عناصر الموضوع
الوفاء
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: (وفي) «الواو والفاء والحرف المعتل: كلمةٌ تدل على إكمالٍ وإتمام. منه الوفاء: إتمام العهد وإكمال الشرط. ووفى: أوفى، فهو وفيٌ. ويقولون: أوفيتك الشيء، إذا قضيته إياه وافيًا. وتوفيت الشيء واستوفيته؛ إذا أخذته كله حتى لم تترك منه شيئًا» 1.
وقال ابن منظور: «معنى الوفاء في اللغة الخلق الشريف العالي الرفيع»2.
«يقال: وفى بعهده وأوفى، ووفيت بالعهد وأوفيت به سواء، فمن قال وفى فإنه يقول تم كقولك وفى لنا فلانٌ أي: تم لنا قوله ولم يغدر، ومن قال أوفى فمعناه أوفاني حقه أي: أتمه ولم ينقص منه شيئًا، وكذلك أوفى الكيل أي: أتمه ولم ينقص منه شيئًا»3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الراغب: الوفاء بالعهد: إتمامه وعدم نقض حفظه4.
وقال أيضًا: الوفاء صدق اللسان والفعل معًا 5.
وقال الجرجاني: الوفاء: هو ملازمة طريق المواساة، ومحافظة عهود الخلطاء6.
وقيل: الوفاء: المحافظة على العهد والالتزام به، ومنه الوفاء بالالتزام، ووفاء الدين، والوفاء بالعهد7.
فالوفاء يدور حول الالتزام والإكمال والتمام والمحافظة على ما ألزم الإنسان به نفسه من عهود أو مواثيق أو وعود أو أمانات أو غير ذلك مما يضاف إلى كلمة الوفاء.
وردت مادة (وفي) في القرآن الكريم (٦٦) مرة، يخص موضوع البحث منها (٤١) مرة8.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٦ |
(ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الزمر:٧٠] |
الفعل المضارع |
٢٠ |
(ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الإنسان:٧] |
فعل الأمر |
١١ |
(ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الإسراء:٣٤] |
اسم الفاعل |
٢ |
(ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [هود:١٠٩] |
اسم تفضيل |
٢ |
(ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [التوبة:١١١] |
وجاء الوفاء في القرآن بمعناه اللغوي، وهو: التمام، ومنه قوله تعالى: (ﭐﯸ ﯹ ﯺ) [النجم: ٣٧]. يعني: أنه بذل المجهود في جميع ما طولب به وأداه تامًا كاملًا9.
الصدق:
الصدق لغةً:
نقيض الكذب، صدق، يصدق، صدقًا، وصدقًا، وتصادقًا، قيل: صدقه الحديث: أنبأه بالصدق، ويقال: صدقت القوم، أي: قلت لهم صدقًا وتصادقًا في الحديث وفي المودة10.
الصدق اصطلاحًا:
مطابقة الكلام للواقع بحسب اعتقاد المتكلم11.
وقال الراغب: الصدق مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معا، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا تاما 12.
الصلة بين الصدق والوفاء:
قال الماوردي: «الصدق والوفاء توأمان، والصبر والحلم توأمان فيهن تمام كل دين، وصلاح كل دنيا، وأضدادهن سبب كل فرقة وأصل كل فساد 13.
وقيل: بين الوفاء والصدق عموم وخصوص «فكل وفاء صدق، وليس كل صدق وفاء. فإن الوفاء قد يكون بالفعل دون القول، ولا يكون الصدق إلا في القول، لأنه نوع من أنواع الخبر، والخبر قول»14.
الأمانة:
الأمانة لغةً:
لها أصلان متقاربان: أولهما: الأمانة التي ضد الخيانة، ومعناه سكون القلب. والآخر: التصديق15.
الأمانة اصطلاحًا:
قال الكفوي: الأمانة: كل ما افترض الله على العباد فهو أمانة كالصلاة والزكاة والصيام وأداء الدين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار، وقال في موضع آخر: كل ما يؤتمن عليه من أموال وحرم وأسرار فهو أمانة16.
الصلة بين الأمانة والوفاء:
معنى الأمانة قريب من معنى الوفاء؛ فإذا كانت الأمانة بمعنى الفرائض فمن الوفاء إتمامها كاملة غير منقوصة، وكذا إذا كانت بمعنى الوديعة.
قال النسفي: ومعنى الخون النقص كما أن معنى الإيفاء التمام، ومنه تخونه إذا انتقصه، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء، لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه17.
الخيانة:
الخيانة لغةً:
الاحتيال والخداع. فالخيانة خلاف الأمانة18.
الخيانة اصطلاحًا:
«مخالفة الحق بنقض العهد في السر»19.
الصلة بين الخيانة والوفاء:
من خلال معرفة معنى الخيانة يلاحظ أنها تأتي في مقابل الوفاء خاصة، وأن الوفاء يقوم على الإتمام والإكمال والالتزام بالعهود والمواثيق، والخيانة تنصرف إلى نقضها وعدم الوفاء بها، ومن استعمال القرآن للخيانة بمعنى نقض العهود والمواثيق وعدم الوفاء بها ما جاء في قوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الأنفال: ٥٨].
والوفاء له مجالات كثيرة يجب على المسلم أن يقوم بها على وجه الإكمال والإتمام، حتى يكون قد حقق الوفاء المأمور به في الشريعة، ومن أبرز هذه المجالات:
أولًا: الوفاء بالعهود والمواثيق:
والوفاء بالعهود والمواثيق من الأمور المهمة في حياة المسلم، والتي جاءت الكثير من النصوص الشرعية تأمر بالوفاء بها على وجه التمام والكمال.
ويشمل ذلك الوفاء بالعهد والميثاق مع الله سبحانه، أو مع الناس، وقد جاء الأمر بذلك في قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة: ٤٠].
وقد بين الشيخ ابن عثمين أهمية الوفاء بالعهد مع الله فقال: «ومن فوائد هذه الآية أن من وفى لله بعهده وفى الله له؛ لقوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) بل إن الله أكرم من عبده، حيث يجزيه الحسنة بعشر أمثالها؛ وأن من نكث بعهد الله فإنه يعاقب بحرمانه ما رتب الله تعالى على الوفاء بالعهد؛ وذلك لأن المنطوق في الآية أن من وفى لله وفى الله له؛ فيكون المفهوم أن من لم يف فإنه يعاقب، ولا يعطى ما وعد به؛ وهذا مقتضى عدل الله عز وجل 20.
ومن الآيات التي تحث على الوفاء بالعهود والمواثيق قوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأنعام: ١٥٢].
والآية تجعل الوفاء بعهد الله من وصية الله لعباده كما قال ابن كثير: «وقوله: (ﭰ ﭱ ﭲ) أي: وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا. وإيفاء ذلك: أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله، وذلك هو الوفاء بعهد الله. (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) يقول تعالى: هذا وصاكم به، وأمركم به، وأكد عليكم فيه»21.
وقد جاء الأمر أيضًا بالوفاء بالعهود والمواثيق في قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النحل: ٩١].
قال القرطبي: «(ﮍ ﮎ ﮏ) لفظ عام لجميع ما يعقد باللسان ويلتزمه الإنسان من بيع الإنسان من بيع أو صلة أو موافقة للديانة»22.
وعن سر إيثار التعبير بـ(ﮍ ) فلأن فيه دلالة على التمسك بالعهد تمسكًا تامًّا، وأداءً وافيًا لا نقيصة فيه، وهذا ما يناسب الحديث عن العهد مع الله تعالى، لذا أضيف العهد الى الله في قوله: ( ﮎ ﮏ)لإبراز عظمة هذا العهد وفخامته، وللحث على الالتزام به وعدم نقضه، هذا ما أوحى به لفظ الجلالة بما فيه من معاني الجلالة والعزة، لأنه اسم الله الأعظم. والإتيان بـ(إذا) الظرفية لتأكيد الوفاء بالعهد23.
وبين القرآن أن الإنسان سيسأل عن عهده الذي أعطاه لغيره وذلك في قوله تعالى: (ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الإسراء: ٣٤].
قال ابن كثير: «أي: الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها، فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه»24.
وقال الطبري: «يقول: وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام، وفيما بينكم أيضًا، والبيوع والأشربة والإجارات، وغير ذلك من العقود؛ لأن الله جل ثناؤه سائل ناقض العهد عن نقضه إياه، يقول: فلا تنقضوا العهود الجائزة بينكم وبين من عاهدتموه أيها الناس فتخفروه، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك. وإنما عنى بذلك أن العهد كان مطلوبًا، يقال في الكلام: ليسئلن فلان عهد فلان»25.
وقد مدح الله الذين يفون بعهودهم ومواثيقهم، وأنهم من الذين صدقوا، وذلك في قوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ١٧٧].
وأنهم من المتقين قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [آل عمران: ٧٦].
وانهم من أولي الألباب قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الرعد: ١٩-٢٠].
وأن له الأجر العظيم من الله سبحانه: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)[الفتح: ١٠].
وقد ورد في السنة النبوية أيضًا ما يأمر بالوفاء بالعهود والمواثيق والإنكار على من خالف ذلك، وأنه مما أمر به الإسلام، فعن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: (أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له: سألتك ماذا يأمركم فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، قال: وهذه صفة نبيٍ) 26.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفي بالعهود حتى في أشد الظروف، فعن الحسن بن على بن أبى رافعٍ رضي الله عنه أن أبا رافعٍ أخبره قال: (بعثتنى قريشٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألقي فى قلبى الإسلام، فقلت: يا رسول الله إنى والله لا أرجع إليهم أبدًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد، ولكن ارجع فإن كان فى نفسك الذى فى نفسك الآن فارجع). قال: فذهبت ثم أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فأسلمت) 27.
قال ابن الأثير: «(إني لا أخيس بالعهد) أي: لا أنقضه. يقال: خاس بعهده يخيس، وخاس بوعده إذا أخلفه»28.
ويبين النبي صلى الله عليه وسلم أن من لا يوفون بعهودهم إنما يفضحون يوم القيامة ويكون لهم علامة جزاء على غدرهم، وهذا وإنْ دلَّ فإنما يدلُّ على عظم هذا الأمر في الإسلام، فعن عبد الله رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة يقال هذه غدرة فلانٍ) 29.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى يمضي أمده، أو ينبذ إليهم على سواء) 30.
بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجه أصحابه رضي الله عنهم إلى الوفاء بعهودهم، ولا يطلب منهم نقضها مهما كان الأمر، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أني خرجت أنا وأبي حسيلٌ قال فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدًا، فقلنا: ما نريده ما نريد إلا المدينة فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر، فقال: انصرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم)31.
ولقد استنبط أهل العلم من هذه النصوص وغيرها أن الوفاء بالعهود والمواثيق من الأمور اللازمة والمهمة، كما قال ابن تيمية: «جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود وبأداء الأمانة، ورعاية ذلك، والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة، والتشديد على من يفعل ذلك»32.
وقال الشيخ صالح الفوزان: «من الوصايا العظمية: الوفاء بعهد الله عز وجل بأن تعبده ولا تشرك به شيئًا؛ والوفاء بالمواثيق التي تكون بين الناس بعضهم مع بعض، فإذا عاهدت سلطانًا، أو أميرًا، أو عاهدت أحدًا من الناس فلا تغدر العهد»33.
وبعض العلماء قد عد النقض للعهود والمواثيق من الكبائر والموبقات، كما ذكر الذهبي فقال: «الكبيرة الخامسة و الأربعون: الغدر و عدم الوفاء بالعهد» 34.
ومن خلال ما سبق يتضح لنا أهمية ووجوب الوفاء بالعهود والمواثيق وإتمامها والقيام بها على وجه الكمال، ويشمل ذلك كل العهود والمواثيق سواء مع الله سبحانه أم مع الناس على اختلاف أنواعهم، مسلمين أم غير مسلمين، طالما أعطيناهم عهودًا ومواثيق.
ثانيًا: الوفاء بالوعود:
ومن المجالات المهمة من مجالات الوفاء، الوفاء بالوعود، لأنه دليل على صدق المسلم، وتمام إيمانه، وكمال إسلامه.
والوفاء بالوعد: هو الصبر على ما يبذله الإنسان من نفسه ويرهنه به لسانه. والخروج مما يضمنه (بمقتضى العهد الذي قطعه على نفسه) وإن كان مجحفا به، فليس يعد وفيا من لم تلحقه بوفائه أذية وإن قلت، وكلما أضر به الدخول تحت ما حكم به على نفسه كان ذلك أبلغ في الوفاء 35.
والوعد: «هو الإخبار بإيصال الخير في المستقبل، والإخلاف: جعل الوعد خلافا، وقيل: هو عدم الوفاء به » 36.
قال ابن حجر العسقلاني: «المراد بالوعد، الوعد بالخير، أما الوعد بالشر فيستحب إخلافه، وقد يجب ما لم يترتب على ترك إنفاذه مفسدة،»37.
فالوعد لا بد أن يكون بمعروف، فحين يكون الوعد بشر، لا يجب الوفاء به. وإن زمن الوفاء بالوعد هو المستقبل، وليس الآن (حين الوعد). «وينبغي أن يفرق بين الوعد والنذر؛ لكون الوفاء بهما في المستقبل فيتشابهان من هذا الوجه، لكن هذا التشابه لا يمنع وجود الفرق بينهما، فالنذر وإن كان فيه معنى الوعد، إلا أن فيه معنى القربة إلى الله تعالى، وأن في عدم الوفاء به الكفارة، وليس كذلك الوعد»38.
وهناك فرق بين الوعد والعهد، إذ العهد، يراد به الأمان واليمين والموثق والذمة والحفاظ والوصية، فتقول: عهد الله علي لأفعلن كذا39 والعهد يراد به ما تعبد الله به من أمور الدين، أو ما يكون بين العباد مما يكون بخلفه إتلاف مال أو نفس، أو إدخال ضرر كثير.
أما الوعد ففيما لا يتعلق ذلك به حق لمخلوق. أو ما لا يؤدي إلى إخلافه كثير ضرر، فمن نقض عهده فذلك من كبائر الذنوب ويبلغ به الهلاك، ومن أخلف وعده كان إثما ولا يبلغ فاعلوه إلى الكفر والهلاك40.
وقيل: العهد ما يكون من الجانبين، وأما ما يكون من جانب فوعد، ونقضه خلف وعد41.
وقيل: العهد ما كان من الوعد مقرونا بشرط، نحو قولك: إن فعلت كذا فعلت كذا وما دمت على ذلك فأنا عليه، والعهد يقتضي الوفاء والوعد يقتضي الإيجاز، ويقال: نقض العهد وأخلف الوعد42.
ومع ما نقلناه من خلاف بين العهد والوعد، فإن العسقلاني ذكر أنه قد يتحد معناهما43.
ولعل ما يؤيد هذا الرأي قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)[التوبة: ٧٥-٧٧].
إذ بدأ الذكر الحكيم بقوله: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) فلما أخلفوا رتب عليهم ما رتب، ثم علله بقوله: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)44.
والوعد مباح 45. فلكل شخص أن يعد بالمعروف والخير من يشاء من الناس، لكن الذي ينبغي الإشارة إليه هو أن يتحفظ الشخص في إطلاق الوعود للناس؛ لأن الوفاء بالوعد أمر مستقبل، والشخص لا يملك معرفة أحواله المستقبلية؛ إذ قد يكون الواعد عاجزًا عن الوفاء فيكون مخلفًا للوعد، فيوصم بخصلة من خصال النفاق؛ لذلك فإن الإمام الغزالي رحمه الله قد اعتبر وعد الكاذب آفة، إذ يقول: «إن اللسان سباق إلى الوعد، ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء فيصير الوعد خلفًا، وذلك من أمارات النفاق»46.
وقد جعل الله تعالى الوفاء بالوعود من صفات الأنبياء، فقال سبحانه عن نبي الله إسماعيل عليه السلام: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ)[مريم: ٥٤].
قال القرطبي: «وخصه الله تعالى بصدق الوعد وإن كان موجودا في غيره من الأنبياء تشريفًا له وإكرامًا، كالتلقيب بنحو الحليم والأواه والصديق، ولأنه المشهور المتواصف من خصاله. وصدق الوعد محمود وهو من خلق النبيين والمرسلين، وضده وهو الخلف مذموم، وذلك من أخلاق الفاسقين والمنافقين على ما تقدم بيانه في براءة. وقد أثنى الله تعالى على نبيه إسماعيل فوصفه بصدق الوعد» 47.
وقال القاسمي: «وفيه تنبيه بعظم هذه الخلة. ولذا كان ضدها نفاقًا، كما صرحت به الأخبار»48.
وبين الرازي أنواع الوعد التي صدق فيها إسماعيل عليه السلام فقال: «وهذا الوعد يمكن أن يكون المراد فيما بينه وبين الله تعالى ويمكن أن يكون المراد فيما بينه وبين الناس.
أما الأول: فهو أن يكون المراد أنه كان لا يخالف شيئًا مما يؤمر به من طاعة ربه، وذلك لأن الله تعالى إذا أرسل الملك إلى الأنبياء وأمرهم بتأدية الشرع فلا بد من ظهور وعد منهم يقتضي القيام بذلك ويدل على القيام بسائر ما يخصه من العبادة. وأما الثاني: فهو أنه عليه السلام كان إذا وعد الناس بشيء أنجز وعده، فالله تعالى وصفه بهذا الخلق الشريف49.
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم عدم الوفاء بالوعود من صفات المنافق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا وعد أخلف) 50.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (أربع من كُنَّ فيه كان منافقًا أو كانت فيه خصلة من أربعة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها:إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) 51.
ومخلف الوعد يكون فاسد النية عديم الوفاء، قال العيني: «ونبه بقوله: (إذا وعد أخلف) على فساد النية؛ لأن خلف الوعد لا يقدح إلا إذا عزم عليه مقارنًا بوعده، أما إذا كان عازما ثم عرض له مانع أو بدا له رأي، فهذا لم توجد فيه صفة النفاق» 52.
قال النووي: «أجمعوا على أنَّ من وعد إنسانًا شيئًا ليس بمنهيٍّ عنه فينبغي أن يفي بوعده، وهل ذلك واجب أو مستحب فيه خلاف، ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أنه مستحبٌّ، فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة شديدة ولا يأثم يعني: من حيث هو خلف. وإن كان يأثم، إن قصد به الأذى. قال: وذهب جماعة إلى أنه واجب، منهم عمر بن عبد العزيز وبعضهم إلى التفصيل، ويؤيد الوجه الأول ما أورده في الإحياء حيث قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وعد وعدًا قال: « عسى »، وكان ابن مسعود لا يعد وعدًا إلا ويقول: إن شاء الله تعالى، وهو الأولى، ثم إذا فهم مع ذلك الجزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا أن يتعذر، فإن كان عند الوعد عازمًا على أن لا يفي به فهذا هو النفاق انتهى» 53.
ويظهر بذلك أهمية الوفاء بالوعود وعدم إخلافها لما فيه من التشبه بصفات المنافقين.
ثالثًا: الوفاء بالعقود:
ومن الأمور المهمة في حياة المسلم الحرص على الوفاء بالعقود، وقد جاء النصُّ على ذلك في قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ) [المائدة:١]
قال ابن عاشور: «فالتعريف في العقود تعريف الجنس للاستغراق، فشمل العقود التي عاقد المسلمون عليها ربهم، وهو الامتثال لشريعته، وشمل العقود التي عاقد المسلمون عليها المشركين، ويشمل العقود التي يتعاقدها المسلمون بينهم»54.
وما ذكره ابن عاشور هو الراجح في نظري؛ لدلالة العقود عليها.
قال الثعالبي: (فالآية عامة في الوفاء بالعقود، وهي الربوط في القول، كلُّ ذلك في تعاهد على بِرٍّ أو في عقدة نكاح، أو بيع، أو غيره، فمعنى الآية: أمر الله جميع المؤمنين بالوفاء على عقدٍ جارٍ على رسم الشريعة، وفسر بعض الناس لفظ العقود بالعهود. وأصوب ما يقال في هذه الآية: أن تعمم ألفاظها بغاية ما تتناول، فيعمم لفظ المؤمنين في مؤمني أهل الكتاب، وفي كلِّ مظهر للإيمان، وإن لم يبطنه، وفي المؤمنين حقيقة، ويعمم لفظ العقود في كل ربط بقول موافق للحقِّ والشرع»55.
وقال القرطبي: « فأمر الله سبحانه بالوفاء بالعقود؛ قال الحسن: يعني بذلك عقود الدين، وهي ما عقده المرء على نفسه؛ من بيع وشراء وإجارة وكراء ومناكحة وطلاق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير وعتق وتدبير، وغير ذلك من الأمور، ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة؛ وكذلك ما عقده على نفسه لله من الطاعات، كالحج والصيام والاعتكاف والقيام والنذر، وما أشبه ذلك من طاعات ملة الإسلام»56.
وما من شك أنه من الأهمية بمكان أن يحرص المسلم على الوفاء بالعقود التي أبرمها «فالأمر بالإيفاء بالعقود يدلُّ على وجوب ذلك،فتعين أنَّ إيفاء العاقد بعقده حقٌّ عليه،فلذلك يقضى به عليه،لأن العقود شرعت لسد حاجات الأمة، فهي من قسم المناسب الحاجي،فيكون إتمامها حاجيًّا؛ لأنَّ مكمل كلِّ قسم من أقسام المناسب الثلاثة يلحق بمكمله:إن ضروريًّا،أو حاجيًّا،أو تحسينًا57.
قال ابن تيمية: «وأما سورة المائدة فإنها سورة العقود، وهي العهود والمواثيق التي يعقدها بنو آدم بينهم وبين ربهم، ويعقدها بعضهم لبعضٍ، مثل عقد الإيمان وعقد الأيمان، فأمر الله بالوفاء بالعهود، والوفاء بالعهود من صفات الصادقين دون الكاذبين، وختم السورة بما يناسب ما فيها فقال: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [المائدة: ١١٩] فالموفون بالعقود صادقون، فنفعهم الصدق بالوفاء يوم القيامة بما وعدهم من الكرامة»58.
الوفاء بالعهود والعقود من أَجَلِّ مراتب السعادة59. قال صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) 60.
وكما قال ابن رجب: «وأما عهود المسلمين فيما بينهم، فالوفاء بها أشد، ونقضها أعظم إثمًا، ويدخل في العهود التي يجب الوفاء بها، ويحرم الغدر فيها: جميع عقود المسلمين فيما بينهم، إذا تراضوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاء بها. والمقصود بالمبايعات والمناكحات والعقود التي توجب الوفاء هي التي على شرعة الله ومنهاجه، لا التي على خلاف ذلك، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له، وإن شرطه مائة مرةٍ، شرط الله أحق وأوثق) 61»62.
وما من شك أن حرص المسلم على الوفاء بالعقود التي أبرمها يدلُّ على الاستجابة لتوجيهات الشرع الحنيف، ويعطي صورة طيبة عن المسلمين أن عندهم الوفاء دينًا يتعبدون الله به.
رابعًا: الوفاء بالأيمان والنذور والكفارات:
وما ينبغي الوفاء به في حياة المسلم الوفاء بالأيمان، ذلك لأن الإنسان قد يحلف بالله وهو أمر عظيم؛ فالواجب أن يفي بيمينه التي أقسمها ويبر بها.
وأما الأيمان فهي جمع يمين (واليمين أصله الجارحة، واليمين في الحلف مستعار من اليد؛ اعتبارًا بما يفعله المعاهد والمحالف وغيره63.
قال ابن حجر: «وأصل اليمين في اللغة اليد وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كلٌّ بيمين صاحبه، وقيل: لأن اليد اليمنى من شأنها حفظ الشيء، فمسمى الحلف بذلك لحفظ المحلوف عليه، وسمي المحلوف عليه يمينًا لتلبسه بها، واليمين هي توكيد الشيء بذكر اسم أو صفة لله»64.
وشأن اليمين عند الله عظيم، وخطر التساهل بها جسيم، فليست اليمين مجرد كلمة تمر على اللسان، ولكنها عهد وميثاق ينتهي عندها حده، ويجب أن يوافي حقه، ومن ثم فلا ينبغي للإنسان التسرع إلى اليمين إلا عند الحاجة، وكثرة الحلف تدلُّ على الاستخفاف بالمحلوف به، وعدم تعظيمه، وكثرة الحلف بالباطل من صفات المنافقين، قال الله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ)[المجادلة: ١٤]
قال ابن عاشور: «والتوجيهات القرآنية بشأن اليمين قبل صدوره تضيق الحالات التي يشرع فيها، ومرد ذلك إلى أمرين:
أولهما: ارتباط اليمين بتعظيم الله تعالى، وبالتالي فإنَّ من تعظيمه جلَّ وعلا أن يصان اسمه من الابتذال بكثرة الحلف بغير حاجة إلى ضرورة أو مصلحة راجحة.
الثاني: مقصود الحالف إشهاد الله على صدقه فيما قاله، ومن أجل ذلك تضمن اليمين معنى قويًّا في الصدق، وحينئذٍ فالواجب على المسلم التحرز من إشهاد الله على أمر قد يكون واقع الحال أو المآل بخلافه، لئلا يكون مستخفًّا بمن أشهده والتحرز لا يكون إلا بالإقلال من اليمين وحصرها في أضيق الحدود»65.
وقد حذر القرآن الكريم من نقض الأيمان وعدم الوفاء بها فقال سبحانه: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)[النحل: ٩١- ٩٢]
قال البغوي: «قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) والعهد هاهنا هو: اليمين. قال الشعبي: العهد يمين وكفارته كفارة يمين، (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) تشديدها، فتحنثوا فيها، (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) شهيدًا بالوفاء. ثم ضرب الله مثلا لنقض العهد فقال: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) أي: من بعد غزله وإحكامه. قال الكلبي، ومقاتل: هي امرأة خرقاء حمقاء من قريش، كانت تغزل الغزل من الصوف والشعر والوبر، وتأمر جواريها بذلك، فكُنَّ يغزلن من الغداة إلى نصف النهار، فإذا انتصف النهار أمرتهن بنقض جميع ما غزلن، فهذا كان دأبها، ومعناه: أنها لم تكف عن العمل، ولا حين عملت كفت عن النقض، فكذلك أنتم إذا نقضتم العهد، لا كففتم عن العهد، ولا حين عاهدتم وفيتم به. (ﮫ) يعني: أنقاضًا واحدتها »نكث« وهو ما نقض بعد الفتل، غزلًا كان أو حبلًا. (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) أي: دخلًا وخيانة وخديعة، و «الدخل» ما يدخل في الشيء للفساد. قال مجاهد: وذلك أنهم كانوا يحالفون الحلفاء فإذا وجدوا قومًا أكثر منهم وأعزَّ نقضوا حلف هؤلاء وحالفوا الأكثر، فمعناه: طلبتم العزَّ بنقض العهد، بأن كانت أمة أكثر من أمة. فنهاهم الله عن ذلك. (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) يختبركم الله بأمره إياكم بالوفاء بالعهد»66.
وهذه الآية يظهر فيها التحذير من عدم الوفاء ومن نكث العهد، ومن التلاعب باسم الحق جلَّ وعلا فهو سبحانه يعلم من يفي بعهده، ويعرف لاسمه الكريم جلاله، ومن لا يوقر الله، ولا يحفل بالعهد الذي قطعه، وأشهد الله عليه، والله سبحانه غيور على حماه أن يستباح، فمن استباحه فقد أورد نفسه موارد الهالكين67.
ولا يوجد ثمة تعارض بين هذه الآية وبين الآيات الأخرى التي توجه المسلم إلى كفارة اليمين عند الحنث في يمينه حيث قال ابن كثير بعد أن تحدث وبين خطورة نقض الأيمان والرجوع فيها بعد توكيدها:
«ولا تعارض بين هذا وبين قوله: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [البقرة: ٢٢٤].
وبين قوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [المائدة: ٨٩].
أي: لا تتركوها بلا تكفير، وبين قوله، عليه السلام فيما ثبت عنه في الصحيحين: (إني والله إن شاء الله، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها، إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها). وفي رواية: (وكفرت عن يميني) 68.
لا تعارض بين هذا كله، ولا بين الآية المذكورة هاهنا وهي قوله: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ)[النحل: ٩١].
لأن هذه الأيمان، المراد بها الداخلة في العهود والمواثيق، لا الأيمان التي هي واردة على حث أو منع»69.
وما ينبغي الوفاء به في حياة المسلم الوفاء بالنذور، حيث إنها قربة أوجبها المسلم على نفسه فيبما بينه وبين الله، فمن الوفاء أن يقوم بما أوجبه على نفسه على وجه الكمال والتمام.
وقد مدح الله عباده الأبرار، وبين أن من أعمالهم الجليلة في الدنيا أنهم كانوا يوفون بنذرهم كما قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ)[الإنسان: ٧].
قال ابن كثير: «أي: يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر» 70.
فالمراد بالنذر هنا: أي بكل ما نذروه وأعطوا به عهدًا71.
والمعنى: يوفون بما أوجبه الله عليهم من الطاعات.
«قال قتادة، ومجاهد: يوفون بطاعة الله من الصلاة والحج ونحوهما. وقال عكرمة: يوفون إذا نذروا في حق الله سبحانه، والنذر في الشرع ما أوجبه المكلف على نفسه، فالمعنى: يوفون بما أوجبوه على أنفسهم. وقال الكلبي: يوفون بالعهد، أي: يتممون العهد. والأولى حمل النذر هنا على ما أوجبه العبد على نفسه من غير تخصيص»72.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ذكر سبحانه من أعمال الأبرار ما ينبه سامعه على جمعهم لأعمال البر كلها فذكر سبحانه وفاءهم بالنذر وخوفهم من ربهم، وإطعامهم الطعام على محبتهم له وإخلاصهم لربهم في طاعتهم،وذكر سبحانه الوفاء بالنذر وهو أضعف الواجبات، فإن العبد هو الذي أوجبه على نفسه بالتزامه فهو دون ما أوجبه الله سبحانه عليه، فإذا وفى لله بأضعف الواجبين الذي التزمه هو فهو بأن يوفى بالواجب الأعظم الذي أوجبه الله عليه أولى وأحرى»73.
وقد جاء في السنة النبوية ما يدلُّ على ضرورة الوفاء بالنذر، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه) 74.
قال ابن قدامة: (وأجمع المسلمون على صحة النذر في الجملة، ولزوم الوفاء به،. وما ورد من النهي عنه فهو نهي كراهة، لا نهي تحريم؛ لأنه لو كان حرامًا لما مدح الموفين به؛ لأن ذنبهم في ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه؛ ولأن النذر لو كان مستحبًّا، لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأفاضل أصحابه« 75.
قال ابن حجر: «النهى عن النذر والتشديد فيه ليس هو أن يكون مأثمًا،ولو كان كذلك ما أمر الله أن يوفى به، ولا حمد فاعله، ولكن وجهه عندي تعظيم شأن النذر وتغليظ أمره؛ لئلا يستهان بشأنه، فيفرط في الوفاء به،ويترك القيام به»76.
وبين الله سبحانه أن من جملة الأعمال التي يقوم بها الحاج (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الحج: ٢٩].
قال ابن كثير: «وقوله: (ﮯ ﮰ)، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني: نحر ما نذر من أمر البدن.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ﮯ ﮰ): نذر الحج والهدي وما نذر الإنسان من شيء يكون في الحج.
وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد: (ﮯ ﮰ) كلُّ نذر إلى أجل.
وقال عكرمة: (ﮯ ﮰ) قال: حجهم» 77.
وقال النسفي: «قوله: (ﮯ ﮰ) مواجب حجهم، والعرب تقول لكلِّ من خرج عما وجب عليه: وفَّى بنذره وإن لم ينذر، أو ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم»78.
وما ينبغي الوفاء به في حياة المسلم الوفاء بالكفارات، حيث يجب على المسلم الذي وجبت عليه الكفارة أن يقوم بالوفاء بما عليه كاملًا غير منقوص.
ومن الكفارات: كفارة اليمين، وفيها جاء قوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ)[المائدة: ٨٩].
فالمراد «أنه لا يؤاخذكم الله - أيها المؤمنون - بما جرى على ألسنتكم من لغو اليمين، الذي لم تتقصدوا فيه الكذب، أو لم تتعمد قلوبكم العزم على الحلف به، ولكن يؤاخذكم بما وثقتموه من الأيمان، فكفارة هذا النوع من الأيمان أن تطعموا عشرة مساكين من الطعام الوسط الذي تطعمون منه أهليكم، أو تكسوهم بكسوة وسط، أو تعتقوا عبدًا مملوكًا أو أمة لوجه الله، فإذا لم يقدر الشخص على الإطعام أو الكسوة أو الإعتاق، فليصم ثلاثة أيام متتابعة، ذلك كفارة أيمانكم أيها المؤمنون فاحفظوا أيمانكم عن الابتذال وأقلوا من الحلف لغير الضرورة79.
ومن الكفارات: كفارة الظهار، وقد جاء فيها قوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المجادلة: ٢-٣].
وعن الحكمة منها قال أبو السعود: «وهذه الكفارات تزجرون بها عن ارتكاب المنكر المذكور، فإن الغرامات مزاجرُ عن تعاطي الجنايات، والمراد بذكره بيان أن المقصود من شرع هذا الحكم ليس تعريضكم للثواب بمباشرتكم لتحرير الرقبة الذي هو علمٌ في استتباع الثواب العظيم، بل هو ردعكم وزجركم عن مباشرة ما يوجبه (ﮓ ﮔ ﮕ) من الأعمال التي من جملتها التكفير وما يوجبه من جناية الظهار (ﮖ) أي: عالمٌ بظواهرها وبواطنها ومجازيكم بها، فحافظوا على حدود ما شرع لكم ولا تخلوا بشيءٍ منها»80.
ومن الكفارات: كفارة القتل الخطأ وجاء فيها قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)[النساء: ٩٢].
فكلُّ هذه الكفارات يجب الوفاء بها رعاية لحق الله تعالى، ودليل على وفاء المسلم بعهده فيما بينه وبين الله تعالى.
ومما ينبغي التنبيه إليه أن الكفارات خمسة: كفارة اليمين، وكفارة الحلق، وكفارة القتل، وكفارة الظهار، وكفارة الإفطار. والأربعة التي عرف وجوبها بالكتاب العزيز، فكفارة اليمين وكفارة الحلق وكفارة القتل وكفارة الظهار. وكفارة الإفطار عرفت بالسنة النبوية81.
خامسًا: الوفاء بالأمانات:
ومن أعظم مجالات الوفاء: الوفاء بالأمانات، ومعناها واسع يدخل فيها الكثير من أمور الدين والدنيا، وهي من أعظم ما يجب على المسلم الوفاء به.
ولقد دلت الكثير من النصوص الشرعية على أهمية الوفاء بالأمانات استجابة لأمر الله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [النساء: ٥٨].
قال الرازي: «أمر المؤمنين في هذه الآية بأداء الأمانات في جميع الأمور، سواء كانت تلك الأمور من باب المذاهب والديانات، أو من باب الدنيا والمعاملات، وأيضًا لما ذكر في الآية السابقة الثواب العظيم للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وكان من أجل الأعمال الصالحة الأمانة، لا جرم أمر بها في هذه الآية»82.
وبين الألوسي أن الأمانة هنا تشمل جميع ما يؤتمن عليه الإنسان فقال: «والآية عند أكثر المفسرين عامة في كل ما اؤتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الله تعالى ومن جهة الناس، كالتكاليف الشرعية، والأموال المودعة، والإيمان، والنذور، والعقود ونحوها، وجمعت الأمانة دون العهد، قيل: لأنها متنوعة متعددة جدًّا بالنسبة إلى كل مكلف من جهته تعالى، ولا يكاد يخلو مكلف من ذلك ولا كذلك العهد»83. وفي مدح الذين يراعون العهد ويؤدون أمانة الوفاء بالعهد، قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [المؤمنون: ٨].
قال ابن عاشور: «هذه صفة أخرى من جلائل صفات المؤمنين، تنحل إلى فضيلتين هما؛ فضيلة أداء الأمانة التي يؤتمنون عليها، وفضيلة الوفاء بالعهد. فالأمانة تكون غالبًا من النفائس التي يخشى صاحبها عليها التلف، فيجعلها عند من يظن فيه حفظها، وفي الغالب يكون ذلك على انفراد بين المؤتمن والأمين، فهي لنفاستها قد تغري الأمين عليها بأن لا يردها، وبأن يجحدها ربها، ولكون دفعها في الغالب عريًا عن الإشهاد، تبعث محبتها الأمين على التمسك بها وعدم ردها؛ فلذلك جعل الله ردها من شعب الإيمان»84.
وجاء التحذير من خيانة الأمانة في كثير من المواضع منها قوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الأنفال: ٢٧]
وجميع الآيات التي تأمر بالوفاء بعهد الله يدخل فيها الوفاء بالأمانات على تعدد أنواعها ومجالاتها.
وفي السنة الكثير من الأحاديث التي توصي بأهمية الوفاء بالأمانات فعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: ما خطبنا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: (لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له) 85.
والأمانة تفرق بين المؤمن والمنافق، والخيانة علامة من علامات النفاق، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاثٌ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)86.
سادسًا: الوفاء في الكيل والميزان:
ومن أبرز مجالات الوفاء: الوفاء في الكيل والميزان، وقد جاءت الدعوة إلى ذلك في أكثر من موضع من القرآن خاصة في دعوة الأنبياء لأقوامهم وتقويم هذا الانحراف لدى أتباعهم، لما يترتب على وجوده من مفاسد خطيرة على الفرد والمجتمع.
ومما جاء في ذلك: قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الأنعام: ١٥٢].
قال البغوي: « قوله: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) بالعدل، (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) أي: طاقتها في إيفاء الكيل والميزان، أي: لم يكلف المعطي أكثر مما وجب عليه، ولم يكلف صاحب الحق الرضا بأقل من حقه، حتى لا تضيق نفسه عنه، بل أمر كل واحد منهما بما يسعه مما لا حرج عليه فيه»87.
وجاء في توجيه الأنبياء لأقوامهم وصيتهم بإيفاء الكيل والميزان، ومن ذلك قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ) [الأعراف: ٨٥].
وقوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [هود: ٨٥].
وقوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ) [الإسراء: ٣٥].
وقوله تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الشعراء: ١٨١].
وجاء التحذير من عدم الوفاء في الكيل والميزان، والوعيد على ذلك بالويل في قوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [المطففين: ١-٣].
قال الطبري: «والويل هو: الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم في أسفلها للذين يطففون، يعني: للذين ينقصون الناس، ويبخسونهم حقوقهم في مكاييلهم إذا كالوهم، أو موازينهم إذا وزنوا لهم عن الواجب لهم من الوفاء، وأصل ذلك من الشيء الطفيف، وهو القليل النزر، والمطفف: المقلل حق صاحب الحق عما له من الوفاء والتمام في كيل أو وزن؛ ومنه قيل للقوم الذي يكونون سواء في حسبة أو عدد: هم سواء كطف الصاع، يعني بذلك: كقرب الممتلئ منه ناقص عن الملء»88.
وقال السعدي: «وفسر الله المطففين بقوله: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) أي: أخذوا منهم وفاء عما ثبت لهم قبلهم (ﯞ) يستوفونه كاملا من غير نقص. (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) أي: إذا أعطوا الناس حقهم، الذي للناس عليهم بكيل أو وزن، (ﯤ) أي: ينقصونهم ذلك، إما بمكيال وميزان ناقصين، أو بعدم ملء المكيال والميزان، أو نحو ذلك. فهذا سرقة لأموال الناس، وعدم إنصاف لهم منهم»89.
ويستنبط مما جاء به القرآن الكريم أن التطفيف: «هو الاستيفاء من الناس عند الكيل أو الوزن، والإنقاص والإخسار عند الكيل أو الوزن لهم. ويلحق بالوزن والكيل ما أشبههما من المقاييس والمعايير التي يتعامل بها الناس»90.
قال الإمام النيسابوري رحمه الله: اعلم أن أمر المكيال والميزان عظيم؛ لأن مدار معاملات الخلق عليهما ولهذا جرى على قوم شعيب بسببه ما جرى91.
وقد عد ابن حجر الهيثمي التطفيف من الكبائر وجعله شاملا لبخس نحو الكيل أو الوزن أو الذرع، وذلك لأنه من أكل أموال الناس بالباطل؛ ولهذا اشتد الوعيد عليه كما علمته من الآية والأحاديث، وأيضًا فإنما سمي مطففا لأنه لا يكاد يأخذ إلا الشيء الطفيف وذلك ضرب من السرقة والخيانة مع ما فيه من الإنباء عن عدم الأنفة والمروءة بالكلية، ومن ثم عوقب بالويل الذي هو شدة العذاب، أو الوادي في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، نعوذ بالله منه، وأيضًا فقد شدد الله تعالى عقوبة قوم شعيب على نبينا وعليه الصلاة والسلام على بخسهم المكيال والميزان92.
ومما سبق يظهر دعوة القرآن الكريم إلى الوفاء بالكيل والميزان، وعدم تطفيفه للوفاء بحقوق الناس، وعدم أكلها بالباطل.
سابعًا: الوفاء بالبيعة:
ومن أبرز مجالات الوفاء: الوفاء بالبيعة.
ومن الآيات التي تشير إلى الوفاء بالبيعة قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ)[التوبة:١١١].
قال ابن عاشور: « قوله: (ﯩ ﯪ ﯫ) أي: وعدا حقا عليه ولا أحد أوفى بعهده منه، فالاستفهام إنكاري بتنزيل السامع منزلة من يجعل هذا الوعد محتملا للوفاء وعدمه كغالب الوعود فيقال: ومن أوفى بعهده من الله إنكارا عليه. و (ﯲ) اسم تفضيل من وفى بالعهد إذا فعل ما عاهد على فعله. و (ﯴ) تفضيلية، وذكر اسم الجلالة عوضا عن ضميره لإحضار المعنى الجامع لصفات الكمال. والعهد: الوعد بحلف والوعد الموكد، والبيعة عهد، والوصية عهد. وتفرع على كون الوعد حقا على الله، وعلى أن الله أوفى بعهده من كل واعد، أن يستبشر المؤمنون ببيعهم هذا، فالخطاب للمؤمنين من هذه الأمة»93.
ومدح الله الذين أوفوا ببيعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الفتح: ١٠]
قال النسفي: «ومعنى الآية: تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما كقوله (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ) [النساء: ٨٠].
وقوله (ﭜ ﭝ) نقض العهد ولم يف بالبيعة (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه94.
والبيعة عقد يقوم به «أهل الحل والعقد»وهم الجماعة الذين تنعقد البيعة بمبايعتهم وهم « أولي الأمر» فهم أصحاب الأمر المطاع من كبار الأمراء وكبار العلماء قد أمر الله تعالى بطاعتهم في قوله سبحانه: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [النساء: ٥٩]
والوفاء بالبيعة عهد؛ لأن البيعة معاهدة على السمع والطاعة في غير معصية الله قال الله تعالى (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ) [النساء: ٥٩]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) 95.
ونقض البيعة غدر: لقوله صلى الله عليه وسلم: (لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدرته، ألا و لا غادر أعظم غدرا من أمير عامة) 96.
قال ابن رجب: «أما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين، ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم، وطاعة ربهم»97.
وقال ابن تيمية: «وقد استفاض وتقرر في غير هذا الموضع ما قد أمر به صلى الله عليه وسلم من طاعة الأمراء في غير معصية الله، ومناصحتهم والصبر عليهم في حكمهم وقسمهم، والغزو معهم والصلاة خلفهم، ونحو ذلك من متابعتهم في الحسنات التي لا يقوم بها إلا هم؛ فإنه من باب التعاون على البر والتقوى، وما نهى عنه من تصديقهم بكذبهم، وإعانتهم على ظلمهم، وطاعتهم في معصية الله ونحو ذلك مما هو من باب التعاون على الإثم والعدوان» 98.
فالوفاء بالبيعة من الأمور المهمة ومن صور الوفاء التي يجب التزامها والقيام بها على وجه الكمال والتمام لأنها بمثابة العقد والعهد الذي حذرنا القرآن من نقضه والإخلال به.
والوفاء له أثره الإيجابي الفاعل المحمود على الفرد والمجتمع، وسيكون الحديث عنه في النقاط الآتية:
أولًا: أثر الوفاء على الفرد:
فإن من يلتزم بالوفاء في سلوكه وتصرفاته يحقق التقوى المأمور بها شرعًا، وقد كان الوفاء سبيلًا لذلك.
قال الله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)[آل عمران: ٧٦].
وربط القرآن بين تمام العهد ووفائه ومحبة الله، فقال سبحانه: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [التوبة: ٤].
قال الزمخشري: «كل من أوفى بما عاهد عليه واتقى الله في ترك الخيانة والغدر، فإن الله يحبه»99.
وعدد الله من صفات المؤمنين الصادقين قيامهم بالوفاء بالعهد، فقال سبحانه: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)[البقرة: ١٧٧].
وقد ربط القرآن بين تحقيق الوفاء وحصول المسلم على الأجر العظيم من الله سبحانه، كما قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)[الفتح:١٠].
قال السعدي:«قوله: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) أي: أتى به كاملا موفرا، (ﭩ ﭪ ﭫ) لا يعلم عظمه وقدره إلا الذي آتاه إياه»100.
وكذلك بين القرآن أن الوفاء بعهد الله فيه الفوز العظيم للمسلم كما قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ)[التوبة: ١١١].
ومن آثار الوفاء على الفرد نيل الفلاح حيث أخبر القرآن من صفات المؤمنين المفلحين: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[المؤمنون: ٨].
فمن آثار الوفاء أن الفرد الذي يفي بعهده مع الله يكون جزاؤه من جنس ما صنع، كما جاء في قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)[البقرة: ٤٠].
قال الطبري: «وعهده إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة»101.
وذكر عز وجل صفات أولي الألباب ذكر منها أنهم يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، ثم بين عاقبة هؤلاء، فقال عز وجل: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)[الرعد: ٢٠-٢٢].
ومما يبين أن الجزاء من جنس العمل فأصحاب الوفاء والصدق لهم جزاؤهم على صدقهم، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)[الأحزاب: ٢٣- ٢٤].
ومن آثار الوفاء على الفرد أنه يجعل المسلم متحملًا لمسؤولية قوله وفعله، وملتزمًا بعهوده ومواثيقه، كما قال الله تعالى: (ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)[الإسراء: ٣٤].
قال ابن كثير: «أي: الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها، فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) أي: عنه»102.
وقال أبوالسعود: «وقوله: (ﯚ ﯛ) سواءٌ جرى بينكم وبين ربكم أو بينكم وبين غيركم من الناس، والإيفاء بالعهد والوفاء به هو القيام بمقتضاه والمحافظة عليه (ﯝ ﯞ) أظهر في مقام الإضمار إظهارًا لكم والعناية بشأنه، (ﯟ ﯠ) أي: مسؤولًا عنه»103.
والمسلم عندما يلتزم بالوفاء في عهوده وعقوده وما لديه من أمانات وبالوفاء في الكيل والميزان يكون قد أدى ما عليه من حقوق العباد فلا يطالبه أحد بشيء يوم القيامة، كما قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ)[الأنبياء: ٤٧].
ومن جملة آثار الوفاء على الفرد السلامة من النفاق حيث إن نقض العهود والمواثيق وإخلاف الوعود من أبرز صفات المنافقين؛ فالوفاء من خاصية أهل الإيمان، والخيانة والغدر من خاصية أهل النفاق، كما قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)[التوبة: ٧٧].
قال ابن عاشور: «جعل فعلهم ذلك سببًا في بقاء النفاق في قلوبهم إلى موتهم، وذلك جزاء تمردهم على النفاق»104.
ثانيًا: أثر الوفاء على المجتمع:
إن وجود الوفاء من عوامل الاستقرار في المجتمعات؛ فاستشعار الجميع لأهمية الوفاء وتطبيقه بينهم يجعل المجتمع مستقرًا تسوده الطمأنينة لأفراده، خاصة عندما تتدرج دائرة الوفاء من محيط الأسرة إلى المسجد إلى المدرسة إلى الجامعة إلى الوظيفة، وكل جوانب المعاملات بين الناس.
إن الوفاء بالعهد «يثمر الكثير من خصال الخير فهو يثمر قوة الثقة، وإذا ما أنست من وفاء إنسان قويت ثقتك فيه وارتاحت نفسك إليه، إنه يثمر الاطمئنان والأمانة، يثمر النجدة والشهامة والمروءة، والمجتمع الذي يسوده الوفاء مجتمع متين البناء، تظلله روح المودة والصفاء ويشد أزره التعاون البناء105.
وقد مدح الله الذين يفون بعهودهم ومواثيقهم، وأنهم من الذين صدقوا، وذلك في قوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ١٧٧].
وأن ذلك من أبرز صفات المجتمع المسلم وأنهم من أولي الألباب قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الرعد: ١٩-٢٠].
وجود الوفاء في داخل المجتمع يعمل على حفظ الحقوق وصيانتها وعدم تضييعها، ومن ثم تختفي الكثير من المنازعات والشكاوي حول ضياع الحقوق وصعوبة الحصول عليها؛ فالمسلم بالتزامه بالوفاء بعهوده ومواثيقه وأمانات الناس لديه يجنب المجتمع الكثير من المشكلات. ويظهر ذلك في قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ) [المائدة:١].
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ) [الأعراف: ٨٥].
وقوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [هود: ٨٥].
وقوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ) [الإسراء: ٣٥].
وقوله تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الشعراء: ١٨١].
ومن آثار الوفاء أنه يصون المجتمع من إراقة الدماء بغير حق وقتل الأنفس من خلال التزام المسلم بالعهود والمواثيق مع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، والوفاء لهم بحقوقهم.
فمن يرتبط مع المسلمين بعهد أو ميثاق، فإنه يدرك أي أمن يعيش فيه، وأي حياة مستقرة يحياها، فلا خوف على نفسه أو أهله أو مجتمعه من الدولة المسلمة. وقد قال الله تعالى:(ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)[الإسراء: ٣٤].
وتتحقق صيانة الدماء والأنفس من خلال الوفاء بالبيعة وعدم نقضها مما يجنب المجتمع الكثير من الفتن والاختلاف والتنازع الذي يفضي إلى سفك الدماء، وقتل الأبرياء. ويظهر هذا من قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الفتح: ١٠].
والوفاء في داخل المجتمع يخلق روحًا من التعاون والتناصر والتواد بين أفراد المجتمع، ويقلل الشحناء والبغضاء والنفرة والكراهية والظلم. ويظهر هذا في قوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأنعام: ١٥٢].
وبقوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النحل: ٩١].
«فالوفاء صفة أساسية في بنية المجتمع الإسلامي، حيث تشمل سائر المعاملات، إذ كل المعاملات والعلاقات الاجتماعية والوعود والعهود تتوقف على الوفاء، فإذا انعدم الوفاء انعدمت الثقة، وساء التعامل وساد التنافر106.
إن المجتمع المسلم عندما يلتزم بقيمة الوفاء يكون قد قدم صورة طيبة عن الإسلام، مما يجعله قدوة للمجتمعات الأخرى، وصورة حقيقة معبرة عن توجيهات الإسلام في هذا الشأن، ولعل ذلك له أثر أيضًا في دخول غير المسلمين في الإسلام لما يرونه من واقع حي ملموس في الوفاء بالعهود والمواثيق والأيمان والأمانات والعقود. وقد جعل الله من صفات المجتمع المسلم ما جاء في قوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ١٧٧].
وأن ذلك من أبرز صفات المجتمع المسلم وأنهم من أولي الألباب.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الرعد: ١٩-٢٠].
ومن آثار الوفاء والقيام والالتزام به وجود الرخاء والبركة، ويظهر ذلك في الوفاء بأموال وحقوق الناس وعدم تضييعها، والوفاء بالكيل والميزان مما يترتب عليه رضى الله تعالى عن هذا المجتمع «فحينما يلزم المجتمع بالوفاء بالكيل والميزان يتحقق الرخاء والاستقرار الاقتصادي، ويبارك الله تعالى في الأموال، وتصلح أحوال الناس، وتسود الثقة بين أفراد المجتمع، وتظهر عليهم علامات البر والصدق، ويعم الخير أرجاء المجتمع المسلم»107.
وقد قال الله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)[البقرة: ٤٠].
وقوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [آل عمران: ٧٦].
وقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الفتح: ١٠].
موضوعات ذات صلة: |
البيعة، الثبات، الرجولة، العهد، الميثاق |
1 مقاييس اللغة، ٦/١٢٩.
2 لسان العرب، ١٥/٣٩٨.
3 لسان العرب، ابن منظور، ١٥/٣٩٨.
4 المفردات، ص٥٢٨.
5 الذريعة إلى مكارم الشريعة، ص ٢٩٢.
6 التعريفات، الجرجاني، ص ٢٧٤.
7 معجم لغة الفقهاء، قلعجي وقنيبي، ١/٥٠٧.
8 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٧٥٦، ٧٥٧، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الواو ص١٤١٧.
9 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٥/٢٤٤، ٢٤٥، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٤/٣٢٧.
10 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٥/١٩٣.
11 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٥١١.
12 المفردات، الراغب، ص٢٧٧.
13 أدب الدنيا والدين، ص٣٢٥.
14 الفروق اللغوية، العسكري، ص ٥٧٥.
15 انظر: مقاييس اللغة، ١/١٣٣.
16 الكليات، ص١٧٦، ١٨٦ بتصرف يسير.
17 مدارك التنزيل، ١/٤١٧.
18 انظر: المغرب في ترتيب المعرب، الخوارزمي، ص ١٥٦.
19 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٣٠٥.
20 تفسير القرآن الكريم، الفاتحة والبقرة، ٣/٩٨.
21 تفسير القرآن العظيم، ٣/٣٦٥.
22 الجامع لأحكام القرآن، ١٠/١٦٩.
23 الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ٢/١٥٧.
24 تفسير القرآن العظيم، ٥/٧٤.
25 جامع البيان، ١٧/٤٤٤.
26 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٢٥٣٥، كتاب الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد.
27 أخرجه أبوداود في سننه، كتاب الجهاد، باب الإمام يستجن به في العهود، ٢٧٦٠.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٢٥١٠.
28 النهاية في غريب الحديث والأثر، ٢/١٩٠.
29 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٣٠١٥، كتاب أبواب الجزية والموادعة، باب إثم الغادر للبر والفاجر، ومسلم في صحيحه، رقم ١٧٣٦، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم الغدر. واللفظ له.
30 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب السير، باب ما جاء في الغدر، رقم ١٥٨٠.
وصححه الألباني في صحيح أبي داود، رقم ٢٤٦٨.
31 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ١٧٨٧، كتاب الجهاد والسير، باب الوفاء بالعهد.
32 القواعد النورانية الفقهية، ص ١٩٦.
33 إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد، ص٣٩.
34 الكبائر، ص ١٦٨.
35 تهذيب الأخلاق، الجاحظ، ص ٢٤.
36 عمدة القاري، بدر الدين العيني، ١/٢٢٠.
37 انظر: فتح الباري، ١/٩٠.
38 الوفاء بالوعد، د. إبراهيم فاضل الدبو، ص ٥.
39 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص ٤٦٠.
40 انظر: المصنف، ابن أبي شيبة، ٢/٢٠٠.
41 بريقة محمودية، أبو سعيد الخادمي، ٢/٢٨١.
42 الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص ٣٧٩.
43 انظر: فتح الباري، ابن حجر، ١/٩٠.
44 الوفاء بالوعد، إبراهيم فاضل الدبو، ص ٥.
45 أحكام القرآن، الجصاص، ٣/٤٤٢.
46 إحياء علوم الدين، الغزالي، ٣/١٣٢.
47 الجامع لأحكام القرآن، ١١/١١٤.
48 محاسن التأويل، ٧/١٠٤.
49 مفاتيح الغيب، ٢١/٥٤٩.
50 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٢٥٣٦، كتاب الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد.
51 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٢٣٢٧، كتاب المظالم، باب إذا خاصم فجر.
52 عمدة القاري، ٢/٩٣.
53 تحفة الأحوذي، ٥/٢٤٠.
54 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٥/٩.
55 الجواهر الحسان، ١/٤٣٦.
56 الجامع لأحكام القرآن، ٦/٣٢.
57 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٥/١٠.
58 المسائل والأجوبة، ص٢٠٣.
59 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٩/٣٢.
60 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٤/٤٨١، رقم ١١٩٣٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٧١٧٩.
61 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٢٤٢٢، كتاب العتق، باب ما يجوز من شروط المكاتب ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله، ومسلم في صحيحه، رقم ١٥٠٤، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق.
62 جامع العلوم والحكم، ص ٥٠.
63 المفردات، الراغب، ص ٥٢٢.
64 فتح الباري، ١١/٥٢٥.
65 التحرير والتنوير، ١/٣٧٨.
66 معالم التنزيل، ٥/٣٩.
67 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب، ٧/٣٥٣.
68 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٢٩٦٤، كتاب الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين، ومسلم في صحيحه، رقم ١٦٤٩، كتاب الإيمان، باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها.
69 تفسير القرآن العظيم، ٤/٥٩٨.
70 المصدر السابق، ٨/٢٨٧.
71 المحرر الوجيز، ابن عطية، ٦/٤٦٣.
72 فتح القدير، الشوكاني، ٧/٣٧٥.
73 جامع الرسائل،١/٧١.
74 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٦٣١٨، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة.
75 المغني، ٢٢/٣٧٦.
76 فتح الباري، ١١/٥٧٧.
77 تفسير القرآن العظيم، ٥/٤١٧.
78 مدارك التنزيل، ٢/٣٥٥.
79 روائع البيان في تفسير آيات الأحكام، الصابوني، ١/٢٦٠.
80 إرشاد العقل السليم، ٦/٢٨٦.
81 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، ٣٥/٥٥.
82 مفاتيح الغيب، الرازي، ٥/٢٤٣.
83 روح المعاني، ١٣/١٧٠.
84 التحرير والتنوير، ٩/٣٣٤.
85 أخرجه أحمد في مسنده ٢٤/٤٨١، رقم ١١٩٣٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٢٠٥، رقم ٧١٧٩.
86 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٢٥٣٦، كتاب الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد.
87 معالم التنزيل، ٣/٢٠٤.
88 جامع البيان، ٢٤/٢٧٧.
89 تيسير الكريم الرحمن، ص ٩١٥.
90 انظر: المفردات، الراغب، ص٣٨، ٣١٤.
91 غرائب القرآن، ٣٠/ ٤٤.
92 انظر، الزواجر، ص٣٣٤.
93 التحرير والتنوير، ١٠/٢١٠.
94 مدارك التنزيل، ٣/٣٣٢.
95 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ١٨٣٩، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية.
96 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ١٧٣٨، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم الغدر.
97 جامع العلوم والحكم، /١١٧.
98 مجموع فتاوى ابن تيمية، ٣٥/٢١.
99 الكشاف، ١/٣٧٥.
100 تيسير الكريم الرحمن، ص ٧٩٢.
101 جامع البيان، ١/٢٥٠.
102 تفسير القرآن العظيم، ٥/٧٤.
103 إرشاد العقل السليم، ٤/١٩٢.
104 التحرير والتنوير، ٦/٢٧٢.
105 قيمة الوفاء في المنظور الإسلامي، طه خضير، ص ٤٠.
106 موسوعة نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين ٨/٣٦٦٨.
107 الوفاء في ضوء القرآن الكريم، وفاء حيدر شقورة، ص ١٧٠.