عناصر الموضوع
اليأس
أولًا: المعنى اللغوي
اليأس مصدر فعله يئس، قال ابن فارس: «الياء والهمزة والسين، كلمتان: إحداهما اليأس: قطع الرجاء، ويقال: إنه ليست ياء في صدر كلمة بعدها همزة إلا هذه، يقال منه: يئس ييأس وييئس، على يفعل ويفعل، والكلمة الأخرى: ألم تيأس، أي: ألم تعلم، أي: أفلم يعلم» 1.
واليأس: القنوط، وهو قطع الأمل عن الشيء، وقد يئس من الشيء ييأس من باب فهم، وفيه لغة أخرى: أيس يأيس، والتأييس: الاستقلال، يقال: ما أيسنا فلانا خيرًا، أي: ما استقللنا منه خيرا، أي: أردته لأستخرج منه شيئا فما قدرت عليه 2.
وذكر ابن منظور في اللسان: أن مصدرها اليأس واليآسة واليأس، وقد استيأس وأيأسته، والجمع يؤوس، ويقال: يئست المرأة إذا عقمت فهي يائسٌ كما يقال: حائضٌ وطامثٌ فإن لم يذكر الموصوف قلت: يائسةٌ وأيئسها الله إياسًا 3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي
قال ابن الجوزي: هو «القطع على أن المطلوب لا يتحصل لتحقيق فواته» 4، وأيضًا من خلال المعنى اللغوي السابق، ومعاني الآيات التي وردت فيها لفظة اليأس يمكن الخروج بتعريف اصطلاحي لكلمة اليأس وهو: قنوطٌ وإحباط يصيب الإنسان، فيفقد الأمل في إمكان تغير ما حوله.
وردت مادة (يأس) في القرآن الكريم (١٣) مرة5.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٧ |
(ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الممتحنة:١٣] |
الفعل المضارع |
٣ |
(ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [يوسف:٨٧] |
صيغة المبالغة |
٣ |
(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الإسراء:٨٣] |
وجاء اليأس في القرآن على وجهين6:
الأول: القنوط، ومنه قوله تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)[يوسف:٨٧]. يعني: لا تقنطوا.
الثاني: العلم، ومنه قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الرعد:٣١]. أي: أفلم يعلم.
القنوط:
القنوط لغةً:
«القاف والنون والطاء كلمة صحيحة تدل على اليأس من الشيء» 7.
وقيل: القنوط: الإياس من الخير، ويقال: شر الناس الذين يقنطون الناس من رحمة الله، أي: يؤيسونهم 8.
القنوط اصطلاحًا:
«اليأس من الرحمة» 9.
الصلة بين اليأس والقنوط:
اليأس: انقطاع الطمع من الشيء، والقنوط: أخص منه، فهو أشد اليأس10.
وقال الراغب الأصفهاني القنوط: اليأس، وقيل هو من الخير، فهو أخص من مطلق اليأس11.
الخيبة:
الخيبة لغة:
الخاء والياء والباء أصل واحد يدل على عدم فائدة وحرمان، وقالوا: سعى في أمر فخاب، وذلك إذا حرم فلم يفد خيرًا 12.
وقال ابن منظور: والخيبة بمعنى: الخسران والكفر، أي: خاب إذا خسر، وخاب إذا كفر13.
الخيبة اصطلاحًا:
قال الراغب الأصفهاني الخيبة معناها: «فوت الطلب» 14.
وقال أبو هلال العسكري إنها:«المنقطع عما أمل» 15.
الصلة بين اليأس و الخيبة:
اليأس: قد يكون قبل الأمل وقد يكون بعده، أما الخيبة: فلا تكون إلا بعد الأمل، لأنها امتناع نيل ما أمل 16.
الحزن:
الحزن لغة:
بضم الحاء المهملة وسكون الزاي كما ذكر ابن فارس - الحاء والزاء والنون أصل واحد، وهو خشونة الشيء وشدةٌ فيه 17.
والحزن - بضم الحاء وسكون الزاء - والحزن - بفتح الحاء والزاء: خلاف السرور، الواحدة حزنة 18.
الحزن اصطلاحًا:
«عبارة عما يحصل لوقوع مكروه، أو فوات محبوب في الماضي» 19.
وقيل: انكسار الفؤاد لفوات المراد، وقيل: زوال قوة القلب لدوام وارد الكرب 20.
الصلة بين اليأس والحزن:
اليأس: وجود الغم والهم بشكل كبير في اليائس، الحزن: وجود الغم والهم ليس بكثرة ما هو موجود في اليأس، وذهابه أسرع مما لو كان في اليأس.
الأمل:
الأمل لغة:
الهمزة والميم واللام أصلان: الأول التثبت والانتظار، والثاني الحبل من الرمل، والأمل: الرجاء 21.
الأمل اصطلاحًا:
ذكر المناوي أنه: «توقع حصول الشيء، وأكثر ما يستعمل فيما يبعد حصوله» 22.
وقيل: «الأمل بفتح الميم هو ما يحدث به الإنسان نفسه مما يدركه من أمور الدنيا ويبلغه ويحرص عليه» 23.
الصلة بين اليأس والأمل:
اليأس: من كل شيء سواء أكان خيرًا أم شرًا، ويستبعد حصوله بالكلية، والأمل: ما يكون في الخير، وقد يحصل ما تأملناه، وقد لا يحصل.
اليأس في النساء أمر قدره الله سبحانه وتعالى على بنات حواء، وذلك يحصل عندما تصل المرأة إلى مرحلة تنقطع فيها الدورة الشهرية عنها، وتلك ظاهرة طبيعية تحدث لدى كل النساء عندما تصل في الغالب إلى عمر يتجاوز الأربعين سنة، وهن القواعد اللاتي لا يرجى حيضهن، أي ييأسن من المحيض، ولا ينتظرونه بعد طول انقطاع، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في كتابه العزيز لما يترتب عليه من أحكام لا بد من معرفتها؛ لتجنب الوقوع في المحذور الذي نهى الله عنه.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الطلاق:٤].
قال مقاتلٌ: لما نزلت: (ﭸ ﭹ ﭺ) [البقرة:٢٢٨].
قال خلاد بن النعمان بن قيسٍ الأنصاري: يا رسول الله فما عدة التي لا تحيض، وعدة التي لم تحض، وعدة الحبلى؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وفي رواية أخرى أخبرنا أبو إسحاق المقرئ، عن أبي عثمان عمرو بن سالمٍ قال: (لما نزلت عدة النساء في سورة البقرة في المطلقة والمتوفى عنها زوجها، قال أبي بن كعبٍ: يا رسول الله، إن نساءً من أهل المدينة يقلن قد بقي من النساء من لم يذكر فيها شيءٌ، قال: (ما هو؟) قال: الصغار والكبار وذوات الحمل، فنزلت هذه الآية: (ﯛ ﯜ) إلى آخرها 24.
والمعنى: (ﯛ ﯜ) أي: بلغن سن اليأس وذلك بأن تبلغ المرأة ستين سنة، ويقال خمسين، وقد ثبت إياسها وتيقن ذلك منها من دون شكٍ في إياسها، وقوله: (ﯡ ﯢ) أي: إن شككتم في عدتهن، (ﯣ ﯤ ﯥ)، فقام رجل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو كانت صغيرة، كيف عدتها؟
وقام آخر وقال: لو كانت حاملًا، كيف عدتها؟ فنزل قوله: (ﯦ ﯧ ﯨ) يعني: المرأة التي لم تحض، فعدتها ثلاثة أشهر مثل عدة الآيسة، وقوله: (ﯪ ﯫ ﯬ) يعني: عدتهن أن يضعن حملهن وقال عمر رضي الله عنه: لو وضعت ما في بطنها وزوجها على سريره، قبل أن يدفن في حفرته، لانقضت عدتها وحلت للأزواج، وروى الزهري، عن عبد الله، عن أبيه: (أن سبيعة بنت الحارث قد وضعت بعد وفاة زوجها بعشرين يومًا، فمر بها السنابل بن بعكك، فقال لها: أتريدين أن نتزوج؟ فقالت: نعم، قال: لا حتى يأتي عليك أربعة أشهر وعشر، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: قد حللت للزواج يعني: انقضت عدتك) 25.
وذكر الجصاص في أحكام القرآن: أن معنى قوله: (ﯡ ﯢ) لا يخلو من أحد وجوهٍ ثلاثةٍ:
الوجه الأول: إما أن يكون المراد الارتياب في أنها آيسةٌ وليست بآيسةٍ.
الوجه الثاني: الارتياب في أنها حاملٌ أو غير حاملٍ.
الوجه الثالث: ارتياب المخاطبين في عدة الآيسة والصغيرة.
أما بالنسبة للوجه الأول فهو غير جائزٍ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أثبت من جعل الشهور عدتها أنها آيسةٌ، والمشكوك فيها لا تكون آيسةً لاستحالة مجامعة اليأس الرجاء إذ هما ضدان لا يجوز اجتماعهما 26.
وذكر في كتاب تأويلات أهل السنة: أنهم اختلفوا في قوله: (ﯡ ﯢ) أي أنه أريد به إن ارتبتم في حيضهن أو في عدتهن، والصحيح الارتياب في عدتهن؛ لأنه لو كان المراد منه الارتياب في حيضهن، لقال الله عز وجل: (إن ارتبتن) أو يقول: (واللائي ارتبن) ليكون منسق مع قوله: (ﯛ ﯜ) فلما قال: (ﯢ) ثبت أن المراد: إن ارتبتم في عدة الآيسات والصغائر، فهي ثلاثة أشهر، والله أعلم، فيكون عدتهما بالأشهر 27.
وذكر الطبري في قوله: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) «اليائسة من المحيض هي التي لا ترجو محيضًا للكبر، ومحال أن يقال: واللائي يئسن، ثم يقال: ارتبتم بيأسهن، لأن اليأس: هو انقطاع الرجاء والمرتاب بيأسها مرجو لها، وغير جائز ارتفاع الرجاء ووجوده في وقت واحد، فإذا كان الصواب من القول في ذلك ما قلنا، فبين أن تأويل الآية: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم بالحكم فيهن، وفي عددهن، فلم تدروا ما هن، فإن حكم عددهن إذا طلقن، وهن ممن دخل بهن أزواجهن، فعدتهن ثلاثة أشهر، (ﯦ ﯧ ﯨ) يقول: وكذلك عدد اللائي لم يحضن من الجواري لصغر إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول»28.
وقوله: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) في انقضاء عدتهن أن يضعن حملهن، وذلك إجماع من جميع أهل العلم في المطلقة الحامل، فأما في المتوفى عنها ففيها اختلاف بين أهل العلم، وتم الإشارة إليه من قبل.
ذكر من قال: حكم قوله: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) عام في المطلقات والمتوفى عنهن.
قال ابن مسعود: من شاء لاعنته، ما نزلت: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها، وإذا وضعت المتوفي عنها فقد حلت؛ يريد بآية المتوفى عنها (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [البقرة:٢٣٤].
قال الشعبي: من شاء حالفته لأنزلت النساء القصرى بعد الأربعة الأشهر والعشر التي في سورة البقرة.
قال علي رضي الله عنه في قوله: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) المطلقات، ثم قال الشعبي: إن عليًا وعبد الله رضي الله عنهما كانا يقولان في الطلاق بحلول أجلها إذا وضعت حملها.
وعن أبي بن كعب، قال: لما نزلت هذه الآية: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) قال: قلت: يا رسول الله، المتوفى عنها زوجها والمطلقة، قال: (نعم).
عن السدي، قوله: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) قال: للمرأة الحبلى التي يطلقها زوجها وهي حامل، فعدتها أن تضع حملها.
وقال آخرون: ذلك خاص في المطلقات، وأما المتوفى عنها فإن عدتها آخر الأجلين، وذلك قول مروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما.
والصواب من القول في ذلك: أنه عام في المطلقات والمتوفى عنهن؛ لأن الله عز وجل عم ذلك بقوله: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) ولم يخصص في هذه الآية مطلقةً ولا متوفى عنها بل شمل كل أولات الأحمال، فإن ظن ظان أن قوله: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) في سياق الخبر عن أحكام المطلقات دون المتوفى عنهن، فالخبر عن حكم المطلقة أولى بالخبر عنهن، وعن المتوفى عنهن، فإن الأمر بخلاف ما ظن، وإن كان في سياق الخبر عن أحكام المطلقات، فإنه منقطع عن الخبر عنهن، بل هو خبر مبتدأ عن أحكام عدد جميع أولات الأحمال المطلقات منهن وغير المطلقات، ولا دلالة على أنه مراد به بعض الحوامل دون بعض، فهو على عمومه29.
وقوله: (ﯱ ﯲ ﯳ) يعني: يصبر على طاعة الله تعالى،(ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) يعني: ييسر له أمره، ويوفقه لطاعته ويعصمه عن معاصيه، ثم قال الله عز وجل: (ﯺ ﯻ ﯼ) يعني: هذا الذي ذكر حكم الله وفريضته، (ﯽ ﯾ) يعني: أنزله في القرآن على نبيكم، ومن يتق الله ويعمل بأحكامه وفريضته، يكفر عنه سيئاته في الدنيا، ويعظم له أجرًا يعني: ثوابًا في الجنة30.
صور اليأس متعددة، وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، للوقوف عليها لفهمها ومعرفتها، وبالتالي تجنب الوقوع فيها؛ لنهي الله عنها وتحريمها، وفي المقابل دعا إلى الأمل والتفاؤل والثقة بالله عز وجل.
أولًا: اليأس من نصر الله:
نجد في القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى قد وعد عباده المؤمنين بالنصر والنجاة والدفاع والولاية على وجه العموم، لقوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الروم:٤٧].
وقوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [غافر:٥١].
وقوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [يونس:١٠٣].
وقوله تعالى أيضًا: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الحج:٣٨].
عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر) 31، والمسلمون مهما حل بهم من الضيق فإنهم يبقون المخاطبين بقول الله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [آل عمران:١٣٩].
ولكن ما يراه المسلمون من انتشار الباطل والبطش بهم، وسيطرة وتحكم أعداء الدين في كثير من أمور الاسلام والمسلمين، قد توجد مكانًا لليأس والقنوط و الحزن في نفوسهم من نصر الله عز وجل لهم على أعدائهم، وبيان ذلك على النحو الآتي:
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [يوسف:١١٠].
المعنى: «استيأس الرسل: أي: يئسوا من إيمان قومهم، وظنوا أنهم قد كذبوا أي: ظن الأمم المرسل إليهم أن الرسل قد أخلفوا ما وعدوا به من النصر، ولا يرد بأسنا أي: عذابنا الشديد، عن القوم المجرمين أي: الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي وأجرموا على غيرهم بصرفهم عن الإيمان»32.
وقرئ: (فننجي)، بالتخفيف والتشديد، من أنجاه ونجاه، على لفظ الماضي المبنى للمفعول.
وقرأ ابن محيصن: فنجا، والمراد فننجي من نشاء أي: المؤمنون؛ لأنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم. وقد بين ذلك بقوله ( ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) 33.
«يبشر الله عز وجل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالنصر ويخبره بسنة إلهية دائمة: وهي مجيء النصر الإلهي للرسل عليهم السلام، عند اشتداد الأزمة وانتظار الفرج الرباني، وتيقن الرسل أن المشركين كذبوهم تكذيبًا لا إيمان بعده، وصمموا على ذلك، ولا انحراف عنه، وتكون العاقبة هي الإتيان بنصر الله فجأة، فينجي الله من يشاء، وهم النبي والمؤمنون معه، ويحل العقاب بالمكذبين الكافرين، ولا يرد بأس الله، أي: لا يمنع عقاب الله وبطشه عن القوم الذين أجرموا، فكفروا بالله، وكذبوا رسله.
وفي هذا تهديد ووعيد لكفار قريش وأمثالهم، لإعراضهم عن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وبدعوته، وبما أنزل الله من القرآن المجيد لأن في قوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ) أي: عذابنا وعيدًا بينا، وتهديدًا صريحًا لمعاصري محمد عليه الصلاة والسلام»34.
وذكر محمد حجازي أن معنى الآية هو: ظن القوم أن الرسل قد كذبوا فيما جاءوا به من الوعد والوعيد، حتى إذا يئسوا وظنوا الظنون جاءهم نصرنا وأمرنا، ولا راد لقضاء الله ولا معقب لحكمه، فنجا المؤمنون الذين أراد الله لهم النجاة فآمنوا، أما الكافرون فحاق بهم البأس والعذاب من كل جانب، ولا يرد بأس الله عن القوم المجرمين 35.
ومنطلقًا من ذلك ينبغي أن لا نجعل اليأس يتغلغل في أنفسنا، وإنما علينا أن نتذكر أمرًا مهمًا وهو أنه بين لنا في كتابه العزيز أيضًا كيد أعداء الإسلام ومكرهم وعمق حقدهم وبطشهم بالمسلمين لأخذ الحيطة والحذر منهم، لقوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [إبراهيم:٤٦].
أي: «مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم وعند الله مكرهم لا يخلوا إما أن يكون مضافا إلى الفاعل على معنى: ومكتوب عند الله مكرهم، فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه، أو يكون مضافا إلى المفعول على معنى: وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به، وهو عذابهم الذي يستحقونه يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون، (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) وإن عظم مكرهم وتبالغ في الشدة، فضرب زوال الجبال منه مثلًا لتفاقمه وشدته» 36.
وأعقب ذلك مباشرةً بوعده لأوليائه المؤمنين، بالنصر والعلو والظهور عليهم: لقوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [إبراهيم:٤٧].
أي: «(ﮔ ﮕ ﮖ) يا محمد (ﮗ ﮘ ﮙ) ما وعدهم من الفتح والنصر (ﮛ ﮜ ﮝ) منيع (ﮞ ﮟ) من الكفار يجازيهم بما كان من سيئاتهم» 37.
فكيف إذًا نتذكر كيد العدو وبطشه فنخشاه، وننسى أو نهمل وعد الله لنا بالعز والنصر والتمكين؟
ويستفاد من ذلك: أن المؤمنين حقًا هم الذين لا يجعلون لليأس مكان في قلوبهم مهما حصل معهم في المعارك، وما رأوه على أرض الواقع، وإنما يستفيدون من ذلك، ويتخذون الأسباب المؤدية بهم إلى النصر والفتح والظهور على الدين كله، من تربيةٍ وإعدادٍ، وأخوةٍ إيمانيةٍ، وصفٍ موحدٍ بينهم، مع الثقة الكبيرة بنصر الله سبحانه وتعالى لهم، وإلا فإن نصر الله للمسلمين وهم على ما هم عليه من الفرقة والشتات والرخاوة والضعف، لن يتحقق فيضيعون بذلك، ويضيعون معهم الأمة، ويقضى على الإسلام، والله المستعان.
ثانيًا: اليأس من رحمة الله:
قد يعتري الإنسان جهلٌ بربه سبحانه وتعالى وبحقيقة سننه في تعامله مع عباده، القائمة على أساس الرحمة والعفو والتسامح، وفتح باب التوبة والإنابة إليه، وجهله بذلك يجعله يسيء الظن بربه.
وقد ذكر الله ذلك في كتابه، في قوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة:٢١٦].
كيف وإن وجدت أسباب تدفعه للوصول إلى مرحلة اليأس من رحمة الله سبحانه وتعالى؟ وتلك الأسباب هي:
حينما يدرك الانسان أن ذنوبه كثيرة، كما يقال مثل زبد البحر، نتيجة فعله المعاصي والآثام والإكثار منها، فيصل إلى مرحلة يظن فيها أن الله سبحانه وتعالى لن يسامحه ولن يكفر عنه ذنوبه، وبالتالي لن يرحمه دنيا وآخرة، وهذا غير صحيح بدليل قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الزمر:٥٣].
قال ابن عباسٍ: نزلت في أهل مكة قالوا: يزعم محمدٌ أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا مع الله إلهًا آخر وقتلنا النفس التي حرم الله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن عمر: نزلت هذه الآية في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفرٍ من المسلمين كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا، فكنا نقول: لا يقبل الله من هؤلاء صرفًا ولا عدلًا أبدًا، قومٌ أسلموا ثم تركوا دينهم بعذابٍ عذبوا به، فنزلت هذه الآيات، وكان عمر كاتبًا، فكتبها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وأولئك النفر فأسلموا وهاجروا.
وعن ابن جريجٍ قال: حدثني يعلى بن مسلمٍ أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباسٍ أن ناسًا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ لو تخبرنا أن لما عملناه كفارةً، فنزلت هذه الآية 38.
والمقصود من هذه الآية الكريمة:
دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه الآية على غير توبة؛ لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه، ولا يقنطن عبد من رحمة الله، وإن عظمت ذنوبه وكثرت؛ فإن باب التوبة والرحمة واسع، لقوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [التوبة:١٠٤].
وقوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النساء:١١٠].
وقوله تعالى في حق المنافقين: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [النساء:١٤٥-١٤٦]39.
فها هي رحمته الواسعة التي تسع كل معصية أيًا كانت، فتدعوا العصاة المسرفين الشاردين المبعدين في تيه الضلال، إلى الأمل والرجاء والثقة بعفو الله، فإنه رحيم بعباده، يعلم ضعفهم وعجزهم، ويعلم العوامل المسلطة عليهم من داخل كيانهم ومن خارجه، ويعلم أن الشيطان يقعد لهم كل مرصد، ويأخذ عليهم كل طريق، فسرعان ما يسقط إذا أفلت من يده الحبل الذي يربطه والعروة التي تشده، فينحرف ويقع في المعاصي.
فالله سبحانه وتعالى يعلم كل هذا فيمد له في العون ويوسع له في الرحمة ولا يأخذه بمعصيته حتى يهيئ له جميع الوسائل ليصلح خطأه ويقيم خطاه على الصراط، وبعد أن يلج في المعصية، ويسرف في الذنب، ويحسب أنه قد طرد وانتهى أمره، ولم يعد يقبل ولا يستقبل، في هذه اللحظة لحظة اليأس والقنوط، يسمع نداء الرحمة الندي اللطيف، الذي يدعوه إلا التوبة وحدها، وهو الباب المفتوح الذي ليس عليه بواب يمنع، والذي لا يحتاج من يلج فيه إلى استئذان 40.
وذكر الخازن في تفسيره: «أن الآية فيها تنبيه على أنه لا يجوز أن يظن العاصي أنه لا مخلص له من العذاب، فإن اعتقد ذلك فهو قانط من رحمة الله إذ لا أحد من العصاة إلا ومتى تاب زال عقابه وصار من أهل المغفرة والرحمة، ومعنى قوله: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) أي: إذا تاب وصحت التوبة غفرت ذنوبه، ومن مات قبل أن يتوب فهو موكول إلى مشيئة الله تعالى فإن شاء غفر له وعفا عنه وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم يدخله الجنة بفضله ورحمته، فالتوبة واجبة على كل أحد، وخوف العقاب مطلوب فلعل الله تعالى يغفر مطلقا ولعله يعذب ثم يعفو بعد ذلك والله أعلم» 41.
الله سبحانه وتعالى يبتلي المؤمنين بالكرب ومختلف أنواع الابتلاءات؛ لاختبارهم واختبار قوة إيمانهم وثباتهم على منهجه ودينه وطريقه، فالدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأشد الناس ابتلاءً الأنبياء، بدليل سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاء؟، قال: (الأنبياء فالأمثل ثم الأمثل، ثم يبتلى المؤمن على قدر إيمانه فإن كان إيمانه)42.
ومن أمثلة ما تعرض له الأنبياء من البلاء الشديد ما حصل مع نبي الله إبراهيم مع ولده يؤكد ذلك حين خضع كلاهما لمحنة، حينما أمر الله -عز وجل - إبراهيم -عليه السلام - بذبح ابنه -عليه السلام - في قوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [الصافات:١٠٢].
فكيف سيكون موقف كلًا منهما، فما كان إلا أن أطاعوا أمر الله عز وجل لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الصافات:١٠٣ - ١٠٧].
إذًا الله سبحانه وتعالى وحده الذي يفرج الكروب، وهو بذلك كريم مع عباده، رحيم بهم، وما حصل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تأخر الوحي، فقال المشركون: إن محمدًا ودعه ربه وقلاه، فأنزل الله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الضحى:١ - ٨].
أي: ما تركك ربك يا محمد منذ اختارك، ولا أبغضك منذ أحبك، وهذا ردٌ على المشركين حين قالوا: هجره ربه43.
وأسباب ذلك عن جندبٍ قال: قالت امرأةٌ من قريشٍ للنبي صلى الله عليه وسلم ما أرى شيطانك إلا قد ودعك، فأنزل الله هذه الآية.
وعن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أبطأ جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فجزع جزعًا شديدًا، فقالت له خديجة: قد قلاك ربك لما يرى من جزعك، فأنزل الله هذه الآية 44.
فهل من المعقول أن يترك الله - سبحانه وتعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم في أوقات الشدة والكرب والمواجهة مع المشركين؟
وما حصل مع سيدنا إبراهيم عليه السلام أيضًا عندما جاءته البشرى بالولد في سنٍ كبير أبدى تعجبه فقال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الحجر:٥٤].
فردت عليه الملائكة في قوله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الحجر:٥٥].
فرد عليهم في قوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الحجر:٥٦].
ومعنى قوله: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) أي: من الآيسين من ذلك، فإنه تعالى قادر على أن يخلق بشرًا من غير أبوين فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر، وكان استعجاب إبراهيم عليه السلام باعتبار العادة دون القدرة 45.
ومن فهم من الآية أو ظن أن نبيه إبراهيم عليه السلام يئس من رحمة ربه، فنرد على ذلك بما يأتي:
قولهم: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) لا يدل على أنه كان كذلك، واثبات ذلك يكون بالأدلة الآتية:
أولًا: بدليل أنه صرح في جوابهم بما يدل على أنه ليس كذلك فقال: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الحجر:٥٦].
ثانيًا: الإنسان إذا كان عظيم الرغبة في شيءٍ وفاته الوقت الذي يغلب على ظنه حصول ذلك المراد فيه، فإذا بشر بعد ذلك بحصوله عظم فرحه وسروره ويصير ذلك الفرح القوي كالمدهش له والمزيل لقوة فهمه وذكائه فلعله يتكلم بكلماتٍ مضطربةٍ في ذلك الفرح في ذلك الوقت.
ثالثًا: إنه يستطيب تلك البشارة فربما يعيد السؤال ليسمع تلك البشارة مرةً أخرى ومرتين وأكثر طلبًا للالتذاذ بسماع تلك البشارة، وطلبًا لزيادة الطمأنينة والوثوق مثل قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ) [البقرة:٢٦٠].
رابعًا: استفهم أبأمر الله تبشرون أم من عند أنفسكم واجتهادكم؟ 46
وما حصل مع نبي الله يعقوب عليه السلام من فقدان ابنه يوسف عليه السلام وما فعله إخواته به، فطلب منهم البحث عنه وخاصة عندما حدثوه عن سيرة الملك في مصر، ومن ثم تيقن منهم أنه حي، وأوصاهم بعدم اليأس من رحمة الله عز وجل لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [يوسف:٨٧].
والمعنى: أن يعقوب عليه السلام طمع في يوسف، فأمرهم بالرجوع إلى الموضع الذي أتوا منه يلتمسون يوسف، وأخاه: يعني: بنيامين شقيق يوسف، (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) أي: «لا تقنطوا من أن يروح الله عنا ما نحن فيه من الحزن، (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ): أي: لا يقنط من فرجه، ولا يقطع رجاءه منه إلا الكافرون، وقيل: إنه أمرهم أن يرجعوا إلى الذي احتال عليهم في أخيهم، وأخذ منهم، فيسألوا عنه، وعن مذهبه» 47.
وذكر أن معنى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) «فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: من رحمة الله، قاله ابن عباس، والضحاك.
والثاني: من فرج الله، قاله ابن زيد.
والثالث: من توسعة الله، حكاه ابن القاسم.
قال الأصمعي: الروح: الاستراحة من غم القلب» 48.
وذكر الثعلبي في كتابه أن معناها: سيروا واطلبوا الخبر، من يوسف وأخيه: وهو تفعلوا من الحس يعني: تتبعوا، قال ابن عباس: التمسوا، (ﭗ ﭘ) أي: لا تقنطوا، (ﭙ ﭚ ﭛ) أي: من فرج الله.
وذكر الحسن وقتادة: أن نبي الله يعقوب لم ينزل به بلاء قط إلا أتى حسن ظنه بالله من ورائه، وما ساء ظنه بالله ساعة قط من ليل أو نهار 49.
فالمؤمن بالله عز وجل يرجوه في الشدائد، ويشكره ويحمده في الرخاء، فما عليه إلا أن يتوجه بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى ومن رحمته يلبي لهم ما يرغبون، كما جاء في قوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:١٨٦].
والمعنى: «يقول الله جل جلاله: في جواب رجل سأل: هل قريب ربنا فنناجيه، أو بعيد فنناديه؟ فنزل: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) فقل لهم: فإني قريبٌ إليهم من أرواحهم لأشباحهم، ومن وسواس قلوبهم لقلوبهم، علمًا وقدرة وإحاطة، أجيب دعوة الداعي إذا دعان، سرًا أو جهرًا، ليلًا أو نهارًا، على ما يليق بحاله في الوقت الذي نريد، لا في الوقت الذي يريد، فليستجيبوا لي إذا دعوتهم للإيمان والطاعة، أسلك بهم طريق المعرفة، وليؤمنوا بي إني قريب منهم فيستحيوا مني، حياء من يرى أني معه حيث كان، لعلهم يرشدون إلى سلوك طريقتي ودوام محبتي» 50.
فالله رحيم بعباده ينشر رحمته عليهم، لقوله تعالى: (ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الشورى:٢٨].
فعلى المؤمن أن يدرك ذلك ولا يجعل اليأس يتمكن من نفسه، فكيف يتطرق اليأس إلى النفس وهي تطالع قوله تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [يوسف:٨٧].
أم كيف يتمكن منها الإحباط وهي تعلم أن كل شيء في هذا الكون إنما هو بقدر الله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الحديد:٢٢-٢٣].
وقوله تعالى أيضًا: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الأعراف:٥٤].
ولذلك لابد أن يظن العبد بربه الظن الخير، ويثق برحمته الواسعة، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما يشاء)51.
فإذا أيقن بهذا فكيف ييأس؟ إنه عندئذٍ يتلقى الأمور بإرادة قوية ورضىً تام، وعزم صادق على الأخذ بأسباب النجاح.
ويستفاد من ذلك: أن المؤمن حقًا هو من يثق بالله سبحانه وتعالى ثقة كبيرة بأنه لن يضيعه ولن يظلمه بما ابتلاه به، وإنما يمتحنه ويكتب له الخير في الدنيا والآخرة، ومن أدرك ذلك لن ييأس أبدًا من رحمة الله.
ثالثًا: اليأس من حصول النعم وزوال النقم:
الله سبحانه وتعالى يقدر أرزاق العباد، فكل دابة على الأرض فعلى الله رزقها، وهذا من لطف الله بعباده، لقوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الشورى:١٩].
وقوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة:٢١٢].
وقوله أيضًا: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الروم:٣٧].
وكل ذلك لحكمة يقضيها الله سبحانه وتعالى لاختبار من يصبر ويشكر، ولكن الجهل بهذا يدفع الناس إلى اليأس والقنوط من حصول النعم لهم، وإزالة النقم عنهم.
قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الروم:٣٦].
والمعنى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) أي: الخصب وكثرة المطر فرحوا بها أي: فرحوا وبطروا، (ﭾ ﭿ ﮀ) أي: جدب وقلة مطر، وقيل: خوف وبلاء بما قدمت أيديهم من السيئات، (ﮄ ﮅ ﮆ) أي: ييأسون من رحمة الله 52.
وذكر الماوردي في كتابه أن قوله: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) فيها وجهان: أحدهما: أنها العافية والسعة، والثاني: النعمة والمطر، ويحتمل ثالثًا: أنها الأمن والدعة، (ﭻ ﭼ) أي: بالرحمة، (ﭾ ﭿ ﮀ) فيها وجهان: أحدهما: بلاء وعقوبة، والثاني: قحط المطر، ويحتمل ثالثًا: أنها الخوف والحذر، (ﮁ ﮂ ﮃ) أي: بذنوبهم، (ﮄ ﮅ ﮆ) فيها وجهان: أحدهما: أن القنوط اليأس من الرحمة والفرج، قاله الجمهور، والثاني: أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر، قاله الحسن، وهذا علامة غير المؤمنين، فأما علامة المؤمنين فهو شكر الله عند النعمة، ورجاء الكشف عند الشدة 53.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [يونس:٢١].
والمعنى: «أصبنا الناس رحمةً، يعني: المطر، ويقال: العافية من بعد ضراء مستهم من بعد القحط، ويقال: من بعد الشدة والبلاء أصابتهم، (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) يعني: تكذيبًا بالقرآن، ويقال: تكذيبًا بنعمة الله تعالى، ويقولون: سقينا بنوء كذا ولا يقولون: هذا من رزق الله تعالى، ويقال يعني: قولهم بالطعن والحيلة ليجعلوا لتلك الرحمة سببًا آخر، (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) يعني: أشد عذابًا وأشد أخذًا» 54.
وقوله تعالى أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الروم:٣٣].
والمعنى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) سوء حال من الجوع والقحط واحتباس المطر والمرض والفقر وغير ذلك من أنواع البلاء، (ﭕ ﭖ) أي: حال كونهم منيبين إليه راجعين اليه من دعاء غيره لعلمهم أنه لا فرج عند الأصنام ولا يقدر على كشف ذلك عنهم غير الله، (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) من عنده (ﭝ) خلاصًا وعافيةً من الضر النازل بهم؛ وذلك بالسعة والغنى والصحة ونحوها، (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) أي: فاجأ فريق منهم بالعود الى الإشراك بربهم الذي عافاهم، وتخصيص هذا الفعل ببعضهم لما ان بعضهم ليسوا كذلك كما في قوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [لقمان:٣٢] أي: مقيم على الطريق القصد أو متوسط في الكفر لانجراره في الجملة 55.
وقال تعالى أيضًا: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [فصلت:٥١].
وهذا كله خلاف وصف المؤمن فانه يشكر عند النعمة، ويرجو عند الشدة، لقوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [هود:١٠-١١].
ذكر الطبري في تفسيره: أن معناها ولئن نحن بسطنا للإنسان في دنياه، ورزقناه رخاءً في عيشه، ووسعنا عليه في رزقه، وذلك هي النعم التي ذكرها في قوله: (ﮩ ﮪ ﮫ)، وقوله: (ﮬ ﮭ ﮮ)، يقول: بعد ضيق من العيش كان فيه، وعسرة كان يعالجها، (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) ليقولن عند ذلك: ذهب الضيق والعسرة عني، وزالت الشدائد والمكاره، (ﯕ ﯖ ﯗ) أي: إن الانسان لفرح بالنعم التي يعطاها مسرور بها، (ﯗ) أي: ذو فخر بما نال من السعة في الدنيا، وما بسط له فيها من العيش، ويدع طلب النعيم الذي يبقى، والسرور الذي يدوم فلا يزول.
ثم استثنى الله جل ثناؤه من الإنسان الذي وصفه بهاتين الصفتين: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) فإنهم إن تأتهم شدة من الدنيا وعسرة فيها، لم يثنهم ذلك عن طاعة الله، ولكنهم صبروا لأمره وقضائه، فإن نالوا فيها رخاء وسعةً، شكروه وأدوا حقوقه بما آتاهم منها، (ﯞ ﯟ ﯠ) يغفرها لهم، ولا يفضحهم بها في معادهم، (ﯡ ﯢ) ولهم من الله مع مغفرة ذنوبهم، ثوابٌ على أعمالهم الصالحة التي عملوها في دار الدنيا، جزيلٌ، وجزاءٌ عظيم56.
وذكر ابن عجيبة في كتابه أن معنى قوله: (ﯙ ﯚ ﯛ): على الضراء إيمانًا بالله، واستسلامًا لقضائه، (ﯜ ﯝ) شكرًا لآلائه، سابقها ولاحقها، (ﯞ ﯟ ﯠ) لذنوبهم، (ﯡ ﯢ) أقله الجنة، وغايته النظرة.
و يستفاد من ذلك: الإشارة إلى أنه ينبغي للعبد أن يكون شاكرًا للنعم، صابرًا عند النقم، واقفًا مع المنعم دون النعم، إن ذهبت من يده نعمة رجى رجوعها، وإن أصابته نقمة انتظر انصرافها، والحاصل أنه يكون عبد الله في جميع الحالات.
وروي عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال: (ثلاث من رزقهن رزق خير الدنيا والآخرة: الرضا بالقضاء، والصبر على الأذى، والدعاء في الرخاء) 57.
رابعًا: اليأس من الهداية:
الله سبحانه وتعالى من رحمته بعباده أن أعطاهم العقل، وأرسل إليهم الرسل لهدايتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وتعليمهم وإرشادهم.
قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الشورى:٧].
فمن أطاع نفع نفسه ومن عصى ضر نفسه، كما في قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [يونس:١٠٨].
وقال أيضًا: (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [فصلت:٤٦].
ودعاهم أيضًا إلى الحق وحذرهم من الباطل ثم تركهم يختارون ما يريدون، لقوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الكهف:٢٩].
والهداية بيد الله سبحانه وتعالى فضل من الله ومنة، والضلالة عدلًا منه، لم يظلم خلقه فيها، للأسباب التي ذكرت آنفًا، لقوله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الأنعام:١٢٤].
وقال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الأنعام:١١٧].
وقال تعالى أيضًا: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [آل عمران:٧٣-٧٤].
ولو شاء الله لهدى الناس جميعًا، فلا يعجزه شيء في الأرض، ولا في السماء، لقوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأنعام:١٤٩].
وقال أيضًا: (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [الأنعام:٣٥].
ولكن جعلهم مختلفين لحكمة، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [هود:١١٨-١١٩].
وقال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [النحل:٩٣].
والنبي صلى الله عليه وسلم كان حريصًا كل الحرص على هداية البشرية، ولكن الله سبحانه وتعالى بين له ولغيره من المسلمين أنهم ليس عليهم إلا البيان والبلاغ والدلالة على الهدي وعدم الإكراه عليه، لقوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النور:٥٤].
وما عداها كله بيد الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [القصص:٥٦].
فيهدي من أطاعه، وأقبل عليه، لقوله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [محمد:١٧].
ولا يهدي من عصاه، وأعرض عنه، لقوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الزمر:٣].
وقوله أيضًا: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النحل:٩].
إذًا منح الانسان ما يعينه على الاختيار دون اجبار، لقوله تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الإنسان:٣].
فيتحمل نتيجة ذلك، أما بالنسبة للموانع التي تمنع الناس من الدخول في الدين الاسلامي فهي كثيرة مثل الأنفة وحب الذات، التمسك بدين الآباء والأجداد، حب الأموال والشهوات، وحب الرئاسة والسيطرة كل ذلك أدى إلى عدم الوصول إلى طريق الهداية، وبالتالي فقدان الأمل لتحقيق ذلك، مما جعلهم يبقوا على ما هم عليه، رغم الجهود الحثيثة لهدايتهم وتنفيذ كل ما يطلبونه.
قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الرعد:٣١].
عن عبد الله بن عطاءٍ، عن جدته أم عطاءٍ مولاة الزبير قالت: سمعت الزبير بن العوام يقول: قالت قريشٌ للنبي صلى الله عليه وسلم تزعم أنك نبيٌ يوحى إليك، وأن سليمان سخر له الريح والجبال، وأن موسى سخر له البحر، وأن عيسى كان يحيي الموتى فادع الله تعالى أن يسير عنا هذه الجبال ويفجر لنا الأرض أنهارًا فنتخذها محارث فنزرع ونأكل، وإلا فادع الله أن يحيي لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا، وإلا فادع الله تعالى أن يصير هذه الصخرة التي تحتك ذهبًا فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف، فإنك تزعم أنك كهيئتهم، فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي، فلما سري عنه قال: (والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما سألتم ولو شئت لكان، ولكنه خيرني بين أن تدخلوا من باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة ولا يؤمن مؤمنكم فاخترت باب الرحمة وأن يؤمن مؤمنكم، وأخبرني إن أعطاكم ذلك، ثم كفرتم أنه معذبكم عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين)، فنزلت: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الإسراء:٥٩].
حتى قرأ ثلاث آياتٍ ونزلت: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) 58.
ونزل لما قالوا له إن كنت نبيًا فسير عنا جبال مكة واجعل لنا فيها أنهارًا وعيونًا لنغرس ونزرع، وابعث لنا آباءنا الموتى يكلمونا أنك نبي، (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) نقلت عن أماكنها (ﭾ ﭿ) شققت (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) بأن يحيوا لما آمنوا (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) لا لغيره فلا يؤمن إلا من شاء إيمانه دون غيره إن أوتوا ما اقترحوا 59.
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا هذا من المشركين طمعوا في أن يفعل الله ما سألوا فيؤمنوا فنزل: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) يعني: الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين- من إيمان هؤلاء، أي: ألم ييأسوا علمًا وكل من علم شيئًا يئس من خلافه، يقول: ألم ييئسهم العلم، (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)، من كفرهم وأعمالهم الخبيثة (ﮟ) أي: نازلة وداهيةٌ تقرعهم من أنواع البلاء أحيانًا بالجدب، وأحيانًا بالسلب، وأحيانًا بالقتل والأسر.
وقال ابن عباسٍ: أراد بالقارعة: السرايا التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثهم إليهم، (ﮠ ﮡ) يعني: السرية أو القارعة، (ﮢ ﮣ ﮤ)، وقيل: (ﮠ ﮡ) أي: تنزل أنت يا محمد بنفسك (ﮢ ﮣ ﮤ)، (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ)، قيل: يوم القيامة. وقيل: الفتح والنصر وظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه، (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)، وكان الكفار يسألون هذه الأشياء على سبيل الاستهزاء فأنزل الله تسليةً لنبيه صلى الله عليه وسلم 60.
وذكر في تفسير اللباب في علوم الكتاب أن معنى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) أي: «ألم ييأس هؤلاء من إيمان الكفار من قريش، وذلك أنهم لما سألوا هذه الآيات طمعوا في إيمانهم وطلبوا نزول هذه الآيات ليؤمن الكفار، وعلم الله أنهم لا يؤمنون فقال: أفلم ييأس الذين آمنوا من آيات الكفار، أي: ييأسوا من إيمانهم» 61.
وذكر في زاد المسير في علم التفسير أن معنى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) فيه أربعة أقوال:
الأول: أفلم يتبين، وهذا قول مجاهد، وعكرمة، وغيرهم.
والثاني: أفلم يعلم، روي عن ابن عباس.
وقال ابن قتيبة: هي لغة للنخع (ييأس) بمعنى (يعلم).
والثالث: أن المعنى: قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا واحدًا، ولو شاء الله لهدى الناس جميعًا، قاله أبو العالية.
والرابع: أفلم ييأس الذين آمنوا أن يؤمن هؤلاء المشركون، قاله الكسائي، والمعنى: أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون؛ لأنه لو شاء لهدى الناس جميعًا 62.
فبعد كل ذلك يخاطب الله عز وجل نبيه في قوله تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [الأنعام:٣٥].
والمعنى: (ﯻ ﯼ ﯽ) أي: عظم (ﯾ ﯿ) تكذيبهم (ﰀ ﰁ) قدرت (ﰂ ﰃ) أي: أن تطلب (ﰄ) سربًا (ﰅ ﰆ) فتدخل فيه (ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) أو سببا وطريقًا تصعد فيه إلى السماء (ﰋ ﰌ) يقول تنزل بالآية التي طلبوها فلتفعل، (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) على التوحيد (ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) بمقدوري عليهم بالكفر63.
ورغم ما طلبوه من المعجزات والأدلة والبراهين التي أظهرها الله عز وجل إلا أنهم بقوا على كفرهم ولم يهتدوا وإنما استمروا بالمماطلة والاستهزاء، لقوله تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [الرعد:٢٧].
والمعنى: (ﯳ ﯴ ﯵ) أي: ستروا ما دعتهم إليه عقولهم من الخير وما لله من الآيات عنادًا (ﯶ) أي: هلا ولم لا.
ولما كان ما تحقق أنه من عند الملك لا يحتاج إلى السؤال عن الآتي به، بني للمفعول قوله: (ﯷ ﯸ) أي: هذا الرسول صلى الله عليه وسلم (ﯹ) أي: علامة بينة (ﯺ ﯻ) أي: المحسن إليه بالإجابة لما يسأله لنهتدي بها فنؤمن به، وأمره بالجواب عن ذلك بقوله: (ﯽ) أي: لهؤلاء المعاندين: ما أشد عنادكم حيث قلتم هذا القول الذي تضمن إنكاركم لأن يكون نزل إلي آية مع أنه لم يؤت أحد من الآيات مثل ما أوتيت، فعلم قطعًا أنه ليس إنزال الآيات سببًا للإيمان بل أمره إلى الله (ﯾ ﯿ) أي: الذي لا أمر لأحد معه (ﰀ ﰁ ﰂ) إضلاله ممن لم يتب، بل أعرض عن دلالة العقل، ونقض ما أحكمه من ميثاق القاطعة بأحقية ما دعت إليه الرسل لما جبل عليه قلبه من الغلظة، فصار بحيث لا يؤمن ولو نزلت عليه كل آية؛ لأنها كلها متساوية الأقدام في الدعوة إلى ما دعا إليه العقل لمن له عقل، (ﰃ) عند دعاء الداعين (ﰄ) أي: طاعته، (ﰅ ﰆ) أي: من كان قلبه ميالًا مع الأدلة راجعًا إليها64.
وذكرت نعمة الله النخجواني أن الآية بينت خبث طينتهم ورداءة فطرتهم وذلك كالتالي: «يقول الذين كفروا بك وبكتابك ودينك لولا أنزل عليه آيةٌ ملتجئة لنا بالإيمان من ربه مع أنه يدعى التأييد من لدنه، ومع شدة شغفه وحرصه لأن نؤمن له، قل لهم يا أكمل الرسل ما علي إلا البلاغ، إن الله المطلع لضمائر عباده يضل من يشاء بمقتضى علمه وعدله لمن أراد إضلاله وانتقامه، ويهدي إليه على مقتضى جوده من أناب إليه عن ظهر القلب إذ كل ميسر لما خلق له» 65.
ويستفاد من ذلك: عدل الله سبحانه وتعالى ورحمته الواسعة بعباده، فقد أقام الحجة عليهم بتقديم كل ما يعينهم ويرشدهم إلى طريق الهداية والرشاد، وتحذيرهم من طريق الضلال والضياع، والخيار بأيديكم أيها العباد.
خامسًا: يأس الكافرين من ارتداد المسلمين عن دينهم:
الكافرين بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم بذلوا كل الجهود الجبارة، وأنفقوا كل غالٍ ورخيص، واستعملوا مختلف الوسائل والأساليب لصد الناس عن دين الله، بمنعهم من الدخول فيه، أو رجوعهم عن دينهم، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك لقوة إيمان المؤمنين، وتقواهم، وثقتهم الكبيرة بالله سبحانه وتعالى بحمايتهم ونصرهم على أعدائهم، مما وصل الحال بالكافرين إلى اليأس والقنوط من ارتدادهم عن دينهم.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [المائدة:٣].
والمعنى: كانت قريش تزعم أنها تملك من القوة ما تجعل دين الإسلام لا يظهر وأنها قادرة على أن ترد محمدا صلى الله عليه وسلم ومن آمن به عما هم عليه، ولهذا جلبوا الجيوش وجيشوا الأحزاب عبر سنين طويلة حتى قال أبو سفيان يوم أحد: «أعلو هبل لنا العزى ولا عزى لكم»، ولما سأله هرقل عن الحال قال: الحرب بيننا وبينه سجال، وما زالت قريش تجلب بخيلها ورجلها وخيلائها تريد أن توقف ظهور الإسلام، ولما كان فتح مكة أيقن القريشيون أن ما يبتغونه من عدم إظهار الدين قد انقطع بالكلية فيئسوا من أن يجعلوا الإسلام يتوقف عن الظهور، هذا هو معنى قوله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) أي: يئسوا أن يمنعوا دينكم من الظهور؛ لأن دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة كان شأنًا عظيمًا فقد خرج منها صلوات الله وسلامه عليه بعد أن ائتمروا عليه ثم بعد ثمانية أعوام من خروجه عاد عليه الصلاة والسلام.
فظاهر أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وظهور دينه يقتضي أن يأس الكفار عن الرجوع إلى دينهم قد كان وقع منذ زمان، وإنما هذا اليأس من اضمحلال أمر الإسلام وفساد جمعه لأن هذا أمر كان يترجاه من بقي من الكفار ألا ترى إلى قول أخي صفوان بن أمية في يوم هوازن حين انكشف المسلمون وظنها هزيمة ألا بطل السحر اليوم، إلى غير هذا من الأمثلة، و(ﭳ ﭴ) يعم مشركي العرب وغيرهم من الروم والفرس وغير ذلك، وقوله: (ﭷ ﭸ ﭹ) فإنما نهى المؤمنين عن خشية جميع أنواع الكفار وأمر بخشيته تعالى التي هي رأس كل عبادة 66.
وقال الطبري أن معنى:(ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) أي: الآن انقطع طمع الأحزاب وأهل الكفر والجحود، أيها المؤمنون، من دينكم أي: أن تتركوه فترتدوا عنه راجعين إلى الشرك 67.
وقوله: (ﭷ ﭸ ﭹ) يعني: فلا تخشوا الكفار في عبادتي واخشوني في اتباعهم، فقال: أعجز الناس من خشي من لا ينفعه ولا يضره، والذي بيده النفع والضر يخاطبه بهذه الآية 68.
وقوله تعالى أيضًا: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الممتحنة:١٣].
«نزلت في ناسٍ من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المسلمين ويواصلونهم فيصيبون بذلك من ثمارهم، فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك»69.
والمعنى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) أي: لا تصادقوا يا معشر المؤمنين الكفرة أعداء الدين، ولا تتخذوهم أحباء وأصدقاء توالونهم وتأخذون بآرائهم، فإنهم قوم غضب الله عليهم ولعنهم، قال الحسن البصري: هم اليهود.
وقال ابن عباس: هم كفار قريش، والظاهر أن الآية عامة كما قال ابن كثير: يعني اليهود والنصارى وسائر الكفار، ممن غضب الله عليه ولعنه، (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) أي: أولئك الفجار الذين يئسوا من ثواب الآخرة ونعيمها، كما يئس الكفار المكذبون بالبعث والنشور، من أمواتهم أن يعودوا إلى الحياة مرة ثانية بعد أن يموتوا، فقد كانوا يقولون إذا مات لهم قريب أو صديق: هذا آخر العهد به، ولن يبعث أبدًا 70.
وذكر الزحيلي في تفسيره أن معنى الآية هو: أي يا أيها المؤمنون برسالة الإسلام لا تتخذوا اليهود والنصارى وسائر الكفار ممن غضب الله عليهم ولعنهم واستحقوا الطرد والإبعاد من رحمته، أولياء وأنصارا وأصدقاء، وقد يئسوا من ثواب الآخرة ونعيمها في حكم الله عز وجل وأصبحوا لا يوقنون بالآخرة بسبب كفرهم وعنادهم، بالرغم من قيام الأدلة والبينات والمعجزات على الإيمان بالله واليوم الآخر، كيأسهم من بعث موتاهم، لاعتقادهم عدم البعث، وسبب يأسهم من الآخرة تكذيبهم بصحة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم 71.
ويستفاد من ذلك: أن المؤمن لا بد أن يكون قوي في إيمانه لا يسمح لأي ضغوطات سواء أكانت داخلية أم خارجية أن تؤثر به، وتزعزعه عن دينه، الذي هو بمثابة نجاة لهم في الدنيا والآخرة، وتفقده الثقة الكبيرة بالله - سبحانه وتعالى.
اليأس صفة مذمومة، وأسبابها كثيرة، فلا بد من الإشارة إلى هذه الأسباب بالشرح والبيان والتفصيل، ليعي أصحاب الأفهام والعقول، لتجنب محصول اليأس المذموم، والنجاة من الوصول إليها بالمعقول سواء كانت أي سبب من الأسباب.
أولًا: الكفر والمعاصي:
نعم الله سبحانه وتعالى على العباد كثيرة وأعظم هذه النعم نعمة الاسلام، التي هي نجاة العبد في الدنيا والآخرة، وإذا أراد الله عز وجل بالإنسان خيرًا توفاه على الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يدعو يقول: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)72.
ولكن من العباد من أراد أن يختار طريقًا آخرًا غير طريق الاسلام، فضاعوا وخسروا في الدنيا والآخرة، لقوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران:٨٥].
وقوله تعالى (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء:٤٨].
واختيارهم هذا الطريق أي- طريق الكفر والضلال- وانغماسهم فيه وعدم قيامهم بأي عمل يقربهم من الله عز وجل ويرجو رحمته؛ ولذلك كان سببًا من الأسباب الموصلة بهم إلى اليأس من رحمة الله عز وجل وقد وصفهم الله بذلك في كتابه العزيز فقال: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [يوسف:٨٧].
وقوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الحجر:٥٦].
والمعنى: أي قال إبراهيم عليه السلام للضيف: لا ييأس من رحمة الله إلا من أخطأ سبيل الصواب، وغفل عن رجاء الله الذي لا يخيب من رجاه، فضل بذلك عن الرأي القيم، وهذا كقول يعقوب: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) وخلاصة مقاله: إنه نفى القنوط عن نفسه على أتم وجه، وتم الإشارة إلى ذلك سابقًا ، فكأنه قال: ليس بي قنوط من رحمته تعالى، لكن حالي تنافي فيض تلك النعم الجليلة التي غمرني بها، وتوالي المكرمات التي شملت آل هذا البيت 73.
وقوله تعالى أيضًا: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [العنكبوت:٢٣].
والمعنى: يخبر الله سبحانه وتعالى من هم الذين زال عنهم الخير، وحصل لهم الشر، هم الذين كفروا به وبرسله، وبما جاءوهم به، وكذبوا بلقاء الله، فليس عندهم إلا الدنيا، فلذلك قدموا على ما أقدموا عليه من الشرك والمعاصي؛ لأنه ليس في قلوبهم ما يخوفهم من عاقبة ذلك، ولهذا قال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) أي: فلذلك لم يعلموا سببًا واحدًا يحصلون به على الرحمة، وإلا لو طمعوا في رحمته، لعملوا لذلك أعمالًا، والإياس من رحمة الله من أعظم المحاذير، وهو نوعان: إياس الكفار منها، وتركهم جميع سبب يقربهم منها، وإياس العصاة، بسبب كثرة جناياتهم، فملكت قلوبهم، فأحدث لها الإياس، (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) أي: مؤلم موجع 74.
وذكر محمد الشعراوي في تفسيره: أنه إن أصر الكافر على كفره وعبادته للأصنام التي لا تنفع ولا تضر، ولم تجد معه موعظة ولا تذكير فلا ملجأ له ولا منفذ له إلى رحمة الله؛ لأنه عبد أولياء لا ينفعونه بشيء وكفر بي، فليس له من يحميه مني، ولا من ينصره من الأصنام التي عبدها، فليس له إلا اليأس.
واليأس: قطع الرجاء من الأمر، وقد قطع رجاء الكافرين؛ لأنهم عبدوا ما لا ينفع ولا يضر، وكفروا بمن بيده النفع، وبيده الضر.
فكفروا بآيات القرآن الحاملة للأحكام، فلم يصدقوا منها شيئًا، وما داموا قد كفروا بهذه الآيات، وكفروا أيضًا بلقاء الله في الآخرة؛ فرحمة الله بعيدة عنهم، وهم يائسون منها، لذلك كانت عاقبتهم (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) 75.
ويستفاد من ذلك: مجاهدة النفس للكفر والعصيان بالطاعة والذكر والعمل الصالح؛ لنيل رحمته ومغفرته، وإلا فاليأس والقنوط مسيطره.
ثانيًا: فقدان النعم ونزول البلاء:
كثير من الناس ينغمسون في النعم الكثيرة التي أنعماها الله سبحانه وتعالى عليهم، فينسون أنفسهم وآخرتهم، ويتمتعون بغير حساب لأي شيء يتوقعونه؛ لأن مع كثرت النعم اغتر الانسان، ونسي أن كل ذلك فضل من الله سبحانه وتعالى وبالتالي لم يشكره ويحمده على ذلك، وهذا يجلب سخط الله وغضبه عليهم، ونزع النعمة عنهم، وإنزال البلاء بهم، فما كان منهم إلا أن صدموا لفقدانها وزوالها؛ لاستبعادهم حصول ذلك، والحاصل بهم سببًا عندهم من الأسباب الموصلة بهم إلى اليأس والقنوط، ويتم بيان ذلك على النحو التالي:
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [هود:٩].
في هذه الآية صورة صادقة لهذا الإنسان العجول القاصر، الذي يعيش في لحظته الحاضرة، ويطغى عليه ما يلابسه فلا يتذكر ما مضى ولا يفكر فيما يلي، فهو يؤوس وكفور بالنعمة بمجرد أن تنزع منه، مع أنها كانت هبة من الله له، فلا يحتمل في الشدة ويصبر ويؤمل في رحمة الله ويرجو فرجه فعجبًا لهذا الانسان 76.
وقال أبو زهرة: في هذا النص بيان لطبيعة النفس التي تخضع للحس دون العقل المدرك الذي يوازن بين الماضي والحاضر ويضبط نفسه ووجدانه، بل يكون هلوعًا عندما يصيبه ما يسوؤه، وطموعًا أشرًا بطرًا عندما ينال خيرًا ويذهب عنه ما يسوؤه، فإذا أصابه خير بطر، وإذا أصابه سوء جزع، على غير المؤمن المدرك صبور لا تبطره النعمة، ولا توئسه النقمة، وهو يضبط نفسه، وضبط النفس والصبر متلازمان لا يفترقان.
ومعنى قوله: (ﮞ ﮟ) أي: جعله يذوق ويحس متنعما، وأضاف سبحانه وتعالى ذلك إليه لبيان عظمها وأنها منحة جليلة، وسماها سبحانه: (ﮡ) لوجوب شكرها وبيان أنه أعطاها لتكون مصدر خير للناس تعم ولا تخص، فهي ليست له خاصة ولكن ليكون شكرها نفعًا للناس.
وقوله: (ﮢ ﮣ ﮤ) يشير إلى التفاوت بين العطاء الكريم والنزع الحكيم، وفيه تفاوت بين العطاء والنزع، وكل ذلك بتقدير العزيز العليم، وفيه بيان أن نعيم الدنيا ليس بدائم بل فيها العطاء والمنع، ونعيم الآخرة دائم غير مجذوذ.
ثم بعد ذلك الانتقال إلى حال شديدة مؤكدة في قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ) بصيغة المبالغة الدالة على الهلع والجزع واليأس من رحمة الله التي لا ييأس منها إلا القوم الكافرون، وكان القول: (ﮧ)؛ لأنه لا يرجو الله ولا يؤمن بما عنده.
وجواب القسم فيها تأكيد لعمق يأسه واستيلائه عليه وكفره؛ وكل ذلك لأنه مادي لا يؤمن إلا بالمادة ولا يرجو ما عند الله الذي يعطي ويمنع ويعز ويذل، وهذا حال الإنسان الذي لا يؤمن إلا بالدنيا، إذا كان المنع بعد العطاء 77.
وقال الطبري في تفسيره أن معنى قوله: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) أي: رخاء وسعةً في الرزق والعيش، فبسطنا عليه من الدنيا وهي: (الرحمة) التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في هذا الموضع، (ﮢ ﮣ ﮤ) أي: ثم سلبناه ذلك، فأصابته مصائب أجاحته فذهبت به، (ﮥ ﮦ ﮧ)، أي: يظل قنطًا من رحمة الله، آيسًا من الخير.
وقوله: (ﮦ)، من قول القائل: «يئس فلان من كذا، فهو يئوس، إذا كان ذلك صفة له.
وقوله: (ﮧ) يقول: هو كفور لمن أنعم عليه، قليل الشكر لربه المتفضل عليه، بما كان وهب له من نعمته 78.
وقوله تعالى أيضًا: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [فصلت:٤٩].
والمعنى: «أي وإن مسه البلاء، والشدة، والفقر، والمرض فيؤوس من روح الله قنوطٌ من رحمته، وقيل: يؤوس من إجابة دعائه قنوطٌ بسوء الظن بربه، وقيل: يؤوس من زوال ما به من المكروه، قنوطٌ بما يحصل له من ظن دوامه، وهما صيغتا مبالغةٍ يدلان على أنه شديد اليأس عظيم القنوط» 79.
ويستفاد من ذلك: شكر الله سبحانه وتعالى وحمده على نعمه الكثيرة، والاقتناع بحكمته وعدله في كل ما يقدره، وتحمل البلاء بالصبر والمثابرة وقهر اليأس بالإيمان.
ثالثًا: الجهل بسنن الله:
إن الجهل بسنن الله آفة خطيرة، وداء عظيم، فهو يحجب الانسان عن إدراك الحق ومعرفته، ويبعده عن سنن الهدى، ويؤدي به إلى طريق الضلال والضياع، ويوقع في قلبه اليأس من رحمة الله سبحانه وتعالى مع البيان أن الله سبحانه وتعالى عندما خلق هذا الكون، وضع فيه نواميس، وأوجد له عادات في خلقه، وسنن لا تتخلف، وكل هذه السنن تدلل على حكمة الله عز وجل وعلمه الواسع، لقوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الأنعام:١٨].
وقوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يوسف:٢١].
وأيضًا دالة على قدرة الله عز وجل الجارية النافذة، لقوله تعالى: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [القمر:٤٩].
وسنن الله عز وجل كثيرة سواء أكانت سننٌ في الدنيا، أم سننٌ في الآخرة، أم سننٌ مشتركة في الدنيا والآخرة وهذه السنن تتصف بصفات تضبطها كالثبات، والشمول، وأنها متحققة، وإجبارية التنفيذ، قائمة على العدل والحكمة، ليس هنالك فوضى، ولا اضطراب في سننه سبحانه وتعالى والمسلم لا بد أن يتفطن لسنن الله حتى لا تكون مفاجئة له عند وقوعها، وعند علمه بها تطمئن نفسه؛ لأنه يدرك بأن هناك لله قواعد يسير العالم وفقها، والخلق بناءً عليها.
فمثلًا من سنن الله تعالى في هذه الأرض الهداية بواسطة الأنبياء والأولياء، وعدم الوعي بها، يطلق لنفسه العنان لتفعل ما شاءت من الآثام والمعاصي والكفر بالله، ومع كثرة ذنوبه ييأس من تكفيرها وإزالتها، وقد أشرنا إلى ذلك آنفًا.
ومن سننه عز وجل فـي عباده سنة ابتلائهم، ويشترك في ذلك جميع الأمم والأفـراد، على حد سواء، للامتحان والتمحيص، لقوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [العنكبوت:٢].
ومن سننه أيضًا سنة التدافع، والله تعالى لا يبقي الناس على ما هم عليه، ولا يبقي الدنيا على حال واحدة، وإنما يدفع بعض الناس ببعضهم الآخر، يعني: يدفع أهل الباطل بأهل الحق وهكذا، لقوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة:٢٥١].
ولله سنن في الظالمين والمظلومين، وسنن في الترف والمترفين، وسنن في الطغاة والطاغين، وسنن في الاستدراج، وسنن في المكر، وسنن في الرزق، وسنن في الاصلاح، وسنن التغير والتدافع، وغيرها الكثير.
والجاهل بهذا كله يسهل على الشيطان الطريق لقذف الشك في قلبه، والوسوسة إليه، وما دام وجد ذلك في نفسه يولد عنده اليأس من كل سنة من سنن الله سبحانه وتعالى وبالتالي القنوط من رحمة ربه.
إن اليأس مرض من الأمراض التي تصيب النفوس فتقف عاجزة عن إدراك المعالي، وهي آفة الصبر الكبرى؛ لأنها تطفئ سراج الأمل لدى العبد، فيترك العمل، ويخلد إلى الكسل، فما من داءٍ إلا وله دواء، ولهذا حرص القرآن الكريم والسنة المطهرة على القضاء على هذا الداء المتفشي في نفس العبد والمسيطر عليه، ولهذا فهو بحاجة ماسة إلى مجموعة من الوسائل التي تقيه من ذلك والتي نرجو أن تكون نافعة في علاج هذه الآفة، وإلى جانب الوسائل نشير إلى العلاج للقضاء على الداء، ومنعًا لعودته مرة أخرى.
أولًا: وسائل الوقاية من اليأس
قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الحشر:٢٤].
ومعنى: (ﯩ ﯪ ﯫ) يعني: الرحمن الرحيم العزيز الجبار المتكبر ونحوها من الأسماء، وهذه الأسماء ذكرت في هذه السورة، لقوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الحشر:٢٢-٢٣].
وقوله: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) يعني: يذكره ويوحده ما في السموات والأرض وما فيهما من الخلق وغيره، وقوله: (ﯴ ﯵ) في ملكه، (ﯶ) في أمره 80.
فالعبد الذي يؤمن بأسماء الله وصفاته، ويفهم ما تنطوي عليه هذه الأسماء والصفات فقلبه يدرك من معاني الأسماء والصفات ما يدل على عظمة الله وجبروته وسرعة عقابه وشدة انتقامه، وأما من حجب قلبه عن الأسماء الدالة على الرحمة واللطف والتوبة والمغفرة الخ، فيسيطر عليه الخوف ويسلمه إلى اليأس من روح الله والقنوط من رحمته، وهذه طامة كبرى وكبيرة من كبائر الذنوب، تخرج القلب عن سكينته وأنسه إلى انزعاجه وقلقه وهمه، فعليه أن يتجنب ذلك فمثلًا من أراد من الله عز وجل إجابته على دعوة ما عليه سؤال الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجيب الدعوة مع الإلحاح وتكرار الدعاء، فالإلحاح في ذلك وحسن الظن بالله وعدم اليأس من أعظم أسباب الإجابة، فعليه أن يعلم أنه حكيم عليم قد يعجل الإجابة لحكمة وقد يؤخرها لحكمة وقد يعطي السائل خيرًا مما سأل، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: يا رسول الله إذا نكثر؟ قال: الله أكثر)81.
وعليه أن يرجو من ربه الإجابة ويكثر من توسله بأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى 82.
العبد لابد أن يحسن الظن بالله عز وجل في كل شيء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عد سوء الظن من الكبائر، وأن يرجو رحمته في كل الظروف والأحوال، فعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة) 83.
وقوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [فصلت:٢٣].
هذه الآية تبين سوء ظن الكافرين بالله عز وجل أي: أنه لا يعلم بأفعالهم، ولكن الله عز وجل فضحهم، لقوله: (ﭽ) بسبب إنكاركم البعث جهلًا منكم (ﭲ ﭳ)الذي له جميع الكمال (ﭴ ﭵ)أي: في وقت من الأوقات (ﭶ ﭷ ﭸ) أي: تجددون عمله مستمرين عليه، وهو ما كنتم تعدونه خفيًا فهذا هو الذي جرأكم على ما فعلتم، فإن كان هذا ظنكم فهو كفر، والمؤمن حقًا من علم أن الله مطلع على سره وجهره، فلم يزل مراقبًا خائفًا هائبًا 84، وهذا يعطيه دافعية ويزيد من إيمانه بالله عز وجل ولا يترك مجالًا لنفسه بأن تيأس وتقنط من رحمته.
وقوله تعالى: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [آل عمران:٣٧].
أي: قال زكريا عليه السلام: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) من أي وجه لك هذا الذي أرى عندك من الرزق؟ قالت مريم مجيبة له: (ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) تعني: أن الله هو الذي رزقها ذلك فساقه إليها وأعطاها، وقوله:(ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) فخبرٌ من الله أنه يسوق إلى من يشاء من خلقه رزقه، بغير إحصاء ولا عدد يحاسب عليه عبده؛ لأنه جل ثناؤه لا ينقص سوقه ذلك إليه، ولا يزيد إعطاؤه إياه، ومحاسبته عليه في ملكه، وفيما لديه شيئًا، ولا يعزب عنه علم ما يرزقه، وإنما يحاسب من يعطي ما يعطيه، من يخشى النقصان من ملكه، ودخول النفاد عليه بخروج ما خرج من عنده بغير حساب معروف 85.
فهذه مريم العذراء تظن بالله الظن الحسن فهو لن يتركها دون رعاية واهتمام، وهذه الحالة التي يجب أن يكون عليها المؤمن.
يجب على المرء أن يعلق قلبه بالله، ويجعل الثقة به سبحانه وتعالى في كل أحواله، فمن غير اللائق بالمسلم أن ييأس من روح الله، لأنها صفة لا يتصف بها إلا الكفرة والفاسقين كما بينا آنفًا، وعليه أن يثق بأن الله سيجعل بعد العسر يسرًا، لقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الشرح:٥-٦].
والمعنى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) يعني: «مع الشدة سعة، أي: بعد الشدة سعة في الدنيا، ويقال: بعد شدة الدنيا سعة في الآخرة، يعني: إذا احتمل المشقة في الدنيا، ينال الجنة في الآخرة، ثم قال: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) على وجه التأكيد» 86.
يجب أن يكون العبد خائفًا راجيًا، فإن الخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط، والرجاء المحمود: رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله، فهو راج لثوابه، أو رجل أذنب ذنبا ثم تاب منه إلى الله عز وجل فهو راج لمغفرته، لقوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة:٢١٨].
أما إذا كان الرجل متماديا في التفريط والخطايا، يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب، وقد مدح الله عز وجل أهل الخوف والرجاء بقوله: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الزمر:٩].
وقال أيضًا: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [السجدة:١٦].
فالرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمنًا، والخوف يستلزم الرجاء، ولولا ذلك لكان قنوطًا ويأسًا، فالخائف هارب من ربه إلى ربه.
والرجاء له أسباب أهمها:
والواجب على الإنسان أن يجمع بين الخوف والرجاء لأنه إذا غلب جانب الخوف وقع في اليأس والقنوط، وإذا غلب جانب الرجاء وقع في الأمن من مكر الله87.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر، فقال: (الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله) 88.
ومن هذين الحديثين يجب التنبيه على الجمع بين الرجاء والخوف، فإذا خاف فلا يقنط ولا ييأس بل يرجو رحمة الله 89.
على المسلم أن يعلم علم اليقين أن قدر الله نافذ لا محالة، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام وطويت الصحف، فلا يخاف مما سوى الله، ولا يرهب أعداءه، معتقدًا أنه بقدر الله يستعد لقدر الله أيضًا، لقوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الحديد:٢٢-٢٣].
وقوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [التغابن:١١]90.
إن الركون للصبر في مثل هذا المقام أمر محمود بل واجب لأن مقادير الله نافذة سواء رضي العبد أم سخط، صبر أم جزع، إن التسليم بالقدر هو مقتضى العقل والدين معًا، ولن يغير من الواقع شيئًا، ولن يبدل سنن الله في الكون 91.
فالإيمان بالغيب دعامة كل دين، وأساس كل ملة وشريعة، وهو الفيصل بين المؤمن والكافر، والمتدين والملحد، وهو المميز للإنسان عن سائر المخلوقات التي تشاركه الحياة على ظهر هذه الأرض، فهو يسمو بالإنسان عن الحيوان، ويغرس في نفسه الأمل، فلا يتسرب اليأس إلى قلبه والقنوط في نفسه، إن أخفقت آماله في الدنيا، وتعثرت خطى أمانيه في الحياة؛ لاعتقاده الصادق ويقينه القاطع أن ما عند الله في الآخرة خير وأبقى، ويحثه على الصمود في مواجهة ما يعتريه خلال مسيرة حياته، من مصائب أو شدائد أو محن؛ لأنه موقنٌ ومعتقدٌ تمام الاعتقاد في الجزاء العادل والنعيم المقيم يوم القيامة 92.
لقوله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النمل:٦٥].
وقوله أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الأعراف:١٨٨].
الله تعالى ببديع حكمته، ولطيف رحمته، قضى أن يبتلي النوع الإنساني بالأوامر والنواهي والمصائب التي قدرها عليهم، وافترضها تسلية لهم وتقوية لعزائمهم، فأمرهم على ذلك بالصبر والثبات، ووعدهم الثواب الجزيل، كما قال تعالى: (ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [الزمر:١٠]93.
في المقابل الله سبحانه وتعالى ذم اليائسين من رحمته عند حصول البلاء، واستثنى من الذم الصابرين على البلاء، وجعل لهم الثواب العظيم لقوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [هود:١٠-١١].
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت بسبب البلاء، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت لضرر أصابه، فإن كان لا بد فاعلًا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)94.
لابد أن يكون الانسان متيقنًا بفرج الله القريب، وهذا اليقين بالفرج جدير أن يبدد ظلمة القلق، ويقهر شبح اليأس، ويضيء نفس المؤمن بنور الصبر الذي لا يخبو.
ولذلك ورد الصبر في كتاب الله مقرونًا بأن وعد الله حق كما في قوله تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الروم:٦٠]95.
التوكل على الله لا ينافي السعي في الأسباب والأخذ بها فإن الله تعالى قدر مقدورات مربوطة بأسبابها وقد أمر الله بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالأخذ بالأسباب طاعة لله وهو من عمل الجوارح، والتوكل على الله طاعة له سبحانه وهو من عمل القلب وهو إيمان بالله، وعلى هذا فلا يضر مباشرة العبد للأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون إليها، والأسباب تذهب وتأتي، ومسبب الأسباب باقٍ موجود سبحانه وتعالى ويجب أن يكون الأخذ بالأسباب الجائزة شرعًا فإن من توكل على الله حق توكله لم يرتكب ما يخالف شرعه96.
ومن يأخذ بالأسباب مع التوكل على الله المؤمنون حقًا فهي صفة من صفاتهم كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه العزيز: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الأنفال:٢].
ويظهر لنا ذلك جليًا أيضًا في قصة يوسف عليه السلام بإبراز أهمية الأخذ بالأسباب، وترك الاستسلام لليأس، فقد قال نبي الله يعقوب عليه السلام لأولاده لما أبلغوه فقد ابنه الثاني: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [يوسف:٨٧].
الطريق المؤدي إلى اليأس والقنوط، تعلق القلب بالدنيا والفرح بأخذها، والحزن والتأسف على فواتها بكل ما فيها، من جاه، وسلطان، وزوجة، وأولاد، ومال، وعافية إلخ.
فإذا أكثر العبد ذكر الآخرة، وكانت منه دائمًا على بالٍ، فإن الزهد في الدنيا والحذر منها ومن فتنتها سيحلان في القلب، وحينئذٍ لا يكترث بزهرتها، ولا يحزن على فواتها، ولا يمدن عينيه إلى ما متع الله به بعض عباده من نعم ليفتنهم فيها، قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [طه:١٣١].
وهذه الثمرة يتولد عنها بدورها ثمارٌ أخرى مباركةٌ طيبةٌ منها: القناعة، وسلامة القلب من الحرص والحسد والغل والشحناء؛ لأن الذي يعيش بتفكيره في الآخرة وأنبائها العظيمة لا تهمه الدنيا الضيقة المحدودة، مع ملاحظة أن إيمان المسلم باليوم الآخر وزهده في الدنيا لا يعني انقطاعه عنها وعدم ابتغاء الرزق في أكنافها؛ لقوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [القصص:٧٧].
كما يتولد أيضًا من هذا الشعور، الراحة النفسية والسعادة القلبية، وقوة الاحتمال والصبر على الشدائد والابتلاءات، لِمَا للرجاء فيما عند الله عز وجل من الأجر والثواب.
ثانيًا: علاج اليأس:
وكما ذكرنا آنفًا أن اليأس داء وكل داء لابد له من علاج، وسنشير إلى مجموعة من الخطوات التي تعالج الانسان من حالة اليأس التي يعيشها حتى لا تنتهي حياته بطريقة شنيعة، ويتم بيان ذلك على النحو التالي:
القرآن الكريم اهتم اهتمامًا كبيرًا بمعالجة اليأس وتم ذلك من خلال محورين رئيسين:
المحور الأول: الآيات التي تدعو إلى التوحيد مما يبعث الأمل والأمان في القلوب، ويقضي على اليأس والقنوط، لقوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الزمر:٦٢-٦٣].
وقوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأحزاب:٤٨].
المحور الثاني: استنهاض الهمة إلى أقصى مدى.
إن إحساس الإنسان باليأس ينتج من انحطاط الهمة، والانشغال بسفاسف الأمور، حيث يستغل الشيطان حب الراحة والدعة لدى الإنسان؛ فيصرفه عن الإيمان بدسائس ومكائد خبيثة، تصيبه بالغفلة وانحطاط الهمة، فيقعده عن معالي الأمور.
لذلك فقد جعل القرآن الكريم للعمل منزلة مقدسة سامية، وحث الانسان أن يسعى في الأرض لاستخراج خيراتها؛ لأن إعلاء كلمة الله في الأرض، يتوقف على الرقي المادي، فقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [التوبة:١٠٥].
وقوله تعالى أيضًا: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [النجم:٣٩].
ونضيف أيضًا مجموعة من الخطوات لمعالجة اليأس، منها:
موضوعات ذات صلة: |
التوكل، الحزن، الذل، الضعف، العزم، القوة، الوهن |
1 مقاييس اللغة، ٦/١٥٤.
2 انظر: الصحاح، الجوهري، ٣/٩٩٣، تهذيب اللغة، الأزهري، ١٣/٩٨، مختار الصحاح، الرازي، ١/٣٤٨.
3 لسان العرب، ٦/٢٦٠ بتصرف.
وانظر: المصباح المنير، الفيومي، ٢/٦٨٣، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده، ٨/٦٣٢.
4 نزهة الأعين النواظر، ١/٦٣٣.
5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ٧٦٩.
6 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ٤٨٤.
7 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/٣٢.
8 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ٩/٢٥.
9 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص٢٧٥.
10 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص٤٣٦.
11 انظر: المفردات، ص٦٨٥.
12 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٢/٢٣٢، مجمل اللغة، ابن فارس، ١/٣٠٨.
13 انظر: لسان العرب، ١/٣٦٨، تاج العروس، محمد الزبيدي، ٢/٣٨٨.
14 المفردات، ص٣٠٠.
15 الفروق اللغوية، ص٤٣٦.
وانظر: الكليات، الكفوي، ص٤٣٨.
16 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص٤٣٦.
17 انظر: مقاييس اللغة، ٢/٥٤.
18 انظر: الصحاح، الجوهري، ٥/٢٠٩٨.
19 التعريفات، الجرجاني، ص٨١.
20 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص١٣٤.
21 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/١٤٠.
22 التوقيف على مهمات التعاريف، ص٦٢.
23 مشارق الأنوار، القاضي عياض ١/٣٨.
24 انظر: أسباب نزول القرآن، الواحدي ص٤٣٦.
25 انظر: تفسير السمرقندي، ٣/٤٦٢، مفاتيح الغيب، الرازي، ٣٠/٥٦٣، أحكام القرآن، الكيا الهراسي، ٤/٤٢١.
26 انظر: أحكام القرآن، ٥/٣٥٣.
27 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ١٠/٦٠، إعراب القرآن، أبو جعفر النحاس، ٤/٢٩٨.
28 جامع البيان، ٢٣/٤٥٣.
29 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٣ /٤٥٣.
30 انظر: تفسير السمرقندي، ٣/٤٦٢.
31 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٦٩٥٧، ٢٨/١٥٤.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ١/٣٢، رقم ٣.
32 أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ٢/٦٥٥.
33 انظر: الكشاف، الزمخشري، ٢/٥١٠.
34 التفسير الوسيط، الزحيلي، ٢/١١٤٣.
35 انظر: التفسير الواضح، ٢/٢١١.
36 الكشاف، الزمخشري، ٢/٥٦٥.
37 الوجيز، الواحدي،ص٤٨٦.
38 انظر: أسباب نزول القرآن، الواحدي ص٣٧٠.
39 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/١٠٧.
40 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٥/٣٠٥٨.
41 لباب التأويل، ٤/٦١.
42 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، رقم ٢٣٩٨، ٤/٦٠١.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٣٠، رقم ٩٩٢.
43 انظر: معالم التنزيل، البغوي، ٥/٢٦٦، صفوة التفاسير، الصابوني، ٣/٥٤٥.
44 انظر: أسباب نزول القرآن، الواحدي، ص٤٥٨.
45 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٣/٢١٣.
46 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٩/١٥١ بتصرف.
47 الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب، ٥/٣٦٢٢.
48 زاد المسير، ابن الجوزي، ٢/٤٦٦.
49 الكشف والبيان، ٥/٢٥١ باختصار.
50 البحر المديد، ابن عجيبة، ١/٢١٤.
51 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (ويحذركم الله نفسه)، رقم ٧٤٠٥، ٩/١٢١.
52 انظر: لباب التأويل، الخازن، ٣/٣٩٢، مدارك التنزيل، النسفي، ٢/٧٠١.
53 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ٤/٣١٥، تفسير القرآن، السمعاني، ٤/٢١٤.
54 تفسير السمرقندي، ٢/١١٠.
55 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي، ٧/٣٧، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٧/٦١.
56 جامع البيان، ١٥/٢٥٥-٢٥٨ باختصار.
57 انظر: البحر المديد، ٢/٥١٥.
58 انظر: أسباب نزول القرآن، الواحدي، ص٢٧٤.
59 انظر: تفسير الجلالين، المحلي و السيوطي، ١/٣٢٧.
60 انظر: معالم التنزيل، البغوي، ٣/٢٤.
61 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل، ١١/٣٠٦.
62 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي، ٢/٤٩٦.
63 تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، الفيروزآبادي ص١٠٨.
64 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ١٠ /٣٣٦.
65 الفواتح الإلهية، النخجواني ١/٣٩٥.
66 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية، ٢/١٥٤.
67 انظر: جامع البيان، الطبر ي ٩/٥١٦، تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٣/٤٤٦.
68 انظر: تفسير التستري ١/٥٨.
69 أسباب نزول القرآن، الواحدي، ص٤٢٥.
70 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني، ٣/٣٤٧، التفسير الواضح، محمد الحجازي، ٣/٦٦٣.
71 التفسير المنير، ٢٨ /١٥٥ باختصار.
72 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، ٥/٥٣٨، رقم ٣٥٢٢.
قال الترمذي: حديث حسن.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٧١، رقم ٤٨٠١.
73 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ١٤/٣٤.
74 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٦٢٩ بتصرف.
75 تفسير الشعراوي، ١٨ /١١١٢٤ باختصار.
76 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/١٨٦٠.
77 انظر: زهرة التفاسير، ٧/٣٦٧٣ بتصرف.
78 انظر: جامع البيان، ١٥/٢٥٦.
79 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٥٩٨.
80 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ٤/٢٨٦.
81 أخرجه أحمد في مسنده، ١٧/٢١٣، رقم ١١١٣٣.
82 انظر: أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة، عبد الله الجربوع، ٢/٤٨٠.
83 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، ٥/٥٤٨، رقم ٣٥٤٠.
قال الترمذي: حديث حسن غريب.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٧٩٩، رقم ٤٣٣٨.
84 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ١٧/١٧٢.
85 انظر: جامع البيان، الطبري، ٦/٣٥٩.
86 تفسير السمرقندي، ٣/٥٩٤.
87 انظر: فوائد من شرح كتاب التوحيد، عبدالعزيز السدحان، ص٩٦.
88 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، رقم ٥٩٧٧، ٨/٤.
89 انظر: شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، ٢/٤٧٥، فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري، سعيد القحطاني، ١/٤٤٠.
90 انظر: الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة، عبدالرحمن الدوسري، ١/٣٧.
91 انظر: مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة، د. سعيد القحطاني، ١/٢٥٧ باختصار.
92 انظر: أصول الدعوة وطرقها ٢، مناهج جامعة المدينة العالمية، ١/٢٤٥.
93 تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبد الله، ص٤٤٠ بتصرف.
94 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرض، باب تمني المريض الموت، رقم ٥٦٧١، ٧/١٢١.
95 انظر: مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة، د. سعيد القحطاني، ١/٢٥٦.
96 شفاء الضرر بفهم التوكل والقضاء والقدر، أبو فيصل البدراني، ١/٣٣.
97 انظر: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ابن حبان ص١٥٧، الخطابة، مناهج جامعة المدينة العالمية، ص٨٣.