عناصر الموضوع
الوقت
أولًا: المعنى اللغوي:
«الواو والقاف والتاء: أصلٌ يدل على حد شيءٍ وكنهه في زمان وغيره، منه الوقت: الزمان المعلوم، والموقوت: الشيء المحدود»1، ووقت الشيء بالتخفيف فهو موقوتٌ إذا بين له وقتا ومنه قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النساء:١٠٣].
أي: مفروضا في الأوقات، والتوقيت تحديد الأوقات، ويقال: وقته ليوم كذا توقيتًا مثل أجله، ومنه قوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [المرسلات:١١]2، وفي لسان العرب: «الوقت: مقدار من الزمان، وكل شيء قدرت له حينا، فهو مؤقت، وكذلك ما قدرت غايته، فهو مؤقت.»3 وقال الكفوي: «الوقت، لغة: المقدار من الدهر، وأكثر ما يستعمل في الماضي كالميقات، ونهاية الزمان المفروض لعمل، ولهذا لا يكاد يقال إلا مقيدا.»4
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
بالنظر في أقوال العلماء في الدلالة اللغوية والاصطلاحية للوقت نجد أنه لا فرق بينهما، فالوقت هو الدهر، وهو حياة الإنسان التي ينبغي أن تعمر بالطاعات، وهو المقدار من الزمان، ولا يكاد يذكر إلا مقيدًا، مثل أوقات العبادات كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وآجال أداء الديون والحقوق، وعدد النساء.
وردت مادة (وقت) في القرآن الكريم (١٣) مرة5.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١ |
(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [المرسلات:١١] |
المصدر |
٣ |
(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الحجر:٣٨] |
اسم |
٨ |
(ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [الشعراء:٣٨] |
اسم مفعول |
١ |
(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النساء:١٠٣] |
وجاء في القرآن بمعناه في اللغة وهو: الزمان المعلوم. والموقوت: الشيء المحدود6.
والميقات: الوقت المضروب للفعل7.
الأوان:
الأوان لغةً:
الحين والزمان، والجمع: آونة مثل: زمان وأزمنة، تقول: جاء أوان البرد8، و«آن الشيء أينًا حان»9.
الأوان اصطلاحًا:
«أوان الشيء: وقته الذي يوجد فيه وجمعه آونة»10، و(الأوان) أعم من (الوقت).
الصلة بين الأوان والوقت:
أن (الوقت): مقدار من الزمان مفروض لأمر ما، و(الأوان): الحين، وهو الزمان قل أو كثر، وسواء كان مفروضا أم لا، فكل وقت أوان دون العكس11، ولذلك يقال عن الأمر الذي يقع بشكل غير منتظم زمانيا: أحيانا يقع كذا، أما الأمر الذي يقع بانتظام زمانيا فيقال عنه: في وقت كذا يقع.
الميقات:
الميقات لغةً:
«مصدر (الوقت)»12.
الميقات اصطلاحًا:
«الوقت المضروب للشيء، والوعد الذي جعل له وقت وقد يقال الميقات للمكان الذي يجعل وقتا للشيء، كميقات الحج»13.
الصلة بين الميقات والوقت:
أن الميقات: ما قدر ليعمل فيه عمل من الأعمال، وأما الوقت فهو: وقت الشيء قدره مقدر، أو لم يقدره14.
الدهر:
الدهر لغةً:
«الزمان»15 قال ابن فارس: «الدال والهاء والراء أصل واحد، وهو الغلبة والقهر. وسمي الدهر دهرا؛ لأنه يأتي على كل شيء ويغلبه»16.
الدهر اصطلاحًا:
اسم لمدة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه وعليه قوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الإنسان:١].
ثم عبر به عن كل مدة كثيرة17.
الصلة بين الدهر والوقت:
أن الدهر يعبر به عن كل مدة كثيرة، بخلاف الوقت فإنه يقع على المدة القليلة والكثيرة، ويقال: دهر فلان: مدة حياته.18.
الساعة:
الساعة لغةً:
قال ابن فارس: «السين والواو والعين يدل على استمرار الشيء ومضيه من ذلك الساعة سميت بذلك»19.
الساعة اصطلاحًا:
هي جزء من أجزاء الزمان، قال الراغب: «الساعة جزء من أجزاء الزمان، ويعبر به عن القيامة»20.
الصلة بين الساعة والوقت:
أن الساعة هي الوقت المنقطع من غيره، والوقت اسم الجنس ولهذا تقول إن الساعة عندي ولا تقول الوقت عندي»21.
الحين:
الحين لغةً:
«الزمان قليله وكثيره» 22.
الحين اصطلاحًا:
«وقت بلوغ الشيء وحصوله، وهو مبهم المعنى ويتخصص بالمضاف إليه»23.
الصلة بين الحين والوقت:
الوقت قدر من الزمان مفروض مميز من جملته، مشار إليه بعينه، وكذلك الحين هو مدة أطول من الوقت وأفسح وأبعد، وإنما تقترن أبدا هاتان اللفظتان بما يميزهما ويفصلهما من جملة الزمان الذي هو كل لهما، فيقال: وقت كذا وحين كذا، فينسب إلى حال أو شخص أو ما أشبه ذلك.
فإذا أريد بهما الإبهام لا الإفهام قيل: كان كذا أو يكون كذا في حين أو وقت، فيعلم السامع أن المتكلم لم يؤثر تعيين الوقت والحين، وهما لا محالة معينان محصلان24.
العصر:
العصر لغةً:
الدهر، وجمعه: عصور، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [العصر:١-٢]25، أي: الدهر.
العصر اصطلاحًا:
«العصر: الدهر واليوم والليلة والعشاء إلى احمرار الشمس»26.
الصلة بين العصر والوقت:
الوقت هو مقدار من الزمان مفروض لأمر ما، وأما العصر فهو الزمن والظرف الذي يملؤه الإنسان في حياته بعمله.
أولًا: الوقت نعمة إلهية:
من أجل نعم الله تعالى على الإنسان في حياته نعمة الوقت، والتي لولاها لما تمكن من القيام بأي عمل ينتفع به في دنياه أو آخرته، فبالوقت واستغلاله يؤدي العبادة لخالقه ويتقرب إليه، بل إن في الوقت فرصة متاحة له إن كان معرضا عن عبادة الله وطاعته لكي يتوب ويؤوب إليه، وبالوقت أيضًا يتمكن من العمل والإنتاج، فالوقت ساحة العمل والانتفاع وميدان للجد والاجتهاد.
وقد أوضح الله تعالى في كتابه العزيز عظم نعمة الوقت وتنظيمه في عدة مواضع، وبين أن ذلك من آياته الباهرة لعباده، ورحمته الواسعة بهم.
قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [إبراهيم:٣٣-٣٤].
فامتن الله تعالى على عباده بتسخير الليل والنهار والشمس والقمر لتنتظم أمور حياتهم وأعمالهم.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الإسراء:١٢].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «يمتن تعالى على خلقه بآياته العظام، فمنها مخالفته بين الليل والنهار، ليسكنوا في الليل وينتشروا في النهار للمعايش والصناعات والأعمال والأسفار، وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوام، ويعرفوا مضي الآجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملات والإجارات وغير ذلك؛ ولهذا قال: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)، أي: في معايشكم وأسفاركم ونحو ذلك، (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)، فإنه لو كان الزمان كله نسقا واحدا وأسلوبا متساويا لما عرف شيء من ذلك»27.
فالليل والنهار نعمتان عظيمتان على الإنسان، ولا غنى له عن أحدهما، فتتعذر حياة الإنسان والحيوان والنبات لو كان الليل سرمدًا إلى يوم القيامة، وكذا تتعذر الحياة لو كان النهار سرمدًا إلى يوم القيامة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [القصص:٧١-٧٢].
والمعنى: «أخبروني من يقدر على هذا؟ والسرمد: الدائم المتصل، من السرد وهو المتابعة»28.
وفي الآيتين السابقتين امتن الله تعالى على عباده بما سخر لهم من الليل والنهار، اللذين لا قوام لهم بدونهما. وبين لهم أنه لو جعل الليل دائما عليهم سرمدا إلى يوم القيامة، لأضر ذلك بهم، ولسئمته النفوس، ولهذا قال تعالى:(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) أي: تبصرون به وتستأنسون بسببه، ثم أخبر أنه لو جعل النهار سرمدا دائما مستمرا إلى يوم القيامة، لأضر ذلك بهم، ولتعبت الأبدان وكلت من كثرة الحركات والأشغال؛ ولهذا قال:(ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) أي: تستريحون من حركاتكم وأشغالكم29.
قال الزمخشري: «فإن قلت: هلا قيل: بنهار تتصرفون فيه، كما قيل:(ﭶ ﭷ ﭸ)؟
قلت: ذكر الضياء وهو ضوء الشمس: لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة، ليس التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس بتلك المنزلة، ومن ثمة قرن بالضياء (ﭣ ﭤ) لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل (ﭺ ﭻ) لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره. وأنت من السكون ونحوه ومن رحمته زاوج بين الليل والنهار لأغراض ثلاثة: لتسكنوا في أحدهما وهو الليل، ولتبتغوا من فضل الله في الآخر وهو النهار ولإرادة شكركم»30.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [القصص:٧٣].
وقال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الرحمن:٥].
أي: بحساب دقيق، وتقدير حكيم بحيث لا يشوب جريهما اختلال أو اضطراب31، «يجريان بحساب ومنازل لا يعدوانها، ويدلان بذلك على عدد الشهور والسنين»32 والأيام، ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد ٌكيف يحسب لأن الدهر يكون كله ليلا أو نهارا. فالشمس والقمر يجريان بحساب ومنازل محكمة ليعرف الإنسان بذلك شهر الصوم، وأشهر الحج، ويوم الجمعة، وعدد النساء اللاتي تعتد بالشهور، كاليائسة والصغيرة والمتوفى عنها زوجها33، ومدة الحمل، ومدة الرضاعة، ومدة الإجارة، وآجال الخلائق، وتاريخ الأمم والشعوب، وغير ذلك من الأمور المستفادة معرفتها من جريان الشمس والقمر، وهو من تيسير الله تعالى على خلقه في أمور حياتهم، ومن مظاهر رحمته تعالى بهم، كما يشهد له مطلع السورة: (ﭷ ﭸ) [الرحمن:١].
أي: الرحمن هو الذي أنعم بذلك، ولذلك يكثر في هذه السورة قوله تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الرحمن:١٣].
حيث تكرر واحدًا وثلاثين مرة فيها.
وقد أنعم الله تعالى على خلقه بتنظيم أوقاتهم وجعلها أياما وشهورا وسنين، ليعلموا من ذلك ما مضى من أعمارهم وأوقاتهم، وليتنبهوا إلى اقتراب آجالهم، ودنو حسابهم، فيكون ذلك دافعا وحافزا لهم على العمل والجد والاستعداد ليوم الحساب.
ثانيًا: الوقت مسؤولية:
وهذه النعمة العظيمة على الإنسان في تنظيم وقته سيسأله الله تعالى عنها.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [التكاثر:٨].
والنعيم لفظ عام، فهو يشمل كل ما يتنعم به الإنسان في الدنيا، سيسأل عنه يوم القيامة34.
والوقت من أجل النعم، وقد أورد الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإشارة إلى نعمة الوقت والحث على اغتنامها: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبونٌ35 فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ)36.
ثم قال ابن كثير: «ومعنى هذا: أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين، لا يقومون بواجبهما، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه، فهو مغبون»37.
فالوقت نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على عباده، سيسألهم عنها وما عملوا فيها، ومن اللطائف أن السورة التي تلت هذه الآية من سورة التكاثر في المصحف، هي سورة العصر، وفي مطلعها قسمه تعالى بالعصر: (ﭑ ﭒ) [العصر:١].
وهو الوقت، وفي ذلك إشارة إلى نعمة الوقت ودخوله في النعيم المسؤول عنه يوم القيامة.
وفي الحديث عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)38.
فالواجب على العبد حتى ينجو بنفسه في ذلك اليوم العصيب، أن يحافظ على قضاء وقته في طاعة الله تعالى، ويقوم بشكر نعمة الله عليه في ذلك.
وقد أمر الله تعالى عباده بالحفاظ على نعمة الوقت وصيانته، ومن ذلك أنه تعالى حرم عليهم الانتحار وقتل النفس بغير الحق عمومًا.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الإسراء:٣٣].
وفي ذلك حفظ لحياة الإنسان وعمره ووقته، ومن ذلك أيضًا تحريمه تعالى بعض الأشياء كالخمر والميسر وغيرهما مما فيه إضاعة للوقت ومشغلة عن طاعة الله والتفكر في خلقه.
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة:٩١].
الوقت عمر الإنسان، ورأس ماله، ولولا الوقت لما تعلم متعلم ولا وصل سائر، ولولا الوقت لما بدا من اجتهاد نبي الله نوح عليه السلام في دعوته لقومه ما بدا، (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [العنكبوت:١٤].
ولولا الوقت لما تعجب من قصة أصحاب الكهف من تعجب، (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الكهف:٢٥].
ولما كان الوقت بتلك الأهمية والقيمة في حياة الإنسان، أشار القرآن الكريم إلى أهميته، لينبه على ضرورة اغتنامه وصرفه فيما ينبغي من العبادات وأعمال البر التي يهدي إليها القرآن الكريم، قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الإسراء:٩].
ومن الإشارات القرآنية التي تدل على أهمية الوقت وفضله ما يلي:
أولًا: القسم بالوقت:
ولعظم مكانة الوقت أقسم الله تعالى به على مختلف أطواره (الليل، والنهار، والفجر، والصبح، والضحى، والعصر) في عدة مواضع من كتابه الكريم، ومما لا شك فيه أن الله تعالى إذا أقسم بأمر فإنما يدل هذا القسم على مكانة المقسم به العالية، وأهميته البالغة، ومنافعه الحسية والمعنوية التي يريد لفت أنظار الناس إليها.
فقد أقسم تعالى بالفجر، قال تعالى: (ﭑ ﭒ) [الفجر:١]كما أقسم بالصبح في قوله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [المدثر:٣٤].
وقوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [التكوير:١٨].
أقسم تعالى بالفجر، الذي هو آخر الليل ومقدمة النهار، لما في إدبار الليل وإقبال النهار، من الآيات الدالة على كمال قدرة الله تعالى، وأنه وحده المدبر لجميع الأمور، الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ويقع في الفجر صلاة فاضلة معظمة، يحسن أن يقسم الله بها39.
قال السعدي: «أقسم تعالى بالقمر، وبالليل وقت إدباره، والنهار وقت إسفاره، لاشتمال المذكورات على آيات الله العظيمة»40.
ومن ذلك قسمه تعالى بالضحى على إنعامه على رسوله صلى الله عليه وسلم وإكرامه له وإعطائه ما يرضيه، كما في قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الضحى:١-٥].
قال ابن القيم رحمه الله: «فتأمل مطابقة هذا القسم -وهو نور الضحى- الذي يوافى بعد ظلام الليل للمقسم عليه -وهو نور الوحي- الذي وافاه بعد احتباسه عنه حتى قال أعداؤه: ودع محمدًا ربه، فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه»41.
ومن ذلك قسمه تعالى بالليل، وقد أقسم الله تعالى به في ثمانية مواضع، سبعة منها بإفراد الليل وهي:
(ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [المدثر:٣٣].
(ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [التكوير:١٧].
(ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الانشقاق:١٧].
(ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الفجر:٤].
(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الشمس:٤].
(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الليل:١].
(ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الضحى:٢].
وواحد بالجمع وهو قوله تعالى: (ﭓ ﭔ ﭕ) [الفجر:٢].
«فهو سبحانه يقسم بالليل في جميع أحواله إذ هو من آياته الدالة عليه»42.
فالليل فيه السكن والمأوى والهدوء والراحة والستر.
ومن ذلك أيضًا قسمه تعالى بالنهار، فقد أقسم بالنهار في موضعين، قال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الشمس:٣].
وقال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الليل:٢].
يعني:النهار إذا جلى الظلمة وأضاء الدنيا43.
ومن ذلك أيضًا قسمه تعالى بالعصر، كما في قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [العصر:١-٢].
والعصر: «الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم، من خير وشر»44، «فأقسم بالعصر الذي هو زمان أفعال الانسان ومحلها على عاقبة تلك الأفعال وجزائها»45، وفيه إشارة إلى ضرورة صرف هذا الوقت في طاعة الله، وإلا فإن ضيع وقته في معصية الله فقد خسر أوقاته، وخسر نفسه معها.
ثانيًا: الثناء على مستثمري الوقت:
ومما يبين اهتمام القرآن الكريم بالوقت وعنايته به: ثناؤه على مستثمريه من العباد والصالحين والدعاة وغيرهم من الطائعين لرب العالمين، والآيات في ذلك كثيرة جدًّا.
قال الله تعالى في وصفه المحسنين من عباده: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الذاريات:١٦-١٨].
كابدوا قيام الليل، فلا ينامون من الليل إلا أقله، ونشطوا فمدوا إلى السحر، ثم في السحر أخذوا في الاستغفار46، فمدح الله أفعالهم وانتفاعهم بوقتهم.
قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الزمر:٩].
وقوله في مدح صفوته وأحبائه: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الفرقان:٦٤].
وقال الله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [آل عمران:١٩٠-١٩١].
إنهم يستغلون أوقاتهم على جميع الهيئات قائمين وقاعدين وعلى جنوبهم، ولذلك كانوا أهلًا لاستجابة الله لهم، وإكرامه لهم، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [آل عمران:١٩٥].
وأخبر تعالى عن نبيه زكريا عليه السلام: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأنبياء:٩٠].
فمدحه تعالى في إسراعه بالخير ودعائه له، وذلك كله من زكريا من حسن تصرفه في وقته وعمارته له.
ثالثًا: توبيخ مضيعي الوقت:
ومما يبين اهتمام القرآن الكريم بالوقت وعنايته به: توبيخه لمضيعيه من الكفرة والعصاة والغافلين عن طاعة رب العالمين، ممن أضاعوا أوقاتهم في اللهو واللعب، والآيات في ذلك كثيرة جدًّا.
قال الله تعالى في وصف حال أهل النار: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [فاطر:٣٧].
فأخبر تعالى عن صراخهم واستغاثتهم وعويلهم47، يقولون: ربنا أخرجنا من هذه النار لكي نعمل صالحا غير ما كنا نعمل في دنيانا من قبل، فيقال لهم جوابا على ما طلبوه: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) «والاستفهام تقريع للتوبيخ والتعمير: تطويل العمر، كما قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [البقرة:٩٦]»48.
والغرض من الاستفهام في قوله: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) توبيخهم في إضاعة أعمارهم وأوقاتهم، وعدم الانتفاع بها.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «أي: أو ما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مدة عمركم؟»49.
ومن توبيخ القرآن الكريم على إضاعة الوقت، ما ذكره الله تعالى في كثير من الآيات من التعريض بالكفرة لإضاعتهم أوقاتهم في اللعب والخوض في الباطل، وتوعدهم بالعذاب.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الزخرف:٨٣].
والمعنى: «فذرهم يخوضوا ويلعبوا أي: اترك الكفار حيث لم يهتدوا بما هديتهم به ولا أجابوك فيما دعوتهم إليه يخوضوا في أباطيلهم، ويلهوا في دنياهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون وهو يوم القيامة»50
كما قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [المعارج:٤٢-٤٤].
قوله تعالى: «(ﭢ ﭣ ﭤ) أي: يخوضوا بالأقوال الباطلة، والعقائد الفاسدة، ويلعبوا بدينهم، ويأكلوا ويشربوا، ويتمتعوا (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) فإن الله قد أعد لهم فيه من النكال والوبال ما هو عاقبة خوضهم ولعبهم.
ثم ذكر حال الخلق حين يلاقون يومهم الذي يوعدون، فقال:(ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) أي: القبور، (ﭯ) مجيبين لدعوة الداعي، مهطعين إليها (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) أي: كأنهم إلى علم يؤمون ويسرعون أي: فلا يتمكنون من الاستعصاء للداعي، والالتواء لنداء المنادي، بل يأتون أذلاء مقهورين للقيام بين يدي رب العالمين، (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ).
وذلك أن الذلة والقلق قد ملك قلوبهم، واستولى على أفئدتهم، فخشعت منهم الأبصار، وسكنت منهم الحركات، وانقطعت الأصوات، فهذه الحال والمآل، هو يومهم (ﭼ ﭽ ﭾ) ولا بد من الوفاء بوعد الله»51
ثالثًا: المفاضلة بين الأعمال بسبب الوقت:
ومن اهتمام القرآن بالوقت واعتنائه به أنه فاضل بين بعض الأعمال بسبب الوقت والتبكير فيه، ومنه قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [الحديد:١٠].
فجعل تعالى النفقة والقتال في سبيله قبل الفتح وهو فتح مكة -وعليه أكثر المفسرين- أو صلح الحديبية، أعظم من نظيريهما مما كان بعد الفتح المذكور52، وذلك لعظم موقع نصرة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- بالنفس، وإنفاق المال في تلك الحال وذلك الوقت، وفي المسلمين قلة، وفي الكافرين شوكة وكثرة عدد، فكانت الحاجة إلى النصرة والمعاونة أشد، بخلاف ما بعد الفتح، فإن الإسلام صار في ذلك الوقت قويا، والكفر ضعيفا53.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [التوبة:١٠٠].
وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ، ذهبًا ما بلغ مد أحدهم، ولا نصيفه)54.
وفي رواية مسلم عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه: قال: كان بين خالد بن الوليد، وبين عبد الرحمن بن عوفٍ شيءٌ، فسبه خالدٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أحدًا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحدٍ ذهبًا، ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه)55.
قال الإمام ابن أبي العز الحنفي: «فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لخالد رضي الله عنه ونحوه: (لا تسبوا أصحابي)، يعني عبد الرحمن رضي الله عنه وأمثاله، لأن عبد الرحمن ونحوه هم السابقون الأولون، وهم الذين أسلموا من قبل الفتح وقاتلوا، وهم أهل بيعة الرضوان، فهم أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان، وهم الذين أسلموا بعد الحديبية، وبعد مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة، ومنهم خالد بن الوليد، وهؤلاء أسبق ممن تأخر إسلامهم إلى فتح مكة، وسموا الطلقاء، منهم أبو سفيان وابناه يزيد ومعاوية. والمقصود أنه نهى من له صحبة آخرًا أن يسب من له صحبة أولًا، لامتيازهم عنهم من الصحبة بما لا يمكن أن يشركوهم فيه، حتى لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»56.
ومن تفضيل الأعمال بالوقت قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها) قال: ثم أيٌ؟ قال: (بر الوالدين) قال: ثم أيٌ؟ قال: (الجهاد في سبيل الله)57.
وكقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنةً58، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرةً، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجةً، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضةً، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)59.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: فكأنما «قرب بدنة» أي: تصدق بها متقربا إلى الله وقيل: المراد أن للمبادر في أول ساعة نظير ما لصاحب البدنة من الثواب ممن شرع له القربان؛ لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للأمم السالفة»60.
وهكذا تظهر فضيلة الوقت في مضاعفة ثواب العمل، وفي ذلك حث للمسلم على حفظ الوقت والتبكير فيه.
لقد حث القرآن الكريم على استثمار الوقت، واستغلاله الأمثل بالعمل الصالح النافع، وذلك لأن الإسلام دين العمل والجد والإنتاج، لا دين الكسل والنوم، وسنبين من خلال المطلبين التاليين مجالات استثمار الوقت، والتي تتمثل في: عبادة الخالق وعمارة الأرض.
أولًا: عبادة الخالق:
من أشرف الأمور التي يجب على المسلم أن يشغل بها أوقاته ويعمرها به هي عبادته لربه وخالقه الذي خلقه وملك أمره، وبيده رزقه وهدايته ومصيره، فبعبادة العبد لربه يحصل نجاته وفوزه وسعادته، وبدونها يكون من الآبقين الخاسرين في الدنيا والآخرة.
وعمارة الوقت بالعبادة عند العبد اللبيب الذي فقه معنى العبادة تستغرق جميع الوقت، وذلك كما قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: «وعمارة الوقت الاشتغال في جميع آنائه بما يقرب إلى الله، أو يعين على ذلك من مأكل أو مشرب، أو منكح، أو منام، أو راحة. فإنه متى أخذها بنية القوة على ما يحبه الله، وتجنب ما يسخطه. كانت من عمارة الوقت، وإن كان له فيها أتم لذة، فلا تحسب عمارة الوقت بهجر اللذات والطيبات، فالمحب الصادق ربما كان سيره القلبي في حال أكله وشربه، وجماع أهله وراحته، أقوى من سيره البدني في بعض الأحيان»61.
والآيات في الأمر بعمارة الوقت في طاعة الله أكثر من أن تحصى، منها قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الشرح:٧-٨].
وهو أمر من الله لنبيه أصلا وللمؤمنين تبعا62 إذا فرغ من أمور الدنيا وأشغالها وقطع عنه علائقها، فلينصب في العبادة، ويقوم إليها نشيطا فارغ البال، وأن يخلص لربه النية والرغبة63.
والنصب: التعب بعد الاجتهاد، والأمر بالنصب في الآية توجيه عام للأخذ بحظ الآخرة بعد الفراغ من عمل الدنيا، كما في قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الإسراء:٧٩].
وقوله: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [المزمل:٦].
أي: لأنها وقت الفراغ من عمل النهار وفي سكون الليل، وهكذا يكون وقته كله مشغولا، إما للدنيا وإما للدين، وفي ذلك حل لمشكلة الفراغ التي شغلت العالم حيث لم تترك للمسلم فراغا في وقته؛ لأنه إما في عمل للدنيا، وإما في عمل للآخرة64.
ومن الآيات التي تحث على توظيف الوقت وإعماره في تحقيق العبودية لله، قوله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الأحزاب:٤١-٤٢].
وهي في الإكثار من ذكر الله تعالى وتسبيحه وتعظيمه، وإعمار المؤمن وقته بذلك.
ثانيًا: إعمار الأرض:
من الأمور التي حض القرآن الكريم على استثمار الوقت فيها: عمارة الأرض وإصلاحها.
قال تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [هود:٦١].
وقد نهى في المقابل عن الفساد في الأرض، كما في قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الأعراف:٧٤].
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله: «وقوله:(ﯿ ﰀ) يعني: أمركم من عمارتها بما تحتاجون إليه وفيه الدلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية»65.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (ﯿ ﰀ) أي: «جعلكم فيها عمارا تعمرونها وتستغلونها»66.
وقال السعدي: «(ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) أي: خلقكم فيها (ﯿ ﰀ) أي: استخلفكم فيها، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، ومكنكم في الأرض، تبنون، وتغرسون، وتزرعون، وتحرثون ما شئتم، وتنتفعون بمنافعها، وتستغلون مصالحها، فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك، فلا تشركوا به في عبادته.(ﰁ) مما صدر منكم، من الكفر، والشرك، والمعاصي، وأقلعوا عنها، (ﰂ ﰃ ﰄ) أي: ارجعوا إليه بالتوبة النصوح، والإنابة، (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) أي: قريب ممن دعاه دعاء مسألة، أو دعاء عبادة، يجيبه بإعطائه سؤله، وقبول عبادته، وإثابته عليها، أجل الثواب»67.
وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى عمارة الأرض وإصلاحها في أكثر من حديث، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعمر أرضًا ليست لأحدٍ فهو أحق)68.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «المراد من أعمر أرضا بالإحياء فهو أحق به من غيره وحذف متعلق أحق للعلم به»69.
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحيا أرضًا ميتةً فهي له)70.
والأرض الميتة أي: «التي لم تعمر شبهت العمارة بالحياة وتعطيلها بفقد الحياة وإحياء الموات أن يعمد الشخص لأرض لا يعلم تقدم ملك عليها لأحد فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه سواء كانت فيما قرب من العمران أم بعد سواء أذن له الإمام في ذلك أم لم يأذن وهذا قول الجمهور»71.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمٍ يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ، إلا كان له به صدقةٌ)72.
كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلةٌ، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل)73.
يقول الدكتور وهبة الزحيلي «إن الله سبحانه استخلف البشر في الأرض بقصد عمارة الكون وإنمائه واستغلال كنوزه وثرواته، والناس في ذلك شركاء، والمسلمون ينفذون أمر الله ومقاصده، قال الله تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [هود:٦١].
والاستعمار: معناه التمكين والتسلط، كما هو واضح من قوله سبحانه: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الأعراف:١٠].
وقوله عز شأنه: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة:٢٩].
واللام في (ﯯ) تفيد الاختصاص على جهة الانتفاع للمخاطبين، أي: أن ذلك مختص بكم، مما يدل على أن الانتفاع بجميع مخلوقات الأرض، وما فيها من خيرات مأذون فيه، بل مطلوب شرعًا، واعتبر الفقهاء تعلم أصول الحراثة والزراعة ونحوها مما تتم به المعايش التي بها قوام الدين والدنيا من فروض الكفاية»74.
في هذا المبحث نذكر بعض المعوقات في استثمار الوقت مما أشار إليه القرآن الكريم، وذلك لخطورتها في إضاعة الوقت وإذهابه، وبالله التوفيق.
أولًا: طول الأمل:
وأول هذه المعوقات وأخطرها على الوقت والانتفاع به: هو طول الأمل، بمعنى «استشعار طول البقاء في الدنيا حتى يغلب على القلب فيأخذ في العمل بمقتضاه»75.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: «طول الأمل، وما من آفة أعظم منه، فإنه لولا طول الأمل، ما وقع إهمال أصلًا، وإنما تقدم المعاصي، وتؤخر التوبة، لطول الأمل، وتبادر الشهوات، وتنسى الإنابة، لطول الأمل»76.
وقد ذكره الله تعالى في صفات أهل الكفر والشرك، قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الحجر:٣].
فبين تعالى حالهم في غفلتهم وإضاعتهم لأوقاتهم في الباطل والشهوات، وأن من أسباب ذلك طول أملهم في البقاء في الدنيا وانشغالهم بها، فيلهيهم ذلك عن الآخرة77، ولا يزالون في الآمال الفارغة والتمنيات الباطلة في عدم بعثهم وحسابهم حتى يأتيهم أجلهم ويروا من الله ما يوعدون.78
كما بين تعالى أن المشركين لطول أمل الواحد منهم يود لو عاش ألف سنة، وذلك من حرصه على الحياة الدنيا، وعدم إيمانه بغيرها، فيتمنى لو عاش هذا الوقت ليزداد من الدنيا نعيما، قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [البقرة:٩٦].
والسبب في طول الأمل عند هؤلاء، واغترارهم به عدم رجائهم للقاء الله وحسابه، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يونس:٧].
وقوله: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [النبأ:٢٧].
ولو علموا يقينا أنهم محاسبون، وبين يدي الله موقوفون، وأن أعمارهم بيد الله متى شاء أنهاها وقبض أرواحهم، وأن طول العمر -ولو بلغ ما بلغ- مع سوء العمل لا ينفعهم شيئا، لما اغتروا بذلك.
قال ابن قدامة: «واعلم: أن السبب في طول الأمل شيئان: أحدهما: حب الدنيا، والثاني: الجهل.
أما حب الدنيا فإن الإنسان إذا أنس بها وبشهواتها ولذاتها وعلائقها، ثقل على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه من الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها، وكل من ذكره شيئًا دفعه عن نفسه، والإنسان مشغول بالأماني الباطلة، فيمني نفسه أبدًا بما يوافق مراده من البقاء في الدنيا، وما يحتاج إليه من مال وأهل ومسكن وأصدقاء وسائر أسباب الدنيا، فيصير قلبه عاكفًا على هذا الفكر، فيلهو عن ذكر الموت، ولا يقدر قربه. فإن خطر له الموت في بعض الأحوال والحاجة إلى الاستعداد له، سوف بذلك ووعد نفسه، وقال: الأيام بين يديك إلى أن تكبر ثم تتوب. وإذا كبر قال: إلى أن تصير شيخًا، وإن صار شيخًا، قال: إلى أن يفرغ من بناء هذه الدار، وعمارة هذه الضيعة، أو يرجع من هذه السفرة.
فلا يزال يسوف ويؤخر، ولا يحرص في إتمام شغل إلا ويتعلق بإتمام ذلك الشغل عشرة أشغال، وهكذا على التدريج يؤخر يومًا بعد يوم، ويشتغل بشغل بعد شغل، إلى أن تختطفه المنية في وقت لا يحتسبه، فتطول عند ذلك حسرته.
السبب الثاني: الجهل، وهو أن الإنسان يعول على شبابه، ويستبعد قرب الموت مع الشباب وأصل هذه الأماني كلها، حب الدنيا والأنس بها، ولو تفكر وعلم أن الموت ليس له وقت مخصوص، من صيف وشتاء وربيع وخريف وليل ونهار، ولا هو مقيد بسن مخصوص، من شاب وشيخ أو كهل أو غيره، لعظم ذلك عنده واستعد للموت»79.
ثانيًا: الجهل بقيمة الوقت:
ومن أعظم أسباب إضاعة الوقت الجهل بقيمته، ولو فكر الإنسان في أن ما مضى من الوقت لن يعود ولا يعوض، لاغتنم كل لحظة من عمره فيما يعود عليه بالنفع عاجلا وآجلا، وقد قال الله تعالى في حق المال: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء:٥].
وذلك لأن السفيه لا يعرف قيمة المال، ولا يحسن التصرف فيه فيضيعه، فمن لم يعرف قيمة الشيء تهاون فيه وضيعه، وأما الوقت فما أكثر السفهاء في حقه، من الذين يضيعون أعمارهم وأوقاتهم في الباطل واللهو واللعب وتفاهات الأمور، ومن هؤلاء الجاهلين لقيمة الوقت، المضيعين له، أهل الكفر والشرك.
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [المؤمنون:١١٢-١١٤].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى منبها لهم على ما أضاعوه في عمرهم القصير في الدنيا من طاعة الله تعالى وعبادته وحده كم كانت إقامتكم في الدنيا؟ (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) أي: الحاسبين، (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) أي: مدة يسيرة على كل تقدير (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) أي: لما آثرتم الفاني على الباقي، ولما تصرفتم لأنفسكم هذا التصرف السيئ، ولا استحققتم من الله سخطه في تلك المدة اليسيرة، ولو أنكم صبرتم على طاعة الله وعبادته-كما فعل المؤمنون-لفزتم كما فازوا»80.
إن من أسباب إهدار الكفار لأوقاتهم وعدم مبالاتهم بها هو جهلهم بقيمة هذه الحياة، وأنها دار ممر لا دار مقر، دار عمل وجدٍ ليوم الحساب لا دار لهو ولعب، ولذلك جاء بعد تلك الآيات قوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المؤمنون:١١٥].
«أي: تعاظم وارتفع عن هذا الظن الباطل، الذي يرجع إلى القدح في حكمته»81.
ويوضح الفرق بين وعي أهل الإيمان والعلم حول خطورة الوقت، وبين غيرهم، هذا المشهد القرآني الذي جاء في قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الروم:٥٥-٥٧].
فبين تعالى أن أهل الكفر والإجرام في حقه إذا حشروا يوم القيامة فإنهم يستقلون وقت مكثهم في الدنيا، حتى كأنه قدر ساعة عندهم82.
وأما أهل الإيمان والعلم فيعلمون أنهم مكثوا في ذلك أعمارهم التي كتب الله لهم، إلى أن بعثهم الله ليوم الحساب، ولذلك ينكرون على أهل الكفر مقالتهم، ويبينون لهم أن سببها جهلهم بقيمة أعمارهم، وعدم إيمانهم بيوم الحساب.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «يخبر الله تعالى عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأصنام، وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم أيضًا، فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا في الدنيا إلا ساعة واحدة، ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم، وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم»83.
وهكذا يظهر في هذا الموقف العصيب جهل أهل الكفر بحقائق الأمور، وهو جهل ناتج عن كفرهم بما جاءت به الرسل عليهم السلام من الإيمان بالبعث، حتى صار ذلك اعتقادًا راسخًا في قلوبهم، كما قال تعالى في الآية: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) أي: «وقوعه في الدنيا فلا ينفعكم العلم به الآن»84، فالاستدراك في الآية استدراك على ما تضمنته جملة (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)85.
وهكذا تظهر خطورة الجهل بقيمة الوقت في تضييعه وعدم الانتفاع به، فأهل الكفر والطغيان لم يعلموا قيمة حياتهم في هذه الدنيا فضيعوها هباءً منثورًا.
ثالثًا: ضعف الإرادة والعزيمة:
من أهم أسباب استغلال الوقت والانتفاع به وجود الإرادة القوية والعزيمة الصادقة، وبدونهما يضيع الوقت هباء منثورا، وكلما قويت إرادة العبد واشتدت عزيمته كلما استثمر أكبر قدر من الوقت، والعكس صحيح، فكلما ضعفت هذه الإرادة وقلت العزيمة كلما ضاعت الأوقات سدى.
وقد أشار الله تعالى إلى لزوم تحقق الإرادة في الانتفاع بالوقت.
قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الفرقان:٦٢].
فأخبر تعالى أنه جعل الليل والنهار «متعاقبين يخلف أحدهما الآخر» 86، لمن يريد أن يتذكر بهما ويعتبر، ولما يحدثه تعاقبهما من النشاط والذكر، وإذهاب الملالة التي قد تصاحب العبادة إذا لم يتغير الزمان، فكلما تكررت الأوقات واختلفت تجدد في النفس النشاط والقوة على العبادة من جديد87، وقد خص الله الانتفاع بذلك لمن كانت لديه إرادة قوية، وعزيمة صادقة، أو رغبة في شكر الخالق تعالى.
كما ذكر تعالى مثالًا عمليًا في إضاعة الوقت بسبب ضعف الإرادة أو عدم وجودها بالكلية، قال تعالى عن المتخلفين من المنافقين عن الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [التوبة:٤٦].
أي: لو كانوا صادقين فيما يدعونه -ويخبرونك به- من أنهم يريدون الجهاد معك، لما تركوا إعداد العدة، وتحصيلها قبل وقت الجهاد كما يستعد لذلك المؤمنون88.
ولكنهم لم يريدوا الخروج إلى الغزو، وهذا تكذيب لزعمهم أنهم تهيؤوا للغزو ثم عرضت لهم الأعذار فاستأذنوا في القعود؛ لأن عدم إعدادهم العدة للجهاد دل على انتفاء إرادتهم الخروج إلى الغزو89.
وهكذا أضاع هؤلاء المتخلفون فرصة الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضاء الوقت في ذلك العمل العظيم، بسبب عدم تحقق إرادتهم في ذلك.
كما ذكر تعالى أيضًا مثالا آخر لاستثمار الوقت والانتفاع به بسبب صحة الإرادة وقوتها، قال تعالى مخاطبا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنعام:٥٢].
وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الكهف:٢٨].
فبين تعالى أنهم يريدون وجه الله ورضاه، فلذلك يدعونه ويستثمرون أوقاتهم صباحا ومساءً في الطاعات.
رابعًا: نسيان الآخرة:
من أهم معوقات استثمار الوقت نسيان الآخرة وما أعده الله تعالى فيها من النعيم المقيم لمن أطاعه والتزم أوامره، وما توعد به من العذاب الأليم الدائم لمن عصاه وخالف أوامره، فيترك العبد العمل لها، ويضيع أوقاته في الشهوات والملهيات، كما قال تعالى في وصف حال الكفار: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الأعراف:٥١].
فوصف الله تعالى حالهم في اتخاذهم الدين لهوا ولعبا، واغترارهم بالدنيا وزينتها وزخرفها عما أمروا به من العمل للدار الآخرة، ثم أخبر تعالى بأن عقابهم يكون من جنس عملهم، فكما نسوا الآخرة وغفلوا عنها، فسيعاملهم معاملة من ينساهم، ويتركهم في العذاب90.
وكما وصف الله تعالى حال أهل الغفلة من خلقه فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الأنبياء:١-٣].
فبين تعالى حالهم في لهوهم ولعبهم وإضاعتهم أوقاتهم بسبب غفلتهم عن حسابهم ونسيان آخرتهم، قال الإمام الطبري رحمه الله: «يقول تعالى ذكره: دنا حساب الناس على أعمالهم التي عملوها في دنياهم ونعمهم التي أنعمها عليهم فيها في أبدانهم، وأجسامهم، ومطاعمهم، ومشاربهم، وملابسهم وغير ذلك من نعمه عندهم، ومسألته إياهم ماذا عملوا فيها، وهل أطاعوه فيها، فانتهوا إلى أمره ونهيه في جميعها، أم عصوه فخالفوا أمره فيها؟
(ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) يقول: وهم في الدنيا عما الله فاعل بهم من ذلك يوم القيامة، وعن دنو محاسبته إياهم منهم، واقترابه لهم في سهو وغفلة، وقد أعرضوا عن ذلك، فتركوا الفكر فيه، والاستعداد له، والتأهب، جهلا منهم بما هم لاقوه عند ذلك من عظيم البلاء، وشديد الأهوال»91.
وقال الحافظ ابن كثير: «هذا تنبيه من الله عز وجل، على اقتراب الساعة ودنوها، وأن الناس في غفلة عنها، أي: لا يعملون لها، ولا يستعدون من أجلها»92.
وقد أخبرنا المولى تعالى عن قصة صاحب الجنتين، الذي حمله الغرور بالدنيا وانغماسه في متاعها على الغفلة عن البعث ونسيانه، وبذلك استحق سخط الله وأليم عقابه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الكهف:٣٥-٣٦].
والمعنى: «هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب (ﭑ ﭒ) وهي بستانه (ﭓ ﭔ ﭕ) وظلمه نفسه: كفره بالبعث، وشكه في قيام الساعة، ونسيانه المعاد إلى الله تعالى، فأوجب لها بذلك سخط الله وأليم عقابه، وقوله:(ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) أي: قال لما عاين جنته، ورآها وما فيها من الأشجار والثمار والزروع والأنهار المطردة شكًا في المعاد إلى الله: ما أظن أن تبيد هذه الجنة أبدا، ولا تفنى ولا تخرب، وما أظن الساعة التي وعد الله خلقه الحشر فيها تقوم فتحدث، ثم تمنى أمنية أخرى على شك منه، فقال:(ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) فرجعت إليه، وهو غير موقن أنه راجع إليه (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) يقول: لأجدن خيرًا من جنتي هذه عند الله إن رددت إليه مرجعا ومردًا»93.
وقد بين الله تعالى بعض الملهيات التي تنسي الدار الآخرة والاستعداد لها.
قال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [التكاثر:١-٢].
أي: «شغلتكم المباهاة والمفاخرة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم وما ينجيكم من سخطه»94، «وقيل ألهاكم: أنساكم» 95.
قال الإمام ابن قيم الجوزية: «ولم يعين سبحانه المتكاثر به بل ترك ذكره، إما لأن المذموم هو نفس التكاثر بالشيء لا المتكاثر به، كما يقال: شغلك اللعب واللهو. ولم يذكر ما يلعب ويلهو به، وإما إرادة الإطلاق وهو كل ما تكاثر به العبد غيره من أسباب الدنيا من مال أو جاه أو عبيد أو إماء أو بناء أو غراس أو علم لا يبتغي به وجه الله أو عمل لا يقربه إلى الله فكل هذا من التكاثر الملهي عن الله والدار الآخرة»96.
وقال ابن كثير: يقول تعالى: شغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر، وصرتم من أهلها؟!97، وكما في قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الحجر:٣].
وقد تقدم الكلام عليه، وكما حذر تعالى عباده المؤمنين من ذلك كما في قوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المنافقون:٩].
وهو في نهي المؤمنين عن التشبه بالمنافقين، أي: لا تشغلكم أموالكم التي تعتنون بجمعها وتحصيلها، ولا أولادكم الذين هم أشهى ثمرات حياتكم، لا يشغلكم ذلك عن أداء ما كلفكم سبحانه بأدائه من طاعات، وخص الأموال والأولاد بتوجه النهي عن الاشتغال بهما اشتغالًا يلهي عن ذكر الله، لأنهما أكثر الأشياء التي تلهي عن طاعة الله تعالى98.
اعتنت الشريعة الإسلامية عناية كبيرة بالوقت، حيث ربطت بين العديد من التشريعات والوقت، كما حرصت على غرس مفهوم العناية بالوقت، وتثبيته في نفوس المؤمنين، وعلى تربيتهم على مراقبة الوقت وحفظه، وبذلك تثمر الشريعة الإسلامية والالتزام بها أجيالا صالحة على مر القرون حتى يرث الله الأرض ومن عليها، تتصف بأكبر قدر من المسؤولية والانضباط، ولا تعرف للكسل والبلادة والفوضى والعشوائية طريقا.
وفي النقاط الآتية سنذكر بعض الشواهد التي تدل على الارتباط الوثيق بين الوقت والكثير من التشريعات المختلفة في مجال العبادات، والكفارات، والمعاملات، وأحكام الأسرة، والآداب، والأذكار، والأدعية.
أولًا: العبادات:
ارتبطت العديد من العبادات بالوقت، وسيتحدث في هذا المطلب عن بعض العبادات التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالوقت.
وهي من أعظم الأمور التي تضبط للمؤمن وقته وتنظمه، وقد افترض الله تعالى على المؤمن خمس صلوات في اليوم والليلة، تبدأ بصلاة الفجر، وفيه تعويد للمؤمن على الجد والنشاط، والاهتمام بوقت الصباح، وهو وقت مبارك، كما جاء في الحديث، عن صخر الغامدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها)99.
ثم تأتي صلاة الظهر ثم العصر في وسط اليوم ثم المغرب ثم العشاء في آخر اليوم.
قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الروم:١٧-١٨].
ذهب جماعة من المفسرين إلى أن «المراد بالتسبيح في هذه الآية الصلاة، وأشار بقوله: (ﭟ ﭠ) إلى صلاة المغرب والعشاء، وبقوله: (ﭡ ﭢ) إلى صلاة الصبح، وبقوله: (ﭩ) إلى صلاة العصر، وبقوله: (ﭪ ﭫ) إلى صلاة الظهر»100.
وفي هذه الصلوات تنبيه للمؤمن في كل حين، وإيقاظ لحسه بالوقت وساعاته، ثم إن فيها تدريبًا له على الانضباط به، وذلك لأن هذه الصلوات لها أوقاتًا محددة مضبوطة لا يجوز تقديمها أو تأخيرها عنها، كما قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النساء:١٠٣].
أي: مفروضة في وقتها، لا تصح إلا به101، وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة:٢٣٨].
وقال ناهيًا عن إضاعتها، ومتوعدًا من تهاون فيها: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [مريم:٥٩].
وقال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الماعون:٤-٥].
وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها) قال: ثم أيٌ؟ قال: (بر الوالدين) قال: ثم أيٌ؟ قال: (الجهاد في سبيل الله)102.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة:٦٠].
وقد بينت السنة وجوب الزكاة في المال الذي بلغ النصاب، وحال عليه الحول، وأنه ليس في مالٍ زكاةٌ حتى يحول عليه الحول.
عن عليٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا كانت لك مائتا درهمٍ، وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيءٌ - يعني - في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كان لك عشرون دينارًا، وحال عليها الحول، ففيها نصف دينارٍ، فما زاد، فبحساب ذلك)103.
أما الزروع فتخرج زكاتها وقت الحصاد قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنعام:١٤١].
قال السعدي رحمه الله: «أمرهم أن يعطوها يوم حصادها، وذلك لأن حصاد الزرع بمنزلة حولان الحول، لأنه الوقت الذي تتشوف إليه نفوس الفقراء، ويسهل حينئذ إخراجه على أهل الزرع، ويكون الأمر فيها ظاهرًا لمن أخرجها، حتى يتميز المخرج ممن لا يخرج»104.
وهكذا يراقب المؤمن الوقت في زكاته، فإذا حان وقت الحصاد أدى زكاة زروعه، وإذا حال الحول على أمواله إذا كانت من أصناف الزكاة، دفع زكاته منها.
أما زكاة الفطر فقد ورد ذكرها في حديث عبدالله بن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، على كل حرٍ أو عبدٍ ذكرٍ أو أنثى من المسلمين)105.
وبينت السنة وقت زكاة الفطر، وأنها تؤدى قبل صلاة العيد كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة)106.
وقد بين الله تعالى وقته الواجب من كل عام وهو شهر رمضان، فقال عز وجل: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [البقرة:١٨٥].
وبين النبي صلى الله عليه وسلم علامة بدء هذا الشهر المبارك بظهور الهلال، كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي107 عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)108.
كما بين تعالى وقت الصيام المحدد من كل يوم من أيام الشهر فقال سبحانه: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [البقرة:١٨٧].
أي: أباح تعالى للمؤمنين الأكل والشرب، في أي وقت من الليل إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل109، وهو وقت أذان الفجر، فيمسك الصائم من أذان الفجر إلى وقت أذان المغرب، عند غروب الشمس، وهكذا يظل الصائم يراقب الوقت في إمساكه وإفطاره، وأيضًا فقد بينت السنة الأوقات المستحبة في الصيام، كصيام ستة أيام من شوال، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، ويومي الإثنين والخميس، وغير ذلك مما يستدعي مراقبة الوقت والسؤال عنه.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [البقرة:١٨٩].
كما بين تعالى أن للحج أوقات معينة معلومة لا يؤدى الحج في غيرها، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ) [البقرة:١٩٧].
«وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، وقيل: كله»110.
والاقتصار على الحج دون العمرة في الآيتين، لأن العمرة لا وقت لها في فعلها، فلهذا لم يذكرها في الآية111.
وهكذا يظل المؤمن في متابعة لأشهر العام، هذا شهر الصيام وذاك شهر الحج، وهكذا.
ثانيًا: الكفارات:
ارتبطت العديد من الكفارات بالوقت، ومن هذه الكفارات التي ارتبطت بالوقت:
ومن اعتبار الوقت في الكفارات ما جاء في كفارة اليمين في قوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [المائدة:٨٩].
فبين تعالى أن كفارة اليمين المنعقدة الموثقة بالقصد والنية إذا حنث صاحبها فيها تكون بإحدى ثلاثة أمور على التخيير بينها، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم من أوسط ما يطعم الحانث في يمينه أهله، والمراد بالوسط هنا: المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير، أو أن يعتق رقبة، ثم بين تعالى ما ينبغي فعله على الحانث الذي لم يجد شيئا من الأمور المذكورة، وأنه يصوم ثلاثة أيام، فيكون صيامه كفارة لحنثه في اليمين، وقد اختلف العلماء في صيام هذه الثلاثة أيام في كفارة اليمين، هل يكون متتابعًا أم متفرقًا، على قولين في ذلك112، وكل ذلك مما يشهد لاعتبار الوقت في أمر الكفارات وانضباطها به.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء:٩٢].
وقوله: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) هذان واجبان في قتل الخطأ:
أحدهما: الكفارة لما ارتكبه من الذنب العظيم، وإن كان خطأ، ومن شرطها أن تكون عتق رقبة مؤمنة فلا تجزئ الكافرة.
وقوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) هو الواجب الثاني فيما بين القاتل وأهل القتيل، عوضا لهم عما فاتهم من قريبهم.
وقوله: (ﭥ ﭦ ﭧ) أي: فتجب فيه الدية مسلمة إلى أهله إلا أن يتصدقوا بها فلا تجب.
وقوله: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) أي: إذا كان القتيل مؤمنا، ولكن أولياؤه من الكفار أهل حرب، فلا دية لهم، وعلى القاتل تحرير رقبة مؤمنة لا غير.
وقوله: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) أي: فإن كان القتيل أولياؤه أهل ذمة أو هدنة، فلهم دية قتيلهم، فإن كان مؤمنا فدية كاملة، وكذا إن كان كافرًا أيضًا عند طائفة من العلماء. ويجب أيضًا على القاتل تحرير رقبة مؤمنة.
(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) أي: لا إفطار بينهما، بل يسرد صومهما إلى آخرهما، فإن أفطر من غير عذر، من مرض أو حيض أو نفاس، استأنف.
وقوله: (ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) أي: هذه توبة القاتل خطأ إذا لم يجد العتق صام شهرين متتابعين113.
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المجادلة:٤].
«عن ابن عباس، في قوله: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[المجادلة:٣].
فهو الرجل يقول لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فإذا قال ذلك، فليس يحل له أن يقربها بنكاح ولا غيره حتى يكفر عن يمينه بعتق رقبة، (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) والمس: النكاح، (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ)»114
ثالثًا: المعاملات:
ارتبطت العديد من المعاملات بالوقت، وسوف نذكر نماذج من هذه المعاملات التي ارتبطت بالوقت.
بين تعالى أحكام الدين في آية الدين، وهي أطول آية في القرآن، وبين فيها اعتبار الوقت في الدين وضبطه به، قال جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [البقرة:٢٨٢].
فأمر الله تعالى المؤمنين إذا داين بعضهم بعضا إلى موعد «محدود بالأيام والشهور والسنة ونحوها مما يفيد العلم، لا بالحصاد وقدوم الحاج مما فيه جهالة»115، فأمرهم تعالى في هذه «الحقوق المؤجلة بالكتابة والإشهاد، حفظا منه للأموال»116، وحتى لا يقع فيه الشك والاختلاف والإنكار، كما بين تعالى ذلك في قوله: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [البقرة:٢٨٢].
وفي كتابة الدين وتوقيته بأجل معين إلزام للمدين بأدائه، وهكذا يظل المؤمن في مراقبة للوقت، سواء أكان دائنا لاستيفاء حقه، أو مدينا لأداء ما عليه.
وهي من الأمور التي يعتبر فيها الوقت، بل هو من شروط صحتها عند الفقهاء، فالإجارة في الشرع هي: عقد على تمليك المنفعة بعوض117، يتفق عليه الطرفان في عقد الإجارة: المؤجر والمستأجر، وقد اشترط الفقهاء لصحة عقد الإجارة شروطا، منها أن يبين فيه مدة الإجارة كشهر أو سنة أو أكثر أو أقل118، وذلك «لأن المعقود عليه لا يصير معلوم القدر بدونه، فترك بيانه يفضي إلى المنازعة»119.
ومما يدلل على ارتباط الإجارة بالوقت ما ذكره الله تعالى في كتابه في قصة موسى عليه السلام مع صاحب مدين120.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [القصص:٢٧].
أي: قال صاحب مدين وهو «أبو المرأتين اللتين سقى لهما موسى: إني أريد أن أزوجك إحدى ابنتي الحاضرتين أمامك، فانظر من يقع اختيارك عليها منهما، على أن تكون أجيرًا لي ثماني سنوات ترعى لي فيها غنمي، فإن أتممت الثماني السنين التي شرطتها عليك فجعلتها عشرا فإحسان من عندك، وما أحب أن أشاقك بمناقشة أو مراعاة أوقات ولا إتمام عشر ولا غير ذلك، وإنك ستجدني إن شاء الله ممن تحسن صحبتهم ويوفون بما تريد من خير لك ولنا»121.
أمر الله تعالى بالوفاء بالعهود والالتزام بها.
قال تعالى: (ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الإسراء:٣٤].
وقال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [المائدة:١].
«والعقود: العهود، وأصل العقود الربوط، واحدها عقد، يقال: عقدت الحبل والعهد، فهو يستعمل في الأجسام والمعاني، وإذا استعمل في المعاني كما هنا أفاد أنه شديد الإحكام، قوي التوثيق قيل: المراد بالعقود هي التي عقدها الله على عباده، وألزمهم بها من الأحكام وقيل: هي العقود التي يعقدونها بينهم من عقود المعاملات، والأولى شمول الآية للأمرين جميعا، ولا وجه لتخصيص بعضها دون بعض»122.
قال أبو السعود: «والمراد بالعقود ما يعم جميع ما ألزمه الله تعالى عباده وعقده عليهم من التكاليف والأحكام الدينية وما يعقدونه فيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها مما يجب الوفاء به»123.
وقال السعدي: «هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتم قيام، وعدم الانتقاص من حقوقها شيئا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم وصلتهم، وعدم قطيعتهم. والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها.
بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله:(ﯜ ﯝ ﯞ)[الحجرات:١٠] بالتناصر على الحق، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع. فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها»124.
ويكون الوقت ملزمًا في العهود التي يلزم المتعاهد نفسه بأدائها في وقت معين، كما جاء في قصة موسى مع صاحب مدين، فقد وفى موسى لصاحب مدين في ما عاهده به من الرعي طيلة المدة التي طلبها منه في ذلك، بل وزاد عليها، كما بين ذلك تعالى في قوله: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [القصص:٢٨].
وهو إخبار عن موسى، أنه قال لصهره صاحب مدين: الأمر على ما قلت من أنك استأجرتني على ثماني سنين، فإن أتممت عشرا فمن عندي، فأنا متى فعلت أقلهما فقد برئت من العهد، وخرجت من الشرط؛ وقد فعل موسى أكمل الأجلين وأتمهما125، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [القصص:٢٩].
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: أي الأجلين قضى موسى؟ فقال: «قضى أكثرهما وأطيبهما، إن رسول الله إذا قال فعل»126، وهكذا نلحظ في وفاء موسى للعهد اعتبار الوقت، وهكذا يلاحظ المسلم الوقت ويراقبه في عهوده حتى لا يؤخر أدائها عن وقتها، أو يتخلف في ذلك.
إن الوفاء بالعهود والمواثيق إلى مدتها واجب حتي مع الكفار والأعداء.
قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [التوبة:٣-٤].
رابعًا: أحكام الأسرة:
ومنها: عدة المطلقة.
قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الطلاق:١].
قال السعدي رحمه الله: (ﭖ ﭗ): «أي: لأجل عدتهن، بأن يطلقها زوجها وهي طاهر في طهر لم يجامعها فيه، فهذا الطلاق هو الذي تكون العدة فيه واضحة بينة، بخلاف ما لو طلقها وهي حائض، فإنها لا تحتسب تلك الحيضة، التي وقع فيها الطلاق، وتطول عليها العدة بسبب ذلك، وكذلك لو طلقها في طهر وطئ فيه، فإنه لا يؤمن حملها، فلا يتبين ولا يتضح بأي عدة تعتد، وأمر تعالى بإحصاء العدة، أي: ضبطها بالحيض إن كانت تحيض، أو بالأشهر إن لم تكن تحيض، وليست حاملا فإن في إحصائها أداء لحق الله، وحق الزوج المطلق، وحق من سيتزوجها بعد، وحقها في النفقة ونحوها، فإذا ضبطت عدتها، علمت حالها على بصيرة، وعلم ما يترتب عليها من الحقوق، وما لها منها، وهذا الأمر بإحصاء العدة، يتوجه للزوج وللمرأة، إن كانت مكلفة، وإلا فلوليها»127.
وقد بين الله تعالى العدد التي يجب على المرأة المطلقة أن تعتدها وأنوعها، فمنها عدة المطلقة المدخول بها، كما في قوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة:٢٢٨].
أي: لينتظرن عن النكاح ثلاثة قروء تمضي من حين الطلاق، والقروء: جمع قرء بفتح القاف وهو الطهر أو الحيض قولان للعلماء، وهذا في المدخول بهن أما غير المدخول بهن فلا عدة عليهن؛ لقوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأحزاب:٤٩].
أما الآيسة والصغيرة فعدتهن ثلاثة أشهر، وأما الحوامل فعدتهن أن يضعن حملهن128.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الطلاق:٤].
ومنها: عدة المتوفى عنها زوجها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة:٢٣٤].
«أي: إذا توفي الزوج مكثت زوجته متربصة أربعة أشهر وعشرة أيام وجوبًا، والحكمة من ذلك، ليتبين الحمل في مدة الأربعة، ويتحرك في ابتدائه في الشهر الخامس، وهذا العام مخصوص بالحوامل، فإن عدتهن بوضع الحمل، وكذلك الأمة عدتها على النصف من عدة الحرة، شهران وخمسة أيام.
وقوله: (ﭜ ﭝ ﭞ) أي: انقضت عدتهن (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) أي: من مراجعتها للزينة والطيب، (ﭦ) أي: على وجه غير محرم ولا مكروه. وفي هذا وجوب الإحداد مدة العدة، على المتوفى عنها زوجها، دون غيرها من المطلقات والمفارقات، وهو مجمع عليه بين العلماء.
(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) أي: عالم بأعمالكم، ظاهرها وباطنها، جليلها وخفيها، فمجازيكم عليها.
وفي خطابه للأولياء بقوله: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) دليل على أن الولي ينظر على المرأة، ويمنعها مما لا يجوز فعله ويجبرها على ما يجب، وأنه مخاطب بذلك، واجب عليه»129.
وهو «اليمين على ترك وطئ المنكوحة مدةً مثل: والله لا أجامعك أربعة أشهر»130.
وقد بين الله حكمه في قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [البقرة:٢٢٦].
قال الحافظ ابن كثير: «الإيلاء: الحلف، فإذا حلف الرجل ألا يجامع زوجته مدة، فلا يخلو: إما أن يكون أقل من أربعة أشهر، أو أكثر منها، فإن كانت أقل، فله أن ينتظر انقضاء المدة ثم يجامع امرأته، وعليها أن تصبر، وليس لها مطالبته بالفيئة في هذه المدة، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا، فنزل لتسع وعشرين، وقال: (الشهر تسع وعشرون)131.
فأما إن زادت المدة على أربعة أشهر، فللزوجة مطالبة الزوج عند انقضاء أربعة أشهر: إما أن يفيء -أي: يجامع - وإما أن يطلق، فيجبره الحاكم على هذا أو هذا لئلا يضر بها، ولهذا قال تعالى: (ﭡ ﭢ) أي: يحلفون على ترك الجماع من نسائهم، (ﭥ ﭦ ﭧ) أي: ينتظر الزوج أربعة أشهر من حين الحلف، ثم يوقف ويطالب بالفيئة أو الطلاق. ولهذا قال: (ﭩ ﭪ) أي: رجعوا إلى ما كانوا عليه، وهو كناية عن الجماع، (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) أي: لما سلف من التقصير في حقهن بسبب اليمين»132.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأحقاف:١٥].
وقال أيضًا: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [لقمان:١٤].
فبين تعالى أن مدة فصال المولود -أي: تربيته وإرضاعه بعد وضعه- في عامين، كما قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة:٢٣٣].
ومن هاهنا استنبط ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من الأئمة، أن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لأن الله تعالى قال في الآية الأخرى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) وذكر تعالى تربية الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلًا ونهارًا، ليذكر الولد بإحسانها المتقدم إليه. كما قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الإسراء:٢٤].
ولهذا قال: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) أي: فإني سأجزيك على ذلك أوفر الجزاء133.
[انظر: الأجل: الأجل في العبادات والمعاملات]
خامسًا: الآداب:
جاء اعتبار الوقت في الزيارة في الشرع في عدة أمور، كما أشار تعالى إلى ذلك في قوله: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الأحزاب:٥٣].
فأمر الله تعالى عباده المؤمنين، بالتأدب مع نبيه صلى الله عليه وسلم في دخولهم لبيوته، وذلك بألا يدخلوها إلا بعد استئذان وإذن، وإذا كان دخولهم استجابة لدعوة إلى طعام، فلا يتعجلوا في الحضور قبل أن ينضج الطعام، وذلك حتى لا يطول مكثهم في بيت النبي صلى الله عليه وسلم134 ويكون ثقيلًا عليه.
كما قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ) يعني: «غير منتظرين إدراكه وبلوغه»135، أي: أنهم مع كونهم مأذونًا لهم ومدعوين، فلا يدخلوا قبل الميعاد المضروب لهم حضورهم فيه، عجلة وانتظارًا منهم لنضج الطعام، فإن ذلك مما يؤذي قلب صاحب الدعوة، لشغل هذه الحصة معهم بلا فائدة، إلا ضيق صدر الداعي وأهله، وشغل وقته، وتوليد حديث، وتكلفا لكلام لا ضرورة له، وإطالة زمن الحجاب على نسائه136.
وأيضًا فإن في هذا الوقت يكون أهل البيت في شغلهم في إعداد الطعام، وفي ثياب العمل فلا يحسن أن يروهن وهن على هذه الحال، وما ذلك كله إلا من شؤم التعجيل قبل الوقت137.
ولذلك قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) «أي إذا دعيتم إلى الدخول في وقته، فادخلوا فيه لا قبله ولا بعده، فـ (ﮥ) استدراك من النهي عن الدخول، مع الإذن المطلق الذي هو الدعوة بتعليم أدب آخر. وإفادة شرط مهم، وهو الإشارة إلى أن للدعوة حينًا ووقتًا يجب أن يراعى زمنه، وهذا المنهي عنه لم يزل يرتكبه ثقلاء القرويين ومن شاكلهم من غلظاء المدنيين الذين لم يتأدبوا بآداب الكتاب الكريم»138.
ثم قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)، أي: أن يكون جلوسكم بمقدار الحاجة، «فلا تطيلوا الجلوس ليستأنس بعضكم بحديث بعض، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون فنهوا عن ذلك»139.
ثم بين تعالى حكمة النهي وفائدته فقال: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) أي: إن انتظاركم الزائد على الحاجة كان يشق على النبي بحبسكم إياه عن شئون بيته، واشتغاله فيه، وهو يستحي منكم أن يقول لكم: اخرجوا، كما هو جاري العادة، أن الناس -وخصوصًا أهل الكرم منهم- يستحيون أن يخرجوا الناس من مساكنهم، ولكن الله تعالى لا يستحي أن يأمركم، بما فيه الخير لكم، والرفق لرسوله كائنًا ما كان140.
وفي هذه الآية يظهر اعتبار الوقت ومراعاته في آداب الزيارة في الشرع، من اختيار الوقت المناسب للزيارة، وأن يكون على قدر الحاجة، وأن لا يطول بحيث يثقل ذلك على المزور.
من عظمة التشريع الإسلامي كماله وشموله لجميع مناحي الحياة، صغيرها وكبيرها، فما من أمر من أمور هذه الحياة وإلا نجد فيه تشريعا يضبطه ويبين الصواب فيه من الخطأ، ومن ذلك التشريعات في باب الاستئذان وأحكامه، وقد بين النبي الحكمة في الاستئذان وأهميته، كما في الحديث عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)141.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في معنى الحديث: «أي: شرع من أجله لأن المستأذن لو دخل بغير إذن لرأى بعض ما يكره من يدخل إليه أن يطلع عليه»142.
ولذلك فقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين عند دخولهم بيوتا غير بيوتهم بالاستئذان، كما قال سبحانه: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور:٢٧].
ومعنى الاستئناس في الآية أي :الاستئذان، سمي بذلك، «لأنه به يحصل الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة»143.
والأمر بالاستئذان في الآية عام في كل حين يراد فيه دخول بيوت الغير، وهذا في حق عموم المؤمنين، وقد ورد ما يخصص هذا الحكم في حق الإماء والعبيد والأطفال، فإنهم لا يجب عليهم الاستئذان كلما دخلوا إلى بيوت غيرهم، إلا في ثلاثة أوقات144 بينها الله تعالى في قوله: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [النور:٥٨].
فبين تعالى هذه الأوقات الثلاثة، من قبل صلاة الفجر وهو وقت الانتباه من النوم، ولبس ثياب النهار، ووقت القائلة وهي الظهيرة، لأن النهار يظهر فيها إذا علا شعاعه واشتد حره، ومن بعد صلاة العشاء وهو وقت التعري للنوم145.
«وإنما خص هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب، فربما يبدو من الإنسان ما لا يحب أن يراه أحد، فأمر الله العبيد والصبيان بالاستئذان في هذه الأوقات»146.
«وأما ما عدا هذه الأحوال الثلاثة فقال: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) أي: ليسوا كغيرهم، فإنهم يحتاج إليهم دائما، فيشق الاستئذان منهم في كل وقت، ولهذا قال: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) أي: يترددون عليكم في قضاء أشغالكم وحوائجكم»147.
وهكذا ظهر اعتبار الوقت في آداب الاستئذان، وأن هذه الأوقات الثلاثة التي سماها الله تعالى (عورات) يجب مراعاتها وتوكيد الاستئذان عندها.
سادسًا: الأذكار والأدعية:
ذكر الله تعالى مستحب في جميع الأوقات، ولكن يزداد استحبابه في أوقات مخصوصة، كما قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الإسراء:٧٨].
فقراءة القرآن -كلام الله- عموما في أي وقت لها فضلها العظيم، ولكنها في ساعة الفجر اختصت مع ذلك بشهود الملائكة148، وكما قال تعالى لنبيه زكريا عليه السلام: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [آل عمران:٤١].
وقال لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [غافر:٥٥].
وقال لعموم المؤمنين: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الأحزاب:٤١-٤٢].
فأمر الله تعالى بذكره عموما في كل وقت، ثم خص فيه بعض الأوقات تنبيها على شرف العبادة فيها، فذكر تعالى من ذلك وقتين:
الأول: وهو وقت الغداة أو الإبكار، وهو أول النهار، وهو ما بين طلوع الفجر إلى الضحى149.
والثاني: العشي أو الأصيل وهو آخر النهار، وهو «ما بين العصر إلى المغرب»150.
وهما وقتان فاضلان ولذكر الله فيهما مزية وفضيلة على غيرهما، فمن فضلهما أن الله أقسم بكل واحد منهما، فأقسم تعالى بالصبح كما في قوله: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [المدثر:٣٤].
وكما في قوله: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [التكوير:١٨].
وأقسم تعالى بالعصر، كما في قوله: (ﭑ ﭒ) [العصر:١] على أحد أوجه التفسير في الآية151، فوقتا الغدو والعشي وقتان مشهودان من الملائكة، كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون)152.
ولأجل فضيلة هذين الوقتين خصهما الله تعالى بالأمر بالذكر فيهما، فإن لفضيلة الأزمنة والأمكنة أثرًا في فضيلة ما يقع فيهما من العبادات153.
كما يضاعف الثواب في ليلة القدر لشرفها، وكما تضاعف الصلاة في المسجد الحرام لمكانته، ولذلك أيضًا فقد أوجب الله تعالى في هذين الوقتين -الغداة والعشي- صلاتين عظيمتين جليلتين، وهما صلاة الفجر وصلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى التي خصها الله بتوكيد المحافظة عليها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة:٢٣٨]154.
كما شرع تعالى فيهما أذكار الصباح والمساء.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [ق:٣٩].
«وهذا تفسير ما جاء في الأحاديث: من قال كذا وكذا حين يصبح وحين يمسي، أن المراد به قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر»155.
كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرةٍ، لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحدٌ قال مثل ما قال أو زاد عليه)156.
وغير ذلك من الأحاديث، وهكذا يظل المؤمن مراقبًا لهذين الوقتين الفاضلين، ليذكر الله تعالى فيهما ويغتنمهما في ذلك.
وكما جعل الشارع للذكر أوقاتا مخصوصة يزداد فيها شرفه ويعظم أجره، جعل ذلك للدعاء أيضًا، فللدعاء أوقات مخصوصة يكون فيها أقرب للإجابة، من ذلك ساعة الاضطرار والتي يحصل فيها كمال التوجه إلى الله، كما قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [النمل:٦٢].
وكما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له)157.
ولا يخفى ما في هذا الحديث من الترغيب في الدعاء والحرص عليه في هذا الوقت.
ورد في القرآن الكريم ذكر بعض الأوقات المخصوصة وبيان فضلها، وذلك تنبيها عليها وحضا على الانتفاع بها واغتنامها، وهو من طريقة القرآن في الهداية إلى خير الأمور وأقومها، قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الإسراء:٩].
وسنتحدث عن تلك الأوقات المخصوصة في النقاط الآتية:
أولًا: شهر رمضان:
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [البقرة:١٨٥].
فبين تعالى شرف هذا الشهر من بين سائر الشهور، باختياره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه158.
وذهب الجمهور في معنى نزول القرآن إلى أنه: نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك مفرقا على النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة، وقيل: معنى إنزاله في شهر رمضان: ابتداء إنزاله فيه، وذلك لأن مبادئ الملل والدول هي التي يؤرخ بها لكونها أشرف الأوقات 159.
وبعد أن بين تعالى فضل هذا الشهر وما حصل فيه من الفضل العظيم بإنزال القرآن المشتمل على الهداية والبيان والفرقان بين الحق والباطل، نبه جل شأنه عباده إلى اغتنام هذا الشهر المبارك، وأن يشكروه تعالى فيما أنعم به عليهم فيه، فأمر بصيامه، فكأنه قال: حقيق بشهر، هذا فضله، وهذا إحسان الله عليكم فيه، أن يكون موسما للعباد مفروضا فيه الصيام160.
وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان، إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه)161.
ثانيًا: ليلة القدر:
وقد أنزل الله تعالى سورة كاملة في بيان فضلها، هي سورة القدر، ومما ذكره تعالى فيها من ذلك: أنها الليلة التي أنزل فيها القرآن.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [القدر:١].
وأن العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر خالية منها162، كما في قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [القدر:٣].
وأن الملائكة يكثر نزولها فيها كما في قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [القدر:٤].
قال ابن كثير: «أي: يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما له»163.
وما ذكره الحافظ ابن كثير من كثرة بركة ليلة القدر جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الدخان:٣].
فالليلة المباركة هي ليلة القدر، ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان164.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اغتنام هذه الليلة المباركة ورغب في ذلك، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)165.
ثالثًا: العشر الأوائل من ذي الحجة:
وقد أقسم الله تعالى بها في قوله: (ﭓ ﭔ ﭕ) [الفجر:٢]166.
وقسمه تعالى بها فيه إشعار بفضلها، وهي ليال عظيمة فيها تؤدى مناسك الحج، كالإحرام ودخول مكة وأعمال الطواف، وفي ثامنتها ليلة التروية، وتاسعتها ليلة عرفة وعاشرتها ليلة النحر167.
وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيءٍ)168.
رابعًا: الأشهر الحرم:
وهي أربعة أشهر: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
ففي الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حرمٌ، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، مضر الذي بين جمادى، وشعبان)169.
وقد ورد ذكرها في قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [التوبة:٣٦].
قال الإمام القرطبي: «هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب، دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهرًا، لأنها مختلفة الأعداد، منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص، والذي ينقص ليس يتعين له شهر، وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج170.
وقوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ) أي: هذا هو الشرع المستقيم، من امتثال أمر الله فيما جعل من الأشهر الحرم، والحذو بها على ما سبق في كتاب الله الأول أي: اللوح المحفوظ171.
وقد خص الله تعالى الأشهر الحرم من بين سائر الشهور بمزيد حرمتها.
قال العلامة السعدي رحمه الله: «سميت حرما لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها، (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثني عشر شهرًا، وأن الله تعالى بين أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تعمر بطاعته، ويشكر الله تعالى على منته بها، وتقييضها لمصالح العباد، فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها. ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها»172.
وقال قتادة رحمه الله: «الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزرًا، من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظم من أمره ما شاء»173.
وقد حذر القرآن الكريم من التلاعب بالأشهر الحرم كما كانت العرب تفعل، وعد ذلك من الكفر.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [التوبة:٣٧].
أي: «إنما التأخير الذي يؤخره أهل الشرك بالله من شهور الحرم الأربعة، وتصييرهم الحرام منهن حلالا والحلال منهن حرامًا، زيادة في كفرهم وجحودهم أحكام الله وآياته»174.
خامسًا: يوم الجمعة:
وقد سمى الله تعالى سورة من كتابه باسمه (سورة الجمعة)، جاء فيها ذكر يوم الجمعة في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الجمعة:٩].
وهو أفضل أيام الأسبوع175، كما جاء في الحديث عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (خير يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)176.
وقد أقسم الله تعالى به كما في قوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ) [البروج:٣].
أقسم بشاهد، وهو يوم الجمعة، ومشهود وهو يوم عرفة177.
قال ابن كثير: « (ﭘ) يوم الجمعة. وما طلعت شمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه، ولا يستعيذ فيها من شر إلا أعاذه، (ﭙ) يوم عرفة»178.
وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في استغلال هذا اليوم الفضيل بالعمل الصالح، كما جاء في الحديث عن أوس بن أوس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضةٌ علي، قال: فقالوا: يا رسول الله: وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمت؟ - قال: يقولون: بليت - قال: إن الله تبارك وتعالى حرم على الأرض أجساد الأنبياء صلى الله عليهم)179.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)-1.
موضوعات ذات صلة: |
الأجل، الذكر، العبادة، الليل، النهار |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١٣١.
2 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٣٤٣.
3 لسان العرب، ابن منظور ٢/١٠٧.
4 الكليات، أبو البقاء الكفوي ص٩٤٥.
5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٧٥٧.
6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١٢٣.
7 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٣٤٣.
8 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٥/٣٩٢، مختار الصحاح، الرازي ص٢٦.
9 لسان العرب، ابن منظور ١٣/٤٠.
10 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٦٦.
11 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص٥٧٦.
12 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٩/١٩٨.
13 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٨٧٩.
14 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص٥٢٦.
15 الصحاح، الجوهري ٢/٦٦١.
16 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٣٠٥.
17 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص١٦٨.
18 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣١٩.
19 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٣٠٥.
20 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٣٤.
21 الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص٢٧٢.
22 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/١٢٥.
23 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٦٧، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص١٥٠.
24 الهوامل والشوامل، ابن مسكويه ص٥٨.
25 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٦٩.
26 الكليات، أبو البقاء الكفوي ص٦٥٢.
27 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٩.
28 الكشاف، الزمخشري ٣/٤٢٨.
29 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٥٢.
30 الكشاف، الزمخشري ٣/٤٢٨-٤٢٩.
31 انظر: الوسيط، محمد سيد طنطاوي ١٤/١٣٠.
32 فتح القدير، الشوكاني ٥/١٥٨.
33 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٤٩١.
34 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٥٨٦، أضواء البيان، الشنقيطي ٩/٨٥، ٨٦.
35 الغبن: الخسارة، وهو بالسكون في البيع، وبالتحريك في الرأي، ويصح كل منهما في هذا الخبر فإن من لا يستعمل الصحة والفراغ فيما ينبغي فقد غبن لكونه باعهما ببخس ولم يحمد رأيه في ذلك، وقوله في الحديث: (مغبون فيهما كثير من الناس)، كقوله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)، فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في الآية.
انظر: فتح الباري، ابن حجر العسقلاني ١١/٢٣٠.
36 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب لا عيش إلا عيش الآخرة، رقم ٦٤١٢، ٨/٨٨.
37 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٧٨.
38 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب في القيامة، رقم ٢٤١٧، ٤/٦١٢.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٧٣٠٠، ٢/١٢٢١.
39 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٢٣.
40 انظر: المصدر السابق ص ٨٩٧.
41 التبيان في أقسام القرآن، ابن القيم ص٧٣.
42 المصدر السابق ص٥٥.
43 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٥٨٥، معالم التنزيل، البغوي ٨/٤٣٥.
44 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٨٠.
45 التبيان في أقسام القرآن، ابن القيم ص٨٤.
46 انظر تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤١٧.
47 انظر: تفسير الجلالين ص ٥٧٦.
48 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٣١٩.
49 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٥٣.
50 فتح القدير، الشوكاني ٤/٦٤٩.
وانظر: معالم التنزيل، البغوي ٧/٢٢٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/١٢١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٧٠.
51 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٨٨.
52 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٢٣٩.
53 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٤٥٣، محاسن التأويل، القاسمي ٩/١٤٣.
54 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذا خليلا)، رقم ٣٦٧٣، ٥/٨.
55 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم، رقم ٢٥٤١، ٤/١٩٦٧.
56 شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز ٢/٦٩١.
57 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، رقم ٥٢٧، ١/١١٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، رقم ٨٥، ١/٩٠.
58 البدنة: البعير ذكرا كان أو أنثى.
انظر: فتح الباري، ابن حجر العسقلاني ٢/٣٦٧.
59 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب فضل الجمعة، رقم ٨٨١، ٢/٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة، رقم ٨٥٠، ٢/٥٨٢.
60 فتح الباري، ابن حجر العسقلاني ٢/٣٦٦.
61 مدارج السالكين، ابن القيم ٢/١٧.
62 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٢٩.
63 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٣٣.
64 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٥٧٨، ٥٧٩.
65 أحكام القرآن، أبو بكر الجصاص ٣/٣١٢.
66 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٣١.
67 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٨٤.
68 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب من أحيا أرضا مواتا، رقم ٢٣٣٥، ٣/١٠٦.
69 فتح الباري، ابن حجر العسقلاني ٥/٢٠.
70 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب في القيامة، رقم ١٣٧٨، ٣/٦٥٤.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٥٩٧٦، ٢/١٠٣٦.
71 فتح الباري، ابن حجر العسقلاني ٥/١٨.
72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه، رقم ٢٣٢٠، ٣/١٠٣، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب فضل الغرس والزرع، رقم ١٥٥٣، ٣/١١٨٩.
73 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٢٩٨١، ٢٠/٢٩٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٠٠، رقم ١٤٢٤.
74 الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي ٨/٦٣٨٧.
75 منتهى السول على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول، عبد الله اللحجي ٢/٣٧٩.
76 صيد الخاطر، ابن الجوزي ص٢٠٦.
77 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٢٩.
78 فتح القدير، الشوكاني ٣/١٤٦.
79 مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة المقدسي ص٣٨٦.
80 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٥٠٠.
81 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٦٠.
82 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٢/١٥٧.
83 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٢٨.
84 تفسير البسيط، الواحدي ١٨/٨٦.
85 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/١٣٢.
86 تفسير المراغي ١٩/٣٣.
87 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٨٦.
88 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٤١٨.
89 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢١٤.
90 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٢٤.
91 جامع البيان، الطبري ١٨/٤٠٩.
92 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٣١.
93 جامع البيان، الطبري، بتصرف يسير ١٨/٢٢.
94 معالم التنزيل، البغوي ٨/٥١٥
95 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/١٦٨..
96 عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، ابن القيم ص١٨٣.
97 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٧٢.
98 انظر: الوسيط، محمد سيد طنطاوي ١٤/٤١٣.
99 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب البيوع، باب ما جاء في التبكير بالتجارة، رقم ١٢١٢، ٣/٥٠٩.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ١٢٩٦، ١/٢٧٨.
100 أضواء البيان، الشنقيطي ١/٢٨٠.
وانظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٨٣، معاني القرآن، الفراء ٢/٣٢٣، تفسير السمرقندي ٣/٨.
101 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٩٨.
102 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، رقم ٥٢٧، ١/١١٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، رقم ٨٥، ١/٩٠.
103 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، رقم ١٥٧٣، ٢/١٠٠.
وصححه الألباني في صحيح أبي داود، الأم، ٥/٢٩١.
104 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٧٦.
105 أخرجه أحمد في مسنده، ٩/٢٤٣.
وصححه الألباني في كتابه الإرواء ٣/٢١٤.
106 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل العيد، رقم ١٥٠٩، ٢/١٣١، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة، رقم ٩٨٦، ٢/٦٧٩.
107 قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن غَبِي عليكم).أي: خفي. وأخرجه بعضهم (غُبِّي) بضم الغين وتشديد الباء المكسورة، لما لم يسم فاعله، من الغباء: شبه الغبرة في السماء.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٣/٣٤٢.
108 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)، رقم ١٩٠٩، ٣/٢٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، رقم ١٠٨١، ٢/٧٦٢.
109 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥١٢.
110 تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص٤٢.
111 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/١٩٦.
112 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٨٢-٨٣.
113 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٧٤- ٣٧٦.
114 جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٣١.
115 تفسير المراغي ٣/٧٠.
116 التفسير البسيط، الواحدي ٤/٤٨٥.
117 انظر: التعريفات، الجرجاني ص١٠، أنيس الفقهاء، القونوي ص٩٦.
118 انظر: فقه السنة، سيد سابق ٣/١٨١.
119 الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي ٥/٣٨٠٩.
120 اختلف المفسرون فيه من هو؟ على أقوال، فمنهم من قال: إنه شعيب النبي عليه السلام الذي أرسل إلى أهل مدين، وهذا هو المشهور عند كثيرين، وقيل: هو رجل مؤمن من قوم شعيب. قال الحافظ ابن كثير: من المقوي لكونه ليس بشعيب أنه لو كان إياه لأوشك أن ينص على اسمه في القرآن هاهنا. وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده، والله أعلم.
انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٢٨- ٢٢٩.
121 تفسير المراغي ٢٠/٥٢.
122 فتح القدير، الشوكاني ٢/٦.
123 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢.
124 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢١٨.
125 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٣٠.
126 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد، رقم ٢٦٨٤، ٣/١٨١.
127 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٦٩.
128 انظر: تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص٤٩.
129 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٠٤.
130 التعريفات الفقهية، محمد عميم الإحسان ص٤٠.
131 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب قول الله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر)، رقم ٥٢٨٩، ٧/٥٠.
132 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، بتصرف واختصار ١/٦٠٤.
133 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٣٦.
134 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب ٦/٣٣٦.
135 جامع البيان، الطبري ١٩/١٥٧.
136 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٨/٩٩.
137 انظر: تفسير المراغي ٦/٣٣٦.
138 محاسن التأويل، القاسمي ٨/٩٩.
139 لباب التأويل، الخازن ٣/٤٣٤.
140 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٧٠.
141 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب الاستئذان من أجل البصر، رقم ٦٢٤١، ٨/٥٤.
142 فتح الباري، ابن حجر العسقلاني ١١/٢٤.
143 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٦٥.
144 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٣٠٢.
145 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٣٠٤.
146 معالم التنزيل، البغوي ٦/٦٠.
147 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٧٣.
148 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٣٠٧.
149 انظر: تفسير البسيط، الواحدي ٥/٢٤٤، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢١٦.
150 جامع البيان، الطبري ١٣/٣٥٥.
151 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/١٧٩.
152 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلوات، باب فضل صلاة العصر، رقم ٥٥٥، ١/١١٥، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر، والمحافظة عليهما، رقم ٦٣٢، ١/٤٣٩.
153 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٢/١٦٨، تفسير المراغي ٢٣/١٠٦.
154 اختلف في الصلاة الوسطى اختلافا كثيرا، وقد ذكر الحافظ ابن كثير الأقوال في ذلك، ثم قال: وكل هذه الأقوال فيها ضعف بالنسبة إلى التي قبلها، وإنما المدار ومعترك النزاع في الصبح والعصر. وقد ثبتت السنة بأنها العصر، فتعين المصير إليها.
انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٥٤.
155 الوابل الصيب من الكلم الطيب، ابن القيم ص٩٣.
156 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، رقم ٢٦٩٢، ٤/٢٠٧١.
157 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، والإجابة فيه، رقم ٧٥٨، ١/٥٢١.
158 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٠١.
159 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٥/٢٥٢.
160 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٦.
161 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان، رقم ٣٨، ١/١٦، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح، رقم ٧٦٠، ١/٥٢٣.
162 انظر تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص٨١٥.
163 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٤٤.
164 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٤٥.
165 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية، رقم ١٩٠١، ٣/٢٦، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح، رقم ٧٦٠، ١/٥٢٣.
166 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٩٠.
167 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٣١٣.
168 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الصوم، باب ما جاء في العمل في أيام العشر، رقم ٧٥٧، ٣/١٢١.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٥٥٤٨، ٢/٩٧٣.
169 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين، رقم ٣١٩٧، ٤/١٠٧، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، وهو التراويح، رقم ١٦٧٩، ٣/١٣٠٥.
170 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٣٣.
171 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٤٨.
172 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٣٦.
173 جامع البيان، الطبري ١٤/٢٣٩.
174 المصدر السابق ١٤/٢٤٣.
175 انظر: زاد المعاد، ابن القيم ١/٦٠.
176 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب فضل يوم الجمعة، رقم ٨٥٤، ٢/٥٨٥.
177 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٣٣٣.
178 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٦٤.
179 أخرجه أبو داود في سننه، باب تفريع أبواب الوتر، باب في الاستغفار، رقم ١٥٣١، ٢/٨٨.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٢٢١٢، ١/٤٤٠.
-1 أخرجه الحاكم في مستدركه، رقم ٣٣٩٢، ٢/٣٩٩.
قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٦٤٧٠، ٢/١١٠٤.