم»39.

    قال القرطبي: «هذه الآية أصلٌ في ألا نقص الرؤيا على غير شفيقٍ ولا ناصحٍ، ولا على من لا يحسن التأويل فيها»40.

    وقد وقع تفسير هذه الرؤيا كما رآها يوسف عليه السلام بعد فترة من الزمن-وذلك حين رفع أبويه على العرش، وهو سريره، وإخوته بين يديه: ( ﮐﮑ ) [يوسف:١٠٠].

    وقد قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: رؤيا الأنبياء وحيٌ 41.

    ثالثًا: تعبيره لرؤيا صاحبي السجن:

    من نماذج تعبير يوسف عليه السلام للرؤى وعلمها بها: ما كان من تعبيره لرؤيا صاحبي السجن أثناء فترة وجوده في السجن؛ حيث إنهما رأيا منامًا فسألاه عن تعبيره لما رأيا عليه من سيما الصلاح، فكان من الأمر ما حكاه الله تعالى بقوله: ( ) [يوسف:٣٦] أي: شابان، فرأى كل واحد منهما رؤيا، فقصها على يوسف ليعبرها.

    فـ( ) أي: أعصر عنبًا ليكون خمرًا.

    ( ﯫﯬ ) أي: بتفسيره وما يؤول إليه أمرهما.

    ( ) أي: من أهل الإحسان إلى الخلق، فأحسن إلينا في تعبيرك لرؤيانا كما أحسنت إلى غيرنا، فتوسلا ليوسف بإحسانه42.

    قال ابن كثير: «والمشهور عند الأكثرين والذي يدل عليه ظاهر السياق: أنهما رأيا منامًا وطلبا تعبيره، خلافا لمن قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئًا، إنما كانا تحالما ليجربا عليه»43.

    فأخبرهما بأنه عارف بتعبير الرؤى وأن ذلك بتعليم الله إياه ( ﯿ) [يوسف:٣٧].

    وفي هذه الآية ثلاثة أقوال لأهل التفسير كلها تحتملها الآية:

    القول الأول: أن يوسف عليه السلام قال للفتيين: ( ) أيها الفتيان في منامكما ( ) في يقظتكما ( ﯿ) ويعنى بقوله: (): ما يؤول إليه؛ فهو يخبرهما أنهما مهما رأيا في نومهما من حلمٍ، فإنه عارفٌ بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه44.

    والقول الثاني: أنه وعدهما بأنه يعبر لهما رؤياهما غير بعيدٍ، وجعل لذلك وقتًا معلومًا لهما، وهو وقت إحضار طعام المساجين، يقول: لا يأتيكما غداؤكما، أو عشاؤكما، أول ما يجيء إليكما، إلا نبأتكما بتأويله -أي: بتأويل ما رأيتما في منامكما- قبل أن يأتيكما طعامكما، ووصف الطعام بجملة () تصريحٌ بالضبط بأنه طعامٌ معلوم الوقت45.

    القول الثالث في الآية معناه: ( ) في السجن إلا أخبرتكما بماهيته قبل مجيئه حلوًا وحامضًا وغيره كما قال عيسى عليه السلام: ( ) [آل عمران:٤٩]46.

    وهذا ليس من جواب سؤالهما تعبير ما قصاه عليه، بل جعله عليه السلام مقدمةً قبل تعبيره لرؤياهما بيانًا لعلو مرتبته في العلم، وأنه ليس من المعبرين الذين يعبرون الرؤيا عن ظنٍ وتخمينٍ؛ وإنما قال يوسف عليه السلام لهما بهذا ليحصل الانقياد منهما له فيما يدعوهما إليه بعد ذلك من الإيمان بالله والخروج من الكفر47.

    ولذلك قال: ( ) [يوسف:٣٧]. أي: هذا إنما هو من تعليم الله إياي 48.

    والأقرب القول الثالث: وهو أنه يخبرهما بماهية طعامهما وحقيقته قبل مجيئه إليهما وذلك بتعليم الله إياه، كحال عيسى عليه السلام.

    وقوله في الآية: ( ) يدل على أنه طعام حقيقة لا منامًا، والضمير في قوله:( ) يرجع إلى أقرب مذكور وهو الطعام. والله أعلم.

    ثم عبر لهما ما رأيا فقال: ( ) [يوسف:٤١].

    وهو الذي رأى أنه يعصر خمرًا، فإنه يخرج من السجن ويسقي سيده الذي كان يخدمه خمرًا، وذلك مستلزم لخروجه من السجن، ولكنه لم يعينه لئلا يَحْزَنَ ذَاكَ؛ ولهذا أبهمه في قوله: ( ) وهو الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه ( ) [يوسف:٤١]49.

    فإنه عبر عن الخبز الذي تأكله الطير، بلحم رأسه وشحمه، وما فيه من المخ، وأنه لا يقبر ويستر عن الطيور، بل يصلب ويجعل في محل تتمكن الطيور من أكله50.

    ثم أعلمهما أن هذا قد فرغ منه، وهو واقعٌ لا محالة ( ) [يوسف:٤١] لأن الرؤيا على رِجْلِ طائرٍ ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت، كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا على رجل طائرٍ ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت)5152.

    رابعًا: تعبيره لرؤيا الملك:

    أيضًا من نماذج تعبير يوسف عليه السلام للرؤى وعلمه بها تعبيره لرؤيا الملك-ملك مصر- والتي كانت بتدبير الله تعالى؛ لتكون سببًا لرفعة شأنه وخروجه من السجن.

    وكان من تفاصيلها ما حكاه الله بقوله: ( ) [يوسف:٤٣]. جمع عجف، وهي المهازيل53.

    ( ) وقد أهمه أمر هذه الرؤيا فقصها على علماء قومه وكبراء دولته، وسألهم عن تأويلها، قال: ( ) [يوسف:٤٣].

    فتحيروا ولم يعرفوا لها وجهًا ( ﭓﭔ ) [يوسف:٤٤].

    والأضغاث54: الأخلاط، أي: أخلاط أحلامٍ من الليل لعلها لا تعبير لها،ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك؛ ولهذا قالوا: ( )55.

    وهذا جزم منهم بما لا يعلمون، وتعذر منهم، بما ليس بعذر، ثم قالوا: ( ) أي: لا نعبر إلا الرؤيا، وأما الأحلام التي هي من الشيطان، أو من حديث النفس فإنا لا نعبرها.فجمعوا بين الجهل والجزم بأنها أضغاث أحلام، والإعجاب بالنفس، بحيث إنهم لم يقولوا: لا نعلم تأويلها وهذا من الأمور التي لا تنبغي لأهل الدين والحجا56.

    ولما سمع الفتى - الساقي الذي نجا- هذه المقالة من الملك ومراجعة أصحابه، تذكر يوسف وعلمه بتأويل الرؤى، كما قال تعالى: ( ) [يوسف:٤٥].

    أي: من الفتيين، وهو الذي رأى أنه يعصر خمرًا، وهو الذي أوصاه يوسف أن يذكره عند ربه فنسي( ) [يوسف:٤٥].

    أي: تذكر يوسف عليه السلام بعد مدة من الزمن وهي بضع سنين، وتذكر ما جرى له في تعبيره لرؤياهما، وما وصاه به، وعلم أنه كفيل بتعبير هذه الرؤيا، فطلب منهم إرساله إليه ليأتيهم بتأويل هذا المنام، وقال لهم: ( ) [يوسف:٤٥].

    فأرسل إليه فجاءه وخاطبه قائلًا ( ) [يوسف:٤٦].

    فإنهم متشوقون لتعبيرها، وقد أهمتهم، فأجابه يوسف عليه السلام لما طلب وعبرها له فـ ( ﭿ ) [يوسف:٤٧].

    أي: متواليةً متتابعةً على عادتكم57.

    والمعنى: يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين متوالياتٍ، ففسر البقر بالسنين؛ لأنها تثير الأرض التي تستغل منها الثمرات والزروع، وهن السنبلات الخضر، ثم أرشدهم إلى ما يعتمدونه في تلك السنين فقال:( ) أي: اتركوه ( ) [يوسف:٤٧].

    أي: مهما استغللتم في هذه السبع السنين الخصب فاتركوه في سنبله؛ ليكون أبقى له وأبعد عن إسراع الفساد إليه، إلا المقدار الذي تأكلونه، وليكن قليلًا قليلًا لا تسرفوا فيه، لتنتفعوا في السبع الشداد ( )أي: بعد تلك السنين السبع المخصبات ( ) [يوسف:٤٨].

    أي: مجدبات صعاب وهن سنون المَحْلِ( ) لأن سني الجدب يؤكل فيها ما جمعوه في سني الخصب ( ) [يوسف:٤٨].

    أي: إلا يسيرًا مما تحرزونه وتدخرونه58.

    فعبر يوسف عليه السلام السبع البقرات السمان والسبع السنبلات الخضر بأنهن سبع سنين مخصبات، والسبع البقرات العجاف، والسبع السنبلات اليابسات، بأنهن سنين مجدبات، قال السعدي:«ولعل وجه ذلك - والله أعلم - أن الخصب والجدب لما كان الحرث مبنيا عليه، وأنه إذا حصل الخصب قويت الزروع والحروث، وحسن منظرها، وكثرت غلالها، والجدب بالعكس من ذلك، وكانت البقر هي التي تحرث عليها الأرض، وتسقى عليها الحروث في الغالب، والسنبلات هي أعظم الأقوات وأفضلها، عبرها بذلك لوجود المناسبة، فجمع لهم في تأويلها بين التعبير والإشارة لما يفعلونه، ويستعدون به من التدبير في سني الخصب، إلى سني الجدب59.

    ثم بشرهم بعد الجدب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك ( ) [يوسف:٤٩].

    أي: يأتيهم الغيث، وهو المطر، وتكثر الغلات، ويعصر الناس ما كانوا يعصرون على عادتهم، من الأقصاب والأعناب والزيتون والسمسم وغيرها 60.

    قال ابن جرير: وهذا خبرٌ من يوسف عليه السلام للقوم عما لم يكن في رؤيا ملكهم، ولكنه من علم الغيب الذي آتاه الله دلالةً على نبوته وحجة على صدقة 61.

    وقال السعدي: «ولعل استدلاله على وجود هذا العام الخصب، مع أنه غير مصرح به في رؤيا الملك؛ لأنه فهم من التقدير بالسبع الشداد، أن العام الذي يليها يزول به شدتها، ومن المعلوم أنه لا يزول الجدب المستمر سبع سنين متواليات، إلا بعام مخصب جدًا، وإلا لما كان للتقدير فائدة، فلما رجع الرسول إلى الملك والناس، وأخبرهم بتأويل يوسف للرؤيا، عجبوا من ذلك، وفرحوا بها أشد الفرح»62. وكان ذلك سببًا في خروجه من السجن.

    يوسف عليه السلام مع والده

    أولًا: مكانة يوسف عليه السلام عند والده:

    كان يوسف عليه السلام أحب إخوته إلى أبيه أثيرًا عنده مقربا لديه، فكان يعقوب عليه السلام يحبه حبًا شديدًا ولا يقوى على فراقه؛ «لما يتوسم فيه من الخير العظيم، وشمائل النبوة والكمال في الخُلُقِ والخَلْقِ، صلوات الله وسلامه عليه 63».

    وقد نشأ يوسف عليه السلام في كنف والده، يشاوره في أموره ويسر إليه بما يحدث له، ومن ذلك قصة الرؤيا التي رآها؛ إذ رأى وهو صغيرٌ كأن أحد عشر كوكبًا، وهم إشارةٌ إلى بقية إخوته، والشمس والقمر وهما عبارةٌ عن أبويه قد سجدوا له، فلما استيقظ قصها على أبيه، فعرف أبوه أنه سينال منزلةً عاليةً ورفعةً عظيمةً في الدنيا والآخرة، بحيث يخضع له أبواه وإخوته فيها، فأمره بكتمانها وأن لا يقصها على إخوته؛ كيلا يحسدوه، ففعل64.

    وقد كانت محبته ليوسف وأخيه«أمرًا لا يملك صرفه عن نفسه؛ لأنه وجدانٌ ولكنه لم يكن يؤثرهما عليهم في المعاملات والأمور الظاهرية» 65.

    وهذا الحب من يعقوب عليه السلام لابنه يوسف دفع إخوته إلى حسده والتآمر عليه؛ حتى فرقوا بينه وبين أبيه.

    ثانيًا: محنة الفراق:

    من أصعب المحن التي مرت على يعقوب عليه السلام: محنة التفريق بينه وبين حبه وفلذة كبده يوسف عليه السلام، حين تآمر عليه إخوته، وتحايلوا على أبيهم، وزعموا أنهم يريدون اصطحابه معهم للعب، وتعهدوا بحفظه، والنصح له، ولكن كان التخطيط غير ذلك، فذهبوا به وألقوه في البئر ورجعوا بدونه، زاعمين أنه أكله الذئب وبدأت رحلة المعاناة للابن والأب:

    أما الابن: فقد تعرض لأربع محن عظيمة، وهي محنة الإلقاء في البئر، ومحنة البيع رقيقًا ظلما وعدوانًا، ومحنة فتنة المرأة، ومحنة السجن؛ ولكن الله لطف به في هذه المحن كلها، ونجاه منها جميعها، وكانت عاقبته رفعة المنزلة في الدارين، وقد بين طريق الوصول إلى مثل ذلك حين قال: ( ) [يوسف:٩٠].

    وأما الوالد: فقد كان ألم الفراق بالنسبة له عظيما وكان وقعه عليه شديدًا، فلم يصدق أبناءه حينما جاءوا عشاءً يبكون وزعموا أنه أكله الذئب، ولطخوا قميصه بالدم المكذوب، ولم يرج هذا الصنيع عليه، بل قال لهم معرضًا عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من تمالئهم عليه: ( ) [يوسف:١٨].

    ثم لجأ إلى الله في كشف محنته وتحلى بالصبر الجميل وردد قائلًا: ( ﮋﮌ ) [يوسف:١٨].

    أي: فسأصبر صبرًا جميلًا على هذا الأمر الذي قد اتفقتم عليه، حتى يفرجه الله بعونه ولطفه66، تمامًا كما قال تعالى( ) [البقرة:١٥٣].

    وقد اشتد حزنه العميق على فقد يوسف عليه السلام، ثم ازداد به الأمر شدة، حين صار الفراق بينه وبين ابنه الثاني شقيق يوسف، فجدد الحزن الجديد الحزن القديم، حتى ذهب بصره أو كاد؛ من الحزن وكثرة البكاء كما قال جل و علا: ( ) [يوسف:٨٤]67.

    ولكنه عليه السلام لم يفقد الأمل في اللقاء بيوسف مجددًا، بل كان عنده يقين بذلك؛ ولهذا لما جاءه أولاده بخبر فقد أخيهم الآخر -شقيق يوسف- خاطبهم قائلا: ( ﮬﮭ ) [يوسف:٨٣].

    ثم ترجى من الله أن يرد عليه أولاده الثلاثة: يوسف وأخوه الشقيق، وأخوهم الكبير الذي أقام بديار مصر ينتظر أمر الله فيه إما أن يرضى عنه أبوه فيأمره بالرجوع إليه، وإما أن يقدر الله له المجيء وحده، أو مع أخيه؛ ولهذا قال: ( ﯗﯘ ) [يوسف:٨٣].

    أي: () بحالي () في أفعاله وقضائه وقدره 68.

    هكذا قالها يعقوب عليه السلام بكل يقين وحسن ظن بالله.

    ثم أعرض عن بنيه كما قال تعالى: ( )وذلك لما جاؤوا من غير أخيهم وأخبروه الخبر، وقد ساء ظنه بهم ولم يصدق قولهم، وجعل يتفجع ويتأسف ( ) يا حزناه على يوسف، والأسف أشد الحزن ( ) [يوسف:٨٤].

    أي: ممتلئ القلب من الحزن الشديد69، فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق () له على وجه الرحمة له والرأفة به والحرص عليه: ( ) أي: لا تزال تذكر يوسف ( ) مشرفًا على الهلاك لطول مرضك ( ) [يوسف:٨٥].

    أي: الموتى، يقولون: لا تزال تتذكره حتى ينحل جسدك وتضعف قوتك أو تهلك، فلو رفقت بنفسك كان أولى بك 70.

    فأجابهم يعقوب عليه السلام بقوله: ( ﯿ ) [يوسف:٨٦].

    يقول لهم: ( ) أي: ما أبث من الكلام () الذي في قلبي ( ) وحده، لا إليكم ولا إلى غيركم من الخلق، فقولوا ما شئتم (ﯿ ) من أنه سيردهم علي ويقر عيني بالاجتماع بهم، وأعلم أن رؤيا يوسف لابد أن تقع، ولابد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى 71.

    ثم أمر أولاده بالذهاب للبحث والتفتيش عن يوسف عليه السلام وعدم اليأس والقنوط من ذلك؛ فإن اليأس ليس من صفة المؤمن( ) أي: اطلبوا خبرهما، واستقصوا، ( ) أي: رحمته؛ فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد فضل الله وإحسانه ورحمته وروحه ( ) [يوسف:٨٧].

    فإنهم لكفرهم يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين، ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله 72. فلم يخيب الله ظنه بل حقق له ما رجاه.

    ثالثًا: اجتماع الشمل:

    وبعد طول فراق -امتد لعدة سنين قيل: ثمانين سنة. وقيل: أربعين. وقيل غير ذلك، وهي لا تقصر73 عن خمسة عشر عامًا- يجتمع الشمل، ويحقق الله الرجاء، ويجمع الله بين يعقوب وابنه يوسف عليهما السلام.

    لما جاء إخوة يوسف في المرة الأخيرة لشراء الطعام من مصر وتعرف عليهم يوسف عليه السلام، أعطاهم قميصه وأمرهم أن يضعوه على عيني أبيه فإنه يرجع إليه بصره، بإذن الله، قال: ( ) [يوسف:٩٣].

    قال السعدي: لأن كل داء يداوى بضده، فهذا القميص لما كان فيه أثر ريح يوسف، الذي أودع قلب أبيه من الحزن والشوق ما الله به عليم أراد أن يشمه فترجع إليه روحه، وتتراجع إليه نفسه، ويرجع إليه بصره، ولله في ذلك حكم وأسرار، لا يطلع عليها العباد، وقد اطلع يوسف من ذلك على هذا الأمر 74.

    قال ابن كثير: وهذا من خوارق العادات ودلائل النبوات وأكبر المعجزات 75.

    وأمرهم أيضًا أن يأتوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مص؛ ليجتمع الشمل بعد الفرقة، ويزول عنهم ضنك الرزق قال: ( ) [يوسف:٩٣].

    وحصلت معجزة أخرى وهي إيصال الله تعالى ريح يوسف عليه السلام لأبيه من مكان بعيد، فما أن خرجت العير -القافلة- من أرض مصر مقبلة إلى أرض فلسطين حتى شم يعقوب عليه السلام ريح القميص،( ﯲﯳ ) [يوسف:٩٤].

    أي: تسخرون مني، وتقولون إنما قلت هذا من الفند، وهو الخرف وكبر السن، فوقع ما ظنه بهم ( ) [يوسف:٩٥].

    أي: في حبك القديم ليوسف76، قال قتادة:«أي: من حب يوسف لا تنساه، قالوا لوالدهم كلمةً غليظةً لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم، ولا لنبي الله صلى الله عليه وسلم»77.

    ( ) وهو المبشر برسالة يوسف ( ) أي: بمجرد ما جاء ألقى القميص على وجه يعقوب فرجع من فوره بصيرًا بعدما كان ضريرًا، فقال لبنيه عند ذلك: ( ) [يوسف:٩٦].

    أي: أعلم أن الله سيجمع شملي بيوسف؛ لأن رؤيا يوسف كانت صادقة، وكان الله قد قضى أن أَخِرَّ أنا وأنتم له سجودًا، فكنت موقنًا بقضائه، ولا تعلمون أنتم من ذلك ما أعلمه 78.

    هنا شعر الأبناء بالحرج من جراء ما اقترفوا ( ) [يوسف:٩٧].

    فعفا عنهم و ( ﭴﭵ ) [يوسف:٩٨].

    وقد قيل: إنه أخر الاستغفار لهم إلى وقت السحر الفاضل؛ ليكون أتم للاستغفار، وأقرب للإجابة 79.

    فارتحل يعقوب عليه السلام ومن معه إلى مصر( ﭿ ) وهما أبوه وأمه على الصحيح، أي: ضمهما إليه، واختصهما بقربه، وأبدى لهما من البر والإكرام والتبجيل والإعظام شيئًا عظيمًا () لجميع أهله: ( ) [يوسف:٩٩] من جميع المكاره والمخاوف80.

    ومن أدبه مع والديه واحترامه لهما لم يجلسهما على الأرض ويجلس هو على سرير الملك بل أجلسهما معه ( ) وهو سرير الملك( ) أي: أبوه، وأمه وإخوته، وقد كان ذلك جائزًا في شريعتهم لكنه منع في شريعتنا.

    قال ابن عطية: «وأجمع المفسرون أن ذلك السجود- على أي هيئة كان- فإنما كان تحية لا عبادة، قال قتادة: هذه كانت تحية الملوك عندهم، وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة»81 () لما رأى سجودهم له: ( ) حين رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر لي ساجدين، فهذا وقوعها الذي آلت إليه ووصلت ( ) فلم يجعلها أضغاث أحلام، بل تحققت ووقعت كما رأيتها82.

    ثم رد الفضل في ذلك كله إلى الله وأنه هو الذي حفظه ونجاه وجمع شمله به بهم بعد طول فراق ( ﮰﮱ ﯗﯘ ) [يوسف:١٠٠].

    يوسف عليه السلام وإخوته

    يقول الله تعالى عن يوسف وإخوته: ( ﭿ ) [يوسف:٧].

    أي: عبر ومواعظ، لكل من سأل عنها بلسان الحال أو بلسان المقال؛ فإن السائلين هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر، وأما المعرضون فلا ينتفعون بالآيات، ولا بالقصص والبينات83.

    وعن سبب نزولها قال أبوحيان الأندلسي: وسبب نزولها أن كفار مكة أمرتهم اليهود أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبب الذي أحل بني إسرائيل بمصر فنزلت. وقيل: سببه تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما كان يفعل به قومه بما فعل إخوة يوسف به. وقيل: سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحدثهم أمر يعقوب وولده، وشأن يوسف. وقال سعد بن أبي وقاص: أنزل القرآن فتلاه عليهم زمانًا فقالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا، فنزلت 84. ويمكن إجمال القول عن يوسف عليه السلام مع إخوته فيما يلي:

  1. عددهم.

    كان ليعقوب عليه السلام من البنين اثنا عشر ولدًا ذكرًا، وإليهم تنسب أسباط بني إسرائيل كلهم، وكان أشرفهم وأجلهم يوسف عليه السلام 85، وقد جاءت الإشارة إليهم في آية الرؤيا حين قال: ( ) [يوسف:٤].

    وقد كان أحدهما شقيقا ليوسف والبقية إخوته لأبيه كما يشير إلى ذلك قولهم المذكور في الآية: ( ) [يوسف:٨].

    فقولهم () أي: شقيقه، وإلا فكلهم إخوة 86.

  2. أسماؤهم.

    لم يرد ذكر أسمائهم في شيء من القرآن أو صحيح السنة سوى يوسف عليه السلام، وقد اشتهر عند المؤرخين والمفسرين بأن أخاه الشقيق يقال له: (بنيامين) وقد جاء في حديث مرفوع ذكر أسمائهم لكنه لم يصح87.

  3. القول بنبوتهم.

    اختلف العلماء في نبوة إخوة يوسف عليه السلام: فذهبت طائفة إلى أنهم كانوا أنبياء، وأنهم هم أسباط بني إسرائيل المذكورون في القرآن في قوله تعالى: ( ) [البقرة:١٣٦].

    وقوله تعالى: ( ﭛﭜ ) [النساء:١٦٣].

    فقد عطفهم الله على يعقوب عليه السلام وأخبر أنه أوحى إليهم، وأما ما حصل منهم تجاه أخيهم فقد كان قبل نبوتهم، وقد تابوا منه فتاب الله عليهم وأوحى إليهم بعد ذلك88.

    وذهب فريق إلى أن إخوة يوسف عليه السلام لم يكونوا أنبياء؛ لعدم ورود دليل صريح على ذلك؛ ولأن ما قاموا به نحو أخيهم لا يتناسب مع مقام النبوة.

    قال الحافظ ابن كثير: «وقد ذهب طائفةٌ من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبيٌ غيره، وباقي إخوته لم يوح إليهم، وظاهر ما ذكر من فعالهم ومقالهم في هذه القصة يدل على هذا القول، ومن استدل على نبوتهم بقوله: ( ) [البقرة:١٣٦] وزعم أن هؤلاء هم الأسباط فليس استدلاله بقويٍٍّ؛ لأن المراد بالأسباط شعوب بني إسرائيل وما كان يوجد فيهم من الأنبياء الذين ينزل عليهم الوحي من السماء ، وما يؤيد أن يوسف عليه السلام هو المختص من بين إخوته بالرسالة والنبوة أنه ما نص على واحدٍ من إخوته سواه، فدل على ما ذكرناه»89.

    قال القرطبي تعليقًا على تآمرهم عليه: وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أولًا ولا آخرًا؛ لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلمٍ، بل كانوا مسلمين، فارتكبوا معصيةً ثم تابوا90.

    قال أبو محمد ابن حزم: «إخوة يوسف عليه السلام لم يكونوا أنبياء، ولا جاء قط في أنهم أنبياء نص: لا من قرآن، ولا من سنة صحيحة، ولا من إجماع، ولا من قول أحد من الصحابة رضي الله عنهم، وأما يوسف صلى الله عليه وسلم فرسول الله بنص القرآن.

    قال عز وجل: ( ﭝﭞ ) [غافر:٣٤].

    وأما إخوته فأفعالهم تشهد أنهم لم يكونوا متورعين عن العظائم فكيف أن يكونوا أنبياء؟! ولكن الرسولين أباهم وأخاهم قد استغفرا لهم، وأسقطا التثريب عنهم؛ ولقول الله تعالى حاكيًا عن الرسول أخيهم عليه السلام أنه قال لهم: ( ) [يوسف:٧٧].

    ولا يجوز البتة أن يقوله لنبي من الأنبياء، نعم ولا لقوم صالحين، إذ توقير الأنبياء فرض على جميع الناس؛ لأن الصالحين ليسوا شرا مكانا وقد عق ابن نوح أباه أكثر مما عق به أخوة يوسف أباهم إلا أن إخوة يوسف لم يكفروا، ولا يحل لمسلم أن يدخل في الأنبياء من لم يأت نص ولا إجماع أو نقل كافة بصحة نبوته.

    فإن ذكروا في ذلك ماروي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وهو زيد بن أرقم: إنما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاد الأنبياء أنبياء، فهذه غفلة شديدة وزلة عالم من وجوه:

    أولها: أنه دعوى لا دليل على صحتها.

    وثانيها: أنه لو كان ما ذكر لأمكن أن ينبأ إبراهيم في المهد كما نبىء عيسى عليه السلام، وكما أوتي يحيي الحكم صبيًّا، فعلى هذا القول لعل إبراهيم كان نبيًّا، وقد عاش عامين غير شهرين، وحاشا لله من هذا.

    وثالثها: أن ولد نوح كان كافرًا بنص القرآن، فلو كان أولاد الأنبياء أنبياء لكان هذا الكافر المسخوط عليه نبيًّا، وحاشا لله من هذا.

    ورابعها: لو كان ذلك لوجب ولابد أن تكون اليهود كلهم أنبياء إلى اليوم، بل جميع أهل الأرض أنبياء؛ لأنه يلزم أن يكون الكل من ولد آدم لصلبه أنبياء؛ لأن أباهم نبي وأولاده أنبياء أيضًا؛ لأن آباءهم أنبياء وهم أولاد أنبياء، وهكذا أبدًا حتى يبلغ الأمر إلينا»91.

  4. تآمرهم عليه.

    لما رأى إخوة يوسف حب أبيه له وميله إليه وإلى أخيه-شقيقه- دب الحسد في قلوبهم، وزين لهم الشيطان الانتقام منه، فتآمروا عليه، وعزموا على التفريق بينه وبين أبيه، ونفذوا ما عزموا عليه، وأبعدوه عن والده، وجروا عليه وعلى والده محن عظيمة امتدت لسنوات طوال.

    قال تعالى حاكيًا ما حصل منهم: ( ﭿ ) [يوسف:٧-٨].

    أي: جماعة، يقولون: فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين.

    ( ) [يوسف:٨] أي: لفي خطأ بين؛ بتقديمه حبهما علينا92.

    وليس مراد أولاد يعقوب الضلال في الدين؛ إذ لو أرادوا ذلك لكانوا كفارًا، وإنما مرادهم أن أباهم -في زعمهم- في ذهابٍ عن وجه التدبير، في إيثار اثنين على عشرةٍ مع استوائهم في الانتساب إليه؛ ولأن العشرة أكثر نفعًا له 93.

    ثم اشتوروا فيما بينهم في قتل يوسف أو إبعاده إلى أرضٍ لا يرجع منها؛ ليخلو لهم وجه أبيهم أي: لتتمحض محبته لهم.

    قالوا: ( ) [يوسف:٩].

    أي: تتوبون إلى الله، وتستغفرون من بعد ذنبكم، فقدموا العزم على التوبة قبل صدور الذنب منهم تسهيلًا لفعله94.

    فلما تمالأوا على ذلك وتوافقوا عليه ( ) [يوسف:١٠].

    أي: يقول أحد إخوة يوسف الذين أرادوا قتله أو تبعيده( ) فإن قتله أعظم إثمًا وأشنع، والمقصود يحصل بإبعاده عن أبيه من غير قتل، ولكن توصلوا إلى إبعاده بأن تلقوه وأشار عليهم بأن يلقوه في ( ) وهو أسفله، والغيابة: كل ما غاب عنك، أو غيب شيئًا عنك، والجب: الركية التي لم تطو، فإذا طويت فهي بئر، وسميت جبًا؛ لأنها قطعت في الأرض قطعًا95 ( ) أي: المارة من المسافرين، فتستريحوا بهذا، ولا حاجة إلى قتله ( ) أي: إن كنتم عازمين على ما تقولون 96.

    قال السعدي: «وهذا القائل أحسنهم رأيًا في يوسف، فإن بعض الشر أهون من بعض، والضرر الخفيف يدفع به الضرر الثقيل 97».

    قال ابن كثير: «ولم يكن لهم سبيلٌ إلى قتله؛ لأن الله تعالى كان يريد منه أمرًا لا بد من إمضائه وإتمامه: من الإيحاء إليه بالنبوة، ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها، فصرفهم الله عنه بمقالة أخيه فيه 98».

    وقد صدق رحمه الله.

    لما تواطؤوا على أخذه وطرحه في البئر كما أشار عليهم أخوهم، جاؤوا إلى أبيهم وطلبوا منه أن يرسله معهم، وأظهروا له أنهم يريدون أن يرعى معهم، وأن يلعب وينبسط، وقد أضمروا له ما الله به عليمٌ 99، ( ) [يوسف:١١].

    فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة من عدم إرساله معهم، ذكروا له من مصلحة يوسف وأنسه الذي يحبه أبوه له ما يقتضي أن يسمح بإرساله معهم، فقالوا:( )[يوسف:١٢].

    أي: يتنزه في البرية ويستأنس.

    ( ) [يوسف:١٢] أي: سنراعيه ونحفظه من أذى يريده.

    فأجابهم والدهم ( ) [يوسف:١٣].

    يقول لهم: إن مجرد ذهابكم به يحزنني ويشق علي؛ لأنني لا أقدر على فراقه، ولو مدة يسيرة، فهذا مانع من إرساله و مانع ثان وهو أني ( ) أي: في حال غفلتكم عنه وانشغالكم في لعبكم، لأنه صغير لا يمتنع من الذئب 100.

    «وإنما ذكر يعقوب عليه السلام أن ذهابهم به يحزنه؛ ليصرفهم عن الإلحاح في طلب الخروج به؛ لأن شأن الابن البار أن يتقي ما يحزن أباه، فأبوا إلا المراجعة 101.

    قالوا: ( ﯿ ) [يوسف:١٤].

    يقولون: لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا وغلبنا عليه، أو اشتغلنا عنه حتى وقع هذا ونحن جماعةٌ إنا إذا لعاجزون هالكون، لا خير فينا ولا نفع يرجى منا102.

    فلما مهدوا لأبيهم الأسباب الداعية لإرساله، وعدم الموانع، سمح حينئذ بإرساله معهم، فذهبوا به وبلغوا المكان الذي فيه الجب ونفذوا مهمتهم وألقوه في البئر، ولكن الله تعالى لطف به حيث حفظه من الضرر فلم يصطدم بجدرانها فيهلك أو يغرق في مائها فيموت، بل إن الله أمنه من الخوف حيث أوحى إليه في تلك الحال الحرجة تطييبًا لقلبه، وتثبيتًا له وبشره«أنه لابد لك من فرجٍ ومخرجٍ من هذه الشدة التي أنت فيها، وسينصرك الله عليهم، ويعليك ويرفع درجتك،ولتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا في حالٍ أنت فيها عزيزٌ، وهم محتاجون إليك خائفون منك»103.

    قال تعالى: ( ) [يوسف:١٥].

    أي: في قعره.

    ( ) وفي المراد بالوحي قولان104:

    أحدهما: أنه إلهام.

    والثاني: أنه وحي حقيقة.

    ( ) أي: لتخبرن إخوتك بفعلهم هذا الذي فعلوه بك.

    ( ) وفي المراد بهذه الآية قولان:

    أحدهما: وهم لا يشعرون بإيحاء الله إليك.

    والثاني: وهم لا يشعرون أنك يوسف وقت إخبارك لهم،، وذلك إخبارٌ بما وقع بعد سنين مما حكي في هذه السورة 105.

    وهذا هو الراجح؛ لأن الله جل وعلا صرح في هذه السورة الكريمة بأنه أنجز ذلك الوعد في قوله: ( ﭿ ) [يوسف:٨٩-٩٠].

    وصرح بعدم شعورهم بأنه يوسف في قوله: ( ) [يوسف:٥٨]106.

    فلما ألقوه في البئر ورجعوا عنه، أخذوا قميصه فلطخوه بشئ من دمٍ، ورجعوا إلى أبيهم عشاءً وهم يبكون، ويظهرون الأسف والجزع على يوسف ( ) [يوسف:١٦].

    أي: على أخيهم؛ ولهذا قال بعض السلف: لا يغرنك بكاء المتظلم فرب ظالمٍ وهو باك! وذكر بكاء إخوة يوسف وقد ( )، أي: في ظلمة الليل؛ ليكون أمشى لغدرهم لا لعذرهم 107.

    قالوا: متعذرين بعذر كاذب ( ) [يوسف:١٧].

    إما على الأقدام، أو بالرمي والنضال.

    ( ) أي: ثيابنا وأمتعتنا.

    ( ) أي: في حال غيبتنا عنه في استباقنا، وهذا الذي كان قد خاف منه عليه، لكنهم أخذوا من فمه هذه الكلمة، وجعلوها عذرهم فيما فعلوه.

    ( ) أي بمصدقٍ لنا.

    ( ) أي: ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا ولا تهمتنا في هذه القضية؛ لشدة محبتك في يوسف108.

    ( ﭿ ) [يوسف:١٨] أي: مكذوبٍ مفتعلٍ؛ ولهذا لم يرج هذا الصنيع على نبي الله يعقوب.

    بل قال لهم معرضًا عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من تمالئهم عليه: ( ) [يوسف:١٨].

    أي: زينت لكم أنفسكم أمرًا قبيحا في التفريق بيني وبينه؛ لأنه رأى من القرائن والأحوال ومن رؤيا يوسف التي قصها عليه ما دله على ما قال.

    ( ﮋﮌ ) أي: فسأصبر صبرًا جميلًا على هذا الأمر الذي قد اتفقتم عليه، حتى يفرجه الله بعونه ولطفه.

    ( ) أي: على ما تذكرون من الكذب والمحال 109.

    قال ابن عاشور: وإنما فوض يعقوب عليه السلام الأمر إلى الله ولم يسع للكشف عن مصير يوسف عليه السلام؛ لأنه علم تعذر ذلك عليه لكبر سنه؛ ولأنه لا عضد له يستعين به على أبنائه أولئك. وقد صاروا هم الساعين في البعد بينه وبين يوسف عليه السلام، فأيس من استطاعة الكشف عن يوسف بدونهم، ألا ترى أنه لما وجد منهم فرصةً قال لهم: ( ) [يوسف:٨٧]110.

    لما ألقي يوسف عليه السلام في البئر وترك لمصيره، كان من لطف الله به أن جاء بالسيارة إليه كما قال: ( ) [يوسف:١٩].

    أي: مسافرون وهم قافلة تريد مصر.

    ( ) والوارد الذي يرد الماء يستقي للقوم.

    ( ) أرسل دلوه في البئر ليملأه، والدلو معروف: وهو ما يستخرج به الماء من البئر، فتعلق فيه يوسف فأخرجه واستبشر به.

    وقال:() أي: يا بشراي.

    ( ﮝﮞ ) أي: وأسره الواردون من بقية السيارة وقالوا: اشتريناه وتبضعناه من أصحاب الماء مخافة أن يشاركوهم فيه إذا علموا خبره 111.

    ( ) أي: هو عالمٌ بما يفعله إخوته ومشتروه، وهو قادرٌ على تغيير ذلك ودفعه ومع هذا لا يغيره تعالى؛ لما له في ذلك من الحكمة العظيمة والقدر السابق والرحمة بأهل مصر112.

    وقال أيضًا: وفي هذا تعريضٌ لرسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وإعلامه له بأنني عالمٌ بأذى قومك، وأنا قادرٌ على الإنكار عليهم، ولكني سأملي لهم، ثم أجعل لك العاقبة والحكم عليهم، كما جعلت ليوسف الحكم والعاقبة على إخوته113.

    () أي: باعه السيارة.

    ( ) أي: قليلٍ ناقص.

    فسره بقوله: ( ) [يوسف:٢٠] أي: ممن يرغب عما في يده فيبيعه بأقل ثمن؛ لأنهم التقطوه، والملتقط للشيء متهاونٌ به لا يبالي بما باعه؛ ولأنهم خافوا أن يظهر له مستحقٌ فينزعه من يدهم؛ ولذلك باعوه بأوكس الأثمان 114.

    هذا هو القول الأول في هذه الآية وأن الذين شروه -بمعنى باعوه- بمصر هم السيارة وأن إخوته ألقوه وانصرفوا، وهو اختيار أبي حيان والشوكاني وابن عاشور وغيرهم 115.

    وهو الظاهر؛ لدلالة ظاهر السياق عليه؛ حيث إن الله ذكر ذلك بعد ذكره لرجوع إخوة يوسف إلى أبيهم، ثم ذكر بعدهم مجيئ السيارة، وبعده قال: () ثم بين من اشتراه منهم فقال: ( ) [يوسف:٢١].

    ولم يشر القرآن إلى رجوع إخوة يوسف مرة أخرى إلى البئر.

    وذهب كثير من المفسرين إلى أن الضمير في ( ) وفي () عائد على إخوة يوسف، وأنهم لما استشعروا بأخذ السيارة له لحقوهم، وقالوا هذا غلامنا أبق منا ( ) يعني: أن إخوة يوسف أسروا شأنه، وكتموا أن يكون أخاهم وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته، واختار البيع.

    ( ) أي: باعه إخوته للسيارة بثمنٍ دونٍ قليلٍ، وكانوا مع ذلك فيه من الزاهدين، أي: ليس لهم رغبة فيه، بل لو سألوه بلا شيءٍ لأجابوا؛ لأنه لم يكن لهم قصد إلا تغييبه وإبعاده عن أبيه. واختار هذا القول ابن كثير والطبري والسعدي وغيرهم 116.

    وقد خاض بعض المفسرين في عدد هذه الدراهم، لكنه لا طائل من وراء ذلك، قال ابن جرير الطبري: «والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعوه بدراهم معدودة ولم يحد مبلغ ذلك بوزن ولا عدد، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين، ولا في الجهل به دخول ضر فيه، والإيمان بظاهر التنزيل فرضٌ، وما عداه فموضوعٌ عنا تكلف علمه 117.

  5. اتهامهم له بالسرقة.

    ومما نال يوسف أيضًا من إخوته اتهامهم له بالسرقة زورًا وبهتانًا، حين قالوا لما رأوا الصواع قد أخرج من متاع أخيهم: ( ) هذا الأخ، فليس هذا غريبا منه ( ) [يوسف:٧٧]. يعنون: يوسف عليه السلام، وهذا مجرد اتهام، قال الحسن: كذبوا عليه فيما نسبوه إليه118.

    وقال الشوكاني: «فما هذه الكذبة بأول كذباتهم»119.

    وفي هذا من الغض عليهما ما فيه؛ ولهذا قال: ( ﯭﯮ ﯲﯳ ) [يوسف:٧٧].

    أي: لم يقابلهم على ما قالوه بما يكرهون، بل كظم الغيظ، وأسر الأمر في نفسه.

    و() في نفسه: ( ) حيث ذممتمونا بما أنتم على أشر منه.

    وفي معناها قولان:

    أحدهما: أنتم شرٌ صنيعًا من يوسف لما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم.

    والثاني: شرٌ منزلة عند الله 120.

    ( ) منا، من وصفنا بالسرقة، يعلم الله أنا براء منها121.

  6. عفوه عنهم.

    ضرب يوسف عليه السلام أروع الأمثلة في العفو والصفح حتى صار مثالًا يحتذى به وذلك حين عفا عن إخوته وسامحهم، بالرغم من ما قاموا به تجاهه، وقد كان في موقف قوة وكان قادرًا على الانتفام لكنه لم يفعل.

    لما صار يوسف عليه السلام في الملك وعلى خزائن الأرض، وجاء إخوته يطلبون الميرة وعرفهم بنفسه، قالوا مندهشين متعجبين - وقد ترددوا إليه مرارًا عديدةً وهم لا يعرفون أنه هو- ( ﮌﮍ ﮒﮓ ﮗﮘ ) [يوسف:٩٠].

    يعني: أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم، وسلف من أمركم فيه ما فرطتم.

    وقوله: ( ) تأكيدٌ لما قال، وتنبيهٌ على ما كانوا أضمروا لهما من الحسد، وعملوا في أمرهما من الاحتيال.

    ولهذا قال: ( ) أي: بإحسانه إلينا وجمعه بيننا بعد التفرقة وإيوائه لنا، وذلك بسبب الصبر والتقوى.

    ( ) أي: يتقِ فعل ما حرم الله ويصبر على الآلام والمصائب، وعلى الأوامر بامتثالها ( ) فإن هذا من الإحسان، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا 122.

    لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من المكانة والعظمة، فلهذا شعروا بالحرج واللوم وقالوا معترفين له بالفضل: ( ) [يوسف:٩١].

    يقسمون له بأن الله فضلك علينا وأعطاك ما لم يعطنا، ونحن كنا خاطئين في إساءتنا إليك وما قمنا به تجاهك، فعفا عنهم وسامحهم ( ) [يوسف:٩٢].

    يقول: لا تأنيب عليكم اليوم ولا عتب عليكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا، ثم زادهم على ذلك بأن دعا لهم بالمغفرة فقال: ( ﯗﯘ ) [يوسف:٩٢]123.

    وهذا نهاية الإحسان الذي لا يتأتى إلا من خواص الخلق وخيار المصطفين124.

    ولم يكتف بذلك بل قام بإيوائهم هم وجميع أفراد الأسرة حيث أمرهم أن يأتوا بأهلهم أجمعين، فلما دخلوا عليه وحيوه بالسجود خاطبهم بأسلوب تجنب فيه أي عبارة تجرح مشاعرهم؛ مما يدل على صدر كبير، وأن عفوه لم يكن باللسان فقط بل كان باللسان والجنان والفعال؛ حيث قال ( ﮜﮝ ﮰﮱ ﯗﯘ ) [يوسف:١٠٠].

    يقول السعدي رحمه الله: وهذا من لطفه وحسن خطابه عليه السلام، حيث ذكر حاله في السجن، ولم يذكر حاله في الجب، لتمام عفوه عن إخوته، وأنه لا يذكر ذلك الذنب، وأن إتيانكم من البادية من إحسان الله إلي، فلم يقل: جاء بكم من الجوع والنصب، ولا قال: «أحسن بكم» بل قال: ( ) جعل الإحسان عائدا إليه، ثم قال:( ) فلم يقل: «نزغ الشيطان إخوتي» بل كأن الذنب والجهل، صدر من الطرفين 125.

    يوسف عليه السلام وامرأة العزيز

    أولًا: قصة مجيئه إلى مصر:

    لما تآمر إخوة يوسف عليه وألقوه في البئر جاءت سيارة- أي: مسافرون- فأخرجوه منها وأخذوه معهم، فلما وصلوا بلاد مصر باعوه بثمن زهيد، كما قال تعالى ( ) [يوسف:٢٠].

    وكان من لطف الله تعالى به أنه لم يقع في يد رجل من عامة الناس يهينه ويتعبه بالخدمة، بل هيأ الله له أن يشتريه عزيز مصر وأن ينشأ في قصره عزيزًا مكرمًا، كما قال تعالى: ( ) [يوسف:٢١].

    أي: أحسني إليه، وأكرمي موضع إقامته126.

    ( ) أي: يكفينا بعض المهمات إذا بلغ.

    ( ) أي: نتبناه؛ ولعل ذلك أنه لم يكن لهما ولد 127.

    «وإنما قال ذلك لحسن تفرسه في ملامح يوسف عليه السلام المؤذنة بالكمال 128».

    قال تعالى: ( ) [يوسف:٢١].

    يقول عز وجل: وكما أنقذنا يوسف من أيدي إخوته وقد هموا بقتله وأخرجناه من الجب بعد أن ألقي فيه كذلك مكنا له في الأرض، أي: عطفنا عليه قلب الملك الذي اشتراه حتى تمكن من الأمر والنهي في البلد وصار على خزائنها129.

    ( ) تأويل الرؤيا وغيره.

    ( ) يفعل ما يشاء لا يغلبه شيءٌ ولا يرد عليه حكمه رادٌّ.

    ( ) أي: لا يعلمون أن الأمر كذلك، إذ لو علموا لفوضوا أمرهم إليه وتوكلوا عليه ولم يحاولوا معصيته بالخروج عن طاعته 130.

    وبقي يوسف عليه السلام هناك حتى بلغ أشده كما قال تعالى ( ) [يوسف:٢٢] أي: كمال قوته البدنية والعقلية131.

    ( ) قيل: النبوة، أو الحكم بين الناس، أوالإصابة في القول.

    () قيل: الفقه. وقيل: علم الرؤيا132 وقد آتاه الله ذلك كله من النبوة والحكمة والعلم.

    ( ) يقول تعالى ذكره: وكما جزيت يوسف فآتيته بطاعته إياي الحكم والعلم، ومكنته في الأرض، واستنقذته من أيدي إخوته الذين أرادوا قتله، كذلك نجزي من أحسن في عمله، فأطاعني في أمري، وانتهى عما نهيته عنه من معاصيٍ 133.

    ثانيًا: قصة المراودة:

    من أعظم الفتن والمحن التي مر بها يوسف عليه السلام فتنة المرأة، وهي من الفتن التي لا يقوى على دفعها إلا الأقوياء من أهل الإيمان والمروءات.

    قال السعدي: «هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجرا؛ لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها، وأما محنته بإخوته فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها طائعا أو كارها»134.

    وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرمًا في بيت العزيز، حتى بلغ أشده، وقدكان في غاية الجمال ففتنت به امرأة العزيز فتنةً شديدة وهمت بفعل الفاحشة معه وروادته عن نفسه وأخذت بكل الأسباب ولكن الله عصمه.

    يقول تعالى: ( ) [يوسف:٢٣].

    أي: حاولته على نفسه، ودعته إليها «وأصل المراودة الإرادة والطلب برفقٍ ولينٍ»135، وغلقت عليه الأبواب، ودعته إلى نفسها، ( ) أي: هلم وأقبل وتعال، فامتنع من ذلك أشد الامتناع.

    و( ) أي: أعوذ بالله وأستجير به من فعل هذا القبيح الذي دعوتني إليه؛ لأنه مما يسخط الله ويبعد منه؛ ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي.

    ( ) يعني زوجها صاحب المنزل بمعنى سيدي، وكانوا يطلقون «الرب» على السيد والكبير، أي: إن بعلك أحسن إلي وأكرم مقامي عنده وائتمنني، فلا يليق بي أن أقابله بالفاحشة في أهله، وهذا من أعظم الظلم، والظالم لا يفلح، ( ) [يوسف:٢٣]136.

    «أشار إلى أن إجابتها لما راودته ظلمٌ؛ لأن فيها ظلم كليهما نفسه بارتكاب معصيةٍ مما اتفقت الأديان على أنها كبيرةٌ، وظلم سيده الذي آمنه على بيته وآمنها على نفسها»137.

    فمع أنه غلامها، وتحت تدبيرها، والمسكن واحد، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد ولا إحساس بشر، ومع أنها ( ) وصار المحل خاليا، وهما آمنان من دخول أحد عليهما، وقد دعته هي إلى نفسها ( )، ومع هذا فهو غريب، لا يحتشم مثله ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه، وهو أسير تحت يدها، وهي سيدته، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك، وهو شاب عزب، لكنه امتنع وصبر عن معصية الله مع وجود الداعي القوي فيه 138.

    وللحافظ ابن كثير كلام متين في التعليق على هذه الآية حيث يقول139: «يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه، وهي في غاية الجمال والمال والمنصب والشباب، وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه، وتهيأت له وتصنعت، ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها، وهي مع هذا كله امرأة الوزير، وهذا كله مع أن يوسف عليه السلام شابٌ بديع الجمال والبهاء، إلا أنه نبيٌ من سلالة الأنبياء، فعصمه ربه عن الفحشاء، وحماه عن مكر النساء، فهو سيد السادة النجباء، السبعة الأتقياء، المذكورين في الصحيحين عن خاتم الأنبياء في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء: (سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم:(ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إني أخاف الله)140.

    قال تعالى: ( ) [يوسف:٢٤] أي: عزمت عليه في أن يواقعها يوسف.

    ( ) أي: لولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها، ولكن لأنه رأى برهان ربه فلم يقع منه هم أصلًا، أو أن المراد بهم يوسف بها خاطرٌ قلبيٌّ صرفه عنه وازع التقوى 141.

    والبرهان الذي رآه يوسف هو ما آتاه الله تعالى من العلم الدال على تحريم ما حرمه الله142.

    وقد قيلت في ذلك البرهان أقوال كثيرة «ولا حجة قاطعةٌ على تعيين شيءٍ من ذلك، فالصواب أن يطلق كما قال الله تعالى»143.

    والرؤية هنا علميةٌ؛ لأن البرهان من المعاني التي لا ترى بالبصر 144.

    ولذلك أخبر الله تعالى عن عصمته له عن الفاحشة وأثنى عليه فقال: ( ﭼﭽ ﭿ ) [يوسف:٢٤].

    أي: كما أريناه برهانًا صرفه عما كان فيه كذلك نقيه السوء والفحشاء في جميع أموره ( ﭿ ) أي: الذي اصطفاهم الله واجتباهم 145.

    وقد قرئت (المخلصين) بقراءتين متواترتين: فقرئت بكسر اللام، وتأويلها: الذين أخلصوا طاعة الله.

    وقرئت بفتح اللام، وتأويلها: الذين أخلصهم الله لرسالته، وقد كان يوسف صلى الله عليه وسلم بهاتين الصفتين، لأنه كان مخلصًا في طاعة الله تعالى، مستخلصًا لرسالة الله تعالى146.

    ولما امتنع من إجابة طلبها بعد المراودة الشديدة ذهب ليهرب عنها ويبادر إلى الخروج من الباب ليتخلص من الفتنة، فبادرت إليه ولحقته في أثناء ذلك،، وتعلقت بثوبه، فشقت قميصه من دبر، يعني: شقته من خلف لا من قدام؛ لأن يوسف كان هو الهارب وكانت هي الطالبة.

    قال تعالى: ( ) [يوسف:٢٥] أي: من ورائه.

    فلما وصلا إلى الباب في تلك الحال ( ) أي: وجدا زوجها لدى الباب، فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها، وقالت لزوجها متنصلةً وقاذفةً يوسف بدائها: ( ) أي: فاحشةً،( ) أي: يحبس، أو يعذاب عذابًا مؤلما بالضرب ونحوه147.

    فدافع يوسف عليه السلام عن نفسه ونفى التهمة عنه وقال: ( )، فمن الله في تلك اللحظة تبرئة لنبيه بشاهد من أهل بيتها يشهد بقرينة من وجدت معه فهو الصادق.

    قال تعالى: ( ) أي: من قرابتها، أو من من خاصة الملك، وسمي الحكم بينهما شهادةً لما يحتاج فيه من التثبت والتأمل148.

    وقد اختلفوا في هذا الشاهد: هل هو صغيرٌ أو كبيرٌ، على قولين لعلماء السلف149:

    القول الأول: أنه كان رجلًا لا صبيا في المهد: قال أبو جعفرٍ النحاس: «والأشبه بالمعنى- والله أعلم- أن يكون رجلًا عاقلًا حكيمًا شاوره الملك فجاء بهذه الدلالة، ولو كان طفلًا لكانت شهادته ليوسف صلى الله عليه وسلم تغني عن أن يأتي بدليلٍ من العادة، لأن كلام الطفل آيةٌ معجزةٌ، فكادت أوضح من الاستدلال بالعادة، وليس هذا بمخالفٍ للحديث (تكلم أربعةٌ وهم صغارٌ) منهم صاحب يوسف، يكون المعنى: صغيرًا ليس بشيخٍ» 150.

    القول الثاني:أنه كان صبيًّا في المهد؛ لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تكلم أربعةٌ وهم صغارٌ: ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريجٍ، وعيسى ابن مريم)151.

    جاء الشاهد بقرينة من وجدت معه فهو الصادق، فقال: ( ) أي: من قدامه ( ) لأن ذلك يدل على أنه هو المقبل عليها المراود لها، وأنها أرادت أن تدفعه عنها فشقت قميصه من هذا الجانب.

    ( ) لأن ذلك يدل على هروبه منها، وأنها هي التي طلبته فشقت قميصه من هذا الجانب، وكذلك كان.

    ولهذا قال تعالى:( ) [يوسف:٢٨].

    عرف زوجها بذلك صدق يوسف وبراءته، وأنها هي الكاذبة فيما قذفته ورمته به.

    فلما تحقق من ذلك ( ) أي: إن هذا البهت الذي رميت به هذا الشاب هو من جملة كيدكن، والكيد: المكر والحيلة 152.

    ( )؛ لعظم فتنتهن واحتيالهن في التخلص من ورطتهن. وهل أعظم من هذا الكيد، الذي برأت به نفسها مما أرادت وفعلت، ورمت به نبي الله يوسف عليه السلام153.

    ثم إن سيدها لما تحقق الأمر قال ليوسف عليه السلام آمرًا له بكتمان ما وقع: ( ) [يوسف:٢٩].

    أي: اترك الكلام في هذا الأمر واضرب عنه صفحًا، فلا تذكره لأحدٍ؛ لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن.

    ثم قال لامرأته ( ) [يوسف:٢٩]. أي: من هذا الذي وقع منك، ( ) «ولم يقل من الخاطئات تغليبًا للمذكر، والمعنى: من القوم الخاطئين، مثل: ( ﯿ ) [النمل:٤٣]. ( ) [التحريم:١٢]»154.

    فأمر يوسف بالإعراض، وهي بالاستغفار والتوبة، وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك كحال كثير من المشركين155.

    انتشر الخبر وشاع في المدينة، وتحدث به النسوة فجعلن يلمنها على ما أقدمت عليه كما قال تعالى: ( ﯿ ) [يوسف:٣٠].

    أي: تحاول غلامها عن نفسه، وتدعوه إلى نفسها، هذا أمر مستقبح، هي امرأة كبيرة القدر، وزوجها كبير القدر، ومع هذا لم تزل تراود فتاها الذي تحت يدها وفي خدمتها عن نفسه، ومع هذا فإن حبه قد بلغ من قلبها مبلغًا عظيمًا!!

    ( ) أي: وصل حبه إلى شغاف قلبها، وهو باطنه وسويداؤه، أو هو غلافه فدخل تحته حتى غلب على قلبها، وهذا أعظم ما يكون من الحب.

    ولهذا قلن: ( ) أي: قلن: إنا لنرى امرأة العزيز في مراودتها فتاها عن نفسه وغلبة حبه عليها لفي خطأ من الفعل وجور عن قصد السبيل156.

    وقيل: كان هذا القول منهن مكرًا ليس المقصود به مجرد اللوم لها والقدح فيها، وإنما أردن أن يتوصلن بهذا الكلام إلى رؤية يوسف الذي فتنت به امرأة العزيز، ولهذا سماه مكرًا، فقال: ( ) [يوسف:٣١].

    أي: لما سمعت بتشنيعهن عليها أحبت أن تبسط عذرها عندهن وتبين أن هذا الفتى ليس كما حسبن، ولتوقعهن فيما وقعت فيه.

    فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها، ( ) أي: أعدت لهن مجلسًا للطعام، وما يتكئن عليه من النمارق والوسائد، وكان في جملة ما أتت به وأحضرته في تلك الضيافة طعام يحتاج أن يقطع بالسكاكين كالأترج ونحوه، ( ) أي: وأمرته بالخروج عليهن في تلك الحال، فخرج وهو في غاية الجمال وقد أعطي شطر الحسن 157.

    ( ) أي: فلما رأينه أعظمنه وأجللنه وهبنه، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم، وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن، وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين ولا يشعرن بالجراح.

    ( )أي: معاذ الله ( )158.

    فلما حصل من النسوة ما حصل من الإعجاب بيوسف والانبهار به تقوى موقف امراة العزيز فأقرت بمرادوته أمامهن، وازدادت إصرارًا على يوسف عليه السلام وهددته بالسجن والصغار إن لم يقبل، وتمالأ معها النسوة عليه وأشرن عليه بطاعتها ( ﭷﭸ ) [يوسف:٣٢]. أي: امتنع، (ﭿ ) تقول: لئن لم يطاوعني على ما أدعوه إليه ليحبسن وليكونًا من أهل الصغار والذلة159.

    فعند ذلك أبى أشد الإباء، واستعاذ من شرهن وكيدهن، ودعا فقال في دعائه لرب العالمين: ( ) [يوسف:٣٣]. أي قال: يا رب، الحبس في السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من معصيتك ويراودنني عليه من الفاحشة 160.

    «وهذا يدل على أن النسوة جعلن يشرن على يوسف في مطاوعة سيدته، فاستحب السجن والعذاب الدنيوي على لذة حاضرة توجب العذاب الشديد»161.

    قال: ( ) أي: تعصمني من المعصية ( ) أي: أمل إليهن، () إن صبوت إليهن ( ) من الذين جهلوا حقك وخالفوا أمرك ونهيك162.

    فاستجاب له دعاءه ولطف به وعصمه عن الوقوع في الزنى، ولهذا قال تعالى: ( ﮡﮢ ) [يوسف:٣٤].

    أي: () لدعاء يوسف حين دعاه بصرف كيد النسوة عنه، ودعاء كل داع من خلقه () بمطلبه وحاجته، وما يصلحه، وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم163.

    ثالثًا: براءته ونفي التهمة عنه:

    لما تمالأ النسوة على يوسف عليه السلام وأمرنه بطاعة امرأة العزيز لجأ إلى الله في دفع السوء عنه وفضل السجن على المعصية في موقف يدل على عفة عظيمة ونفس كبيرة ومعدن أصيل: ( ﮐﮑ ) [يوسف:٣٣].

    قال ابن كثير: «وهذا في غاية مقامات الكمال: أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته، وهي امرأة عزيز مصر، وهي مع هذا في غاية الجمال والمال والرياسة، ويمتنع من ذلك، ويختار السجن على ذلك، خوفًا من الله ورجاء ثوابه»164.

    ولما اشتهر ال وصار الناس فيها بين عاذر ولائم وقادح قرر العزيز ومن معه سجنه عليه السلام، كما قال تعالى: ( ) [يوسف:٣٥]. أي: ظهر لهم من الرأي ( ) وهي الأدلة الدالة على براءته ( ) أي: إلى مدةٍ؛ وذلك لينقطع بذلك الخبر ويتناساه الناس، فإن الشيء إذا شاع لم يزل يذكر ويشاع مع وجود أسبابه، فإذا عدمت أسبابه نسي، فرأوا أن هذا مصلحة لهم، فأدخلوه في السجن؛ وليظهروا أنه راودها عن نفسها فسجن بسببها، فسجنوه ظلمًا وعدوانًا، وكان هذا مما قدر الله له، ومن جملة ما عصمه به؛ فإنه أبعد له عن معاشرتهم ومخالطتهم165.

    وبعد مدة قضاها في السجن يقدر الله تعالى رؤيا منامية يراها الملك ويعجز الجميع عن تعبيرها إلا يوسف عليه السلام، فلما عبرها أعجب به الملك وأمر بإخراجه من السجن، فامتنع يوسف عليه السلام عن الخروج حتى تتبين براءته التامة مما نسب إليه، فلما تقرر ذلك خرج وهو نقي العرض، كما قال تعالى: ( ﮬﮭ ) [يوسف:٥٠]. أي: رسول الملك ( ) يعني الملك، ( ) أي: اسأله ما شأنهن وقصتهن، ( ) يقول: إن الله تعالى ذكره ذو علم بكيدهن، لا يخفى عليه ذلك كله. وقيل: إن معنى ذلك: إن سيدي العزيز زوج المرأة التي راودتني عن نفسي ذو علم ببراءتي مما اقترفتني به من السوء166.

    فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته، فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز فقال لهن: ( ) [يوسف:٥١]. أي: ما شأنكن وخبركن ( ) يعني: يوم الضيافة، فهل رأيتن منه ما يريب؟ فلما سئلن عن ذلك برأنه، و( ) أي: لا قليل ولا كثير، يقلن: حاش لله أن يكون يوسف متهما، والله ما علمنا عليه من سوءٍ، فعند ذلك( ) أي: ظهر وتبين ووضح، والحق أحق أن يتبع ( ﯿ ) أي: فيما قاله من تبرئة نفسه ونسبة المراودة إليها167.

    ثم قالت: ( ) [يوسف:٥٢].

    تقول: إنما اعترفت بهذا ليعلم زوجي أني لم أخنه في نفس الأمر، وإنما كان مراودةً لم يقع معها فعل فاحشةٍ 168.

    قيل: ويحتمل أن مرادها بذلك يوسف عليه السلام، والمعنى: ليعلم يوسف أني لم أخنه في غيبته بالكذب عليه 169.

    ( ) فإن كل خائن لا بد أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره.

    ( ﭔﭕ ﭝﭞ ) [يوسف:٥٣].

    تقول المرأة: ولست أبرئ نفسي، فإن النفس تتحدث وتتمنى؛ ولهذا راودته لأنها أمارةٌ بالسوء، ( ) أي: إلا من عصمه الله تعالى، ( ) أي: غفور لمن تاب وأناب، () بقبول توبته وتوفيقه للأعمال الصالحة 170.

    هذا هو الصواب أن هذا من قول امرأة العزيز، لا من قول يوسف، فإن السياق في كلامها، ويوسف إذ ذاك في السجن لم يحضر 171.

    قال الحافظ ابن كثير: وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام172.

    أما القول بأن هذا من كلام يوسف عليه السلام فإن السياق يأباه لعدة أمور:

    أولها: أن الكلام لا يزال في سياق كلام امرأة العزيز.

    وثانيها: أن يوسف عليه السلام لا يزال في السجن لم يخرج منه بعد كما يفيده السياق إذ قال بعد هذا ( ) [يوسف:٥٤].

    وثالثها: أن المقام مقام براءة له وقد ظهرت براءته وحصل مطلوبه فليس مناسبا أن يقول ( ) [يوسف:٥٣]، ولكل مقام مقال.

    ويمكن إجمال بطلان ما يخالف براءته في ثلاثة محاور:

  1. بطلان الإسرائليات الواردة في ذلك.

    لقد جاءت عدد من الروايات تصف يوسف عليه السلام بأنه عزم على فعل الفاحشة حتى جلس من المرأة مجلس الرجل من المرأة لولا أمور رآها صرفته عن ذلك، وهذه من الإسرائليات لا يلتفت إليها؛ لأنها ليس فيها خبر واحد صحيح عن نبينا المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولأنها لا تليق بمقام الأنبياء، ولأنه لو وصل إلى هذه الدرجه لما أثنى الله عليه كل هذا الثناء.

    قال الحافظ ابن كثير: وأكثر أقوال المفسرين هاهنا متلقًَّى من كتب أهل الكتاب، فالإعراض عنه أولى بنا، والذي يجب أن يعتقد: أن الله تعالى عصمه وبرأه، ونزهه عن الفاحشة وحماه عنها وصانه منها، ولهذا قال تعالى: ( ﭿ ) [يوسف:٢٤]173.

    قال الشنقيطي رحمه الله تعالى: والآثار الواردة في ذلك على قسمين: قسمٌ لم يثبت نقله عمن نقل عنه بسندٍ صحيحٍ، وهذا لا إشكال في سقوطه. وقسمٌ ثبت عن بعض من ذكر ولكنه ملتقى عن الإسرائيليات،ولم يرفع منه قليلٌ ولا كثيرٌ إليه صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز التجرؤ على القول في نبي الله يوسف اعتمادًا على مثل هذه الروايات174.

  2. دلائل وشواهد براءته.

    منها:

    • أن الله تعالى قال: ( ﭼﭽ ﭿ ) [يوسف:٢٤] فأخبر أنه صرف عنه السوء والفحشاء، وهذا يدل على أنه لم يصدر منه سوءٌ ولا فحشاء175.
    • ما قاله الشنقيطي في أضواء البيان176: «إن القرآن العظيم بين براءته عليه الصلاة والسلام من الوقوع فيما لا ينبغي حيث بين شهادة كل من له تعلقٌ بالمسألة ببراءته، وشهادة الله له بذلك واعتراف إبليس به.أما الذين لهم تعلقٌ بتلك الواقعة فهم: يوسف، والمرأة، وزوجها، والنسوة، والشهود.أما جزم يوسف بأنه بريءٌ من تلك المعصية فذكره تعالى في قوله: ( ) [يوسف:٢٦]. وقوله: ( ) [يوسف:٣٣]. وأما اعتراف المرأة بذلك ففي قولها: ( ﯿ ) [يوسف:٥١]. وأما اعتراف زوج المرأة ففي قوله: ( ﯦﯧ ﯯﯰ ﯲﯳ ) [يوسف:٢٨-٢٩]. وأما اعتراف الشهود بذلك ففي قوله: ( ) [يوسف:٢٦]. وأما شهادة الله جل وعلا ببراءته ففي قوله: ( ﭿ ) [يوسف:٢٤]. وأما إقرار إبليس بطهارة يوسف ونزاهته ففي قوله تعالى: ( ) [ص:٨٢-٨٣]، فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين، ولا شك أن يوسف من المخلصين كما صرح تعالى به في قوله: ( ﭿ ) [يوسف:٢٤]. فظهرت دلالة القرآن من جهاتٍ متعددةٍ على براءته مما لا ينبغي».
  3. معنى الهم الوارد في الآية.

    الآية هي قوله تعالى: ( ) [يوسف:٢٤].

    ولأهل العلم في المعنى المراد بالهم قولان معتبران:

    الأول: أن يوسف عليه السلام لم يقع منه همٌّ أصلًا، بل هو منفيٌ عنه لوجود البرهان. وهو اختيار أبي حيان 177.

    قال الشنقيطي: هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية؛ لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه، كقوله: ( ) [يونس:٨٤].

    أي: إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه.

    وكقوله: ( ) [النمل:٦٤].

    أي: إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم، وعلى هذا القول: فمعنى الآية: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها.

    ونظير ذلك قوله تعالى: ( ) [القصص:١٠].

    أي: لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به »178.

    وهذا القول هو الذي يترجح عندي؛ لأن ظاهر السياق يؤيده، والثناء الوارد من الله في حق يوسف يؤكده.

    القول الثاني:أن المراد بهمه بهاخطرات حديث النفس التي لا يؤاخذ العبد عليها، بل يؤجر العبد على تركها؛ لأنه تركها خوفا من الله تعالى،كما في الحديث: (ومن هم بسيئةٍ فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً)179.

    وكما قال تعالى: ( ) [النازعات:٤٠-٤١].

    فكان يوسف عليه السلام ممن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى 180.

    يوسف عليه السلام في السجن

    أولًا: سبب دخوله السجن:

    لم يقترف يوسف عليه السلام جرما يستحق أن يسجن بسببه بل سجن ظلما وعدوانًا؛ وذلك أن امرأة العزيز لما راودته عن نفسه فأبى هددته بالسجن إن لم يوافق عل طلبها ويرضى باقتراف الفاحشة، فاختار السجن على فعل الفاحشة؛ فقرروا سجنه عليه السلام، كما قال تعالى ( ) [يوسف:٣٥].

    أي: إلى مدةٍ؛ كتمانًا للقصة ألا تشيع في العامة، وليظهروا أنه راودها عن نفسها فسجن بسببها، فسجنوه ظلمًا وعدوانًا، وكان هذا مما قدر الله له، ومن جملة ما عصمه به؛ فإنه أبعد له عن معاشرتهم ومخالطتهم181.

    وفي هذا دلالة على أنه ليس كل من سجن فهو متهم، بل قد يسجن البريء ظلمًا وعدوانًا كما حصل ليوسف عليه السلام.

    ثانيًا: حاله في السجن:

    قال تعالى: ( ) [يوسف:٣٥]. أي: إلى مدةٍ.

    وقال ( ) [يوسف:٤٢].

    والبضع: هو ما بين الثلاث إلى التسع182، ولهذا قيل: إنه لبث سبع سنين 183، والله أعلم.

    المهم أن يوسف عليه السلام مكث في السجن عدة سنوات، والسجن ليوم واحد صعب فكيف بسنين!

    ومع أنه سجن ظلمًا، ومكث في السجن عدة سنين لكنه ظلَّ صابرًا ثابتًا على مبدئه حتى عندما طلب منه الخروج من السجن من قبل الملك امتنع عن الخروج وتأنى حتى ثبتت براءته، وقد وردت السنة بمدحه على ذلك، والتنبيه على فضله وصبره، كما في الحديث: (لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي)184.

    وعرف يوسف عليه السلام بين السجناء بحسن التعامل حتى صاروا يقولون: ( ) [يوسف:٣٦].

    ويخاطبونه بقولهم: ( ) [يوسف:٤٦].

    قال الحافظ ابن كثير: «كان يوسف، عليه السلام، قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث، وحسن السمت وكثرة العبادة، صلوات الله عليه وسلامه، ومعرفة التعبير والإحسان إلى أهل السجن وعيادة مرضاهم والقيام بحقوقهم» 185.

    ولما أوصى السجين أن يذكره عند الملك فنسي، ثم عاد ليسأله عن تعبير رؤيا الملك بعد بضع سنين عبرها له يوسف عليه السلام، من غير تعنيفٍ له في نسيانه ما وصاه به، ومن غير اشتراطٍ للخروج قبل ذلك 186.

    وعرف يوسف عليه السلام في السجن، بتعبير الرؤى وجرى له في ذلك موقفان سجلهما القرآن:

    الأول: تعبيره لرؤيا الفتيين الذين كانا معه في السجن.

    والثاني: تعبيره لرؤيا الملك، وقد مضى تفصيل ما يتعلق بهاتين الحادثين في مبحث يوسف وتعبير الرؤى.

    وقد مارس يوسف عليه السلام الدعوة إلى الله وهو داخل السجن وذلك أنه لما دخل السجن، دخل معه السجن فتيان «ومن فطنته عليه السلام أنه لما رأى فيهما قابلية لدعوته، حيث ظنا فيه الظنَّ الحسن وقالا له: ( ) [يوسف:٣٦].

    وأتياه ليعبر لهما رؤياهما؛ رأى ذلك فرصة فانتهزها، فدعاهما إلى الله تعالى قبل أن يعبر رؤياهما ليكون أنجح لمقصوده، وأقرب لحصول مطلوبه، وبين لهما أولًا أنَّ الذي أوصله إلى الحال التي رأياه فيها من الكمال والعلم، إيمانه وتوحيده، وتركه ملة من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، وهذا دعاء لهما بالحال، ثم دعاهما بالمقال، وبين فساد الشرك وبرهن عليه، وحقيقة التوحيد وبرهن عليه»187.

    فقال: ( ﯿﰀ ) [يوسف:٣٧]. يقول لهما: إنَّ هذا من تعليم الله إياي، لأني مؤمنٌ به موحدٌ له.

    ( ) يقول: إني برئت من ملة من لا يصدق بالله، ويقر بوحدانيته.

    ( ) يقول: وهم مع تركهم الإيمان بوحدانية الله، لا يقرون بالمعاد والبعث، ولا بثواب ولا عقاب.

    ( ) يقول: هجرت طريق الكفر والشرك وسلكت طريق هؤلاء المرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى، واتبع المرسلين، وأعرض عن طريق الظالمين فإنه يهدي قلبه ويعلمه ما لم يكن يعلمه، ويجعله إمامًا يقتدى به في الخير، وداعيًا إلى سبيل الرشاد 188.

    ( ) أي: ما ينبغي ولا يليق بنا ( ) بل نفرد الله بالتوحيد، ونخلص له الدين والعبادة، ( ) [يوسف:٣٨]. أي: بأن هدانا لهذا، ( ) بأن أرسلنا إليهم دعاةً إلى توحيده وطاعته، ( ) أي: لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم، بل ( ) [إبراهيم:٢٨]189.

    ثم صرح لهما بالدعوة، فدعاهما إلى التوحيد وذم عبادة ما سوى الله عزوجل، وصغر أمر الاوثان وحقرها، وضعف أمرها فقال: ( ) [يوسف:٣٩].أي: يا ساكني السجن، «وجعلهما صاحبيه لطول مقامهما فيه، كقولك: أصحاب الجنة، وأصحاب النار»190.

    ( ) أي: أرباب عاجزة ضعيفة لا تنفع ولا تضر، ولا تعطي ولا تمنع، وهي متفرقة ما بين أشجار وأحجار وأموات، وغير ذلك من أنواع المعبودات التي يتخذها المشركون، أتلك ( ) الذي له صفات الكمال، () في ذاته وصفاته وأفعاله فلا شريك له في شيء من ذلك.() الذي انقادت الأشياء لقهره وسلطانه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن؛ ومن المعلوم أن من هذا شأنه ووصفه خير من الآلهة المتفرقة التي هي مجرد أسماء، لا كمال لها ولا أفعال لديها.

    ولهذا قال: ( ﭿ ) [يوسف:٤٠].

    بين لهما أن التي يعبدونها ويسمونها آلهةً، إنما هو جهل منهم، وتسميةٌ من تلقاء أنفسهم، تلقاها خلفهم عن سلفهم، وليس لذلك مستندٌ من عند الله.

    ولهذا قال: ( ) أي: حجةٍ ولا برهانٍ، بل أنزل الله السلطان بالنهي عن عبادتها وبيان بطلانها؛لأن الحكم لله وحده، فهو الذي يأمر وينهى، ويشرع الشرائع، ويسن الأحكام.

    ( ) وقد أمر عباده قاطبةً ألا يعبدوا إلا إياه، ( ) أي: وحده لا شريك له، ( ) أي: المستقيم، يقول: هذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله، وإخلاص العمل له، هو الدين المستقيم، الذي أمر الله به وأنزل به الحجة والبرهان.

    ( ) يقول: ولكن أهل الشرك بالله يجهلون ذلك، فلا يعلمون حقيقته؛ لذلك فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره؛ وإلا فإن الفرق بين عبادة الله وحده لا شريك له، وبين الشرك به، أظهر الأشياء وأبينها؛ ولكن لعدم العلم من أكثر الناس بذلك، حصل منهم ما حصل من الشرك 191.

    وكانت دعوته لهما في هذا الحال في غاية الكمال؛ لأن نفوسهما معظمةٌ له، منبعثةٌ على تلقي ما يقول بالقبول، فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه. ثم لما قام بما وجب عليه وأرشد إلى ما أرشد إليه، عبر لهما ما رأيا192.

    قال السعدي: «فيوسف عليه السلام دعا صاحبي السجن لعبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، فيحتمل أنهما استجابا وانقادا، فتمت عليهما النعمة، ويحتمل أنهما لم يزالا على شركهما، فقامت عليهما بذلك الحجة193».

    ثالثًا: سبب خروجه من السجن:

    لما ظن يوسف عليه السلام، نجاة أحد الفتيين الذين كانا معه في السجن -وهو الساقي- أوصاه بأن يذكر أمره للملك.

    ( ﯕ ﯖ ) [يوسف:٤٢].

    يعني: اذكر أمري وما أنا فيه من السجن بغير جرمٍ عند ربك -أي سيدك: وهو الملك-، لعله يرق لي، فيخرجني مما أنا فيه، فنسي ذلك الموصى أن يذكر مولاه بذلك، وكان من جملة مكايد الشيطان، لئلا يطلع نبي الله من السجن.

    ولهذا قال تعالى: ( ) أي: فأنسى الشيطان ذلك الناجي ذكر الله تعالى، وذكر ما يقرب إليه، ومن جملة ذلك نسيانه ذكر يوسف الذي يستحق أن يجازى بأتم الإحسان، أو المعنى: أنسى الشيطان الساقي أن يذكر يوسف لربه، أي لسيده، وفيه حذفٌ، أي أنساه الشيطان ذكره لربه، () يوسف ( ) [يوسف:٤٢]194.

    هذا هو الصواب أن الضمير في قوله: ( ) عائدٌ على الناجي، وأما القول بأن الضمير عائدٌ على يوسف عليه السلام فقول ضعيف 195؛ إذ لا سلطان للشيطان على أنبياء الله وعباده المخلصين كما قال: ( ) [ص:٨٣].

    ويوسف عليه السلام من المخلصين، كما قال تعالى: ( ﭿ ) [يوسف:٢٤].

    وكقوله تعالى: ( ) [النحل:٩٩].

    وأما ما جاء على لسان بعض الأنبياء من نسبة ما أصابهم إلى الشيطان كقول أيوب عليه السلام: ( ) [ص:٤١].

    فإنما هو من باب الأدب مع الله تعالى في عدم نسبة الشر إليه، ثم إن ما ذكره أيوب عليه السلام حتى وإن حمل على ظاهره فهو حديث عن التسبب في الأذى البدني وهو يختلف عن التسلط على القلب واللسان196. والله أعلم.

    لما أراد الله تعالى أن يخرج يوسف عليه السلام من السجن، قدر سببًا لإخراجه وارتفاع شأنه وإعلاء قدره، وهو رؤيا الملك، حيث «أرى الله الملك تلك الرؤيا العجيبة، التي تأويلها يتناول جميع الأمة، ليكون تأويلها على يد يوسف، فيظهر من فضله، ويبين من علمه ما يكون له رفعة في الدارين، ومن التقادير المناسبة أن الملك الذي ترجع إليه أمور الرعية هو الذي رآها، لارتباط مصالحها به»197، حيث قال: ( ) [يوسف:٤٣].

    ثم سأل قومه عنها فعجزوا جميعًا عن تعبيرها، فعند ذلك أرسل إلى يوسف عليه السلام وهو في السجن فعبرها كأحسن ما يكون التعبير.

    هكذا عجزوا عن تعبيرها ليقع تعبيرها من يوسف عليه السلام بعد عجزهم عنها فتكون له المكانة بينهم.

    قال الحافظ بن كثير: «هذه الرؤيا من ملك مصر مما قدر الله تعالى أنها كانت سببًا لخروج يوسف عليه السلام، من السجن معززًا مكرمًا، وذلك أن الملك رأى هذه الرؤيا، فهالته وتعجب من أمرها، وما يكون تفسيرها، فجمع الكهنة وكبراء دولته وأمراءه وقصَّ عليهم ما رأى، وسألهم عن تأويلها، فلم يعرفوا ذلك، واعتذروا إليه بأن هذه ( ) [يوسف:٤٤].

    أي: أخلاطٌ اقتضت رؤياك هذه ( ) [يوسف:٤٤].

    أي: ولو كانت رؤيا صحيحةً من أخلاطٍ، لما كان لنا معرفة بتأويلها، وهو تعبيرها»198.

    قال السعدي: وهذا أيضًا من لطف الله بيوسف عليه السلام؛ فإنه لو عبرها ابتداء -قبل أن يعرضها على الملأ من قومه وعلمائهم، فيعجزوا عنها - لم يكن لها ذلك الموقع، ولكن لما عرضها عليهم فعجزوا عن الجواب، وكان الملك مهتمًّا لها غاية الاهتمام، فعبرها يوسف عليه السلام وقعت عندهم موقعًا عظيمًا، وهذا نظير إظهار الله فضل آدم على الملائكة بالعلم، بعد أن سألهم فلم يعلموا، ثم سأل آدم، فعلمهم أسماء كلِّ شيء، فحصل بذلك زيادة فضله.

    وكما يظهر فضل أفضل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة؛ أن يلهم الله الخلق أن يتشفعوا بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى عليهم السلام، فيعتذرون عنها، ثم يأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم فيقول: «أنا لها أنا لها» فيشفع في جميع الخلق، وينال ذلك المقام المحمود، الذي يغبطه به الأولون والآخرون.

    فسبحان من خفيت ألطافه، ودقت في إيصاله البر والإحسان، إلى خواص أصفيائه وأوليائه 199.

    لما رجعوا إلى الملك بتعبير رؤياه بما أعجبه عرف فضل يوسف عليه السلام، وكمال علمه، وتمام عقله، فأمر بإحضاره إليه؛ ليكون من جملة خاصته ( ) [يوسف:٥٠].

    فلمَّا جاءه الرسول بذلك، امتنع من الخروج وأحبَّ أن لا يخرج حتى يتبين لكلِّ أحدٍ أنه حبس ظلمًا وعدوانًا، وأنه بريء الساحة مما نسبوه إليه زورًا وبهتانًا200.

    ( ) يعني: الملك، ( ﯜﯝ )، فجمع الملك النسوة وسألهن فاعترفن جميعًا ببراءته حتى امرأة العزيز.

    فلما ظهرت للملك وللناس براءة يوسف عليه السلام ونزاهة عرضه مما نسب إليه، ازدادت مكانته في عين الملك فأرسل إليه وأخرجه من السجن، وعزم أن يجعله من خاصته ( ) [يوسف:٥٤].

    أي: أجعله من خاصتي وأهل مشورتي، فأتوه به مكرمًا محترمًا، ( ) أي: فلما كلم يوسف الملك أعجبه كلامه، وزاد موقعه عنده، ورأى من حسن منطقه ما صدق به الخبر؛ إذ المرء مخبوءٌ تحت لسانه201، أو فلما كلم الملك يوسف عليه السلام وعرف براءته وعظم أمانته، قال له: ( ) [يوسف:٥٤]. أي: ذو مكانةٍ ومنزلةٍ () أي: مؤتمنٌ على كلِّ شيءٍ202.

    هكذا خرج يوسف عليه السلام من السجن عزيزًا مكرمًا مبرءًا بل ممكنًا، وهكذا عاقبة الصبر على البلاء.

    يوسف عليه السلام في الملك

    أولًا: توليه الملك:

    لما عبر نبي الله يوسف عليه السلام رؤيا الملك عظمت مكانته عند الملك، ولما ظهرت براءة عرضه، ونزاهة ساحته مما نسبوه إليه، ازدادت مكانته عليه السلام في عين الملك أكثر، ولذلك قال: ( ) [يوسف:٥٤].

    أي: أجعله من خاصتي، ومن أكابر دولتي، ومن أعيان حاشيتي.

    ( ) وسمع مقاله وتبين حاله ( ) أي: ذو مكانةٍ وأمانةٍ 203.

    فَهِمَ يوسف عليه السلام من الملك أنه عزم على تصريفه والاستعانة بنظره في الملك، فبادر الملكَ فـ( ) [يوسف:٥٥].

    أي: ولني عليها، وخزائن لفظ عام لجميع ما تختزنه المملكة من طعام ومال وغيره، ( ) أي: حفيظ لما استودعتني، عليم بما وليتني204.

    وفي هذا دليلٌ على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة 205.

    فقد «طلب يوسف عليه السلام ذلك ليتوصل به إلى نشر العدل ورفع الظلم، ودعوة أهل مصر إلى الإيمان»206.

    أما ما ورد من النهي عن طلب الولاية فيستثنى منه من حسن مقصده، وعلم من نفسه الأمانة والكفاءة، وعلم أنه لا أحد يقوم مقامه في العدل والإصلاح 207.

    قال تعالى: ( ﭿ ) [يوسف:٥٦].

    أي: بمثل هذه الأسباب والتدابير مكنا ليوسف في أرض مصر يتبوأ منها أي ينزل حيث يشاء يتقلب فيها أخذًا وعطاء وإنشاء وتعميرًا لأنه أصبح وزيرًا مطلق التصرف.

    ( ) أي: من نشاء رحمته من عبادنا، ( ) وهذا وعد من الله تعالى لأهل الإحسان بتوفيتهم أجورهم، ويوسف عليه السلام ممن شاء الله رحمتهم كما هو من أهل الإحسان الذين يوفيهم الله تعالى أجورهم في الدنيا والآخرة، وأخبر تعالى أن أجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون، ترغيبا في الإيمان والتقوى إذ بهما تنال ولاية الله تعالى عز وجل؛ إذ أولياؤه هم المؤمنون المتقون، ولذلك قال: ( ) [يوسف:٥٧]208.

    وهكذا صار يوسف عليه السلام ملكًا بعد أن كان سجينًا، وقد قال بعضهم209:

    وراء مضيق الخوف متسع الأمن

    وأول مفروح به غاية الحزن

    فلا تيأسن، فالله ملك يوسفًا

    خزائنه بعد الخلاص من السجن

    ثانيًا: مجيء إخوته إليه:

    لما تولى يوسف عليه السلام خزائن الأرض، دبرها أحسن تدبير، فلما دخلت السنون المجدبة، وسرى الجدب، حتى وصل إلى فلسطين، التي يقيم فيها يعقوب وبنوه، أرسل يعقوب بنيه لأجل الميرة-أي الطعام- إلى مصر.

    قال تعالى: ( ) [يوسف:٥٨].

    أي: لما دخلوا عليه عرفهم؛ لأنه فارقهم وهم رجالٌ، ولم يعرفوه؛ لطول العهد، ومفارقته إياهم في سن الحداثة، أولاعتقادهم أنه قد هلك، ولأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من المكانة والعظمة 210.

    ( ) [يوسف:٥٩]. أي: كال لهم كما كان يكيل لغيرهم، وكان من تدبيره الحسن أنه لا يكيل لكل واحد أكثر من حمل بعير، وكان قد سألهم عن حالهم، فأخبروه أن لهم أخًا عند أبيه، فـ( ) أي: إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني به معكم، ثم رغبهم في الإتيان به فقال: ( ) في الضيافة والإكرام، وبعد أن رغبهم من أجل أن يأتوه به رهبهم إن لم يفعلوا ذلك فقال: ( ) [يوسف:٦٠].

    أي: إن لم تقدموا به معكم في المرة الثانية، فليس لكم عندي ميرةٌ، ولا تقربوا داري وبلادي بعد ذلك.

    ( ) [يوسف:٦١]. أي: سنجتهد في مجيئه معنا وإتيانه إليك بكل ممكن، دل هذا على أن يعقوب عليه السلام كان مولعًا به لا يصبر عنه، وكان يتسلى به بعد يوسف، فلذلك احتاج إلى مراودة في بعثه معهم ( ) لما أمرتنا به211.

    ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم -وهي التي وصلوا بها من بلادهم ليشتروا بها الطعام- في أمتعتهم من حيث لايشعرون بها، ( ) [يوسف:٦٢]. أي: غلمانه الذين في خدمته: ( ) أي: في أمتعتهم من حيث لا يشعرون، ثم علل فقال: ( ).

    فإنهم إذا عرفوا ذلك وعلموا أنهم أخذوا الطعام بلا ثمنٍ، وأن ما دفعوه عوضًا عنه قد رجع إليهم، وتفضل به من وصلوا إليه عليهم نشطوا إلى العود إليه، ولا سيما مع ما هم فيه من الجدب الشديد والحاجة إلى الطعام، فإن ذلك من أعظم ما يدعوهم إلى الرجوع 212.

    ثم يذكر تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم فيقول: ( ﯿ ) [يوسف:٦٣]. أي: بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا أخانا، ( ) وقرأ بعضهم (يكتل) بالياء 213: أي يكتل أخونا، ثم التزموا له بحفظه، فقالوا: ( ) من أن يعرض له ما يكره، وهذا كما قالوا له في يوسف: ( ) [يوسف:١٢].

    ولهذا قال لهم: ( ) [يوسف:٦٤].

    أي: هل أنتم صانعون به إلا كما صنعتم بأخيه من قبل، تغيبونه عني، وتحولون بيني وبينه؟ وقد تقدم منكم التزام، أكثر من هذا في حفظ يوسف، ومع هذا لم تفوا بما عقدتم من التأكيد، فلا أثق بالتزامكم وحفظكم، وإنما أثق بالله تعالى.

    ( ) وقرأ بعضهم: (حِفْظًا)214، أي: خيرٌ حفظًا منكم، فإن حفظه الله سلم وإن لم يحفظه لم يسلم.

    ( ) أي: يعلم حالي، وأرجو أن يرحمني، فيحفظه ويرده علي، وكأنه في هذا الكلام قد لان لإرساله معهم215.

    قال تعالى: ( ) [يوسف:٦٥]. فلما وجدوها في متاعهم ( ) أي: ماذا نريد؟وأي شيء نطلب بعد هذا الإكرام الجميل، حيث وفى لنا الكيل، ورد علينا بضاعتنا على الوجه الحسن؟ ( ﭵﭶ ) أي: نجلب لهم الطعام( ) بإرساله معنا، فإنه يكيل لكل واحد حمل بعير (ﭿ ) أي: سهلٌ على الملك إعطاؤه 216.

    فـ() لهم يعقوب عليه السلام: ( ) [يوسف:٦٦]. أي: تحلفون بالعهود والمواثيق، ( ) أي: إلا أن يأتيكم أمر لا قبل لكم به، ولا تقدرون على دفعه، ( ) أي: شهيد علي وعليكم217.

    ولما أرادوا السفر إلى مصر حملته العاطفة الأبوية والرحمة الإيمانية على أن أمرهم أن لا يدخلوا المدينة من بابٍ واحدٍ، ولكن ليدخلوا من أبوابٍ متفرقةٍ، ( ) [يوسف:٦٧].

    وذلك أنه خاف عليهم العين، لكثرتهم وبهاء منظرهم، لكونهم أبناء رجل واحد؛ وهذا سبب، وإلا فالأمر كله بيده الله.

    ولذلك قال: ( ) أي: هذا الاحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه؛ فإن الله إذا أراد شيئًا لا يخالف ولا يمانع.

    ( ) القضاء قضاؤه، والأمر أمره، فما قضاه وحكم به لا بد أن يقع، ( ) أي: اعتمدت على الله، لا على ما وصيتكم به من السبب، ( ) فإنه بالتوكل يحصل كل مطلوب، ويندفع كل مرهوب218.

    قال تعالى: ( ) [يوسف:٦٨].

    قالوا: هي دفع إصابة العين لهم، وليس هذا قصورًا في علمه، فإنه من الرسل الكرام والعلماء الربانيين.

    ولهذا قال عنه: ( ) أي: لصاحب علم عظيم ( ) أي: لتعليمنا إياه، ( ) عواقب الأمور ودقائق الأشياء219.

    ثم يذكر تعالى ما كان من أمر إخوة يوسف لما قدموا عليه ومعهم أخوه - شقيقه- وما كان من إيوائه إليه، وإخباره له سرًا عنهم بأنه أخوه، وأمره بكتم ذلك عنهم، وسلاه عما كان منهم من الإساءة إليه، فيقول: ( ﯿ ﰄﰅ ) [يوسف:٦٩].

    أي: لا تحزن على الأعمال الماضية التي عملوها، فإن العاقبة خير لنا220.

    ثم احتال على أخذه منهم وتركه إياه عنده دونهم، وذلك أنه لما جهزهم وكال لكل واحد من إخوته، ومن جملتهم أخوه هذا، أمر فتيانه بوضع سقايته، في متاع أخيه خفية - من حيث لا يشعر أحدٌ- ( ) [يوسف:٧٠]. وهي الإناء الذي كان يشرب فيه الملك ويكيل به الطعام( ). ثم لما تحركت القافلة ( ) أي: نادى منادٍ بينهم قائلًا: ( ) أي: يا أهل القافلة، ( ).

    قال تعالى إخبارًا عنهم: ( ) [يوسف:٧١].

    ولم يقولوا: «ما الذي سرقنا» لجزمهم بأنهم براء من السرقة ( ) [يوسف:٧٢].

    أي: صاعه الذي يكيل به، ( ) أي: أجرة له على وجدانه وهذا من باب الجعالة، والبعير هو الجمل ( ) أي: كفيل، وهذا من باب الضمان والكفالة 221.

    فأقبلوا على من اتهمهم بذلك ( ) [يوسف:٧٣]. بجميع أنواع المعاصي، ( ﭿ) يقولون: أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا به من السرقة، فليست سجايانا تقتضي هذه الصفة، فإن السرقة من أكبر أنواع الفساد في الأرض، وإنما أقسموا على علمهم أنهم ليسوا مفسدين ولا سارقين، لأنهم عرفوا أنهم سبروا من أحوالهم ما يدلهم على عفتهم وورعهم، وأن هذا الأمر لا يقع منهم بعلم من اتهموهم، وهذا أبلغ في نفي التهمة، من أن لو قالوا: «تالله لم نفسد في الأرض ولم نسرق».

    ( ) [يوسف:٧٤]. أي: ما عقوبة السارق، إن كان فيكم ووجدناه بينكم.

    ( ) [يوسف:٧٥]. أي: الموجود في رحله ( ) بأن يتملكه صاحب السرقة، وكان هذا في دينهم أن السارق إذا ثبتت عليه السرقة كان ملكا لصاحب المال المسروق، ولهذا قالوا: ( ) [يوسف:٧٥]222.

    وهذا هو الذي أراد يوسف، عليه السلام؛ ولهذا بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه، أي: فتشها قبله، توريةً، كما قال الله تعالى: ( ) [يوسف:٧٦].

    ليكون ذلك أبعد للتهمة وأبلغ في الحيلة.

    ( ) فأخذه منهم بحكم اعترافهم والتزامهم، وإلزامًا لهم بما يعتقدونه.

    ولهذا قال تعالى: ( ) أي: يسرنا له هذا الكيد، الذي توصل به إلى أمر غير مذموم.

    ( ) أي: لم يكن له أخذه في حكم ملك مصر؛ لأنه ليس من دينه أن يتملك السارق، وإنما له عندهم جزاء آخر، فكان قولهم هذا: بمشيئة الله وتدبيره، وقد كان يوسف عليه السلام يعلم ذلك من شريعتهم؛ ولهذا مدحه تعالى فقال: ( ) بالعلم النافع وغيره، كما رفعنا درجات يوسف، ( ) فكل عالم، فوقه من هو أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى عالم الغيب والشهادة 223.

    قال ابن كثير: «وإنما فعل ما فعل عن أمر الله له في ذلك؛ لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحةٌ عظيمةٌ بعد ذلك: من قدوم أبيه وقومه عليه ووفودهم إليه»224.

    فلما عاينوا استخراج الصواع من حمل أخيهم ( ) [يوسف:٧٧] هذا الأخ، فليس هذا غريبا منه، ( ) يعنون: يوسف عليه السلام، وهذا مجرد اتهام، ومقصودهم تبرئة أنفسهم وأن هذا وأخاه قد يصدر منهما ما يصدر من السرقة، وهما ليسا شقيقين لنا، وفي هذا من الغض عليهما ما فيه.

    ولهذا قال: ( ﯭﯮ ﯲﯳ ) [يوسف:٧٧].

    أجابهم سرًا لا جهرًا، حلمًا وصفحًا وعفوا، فقالوا: ( ﯿ ) [يوسف:٧٨] أي: وإنه لا يصبر عنه، وسيشق عليه فراقه، ( ) أي: بدله، يكون عندك عوضًا عنه، ( ) فأحسن إلينا وإلى أبينا بذلك.

    ( ) [يوسف:٧٩] أي: إن أطلقنا المتهم وأخذنا البرئ، ولم يقل«من سرق» كل هذا تحرز من الكذب225.

    قال تعالى: ( ) [يوسف:٨٠]. أي: لما يئسوا من تخليص أخيهم، الذي قد التزموا لأبيهم برده إليه، وعاهدوه على ذلك، () أي: انفردوا عن الناس () يتناجون فيما بينهم، فـ( ) لتردنه إليه، ( ) [يوسف:٨٠].

    يقول: لقد أخلفتم عهده، وفرطتم فيه كما فرطتم في أخيه يوسف من قبله، فلم يبق لي وجهٌ أقابله به ( ) أي: لا أزال مقيمًا هاهنا ( ) في القدوم عليه راضيًا عني، (ﭿ ) بأن يمكنني من أخذ أخي، ورده إلى أبي ( ) لأن أحكامه لا تجري إلا على ما يوافق الحق، ويطابق الصواب.

    ثم أمر إخوانه أن يخبروا أباهم بصورة ما وقع، حتى يكون عذرًا لهم عنده، حيث قال: ( ) [يوسف:٨١]. أي: أخبروه بما رأيتم من الأمر في ظاهر المشاهدة ( ) أي: لو كنا نعلم الغيب لما حرصنا وبذلنا المجهود في ذهابه معنا، ولما أعطيناك عهودنا ومواثيقنا، فلم نظن أن الأمر سيبلغ ما بلغ، () إن شككت في قولنا ( ) فقد اطلعوا على ما أخبرناك به، ( ) [يوسف:٨٢] فيما أخبرناك به،لم نكذب ولم نغير ولم نبدل، بل هذا الواقع 226.

    فلما رجعوا إلى أبيهم وأخبروه بهذا الخبر، اشتد حزنه حتى ابيضت عيناه، واتهمهم أيضًا في هذه القضية، كما اتهمهم في الأولى، وقال لهم كما قال لهم حين جاءوا على قميص يوسف بدمٍ كذبٍ: ( ﮬﮭ ) [يوسف:٨٣].

    أي: ليس الأمر كما ذكرتم، لم يسرق فإنه ليس سجية له ولا خلقه وإنما ( ) 227.

    ثم ترجى من الله أن يرد إليه أولاده الثلاثة، وأمرهم بالرجوع والبحث عن يوسف وأخيه وعدم اليأس من رحمة الله.

    وامتثل الأبناء أمر الوالد ورجعوا إلى يوسف عليه السلام.

    ( ) [يوسف:٨٨] أي: من الجدب وضيق الحال وقلة الطعام، ( ) أي: رديئة مدفوعة، لا يقبل مثلها منا إلا أن تتجاوز عنا، ( ) أي: أعطنا بهذا الثمن القليل ما كنت تعطينا قبل ذلك، ( ) بقبولها على رداءتها، وقيل برد أخينا إلينا ( ) أي: يثيبهم على إحسانهم ويجزيهم به خيرًا228.

    فلما رأى ما هم فيه من الحال وما أصابهم من الجهد والضيق، وتذكر أباه وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه، عند ذلك أخذته رقةٌ ورأفةٌ ورحمةٌ، فتعرف إليهم وخاطبهم قائلًا لهم: (ﭿ ) [يوسف:٨٩] إذ فرقتم بينهما وصنعتم ما صنعتم ( ) يعني: في حال جهلكم بعاقبة ما تفعلون بيوسف، وهذا نوع اعتذار لهم بجهلهم أو توبيخ لهم إذ فعلوا فعل الجاهلين، مع أنه لا ينبغي ولا يليق منهم 229.

    قال ابن كثير: والظاهر -والله أعلم -أن يوسف، عليه السلام، إنما تعرف إليهم بنفسه، بإذن الله له في ذلك، كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الأوليين بأمر الله تعالى له في ذلك، والله أعلم، ولكن لما ضاق الحال واشتد الأمر فرج الله تعالى من ذلك الضيق، كما قال تعالى: ( ) [الشرح:٥-٦]230.

    لما قال لهم ذلك تنبهوا وفهموا أنه لا يخاطبهم بمثل هذا إلا هو فقالوا متعجبين مستغربين: ( ﮌﮍ ) [يوسف:٩٠] فاعترفوا بخطئهم وقالوا: ( ) فعفا عنهم وسامحهم، ثم أعطاهم قميصه فذهبوا به إلى أبيه فارتد إليه بصره وأمرهم أن يأتوا إليهم بأجمعهم.

    لما أمرهم يوسف عليه السلام أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر، رحلوا إليه جميعًا ومعهم أبوهم فآواهم وأكرم مثواهم، كما قال تعالى: ( ﭿ ﮐﮑ ) [يوسف:٩٩-١٠٠].

    أي: هذا تعبير ماكنت قصصته عليك، من رؤيتي الأحد عشر كوكبًا والشمس والقمر، حين رأيتهم لي ساجدين، وأمرتني بكتمانها، ووعدتني ما وعدتني عند ذلك ( ) [يوسف:١٠٠].

    أي: بعد الهم والضيق، جعلني حاكمًا نافذ الكلمة في الديار المصرية حيث شئت، ( ) أي: البادية ( ) أي: فيما كان منهم إلي من الأمر الذي تقدم وسبق ذكره، ( ) يوصل بره وإحسانه إلى العبد من حيث لا يشعر، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها، ( ) الذي يعلم ظواهر الأمور وبواطنها، وسرائر العباد وضمائرهم، () في وضعه الأشياء مواضعها، وسوقه الأمور إلى أوقاتها المقدرة لها 231.

    ثالثًا: سؤاله حسن الخاتمة ووفاته:

    لما رأى يوسف عليه السلام نعمته قد تمت، وشمله قد اجتمع، عرف أن هذه الدار لا يقر بها قرار، وأن كل شيء فيها ومن عليها فانٍ، وما بعد التمام إلا النقصان، فعند ذلك أثنى على ربه بما هو أهله، واعترف له بعظيم إحسانه وفضله، وسأل منه أن يتوفاه، أي: حين يتوفاه على الإسلام، وأن يلحقه بعباده الصالحين، قال: ( ﯧﯨ ﯰﯱ ) [يوسف:١٠١].

    أي: أدم علي الإسلام وثبتني عليه حتى توفاني عليه.

    ( ) أي: أنه سأل الوفاة على الإسلام واللحاق بالصالحين إذا حان أجله، وانقضى عمره؛ ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت؛ بل كما يقال في الدعاء: «اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين» أي: حين تتوفانا232.

    قال الحافظ ابن كثير: ويحتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره عليه السلام، كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عند احتضاره أن يرفع روحه إلى الملأ الأعلى والرفقاء الصالحين حيث قال:(في الرفيق الأعلى)233.

    ويحتمل أن يوسف عليه السلام سأل الوفاة على الإسلام منجزًا في صحة بدنه وسلامته، وأن ذلك كان سائغًا في ملتهم وشرعتهم ولكن هذا لا يجوز في شريعتنا، فقد نهي في شريعتنا عن الدعاء بالموت إلا عند الفتن؛ فقد ثبت من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت من ضرٍ أصابه، فإن كان لا بد فاعلًا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي) 234.

    أما عند خوف الفتنة في الدين فيجوز سؤال الموت، كما قال الله تعالى إخبارًا عن السحرة لما أرادهم فرعون عن دينهم وتهددهم بالقتل قالوا: ( ) [الأعراف:١٢٦].

    وقالت مريم لما أجاءها المخاض، وهو الطلق، إلى جذع النخلة ( ) [مريم:٢٣].

    لما تعلم من أن الناس يقذفونها بالفاحشة؛ لأنها لم تكن ذات زوجٍ وقد حملت وولدت، فيقول القائل أنى لها هذا؟، وكما في حديث معاذٍ في قصة المنام والدعاء الذي فيه: (وإذا أردت بقومٍ فتنةً، فتوفني إليك غير مفتونٍ) 235.

    وتمنى الموت علي بن أبي طالبٍ، لما تفاقمت الأمور وعظمت الفتن واشتد القتال، وكثر القيل والقال. وتمنى ذلك البخاري لما اشتد عليه الحال ولقي من مخالفيه الأهوال. فعند حلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت 236.

    ثم قال تعالى في ختام قصة يوسف: ( ﯼﯽ ﯿ ) [يوسف:١٠٢].

    يقول تعالى لعبده ورسوله محمدٍ، صلوات الله وسلامه عليه، لما قص عليه نبأ إخوة يوسف، وكيف رفعه الله عليهم، وجعل له العاقبة والنصر والملك والحكم، مع ما أرادوا به من السوء والهلاك والإعدام: هذا وأمثاله يا محمد من أخبار الغيوب السابقة.

    ( ) ونعلمك به لما فيه من العبرة لك والاتعاظ لمن خالفك، ( ﯿ ) حاضرًا عندهم ولا مشاهدًا لهم ( ) أي: على إلقائه في الجب، ( ) به، ولكنا أعلمناك به وحيًا إليك، وإنزالًا عليك يقرر تعالى أنه رسوله، وأنه قد أطلعه على أنباء ما قد سبق مما فيه عبرةٌ للناس ونجاةٌ لهم في دينهم ودنياهم؛ ومع هذا ما آمن أكثر الناس.

    ولهذا قال: ( ) [يوسف:١٠٣]237.

    ولما حضرت يوسف عليه السلام الوفاة، أوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر فيدفن عند آبائه، فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى عليه السلام، فدفنه عند آبائه 238.

    عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن موسى حين أراد أن يسير ببني إسرائيل ضل عنه الطريق فقال لبني إسرائيل ما هذا؟ قال: فقال له علماء بني إسرائيل: إن يوسف عليه السلام حين حضره الموت أخذ علينا موثقًا من الله أن لا نخرج من مصر حتى تنقل عظامه معنا، فحفروا فاستخرجوا عظام يوسف) الحديث 239.

    الدروس المستفادة من قصة يوسف

    لقد اشتملت قصة يوسف عليه السلام على الكثير من الدروس والعبر والفوائد والهدايات مما يصعب حصره.

    وقد قال الله في أولها: ( ) [يوسف:٣].

    وقال: ( ﭿ ) [يوسف:٧].

    وقال في آخرها: ( ) [يوسف:١١١].

    وكلما تأمل الإنسان في قصته استبانت له فوائد جديدة، وهذه الفوائد تتداخل وتتشابك من حيث مضمونها ودلالتها ولكني حاولت تقسيمها إلى أربعة أقسام في أربعة مطالب:

    أولًا: دروس عقدية:

    • الاستعانة بالله واللجوء إليه عند المحن والمصائب كماقال يعقوب عليه السلام عند فقد ولده: ( ) [يوسف:١٨]. وكما قال يوسف عليه السلام عند خوف الفتنة ( ) [يوسف:٢٣]. «فينبغي للعبد أن يلتجئ إلى الله، ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية، ويتبرأ من حوله وقوته، لقول يوسف عليه السلام: ( ) [يوسف:٣٣]» 240.
    • أن من وقع في مكروه وشدة لا بأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه أو الإخبار بحاله، وأن هذا لا يكون شكوى للمخلوق، فإن هذا من الأمور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس بعضهم ببعض، ولهذا قال يوسف للذي ظن أنه ناج من الفتيين: ( ) [يوسف:٤٢]241.
    • وفيه أيضًا دليلٌ على جواز الأخذ بالأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله، وهذا واضح في عدة مواقف في هذه القصة كتخزين الأرزاق، والأخذ بالأسباب الدافعة للعين وغيرها 242.
    • عناية الله بأوليائه المؤمنين ولطفه بهم، وتأييدهم عند الضعف والتفريج عنهم عند الكرب: فقد لطف الله بيوسف عليه السلام في البئر حيث حفظه وأمنه ونجاه منها، وهيأ له من يكرمه بمصر، وحين عصمه من فتنة المرأة، وحين صبره في السجن وهيأ له الخروج منه، وبرأه مما رمي به، ومكن له في الأرض، إلى غير ذلك من مظاهر تأييد الله له وقد قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٥٧]. وقال: ( ﯿ ) [الحج:٣٨]. وقال: ( ) [الطلاق:٢]. وغيرها من الآيات.
    • حسن الظن بالله وعدم اليأس من رحمة الله ومن تحقيق الآمال مهما كانت الأحوال؛ فيعقوب عليه السلام فقد ولده يوسف عليه السلام زمانا طويلًا ولكنه لم ييأس فحقق الله له ما رجا.
    • أن الله على كل شيئ قدير وأنه يكرم من يشاء من عباده بما شاء:فقد رد الله ليعقوب عليه السلام بصره بعد ذهابه، وأوصل إليه ريح يوسف من مكان بعيد، ومكن ليوسف عليه السلام على عكس ما كان يخطط إخوته! ( ) [يوسف:٢١].
    • أن العصمة من الزلل والثبات على الحق إنما هو بتوفيق الله و تسديده كما قال: ( ) [يوسف:٢٤]. ولذلك ينبغي أن يطلب منه العون دائمًا وأن يتبرأ العبد من حوله وقوته كما قال يوسف عليه السلام: ( ) [يوسف:٣٣]. قال تعالى ( ﮡﮢ ) [يوسف:٣٤].
    • أن من اتهم بشيئ و هو بريئ فسيبرئه الله تعالى عاجلًا أم آجلًا؛كما برأ الله يوسف عليه السلام على رؤوس الأشهاد، وبرأ موسى عليه السلام لما اتهمه قومه، وبرأ مريم عليها السلام بأن أنطق عيسى عليه السلام في المهد، وبرأ الله عائشة رضي الله عنها بآيات تتلى إلى يوم القيامة في سورة النور، وقد قال لها النبي صلى الله عليه وسلم قبيل براءتها: (فإن كنت بريئةً، فسيبرئك الله) فنزلت براءتها 243.
    • وفي قصة يوسف عليه السلام دليل على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأن ما جاء به حق لا ريبة فيه؛ حيث قص على قومه هذه القصة الطويلة، وهو لم يقرأ كتب الأولين ولا دارس أحدًا 244.
    • أن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا؛ فإنه لما طال الحزن على يعقوب واشتد به، ثم حصل الاضطرار لآل يعقوب ومسهم الضر، أذن الله حينئذ بالفرج، فحصل التلاقي في أشد الأوقات إليه حاجة 245.
    • البدء في دعوة المشركين بتوحيد الله تعالى؛ كما فعل يوسف عليه السلام مع الفتيين في السجن.
    • الإيمان بالمبدأ، وصلابة الاعتقاد سبيل لتخطي الصعاب، والترفع عن الدنايا، وذلك هو الذي جعل ليوسف نفسًا كريمةً، وروحًا طاهرة، وعزيمة صماء لا تلين أمام الشهوات والمغريات 246.
    • أن الله عز وجل يؤيد المظلوم ولو بعد حين؛ كما حصل ليوسف حين برأه الله ورفعه على إخوته.

      ثاينًا: دروس تربوبة وسلوكية:

    • الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر، أخذ هذا من قول يعقوب عليه السلام لابنه: ( ) [يوسف:٥]247.
    • أن من آداب الرؤيا:أن لا يخبر بها المرء إلا من يحب وذلك إذا رأى ما يسره، أما إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها أحدًا، قال يعقوب عليه السلام لابنه: ( ) [يوسف:٥]. وفي الحديث (الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثًا، ولا يحدث بها أحدًا، فإنها لن تضره) 248.
    • خطورة الحسد: وأنه يزرع العداوة والبغضاء، ويفسد العلاقات، ويحمل على الظلم والعدوان والكيد والتآمر وتمني زوال النعمة؛ غير أن صاحبه أول من ينال جزاءه: فيوسف عليه السلام حسده إخوته فرفعه الله عليهم.
    • عداوة الشيطان للإنسان، وأن من أساليبه: الحسد والتحريش ( ) [يوسف:٥].
    • تجنب إظهار الميل إلى بعض الأبناء دون بعض فقد يولد ذلك الحسد بينهم خاصة بين أبناء الضرائر 249.
    • الحذر من شؤم الذنوب والمعاصي؛ لأن الذنب الواحد يستتبع ذنوبا متعددة؛ فإخوة يوسف لما أرادوا التفريق بينه وبين أبيه، احتالوا لذلك بأنواع من الحيل، وكذبوا عدة مرات، وزوروا على أبيهم في القميص والدم الذي فيه، وفي إتيانهم عشاء يبكون، وغير ذلك وهذا شؤم الذنب، وآثاره التابعة والسابقة واللاحقة 250.
    • ليس كل من بكى فهو مظلوم؛ فإخوة يوسف ألقوه في البئر ( ) [يوسف:١٦].
    • أنه ليس كل من سجن فهو متهم أو مجرم بل قد يسجن البريئ ظلما وعدوانا كما حصل ليوسف عليه السلام.
    • بركة الطاعة وحسن عاقبتها: و«أنها تثمر الرزق والأجر في الدنيا ولا ينقص ذلك من ثواب المؤمن عند الله شيئا، كما قال تعالى: ( ﮋﮌ ) [يوسف:٥٦]» 251.
    • فضيلة التقوى والصبر، وأن كل خير في الدنيا والآخرة فمن آثار التقوى والصبر، وأن عاقبة أهلهما أحسن العواقب، لقوله: ( ﮗﮘ ) [يوسف:٩٠]252.
    • أن الصبر من أعظم المسليات عند المصيبة؛ كما قال يعقوب عليه السلام: ( ﮋﮌ ) [يوسف:١٨].
    • وأن الشكوى إلى الله لاتنافي الصبر، وكذلك الشكوى للمخلوق على غير وجه التسخط؛ كما حصل من إخوة يوسف حين شكوا ما مسهم من الضر فلم ينكر عليهم.
    • فضيلة الإخلاص وأنه سبب للوقاية من الفتن والعصمة من الشهوات و«أن من دخل الإيمان قلبه،وكان مخلصا لله في جميع أموره فإن الله يدفع عنه ببرهان إيمانه،وصدق إخلاصه من أنواع السوء والفحشاء وأسباب المعاصي ما هو جزاء لإيمانه وإخلاصه لقوله: ( ﭼﭽ ﭿ ) [يوسف:٢٤]» 253.
    • أنه ينبغي للعبد الفرار من أماكن الفتن والمعاصي؛ ليتمكن من التخلص منها؛كما فعل يوسف عليه السلام حين راودته المرأة 254.
    • أن المؤمن مبتلى وأن ذلك لحكم عظيمة؛ كما حصل ليوسف عليه السلام بعد الابتلاء من الرفعة وعلو المنزلة، وقد سئل الشافعي رحمه الله أيما أفضل للرجل، أن يمكن أو يبتلى؟ فقال: لا يمكن حتى يبتلى 255».
    • البدأ بالأهم فالأهم، وأنه إذا سئل المفتي، وكان السائل حاجته في غير سؤاله أشد أنه ينبغي له أن يعلمه ما يحتاج إليه قبل أن يجيب سؤاله؛كما فعل يوسف عليه السلام مع الفتيين حيث دعاهما إلى التوحيد قبل تعبير رؤياهما، وأنه ينبغي للمسئول أن يدل السائل على ما ينفعه مما يتعلق بسؤاله؛ فإن يوسف عليه السلام لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك، بل دلهم - مع ذلك - على ما يصنعون في تلك السنين المخصبات من كثرة الزرع، وطرق تخزينها 256.
    • أنه لا يلام الإنسان على السعي في دفع التهمة عن نفسه، وطلب البراءة لها، بل يحمد على ذلك، كما امتنع يوسف عن الخروج من السجن حتى تتبين لهم براءته بحال النسوة اللاتي قطعن أيديهن 257.
    • أنه ينبغي لمن أنعم الله عليه بنعمة بعد شدة وفقر وسوء حال، أن يعترف بنعمة الله عليه، وأن لا يزال ذاكرًا حاله الأولى، ليحدث لذلك شكرا كلما ذكرها، لقول يوسف عليه السلام: ( ) [يوسف:١٠٠]258.
    • فضيلة العفو والصفح وأنه من أخلاق الأنبياء والرسل كما تجلى ذلك في عفو يوسف عليه السلام عن إخوانه، وعفو أبيهم عنهم كذلك، وقد قال تعالى: ( ) [الشورى:٤٠].
    • الأدب مع الوالدين وتوقيرهما وعدم الترفع عليهما واستشارتهما، كما فعل يوسف عليه السلام مع والديه حين أجلسهما على العرش، وحين كان قبل ذلك يستشير والده حتى فيما يراه في المنام.
    • الحرص على الدعاء بحسن الخاتمة والوفاة على الإسلام، كما فعل يوسف عليه السلام.

      ثالثًا: دروس فقهية:

    • أنه يجوز أن يحذر المسلم أخاه المسلم ممن يخافه عليه، ولا يكون داخلًا في معنى الغيبة؛ لأن يعقوب عليه السلام قد حذر يوسف أن يقص رؤياه على إخوته فيكيدوا له 259.
    • أن بعض الشر أهون من بعض، وارتكاب أخف الضررين أولى من ارتكاب أعظمهما؛ فإن إخوة يوسف لما اتفقوا على قتل يوسف أو إلقائه أرضا، وقال قائل منهم: ( ) [يوسف:١٠].كان قوله أحسن منهم وأخف، وبسببه خف عن إخوته الإثم الكبير 260.
    • خطورة الخلوة بالنساء، وأنها مثار الفتنة؛ فإن امرأة العزيز جرى منها ما جرى بسبب توحدها بيوسف، ولذا حرمها الإسلام 261.
    • أن القرائن يعمل بها عند الاشتباه، فإن شاهد يوسف شهد بالقرينة، وحكم بها في قد القميص، واستدل بقده من دبره على صدق يوسف وكذبها، قال الشنقيطي: «وهذه الآيات المذكورة أصلٌ في الحكم بالقرائن» 262.
    • جواز طلب الولاية لمن حسن مقصده وعلم من نفسه الأمانة والكفاءة، ولا يوجد من هو خيرٌ منه للقيام بها؛ كما فعل يوسف عليه السلام 263.
    • أنه لا بأس أن يخبر الإنسان عما في نفسه من صفات الكمال، إذا جهل أمره، وكان في ذلك مصلحة، ولم يقصد به العبد الرياء، وسلم من الكذب، لقول يوسف عليه السلام: ( ﭸﭹ ) [يوسف:٥٥]264.
    • جواز استعمال المكايد التي يتوصل بها إلى الحقوق، وإنما الممنوع، التحيل على إسقاط واجب أو فعل محرم، وجواز استعمال المعاريض القولية والفعلية وأنها مندوحة عن الكذب، كما فعل يوسف حيث ألقى الصواع في رحل أخيه، ثم استخرجها منه، وقال بعد ذلك: ( ) [يوسف:٧٩]. ولم يقل: (من سرق متاعنا)265.
    • مشروعية الجعاله وهي: عقد على منفعة يظن حصولها، كمن يلتزم بجعل معين لمن يرد عليه متاعه الضائع، أو يحفر له هذه البئر، والأصل في مشروعيتها قول الله سبحانه: ( ) [يوسف:٧٢]266.
    • أن شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا إذا جاء في شريعتنا ما ينسخه: «فالقطع في السرقة ناسخٌ لما تقدم من الشرائع؛ إذ كان في شرع يعقوب استرقاق السارق، وكان سلامهم بالانحناء، وقد نسخ الله في شرعنا ذلك» 267.

      رابعًا: دروس عامة:

    • فضيلة العلم وشرفه:، فإن يوسف عليه السلام بسبب علمه حصل له العز والرفعة والتمكين في الأرض 268.
    • تسلية النبي صلى الله عليه وسلم بما لقيه يعقوب ويوسف- عليهما السلام- من آلهم من الأذى، وقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم من آله أشد ما لقيه من بعداء كفار قومه 269.
    • أن الرؤيا إذا عبرت وقعت، لقول يوسف عليه السلام لصاحبي السجن: ( ) [يوسف:٤١]. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم: قال:(الرؤيا على رجل طائرٍ ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت) 270. ولذلك ينبغي أن نعبرها بالخير والمعاني الطيبة.
    • أن الرؤيا قد تتأخر فلا يظهر مصداقها إلا بعد السنين العديدة 271.
    • وفيها: أصل لتعبير الرؤيا، وأن علم التعبير من العلوم المهمة، التي يعطيها الله من يشاء من عباده، وأنه داخل في الفتوى، لقوله للفتيين: ( ) [يوسف:٤١]، فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم، وأن أغلب ما تبنى عليه المناسبة والمشابهة في الاسم والصفة 272.
    • أنه قد تقع الرؤيا الصادقة من بعض الكفار -على سبيل الندرة- كرؤيا الملك والفتيين، ولا سيما إذا تعلقت بمؤمنٍ، أوكانت آيةً لنبيٍ 273.
    • أن نعمة الله على العبد، نعمة على من يتعلق به من أهل بيته وأقاربه وأصحابه، وأنه ربما شملتهم بسببه، كما قال يعقوب في تفسيره لرؤيا يوسف: ( ) [يوسف:٦]. ولما تمت النعمة على يوسف، حصل لآل يعقوب من العز والتمكين في الأرض والسرور والغبطة ما حصل بسبب يوسف 274.
    • أن العبرة في حال العبد بكمال النهاية، لا بنقص البداية، فإن أولاد يعقوب عليه السلام جرى منهم ما جرى في أول الأمر، ثم انتهى أمرهم إلى التوبة النصوح، والسماح التام من يوسف ومن أبيهم، وإذا سمح العبد عن حقه، فالله خير الراحمين 275.
    • استغلال أي فرصة للدعوة إلى الله تعالى حتى في السجن كما فعل يوسف عليه السلام.

1 شرح صحيح مسلم، النووي ١/٩٤، ٢/١٨٦، ١٥/١٣٤.

2 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٣٣٩٠، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسائلين).

3 إسرائيل: اسمٌ عجميٌ ممنوع الصرف للعلمية والعجمة، وقد ذكروا أنه مركبٌ من إسرا: وهو العبد، وإيل: اسمٌ من أسماء الله تعالى، فكأنه عبد الله، وذلك باللسان العبراني، فيكون مثل: جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، وقيل: معنى إسرا: صفوةٌ، وإيل: الله تعالى، فمعناه: صفوة الله.

انظر: البحر المحيط، أبو حيان ١/٢٧٧.

4 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٣٣٠.

5 جامع البيان، الطبري ١٦/٢٦٧.

6 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤١٢.

7 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/١٩٧.

8 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٣٤٣.

9 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٣٣٧٢، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله عز وجل: (ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه)، ومسلم في صحيحه، رقم ١٥١، في الإيمان، باب زيادة طمأنينة القلب.

10 انظر شرح صحيح مسلم، النووي ٢/١٨٥.

11 المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، مركز تفسير، ٢/١٤٤٢.

12 وكان عمر رضي الله عنه يقول: جرير بن عبد الله يوسف هذه الأمة، يعني: في حسنه. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر ١/٢٣٨..

13 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ١٦٢، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات.

14 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٤.

15 فتح الباري، ابن حجر العسقلاني ٧/٢١٠.

16 مرقاة المفاتيح ٩/٣٧٦٦.

17 العبودية، ابن تيمية ص ١٢٣.

18 سبق تخريجه.

19 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٣٣٥٣، في الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلًا)، ومسلم في صحيحه، رقم ٢٣٧٨، باب من فضائل يوسف عليه السلام.

20 شرح صحيح مسلم، النووي ١٥/١٣٤.

21 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٩.

22 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٨٥.

23 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٠.

24 سبق تخريجه.

25 صيد الخاطر، ابن الجوزي، ص ٢٢٨.

26 ليدبروا آياته، ٢/٣١١.

27 قال القرطبي: وكان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتأويلها، أي: الرؤى، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم نحو ذلك، وكان الصديق رضي الله عنه من أعبر الناس لها، وحصل لابن سيرين فيها التقدم العظيم، والطبع والإحسان، ونحوه أو قريبٌ منه كان سعيد بن المسيب فيما ذكروا.

انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٢٩.

28 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٠.

29 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٢٩.

30 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٣٩٣.

31 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٣، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، ومسلم في صحيحه، رقم ١٦٠، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي برسول الله صلى الله عليه وسلم.

32 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٠٨.

33 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٣٩٣.

34 فتح القدير، الشوكاني ٣/٨.

35 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٠، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٣، أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٥٩٤.

36 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٣.

37 فتح القدير، الشوكاني ٣/٧.

38 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢١٥.

39 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٣.

40 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٢٦.

41 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٠.

42 انظر تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٧، أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٦١١.

43 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٢.

44 انظر جامع البيان، الطبري ١٦/١٠٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٢.

45 انظر التحرير والتنوير ١٢/٢٧١، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٧.

46 نظر قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣١٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٩١.

47 فتح القدير، الشوكاني ٣/٣٢.

48 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٢.

49 انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٢.

50 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٨.

51 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٦١٨٢، والترمذي في سننه، رقم ٢٢٧٨ و ٢٢٧٩، أبواب الرؤيا، باب ما جاء في تعبير الرؤيا، وأبو داود في سننه، رقم ٥٠٢٠، كتاب الأدب، باب ما جاء في الرؤيا.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

52 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٢.

53 جامع البيان، الطبري ١٦/١٢٥.

54 الأضغاث:جمع ضغث، والضغث أصله الحزمة من الحشيش، يشبه بها الأحلام المختلطة التي لا تأويل لها.

انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/١١٨.

55 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٤، ٦٢٥، قصص الأنبياء، ابن كثير ص ٣٣١.

56 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٩.

57 قال ابن عطية: والدأب، بسكون الهمزة وفتحها، مصدر دأب يدأب، إذا لازم فعل شيءٍ ودام عليه مجتهدًا فيه، ويقال للعادة: دأبٌ.

انظر: المحرر الوجيز ١/٤٠٥.

58 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٤، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٩، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٤٩.

59 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٩.

60 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٤، قصص الأنبياء، ص ٣٣٢.

61 جامع البيان، الطبري ١٦/١٢٨.

62 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٩.

63 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٢.

64 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٧.

65 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٢١.

66 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٢.

67 انظر تيسير الكريم الرحمن، ص ٤١١، وفتح القدير، الشوكاني ٣/٥٧.

68 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٣٣، تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٣.

69 انظر تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٤، معالم التنزيل، البغوي ٢/٥٠٩، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٧١.

70 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٦، تفسير الجلالين، ص ٣١٦.

71 انظر تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٤، قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٦.

72 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٤، وتفسير الجلالين، ص ٣١٦.

73 انظر تيسير الكريم الرحمن، ص ٤١١.

74 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٥.

75 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٩.

76 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٣٦، تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٥.

77 جامع البيان، الطبري ١٦/٢٥٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٣٦.

78 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٥٠، جامع البيان، الطبري ١٦/٢٥٨-٢٦٠.

79 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٥.

80 المصدر السابق.

81 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٨١.

82 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٥.

83 المصدر السابق ص ٣٩٤.

84 البحر المحيط، أبو حيان ٦/٢٣٤.

85 قصص الأنبياء، ابن كثير ص ٣٠٩.

86 انظر تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٤.

87 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٠، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، الشوكاني ص٤٦٣.

88 انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٨، الرسل والرسالات، الأشقر، ص ١٩.

89 قصص الأنبياء، ابن كثير ص ٣٠٩.

وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٤٧، ٢/٦١١.

90 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٣٣.

91 الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم، ٤/٨.

92 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣١٢، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٤.

93 انظر الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٣١، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢٠٣.

94 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣١٢، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٤.

95 انظر زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٤١٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٣٢.

96 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١١.

97 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٤.

98 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١١.

99 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣١٣.

100 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٤.

101 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٣٠.

102 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٢.

103 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣١٤، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٤.

104 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٤١٩.

105 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٥٧٥، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٤١٩، التحرير والتنوير ١٢/٢٣٤.

106 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢٠٤.

107 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣١٥.

108 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٤٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٢.

109 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٣، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٥.

110 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٤٠.

111 انظر الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٥٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٤.

112 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣١٥.

113 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٤.

114 انر: البحر المحيط، أبو حيان ٦/٢٥٤، مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/٤٣٤.

115 انظر البحر المحيط، أبو حيان ٦/٢٥٣، فتح القدير، الشوكاني ٣/١٦، التحرير والتنوير ١٢/٢٤٤.

116 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٤، جامع البيان، الطبري ١٦/١٦، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٥.

117 جامع البيان، الطبري ١٦/١٦.

118 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٤٦٠، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٤٦٠.

119 فتح القدير، الشوكاني ٣/٥٤.

120 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٤٦٠.

121 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٢.

122 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٨، تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٥.

123 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٣٦.

124 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٤.

125 المصدر السابق، ص ٣٤٩.

126 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/١٨، أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٦٠١.

127 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٦٠، جامع البيان، الطبري ١٥/١٩، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٥.

128 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٤٦.

129 انظر جامع البيان، الطبري ١٥/٢٠.

130 انظر معالم التنزيل، البغوي ٢/٤٨٣، قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣١٨، أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٦٠٣.

131 أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٦٠١.

132 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٤٢٥.

133 جامع البيان، الطبري ١٥/٢٤.

134 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٦.

135 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٦٢.

136 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٦٣، ١٦٥، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٦.

137 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٥٢.

138 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٦.

139 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٠.

140 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٦٦٠، كتاب صلاة الجماعة، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، ومسلم في صحيحه، رقم ١٠٣١، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة.

141 انظر أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢٠٧.

142 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٦/٢٥٧، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٦.

143 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٦، جامع البيان، الطبري ١٦/٤٩.

144 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٥٢.

145 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٨.

146 انظر الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٧٠.

147 انظر جامع البيان، الطبري ١٦/٥٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٨، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٦.

148 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٢٣.

149 انظر زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٤٣٣، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢١٧.

150 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٧٤.

151 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٨٢١، والطبراني في المعجم الكبير، رقم ١٢٢٧٩، والطبري في تفسيره، ١٦/٥٤ وغيرهم من طريق عطاء بن السائب.

قال ابن كثير في تفسيره ٣/٢٤: إسنادٌ لا بأس به.

وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند ٣/٢٥٣.

152 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٧٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٩، قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢١.

153 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٧٥، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٦.

154 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٧٥.

155 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٩.

156 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٣، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٧.

157 انظر جامع البيان، الطبري ١٦/٦٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٩، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٧.

158 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٤.

159 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٤، جامع البيان، الطبري ١٦/٨٦.

160 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٨٦.

161 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٧.

162 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٨٩، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٧.

163 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٩٠.

164 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٠.

165 انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٧، قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٦.

166 انظر جامع البيان، الطبري ١٦/١٣٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٠.

167 انظر جامع البيان، الطبري ١٦/١٣٨، قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٣٤، فتح القدير، الشوكاني ٣/٤١.

168 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٣٤.

169 زاد المسير ٢/٤٤٨.

170 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٦.

171 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٠.

172 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٦.

173 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢١.

174 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢١٤، بإيجاز.

175 مجموع فتاوى ابن تيمية ١٠/٢٩٦.

176 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢٠٧.

177 انظر البحر المحيط، أبو حيان ٦/٢٥٨.

178 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢٠٧.

179 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٦٤٩١، كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو سيئة، ومسلم في صحيحه، رقم ١٣١، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب، من حديث ابن عباس، رضي الله عنهما.

180 انظر:مجموع فتاوى ابن تيمية ١٠/٢٩٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٧.

181 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٨٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢٦٨.

182 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٨، مختار الصحاح، الرازي، ص ٣٥.

183 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٩.

184 سبق تخريجه.

وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٥.

185 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢١.

186 المصدر السابق ٢/٦٢٤.

187 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤١٠.

188 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٢، قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٦، جامع البيان، الطبري ١٦/١٠١.

189 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٢. تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٨.

190 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٩٢، جامع البيان، الطبري ١٦/١٠٤.

191 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٧، تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٢، ٦٢٣، جامع البيان، الطبري ١٦/١٠٥.

192 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٨.

193 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٨.

194 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٨، جامع البيان، الطبري ١٦/١١٥.

195 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٨.

196 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٢٣٩.

197 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٩.

198 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٤.

199 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٩٩.

200 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٣٤.

201 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٥٥، فتح القدير، الشوكاني ٣/٤٢، تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠١.

202 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/١٤٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٦، البحر المحيط، أبو حيان ٦/٢٩١.

203 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٣٤.

204 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٥٦، جامع البيان، الطبري ١٦/١٤٩.

205 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٣٥.

206 فتح القدير ٣/٤٢-٤٣.

207 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢١٥.

208 أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٦٢٤.

209 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٣٧، والجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢٢٠.

210 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٣٧، والبحر المحيط، أبو حيان ٦/٢٩٢، وتيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠١.

211 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٣٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٨.

212 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٤٦، تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠١، قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٣٩.

213 تحبير التيسير، ابن الجزري، ص ٤١٥.

214 المصدر السابق.

215 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٩، قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٠، تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠١.

216 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٩، تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٢، البحر المحيط، أبو حيان ٦/٢٩٦.

217 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٢٩، تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٢، أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٦٢٨.

218 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٦٢٨، قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٠، تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٣٠.

219 انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٣٠.

220 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٠، تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٢، فتح القدير ٣/٥٠.

221 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٠، ٣٤٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٣٠.

222 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٣.

223 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٣١، قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٢.

224 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٣.

225 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٣، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٣٢.

226 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٣، فتح القدير، الشوكاني ٣/٥٥.

227 المصادر السابقة.

228 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٨، أيسر التفاسير، الجزائري، ص ٢/٦٤١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٣٤.

229 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٢٤٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٤.

230 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٣٥.

231 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٤٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٥.

232 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٥٦. تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٥.

233 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٤٤٣٦، كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم في صحيحه، رقم ٢١٩١، كتاب السلام، باب استحباب رقية المريض.

234 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٥٦٧١، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، ومسلم في صحيحه، رقم ٢٦٨٠، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة تمني الموت.

235 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٢١٠٩.

وصححه الألباني في الإرواء ٣/١٤٧.

236 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٥٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٣٩، ٦٤٠.

237 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٤١.

238 قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٥٩.

239 أخرجه الحاكم في المستدرك ٢/٤٣٩، وابن حبان في صحيحه، ٢/٥٠٠، وأبو يعلى في مسنده ١٣/٢٣٦.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ١/٦٢٢.

240 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٩.

241 المصدر السابق، ص ٤١٠.

242 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٢٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤١٠.

243 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٢٦٦١، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضا، ومسلم في صحيحه، رقم ٢٧٧٠، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف.

244 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٦.

245 المصدر السابق، ص ٤١١.

246 التفسير المنير، الزحيلي ١٢/١٩٦.

247 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦١٠.

248 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٧٠٤٤، كتاب التعبير، باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها، ومسلم في صحيحه، رقم ٢٢٦٢، كتاب الرؤيا.

249 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٨.

250 المصدر السابق.

251 النكت الدالة على البيان، القصاب ١/٦١٢.

252 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٩.

253 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٩.

254 المصدر السابق.

255 انظر زاد المعاد، ابن القيم ٣/١٣.

256 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤١٠.

257 المصدر السابق.

258 المصدر السابق.

259 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٢٧.

260 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٧.

261 المصدر السابق، ص ٤٠٩.

262 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢١٦.

263 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، ص ٣٣٥، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤١٠.

264 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤١٠.

265 المصدر السابق، ص ٤١١.

266 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ٣/٥٦.

267 انظر: المصدر السابق ٣/٦٩- ٧٧.

268 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤١٠.

269 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/١٩٩.

270 سبق تخريجه.

271 أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٥٩٥.

272 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٧.

273 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٢٤.

274 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٠٨.

275 المصدر السابق.