عناصر الموضوع

مفهوم الوهن

الوهن في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع الوهن وأسبابه

أثر الوهن في الأفراد والأمم

علاج الوهن

الوهن

مفهوم الوهن

أولًا: المعنى اللغوي

قال ابن فارس: «الواو والهاء والنون كلمتان تدل إحداهما على ضعف، والأخرى على زمان»1. فالضعف نحو: وهن الشيء يهن وهنا: ضعف، والزمان الوهن والموهن: ساعة تمضي من الليل، وأوهن الرجل: صار أو سار في تلك الساعة.

ويطلق الوهن على ثلاثة معانٍ، هي: الضعف، وساعة من الليل، والفتور2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي

قال الخليل: «الوهن: الضعف في العمل، وفي الأشياء، وكذلك في العظم ونحوه»3.

وقال الراغب الأصفهاني: «الوهن: ضعف من حيث الخلق، أو الخلق»4.

وقال الفيومي: «وهن: ضعف، فهو واهن في الأمر والعمل والبدن»5.

وقيل: «ضعف تماسك البدن أو الشيء من اشتماله على رخاوة، ولذهاب الصلابة منه»6.

وقيل: «انكسار حد الشيء، بعد قوة متحققة أو ممكنة، مما يؤدي إلى عجزه»7.

الوهن في الاستعمال القرآني

وردت مادة (وهن) في القرآن الكريم (٨) مرات8.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١

( ) [مريم:٤]

الفعل المضارع

٣

( ) [آل عمران:١٣٩]

المصدر

٢

( ) [لقمان:١٤]

اسم فاعل

١

( ) [الأنفال:١٨]

اسم تفضيل

١

( ) [العنكبوت:٤١]

وجاء الوهن في القرآن على معناه اللغوي وهو: الضعف9.

الألفاظ ذات الصلة

الضعف

الضعف لغةً

قال الجوهري: «الضعف خلاف القوة»10.

الضعف اصطلاحًا

قال الراغب: «والضعف قد يكون في النفس، وفي البدن، وفي الحال»11.

الصلة بين الوهن والضعف

قال أبو هلال العسكري: «الوهن هو أن يفعل الإنسان فعل الضعيف وهو قوي في نفسه، فهو من فعل الإنسان. أما الضعف فهو من فعل الله تعالى بالإنسان، كما أن القوة من فعله، تقول: خلقه الله ضعيفًا أو خلقه قويًا»12.

وفرق بعضهم بينهما، فبين أن بينهما عمومًا وخصوصًا وجهيًا، فيجتمعان في الضعف إذا كان طارئًا، وينفرد الضعف في إطلاقه على الضعف الأصلي، وينفرد الوهن في صفات أخرى؛ إذ قد يكون الوهن جبنًا بعد شجاعة، أو فتورًا بعد عزيمة، أو توانيًا بعد همة، أو اختلالًا بعد إحكام إلخ13.

القوة

القوة لغة

«القوة تدل على الشدة، وهي خلاف الضعف»14.

القوة اصطلاحًا

تستعمل تارة في معنى القدرة، وتارة للتهيؤ الموجود في الشيء، قد يكون في البدن أو في القلب أو المعاون أو القدرة الإلهية15. وأطلقت القوة في القرآن الكريم على خمسة معانٍ: الشدة والبطش، والأنصار والأعوان، والجد والاجتهاد، والسلاح، والقدرة والطاقة16.

الصلة بين الوهن والقوة

الوهن: هو ضعف بعد قوة، فالعلاقة بينه وبين القوة علاقة تضاد.

وقيل: إن لفظ (القوة) هو المقابل التام للفظ (الوهن)، فالقوة: شدة، وجد، وشجاعة، وإحكام، واستطاعة. والوهن: ضعف، وفتور، وجبن، وخلل، وعجز17.

الكسل

الكسل لغة

«الكسل أصلٌ يدل على التثاقل عن الشيء والقعود عن إتمامه»18.

الكسل اصطلاحًا

«الفتور في الأفعال لسآمة أو كراهية»19.

الصلة بين الوهن والكسل

الكسل هو فتور مع إمكان العزم والجد، وهو بهذا المعنى أخص من الوهن.

السنة

العزم لغة

«عزم على الشيء: عقد ضميره على فعله، وعزم عزيمة: اجتهد وجد في أمره»20.

العزم اصطلاحًا

«العزم: عقد القلب على إمضاء الأمر»21.

الصلة بين الوهن والعزم

العزم يقابل الفتور، والفتور هو أحد معاني الوهن، ومن ثم فالعلاقة بين الوهن والعزم التضاد في المعنى.

أنواع الوهن وأسبابه

يصنف (الوهن) في القرآن الكريم من حيث الشيء الواهن إلى ثلاثة أنواع: وهن الجسم، ووهن القلب، ووهن العمل. وفيما يأتي توضيح لها.

أولًا: وهن الجسم وأسبابه

ورد لفظ (وهن) للدلالة على وهن الجسم، مرتين في القرآن الكريم: الأولى للدلالة على وهن العظم.

والأخرى للدلالة على وهن الحامل. وأما معنى الوهن وهو الدلالة على الضعف، فقد ورد في آيات عديدة كما في المرض أو مرحلة الشيخوخة.

تبين آيات الكتاب الكريم أن الجسم يصيبه الوهن إما بسبب الكبر، وإما بسبب العوارض الطارئة كالحمل والولادة.

  1. الوهن بسبب الكبر.

    يعرض للجسم الوهن بسبب الكبر، فيرق عظمه، ويشيب رأسه، ويرتعش صوته، وتزداد مخاوفه22.

    وقد اجتمعت هذه المظاهر في نداء زكريا عليه السلام: ( ) [مريم: ٢-٥].

    قال الرازي: «واعلم أن زكريا عليه السلام قدم على السؤال أمورًا ثلاثة: أحدها: كونه ضعيفًا. والثاني: أن الله تعالى ما رد دعاءه البتة. والثالث: كون المطلوب بالدعاء سببًا للمنفعة في الدين، ثم بعد تقرير هذه الأمور الثلاثة صرح بالسؤال»23.

    فزكريا يشكو من وهن جسمه بسبب الكبر، فذكر وهن عظمه، وشيب رأسه، ووهن العظم كما قال المفسرون: ضعفه، قال الطبري: «ضعف ورق من الكبر»24.

    وقال ابن كثير: «ضعفت وخارت القوى»25.

    وقد بين الزمخشري وجه إسناد الوهن إلى العظم؛ «لأنه عمود البدن وبه قوامه وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته، ولأنه أشد ما فيه وأصلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن»26.

    فالمفسرون يرون أن وهن العظم يستلزم وهن الجسم، كما قال الشنقيطي: «فوهنه يستلزم وهن غيره من البدن»27.

    وقال ابن عاشور: «لأن العظم هو قوام البدن، وهو أصلب شيء فيه، فلا يبلغه الوهن إلا وقد بلغ ما فوقه»28.

    كما ربط الرازي بين وصف النداء بـ(الخفي)، وبين مظاهر الوهن في جسم زكريا، فذكر من الأوجه: «خفي صوته؛ لضعفه وهرمه، كما جاء في صفة الشيخ: صوته خفات وسمعه تارات. فإن قيل: من شرط النداء الجهر، فكيف الجمع بين كونه نداء وخفيًا؟ والجواب من وجهين، الأول: أنه أتى بأقصى ما قدر عليه من رفع الصوت إلا أن الصوت كان ضعيفًا؛ لنهاية الضعف بسبب الكبر، فكان () نظرًا إلى قصده، و() نظرًا إلى الواقع»29.

    وبين الرازي أن ( ) هو استيلاء الضعف على باطن الجسم؛ لتداعي قوته، ثم قال: «وأما أثر الضعف في الظاهر فذلك استيلاء الشيب على الرأس. فثبت أن هذا الكلام يدل على استيلاء الضعف على الباطن والظاهر، وذلك مما يزيد الدعاء توكيدًا لما فيه من الارتكان على حول الله وقوته، والتبري عن الأسباب الظاهرة»30.

    وقال ابن كثير: «والمراد من هذا الإخبار عن الضعف والكبر، ودلائله الظاهرة والباطنة»31.

    وقال السعدي: «شكا إلى ربه ضعفه الظاهر والباطن»32.

    كما ورد وهن الجسم من الكبر في قوله تعالى: ( ﭿ ) [الروم: ٥٤].

    فالآية تبين أن الإنسان بعد أن يبلغ قوته يعود إلى مرحلة الضعف بسبب الكبر.

    قال السعدي: «يخبر تعالى عن سعة علمه وعظيم اقتداره وكمال حكمته، ابتدأ خلق الآدميين من ضعف وهو الأطوار الأول من خلقه من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى أن صار حيوانًا في الأرحام إلى أن ولد، وهو في سن الطفولية وهو إذ ذاك في غاية الضعف وعدم القوة والقدرة. ثم ما زال الله يزيد في قوته شيئًا فشيئًا حتى بلغ سن الشباب واستوت قوته وكملت قواه الظاهرة والباطنة، ثم انتقل من هذا الطور ورجع إلى الضعف والشيبة والهرم»33.

    ومن الآيات التي تصف وهن الإنسان في هذه المرحلة، قوله تعالى: ( ﯦﯧ ) [يس: ٦٨].

    قال أبو السعود: «أي: نقلبه فيه، ونخلقه على عكس ما خلقناه أولًا، فلا يزال يتزايد ضعفه وتتناقص قوته وتنتقص بنيته ويتغير شكله وصورته، حتى يعود إلى حالة شبيهة بحال الصبي في ضعف الجسد وقلة العقل، والخلو عن الفهم والإدراك»34.

    وقوله: ( ﯔﯕ ) [النحل: ٧٠].

    قال النيسابوري: «أرذل العمر أخسه وأحقره. وقال السدي: هو حالة الخرف فيصير إلى حالة شبيهة بحال الطفل في النسيان وعدم التذكر، واعلم أن العقلاء ضبطوا مراتب عمر الإنسان في أربع:

    أولها: سن النشوء.

    وثانيها: سن الوقوف وهو سن الشباب.

    وثالثها: الانحطاط الخفي اليسير، وهو سن الكهولة.

    ورابعها: سن الانحطاط الظاهر، وهو سن الشيخوخة»35.

    «إن أول من تنبه لظاهرة الشيخوخة كعلم مستقل هو الطبيب الفرنسي شاركوت عام ١٨٨١م، ولم يتبعه أغلب الباحثين إلا في القرن العشرين، ولذا نعجب أن يولي القرآن الكريم موضوع الشيخوخة عنايته قبل ذلك بأكثر من عشرة قرون، ولا تجد لهذا نظيرًا في أي كتاب آخر ينسب اليوم للوحي غير القرآن الكريم، وإن إدراك خفايا الشيخوخة في عصرنا حيث توفرت التقنيات إنما هو شهادة للقرآن»36.

  2. الوهن بسبب العوارض الطارئة.

    تحدث القرآن الكريم عن وهن الجسم بسبب العوارض الطارئة، ومنها حمل الأم وولادتها.

    وقد جاءت الإشارة إلى وهن الحمل في قوله تعالى: ( ﭿ ) [لقمان: ١٤].

    فالآية تتحدث عن وصية الله للإنسان بوالديه، ثم تخص والدته بالذكر؛ حيث حملته وهنا على وهن، ثم وضعته، ثم كان فصاله في عامين.

    وقد فسر الوهن في الآية بالضعف، وقيل: الجهد والمشقة التي تعانيها الأم37.

    وعامة المفسرين على أن الوهن في الآية يعود إلى الأم، فقوله: () حال من الفاعل ()، والمعنى: حملته أمه في حال كونها واهنة وهنا على وهن. وذكر بعضهم أنه يُحتمل أن يكون حالًا من المفعول في ()، أي: الولد، فالواهن هو الجنين في بطن أمه إلا أن سياق الآية يدل على أن الوهن للأم؛ إذ الآية توصي الإنسان بوالديه، وتبين معاناة الأم في حمله، ثم في فصاله38.

    كما ذكر المفسرون أقوالًا عديدة في المراد بالتركيب: ( )، فقيل :ضعفًا بعد ضعف، وقال ابن عطية: «وقيل: إشارة إلى مشقة الحمل ومشقة الولادة بعده، وقيل: إشارة إلى ضعف الولد وضعف الأم معه، ويحتمل أن أشار إلى تدرج حالها في زيادة الضعف، فكأنه لم يعين ضعفين بل كأنه قال: حملته أمه والضعف يتزيد بعد الضعف إلى أن ينقضي أمره»39.

    وزاد أبو حيان في البحر المحيط: «وقيل: وهنا على وهن: نطفة ثم علقة، إلى آخر النشأة، فعلى هذا يكون حالًا من الضمير المنصوب في ()، وهو الولد»40.

    وقال السعدي: «أي: مشقة على مشقة، فلا تزال تلاقي المشاق، من حين يكون نطفة، من الوحم، والمرض، والضعف، والثقل، وتغير الحال، ثم وجع الولادة، ذلك الوجع الشديد»41.

    والآية تُذَكِّرُ الإنسان بحق والديه عليه، وخاصة الأم، التي حملته وهنا على وهن، ثم وضعته كرهًا، ثم أرضعته عامين، قال سيد قطب «وما يملك الوليد وما يبلغ أن يعوض الوالدين بعض ما بذلاه، ولو وقف عمره عليهما. وهذه الصورة الموحية: ( ﭿ ) ترسم ظلال هذا البذل النبيل، والأم بطبيعة الحال تحتمل النصيب الأوفر وتجود به في انعطاف أشد وأعمق وأحنى وأرفق»42.

    وقد علل الشعراوي تذكير الإنسان بدور الأم دون الأب، مع أن الله وصاه بوالديه، وذلك أن دور الأم كان والإنسان جنين ثم رضيع لا يدرك، فالأم كانت «تصنع لك وأنت صغير لا تدرك صنعها، فهو مستور عنك لا تعرفه، أما أفعال الأب وصنعه لك فجاء حال كبرك وإدراكك للأمور من حولك، فالابن يعرف ما قدم أبوه من أجله»43.

    ومن الوهن بسبب العوارض الطارئة ما جاء في قوله تعالى: ( ﭔﭕ ﭚﭛ ﭟﭠ ﭺﭻ ﭿ ) [الأحقاف: ١٥].

    وقال السعدي: «نبه على ذكر السبب الموجب لذلك فذكر ما تحملته الأم من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها، ثم مشقة ولادتها المشقة الكبيرة ثم مشقة الرضاع وخدمة الحضانة، وليست المذكورات مدة يسيرة ساعة أو ساعتين، وإنما ذلك مدة طويلة قدرها ( ) للحمل تسعة أشهر ونحوها، والباقي للرضاع هذا هو الغالب»44.

  3. من الإعجاز العلمي في آيات وهن الجسم.

    قال تعالى: ( ) [مريم: ٤].

    ( ) يشير إلى مظهر من مظاهر الجسم نتيجة الكبر، وبلوغ مرحلة الشيخوخة، حيث تتناقص كثافة العظام، وتضعف قوتها، وتلين صلابتها، ويصاب النسيج العظمي بالهشاشة؛ مما يجعله عرضة سهلة للكسر45.

    ويقرر الأطباء أن الجسم يبلغ قوته في الأربعين، حيث إن «الكتلة العظمية تبلغ ذروتها من حيث القوة والكثافة في سن الثلاثين إلى الأربعين، ثم تبدأ تتناقص كثافتها وتضعف قوتها بعد الأربعين، ويزداد التناقص كلما تقدم الإنسان في العمر»46.

    وإلى بلوغ ذروة الأشد يشير قوله تعالى: ( ) [الأحقاف: ١٥].

    ثم تبدأ مرحلة الضعف لقوى الجسم، وهي مرحلة مقترنة بالشيخوخة (الشيبة)، وجاء الحديث عنها في قوله تعالى: ( ﭿ ) [الروم: ٥٤].

    وتتبين دلالة الإعجاز في استخدام لفظ (الوهن) دون غيره من ألفاظ الضعف، أو اللين، فلفظ «الوهن يوحي بالتراكمية والتدرج في المقدار، وهو يتناسب مع حالة الهشاشة؛ فليس لها مقدار ثابت معين بل إنها تتزايد شدتها، ويمكن أن تحدث منها مضاعفات»47.

    ويشير العلماء إلى أن سبب وهن العظم عند الكبر يعود إلى نقص كفاءة خلايا البناء العظمي، مما يؤدي إلى نقص امتصاص الكالسيوم، ومن ثم زيادة هدم العظام؛ حيث تنفرد خلايا الهدم بالعمل على نخر العظام ولا تواجهها خلايا البناء بالتعويض48.

    وقال تعالى: ( ) [لقمان: ١٤].

    تشير الآية إلى معاناة الأم أثناء حملها بولدها، ويقرر الأطباء أن الحامل تمر بمظاهر كثيرة من الوهن، خلال أشهر الحمل، وتعاني من آلام شديدة، سواء في منطقة الرحم أو المنطقة المحيطة به، أو في منطقة الثديين، أو في مناطق أخرى من جسمها، كالظهر والبطن والفخذين، ومجرى البول، والتهابات في العظام والأسنان. ويسهم الجنين أيضًا في وهن الأم؛ حيث يسحب ما يحتاج إليه من غذاء ودم من جسم أمه، مما يضاعف من وهنها. وفي الأشهر الأخيرة من الحمل تظهر أنواع أخرى من المتاعب الناتجة عن ضغط الرحم على المعدة والكبد، وتشكو الأم من ضيق في التنفس؛ لأن الرحم ملأ تجويف البطن. ومع اقتراب الوضع يزداد تقلص الرحم، وتتكرر الانقباضات، وتشتد آلامها، حتى تضع الحامل جنينها كرهًا.

    قال تعالى: ( ) [الأحقاف: ١٥]49.

    ثالثًا: وهن القلب وأسبابه

    وهن القلب هو الضعف الذي يصيب قوته فيضعف ويفتر ويجبن، وقد جاء النهي عنه في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع ( )، وجاء منفيًّا في موضع رابع ( )، فهو وصف ذميم، ينزه الله عباده المؤمنين عن الاتصاف به.

    ويتبين من خلال آيات القرآن الكريم، أنَّ لوهن القلب سببين، هما: حبُّ الدنيا، وكراهية الموت. وقد جاء التصريح بهما في الحديث: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال قائل: ومن قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوهن)، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: (حبَّ الدنيا، وكراهية الموت)50.

    قال البيضاوي: «وأراد بـ(الوهن): ما يوجبه، ولذلك فُسِّرَ بحب الدنيا وكراهة الموت»51.

  1. حب الدنيا.

    قال تعالى: ( ﮬﮭ ) [محمد: ٣٥-٣٦].

    قال البيضاوي: «( ) فلا تضعفوا، ( ) ولا تدعوا إلى الصلح خورًا وتذللًا»52.

    وقال الشوكاني: «فلا تضعفوا عن القتال، ولا تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداء منكم، فإنَّ ذلك لا يكون إلا عند الضعف»53.

    وقال سيد قطب «إنَّ هذا النهي يكشف عن وجود أفراد من المسلمين كانوا يستثقلون تكاليف الجهاد الطويل ومشقته الدائمة، وتهن عزائمهم دونه ويرغبون في السلم والمهادنة؛ ليستريحوا من مشقة الحروب»54.

    فالوهن المنهي عنه في الآية هو فتور القلب عن العزم في الجهاد، ومِنْ ثَمَّ يميلُ ُإلى الراحة والمهادنة؛ تجنبًا للقتال، ورغبة في الدنيا.

    قال الرازي في تفسير قوله: ( ): «يعني: كيف تمنعك الدنيا من طلب الآخرة بالجهاد»55.

    وقال ابن عاشور: «هذه الآية تعليل لمضمون قوله: ( )»56.

    وهناك كثيرٌ من آيات القرآن الكريم تُبَيِّنُ أن حبُّ الدنيا يوهن القلب، ويضعفه، ويملؤه بالجبن.

    قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ﮈﮉ ﮋﮌ ) [التوبة: ٣٨].

    قال الزمخشري: «أي: تباطأتم وتقاعستم، وضُمِّنَ معنى الميل والإخلاد فعدي بـ()، والمعنى: ملتم إلى الدنيا وشهواتها وكرهتم مشاقَّ السفر ومتاعبه، ونحوه: ( ) [الأعراف: ١٧٦]»57.

    وقال ابن كثير: «هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، حين طابت الثمار والظلال في شدة الحرِّ ( ) أي: تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار، ( ) أي: ما لكم فعلتم هكذا، أرضًا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة؟!»58.

    كما أنَّ حبَّ الدنيا يؤدي إلى الفشل، وهو الجبن والتنازع، فتهن القلوب، وتنكسر الهمم.

    قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ﮋﮌ ﮐﮑ ) [آل عمران: ١٥٢].

    فقال لهم: منكم من يريد الدنيا، وهم الذين كانوا سببًا في هزيمة المسلمين في أحد، وهذه الهزيمة هي التي سببت وهنهم بعد ذلك، فنهاهم الله عنه، وقال: ( ) [آل عمران: ١٣٩-١٤٠].

  2. كراهية الموت.

    وقد تحدثت سورة آل عمران عن الوهن الذي أصاب المؤمنين، بعد هزيمتهم في أحد، وَبَيِّنَ لهم أنَّ القعود عن الجهاد كراهيةً للقتال لا يؤدي إلا إلى مزيد من الوهن، فقال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٣٩-١٤٠].

    قال البغوي: «( ) أي: لا تضعفوا ولا تجبنوا عن جهاد أعدائكم بما نالكم من القتل والجرح، وكان قد قتل يومئذ من المهاجرين خمسة منهم: حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير، وقتل من الأنصار سبعون رجلًا، ( ) أي: على ما فاتكم»59.

    وكراهية القتال «تنشأ بسبب الهزائم والآلام والقروح التي تصيب المؤمنين، مما يؤدي إلى تسلل الوهن إلى قلوبهم، ويكون مظاهر هذا الوهن: ضعفًا بعد قوة، وجبنًا بعد شجاعة، وفتورًا بعد عزيمة، ويدفعهم ذلك إلى القعود عن الجهاد، وإلقاء السلاح، والتخلي عن نصرة الحق، والرضا بالذل والهوان»60.

    كما تحدث عن الربيين الذين قاتلوا مع النبيين، فلم يهنوا ولم يضعفوا، بل صبروا، قال تعالى: ( ﯟﯠ ) [آل عمران: ١٤٦].

    أي: ما وهنوا لمصابهم، فاللام؛ للتعليل والسببية، وتفيد أن سبب الوهن هو ما أصابهم في سبيل الله. قال الطبري: «فما عجزوا لما نالهم من ألم الجراح الذي نالهم في سبيل الله، ولا لقتل من قتل منهم، عن حرب أعداء الله، ولا نكلوا عن جهادهم»61.

    وقال الماوردي: «فلم يهنوا بالخوف، ولا ضعفوا بنقصان القوة، ولا استكانوا بالخضوع». وقال ابن إسحاق: «فما وهنوا بقتل نبيهم، ولا ضعفوا عن عدوهم، ولا استكانوا لما أصابهم»62.

    وقال الزمخشري: «وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن والانكسار عند الإرجاف بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم »63.

    وقال تعالى: ( ﮯﮰ )[النساء: ١٠٤].

    فقال الواحدي في تفسيرها: «والمراد بالقوم ههنا: أبو سفيان وأصحابه، لمَّا انصرفوا عن أحد منهزمين، وقد قذف الله في قلوبهم الرعب، أمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يسير في آثارهم بعد الوقعة بأيام، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس لذلك، فاشتكوا ما بهم من الجراحات، فأنزل الله هذه الآية»64.

    وبهذا يتبين أن وهن القلب في هذه المشاهد كلها سببه الهزيمة التي لحقت بالمسلمين في أحد، وما خلفته فيهم من آلام وأسقام، وقروح وجروح، فوهنوا لذلك، وتجلى هذا الوهن في المشهد الأول: في تضعضع قلوبهم وحزنها، وفي المشهد الثاني: تجلى في جبنٍ وانصرافٍ عن القتال، وفي المشهد الثالث: تجلى في تثاقلٍ وفتورٍ. ومرد ذلك كله إلى كراهية القتال، سواء أكانت الكراهية عن حزن أو خوف أو إعياء. أما الوهن الوارد في سورة محمد فمرده إلى حبَّ الدنيا والتعلق بها65.

  3. وهن القلب معنىً.

    تحدث القرآن الكريم كثيرًا عن وهن القلب، وبين مظاهره المختلفة:

    • الحزن، كما في قوله تعالى: ( ) [آل عمران: ١٣٩].
    • الغضب، كما في قوله: ( ) [الشورى: ٣٧].
    • الضيق، كما في قوله: ( ﯳﯴ ) [النحل: ١٢٧].
    • التثاقل، كما في قوله: ( ﭿ ﮂﮃ ﮈﮉ ﮋﮌ ) [التوبة: ٣٨].
    • الفشل، كقوله: ( ﭘﭙ ﭚﭛ ) [الأنفال: ٤٦].
    • الخوف، كما في قوله تعالى: ( ﮍﮎ ﮛﮜ ) [الأحزاب: ١٩]. قال ابن كثير: «( ) أي: من شدة خوفه وجزعه، وهكذا خوف هؤلاء الجبناء من القتال، ( )، أي: فإذا كان الأمن، تكلموا كلامًا بليغًا فصيحًا عاليًا، وادعوا لأنفسهم المقامات العالية في الشجاعة والنجدة، وهم يكذبون في ذلك»66.
    • الحسرة، كما في قوله تعالى: ( ) [آل عمران: ١٥٦].

      وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من مظاهر وهن القلب، كما في الحديث: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال)67.

      ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القويُّ خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان)68.

      قال النووي: «والمراد بالقوة هنا: عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأسرع خروجًا إليه وذهابًا في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في كلِّ ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلبًا لها ومحافظة عليها، ونحو ذلك»69.

      فالمؤمن الضعيف يراد به: من أصاب قلبه الوهن، كالفتور أو العجز أو الندم أو التحسر، ولذلك قابل بينه وبين المؤمن القوي الذي لا يعجز ولا يفتر، بل يستعين بالله ويرضى بقضائه. وصفات المؤمن الضعيف هي تلك الصفات التي استعاذ منها الرسول صلى الله عليه وسلم، من همٍّ وحزن، وعجز وكسل، وجبن وبخل.

      ثالثًا: وهن العمل وأسبابه:

      وهن العمل: هو ضعفه واختلاله وانعدام ثمرته، فلا يكون محكمًا، ولا مثمرًا، كبيت العنكبوت الذي لا يحمي من برد ولا حر. وقد تحدث القرآن الكريم كثيرًا عن وهن العمل، وفيما يأتي توضيح أمرين: صور وهن العمل، وتوهين الله كيد الكافرين.

    1. صور وهن العمل.

      من صور وهن العمل ما يلي:

      • صرف العمل في غير محله.

        كمن يدعو من لا يسمعه ولا يستجيب له، ويطلب ممن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا.

        قال تعالى: (ﭿ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮏﮐ ﮝﮞ ﮦﮧ ) [العنكبوت: ٤١-٤٣].

        قال الطبري: «مثل الذين اتخذوا الآلهة والأوثان من دون الله أولياء يرجون نصرها ونفعها عند حاجتهم إليها في ضعف احتيالهم، وقبح رواياتهم، وسوء اختيارهم لأنفسهم، ( ) في ضعفها، وقلة احتيالها لنفسها، ( ) لنفسها، كيما يكنها، فلم يغن عنها شيئًا عند حاجتها إليه.

        فكذلك هؤلاء المشركون لم يغن عنهم -حين نزل بهم أمر الله، وحَلَّ بهم سخطه- أولياؤهم الذين اتخذوهم من دون الله شيئًا، ولم يدفعوا عنهم ما أحلَّ الله بهم من سخطه بعبادتهم إياهم»، ونقل عن قتادة قوله: «هذا مثل ضربه الله للمشرك؛ مثل إلهه الذي يدعوه من دون الله كمثل بيت العنكبوت واهن ضعيف لا ينفعه»70.

        وقال ابن كثير: «هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله، يرجون نصرهم ورزقهم، ويتمسكون بهم في الشدائد، فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه، فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمن يتمسك ببيت العنكبوت، فإنه لا يجدي عنه شيئًا، فلو علموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء، وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله، وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع، فإنه مستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها؛ لقوتها وثباتها»71.

        فسبب وهن عمل المشرك أنه تعلق بغير الله، كما قال تعالى: ( ﮋﮌ ) [التوبة: ١٠٩].

        قال الزمخشري: «والمعنى: ( ) دينه على قاعدة قوية محكمة، وهي الحقُّ الذي هو تقوى الله ورضوانه، ( ) أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها وأقلها بقاء، وهو الباطل والنفاق الذي مثله مثل شفا جرفٍ هارٍ في قلة الثبات والاستمساك»72.

        قال ابن القيم: «أعظم الناس خذلانًا من تعلق بغير الله، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل المتعلق بغير الله كمثل المستظل من الحرِّ والبرد ببيت العنكبوت، »73.

      • الإتيان بالعمل بغير طريقته الصحيحة.

        قال تعالى: ( ) [الكهف: ١٠٣-١٠٤].

        قال الطبري: « ( ) يعني: بالذين أتعبوا أنفسهم في عمل يبتغون به ربحًا وفضلًا، فنالوا به عطبًا وهلاكًا ولم يدركوا طلبًا، كالمشتري سلعة يرجو بها فضلًا وربحًا، فخاب رجاؤه. وخسر بيعه، ووكس في الذي رجا فضله»74.

        وقال تعالى: ( ) [الغاشية: ٣].

        قال ابن عباس: «يعني: الذين عملوا ونصبوا في الدنيا على غير دين الإسلام من عبدة الأوثان وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم لا يقبل الله منهم اجتهادًا في ضلالة، يدخلون النار يوم القيامة»75.

        وقد يكون الوهن بسبب أنَّ العامل لم يتجه بعمله الوجهة الصحيحة، فالمؤمنون عليهم أن يطلبوا النصر من ربهم، ويستمدوا العون منه، فإذا فعلوا ذلك نصرهم وقوي أمرهم، وإن والوا غير ربهم خذلهم الله، فوهن عملهم، وتشتت أمرهم. فمن ضعفت صلته بربه خذله ووكله إلى نفسه؛ فقوة عمل العامل تأتي من قوة صلته بربه، فإذا ضعفت تلك الصلة وارتخت، فقد وهن عمله وضعف.

        قال تعالى: ( ﭿ ﮁﮂ ﮊﮋﮌ ) [آل عمران: ١٦٠].

        فالخذلان إنما يكون بسبب وهن عملهم؛ إذ ضعفت صلتهم بربهم، فوهنوا فخذلهم الله.

        قال الخطيب: «الذين يفوضون أمرهم إلى الله، ويشدون عزائمهم إليه، ويعلقون آمالهم به، هم الذين يحبهم الله ويتولاهم؛ لأنهم أحبوا الله وانتظموا في مجتمع أوليائه وإنهم إذ يلوذون بَحِمَى الله فإنما يستمسكون بالعروة الوثقى، ويعتصمون بأقوى معتصم، وهم بهذا في ضمان النصر، وعلى طريقه، ولن يغلبهم أحد. فإن تخلوا عن الله، ووكلوا أمرهم إلى حولهم وحيلتهم، فقد آذنوا الله أن يتخلى عنهم، وأن يَدَعَهُم إلى أنفسهم، وهذا خذلان مبين، ومن خذله الله فلا ناصر له»76.

        ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ربه حين يصبح وحين يمسي: (أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)77.

        فكانت النتيجة ذلك أن الله كفاه وحماه ونصره، قال تعالى: ( ﮇﮈ ﮋﮌ) [الزمر: ٣٦].

        وتُبَيِّنُ آيات القرآن الكريم صورًا شتى لوهن عمل المؤمنين جراء ضعف صلتهم بالله.

        منها: اتباع أهواء اليهود والنصارى، قال تعالى: ( ﭙﭚ ﭝﭞ ﭣﭤ ) [المائدة: ٥١].

        ومنها: الركون إلى الظالمين، قال تعالى: ( ) [هود: ١١٣].

        ومنها: الوقوع في الذنوب والمعاصي، قال تعالى: ( ﮮﮯ ) [مريم: ٥٩].

      • الإتيان بما يبطل العمل.

        ومن ذلك توهين الأمر بعد إبرامه، كما في قوله تعالى: ( ) [النحل: ٩٢].

        قال البيضاوي: «أي: نقضت غزلها من بعد إبرام وإحكام»78.

        وفي تفسير ابن كثير: «قال السدي: هذه امرأة خرقاء كانت بمكة، كلما غزلت شيئًا نقضته بعد إبرامه. وقال مجاهد، وقتادة، وابن زيد: هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده. وهذا القول أرجح وأظهر، وسواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا»79.

        وقال السعدي: « ( ) في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على سفه متعاطيها، وذلك () تغزل غزلًا قويًا، فإذا استحكم وتم ما أريد منه نقضته فجعلته () فتعبت على الغزل ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه، فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة»80.

        ومن ذلك الشرك، فالمشرك تنقطع صلته بالله انقطاعًا تامًا، ولذلك فالله يحبط عمله، ويرده عليه، كما قال: ( ) [الأنعام: ٨٨].

        ومن ذلك إبطال الصدقات بالمنِّ والأذى، قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٦٤].

        قال الشوكاني «الإبطال للصدقات: إذهاب أثرها وإفساد منفعتها، أي: لا تبطلوها بالمنِّ والأذى أو بأحدهما»81.

        كما جاء الحديث عن هذا الوهن في قوله تعالى: ( ﭿ ) [النور: ٣٩].

        وقوله: ( ) [الفرقان: ٢٣].

        وقوله: ( ) [محمد: ١].

        وقوله تعالى: ( ﯧﯨ ﯰﯱ ﯷﯸ ) [إبراهيم: ١٨].

      • حصول التنازع على العمل.

        التنازع على العمل يوهنه، ويفرق أمر الجماعة، ويشتت شملها، ولذلك حذر الله المؤمنين من التفرق، كما حذرهم من التنازع.

        قال تعالى: ( ﭶﭷ ﭿ ) [آل عمران: ١٠٣].

        وقال: ( ) [آل عمران: ١٠٤].

        قال السعدي: «أمرهم تعالى بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة، مؤتلفين غير مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم، وبالاجتماع يتمكنون من كلِّ أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم، ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام»82.

        وقال ناهيًا المؤمنين عن التنازع: ( ﭘﭙ ﭚﭛ ) [الأنفال: ٤٦].

        قال ابن القيم: «أمر الله المجاهدين بخمسة أشياء، وذكر منها: اتفاق الكلمة وعدم التنازع الذي يوجب الفشل والوهن ،وهو جند يقوي به المتنازعون عدوهم عليهم، فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام لا يستطيع أحد كسرها، فإذا فرقها وصار كلٌّ منهم وحده كسرها، فإذا فرقها وصار كلٌّ منهم وحده كسرها كلها»83.

    2. توهين الله كيد الكافرين.

      قال تعالى: ( ﭕﭖ ﭝﭞ ﭣﭤ ) [الأنفال: ١٧-١٨].

      قال الزمخشري: « () إشارة إلى البلاء الحسن، ومحله الرفع: أي: الغرض ذلكم، ( ) معطوف على ذلك. يعنى: إن الغرض إبلاء المؤمنين وتوهين ( )»84.

      ويبين القرآن الكريم أنَّ وهن كيد الكافرين سببه كفرهم بالله وآياته، ومحاربتهم لله ورسوله، ومشاقتهم، كما قال تعالى: ( ﯪﯫ ﯵﯶ ) [البقرة: ٦١].

      وقال: ( ﮋﮌ ﮘﮙ ﮣﮤ ) [آل عمران: ١١٢].

      وقال: ( ﮦﮧ ) [الأنفال: ١٢-١٣].

      ومن صور كيد الكافرين بالمؤمنين: السعي في فتنتهم إما بقتل أو حرق أو قتل أبنائهم، أو اضطهادهم وصرفهم عن دينهم، وخديعتهم إما بالتظاهر أنهم يريدون لهم الخير، أو بغير ذلك من صور الخداع التي يهدفون من ورائها إلى إيقاع الضرر وإرادة السوء بالمؤمنين، وخيانتهم بأي صورة من صور الخيانة. وهكذا كلُّ تدبير يجتهدون فيه لإيقاع الضرر بالمؤمنين85.

      والله تعالى بين في كتابه أنه موهن كيد الكافرين، ومبطل عملهم فقال: ( ) [الأنفال: ٧-٨].

      وقال: ( ﭪﭫ ﭮﭯ ) [يونس: ٨١].

      وقال تعالى: ( ) [الزخرف: ٧٩].

      قال الزجاج «أي: أم أحكموا عند أنفسهم أمرًا من كيد أو شر ( ) محكمون مجازاتهم»86.

      ومن صور توهين الله كيد الكافرين ما ذكره الواحدي: «وتوهينه كيدهم يكون بأشياء: بإطلاع المؤمنين على عوراتهم، وإلقاء الرعب في قلوبهم، وتفريق كلمتهم، ونقض ما أبرموا باختلاف عزائمهم»87.

      ومنها أيضًا: «إغراء العداوة والبغضاء بينهم، وتفريق كلمتهم، وتسليط بعضهم على بعض، وكشف كيدهم للمؤمنين. وتوهين كيد الكائدين، يستلزم توهين قلوبهم، فيثبط عزائمهم، ويقذف الرعب في قلوبهم، ويضعف قوتهم، ومن إضعاف قوتهم: إلحاق الهزيمة بهم، وجعل الدائرة عليهم، وتمكين المؤمنين منهم»88.

      ومن الصور التي بينتها سورة الأنفال في توهين الله كيد الكافرين89:

      دفع المشركين إلى المواجهة في بدر؛ لتحيق الهزيمة بهم، فَيَهِنْ أمرهم، قال تعالى: ( ) [الأنفال: ٧-٨].

      وقال تعالى: ( ﮄﮅ ) [الأنفال: ٤٢].

      وإلقاء الرعب في قلوبهم، قال تعالى: ( ) [الأنفال: ١٢].

      وإعجازهم عن أن يستأصلوا شأفة المسلمين رغم قلة عددهم وضعفهم أيام كانوا في مكة، قال تعالى: ( ) [الأنفال: ٢٦].

      وإعجازهم أن ينالوا من الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ( ﮙﮚ ﮝﮞ ) [الأنفال: ٣٠].

      وتحسيرهم على ما ينفقونه من أموال في كيدهم، قال تعالى: ( ﭿﮀ ﮇﮈ ﮋﮌ ) [الأنفال: ٣٦].

      أثر الوهن في الأفراد والأمم

      للوهن كثير من الآثار في الأفراد وفي الأمم، ومن ذلك:

      أولًا: ترك الجهاد والرضا بالذلِّ:

      بينت الآيات التي نهى الله فيها المؤمنين عن الوقوع في الوهن، أنَّ أثر ذلك هو ترك الجهاد، والرضا بالقعود، والانقلاب على الأعقاب.

      قال تعالى: ( ﭻﭼ ﭿ ﮃﮄ ﮋﮌﮍ ﮛﮜ ﮨﮩ ﯟﯠ ) [آل عمران: ١٤٤-١٤٦].

      قال السعدي: « ( ﭿ ) بترك ما جاءكم من إيمان أو جهاد، أو غير ذلك»90.

      وفي التفسير القرآني للقرآن: «حين مال المشركون على المسلمين يوم أحد، وأخذوهم بسيوفهم وسهامهم، وسقط شهداؤهم الذين كانوا إلى جوار رسول الله تنادى المشركون أن محمدًا قتل!! كان لهذا الخبر الكاذب وقعه على المسلمين، فاضطربت لذلك صفوفهم، ووقع كثير منهم تحت وطأة الحزن والكمد، فهام على وجهه يطلب الفرار من وجه هذا الهول الصاعق؛ إذ كانوا -وهم يعلمون أن محمدًا ميت وأنهم ميتون- غير مستعدين، نفسيًّا، وهم في معمعة المعركة، ووجودهم كله مستغرق فيها- كانوا غير مستعدين أن يتلقوا هذه الصدمة المزلزلة، وأن يصدقوها، وإن كانت حقًّا، لا يمترون فيه ولا يشكون!»91.

      وقوله: ( ) يبين أن الربيين لم يصبهم الوهن بمصابهم في سبيل الله، بل صبروا وجاهدوا. قال الماوردي: «الوهن: الانكسار بالخوف، والضعف: نقصان القوة، والاستكانة: الخضوع، ومعناه: فلم يهنوا بالخوف، ولا ضعفوا بنقصان القوة، ولا استكانوا بالخضوع»92.

      وقال ابن كثير: «وقال ابن عباس ( ) تخشعوا. وقال السدي وابن زيد: وما ذلوا لعدوهم»93.

      فهذا يبين أن أثر الوهن هو الاستكانة والخضوع والمذلة للأعداء، ولذلك نفت الآية عن الربيين هذا الأثر، وحذرت المؤمنين منه.

      وجاء في الحديث بيان أن ترك الجهاد والتهاون في إقامة الدين يؤدي بالمسلمين إلى المذلة، وهي مظهر من مظاهر الغثائية: (لئن تركتم الجهاد، وأخذتم بأذناب البقر، وتبايعتم بالعينة، ليلزمنكم الله مذلةً في رقابكم، لا تنفك عنكم حتى تتوبوا إلى الله، وترجعوا على ما كنتم عليه)94.

      قال الشوكاني: «وسبب هذا الذل -والله أعلم- أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الإسلام وإظهاره على كلِّ دين، عاملهم الله بنقيضه، وهو إنزال الذلة، فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان»95.

      وهناك العديد من الآيات الكريمة التي تبين هذا الأثر، ومن ذلك قوله: ( ﭿ ﮂﮃ ﮈﮉ ﮋﮌ ) [التوبة: ٣٨].

      قال ابن عاشور: «التثاقل: تكلف الثقل، أي: إظهار أنه ثقيل لا يستطيع النهوض. والثقل حالة في الجسم تقتضي شدة تطلبه؛ للنزول إلى أسفل، وعسر انتقاله، وهو مستعمل هنا في البطء مجازًا مرسلًا، وفيه تعريض بأن بطأهم ليس عن عجز، ولكنه عن تعلق بالإقامة في بلادهم وأموالهم »96.

      وقوله عن المنافقين: ( ) [التوبة: ٨٧].

      وقوله: ( ﭿ) [التوبة: ٨١].

      وقوله: ( ) [التوبة: ٨٣].

      فكلُّ هذه تبين أثر الوهن الذي تمكن من القلوب، فثبطها عن النهوض إلى الطاعة، وحال بينها وبين المسارعة في الخيرات.

      وقال تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ﮋﮌﮍ ) [البقرة: ٢٤٩].

      «فالفئة الواهنة ادعت أنها لا تطيق مواجهة جالوت، فردت عليها الفئة المؤمنة مبينة لها أن ذلك وهن، وعليهم أن يؤمنوا بالله ويصبروا، فهم يطيقون المواجهة ولكنهم وهنوا»97.

      ثانيًا: الشح بالمال:

      قال تعالى: ( ﮬﮭ ﯨﯩ ﯯﯰ ﯴﯵ ) [محمد: ٣٥-٣٨].

      فالآيات تنهى المؤمنين عن الوهن ومسالمة الأعداء، فهم الأعلون والله معهم، وأجورهم غير منقوصة، فكيف يهنون؟! ثم بينت لهم أن الحياة الدنيا التي هي سبب وهن القلوب إنما هي لعب ولهو. ثم بينت لهم أن من يبخل بالنفقة في سبيل الله فإنما يبخل عن نفسه، فالبخل سببه حبُّ الدنيا والتعلق بها، وذلك يوهن القلب، ويجعله يشح بالإنفاق في سبيل الله.

      وهذا ما بينته آيات التغابن: ( ﮋﮌ ﮒﮓ ﮠﮡ ﮯﮰ ﯢﯣ ) [التغابن: ١٤-١٧].

      فبينت للمؤمنين أن الأموال والأولاد إذا أعاقوا الإنسان عن الإنفاق والطاعة، ففتر قلبه عن المسارعة في الخيرات، فإنما هم عدوٌّ له.

      ثالثًا: الفتور عن الطاعة:

      ومن آثار الوهن في الفرد هو فتوره عن الطاعة، وتأخره عنها، فالقرآن الكريم دعا المؤمنين إلى المسارعة في الخيرات، ومدحهم بذلك، فقال: ( ) [الأنبياء: ٩٩].

      والواهن لا يسارع في الخيرات بل يتقاعس عنها، كما ورد في الحديث: (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)98.

      قال ابن عثيمين: «ولا شك أن التأخر عن الصلاة أشد من التأخر عن الصف الأول، وعلى هذا فيخشى على الإنسان إذا عوَّد نفسه التأخر في العبادة أن يبتلى بأن يؤخره الله عز وجل في جميع مواطن الخير»99.

      فواهن القلب لا يزال يدفعه ما في قلبه من وهن وضعف وفتور إلى التأخر عن الطاعات والتثاقل عنها، حتى يغلب عليه الكسل عن العبادة، وقد ذمَّ الله المنافقين بالتكاسل عن الصلاة فقال: ( ﭿ ) [النساء: ١٤٢].

      وقوله: ( ) [التوبة: ٥٤].

      قال الواحدي: «أي: متثاقلين متباطئين»100.

      وقال الخليل: «الكسل: التثاقل عما لا ينبغي»101.

      وقال ابن عاشور: «الكسل: الفتور في الأفعال لسآمة أو كراهية، والكسل في الصلاة مؤذن بقلة اكتراث المصلي بها وزهده في فعلها، فلذلك كان من شيم المنافقين»102.

      ثالثًا: غثائية الأمة:

      يبين الرسول صلى الله عليه وسلم أثر الوهن في الأمم، فيقول: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال قائل: ومن قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوهن)، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: (حبُّ الدنيا، وكراهية الموت)103.

      فذكر أهم آثار الوهن في الأمم، وهي: ضعف الأمة مما ينتج عنه تداعي الأمم عليها والغثائية التي تعيشها الأمة، ونزع مهابة الأمة من صدور أعدائها.

      قال في عون المعبود: «غثاء السيل: ما يحمله السيل من زبد ووسخ، شبههم به؛ لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم»104.

      وقال البيضاوي: «والمعنى: ولكنكم تكونون متفرقين، ضعيفي الحال، خفيفي العقل، دنيئي القدر، كغثاء السيل»105.

      وقال الزجاج «الغثاء: الهالك البالي من ورق الشجر الذي إذا خرج السيل رأيته مخالطًا زبده»106.

      وأبرز مظاهر غثائية الأمة: تفرقها وضعف أمرها، وهو ما جاء النهي عنه في قوله تعالى: ( ) [آل عمران: ١٠٣].

      «وعوامل القوة في الأمة تكمن في اجتماع كلمتها، ووحدة صفها، وإقامتها للدين، وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، ونصرتها للحق، ودفاعها عن المظلوم، وأخذها على يد الظالم، واهتمامها بمعالي الأمور، ومسارعتها في الخيرات والطاعات، وشدة بأسها، وأخذهم بقوة لكل أسباب القوة.

      وبهذه العوامل تكون الأمة قوية، مرفوعة الجبين، مرهوبة الجانب، يهابها أعداؤها، ويخضعون لها. فإذا دبَّ الوهن في أمة من الأمم، فإن الوهن ينخر في كل عوامل القوة، فيتبعثر الصف، وتتفرق الكلمة، وتتنافر القلوب، ويتثاقل الناس عن الجهاد، بل يعيبون المجاهدين فيهم، ويتخلون عن مقتضيات القيام بالدين، فيتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويفترون عن نصرة الحق وأهله؛ فيعود الدين غريبًا.

      فالصلوات تضيع، والشهوات تتبع، والمنكرات تبتدع، وينتشر الظلم، ويضعف أهل الحق، ويستشري اليأس في النفوس، ويستعذب الناس حياض الذل، ويرتعون في مستنقعات الهوان، ويغلب عليهم الاهتمام بسفاسف الأمور، ويغطون في ظلمات الجهل، ويتخلون عن حمل الأمانة، وتتمزق الأواصر، وتهتري الأخلاق. وبذلك تصبح أمة (غثائية)»107.

      وقد سمى القرآن الكريم هذه الحالة (ذهاب الريح)، فقال تعالى: ( ) [الأنفال: ٤٦].

      قال ابن كثير في تفسير: ( ): «أي: قوتكم وحدتكم وما كنتم فيه من الإقبال»108.

      وقال أبو السعود: «أي: تذهب دولتكم وشوكتكم، فإنها مستعارة للدولة من حيث إنها في تمشي أمرها ونفاذه مشبهة بها في هبوبها وجريانها»109.

      وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم السابق تفسير لذهاب الريح، (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم).

      رابعًا: تداعي الأمم عليها:

      جاء في عون المعبود: «التداعي: الاجتماع، ودعاء البعض بعضًا، والمراد من الأمم: فرق الكفر والضلالة (إلى قصعتها) الضمير للأكلة، أي: التي يتناولون منها بلا مانع ولا منازع، فيأكلونها عفوًا وصفوًا، كذلك يأخذون ما في أيديكم بلا تعب ينالهم أو ضرر يلحقهم أو بأس يمنعهم، قاله القاري.

      قال في المجمع: أي: يقرب أنَّ فرق الكفر وأمم الضلالة أن تداعى عليكم، أي: يدعو بعضهم بعضًا إلى الاجتماع؛ لقتالكم وكسر شوكتكم؛ ليغلبوا على ما ملكتموها من الديار، كما أن الفئة الآكلة يتداعى بعضهم بعضًا إلى قصعتهم التي يتناولونها من غير مانع، فيأكلونها صفوًا من غير تعب»110.

      ويبين الحديث أنَّ الأمم لا تتداعى على الأمة إلا بعد وهن قلوبها، كما قال: (وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوهن)، وسببه حبُّ الدنيا وكراهية الموت. وقد بَيِّنَ القرآن الكريم أنَّ الكافرين لا يتمكنون من المؤمنين إلا في حال غفلتهم، كما قال تعالى: ( ) [النساء: ١٠٢].

      قال ابن عاشور: «وقوله: ( ) إلخ، ودهم هذا معروف؛ إذ هو شأن كلِّ محارب، فليس ذلك المعنى المعروف هو المقصود من الآية، إنما المقصود أنهم ودوا ودًّا مستقربًا عندهم؛ لظنهم أنَّ اشتغال المسلمين بأمور دينهم يباعد بينهم وبين مصالح دنياهم؛ جهلًا من المشركين لحقيقة الدين، فطمعوا أن تلهيهم الصلاة عن الاستعداد لأعدائهم، فنبه الله المؤمنين إلى ذلك كيلا يكونوا عند ظنِّ المشركين، وليعودهم بالأخذ بالحزم في كل الأمور، وليريهم أنَّ صلاح الدين والدنيا صنوان»111.

      وهذا يوضحه قوله تعالى: ( ﯿ ﰅﰆ ) [آل عمران: ١٦٥].

      أي: «قلتم: من أين لنا هذا الخذلان ونحن مسلمون ورسول الله فينا؟ () لهم ( )؛ لأنكم تركتم المركز فخذلتم»112.

      وقال السعدي: «( ) أي: من أين أصابنا ما أصابنا وهزمنا؟ ( ) حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، فعودوا على أنفسكم باللوم، واحذروا من الأسباب المردية»113.

      علاج الوهن

      أرشد القرآن الكريم المؤمنين إلى العلاج الشافي من هذا الداء، وتبين الآيات الواردة في سورة آل عمران وغيرها من السور كثيرًا من مكونات هذا العلاج. ومن ذلك:

      أولًا: الإيمان بالقدر:

      قال تعالى: ( ﭻﭼ ﭿ ﮃﮄ ﮋﮌﮍ ﮛﮜ ﮨﮩ ﯟﯠ ﯿﰀ ) [آل عمران: ١٤٤-١٤٨].

      قال الواحدي: «( ) أي: ما كانت نفسٌ لتموت ( ) بقضائه وقدره، كتب الله ذلك ( ) إلى أجله الذي قدر له فلم انهزمتم؟ والهزيمة لا تزيد في الحياة»114.

      وجاء في التفسير البسيط115: «وقال ابن الأنباري: عاتب الله تعالى بهذا المنهزمين يوم أحد؛ رغبةً في الدنيا، وضنًّا بالحياة، وأخبرهم أن الحياة (لا تزيد) ولا تنقص، وأن الموت بأجلٍ عنده، لا يتقدم ولا يتأخر».

      وقال ابن كثير116: «وهذه الآية فيها تشجيع للجبناء وترغيب لهم في القتال، فإن الإقدام والإحجام لا ينقص من العمر ولا يزيد فيه».

      وهذا المعنى أكدته سورة آل عمران في أكثر من موضع، كقوله: ( ﮋﮌ ) [آل عمران: ١٥٤].

      وقوله: ( ﯺﯻ ﯾﯿ ) [آل عمران: ١٥٦-١٥٨].

      وفي سورة النساء: ( ) [النساء: ٧٨].

      فالقتال لن يقدم في الأجل، وتركه لن يؤخر في الأجل، فالموت والحياة بإذن الله، ولن ينفع الفارُّ فراره، كما قال تعالى: ( ) [الأحزاب: ١٦].

      ثانيًا: فقه سنن الله:

      قال تعالى: ( ﯝﯞ ﯪﯫ ) [آل عمران: ١٣٧-١٤٢].

      تبين هذه الآيات للمؤمنين أنَّ لله سننًا، كمداولة الأيام بين الناس، وابتلاء المؤمنين، وفتنة الكافرين، وعلى المسلمين السير في الأرض والتفقه في سنن الله، وعدم الاستسلام لعوامل الوهن، فإنَّ التبصر في سنن الله يساعدهم على تجاوز آثار الهزيمة، والتغلب على الحزن الذي استبد بهم، ويقوي عزائمهم، ويرفع من الهمم.

      قال السعدي: «فما يصيبكم من الألم والتعب والجراح ونحو ذلك فإنه يصيب أعداءكم، فليس من المروءة الإنسانية والشهامة الإسلامية أن تكونوا أضعف منهم، وأنتم وإياهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك»117.

      قال ابن القيم مبينًا سنن الله وحكمته التي تتحدث عنها هذه الآيات:

      «فجمع لهم في هذا الخطاب بين تشجيعهم وتقوية نفوسهم وإحياء عزائمهم وهممهم، وبين حسن التسلية، وذكر الحكم الباهرة التي اقتضت إدالة الكفار عليهم فقال: ( ) [آل عمران: ١٤٠].

      فقد استويتم في القرح والألم، وتباينتم في الرجاء والثواب، كما قال: ( ﯘﯙ ) [النساء: ١٠٤].

      فما بالكم تهنون وتضعفون عند القرح والألم، فقد أصابهم ذلك في سبيل الشيطان، وأنتم أصبتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي.

      ثم أخبر أنه يداول أيام هذه الحياة الدنيا بين الناس، وأنها عرض حاضر، يقسمها دولًا بين أوليائه وأعدائه، بخلاف الآخرة، فإن عزها ونصرها ورجاءها خالص للذين آمنوا. ثم ذكر حكمة أخرى، وهي أن يتميز المؤمنون من المنافقين، فيعلمهم علم رؤية ومشاهدة بعد أن كانوا معلومين في غيبه، وذلك العلم الغيبي لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب، وإنما يترتب الثواب والعقاب على المعلوم إذا صار مشاهدًا واقعًا في الحسِّ.

      ثم ذكر حكمة أخرى، وهي اتخاذه سبحانه منهم شهداء، فإنه يحب الشهداء من عباده، وقد أعد لهم أعلى المنازل وأفضلها، وقد اتخذهم لنفسه، فلا بد أن ينيلهم درجة الشهادة.

      ثم ذكر حكمة أخرى فيما أصابهم ذلك اليوم، وهو تمحيص الذين آمنوا، وهو تنقيتهم وتخليصهم من الذنوب، ومن آفات النفوس، و أيضًا فإنه خلصهم، ومحَّصهم من المنافقين، فتميزوا منهم، فحصل لهم تمحيصان: تمحيص من نفوسهم، وتمحيص ممن كان يظهر أنه منهم وهو عدوهم.

      ثم ذكر حكمة أخرى وهي محق الكافرين بطغيانهم وبغيهم وعدوانهم، ثم أنكر عليهم حسبانهم وظنهم أن يدخلوا الجنة بدون الجهاد في سبيله والصبر على أذى أعدائه، وإنَّ هذا ممتنع بحيث ينكر على من ظنه وحسبه، فقال: ( ) [آل عمران: ١٤٢].

      أي: ولما يقع ذلك منكم فيعلمه، فإنه لو وقع لعلمه فجازاكم عليه بالجنة، فيكون الجزاء على الواقع المعلوم، لا على مجرد العلم، فإنَّ الله لا يجزي العبد على مجرد علمه فيه دون أن يقع معلومه.

      ثمَّ وبخهم على هزيمتهم من أمر كانوا يتمنونه ويودون لقاءه. فقال: ( ) [آل عمران: ١٤٣].

      قال ابن عباس: ولما أخبرهم الله تعالى على لسان نبيه بما فعل بشهداء بدر من الكرامة رغبوا في الشهادة، فتمنوا قتالًا يستشهدون فيه، فيلحقون إخوانهم، فأراهم الله ذلك يوم أحد وسببه لهم، فلم يلبثوا أن انهزموا إلا من شاء الله منهم، فأنزل الله تعالى: ( ) [آل عمران: ١٤٣]»118.

      ثالثًا: الصبر:

      تربط الآيات التي تحذر المؤمنين من الوهن بينه وبين الصبر، حيث تبين لهم أن الصبر سلاح قوي يتسلح به المؤمن، فيعصمه الله من الوهن، قال تعالى: ( ﯟﯠ ) [آل عمران: ١٤٦].

      وقال تعالى: ( ﭿ ﮋﮌﮍ ) [البقرة: ٢٤٩-٢٥٠].

      وقال تعالى: ( ) [الأنفال: ٤٥-٤٦].

      قال سيد قطب «إن المؤمنين يحتملون الألم والقرح في المعركة، ولكنهم ليسوا وحدهم الذين يحتملونه، إنَّ أعداءهم كذلك يتألمون وينالهم القرح واللأواء، فإذا أصرَّ الكفار على المعركة، فما أجدر المؤمنين أن يكونوا هم أشد إصرارًا، وإذا احتمل الكفار آلامها، فما أجدر المؤمنين بالصبر على ما ينالهم من آلام!! وما أجدرهم كذلك أن لا يكفوا عن ابتغاء القوم ومتابعتهم بالقتال، وتعقب آثارهم، حتى لا تبقى لهم قوة، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله. وإنَّ هذا لهو فضل العقيدة في الله في كلِّ كفاح.

      فهناك اللحظات التي تعلو فيها المشقة على الطاقة، ويربو الألم على الاحتمال، ويحتاج القلب البشري إلى مدد فائض وإلى زاد»119.

      وفي سورة آل عمران يبين الحقُّ تعالى أنَّ صبر المؤمنين وتقواهم يحقق لهم أربعة أمور120:

      الأول: إبطال كيد أعدائهم، فقال: ( ) [آل عمران: ١٢٠].

      قال القرطبي121: « ( ) أي: على أذاهم وعلى الطاعة وموالاة المؤمنين ( )، فشرط تعالى نفي ضررهم بالصبر والتقوى، فكان ذلك تسلية للمؤمنين وتقوية لنفوسهم».

      الثاني: الفوز بنصر الله، فقال: (ﭹﭺ ﭿ ) [آل عمران: ١٢٥].

      «قال الضحاك وعكرمة: كان هذا يوم أحد وعدهم الله المدد إن صبروا، فلم يصبروا فلم يمدوا»122. وقال السعدي: «وأما وعد النصر وقمع كيد الأعداء فشرط الله له الصبر والتقوى»123.

      الثالث: التغلب على آثار الهزيمة النفسية، فقال: ( ﯪﯫ ) [آل عمران: ١٨٦].

      فالتغلب على آثار البلاء، وعلى حرب المشركين الإعلامية، إنما يكون بالصبر والتقوى. قال ابن عثيمين: «أي: إن الذي يصبر على أذى الناس، ويحتملهم ويغفر لهم سيئاتهم التي يسيئون بها إليه؛ فإن ذلك ( ﯿ ) [الشورى: ٤٣]. أي: من معزوماتها وشدائدها التي تحتاج إلى مقابلة ومصابرة. ولا سيما إذا كان الأذى الذي ينال الإنسان بسبب جهاده في الله عز وجل وبسبب طاعته؛ لأن أذية الناس لك لها أسباب متعددة متنوعة. فإذا كان سببها طاعة الله عز وجل، والجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإن الإنسان يثاب على ذلك من وجهين: الوجه الأول: من الأذية التي تحصل له. والوجه الثاني: صبره على هذه الطاعة التي أوذي في الله من أجلها»124.

      الرابع: الفلاح في الدنيا والآخرة، ( ) [آل عمران: ٢٠٠].

      قال البقاعي: «أي: ليكون حالكم حال من يرجى فلاحه وظفره بما يريد من النصر على الأعداء والفوز بعيش الشهداء»125.

      رابعًا: اجتناب الحزن والخوف:

      قال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٣٩].

      وقال: ( ﯠﯡ ) [آل عمران: ١٥٣].

      «ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيًّا عنه أو منفيًّا، وسر ذلك أن الحزن موقف غير مسر، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد؛ ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه، فالحزن ليس بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن)126.

      فهو قرين الهمِّ، والفرق بينهما أنَّ المكروه الذي يرد على القلب، إن كان لما يستقبل أورثه الهمَّ، وإن كان لما مضى أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن السير، مفتر للعزم»127.

      و«الإيمان بالقدر فيه راحة النفس والقلب، وعدم الحزن على ما فات، وعدم الغمِّ والهمِّ لما يستقبل، قال تعالى: ( ﯟﯠ ) [الحديد: ٢٢-٢٣]. والذي لا يؤمن بالقدر لا شكَّ أنه سوف يتضجر عند المصائب ويندم، ويفتح الشيطان له كلَّ باب، وأنه سوف يفرح ويبطر ويغتر إذا أصابته السراء، لكن الإيمان بالقدر يمنع هذا كله»128.

      ويبين قوله تعالى: ( ﮛﮜ ) [آل عمران: ١٦٩-١٧١].

      أن طريق المؤمنين في اجتناب الحزن أن يحتسبوا تضحياتهم، ويثقوا أنها محفوظة لهم عند ربهم، ومن قتل منهم فلن يضيع عمله، وعليهم ألا يحسبوا أنَّ القتلى في سبيل الله أمواتًا، بل هم أحياء عند ربهم يرزقون، وأن يوقنوا أن ما عند الله خير لهم وأبقى129.

      ومن تدبير الإسلام في علاج الحزن والخوف:

      «أولًا: هوَّنَ على المؤمنين خطب الموت، وذلك بإيمانهم بالحياة الآخرة إيمانًا يشعرون معه أنَّ الموت ليس إلا انتقالًا من عالم إلى عالم أرحب وأفسح، ومن هنا فلا ينظرون إلى الموت على أنه فناء أبدي للميت، وضياع لا نهائي لمن يموت، كما ينظر إلى ذلك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.

      وثانيًا: أنه وعد المؤمنين المجاهدين في سبيل الله درجات عالية عند الله سبحانه، حيث ينزلون منازل الأنبياء والصديقين، وإنما تتجلى طاعة الله ورسوله على أتمِّ وجه وأكمله في ميدان الجهاد في سبيل الله.

      وثالثًا: أنه توعد الذين ينتظمون في صفوف المجاهدين، ثمَّ إذا التحم القتال، وتساقطت الرؤوس، وتناثرت الأشلاء، وسالت الدماء ركبهم الفزع، واستبدَّ بهم الجزع، والتمسوا وجوه النجاة في الفرار من الميدان، أو النكوص على الأعقاب، أو الدعوة إلى السلم والاستسلام، توعد الإسلام من كان في المجاهدين المقاتلين، ثم أخذ هذا الموقف المتخاذل توعده بغضب من الله، وبعذاب أليم في نار جهنم»130.

      خامسًا: التوكل على الله:

      قال تعالى: ( ﭘﭙ ﭤﭥ ) [آل عمران: ١٢٢-١٢٣].

      تبين الآيات أنَّ التوكل على الله، يحول بين المؤمنين وأن يقعوا في الوهن، فولاية هاتين الطائفتين لله وتوكلهما عليه، جَنَّبْتُهُمَا الفشل، وهو الجبن والخور والرعب. قال البيضاوي: «( ) أي: فليتوكلوا عليه ولا يتوكلوا على غيره؛ لينصرهم كما نصرهم ببدر»131.

      قال البغوي: « ( ) أي: تجبنا وتضعفا وتتخلفا، والطائفتان بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس، وكانا جناحي العسكر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد في ألف رجل، وقيل: في تسعمائة وخمسين رجلًا، فلمَّا بلغوا الشوط انسحب عبد الله بن أبي بثلث الناس ورجع في ثلاثمائة، وقال: علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فتبعهم أبو جابر السُّلَمي، فقال: أنشدكم الله في نبيكم وفي أنفسكم، فقال عبد الله بن أبي: لو نعلم قتالًا لاتبعناكم، وهمت بنو سلمة وبنو حارثة بالانصراف مع عبد الله بن أبي، فعصمهم الله، فلم ينصرفوا فذكرهم الله عظيم نعمته، فقال عز وجل: ( ) ناصرهما وحافظهما عن الانصراف من القتال، ( )»132.

      وقال القرطبي: «والتوكل في اللغة: إظهار العجز والاعتماد على الغير. واختلف العلماء في حقيقة التوكُّلِ، فسئل عنه سهل بن عبد الله فقال: قالت فرقة: الرضا بالضمان، وقطع الطمع من المخلوقين. وقال قوم: التوكل ترك الأسباب والركون إلى مسبب الأسباب، فإذا شغله السبب عن المسبب زال عنه اسم التوكُّل. قال سهل: من قال: إن التوكل يكون بترك السبب فقد طعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل يقول: ( ﯿ ) [الأنفال: ٦٩]. فالغنيمة اكتساب. وقال تعالى: ( ) [الأنفال: ١٢]، فهذا عمل. وقال غيره: وهذا قول عامة الفقهاء، وأنَّ التوكُّلَ على الله هو الثقة بالله والإيقان بأن قضاءه ماضٍ، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في السعي فيما لا بد منه من الأسباب من مطعم ومشرب وتحرز من عدوٍّ وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنة الله تعالى المعتادة. وإلى هذا ذهب محققو الصوفية، لكنه لا يستحق اسم التوكل عندهم مع الطمأنينة إلى تلك الأسباب والالتفات إليها بالقلوب، فإنها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًّا، بل السبب والمسبب فعل الله تعالى، والكلُّ منه وبمشيئته، ومتى وقع من المتوكل ركون إلى تلك الأسباب فقد انسلخ عن ذلك الاسم»133.

      قال ابن رجب: «وتحقيق التوكُّلِ لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك، فإنَّ الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، كما قال الله تعالى: ( ) [النساء: ٧١].

      وقال تعالى: ( ) [الأنفال: ٦٠].

      وقال: ( ) [الجمعة: ١٠]»134.

      وقال تعالى: ( ﭿ ﮁﮂ ﮊﮋﮌ ) [آل عمران: ١٦٠].

      قال أبو السعود: «تقديم الجار والمجرور على الفعل؛ لإفادة قصره عليه تعالى، والفاء؛ لترتيبه أو ترتيب الأمر به على ما مرَّ من غلبة المخاطبين على تقدير نصرته تعالى لهم، ومغلوبيتهم على تقدير خذلانه تعالى إياهم، فإنَّ العلم بذلك مما يقتضي قصر التوكل عليه تعالى لا محالة، والمراد بالمؤمنين إما الجنس، والمخاطبون داخلون فيه دخولًا أوليًّا، وإما هم خاصة بطريق الالتفات. وأيا ما كان ففيه تشريف لهم بعنوان الإيمان اشتراكًا أو استقلالًا، وفيه تعليل لتحتم التوكل عليه تعالى، فإن وصف الإيمان مما يوجبه قطعًا»135.

      سادسًا: الجهاد بالنفس والمال:

      جاء في الحديث: (لئن تركتم الجهاد، وأخذتم بأذناب البقر، وتبايعتم بالعينة، ليلزمنكم الله مذلةً في رقابكم، لا تنفك عنكم حتى تتوبوا إلى الله وترجعوا على ما كنتم عليه)136.

      فيبين أن التوبة إلى الله بالرجوع إلى الجهاد، وإقامة الدين، وعدم مخالفة الله ورسوله، هو الطريق لنزع الذلِّ من الرقاب.

      قال تعالى: ( ﭖﭗ ﭞﭟ ﭦﭧ ﭳﭴ ﭸﭹ ﭿ ﮇﮈ ﮋﮌﮍ ﮖﮗ ﮥﮦ ﮩﮪ ) [البقرة: ٢١٦-٢١٧].

      جاء في فتاوى الشيخ ابن باز: «الواجب على المسلمين أن يطالبوا بالقدس، وأن يردوها إلى أهلها، وأن يجتهدوا في ذلك؛ لأن أهلها مظلومون، ونصر المظلوم لازم وواجب، ولأن القدس للمسلمين وليست للكفار، فيجب أن ترد إلى أهلها، فالرسول عليه السلام يقول: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)137.

      فهؤلاء مظلومون ونصرهم واجب، والظالم نصره منعه من الظلم، فالواجب على الدول الإسلامية أن ينصروا المظلوم، وأن يستعيدوا هذه البلاد، وأن يفعلوا مع ذلك ما يلزمهم من طاعة الله ورسوله، والاستقامة على دين الله ورسوله، حتى يعانوا، وحتى يوفقوا لما أرادوا من الخير، وحتى تحصل لهم النصرة من ربهم عز وجل، وتسهيل أمورهم وإجلاء الأعداء، وتمكين المسلمين من استرداد حقهم السليب»138.

      وقال تعالى: ( ﮱﯓ ﯬﯭ ) [الأنفال: ٥٩-٦٠].

      قال السعدي: «() لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم. ( ) أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة، والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شرُّ أعدائهم، وتعلم الرمي، والشجاعة والتدبير.

      ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال. وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته. فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابًا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورًا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلم الصناعة، وجب ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

      ( ) ممن تعلمون أنهم أعداؤكم. ( ) ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت الذي يخاطبهم الله به، ( ) فلذلك أمرهم بالاستعداد لهم. ومن أعظم ما يعين على قتالهم بذلك النفقات المالية في جهاد الكفار.

      ولهذا قال تعالى مرغبًا في ذلك: ( ) قليلًا كان أو كثيرًا ( ) أجره يوم القيامة مضاعفًا أضعافًا كثيرة، حتى إن النفقة في سبيل الله، تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. ( )، أي: لا تنقصون من أجرها وثوابها شيئًا»139.

      وقد جعل الله الإنفاق في سبيل الله من الجهاد، وفي القرآن الكريم غالبًا ما يقترن الجهاد بالنفس مع المال، قال ابن باز: «قدم الله سبحانه الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في غالب الآيات. فالمقصود أن الجهاد في سبيل الله له شأن عظيم، فهو بالمال أفضل في بعض الوجوه، وبالنفس أفضل في بعض الوجوه؛ فالنفس أغلى شيء عند الإنسان، فالجهاد بالنفس هذا أفضل الجهاد؛ لأنه مجاهد بنفسه، لكن قدم الله المال؛ لأن المال ينفع في جهات كثيرة، يستطاع أن يستأجر به المجاهد، ويستطاع أن يجهز به المجاهد، ويستطاع أن يشترى به السلاح، ويشترى به الطعام والشراب، وتشترى به الكسوة، وتشترى به المئونة والذخيرة، فنفع المال متنوع»140.

      ومن العلاج أيضًا: تعبئة الأمة بروح الجهاد، وبث حياة العزة والكرامة في أوصالها، حتى لا يدب إليها الوهن. وقد أمر الله رسوله بالتحريض على القتال، فقال: (ﭿ ﮄﮅ ﮋﮌﮍ ﮣﮤ ﮫﮬ ﯕﯖ ) [الأنفال: ٦٥-٦٦].

      قال أبو السعود141: «أي: بالغ في حثهم عليه وترغيبهم فيه بكل ما أمكن من الأمور المرغبة، التي أعظمها تذكير وعده تعالى بالنصر وحكمه بكفايته تعالى أو بكفايتهم». «ولا بد من إذكاء الروح الجهادية في النفوس، وتبصير القاصي والداني من أبناء الأمة بأهمية الجهاد في سبيل الله، وبأنه طريق العزة، وطريق الأمة في تحرير نفسها وأرضها ومقدساتها»142.

      سابعًا: طاعة الله ورسوله:

      قال تعالى: ( ﭘﭙ ﭚﭛ ) [الأنفال: ٤٥-٤٦].

      فجعل طاعة الله ورسوله من العلاجات التي تقي المؤمنين من الانزلاق إلى الوهن، والتنازع، والفشل. قال السعدي: «( ) في استعمال ما أمرا به، والمشي خلف ذلك في جميع الأحوال. ( ) تنازعًا يوجب تشتت القلوب وتفرقها، () أي: تجبنوا ( ) أي: تنحل عزائمكم، وتفرق قوتكم، ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة الله ورسوله»143.

      وفي التفسير الحديث: «في الآيات نداء موجه للمسلمين يؤمرون به بالثبات في القتال حينما يلتحمون مع فئة من أعدائهم ويلقونها، وبذكر الله كثيرًا آنذاك، حيث يضمن لهم ذلك الروحانية والتأييد والفلاح،. ويحثون به على طاعة الله ورسوله في كل موقف ويحذرون به من التنازع والاختلاف؛ لأن فيهما فشلهم وإدبار أمرهم، ويؤمرون فيه بالصبر؛ لأن ذلك يضمن لهم نصر الله وتأييده، وينهون به عن أن يكونوا مثل الكفار الذين خرجوا من مكة يملؤهم الفخر والزهو والبطر وحبُّ التظاهر، وهم يصدون عن سبيل الله، والله محيط بهم ومحبط لأعمالهم»144.

      وطاعة الله ورسوله هي عاصم الأمة من التفرق، وطريقها إلى الوحدة القائمة على هوية دينها، قال تعالى: ( ﯾﯿ ﰍﰎ ) [النساء: ٥٩].

      وقال تعالى: ( ﭶﭷ ﭿ ﮋﮌ) [آل عمران: ١٠٣].

      قال سيد قطب: «وأما طاعة الله ورسوله، فلكي يدخل المؤمنون المعركة مستسلمين لله ابتداء، فتبطل أسباب النزاع التي أعقبت الأمر بالطاعة: ( ) فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه، وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار.

      فإذا استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الأول الرئيسي للنزاع بينهم -مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة-، فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر، إنما هو الهوى الذي يجعل كلَّ صاحب وجهة يصر عليها مهما تبين له وجه الحق فيها! وإنما هو وضع (الذات) في كفة، والحق في كفة وترجيح الذات على الحق ابتداء! ومن ثم هذا التعليم بطاعة الله ورسوله عند المعركة إنه من عمليات (الضبط) التي لا بد منها في المعركة، إنها طاعة القيادة العليا فيها، التي تنبثق منها طاعة الأمير الذي يقودها. وهي طاعة قلبية عميقة لا مجرد الطاعة التنظيمية في الجيوش التي لا تجاهد لله، ولا يقوم ولاؤها للقيادة على ولائها لله أصلًا والمسافة كبيرة كبيرة»145.

      فلن يوحد أمة الإسلام إلا طاعة الله ورسوله، والاعتصام بحبل الله، فتربطهم رابطة الدين، وينتمون إليه، وليس إلى عصبيات أو لغات أو أعراق، ويوالون بعضهم بعضًا، كما أمرهم ربهم فقال: ( ﮕﮖ ﮢﮣ ) [التوبة: ٧١].

      ويجتنبون موالاة اليهود والنصارى، التي تمزقهم وتفرقهم وتوهنهم، كما قال تعالى: ( ﮧﮨ ) [النساء: ١٤٤].

      وقال: ( ﭙﭚ ﭝﭞ ﭣﭤ )[المائدة: ٥١].


1 مقاييس اللغة، ٦/١٤٩.

2 العين، الفراهيدي، ٤/٩٢، تهذيب اللغة، الأزهري، ٦/٢٣٤.

3 العين، الفراهيدي ٤/٩٢.

4 المفردات، ص٨٨٧.

وانظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٥/٢٨٧.

5 المصباح المنير، ٢/٦٧٤.

وتابع المعاصرون الفيومي، انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ٢/١٠٦٠، معجم الرائد، جبران مسعود، ص٨٧٤.

وقد غلب الاستخدام المصطلحي للفظ (الوهن) في الطب والتشريح، وأطلق الأطباء العرب قديما مصطلح »الوهن» على حالة هي أقل من خلع المفصل. انظر: القانون في الطب، لابن سينا، ٣/٢٤٥.

واليوم كثر استخدام اللفظ مصطلحًا، في علوم عديدة، ومن ذلك: وهن الرحم، ووهن الصوت، ووهن البصر، والوهن العضلي، والوهن العصبي، والوهن النفسي.

6 المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، محمد حسن جبل، ٤/٢٣٢٧.

7 من ألفاظ القوة ومقابلاتها في القرآن الكريم، عبد المجيد الغيلي ص١٥.

8 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله إبراهيم جلغوم، ص ١٤٣٣.

9 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٦/١٤٩.

10 الصحاح، ٤/١٣٩٠.

11 المفردات، ص٥٠٧.

12 الفروق اللغوية، ص١١٥.

13 من ألفاظ القوة ومقابلاتها في القرآن الكريم، عبد المجيد الغيلي ص٢٢.

14 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/٣٦.

15 المفردات، الراغب ٦٩٤، بتصرف.

16 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، ص٣٨٣.

17 من ألفاظ القوة ومقابلاتها في القرآن الكريم، عبد المجيد الغيلي ص٢١.

18 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/١٧٨.

19 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٢٣٩.

20 المصباح المنير، الفيومي، ٢/٤٠٨.

21 المفردات، الراغب، ص٥٦٥.

22 انظر: التناسق الهرموني في أوائل سورة مريم، مجلة الإعجاز العلمي.

23 مفاتيح الغيب ٢١/٥٠٨.

24 جامع البيان ١٨/١٤٣.

وانظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٤، فتح القدير، الشوكاني ٣/٣٧٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٨٩.

25 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢١١.

26 الكشاف ٣/٤.

وتابعه عامة المفسرين، انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٧٧، البحر المحيط، أبو حيان ٧/٢٣٩، نظم الدرر، البقاعي ١٢/١٦٨، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/٢٥٣، فتح القدير، الشوكاني ٣/٣٧٩.

27 أضواء البيان ٣/٣٦٠.

28 التحرير والتنوير ١٦/٦٤.

29 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٥٠٧.

30 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٥٠٩.

31 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢١٢.

32 تيسير الكريم الرحمن ص٤٨٩.

33 المصدر السابق ص٦٤٤.

34 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١٧٧.

35 غرائب القرآن، النيسابوري ٤/٢٨٢، بتصرف.

36 الشيخوخة تنكيس في الخلق، محمد دودح، مجلة الإعجاز العلمي.

37 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/١٣٧، معاني القرآن، الزجاج ٤/١٩٦، الكشاف، الزمخشري ٣/٤٩٤.

38 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٤٨، البحر المحيط، أبو حيان ٨/٤١٣- ٤١٤.

39 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٤٨.

40 البحر المحيط، أبو حيان ٨/٤١٤.

41 تيسير الكريم الرحمن ص٦٤٨.

42 في ظلال القرآن ٥/٢٧٨٨.

43 تفسير الشعراوي ١٩/١١٦٤١.

44 تيسير الكريم الرحمن ص٧٨١.

45 لا للشيخوخة المبكرة، سامي محمود ص٦١.

46 التناسق الهرموني في أوائل سورة مريم، د. زهير رابح قرامي، موقع مجلة الإعجاز.

47 قراءة علمية وإعجازية في وهن العظام عند الرجال، د. محمد الديب، موقع هيئة الإعجاز العلمي.

48 التناسق الهرموني في أوائل سورة مريم، زهير رابح قرامي، موقع مجلة الإعجاز.

49 انظر: حملته أمه وهنا على وهن، عبد المحسن صالح، ٨٨- ٩٥.

50 أخرجه أبو داوود في سننه، من حديث ثوبان، رقم ٤٢٩٧، كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام. وأخرجه أحمد، رقم ٨٦٩٨، وحسنه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لمسند أحمد ٨/٣٩٦، وحسنه الشيخ الأرناءوط في تحقيقه لسنن أبي داوود ٦/٣٥٥. وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع الصغير، رقم ٨١٨٣، ٢/١٣٥٩.

51 تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة ٣/٣١٣.

52 أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/١٢٥.

53 فتح القدير ٥/٤٩.

54 في ظلال القرآن ٦/٣٣٠٢.

55 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/٦٢.

56 التحرير والتنوير ٢٦/١٣٢.

57 الكشاف ٢/٢٧١.

58 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٥٣.

59 معالم التنزيل، البغوي ١/٥١٣.

60 الوهن في القرآن الكريم، عبد المجيد الغيلي ٤٥.

61 جامع البيان، الطبري ٧/٢٦٩.

62 النكت والعيون، الماوردي ١/٤٢٨.

63 الكشاف ١/٤٢٤.

64 التفسير البسيط ٧/٦٥.

65 الوهن في القرآن الكريم، عبد المجيد الغيلي ٤٩.

66 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٩٠.

67 أخرجه البخاري من حديث أنس بن مالك، رقم ٦٣٦٣، كتاب الدعوات، باب التعوذ من غلبة الرجال. ومسلم، رقم ٢٧٠٦، كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من العجز والكسل. واللفظ للبخاري.

68 أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة، رقم ٢٦٦٤، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز.

69 شرح صحيح مسلم ١٦/٢١٥.

70 جامع البيان، الطبري ٢٠/٣٨.

71 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٧٩.

72 الكشاف ٢/٣١٢.

73 مدارج السالكين ١/٤٥٥.

74 جامع البيان، الطبري ١٨/١٢٥.

75 معالم التنزيل، البغوي ٥/٢٤٤.

76 التفسير القرآني للقرآن ٢/٦٢٩.

77 أخرجه أبو داوود عن أنس، رقم ٥٠٩٠، والنسائي، رقم ١٠٣٣٠، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم ٢٢٧، ١/٤٩٩.

78 أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٢٣٨.

79 تفسير القرآن الكريم ابن كثير ٤/٥٩٩.

80 تيسير الكريم الرحمن ٤٤٧.

81 فتح القدير ١/٣٢٧.

82 تيسير الكريم الرحمن ١٤١.

83 الفروسية ٥٠٦.

84 الكشاف ٢/٢٠٨، وانظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٥١٢.

85 انظر: الكيد في القرآن الكريم، يحيى محمد يحيى، ١١.

86 معاني القرآن ٤/٤٢٠.

87 التفسير البسيط ١٠/٧٤.

88 الوهن في القرآن الكريم، عبد المجيد الغيلي ص٦٥.

89 المصدر السابق ٦٣-٦٤.

90 تيسير الكريم الرحمن ١٥٠.

91 عبد الكريم الخطيب ٢/٦٠٦.

92 النكت والعيون، الماوردي ١/٤٢٨.

93 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٣١.

94 أخرجه أبو داوود من حديث ابن عمر، رقم ٣٤٦٢، أبواب الإجارة، باب في النهي عن العينة، وأخرجه أحمد واللفظ له، رقم ٥٠٠٧، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم ١١، ١/٤٢.

95 نيل الأوطار ٥/٢٤٦.

96 التحرير والتنوير ١٠/١٩٧.

97 من ألفاظ القوة ومقابلاتها في القرآن الكريم، عبد المجيد الغيلي ٤٩.

98 أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، رقم ٤٣٨، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف.

99 مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ١٣/٥٤.

100 التفسير البسيط ٧/١٦٠.

101 العين، مادة: ك س ل ٥/٣١٠. وتابعه جمهور اللغويين، ولفظه عند الأزهري في تهذيب اللغة، مادة: ك س ل ١٠/٣٧: «الكسل: التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه»، وانظر: المفردات، الراغب، مادة: ك س ل ٧١١، وبصائر ذوي التمييز، للفيروز آبادي ٤/٣٥٢.

102 التحرير والتنوير ٥/٢٣٩.

103 سبق تخريجه.

104 محمد أشرف بن أمير ١١/٢٧٣.

105 تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة ٣/٣١٣.

106 لسان العرب، ابن منظور، مادة: غ ث ا ١٥/١١٦.

107 الوهن في القرآن الكريم، عبد المجيد الغيلي ٧٣.

108 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٧٢.

109 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٢٥.

110 محمد أشرف بن أمير ١١/٢٧٣.

111 التحرير والتنوير ٥/١٨٧.

112 تفسير الجلالين ٩٠.

113 تيسير الكريم الرحمن ١٥٦.

114 التفسير الوجيز ٢٣٥.

115 الواحدي ٦/٤٢.

116 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٢٩.

117 تيسير الكريم الرحمن ١٩٩.

118 زاد المعاد ٣/١٩٩، ٢٠١.

119 في ظلال القرآن ٢/٧٥٠.

120 الوهن في القرآن الكريم، عبد المجيد الغيلي ١١٢.

121 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/١٨٣.

122 معالم التنزيل، البغوي ١/٥٠٢.

123 تيسير الكريم الرحمن ١٤٦، بتصرف.

124 شرح رياض الصالحين ١/١٨٢.

125 نظم الدرر ٥/١٦٩.

126 أخرجه البخاري من حديث أنس بن مالك، رقم ٢٨٩٣، كتاب الجهاد والسير، باب من غزا بصبي للخدمة.

127 مدارج السالكين ١/٥٠١.

128 مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين ٢/٨٦.

129 الوهن في القرآن الكريم، عبد المجيد الغيلي ١٠٨.

130 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب ١٣/٣٨١، وما بعدها، بتصرف.

131 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٣٦.

132 معالم التنزيل، البغوي ١/٥٠٠.

133 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/١٩٠.

134 جامع العلوم والحكم ٢/٤٩٨.

135 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/١٠٥.

136 سبق تخريجه.

137 أخرجه البخاري من حديث أنس بن مالك، رقم ٢٤٤٣، كتاب المظالم والغصب، باب أعن أخاك ظالمًا أو مظلومًا، ومسلم من حديث جابر بن عبد الله، رقم ٢٥٨٤، كتاب البر والصلة، باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا.

138 فتاوى نور على الدرب ١٨/٢٥٢.

139 تيسير الكريم الرحمن ص٣٢٤.

140 فتاوى نور على الدرب ١٨/٢٦٤.

141 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٣٤.

142 الوهن كما حددته السنة وأثره في تخلف الأمة، د. هاني طعيمات ص٦٣٠.

143 تيسير الكريم الرحمن ص٣٢٢.

144 التفسير الحديث، محمد عزت ٧/٦٦.

145 في ظلال القرآن ٣/١٥٢٨.