عناصر الموضوع

مفهوم الوصية

الوصية في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

حكم الوصية

الموصي

الموصى به

الموصى

صيغ عرض الوصية

ثمرات الوصية الدنيوية والأخروية

الوصية

مفهوم الوصية

أولًا: المعنى اللغوي:

الوصية لغةً: الإيصال، مأخوذة من وصيت الشيء أصيه إذا وصلته، وسميت الوصية وصية؛ لأن الميت لما أوصى بها وصل ما كان فيه من أمر حياته بما بعده من أمر مماته1.

قال ابن فارس:«(وصى) الواو والصاد والحرف المعتل: أصل يدل على وصل شيء بشيء، ووصيت الشيء: وصلته، ويقال: وطئنا أرضا واصية، أي: إن نبتها متصل قد امتلأت منه، ووصيت الليلة باليوم: وصلتها، وذلك في عمل تعمله، والوصية من هذا القياس، كأنه كلام يوصى أي: يوصل، يقال: وصيته توصية، وأوصيته إيصاء» 2.

والخلاصة: أن الوصية في اللغة، طلب فعل الشيء بعد موت الموصي، أو هي العهد بفعل الشيء بعد الموت، وهي مشتقة من الوصل وهي إيصال خير الدنيا بخير الآخرة.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

أن الوصية لها معنيان:

الأول: عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت، وقد يصحبه التبرع.

والثاني: ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات، وهو ما يعهد إلى الإنسان أن يعمله من خير أو ترك شر بما يرجى تأثيره.

قال الراغب: الوصية: التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنًا بوعظ3.

والمتدبر في المعنيين يجد اتصالًا بينهما، حيث إن المعنى الاصطلاحي يعني: التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنًا بوعظ، وهذا مرتبط بمعنى الوصية في اللغة، فيعطي معنى قوة الارتباط والاتصال لخير الدنيا بالآخرة.

الوصية في الاستعمال القرآني

وردت مادة (وصي) في القرآن الكريم (٣٢) مرة، يخص موضوع الميثاق منها (٢٦)مرة4.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١٢

( ) [البقرة:١٣٢]

الفعل المضارع

٥

( ) [النساء:١٢]

اسم الفاعل

١

( ﭜﭝ ) [البقرة:١٨٢]

المصدر

٨

( ) [البقرة:١٨٠]

وجاءت الوصية في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، وهو: التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنًا بوعظ5.

الألفاظ ذات الصلة

النذر:

النذر لغةً:

ما يقدمه المرء لربه، أو يوجبه على نفسه من صدقة أو عبادة أو نحوهما، وما كان وعدًا على شرط، فعلي إن شفى الله مريضي كذا نذر6.

النذر اصطلاحًا:

أن توجب على نفسك ما ليس بواجب7.

الصلة بين الوصية والنذر:

أن كليهما قربة، لكن الوصية يجوز الرجوع عنها والنذر لا يجوز الرجوع عنه.

الهبة:

الهبة لغةً:

العطية الخالية عن الأعواض والأغراض8.

الهبة اصطلاحًا:

تمليك المال بغير عوض9.

الصلة بين الوصية والهبة:

أن كلا من الوصية والهبة تمليك، لكن الوصية بعد الموت والهبة حال الحياة10.

الوقف:

الوقف لغةً:

الحبس، قال ابن فارس: «وقف: الواو والقاف والفاء: أصل واحد يدل على تمكث في شيء ثم يقاس عليه»11.

الوقف اصطلاحًا:

حبس العين على ملك الواقف أو على ملك الله تعالى12.

الصلة بين الوصية والوقف:

أن كليهما تبرع، لكنهما يفترقان في أن الوصية تكون بعد الموت وقد تكون بالعين، وقد تكون بالمنفعة، أما الوقف فهو تبرع في حال الحياة وبالمنفعة فقط13.

المواريث:

المواريث لغةً:

جمع ميراث، وهو المال المخلف عن الميت، ولفظ ميراث يطلق في اللغة العربية على معنيين: أحدهما: البقاء، وثانيهما: انتقال الشيء من قوم إلى آخرين14.

الميراث اصطلاحًا:

عند الجمهور: ما تركه الميت من أموال وحقوق، وعند الحنفية: هي ما تركه الميت من الأموال صافيا عن تعلق حق الغير بعين من الأموال، فالأصل عند الحنفية: أن الحقوق لا يورث منها إلا ما كان تابعًا للمال أو في معنى المال، كحق التعلي وحقوق الارتفاق، أما حق الخيار وحق الشفعة وحق الانتفاع بالعين الموصى بها فلا تورث عند الحنفية، ويدخل في التركة اتفاقا الدية الواجبة بالقتل الخطأ أو بالصلح عن العمد أو بانقلاب القصاص مالا بعفو بعض الأولياء فتقضى منه ديون الميت وتنفذ وصاياه15.

الصلة بين الوصية والميراث:

أن الوصية قد تكون حقًا واجبًا مثل الدين، وقد تكون تبرعًا بإرادة الموصي، والميراث حق واجب في مال الموروث وبغير إرادته، والوصية عطية من المالك، والميراث عطية من الله تعالى16.

حكم الوصية

أجمع العلماء على أنها واجبة على من عنده ودائع وعليه ديون أو نحوها، وأكثر العلماء على أن الوصية غير واجبة على من ليس عليه شيء من ذلك، موسرًا كان الموصي أو فقيرًا، وقالت طائفة: الوصية واجبة على ظاهر القرآن17.

الموصي

لقد ذكر القرآن الكريم وصايا ربنا جل وعلا، ووصايا الأنبياء والرسل، ووصية المؤمن لوالده ولولده، ووصيته في ماله، وسنتناول ذلك فيما يأتي:

أولًا: الله جل جلاله:

الوصية من الله عز وجل: هي ما عهد إلى العباد أن يعملوه، من فعل خير، أو ترك شر، وكلمة وصية تشعر المتلقي لها بحب الموصي للموصى.

فالله جل جلاله يحب عباده، ويحب لهم الخير، ويكره لهم الشر، ولذلك وصاهم بهذه الوصايا الجليلة العظيمة، وما دام الله تعالى هو الموصي فمعنى ذلك أنها افتراض، والوصية من الله تعالى لا تكون إلا للأمور المهمة التي لا تستقيم الحياة إلا بالقيام بها، وهي في أمهات المسائل التي لا يصح أن نغفلها، والتوصية تخصيص للتشريع؛ لأن التشريع يعم أحكامًا كثيرة جدا، ولكن الوصية التي يوصي الله بها تكون هي عيون التشريع، ولقد وصى الله تعالى عباده بوصايا جليلة تشمل خير الدنيا والآخرة.

قال تعالى: ( ﯘﯙ ﯝﯞ ﯠﯡ ﯦﯧ ﯪﯫ ﯳﯴ ﯼﯽ ﯿ ﭛﭜ ﭠﭡ ﭦﭧ ﭮﭯ ﭲﭳ ﭾﭿ ﮆﮇ ) [الأنعام:١٥١-١٥٣].

إن الله تعالى رحيم بنا يوصينا بأحسن الوصايا التي تنفعنا في الدنيا والآخرة، وأول وصية وصانا الله تعالى بها هي ألا نشرك به شيئا، ثم وصى بواجب الإنسان تجاه والديه وأقاربه والمساكين وأبناء السبيل والأيتام من بر وقول معروف وحفظ حق، ثم واجب الاعتدال والقصد في حالة اليسر وعدم التبرم بأحداث الحياة وضيق المعيشة وكثرة الولد في حالة الفقر والعسر.

ثم واجب احترام أعراض الناس ودمائهم وعهودهم وأسرارهم واجتناب الإثم والفحش والبغي والكبر والخيلاء والتصدي للأمور بدون علم وبينة وفائدة بأسلوب قوي محكم الحلقات، وجاءت هذه الوصايا بصيغة الأوامر والنواهي والوصايا والإلزام والتنبيه، وهي من هذه الناحية أجمع وأقوى جوامع القرآن في صدد الأخلاق الدينية والاجتماعية والشخصية التي من شأنها أن تكفل رضاء الله وعنايته، وأن تحفظ الناس من الشرور والمهالك، وأن تضمن لهم السعادة والطمأنينة، وأن تبث فيهم روح التعاون والتراحم والإخاء، وأن تجنبهم ما لا يليق بالكرامة الإنسانية والشعور الإنساني من مواقف وحركات، وهذه هي الوصايا العشر التي أجمعت عليها جميع الشرائع ولم تنسخ قط في ملة.

قال ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآيات: « إنها محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب».

وقيل: «إنهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة، ومن تركهن دخل النار»، ولم يوجد شرع جاء لينسخ واحدة من هذه الوصايا.

ولذلك يقول كعب الأحبار رضي الله عنه: «والذي نفس كعب بيده إن هذه الآيات لأول شيء في التوراة، ( ) [الأنعام:١٥١]»18.

ثانيًا: الأنبياء والرسل والحكماء:

إن الأنبياء عليهم السلام هم القدوة الحسنة التي يجب أن نقتدي بهم في أقوالهم وأفعالهم، ولذلك جعل الله تعالى الوصية في القرآن على ألسنتهم، وإن وصايا الأنبياء عليهم السلام هي دين وتشريع من الله تعالى يجب اتباعها والعمل بها، وفيها سعادة الدنيا والآخرة، ولقد كانت وصية الأنبياء إلى أممهم هي إقامة الدين.

فقال تعالى: ( ﮎﮏ ﮓﮔ ﮟﮠ ) [البقرة:١٣٠-١٣٣].

وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة ما كان عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الدعاء إلى الله تعالى، حتى جعلوا ذلك وصية يوصون بها واحدا بعد واحد، وبينت الآية الكريم أن إبراهيم عليه السلام أوصى بملته الحنيفية بنيه، وأن يعقوب أوصى بذلك، وقدم بين يدي وصيته اختيار الله لهم هذا الدين، ليسهل عليهم اتباع ما اختاره الله لهم، ويحضهم على ذلك، وأمرهم أنهم لا يموتون إلا عليه، لأن الأعمال بخواتيمها، ثم ذكر سؤال يعقوب لبنيه عما يعبدون بعد موته، فأجابوه بما قرت به عينه من موافقته وموافقة آبائه الأنبياء من عبادة الله تعالى وحده، والانقياد لأحكامه.

وحكمة هذا السؤال أنه لما وصاهم بالحنيفية، استفسرهم عما تكن صدورهم، وهل يقبلون الوصية؟ فأجابوه بقبولها وبموافقة ما أحبه منهم، ليسكن بذلك جأشه، ويعلم أنه قد خلف من يقوم مقامه في الدعاء إلى الله تعالى.

وصدر سؤال يعقوب بتقريع اليهود والنصارى بأنهم ما كانوا شهدوا وصية يعقوب، إذ فاجأه مقدمات الموت، فدعواهم اليهودية والنصرانية على إبراهيم ويعقوب وبنيهم باطلة، إذ لم يحضروا وقت الوصية، ولم تنبئهم بذلك توراتهم ولا إنجيلهم، فبطل قولهم، إذ لم يتحصل لا عن عيان ولا عن نقل، ولا ذلك من الأشياء التي يستدل عليها بالعقل، ولم يقل: ووصى بها إبراهيم ويعقوب بنيهما، لئلا يتوهم أن الوصية كانت منهما في وقت واحد أو أنها خاصة بأبنائهما معا، وهم أولاد يعقوب19.

وقد ذكر القرآن الكريم لقمان الحكيم عليه السلام وهو يوصي ابنه بالتوحيد والنهي عن الشرك.

قال تعالى: ( ﭯﭰ ﭿ ﮔﮕ ﮙﮚ ﮟﮠ ﯝﯞ ﯯﯰ ﯿﰀ ﰎﰏ ) [لقمان:١٣-١٩].

شملت هذه الوصية قضية التوحيد وإخلاص العقيدة لله وحده لا شريك له؛ فالشرك بالله ظلم عظيم وجرم كبير، وكون الشرك ظلما؛ لما فيه من وضع الشيء في غير موضعه، وكونه عظيما؛ لما فيه من التسوية بين من لا نعمة إلا منه سبحانه ومن لا نعمة له، كما شملت الحرص على طاعة الوالدين والبر بهما، ومراقبة الله له في كل حين، وإحاطته بكل شيء؛ وأداء الصلاة، ومواصلة الصبر في المعاملة مهما كانت الشدائد والعقبات، والحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ والنهي عن الكبر والخيلاء والإعجاب بالنفس وهتك الحرمات، والخوض في أعراض الناس وتلويث البيئة بالأفعال القبيحة والصور المنفرة والأصوات المزعجة، وذلك في صور يهتز لها الوجدان، وينخلع منها القلب، وتتفق مع الفطرة والعقل جميعًا.

قال تعالى: ( ﯿ) [لقمان:١٨]20.

ثالثًا: عموم الناس:

ذكر القرآن الكريم وصية المؤمن لوالده وولده ووصيته في ماله.

قال تعالى: ( ﯩﯪ ) [البقرة:١٨٠].

وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة وصية المؤمن لوالده وولده ووصيته في ماله وكانت هذه الآية أول ما نزل في الأموال، وهذه الوصية تتوقف على نظر الموصي وأمانته وعدله فقد يجور فيها ويظلم، وقد يعدل فيها ويحسن، والمطلوب العدل من الموصي فيما أوصى به.

وقد بين الله تعالى قدر هذه الوصية في قوله: () والمعروف الفعل الذي تألفه العقول ولا تنكره النفوس، فهو الشيء المحبوب المرضي، سمي معروفا؛ لأنه لكثرة تداوله والتأنس به صار معروفا بين الناس، وضده يسمى المنكر، والمراد بالمعروف هنا العدل الذي لا مضارة فيه ولا يحدث منه تحاسد بين الأقارب؛ بأن ينظر الموصي في ترجيح من هو الأولى بأن يوصي إليه لقوة قرابة أو شدة حاجة، فإنه إن توخى ذلك استحسن فعله الناس ولم يلوموه.

ومن المعروف في الوصية ألا تكون للإضرار بوارث أو زوج أو قريب، ووكل ذلك إلى نظر الموصي فهو مؤتمن على ترجيح من هو أهل للترجيح في العطاء كما أشار إليه قوله تعالى: ( ).

وخص هذا الحق بالمتقين ترغيبا في الرضى به؛ لأن ما كان من شأن المتقي فهو أمر نفيس فليس في الآية دليل على أن هذا الوجوب على المتقين دون غيرهم من العصاة، بل معناه أن هذا الحكم هو من التقوى وأن غيره معصية، وخص المتقون بالذكر تشريفا للرتبة ليتبارى الناس إليها، وخص الوالدين والأقربين لأنهم مظنة النسيان من الموصي، لأنهم كانوا يورثون الأولاد أو يوصون لسادة القبيلة.

وقدم الوالدين للدلالة على أنهما أرجح في التبدية بالوصية، وكانوا قد يوصون بإيثار بعض أولادهم على بعض أو يوصون بكيفية توزيع أموالهم على أولادهم، وخوفًا من الحيف أو الجنف تولى الشرع الحنيف تعيين المقدار الموصى به من المال وهو الثلث، والثلث كثير.

فقد ثبت في الحديث أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: (جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا بمكة، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها، قال: (يرحم الله ابن عفراء)، قلت: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: (لا)، قلت: فالشطر، قال: (لا)، قلت: الثلث، قال: (فالثلث، والثلث كثير)2122.

الموصى به

مما جاء من الوصايا في القرآن الكريم ما يأتي:

أولًا: أمور العقائد:

ذكرت العقيدة في القرآن الكريم في عدة آيات، قال تعالى: ( ﭾﭿ ﮆﮇ ) [الأنعام:١٥٣].

إن هذه الآية تتكلم عن العقيدة التي يجب أن يتمسك بها الناس، والحاكمة في عبادتهم وجميع أعمالهم وأخلاقهم وسلوكهم، عقيدة واحدة وطريق واحد هي الطريق الموصلة إلى الله تعالى، وهو التوحيد وإخلاص العبادة، وأصول الشرائع والأحكام مما لا يختلف باختلاف الأعصار كالإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة واكتساب مكارم الأخلاق وفاضل الصفات، وهي العقيدة التي جاء بها جميع الأنبياء والرسل، فالعقيدة هي أول دعوة الرسل ومعركتهم مع العقائد الأخرى التي كانت سائدة في مجتمعاتهم والتي وقفت أمام كل الأنبياء، وعن مجاهد في تفسير قوله تعالى: ( ) [الأنعام:١٥٣].

قال: «البدع والشبهات، وهذه السبل تعم اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، وعباد القبور، وسائر أهل الملل والأوثان، والبدع والضلالات من أهل الشذوذ والأهواء، والتعمق في الجدل، والخوض في الكلام، فاتباع هذه من اتباع السبل التي تذهب بالإنسان عن الصراط المستقيم إلى موافقة أصحاب الجحيم»، وذكر الصراط المستقيم منفردًا، معرفًا تعريفين: تعريفا باللام، وتعريفا بالإضافة، وذلك يفيد تعينه واختصاصه، وأنه صراط واحد، وأما طرق أهل الغضب والضلال فإنه سبحانه يجمعها ويفردها23.

وهذه العقيدة هي التي أخبر عنها القرآن في قوله تعالى: ( ﭿ ﮊﮋ ﮑﮒ ﮘﮙ ) [الشورى:١٣].

بينت هذه الآية الكريمة أن من وصية الله تعالى لجميع الأمم والرسل إقامة الدين بكليته، وقد كانت هذه الوصية عمل الرسل لأممهم ومن بعدهم، فنفذها إبراهيم عليه السلام.

قال تعالى: ( ) [البقرة:١٣٢].

ومن بعد إبراهيم يعقوب عليه السلام، قال تعالى: ( ) [البقرة:١٣٣].

فهذا تواصي الأمم بأصل الإيمان وعموم الشريعة، وقوله تعالى: ( ﭿ ) [الشورى:١٣].

مقدر فيه مضاف، أي: مثل ما وصى به نوحا، أو هو بتقدير كاف التشبيه على طريقة التشبيه البليغ مبالغة في شدة المماثلة حتى صار المثل كأنه عين مثله، والمراد: المماثلة في أصول الدين مما يجب لله تعالى من الصفات، وفي أصول الشريعة من كليات التشريع، وأعظمها توحيد الله، ثم ما بعده من الكليات الخمس الضروريات، ثم الحاجيات التي لا يستقيم نظام البشر بدونها، فإن كل ما اشتملت عليه الأديان المذكورة من هذا النوع قد أودع مثله في دين الإسلام.

فالأديان السابقة كانت تأمر بالتوحيد، والإيمان بالبعث والحياة الآخرة، وتقوى الله بامتثال أمره واجتناب منهيه على العموم، وبمكارم الأخلاق بحسب المعروف، وتختلف في تفاصيل ذلك وتفاريعه، ودين الإسلام لم يخل عن تلك الأصول وإن خالفها في التفاريع تضييقا وتوسيعا، وامتازت هذه الشريعة بتعليل الأحكام وسد الذرائع والأمر بالنظر في الأدلة وبرفع الحرج وبالسماحة وبشدة الاتصال بالفطرة، ثم بين الله تعالى وصيته لجميع أنبيائه، فقال سبحانه: ( ) [الشورى:١٣].

والمراد: إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته، والإيمان برسله وكتبه، وبيوم الجزاء، وسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما، ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسب أحوالها، فإنها مختلفة متفاوتة.

قال جل وعلا: ( ) [المائدة:٤٨].

ونحوه قوله تعالى: ( ) [الأنبياء:٩٢]24.

وفي هذه الآيات: أن جميع الأديان وصايا الله إلى خلقه، وأن دين الإسلام هو دين جميع الأنبياء السابقين بلا استثناء، وأنه لا يخالف هذه الشرائع المسماة، وأن اتباعه يأتي بما أتت به من خير الدنيا والآخرة، وفيه إشارة إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى باتباعه، والتعريض بالكفار الذين أعرضوا عنه.

فهذه هي أصول الدين التي بينتها الآيات والتي هي عقيدة كل الأنبياء والرسل عليهم السلام، وهذه العقيدة هي التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا، ثم قال: (هذا سبيل الله)، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: (هذه سبل) - قال يزيد: متفرقة - على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه)، ثم قرأ: ( ﭾﭿ ) [الأنعام:١٥٣])2526.

قال سيد قطب: «لقد كانت المعركة الأولى التي خاضها الإسلام ليقرر وجوده هي معركة الحاكمية وتقرير لمن تكون، لذلك خاضها وهو في مكة، خاضها وهو ينشئ العقيدة، ولا يتعرض للنظام والشريعة، خاضها ليثبت في الضمير أن الحاكمية لله وحده لا يدعيها لنفسه مسلم ولا يقر مدعيها على دعواه مسلم.

فلما أن رسخت هذه العقيدة في نفوس العصبة المسلمة في مكة، يسر الله لهم مزاولتها الواقعية في المدينة، فلينظر المتحمسون لهذا الدين ما هم فيه وما يجب أن يكون، بعد أن يدركوا المفهوم الحقيقي لهذا الدين، إن وجود هذا الدين هو وجود حاكمية الله، فإذا انتفى هذا الأصل انتفى وجود هذا الدين.

وإن مشكلة هذا الدين في الأرض اليوم، لهي قيام الطواغيت التي تعتدي على ألوهية الله، وتغتصب سلطانه، وتجعل لأنفسها حق التشريع بالإباحة والمنع في الأنفس والأموال والأولاد، وهي هي المشكلة التي كان يواجهها القرآن الكريم بهذا الحشد من المؤثرات والمقررات والبيانات، ويربطها بقضية الألوهية والعبودية، ويجعلها مناط الإيمان أو الكفر، وميزان الجاهلية أو الإسلام»27.

ثانيًا: أمور العبادات:

ولقد وصى القرآن الكريم بإقامة العبادات.

قال تعالى: ( ﭿ ﮊﮋ ﮑﮒ ﮘﮙ ) [الشورى:١٣].

بينت هذه الآية الكريمة أن من وصية الله تعالى لجميع الأمم والرسل إقامة الدين بكليته، والعبادات من صلاة وصيام وزكاة وغيرها هي من الدين الذي وصى الله تعالى عباده بإقامتها والمواظبة عليها، فمن ترك هذه العبادات من صلاة وصيام وزكاة وغيرها من العبادات فهو من الذين تركوا وصية الله تعالى بإقامة الدين، بل إن هذه العبادات تعد من أصول الدين وتاركها متعمدا كافر بهذا الدين الذي أمر الله تعالى بإقامته.

قال ابن عباس ومجاهد: «لم يبعث الله نبيا قط إلا وصاه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة، فذلك دينه الذي شرع لهم».

ووصى الله تعالى إبراهيم وإسماعيل بإقامة العبادات، قال تعالى: ( ) [البقرة:١٢٥].

العهد أصله الوعد المؤكد، فإذا عدي بإلى كان بمعنى الوصية المؤكد على الموصى العمل بها فعهد هنا بمعنى أرسل عهدا إليه أي أرسل إليه يأخذ منهم عهدا، فالمعنى وأوصينا إلى إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت من كل رجس معنوي كالشرك بالله وعبادة الأصنام، أو رجس حسي كاللغو والرفث والتنازع فيه، حين أداء العبادات كالطواف به والسعي بين الصفا والمروة والعكوف فيه والركوع والسجود، وسماه الله بيته لأنه جعله معبدا للعبادة الصحيحة، وأمر المصلين بأن يتوجهوا في عبادتهم إليه28.

والصلاة والزكاة، أول ما نطق به عيسى عليه السلام في المهد إذ قال: ( ) [مريم:٣١].

يعنى: أمرني بالمحافظة على حدود الصلاة وإقامتها على ما فرضها علي، فإن قيل: كيف يؤمر بالصلاة والزكاة، في حال طفوليته وقد جاء من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث الصبي حتى يبلغ)29.

والجواب: إن قوله: ( ) لا يدل على أنه تعالى أوصاه بأدائهما في الحال، بل المراد أوصاه بأدائهما في الوقت المعين لهما وهو البلوغ، وقيل: إن الله تعالى صيره حين انفصل عن أمه بالغا عاقلا، وهذا القول أظهر في سياق قوله: ( ) [مريم:٣١].

فإنه يفيد أن هذا التكليف متوجه إليه في زمان جميع حياته حين كان في الأرض، وحين رفع إلى السماء وحين ينزل الأرض بعد رفعه، وفي الزكاة معنيان: أحدهما: زكاة الأموال أن يؤديها، والآخر: تطهير الجسد من دنس الذنوب، فيكون معناه: وأوصاني بترك الذنوب واجتناب المعاصي30.

ثالثًا: أمور التشريع:

جعل الله تعالى لكل أهل ملة شريعة ومنهاجا، فلأهل التوراة شريعة، ولأهل الإنجيل شريعة، ولأهل القرآن شريعة، يحل فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء، والدين واحد والشرائع مختلفة.

قال تعالى: ( ) [المائدة:٤٨]31.

ومن التشريعات الدينية التي وصى الله تعالى بها: قوله تعالى: ( ﯘﯙ ﯝﯞ ﯠﯡ ﯦﯧ ﯪﯫ ﯳﯴ ﯼﯽ ﯿ ) [الأنعام:١٥١].

بينت هذه الآية الكريمة أن من وصية الله تعالى لجميع الأمم التوحيد والإخلاص في العبادة وطاعة الوالدين واجتناب الفواحش، والاهتمام بحقوق اليتيم، والعدل في القول مع القريب والبعيد، والعدل في البيع، وجاءت الوصية الرابعة في قوله تعالى: ( ) [الأنعام:١٥١].

نهي عن كل الأخلاق القبيحة والقذرة التي تدمر الروابط والعلاقات الأسرية والاجتماعية، والفواحش: جمع فاحشة، وهي: ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال، يقال: فحش فلان، أي: صار فاحشًا مرتكبًا للقبائح، والمتفحش هو الذي يأتي بالفحش من القول أو الفعل، كالسرقة والزنا والنميمة وشهادة الزور، وقد تعلق التحريم والنهى بهذا الوصف الذي يشعر بالعلة- كما يقول علماء الأصول- فكأنه قال: إن كل قول أو فعل تستقبحه العقول فهو فاحشة يجب البعد عنها، وحمل لفظ الفواحش على العموم في جميع الفواحش المحرمات والمنهيات فيدخل فيه الزنا وغيره؛ لأن المعنى الموجب لهذا النهي هو كونه فاحشة.

فحمل اللفظ على العموم أولى من تخصيصه بنوع من الفواحش، وأيضًا فإن السبب إذا كان خاصًّا لا يمنع من حمل اللفظ على العموم.

وفي قوله: ( ) دقيقة، وهي أن الإنسان إذا احترز عن المعاصي في الظاهر ولم يحترز منها في الباطن دل ذلك على أن احترازه عنها ليس لأجل عبودية الله وطاعته فيما أمر به أو نهى عنه، ولكن لأجل الخوف من رؤية الناس ومذمتهم، ومن كان كذلك استحق العقاب.

ومن ترك المعصية ظاهرًا وباطنًا؛ لأجل خوف الله وتعظيمًا لأمره، استوجب رضوان الله وثوابه، وقد نهى عن القرب منها، وهو أبلغ في التحذير من النهي عن ملابستها: لأن القرب من الشيء مظنة الوقوع فيه، ولما لم يكن للإثم قرب وبعد كان القرب مرادا به الكناية عن ملابسة الإثم أقل ملابسة، لأنه من المتعارف أن يقال ذلك في الأمور المستقرة في الأمكنة إذا قيل لا تقرب منها فهم النهي عن القرب منها ليكون النهي عن ملابستها بالأحرى، فلما تعذر المعنى المطابقي هنا تعينت إرادة المعنى الالتزامي بأبلغ وجه32.

وفي الآية: إن القاعدة التي يقوم عليها المجتمع قاعدة النظافة والطهارة والعفة والأخلاق، فنهاهم الله تعالى عن الفواحش ظاهرها وخافيها؛ لأنه لا يمكن قيام أمة، ولا استقامة مجتمع، ولا أسرة في وحل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، إنه لا بد من طهارة ونظافة وعفة لتقوم الأسرة وليقوم المجتمع.

والذين يحبون أن تشيع الفاحشة هم الذين يحبون أن تتزعزع قوائم الأسرة وأن ينهار المجتمع، والجماعة التي تشيع فيها الفاحشة جماعة ميتة، منتهية حتمًا إلى الدمار، والحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية والحضارة الفارسية، شواهد من التاريخ، ومقدمات الدمار والانهيار في الحضارة الغربية تنبئ بالمصير المرتقب لأمم ينخر فيها كل هذا الفساد، والمجتمع الذي تشيع فيه المقاتل والثارات، مجتمع مهدد بالدمار، ومن ثم يجعل الإسلام عقوبة هذه الجرائم هي أقسى العقوبات، لأنه يريد حماية مجتمعه من عوامل الدمار33.

ومن التشريعات الدينية الإحسان للوالدين، قال تعالى: ( ﯘﯙ ﯝﯞ ) [الأنعام:١٥١].

وقال سبحانه: ( ﭡﭢ ﭭﭮ ) [العنكبوت:٨].

وقال جل وعلا: ( ﭿ ) [لقمان:١٤].

وقال عز من قائل: ( ﭔﭕ ﭚﭛ ﭟﭠ ﭺﭻ ﭿ ) [الأحقاف:١٥].

وصى الله تعالى الإنسان بالإحسان إلى والديه والحنو عليهما، والبر بهما في حياتهما وبعد مماتهما، لما لهما عليه من حق التربية والإنعام، وإذا لم يحسن الإنسان حرمة من هو من جنسه فهو عن حسن مراعاة سيده أبعد، ورعاية حق الوالد من حيث الاحترام، ورعاية حق الأم من حيث الشفقة والإكرام.

وذكره جل وعلا بر الوالدين مقرونا بتوحيده جل وعلا في عبادته، يدل على شدة تأكد وجوب بر الوالدين، والحسن: مصدر حسن، أي: وصيناه بحسن المعاملة، والكره: أي كان حمله مكروها لها، أي حالة حمله وولادته لذلك، وانتصب كرها على الحال، أي كارهة أو ذات كره.

والمعنى: أنها حملته في بطنها متعبة من حمله تعبا يجعلها كارهة لأحوال ذلك الحمل، ووضعته بأوجاع وآلام جعلتها كارهة لوضعه، وفي ذلك الحمل والوضع فائدة له هي فائدة وجوده الذي هو كمال حال الممكن وما ترتب على وجوده من الإيمان والعمل الصالح الذي به حصول النعم الخالدة، والفصال: الفطام.

وذكر الفصال لأنه انتهاء مدة الرضاع، فذكر مبدأ مدة الحمل بقوله: () وانتهاء الرضاع بقوله: ().

والمعنى: وحمله وفصاله بينهما ثلاثون شهرًا، ومن بديع معنى الآية جمع مدة الحمل إلى الفصال في ثلاثين شهرا لتطابق مختلف مدد الحمل، إذ قد يكون الحمل ستة أشهر وسبعة أشهر وثمانية أشهر وتسعة وهو الغالب، قيل: كانوا إذا كان حمل المرأة تسعة أشهر وهو الغالب أرضعت المولود أحد وعشرين شهرا، وإذا كان الحمل ثمانية أشهر أرضعت اثنين وعشرين شهرا، وإذا كان الحمل سبعة أشهر أرضعت ثلاثة وعشرين شهرا، وإذا كان الحمل ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرا، وذلك أقصى أمد الإرضاع فعوضوا عن نقص كل شهر من مدة الحمل شهرا زائدا في الإرضاع؛ لأن نقصان مدة الحمل يؤثر في الطفل هزالا.

ومن بديع هذا الطي في الآية أنها صالحة للدلالة على أن مدة الحمل قد تكون دون تسعة أشهر ولولا أنها تكون دون تسعة أشهر لحددته بتسعة أشهر؛ لأن الغرض إظهار حق الأم في البر بما تحملته من مشقة الحمل، فإن مشقة مدة الحمل أشد من مشقة الإرضاع، فلولا قصد الإيماء إلى هذه الدلالة لكان التحديد بتسعة أشهر أجدر بالمقام.

وقد جعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه هذه الآية مع قوله تعالى: ( ) [البقرة:٢٣٣]. دليلًا على أن الوضع قد يكون لستة أشهر، ورووا عن معمر بن عبد الله الجهني قال: (تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت لتمام ستة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان بن عفان فذكر له فبعث إليها عثمان، فلما أتي بها أمر برجمها، فبلغ ذلك عليا فأتاه، فقال: أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قال: أما سمعت قوله: ( )، وقال: ( ) فلم نجده بقي إلا ستة أشهر، فرجع عثمان إلى ذلك)34.

وهو استدلال بني على اعتبار أن شمول الصور النادرة التي يحتملها لفظ القرآن هو اللائق بكلام علام الغيوب الذي أنزله تبيانا لكل شيء من مثل هذا، ووعد الله على بر الوالدين قبول الطاعة بقوله جل ذكره: ( ﮏﮐ ) [الأحقاف:١٦].

فقبول الطاعة وغفران الزلة مشروطان ببر الوالدين، وسبيل العبد في رعاية حق الوالدين أن يصلح ما بينه وبين الله، فحينئذ يصلح ما بينه وبين غيره على العموم، وأهله على الخصوص، وشر خصال الولد في رعاية حق والديه أن يتبرم بطول حياتهما، ويتأذى بما يحفظ من حقهما، فبر الوالدين أعظم ما يتقرب به إلى الله جل ذكره، وعقوقهما من أعظم الكبائر المهلكات، وبينه الله عز وجل بقوله تعالى: ( ) [الإسراء:٢٣].

فنهى الله عز وجل الولد أن يقول أف إذا شم منهما رائحة يكرهها، فالنهي لما فوق ذلك أعظم، وهذا باب مختصر في الحض على بر الوالدين35.

ومن التشريعات الدينية إعطاء الوالدين والأقربين حقهم من المال، قال تعالى: ( ﯩﯪ ) [البقرة:١٨٠].

بينت هذه الآية حكم المال بعد موت صاحبه، وكان هذا أول تشريع في المال، وكانت عادة العرب في الجاهلية أن الميت إذا كان له ولد أو أولاد ذكور استأثروا بماله كله، وإن لم يكن له ولد ذكر استأثر بماله أقرب الذكور له من أب أو عم أو ابن عم الأدنين فالأدنين، وكان صاحب المال ربما أوصى ببعض ماله أو بجميعه لبعض أولاده أو قرابته أو أصدقائه، فلما استقر المسلمون بدار الهجرة واختصوا بجماعتهم شرع الله لهم تشريك بعض القرابة في أموالهم ممن كانوا قد يهملون توريثه من البنات والأخوات والوالدين في حال وجود البنين ولذلك لم يذكر الأبناء في هذه الآية، ولم يفتتح بـ(يا أيها الذين آمنوا) لأن الوصية كانت معروفة قبل الإسلام، فلم يكن شرعها إحداث شيء غير معروف، لذلك لا يحتاج فيها إلى مزيد تنبيه لتلقي الحكم.

وكان السبب في نزول هذه الآية: أن أهل الجاهلية كانوا يوصون بما لهم للبعداء رياءً وسمعةً، فصرف الله تعالى بهذه الآية ما كان يصرف إلى البعداء إلى الأهل والأقرباء، والخير ههنا المال قليلًا كان أو كثيرًا، وقال بعض الناس: الخير لا يتناول إلا الكثير، والخير قد ورد في القرآن بمعنى المال، قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٧٢].

وقال تعالى: ( ) [العاديات:٨].

وقيل: إن المال كما يكون خيرا قد يكون شرًا، لكن جعل الله تعالى ههنا خيرًا تنبيهًا على أن الوصية يستحب في المال الطيب دون الخبيث والمغصوب، فإن ذلك يجب رده إلي أربابه ومما تم بالوصية فقط، ثم بين الله تعالى قدر هذه الوصية في قوله: ().

والمعروف الفعل الذي تألفه العقول ولا تنكره النفوس، فهو الشيء المحبوب المرضي، سمي معروفا؛ لأنه لكثرة تداوله والتأنس به صار معروفا بين الناس، وضده يسمى المنكر، والمراد بالمعروف هنا العدل الذي لا مضارة فيه ولا يحدث منه تحاسد بين الأقارب؛ بأن ينظر الموصي في ترجيح من هو الأولى بأن يوصي إليه لقوة قرابة أو شدة حاجة، فإنه إن توخى ذلك استحسن فعله الناس ولم يلوموه، ومن المعروف في الوصية ألا تكون للإضرار بوارث أو زوج أو قريب، ووكل ذلك إلى نظر الموصي فهو مؤتمن على ترجيح من هو أهل للترجيح في العطاء كما أشار إليه قوله تعالى: ( ) [البقرة:١٨٠].

وخص هذا الحق بالمتقين ترغيبا في الرضى به؛ لأن ما كان من شأن المتقي فهو أمر نفيس فليس في الآية دليل على أن هذا الوجوب على المتقين دون غيرهم من العصاة، بل معناه أن هذا الحكم هو من التقوى وأن غيره معصية، وخص المتقون بالذكر تشريفا للرتبة ليتبارى الناس إليها، وخص الوالدين والأقربين لأنهم مظنة النسيان من الموصي، لأنهم كانوا يورثون الأولاد أو يوصون لسادة القبيلة، وقدم الوالدين للدلالة على أنهما أرجح في التبدية بالوصية، وكانوا قد يوصون بإيثار بعض أولادهم على بعض أو يوصون بكيفية توزيع أموالهم على أولادهم.

ثم لما كان الموصي قد لا يحسن التدبير في مقدار ما يوصي لكل واحد منهم وربما كان يقصد المضارة تولى بنفسه بيان ذلك الحق على وجه تيقن به أنه الصواب وأن فيه الحكمة البالغة، وقصره على حدود لازمة من السدس والثلث والنصف والثمن لا يمكن تغيرها فتحول من جهة الإيصاء إلى الميراث.

قال تعالى: ( ﮖﮗ ﮛﮜ ﮥﮦ ﮫﮬ ﯘﯙ ﯢﯣ ﯩﯪ ﯱﯲ ﯺﯻ ﯾﯿ ) [النساء:١١].

وصى الله تعالى في هذه الآية في الأولاد، ثم بين ما هي هذه الوصية، فقال تعالى: ( ) بيان لنصيب كل من الولد والبنت في تركة والدهما المتوفى، فللذكر ضعف الأنثى، أو مثل نصيب الأنثيين.

وقوله تعالى: ( ) أي: إن كان المتوفى لم يعقب ذكرا، وكانت ذريته إناثا، فإن كن اثنتين فأكثر، فلهما أو لهن الثلثان، ( ).

وقوله تعالى: ( ) أي: ويوصيكم الله أن تفرضوا لأبوي المتوفى، لكل واحد منهما السدس من التركة، وذلك ( ) ذكرا كان أو أنثى، ( ) أي: إن لم يكن للمتوفى فرع كابن أو بنت، أو ابن ابن، ( ) أي: انحصر الميراث فيهما ( ) وللأب الباقي وهو الثلثان، ( ) اثنان فأكثر أشقاء، أو لأب ذكورا أو إناثا، ( ) أي: أن نصيبها مع وجود الإخوة ينتقل من الثلث إلى السدس.

وهذا الانتقال لصالح الأب؛ لأن الأخوة لا يأخذون مع وجود الأب شيئا، وإنما هم يؤثرون على نصيب الأم فقط، ويحجبونها حجب نقصان، والسر في تساوي الوالدين في الميراث مع وجود الأولاد، الإشارة إلى وجوب احترامهما على السواء، وفى أن حظ الوالدين من الإرث أقل من حظ الأولاد مع عظم حقهما على الولد، أنهما يكونان في الغالب أقل حاجة إلى المال من الأولاد، إما لكبرهما وإما لتمولهما، وإما لوجود من تجب عليه نفقتهما من أولادهما الأحياء.

وأما الأولاد، فإما أن يكونوا صغارًا لا يقدرون على الكسب، وإما أن يكونوا على كبرهم محتاجين إلى نفقات كثيرة في الحياة كالزواج وتربية الأطفال ونحو ذلك.

وقوله تعالى: ( ) فقدم الدين والوصية على الميراث، لأن الدين حق على الميت، والوصية حق له، وهما مقدمان على حق ورثته، وقد قدم سبحانه الوصية على الدين في اللفظ مع أنها مؤخرة عن الدين في السداد، وذلك للتشديد في تنفيذها، إذ هي مظنة الإهمال، أو مظنة الإخفاء، ولأنها مال يعطى بغير عوض فكان إخراجها شاقا على النفس، فكان من الأسلوب البليغ الحكيم العناية بتنفيذها.

وكان من مظاهر هذه العناية تقديمها في الذكر، قال علي رضي الله عنه: إنكم تقرؤون الوصية قبل الدين، (وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية)36.

وهذا إجماع على أن الدين مقدم على الوصية والإرث مؤخر عنهما؛ لأن الدين حق على الميت والوصية حق له وهما يتقدمان على حق الورثة.

وقوله تعالى: ( ) أي: إنكم لا تدرون أي الفريقين أقرب لكم نفعا آباؤكم أو أبناؤكم، فلا تتبعوا في قسمة التركات ما كان يتعارفه أهل الجاهلية من إعطائها للأقوياء الذين يحاربون الأعداء، وحرمان الأطفال والنساء لأنهم من الضعفاء، بل اتبعوا ما أمركم الله به، فهو أعلم منكم بما هو أقرب نفعا لكم مما تقوم به في الدنيا مصالحكم وتعظم به في الآخرة أجوركم، ( ) أي: فرض الله ما ذكر من الأحكام فريضة لا هوادة في وجوب العمل بها، ( ) أي: إنه تعالى لعلمه بشؤونكم ولحكمته العظيمة لا يشرع لكم إلا ما فيه المنفعة لكم، إذ لا تخفى عليه خافية من وجوه المصالح والمنافع، إلا أنه منزه عن الغرض والهوى اللذين من شأنهما أن يمنعا من وضع الشيء في غير موضعه، ومن إعطاء الحق لمن يستحقه، وروي أن هذه الآية نزلت لما استشهد سعد بن الربيع يوم أحد، وترك بنتين وامرأة، وأباه الربيع، فأخذ أبوه جميع ما ترك على ما كانوا عليه في الجاهلية، فأتت امرأة سعد النبي صلى الله عليه وسلم فشكت ذلك إليه مرتين وهي تبكي، وتذكر فقر بنيها، وأنه لا أحد يرغب فيهما لفقرهما، فنزلت آية المواريث: ( ) [النساء:١١]3738.

ومن التشريعات الدينية التي وصى الله تعالى بها، قوله تعالى: ( ) [البقرة:٢٤٠].

قال المفسرون: «كان في ابتداء الإسلام إذا مات الرجل لم يكن لامرأته في الميراث شيء إلا السكنى والنفقة سنة ما لم تخرج من بيت زوجها، وكان المتوفى يوصي بذلك لها، فإن خرجت من بيت زوجها لم يكن لها نفقة، وكان الحول واجبا عليها في الصبر عن التزوج، ثم نسخت هذه الآية بالربع والثمن، وتقدير لمدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر»39.

ومن التشريعات الدينية التي وصى الله تعالى بها، قوله تعالى: ( ﮛﮜ ﮬﮭ ﯿ ﰀﰁ ﰄﰅ ) [المائدة:١٠٦-١٠٨].

أخبر الله تعالى المؤمنين أن حكمه في الشهادة على الموصي إذا حضره الموت أن تكون شهادة عدلين، فإن كان في سفر وهو الضرب في الأرض ولم يكن معه من المؤمنين أحد فليشهد شاهدين ممن حضره من أهل الكفر، فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حلفا بعد الصلاة أنهما ما كذبا ولا بدلا وأن ما شهدا به حق ما كتما فيه شهادة الله، وحكم بشهادتهما، فإن عثر بعد ذلك على أنهما كذبا أو خانا ونحو هذا مما هو إثم، حلف رجلان من أولياء الموصي في السفر وغرم الشاهدان ما ظهر عليهما 40.

رابعًا: أمور الأخلاق:

ذكر القرآن الكريم أن من مكارم الأخلاق التواصي بالحق والتواصي بالصبر، فقال تعالى: ( ) [العصر:١-٣].

أقسم الله تعالى في هذه الآية الكريمة، أنَّ كلَّ إنسان خاسر إلا من اتصف بهذه الأوصاف الأربعة: الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر على الحقِّ، فهذه السورة ميزان للأعمال يزين المؤمن بها نفسه، فيبين له بها ربحه من خسرانه، ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: «لو فكر الناس كلهم فيها لكفتهم»41.

وقوله تعالى: ( ) [العصر:٣].

والحقُّ: الأمر الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، وهو الخير كله: من توحيد الله وطاعته، واتباع كتبه ورسله، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، وقيل: الحق: هو القرآن؛ لشموله كلَّ أمر وكلَّ نهي، وكل خير، ويشهد لذلك قوله تعالى في حقِّ القرآن: ( ) [الإسراء:١٠٥].

وقوله سبحانه: ( ﭿ ) [الزمر:٢].

وقد اشتمل قوله تعالى: ( ) [العصر:٣].

على إقامة المصالح الدينية كلها، فالعقائد الإسلامية والأخلاق الدينية مندرجة في الحقِّ، والأعمال الصالحة وتجنب السيئات مندرجة في الصبر، والتخلق بالصبر ملاك فضائل الأخلاق كلها، فإنَّ الارتياض بالأخلاق الحميدة لا يخلو من حمل المرء نفسه على مخالفة شهوات كثيرة.

ففي مخالفتها تعب يقتضي الصبر عليه حتى تصير مكارم الأخلاق ملكة لمن راض نفسه عليها، وأفادت صيغة التواصي بالحق وبالصبر أن يكون شأن حياة المؤمنين قائمًا على شيوع التآمر بهما ديدنًا لهم، وذلك يقتضي اتصاف المؤمنين بإقامة الحقِّ وصبرهم على المكاره في مصالح الإسلام وأمته؛ لما يقتضيه عرف الناس من أنَّ أحدًا لا يوصي غيره بملازمة أمر إلا وهو يرى ذلك الأمر خليقًا بالملازمة، إذ قلَّ أن يقدم أحد على أمر بحقٍّ و لا يفعله أو أمر بصبر وهو ذو جزع.

وقد قال الله تعالى توبيخًا لبني إسرائيل: ( ﮫﮬ ) [البقرة:٤٤]42.

الموصى

تظهر وصية الله تعالى للأنبياء والمؤمنين وأهل الكتاب والإنسان عامة وذلك من خلال ما يلي:

أولًا: الأنبياء:

وصى الله تعالى الأنبياء والمرسلين بالتشريعات الدينية، قال تعالى: ( ﭿ ﮊﮋ ﮑﮒ ﮘﮙ ) [الشورى:١٣].

إن الأنبياء عليهم السلام مأمورون بتبليغ وصية الله تعالى، وقد بينت هذه الآية الكريمة أن من وصية الله تعالى لجميع الرسل إقامة الدين بكليته، ومن إقامة الدين الذي أمر الله تعالى بإقامته اتباع جميع التشريعات التي أمر الله تعالى بها، وقد كانت هذه الوصية عمل الرسل لأممهم ومن بعدهم، فنفذها إبراهيم عليه السلام.

قال تعالى: ( ) [البقرة:١٣٢].

ومن بعد إبراهيم يعقوب عليه السلام، قال تعالى: ( ) [البقرة:١٣٣].

فهذا تواصي الأمم بأصل الإيمان وعموم الشريعة، وقوله تعالى: ( ﭿ ) [الشورى:١٣].

مقدر فيه مضاف، أي مثل ما وصى به نوحا، أو هو بتقدير كاف التشبيه على طريقة التشبيه البليغ مبالغة في شدة المماثلة حتى صار المثل كأنه عين مثله، والمراد: المماثلة في أصول الدين مما يجب لله تعالى من الصفات، وفي أصول الشريعة من كليات التشريع، وأعظمها توحيد الله، ثم ما بعده من الكليات الخمس الضروريات، ثم الحاجيات التي لا يستقيم نظام البشر بدونها.

فإن كل ما اشتملت عليه الأديان المذكورة من هذا النوع قد أودع مثله في دين الإسلام، فالأديان السابقة كانت تأمر بالتوحيد، والإيمان بالبعث والحياة الآخرة، وتقوى الله بامتثال أمره واجتناب نهيه على العموم، وبمكارم الأخلاق بحسب المعروف، وتختلف في تفاصيل ذلك وتفاريعه.

ودين الإسلام لم يخل عن تلك الأصول وإن خالفها في التفاريع تضييقا وتوسيعا، وامتازت هذه الشريعة بتعليل الأحكام وسد الذرائع والأمر بالنظر في الأدلة وبرفع الحرج وبالسماحة وبشدة الاتصال بالفطرة، وكما وصى الله تعالى أنبياءه ورسله بأصل الإيمان وعموم الشريعة، كذلك وصى الله تعالى الأنبياء بالعبادة من صلاة وزكاة، كما في قوله تعالى عن نبي الله عيسى عليه السلام: ( ) [مريم:٣١]43.

ثانيًا: المؤمنون:

المؤمنون مأمورون بالتواصي بالحق، وهو الخير كله: من توحيد الله وطاعته، واتباع كتبه ورسله، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، لذلك قرن الأمر بالتواصي بالحق بالأمر بالتواصي بالصبر في سورة العصر، والحق هو المقصود الأول من الدين، وهو لا يقوم إلا بالصبر، فكانت سورة العصر مشتملة على التواصي بالاستقامة على صراط الله المستقيم واتباعه، ويأتي عقبها قوله تعالى: ( ) [العصر:٣].

بمثابة التثبيت على هذا الصراط المستقيم إذ الصبر لازم على عمل الطاعات، كما هو لازم لترك المنكرات، وقد اشتمل قوله تعالى: ( ) [العصر:٣].

على إقامة المصالح الدينية كلها، فالعقائد الإسلامية والأخلاق الدينية مندرجة في الحق، والأعمال الصالحة وتجنب السيئات مندرجة في الصبر، والتخلق بالصبر ملاك فضائل الأخلاق كلها فإن الارتياض بالأخلاق الحميدة لا يخلو من حمل المرء نفسه على مخالفة شهوات كثيرة، ففي مخالفتها تعب يقتضي الصبر عليه حتى تصير مكارم الأخلاق ملكة لمن راض نفسه عليها، وأفادت صيغة التواصي بالحق وبالصبر أن يكون شأن حياة المؤمنين قائما على شيوع التآمر بهما ديدنًا لهم.

وذلك يقتضي اتصاف المؤمنين بإقامة الحق وصبرهم على المكاره في مصالح الإسلام وأمته، لما يقتضيه عرف الناس من أن أحدًا لا يوصي غيره بملازمة أمر إلا وهو يرى ذلك الأمر خليقا بالملازمة إذ قل أن يقدم أحد على أمر بحق هو لا يفعله أو أمر بصبر وهو ذو جزع.

وقد قال الله تعالى توبيخا لبني إسرائيل: ( ﮫﮬ ) [البقرة:٤٤]44.

والمؤمنون مأمورون أن لا يقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.

قال تعالى: ( ﭛﭜ ﭠﭡ ﭦﭧ ﭮﭯ ﭲﭳ ) [الأنعام:١٥٢].

نهى الله تعالى ولي اليتيم أو وصية عن قربان مال اليتيم إلا بالوجه الذي هو أنفع، فلا بد لكافل اليتيم من النظر والتحري عند التصرف في ماله، حتى يعرف ما هو ضار وما هو نافع، فلا يتصرف إلا بما هو نافع، ويحرم أخذ مال اليتيم بالباطل، والتعدي عليه ظلمًا، ومثل اليتيم في النهي غيره؛ فكل ذي ولاية أو أمانة على مال غيره يجب عليه أن يتحرى التحري المذكور، كما يحرم على كل أحد أن يتعدى على مال غيره، ووجه تخصيص حق اليتيم في ماله بالحفظ: أن ذلك الحق مظنة الاعتداء عليه من الولي، وهو مظنة انعدام المدافع عنه، لأنه ما من ضعيف عندهم إلا وله من الأقارب والموالي من يدفع عنه إذا استجاره أو استنجده.

فأما اليتيم فإن الاعتداء عليه إنما يكون من أقرب الناس إليه وهو وليه؛ لأنه لم يكن يلي اليتيم عندهم إلا أقرب الناس إليه، وكان الأولياء يتوسعون في أموال أيتامهم، ويعتدون عليها، ويضيعون الأيتام لكيلا ينشؤوا نشأة يعرفون بها حقوقهم، ولذلك قال تعالى: ( ) [الضحى:٦].

فلذلك لم يوص الله تعالى بمال غير اليتيم؛ لأن صاحبه يدفع عن نفسه، أو يستدفع بأوليائه ومنجديه، لأنه ضعيف لا ناصر له، والنفوس أشد طمعًا في مال الضعيف؛ فالعناية به أوكد، والعقوبة عليه أشد، ومن بليغ إيجاز القرآن في بيانه أنه يذكر الشيء ليدل به على تأثيره، أو الذي هو أحرى بالحكم منه، أو لكون امتثال الحكم الشرعي فيه داعيا إلى امتثاله في غيره بالمساواة.

وفي قوله: ( ) [الأنعام:١٥٢] أربعة تأويلات:

أحدها: حفظ ماله عليه إلى أن يكبر ليتسلمه.

والثاني: أن ذلك هو التجارة به.

والثالث: هو ألا يأخذ من الربح إذا اتجر له بالمال شيئًا.

والرابع: هو أن يأكل الولي بالمعروف من ماله إن افتقر، ويترك إن استغنى، ولا يتعدى من الأكل إلى اللباس ولا غيره.

ويحتمل خامسًا: أن التي هي أحسن: حفظ أصوله وتثمير فروعه.

ثم قال: ( ) [الأنعام:١٥٢].

أي: الرشد وزوال السفه مع البلوغ، وفي حدها ثلاثة أقاويل: قال مقاتل: «يعني ثماني عشرة سنة»، وقال الكلبي: «الأشد ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين سنة»، ويقال: «حتى يبلغ مبلغ الرجل»، ويقال: «بلوغ الأشد ما بين ثماني عشرة إلى أربعين سنة».

وقد نص الفقهاء على أن من ولي مال اليتيم واستحق أجرًا، فله الأقل من أحد أمرين: إما نفقته في نفسه، وإما أجرته على عمله، أي: إن كان العمل يستحق أجرة ألف ريال، ونفقته يكفي لها خمسمائة أخذ نفقته فقط، وإن كان العمل يكفيه أجرة مائة ريال، ونفقته خمسمائة أخذ أجرته مائة فقط حفظًا لماله45.

قال المفسرون: لما نزلت سورة بني إسرائيل، وقوله تعالى: ( ) [الأنعام:١٥٢].

وفي سورة النساء: ( ﮎﮏ ) [النساء:١٠].

تحرج المسلمون أن يخلطوا طعامهم بطعام من يكون عندهم من الأيتام، وكانوا يعزلون طعامهم عن طعامهم، وشرابهم عن شرابهم، حتى ربما فسد طعامهم، فشق ذلك عليهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: ( ) [البقرة:٢٢٠].

يعني في الطعام، والشراب، والمساكنة، وركوب الدابة، واستخدام العبد، قال الشعبي: فمن خالط يتيمًا، فليوسع عليه، ومن خالط بأكل فلا يفعل، ( ) [البقرة:٢٢٠].

قال ابن زيد: الله يعلم حين تخلط مالك بماله، أتريد أن تصلح ماله أو تفسد ماله بغير حق، ( ) [البقرة:٢٢٠].

فيه تأويلان:

أحدهما: لشدد عليكم.

والثاني: لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقًا.

( ) [البقرة:٢٢٠].

يعني: عزيز في سلطانه وقدرته على الإعنات، حكيم فيما صنع من تدبيره وتركه الإعنات46.

ثالثًا: أهل الكتاب:

ومن الوصايا التي وصى الله تعالى بها أهل الكتاب وصية التقوى.

قال تعالى: ( ﮞﮟ ﮪﮫ ﯖﯗ ) [النساء:١٣١].

وصى الله تعالى الذين أوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى، من الأمم السالفة، ووصيناكم أنتم يا أمة محمد كذلك بأن اتقوا الله جميعا، وفي هذا إشارة إلى أن الأديان جميعها متفقة على مبدأ التوحيد وتقوى الله ومختلفة في الفروع تبعا للزمان والمكان، وإن تكفروا بالله فاعلموا أن له ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنيا عن عبادتكم.

والإخبار بأن الله أوصى الذين أوتوا الكتاب من قبل بالتقوى مقصود منه إلهاب همم المسلمين للتهمم بتقوى الله لئلا تفضلهم الأمم الذين من قبلهم من أهل الكتاب، فإن للائتساء أثرا بالغا في النفوس، كما قال تعالى: ( ) [البقرة:١٨٣].

والمراد بالذين أوتوا الكتاب اليهود والنصارى، فالتعريف في الكتاب تعريف الجنس فيصدق بالمتعدد، وبين بها عدم حاجته تعالى إلى تقوى الناس، ولكنها لصلاح أنفسهم، كما قال تعالى: ( ﭿﮀ ) [الزمر:٧]47.

رابعًا: عامة الناس:

لقد وجه الله تعالى الوصية بالإحسان إلى الناس عامة.

قال تعالى: ( ﭔﭕ ﭚﭛ ﭟﭠ ﭺﭻ ﭿ ﮏﮐ ) [الأحقاف:١٥-١٦].

بينت الآية أن الوصية بالإحسان للوالدين: هي وصية لجنس الإنسان كله، فهذه الوصاة بالإحسان إلى الوالدين موجهة إلى كل إنسان أي: وصينا الناس وهو مراد به خصوص الناس الذين جاءتهم الرسل بوصايا الله والذين آمنوا وعملوا الصالحات وذلك هو المناسب لقوله في آخرها، ( ) [الأحقاف:١٦].

وهي قائمة على أساس إنسانيته، بدون حاجة إلى أية صفة أخرى وراء كونه إنسانا، وهي وصية بالإحسان مطلقة من كل شرط ومن كل قيد، فصفة الوالدية تقتضي هذا الإحسان بذاتها، بدون حاجة إلى أية صفة أخرى كذلك، وهي وصية صادرة من خالق الإنسان، وربما كانت خاصة بهذا الجنس أيضًا48.

قال سيد قطب: «ولا ترد وصية الوالدين بالأولاد إلا نادرة، ولمناسبة حالات معينة، ذلك أن الفطرة وحدها تتكفل برعاية الوالدين للأولاد، رعاية تلقائية مندفعة بذاتها لا تحتاج إلى مثير، وبالتضحية النبيلة الكاملة العجيبة التي كثيرا ما تصل إلى حد الموت- فضلا على الألم- بدون تردد، ودون انتظار عوض، ودون مَنٍّ ولا رغبة حتى في الشكران! أما الجيل الناشئ فقلما يتلفت إلى الخلف، قلما يتلفت إلى الجيل المضحي الواهب الفاني، لأنه بدوره مندفع إلى الأمام، يطلب جيلا ناشئا منه يضحي له بدوره ويرعاه! وهكذا تمضي الحياة!

والإسلام يجعل الأسرة هي اللبنة الأولى في بنائه والمحضن الذي تدرج فيه الفراخ الخضر وتكبر وتتلقى رصيدها من الحب والتعاون والتكافل والبناء، والطفل الذي يحرم من محضن الأسرة ينشأ شاذا غير طبيعي في كثير من جوانب حياته- مهما توافرت له وسائل الراحة والتربية في غير محيط الأسرة- وأول ما يفقده في أي محضن آخر غير محضن الأسرة، هو شعور الحب.

فقد ثبت أن الطفل بفطرته يحب أن يستأثر وحده بأمه فترة العامين الأولين من حياته، ولا يطيق أن يشاركه فيها أحد، وفي المحاضن الصناعية لا يمكن أن يتوفر هذا، إذ تقوم الحاضنة بحضانة عدة أطفال، يتحاقدون فيما بينهم، على الأم الصناعية المشتركة، وتبذر في قلوبهم بذرة الحقد فلا تنمو بذرة الحب أبدا، كذلك يحتاج الطفل إلى سلطة واحدة ثابتة تشرف عليه فترة من حياته كي يتحقق له ثبات الشخصية، وهذا ما لا يتيسر إلا في محضن الأسرة الطبيعي.

فأما في المحاضن الصناعية فلا تتوفر السلطة الشخصية الثابتة لتغير الحاضنات بالمناوبة على الأطفال، فتنشأ شخصياتهم مخلخلة، ويحرمون ثبات الشخصية والتجارب في المحاضن تكشف في كل يوم عن حكمة أصيلة في جعل الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع السليم، الذي يستهدف الإسلام إنشاءه على أساس الفطرة السليمة49.

صيغ عرض الوصية

تظهر صيغ الوصية من خلال ما يلي:

أولًا: الصيغة الفعلية:

وردت الوصية في القرآن الكريم بعدة صيغ فعلية، منها:

  1. صيغة الفعل الماضي وصى وأوصى، اثنتى عشرة مرة.

    فيما أوصى به سبحانه رسله وعباده، وغلب مجيء الوصية بمعناها المعروف فيما يوصي به الراحلون عن الدنيا، مع حرمة دينية يسبغها القرآن على الوصية بالحق في حدود ما أمر به الله، أما التواصي فجاء في القرآن خمس مرات، كلها بصيغة الفعل الماضي، وإحداها في سياق الاستفهام الإنكاري لموقف أمم خلت من رسل الله إليهم، وكأنهم تواصوا بالتكذيب: ( ﭠﭡ ) [الذاريات:٥٢-٥٣].

    والأربع الباقيات في مسئولية الإنسان عن الجماعة، بآية العصر: ( ) [العصر:٣]50.

    والحكمة في مجيء هذه الصيغة بالماضي: يعني أنها وصايا قديمة ما زال يوصي الله تعالى بها عباده، وجيء بها بصيغة الماضي الذي يفيد الثبات والاستمرار، وكان ورود أكثرها على التعبير بالماضي لأنه أوضح في استحكام الثبات وامتداده، فورد هذا كله على أنسب وجه، ومن ذلك: قوله تعالى: ( ) [النساء:١٣١].

    يعني: أنها وصية قديمة ما زال يوصي الله بها عباده، لستم بها مخصوصين51.

    وكذلك وصية الله جاءت بصيغة الماضي: قال تعالى: ( ) [الأحقاف:١٥].

    لتشمل خصوص الناس الذين جاءتهم الرسل بالإحسان إلى الوالدين موجهة إلى كل إنسان، أي وصينا الناس وهو مراد به خصوص الناس الذين جاءتهم الرسل بوصايا الله، والذين آمنوا وعملوا الصالحات وذلك هو المناسب لقوله في آخرها: ( ) [الأحقاف:١٦]52.

    وجاء التعبير بالماضي في قوله تعالى: ( ) [العصر:٣].

    إنما قال: ( ) ولم يقل: ويتواصون؛ لئلا يقع أمرًا بل الغرض مدحهم بما صدر عنهم في الماضي، وذلك يفيد رغبتهم في الثبات عليه في المستقبل53.

  2. جاءت الوصية بلفظ المضارع.

    قال تعالى: ( ﮖﮗ ) [النساء:١١].

    اهتماما بشأنها، وإيذانا بوجوب سرعة الامتثال لمضمونها، إذ الوصية من الله تعالى إيجاب مؤكد، وجاءت أيضًا بلفظ المضارع تنبيها على نسخ ما مضى والشروع في حكم آخر54.

    وردت الوصية في القرآن الكريم بصيغة المضارع في عدة مواطن، وذلك أن الفعل المضارع يفيد التجدد والاستمرار.

    وأطلق الإيصاء على ما أمر الله به؛ لأن الناس لم يشاهدوا الله حين فعلهم ما يأمرهم به، فكان أمر الله مؤكدًا فعبر عنه بالإيصاء تنبيها لهم على الاحتراز من التفويت في أوامر الله، ولذلك أطلق على أمر الله الإيصاء في مواضع كثيرة من القرآن، كقوله تعالى: ( ﮖﮗ ) [النساء:١١]55.

    ثانيًا: الصيغة الإسمية:

    سبيل الواجبات الإتيان بالمصدر مرفوعًا، وسبيل المندوبات الإتيان به منصوبًا، ولهذا اختلفوا: هل كانت الوصية للزوجات واجبة لاختلاف القراءة في قوله تعالى: ( ) [البقرة:٢٤٠].

    بالرفع والنصب، فإن الأول مندوب، والثاني واجب، والحكمة في ذلك أن الجملة الإسمية أوكد وأثبت من الفعلية56.

    ثالثًا: بلاغة فواصل آيات الوصية:

    قال تعالى: ( ﯘﯙ ﯝﯞ ﯠﯡ ﯦﯧ ﯪﯫ ﯳﯴ ﯼﯽ ﯿ ﭛﭜ ﭠﭡ ﭦﭧ ﭮﭯ ﭲﭳ ﭾﭿ ﮆﮇ ) [الأنعام:١٥١-١٥٣].

    ختمت الأولى بـ ( )، والثانية: ( ) والثالثة: ( ) لأن ترك الوصايا في الآية الأولى دال على عدم التعقل؛ لأن الشرك والعقوق وقتل الأولاد لأجل الفقر وارتكاب الفواحش وقتل النفس التي حرم الله بغير الحق، كلها عظام جسام، وكانت الوصية بها من أبلغ الوصايا، فختم الآية بما في الإنسان من أشرف السجايا وهو العقل الذى امتاز به الإنسان عن سائر الحيوان وفي الآية الثانية حقوق قولية ومالية، وكل إنسان يحرص عليهما لنفسه، وترك ذلك بالنسبة للغير غفلة يناسبه الدعوة إلى التذكر.

    وفي الآية الثالثة دعوة إلى شرع الله والبعد عن سبل الشيطان، والمخالفة تعرض إلى سخط الله؛ فناسبه الدعوة إلى التقوى57.

    ثمرات الوصية الدنيوية والأخروية

    تظهر نتائج الوصية وثمرتها من خلال ما يلي:

    أولًا: ثمرات الوصية الدنيوية:

    الثمرات الخيرة الدنيوية للوصية بالخير:

  1. أن وصايا القرآن من شأنها أن تكفل رضاء الله وعنايته، وأن تحفظ الناس من الشرور والمهالك وأن تضمن لهم السعادة والطمأنينة، وأن تبث فيهم روح التعاون والتراحم والإخاء، وأن تجنبهم ما لا يليق بالكرامة الإنسانية والشعور الإنساني من مواقف وحركات58.
  2. ومن ثمراتها الحفاظ على النفس وصيانتها من الاعتداء عليها. وشملت الوصية ما كان يعمله أهل الجاهلية فكانت الجاهلية تقتل أولادها خشية كثرة العيلة، ودخول الفقر عليهم إذا كثروا، فأنزل الله تبارك وتعالى: ( ) [الأنعام:١٥١]. وشملت الوصية حفظ النفس الإنسانية، ( ﯼﯽ ﯿ ) [الأنعام:١٥١]. أي: حرم قتلها بأن عصمها بالإسلام أو بالعهد فيخرج الحربي ويدخل الذمي، فما روي عن ابن جبير من كون المراد بالنفس المذكورة النفس المؤمنة ليس في محله ( ) استثناء مفرغ من أعم الأحوال، أي: لا تقتلوها في حال من الأحوال إلا حال ملابستكم بالحق الذي هو أمر الشرع بقتلها، وذلك كما جاء من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق الجماعة)59. أو من أعم الأسباب أي: لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق وهو ما في الخبر، أو من أعم المصادر أي: لا تقتلوها قتلا إلا قتلا كائنا وهو القتل بأحد المذكورات، والحفاظ على النفس يشيع في المجتمع الأمن والسلام ويقضي على كل مظاهر العنف، ويحفظ التعايش مع جميع المجتمعات والأمم والشعوب، فالإسلام دين السلام والتعايش والقبول بالآخر، ويرفض كل أشكال العنف والتطرف بجميع أشكاله وأنواعه وصوره60.
  3. الحفاظ على العقيدة الصحيحة، والتي هي سبب الفوز والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وهي السبب في الحفاظ على الفرد والأسرة والمجتمع وهي التي تحفظ الفرد من البدع والضلالات والشبهات، والسبل المؤدية إلى الضلال من اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، وعباد القبور، وسائر أهل الملل والأوثان، والشذوذ والأهواء والطوائف، وأشير إلى ذلك في قوله تعالى: ( ﭾﭿ ﮆﮇ ) [الأنعام:١٥٣]61.
  4. الحفاظ على الفرد والأسرة والمجتمع.فالوصية بالأخلاق الكريمة هي القاعدة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع وهي قاعدة النظافة والطهارة والعفة والأخلاق، فنهاهم عن الفواحش ظاهرها وخافيها؛ لأنه لا يمكن قيام أمة، ولا استقامة مجتمع، ولا أسرة في وحل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، إنه لا بد من طهارة ونظافة وعفة لتقوم الأسرة وليقوم المجتمع، والذين يحبون أن تشيع الفاحشة هم الذين يحبون أن تتزعزع قوائم الأسرة وأن ينهار المجتمع، والجماعة التي تشيع فيها الفاحشة جماعة ميتة، منتهية حتمًا إلى الدمار، والحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية والحضارة الفارسية، شواهد من التاريخ. ومقدمات الدمار والانهيار في الحضارة الغربية تنبئ بالمصير المرتقب لأمم ينخر فيها كل هذا الفساد، والمجتمع الذي تشيع فيه المقاتل والثارات، مجتمع مهدد بالدمار، ومن ثم يجعل الإسلام عقوبة هذه الجرائم هي أقسى العقوبات؛ لأنه يريد حماية مجتمعه من عوامل الدمار وأشير إلى ذلك في قوله تعالى: ( ﯘﯙ ﯝﯞ ﯠﯡ ﯦﯧ ﯪﯫ ﯳﯴ ﯼﯽ ﯿ ) [الأنعام:١٥١]62.
  5. الحفاظ على وحدة الأمة وكيانها وقوتها. فاتباع صراط الله المستقيم الواحد هو سبب وحدة الأمة، وحدتها في الألوهية ووحدتها في الربوبية ووحدتها من الشتات والتمزق التي تسببه الأهواء والبدع والطوائف والأحزاب، قال تعالى: ( ﭾﭿ ﮆﮇ ) [الأنعام:١٥٣]. فهذه الآية تحذر من التفرق وتدعو إلى الوحدة وجمع كلمة المسلمين، والسير في طريق واحد، فإذا تفرق المسلمون بعد ذلك فهم خارجون عن السير فيه، وحينما تفرق المسلمون أحزابًا كل حزب بما لديهم فرحون، زعمت كل فرقة أنها هي الناجية، وما عداها هالك، حتى التبس الأمر على كثير من المسلمين فلم يهتد إلى الفرقة الناجية بسبب تلك المزاعم، ولا ينبغي أن نأبه لتلك المزاعم. بل نعرض كل ما نسمع على كتاب الله وسنة نبيه، فما وافقهما فهو الحق، وما خالفهما عرفنا أنه باطل وهذا هو الميزان الذي ينبغي أن نزن به كل قول ومعتقد مهما كان مصدره كما هو حال أهل السنة في عرضهم للأقوال والمعتقدات على كتاب الله وسنة رسوله، وهو توفيق من الله لهم، وهم الفرقة الناجية، وهم أهل الحق إلى أن تقوم القيامة63.
  6. الحفاظ على الأموال، فحفظت وصايا القرآن أموال اليتامى من الضياع، وحذرت أصحاب النفوس الضعيفة من المساس بها، وحفظت الموازين في التجارة لتستقيم المعاملات، وأعطت للأولاد والآباء حقهم من المال، ونهت عن المضارة في الوصية في المال، وذلك يعمل على حفظ مال الفرد والجماعة والأمة، وأشير لذلك في قوله تعالى: ( ﭛﭜ ) [الأنعام:١٥٢].
  7. رجاء أن يتكلف ذكر هذه الوصايا وما فيها من المصالح والمنافع من كان كثير النسيان والغفلة أو كثير الشواغل الدنيوية، أو رجاء أن يتذكرها المرة بعد المرة من أراد الانتفاع بها بتلاوة آياتها في الصلاة وغيرها وبغير ذلك، أو رجاء أن يتعظ بها من سمعها وقرأها أو ذكرها أو ذكَّر بها، وبعض هذه الوجوه عام يطلب من كل مسلم، وبعضها خاص، وأشير إلى ذلك في قوله تعالى: ( ) [الأنعام:١٥٢]64.
  8. الإمامة في الدين والدنيا، وذلك أن قوله تعالى: ( ) [العصر:٣]. إرشاد إلى منصب الإمامة في قوة الدين، كقوله تعالى: ( ﭿ ﮀﮁ ) [السجدة:٢٤]. فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين65.
  9. أنهم ثنية الله سبحانه من الخاسرين، قال تعالى: ( ) [العصر:١-٣]. فأقسم سبحانه على خسران نوع الإنسان إلا من كمل نفسه بالإيمان والعمل الصالح، وكمل غيره بوصيته له بهما، ولهذا قال الشافعي رحمه الله: «لو فكر الناس كلهم في سورة العصر لكفتهم»66.

    والخلاصة: أن وصايا القرآن الكريم تحافظ على الكليات الضرورية للفرد والمجتمع وهي العقيدة والنفس والعرض والمال والعقل وكل ما فيه صلاح المجتمع وسلامته والحفاظ على أمنه ووحدته واستقراره بما يكفل له سبل الحياة الكريمة، فإذا هم فعلوا بهذه الوصايا كثر في الأمة الخير، وندر فيها وقوع الشر، وائتلفت قلوب أهليها، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر، وسعدوا في دنياهم وآخرتهم67.

    النتائج الشريرة للتواصي بالشر:

    والتواصي بالشر بعكس التواصي بالخير فهو سبب الشرك والكفر وفساد الأخلاق وأكل مال اليتيم وقتل النفس التي حرم الله تعالى وقتل الأولاد خوف الفقر ووأد البنات وحرمان خير الدنيا والآخرة، وسبب الشقاء والانحراف والطغيان.

    قال تعالى: ( ﭠﭡ ) [الذاريات:٥٢-٥٤].

    يخبر تعالى عن سبب شقاء قريش وحرمانها خير الدنيا والآخرة وهو اتباعها وصية الأمم السالفة المكذبة رسلها، فكما كذبت قريش نبيها محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقالت: هو شاعر، أو ساحر أو مجنون، كذلك فعلت الأمم المكذبة رسلها، الذين أحل الله بهم نقمته، كقوم نوح وعاد وثمود، وفرعون وقومه، وقوله تعالى: ( ﭠﭡ ) [الذاريات:٥٣].

    يقول تعالى ذكره: أأوصى هؤلاء المكذبين من قريش محمدًا عليه السلام على ما جاءهم به من الحق أوائلهم وآباؤهم الماضون من قبلهم، بتكذيب محمد عليه السلام، فقبلوا ذلك عنهم68.

    ثانيًا: ثمرات الوصية الأخروية:

    الثمرات الأخروية للوصية بالخير ما يأتي:

    من ثمرات الوصايا بالحق والوصايا بالصبر والوصايا بالمرحمة ووصايا القرآن بشكل عام، قال تعالى: ( ) [البلد:١٧-١٨].

    أي: أن هؤلاء الذين آمنوا، وتواصوا بالصبر، وتواصوا بالمرحمة، وتخطوا هذه العقبة، ففكوا الرقاب، وأطعموا الجياع من الأيتام والمساكين هؤلاء ( ) [البلد:١٨].

    على جهة التفخيم لشأنهم والتعظيم لقدرهم، وهم أصحاب اليمن والبركة والثواب، والفوز، والفلاح، وأنهم من أهل اليمين، الذين وعدهم الله جنات النعيم، الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، وقال يحيى بن سلام: «لأنهم ميامين على أنفسهم»، وقال ابن زيد: «لأنهم أخذوا من شق آدم الأيمن»، وقيل: «لأن منزلتهم عن اليمين»69.

    ووصف تعالى ما أعد لأصحاب اليمين في آيات أخر، قال تعال: ( ) [الواقعة:٢٧-٤٠].

    النتائج الأخروية للتواصي بالشر:

    ثم ذكر تعالى مقابل أصحاب اليمين وهم الذين صدوا عن سبيل الله، وتواصوا بالإثم وتواصوا بالعدوان ومعصية الرسول فقال تعالى: ( ) [البلد:١٩-٢٠].

    أي: والذين جحدوا آياتنا الكونية وآياتنا السمعية التي جاءت على ألسنة الرسل، هم أصحاب المشأمة، أي أهل الشمال الذين وصفهم الله بقوله تعالى: ( ﯿ) [الواقعة:٤١-٤٧].

    وقوله تعالى: ( ) [البلد:١٩]. على جهة التعظيم والمبالغة في ذمهم، وهي منزلة الإهانة والغضب والخسران، وهم أصحاب الشؤم على أنفسهم، ويقال: أصحاب المشأمة: هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، والعرب تقول لليد الشمال الشؤمى، وللجانب الأيسر الأشام، ومنه الشؤم، وقيل: إنما سموا بذلك لأنهم أعطوا كتبهم بشمائلهم، وقوله تعالى: ( ) [البلد:٢٠]. أي: عليهم نار تطبق عليهم فلا يستطيعون الفكاك منها ولا الخلاص من عذابها، نجانا الله منها بمنه وكرمه، وجعلنا من أصحاب الميمنة70.


1 انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/٦٦٢، تاج العروس، الزبيدي ٤٠/٢٠٧.

2 مقاييس اللغة ٦/١١٦.

3 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣١٩، المفردات، الراغب الأصفهاني ص٨٧٣.

4 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الواو، ص١٤١٣.

5 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٨٧٣.

6 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٢٠٠، القاموس الفقهي، سعدي أب جيب ص ٣٥٠، المعجم الوسيط لعدد من المحققين ٢/٩١٢.

7 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٧٩٧، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٥/٣٤.

8 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٨٠٣، المصباح المنير، الفيومي ٢/٦٧٣، تاج العروس، الزبيدي ٤/٣٦٤.

9 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٨٨٤، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٥/٢٨٥.

10 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية ٤٣/٢٢٢.

11 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١٣٥، لسان العرب، ابن منظور ٩/٣٥٩، الكليات، الكفوي ص ٩٤٠.

12 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ٢٥٣، أنيس الفقهاء، القنوي ص ٧٠، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٣٤٠.

13 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية ٤٤/١١٠.

14 انظر: الصحاح، الجوهري ١/٢٩٥، المطلع على ألفاظ المقنع، البعلي ص ٣٦٢، لسان العرب، ابن منظور ٢/٢٠٠، الكليات، الكفوي ص ٧٨.

15 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية ٣/١٩.

16 انظر: تفسير آيات الأحكام، السايس ص ٦٥، المعجزة الكبرى القرآن، أبو زهرة ص ٣٣٢.

17 انظر: الهداية الى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١/٥٧٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٥٩، فتح القدير، الشوكاني ١/٢٠٥.

18 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٢/١٨، النكت والعيون، الماوردي ٢/١٨٦، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٢٧٩، التفسير الحديث، محمد عزت ٣/٣٧٥، تفسير الشعراوي ٤/٢٠٣٤.

19 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ١/٦٦٣، تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١/٣٩١.

20 انظر: روح المعاني، الألوسي ١١/٨٤، التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية، علي صبح ص ١٩٧.

21 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٢٧٤٢، ٤/٣، كتاب الوصايا، باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس، ومسلم في صحيحه، رقم ١٦٢٨، ٣/١٢٥٢، كتاب الهبة، باب الوصية بالثلث.

22 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/١٤٦، في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٥٨٩، روح المعاني، الألوسي ١/٤٥١.

23 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٣٨، تفسير المراغي ٢٥/٢٥، في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢١٧.

24 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ٣/١٢٤٥، الكشاف، الزمخشري ٤/٢١٥، لباب التأويل، الخازن ٢/١٧٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٩٨، أضواء البيان، الشنقيطي ٩/٩٤.

25 أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، رقم ٢٤١، ١/١٩٧، وأحمد في مسنده، رقم ٤١٤٢، ٧/٢٠٧، والدارمي في سننه، رقم ٢٠٨، ١/٢٨٥ كتاب العلم، باب في كراهية أخذ الرأي، والنسائي السنن الكبرى رقم ١١١٠٩، ١٠/٩٥ كتاب التفسير فاتحة الكتاب، قوله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيمًا).

وحسنه التبريزي في مشكاة المصابيح ١/٥٨.

26 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٣٨، في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢١٧.

27 في ظلال القرآن ٣/١٢١٧.

28 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ١/٦١٠، الوجيز، الواحدي ص ١٣٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٧١١.

29 أخرجه أبو داود في سننه، رقم ٤٣٩٨، ٤/١٤٠، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا، والترمذي في سننه، رقم ١٤٢٣، ٤/٣٢، أبواب الحدود، باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد، والنسائي في سننه، رقم ٣٢٣٤، ٦/١٥٦، كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج، وابن ماجه في سننه، رقم ٢٠٤١، ١/٦٥٨، كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم.

وصححه الألباني في الإرواء ٥/٢٧٤.

30 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/١٩١، تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/١١، لباب التأويل، الخازن ٣/١٨٧.

31 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٤/٧٤.

32 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/١٧٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨، أ/١٥٩، التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٥/٢١٧.

33 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢٣٠.

34 أخرجه مالك في الموطأ رقم ١١، ٢/٨٢٥، كتاب المدبر، باب ما جاء في الرجم.

35 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١١/٦٨٣٠، لطائف الإشارات، القشيري ٣/٣٩٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٢٩.

36 أخرجه البخاري تعليقًا، ٤/٥، كتاب الوصايا، باب تأويل قول الله تعالى: (من بعد وصيةٍ يوصي بهآ أو دينٍ)، ووصله الترمذي في سننه، رقم ٢٠٩٤، ٤/٤١٦، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الإخوة من الأب والأم، وابن ماجه في سننه، رقم ٢٧١٥، ٢/٩٠٦، كتاب الوصايا، باب الدين قبل الوصية.

وحسنه الألباني في الإرواء ٦/١٣١.

37 أخرجه أبو داود في سننه، رقم ٢٨٩١، ٣/١٢١، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الصلب، والترمذي في سننه، رقم ٢٠٩٢، ٤/٤١٤، أبواب الفرائض، باب ما جاء في ميراث البنات، وابن ماجه في سننه، رقم ٢٧٢٠، ٢/٩٠٨، كتاب الفرائض، باب فرائض الصلب.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وصححه ابن الملقن في البدر المنير ٧/٢١٣.

38 انظر: الهداية الى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٢/١٢٣٨، التفسير الوسيط، الواحدي ١/٢٦٨، تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣٨٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٤٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٩٢، غرائب القرآن، النيسابوري ١/٤٨٧، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس ٢/٧٠٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/١٤٦، في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٥٨٩، روح المعاني، الألوسي ١/٤٥١.

39 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١/٣٥٣.

40 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٢٥١.

41 انظر: تفسير الإمام الشافعي ٣/١٤٦١.

42 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٧٩٤، مدارك التنزيل، النسفي ٣/٦٧٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٨٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٥٣٣، أضواء البيان، الشنقيطي ٩/٩٤.

43 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/١٩١، تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/١١، لباب التأويل، الخازن ٣/١٨٧.

44 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٧٩٤، مدارك التنزيل، النسفي ٣/٦٧٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٨٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٥٣٣، أضواء البيان، الشنقيطي ٩/٩٤.

45 انظر: تفسير السمرقندي ١/٤٩٤، تفسير ابن باديس ص ٩٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨ أ/١٦٤، أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٥٦٤.

46 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٢٨٠.

47 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٥٧٤، البحر المحيط، أبو حيان ٤/٩٠، تفسير المنار، محمد رشيد ٥/٣٦٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٢٢٠.

48 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٢٦١، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس ١٣/٢٧٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٢٩.

49 في ظلال القرآن ٦/٣٢٦١- ٣٢٦٢.

50 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس ٢/٨٩.

51 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٥/٣٠٥.

52 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٢٩.

53 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣٢/٢٨٢.

54 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣٢/٢٨٢، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/١٨٠، البحر المديد، ابن عجيبة ١/٤٧١.

55 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨أ/١٣٤.

56 انظر: الإتقان في علوم القرآن، السيوطي ٢/٣٧٩، معترك الأقران في إعجاز القرآن، السيوطي ٣/٤٩٧.

57 انظر: الأصلان في علوم القرآن، محمد القيعي ص ٧٢، ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل، أحمد بن إبراهيم الثقفي ١/١٧٣، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ١/١٩٩.

58 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٢٧٩، التفسير الحديث، محمد عزت ٣/٣٧٥، تفسير الشعراوي ٤/٢٠٣٤.

59 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٦٨٧٨، ٩/٥ كتاب الحدود، باب قول الله تعالى: (أن النفس بالنفس والعين بالعين)، ومسلم في صحيحه، رقم ١٦٧٦، ٣/١٣٠٢، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ما يباح به دم المسلم.

60 انظر: روح المعاني، الألوسي ٤/٢٩٨.

61 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٣٨، في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢١٧.

62 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢٣٠.

63 انظر: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها، غالب عواجي ١/٤٠.

64 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٨/١٧١.

65 انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ابن القيم ٢/١٦٧، التبيان في أقسام القرآن، ابن القيم ص ٨٧.

66 انظر: رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه ص ٢١.

67 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٤/٢٣.

68 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٤٤١، محاسن التأويل، القاسمي ٩/٥٣٦.

69 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٦/٢٨٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/٧١.

70 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١١/٧٢٥٧، نظم الدرر ٣٠/١٦٣.