عناصر الموضوع

مفهوم الوسطية

الوسطية في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

ملامح الوسطية

مجالات الوسطية

أثر الوسطية على الفرد والمجتمع

الأمة الوسط

الوسطية

مفهوم الوسطية

أولًا: المعنى اللغوي:

(وسط) الواو والسين والطاء: بناء صحيح يدل على العدل والنصف، وأعدل الشيء: أوسطه ووسطه، وسطت القوم أسطهم وسطًا وسطة، أي: توسطتهم وفلان وسيط في قومه إذا كان أوسطهم نسبًا، والأصبع الوسطى، والتوسيط: أن تجعل الشيء في الوسط، والتوسيط: قطع الشيء نصفين، والتوسط بين الناس من الوساطة، والوسط من كل شيء: أعدله، ويقال أيضًا: شيء وسط، أي: بين الجيد والرديء، وعبد وسط وأمة وسط وشيء أوسط، وللمؤنث وسطى بمعناه، وواسطة القلادة: الجوهر الذي في وسطها، وهو أجودها، ووسوط الشمس توسطها السماء، وجلست وسط القوم بالسكون وسطًا، فهو واسط، والمفعول موسوط.

يقال: شيء وسط، أي: بين الجيد والرديء، واليوم الأوسط والليلة الوسطى، ويجمع الأوسط على الأواسط مثل الأفضل والأفاضل، ويجمع الوسطى على الوسط مثل: الفضلى والفضل1.

ويلاحظ مما سبق أن لفظة (وسط) تأتي على عدة معان منها: اسمًا لما بين طرفي الشيء، وبمعنى خيار، وأفضل، وأجود، فأوسط الشيء أفضله، وتأتي بمعنى: عدل كما تقدم أن أعدل الشيء أوسطه، وتأتي بمعنى الشيء بين الجيد والرديء.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

الوسطية تعني: الاعتدال والتوازن، ويعنى بها: التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين بدون إفراط أو تفريط، بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير ويطرد الطرف المقابل، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه، ويطغى على مقابله ويحيف عليه، وهذه الوسطية هي العدل والطريق الأوسط الذي تجتمع عنده الفضيلة2.

وأهل السنة يتميزون بالوسطية بين الفرق الأخرى التي تقف على طرفي نقيض.

الوسطية في الاستعمال القرآني

وردت مادة (وسط) في القرآن الكريم (٥) مرات3.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١

( ) [العاديات:٥]

الاسم

١

( ) [البقرة:١٤٣]

اسم التفضيل

٣

( ) [القلم:٢٨]

وجاء الوسط الميثاق في القرآن بمعناها اللغوي: المعتدل من كل شيء، ويلزم منه التوسط في منتصفٍ أو بين طرفين، ويلزم أيضًا على هذا المعنى أن يكون الوسط هو الأعدل والأفضل والأخير4.

الألفاظ ذات الصلة

الغلو:

الغلو لغةً:

أصل الغلو تجاوز الحد، وغلا الرجل في الأمر، أي: تشدد فيه حتى جاوز الحد وأفرط كغلو اليهود في دينها5.

الغلو اصطلاحًا:

«الغلو في الدين البحث عن بواطن الأشياء، والكشف عن عللها وغوامض متعبداتها»6.

الصلة بين الوسطية والغلو:

بالنظر إلى معنى مادة (غلو) والمعنى الاصطلاحي لها، نجد أنها ضد الوسطية، حيث إن الوسطية تعني الاعتدال بين الغلو والتساهل.

الإفراط:

الإفراط لغةً:

فرط في الأمر يفرط فرطًا، وفرط عليه، أي: عجل، والإفراط: تجاوز الحد في الأمر7.

الإفراط اصطلاحًا:

«الإفراط يستعمل في تجاوز الحد من جانب الزيادة والكمال»8.

الصلة بين الوسطية والإفراط:

بين الوسطية والإفراط تضاد، حيث إن الإفراط هو تجاوز الحد، والوسطية تعني الاعتدال.

التفريط:

التفريط لغةً:

يعني: التقصير في الشيء حتى يضيع ويفوت، وقصر فيه وضيعه حتى فات؛ لأنه إذا قصر فيه فقد قعد به عن رتبته التي هي له9.

التفريط اصطلاحًا:

«والتفريط يستعمل في تجاوز الحد من جانب النقصان والتقصير»10.

الصلة بين الوسطية والتفريط:

بين الوسطية والتفريط تضاد فهما على طرفي نقيض، حيث إن التفريط هو القصور والنقصان، أما الوسطية فهي الاعتدال.

الصراط المستقيم:

الصراط المستقيم لغةً:

الصراط و السراط والزراط: الطريق، وصراط مفرد: جمعه صُرُط11.

والمستقيم لغة: من استقام يستقيم، استقم استقامة فهو مستقيم، واستقام العود: استوى، واستقام ميزان النهار: انتصف، واستقام على الطريق: اهتدى، والدين المستقيم: الدين الحقيقي أو الصحيح، والصراط المستقيم: الطريق المستقيم، طريق الهدى وسواء السبيل12.

الصراط المستقيم اصطلاحًا:

الصراط المستقيم: طريق الهدى وسواء السبيل13.

الصلة بين الوسطية والصراط المستقيم:

فالصراط المستقيم يمثل الوسطية ويحقق معناها، فهو وسط بين الغلو والجفاء، وهو كذلك وسط بين الإفراط والتفريط، فهما مترادفان.

ملامح الوسطية

إن الوسطية منهج رباني حميد يمنع العبد من الحيف والجور، وإن من خصائص الإسلام أنه دين وسط، فهو وسط بين اليهودية والنصرانية، وهناك ملامح لهذه الوسطية في القرآن والسنة تبين عظمة الإسلام في طرحه عدة قضايا تنظم حياة المرء المسلم من أهمها: العدل، والحكمة، والاستقامة، والتيسير، ورفع الحرج.

أولًا: العدل:

العدل: هو ضد الظلم، وإحقاق الحق، وإخراج الحق عن الباطل، وهو الأمر المتوسط بين الإفراط والتفريط14.

قال تعالى: ( ﭵﭶ) [البقرة:١٤٣].

وفي قول للطبري أن التأويل جاء بأن الوسط العدل، وذلك معنى الخيار؛ لأن الخيار من الناس عدولهم، ووصف الله عز وجل الإسلام بالوسط لتوسطهم بالدين، وقول الطبري هنا لدليل كبير على أن العدل من ملامح الوسطية15.

ومن هنا فقد جاءت آيات كثيرة تبين وجوب العدل في الشهادة وفي الحكم، والشهادة هي إحدى مقدمات الحكم في كثير من الأحكام، بل وفي حكم المرء على نفسه قبل غيره من الأهل والأقارب.

وبما أن الوسط يعني: العدل كما تقرر سابقًا، فقد جاءت الكثير من الآيات القرآنية التي تبين وجوب العدل في جميع الأمور، فأمر الله عز وجل بالعدل في الشهادة والحكم هو إقرار لمنهج الوسطية.

قال تعالى: ( ﭟﭠ ) [النساء:١٣٥].

ففي هذه الآية دلالة بينة على منهج العدل والوسط، والتحذير من الجور واتباع الهوى، حيث أمرنا الله عز وجل بالعدل في الشهادة ولو كانت الشهادة بحق أنفسنا أو والدينا أو أقاربنا، لا نفرق بين غني فننحاز لغناه، ولا فقير فنجور عليه، وعلينا التزام العدل في أحكامنا على الدوام، فهذه مصلحة أرادها الله جل جلاله16.

وقال تعالى: ( ﮯﮰ ﯘﯙ ﯠﯡ ) [المائدة:٨].

دلت هذه الآية على العدل، الذي هو ملمح أساس من ملامح الوسطية، ليس مع النفس والأقارب فحسب، بل مع الاعداء حيث حثنا على عدم ترك العدل وإيثار العدوان على الحق، فلقد أمر بالعدل مع العدو وإن أبغضناه، وألا نتجاوز بالعدوان، فاستعمال العدل مع كل أحد صديقًا كان أو عدوًا17.

والحكم بين الناس بالعدل أمر قد انعقد عليه الإجماع، وتكرر ذكره في القرآن الكريم.

وفي قوله تعالى: ( ﭛﭜ ﭠﭡ ﭦﭧ ﭲﭳ )[الأنعام:١٥٢]. أمرٌ بالتزام العدل فيما نقول، بدون محاباة لأحد، ولو كان أقرب الناس إلينا.

كذلك أداء الأمانات والحقوق المالية إلى أصحابها، وإصدار الحكم بالعدل والحق، وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأموال والأعراض، القليل من ذلك والكثير، على القريب والبعيد، والبر والفاجر، والولي والعدو18.

قال تعالى: ( ﯧﯨ ﯭﯮ ) [النساء:٥٨].

وفيما يتعلق بسلوك المؤمنين بعضهم مع بعض في حالة الخلافات أوصى كتاب الله عز وجل بفض كل نزاع قد يقع بينهم، على أساس العدل المطلق دون محاباة لطرف، وفي إطار الأخوة الإسلامية بالإنصاف بينهما، وهذا حكم الله في كتابه الذي جعله عدلًا بين خلقه19.

قال تعالى: ( ﮟﮠ ﮭﮮ ﯕﯖ ) [الحجرات:٩].

ويخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل والقسط والموازنة، ويندب إلى الإحسان.

قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮇﮈ ) [النحل:٩٠].

وقال تعالى: ( ﯧﯨ ) [النحل:١٢٦].

و قال تعالى: ( ﮯﮰ ﯗﯘ ) [الشورى:٤٠].

وغيرها من الآيات الدالة على العدل؛ لتنظم حياة المرء على أساس من المحبة وعدم التنافر.

ثانيًا: الاستقامة:

إن رأس الأعمال الصالحة أن يكون الإنسان مستقيمًا في الوسط غير مائل إلى طرفي الإفراط والتفريط، فتكون الاستقامة في أمر الدين والتوحيد وفي جميع الأمور الحياتية20.

قال تعالى: ( ) [فصلت:٣٠].

البشرى بالجنة والأمان لمن استقام على الطريقة وداوم السير على الصراط المستقيم، فلم تزل قدمه عن طريق العبودية، واعتدل على منهج الطاعة ومنهج العبادة قولًا وعملًا، دون إفراط أو تفريط.

فالذين استقاموا على شريعته فامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، ولزموا محجته، فلا يلحقهم ما يخافونه ويكرهونه في الآخرة، ولا يروعون؛ لأنهم خافوه تعالى في الدنيا فأمنهم في الآخرة، 21 قال تعالى: ( )[الأحقاف:١٣].

قال عمر رضي الله عنه: «الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب»22.

قال ابن القيم: «فالاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء بالعهد، والاستقامة تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات، فالاستقامة فيها وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله»23.

والحديث في هذه الآية عن الاستقامة، وما يترتب عليها من الآثار الطيبة في الدنيا والآخرة، فهذه الاستقامة هي السحابة الممطرة التي يحيي الله بها النفوس.

قال تعالى: ( ) [الجن:١٦]24.

والاستقامة هي اتباع صراط الله المستقيم، وعدم الالتفات إلى غيره من بنيات الطريق، فهو الطريق الواضح الذي ارتضاه الله لعباده المؤمنين، مبتعدين عن الطرق المختلفة والأهواء المضلة والبدع الرديئة25.

قال تعالى: ( ﭽﭾﭿ ﮆﮇ ) [الأنعام:١٥٣].

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، رفعه قال: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)26.

ولما كانت الاستقامة جامعة لكثير من الأمور التي أمرنا بها الله عز وجل، فقد ورد الحث عليها في القرآن كثيرًا، كقوله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮇﮈ )[فصلت:٦].

فالتزام الاستقامة في طريقنا إلى الله جل جلاله بالإيمان به وطاعته، والإخلاص في عبادته هو المقصود الأسمى27.

وقال تعالى: ( ﯧﯨ ﯯﯰ) [الشورى:١٥].

وذكر القشيري وغيره عن بعضهم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: يا رسول الله قلت: (شيبتني هود وأخواتها) فما شيبك منها؟ قال: (قوله: ( ))28.

أي: دم يا محمد على ما أمرت به من عبادة الله عز وجل، وطاعته فيما أمر، وتبليغ رسالته، ولا تتبع أهواء الكفار والمضلين مما يحبون من الكفر والباطل كله29.

وكقوله تعالى: ( ﮐﮑ ) [هود:١١٢].

فالاستقامة تقتضي طاعة الله تعالى، والوقوف عند حدوده التي أذن فيها من واجب، ومستحب، ومباح، وتجنب الحدود التي نهى الله عنها، وفي حديث النفر الثلاث الذين استقلوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم لخير مثال على الاستقامة الحقة في عبادته عز وجل دون إفراط أو تفريط، فهذا هو العمل الذي يمثل الوسطية.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟! قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)30.

إذن فالاستقامة هي بأن يصوم ويفطر، وينام ويرقد، ويتزوج النساء، والخروج عنها انحراف عن الاستقامة، فما الاستقامة إلا الالتزام بسنته صلى الله عليه وسلم والأخذ بها.

وهذه الآية دعوة للاستقامة والسير على المنهج الحق.

قال تعالى: ( ¹ )[التكوير:٢٧-٢٨].

فهذا القرآن موعظة وزجر لمن أراد أن يتبع الحق ويقيم عليه31.

واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصراط المستقيم الذي ندعو الله تعالى في كل ركعة من فريضة أو نافلة أن يثبتنا عليه.

قال تعالى: ( : ) [الفاتحة:٦-٧].

ومما سبق يتضح لنا أن سورة الفاتحة وضعت القاعدة، ورسمت المنهج الوسطي، وحددت معالمه، حيث بين الله لنا أن الصراط المستقيم هو منهج الوسط، حيث قال واصفًا الصراط المستقيم الذي فيه ضمان السعادة في الدنيا والآخرة: ( ﭮ ﭯ ) ومنهج المغضوب عليهم يمثل التفريط، بينما يمثل منهج الضالين الإفراط، فهما منهجان دائران بين الغلو والجفاء، فهو طريق الذين قسم لهم نعمته، لا طريق الذين غضب عليهم لمعرفتهم الحق ثم حيدتهم عنه، أو الذين ضلوا عن الحق فلم يهتدوا أصلًا إليه، إنه صراط السعداء المهتدين الواصلين32.

قال ابن كثير: غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين فسدت إرادتهم، فعلموا الحق وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين، وهم الذين فقدوا العلم، فهم هائمون في الضلالة، لا يهتدون إلى الحق33.

ونحن مأمورون بالالتزام بسبيل الذين أنعم الله عليهم؛ لأنه هو الصراط المستقيم، وهو المنهج الوسط بين طريقين منحرفين فاسدين، وهما طريقا اليهود والنصارى.

ثالثًا: الحكمة:

الحكمة: هي العلوم النافعة، والمعارف الصائبة، والعقول المسددة، والألباب الرزينة، وإصابة الصواب في الأقوال والأفعال، وجميع الأمور لا تصلح إلا بالحكمة التي هي وضع الأشياء مواضعها، وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام34.

وذكر سيد قطب أن الحكمة القصد والاعتدال، وإدراك العلل والغايات، والبصيرة المستنيرة التي تهديه للصالح الصائب من الحركات والأعمال35.

وهي فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي36.

الحكمة: أن تعطي كل شيء حقه، ولا تعديه حده، ولا تعجله عن وقته، ولا تؤخره عنه37.

وهذه الآراء كلها فيها دلالات واضحة على الوسطية وصلتها بالحكمة، ونخلص مما سبق أن الحكمة لا بد من اعتبارها عند تحديد معنى الوسطية، حيث إننا عرفنا سابقًا أن الوسطية هي السير على الطريق المستقيم الذي ارتضاه الله لنا، وعدم الجنوح إلى الإفراط أو التفريط، وهو عين الحكمة وجوهرها؛ وذلك أن الخروج عن الوسطية سواء كان بإفراط أو تفريط له آثاره السلبية وعواقبه الوخيمة، وهذا يخالف الحكمة التي علينا التحلي بها وينافيها.

وقال تعالى: ( ﯧﯨ ﯯﯰ ) [البقرة:٢٦٩].

والله عز وجل عندما أنزل الشريعة السمحة كان عليمًا حكيمًا بأحوال العباد، فلم ينه عن فعل إلا لحكمة سواء أدركناها أم لا، ولم يأمر بفعل إلا لحكمة أيضًا، فقد نزل تعالى الأمور منازلها، ووضع الأشياء مواضعها.

وسنورد بعض الأمثلة على ذلك حيث قال تعالى في قضية السرقة: ( ﭨﭩ ) [المائدة:٣٨].

ولا شك أن قطع يد السارق فيه تحذير للسارق نفسه من العودة إلى السرقة، وتحذير لغيره من أن يفعل مثل ما فعل؛ حتى لا يجزى مثل جزائه، وكان العقاب بقطع اليد لحكمة عظيمة فإذا قطعت يد السارق كف عن العودة إلى هذه الجريمة غالبًا، وسلم الناس من آثارها، وارتدع بها من يفكر في السرقة، فكان حكم الله هنا حكيمًا وسطيًا بعيدًا عن الإفراط والغلو بالعقاب، وبعيدًا عن التفريط واللامبالاة، كما بين الشرع لنا مكان القطع والمقدار الذي تقطع به اليد، ولم يجعل الأمور خاضعة للاجتهاد38.

وعن حكم الزانية والزاني بين الله عز وجل فيهما القول الفصل، فقالجل جلاله: ( ﭢﭣ ﭰﭱ )[النور:٢].

وقد فرقت الشريعة السمحة الحكيمة بين الثيب والمحصن في العقاب، ولم يجعلهم سواء، وهذا جوهر العدالة والوسطية في الأحكام.

وفي الحديث عن عدة المطلقة والأرملة فرق الله عز وجل في مدة كل منهما، حيث قال عز وجل في حق المطلقات: ( ﭼﭽ) [البقرة:٢٢٨].

و قال تعالى: ( )[البقرة:٢٣٤].

حيث أكدت الآيتان أن عدة المطلقة ثلاث حيضات، أما في حق المتوفى عنها زوجها فهي أربعة أشهر وعشرة أيام، وزيادة على المطلقة يجب على من توفي عنها زوجها الإحداد، وهو ترك الزينة والطيب ودهن الرأس بكل دهن والكحل المطيب.

قال تعالى: ( ﭦﭧ ) [البقرة:٢٣٤].

فلا بد من عدة تنتظر المرأة فيها، فلا تتزوج زوجًا آخر؛ استبراء لرحمها من مظنة الحمل؛ وإحدادًا على الزوج السابق؛ وليتمكن الرجل فيها من مراجعة نفسه إذا كان الطلاق رجعيًا، وهذا من تمام حكمة الله عز وجل، حيث لم يسو بينهما لاختلاف طبيعة ظروف كل منهما، فعدة المتوفى عنها زوجها أكبر بسبب الحزن الذي تلاقيه بسب فراقه أما المطلقات فيكون الحزن أقل. 39.

رابعًا: اليسر ورفع الحرج:

اليسر ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية راجع إلى الوسطية والاعتدال في الدين الإسلامي.

قال تعالى: ( ﭵﭶ)[البقرة:١٤٣].

فالتوسط هو منبع الكمالات، والتخفيف والسماحة ورفع الحرج على الحقيقة هو في سلوك طريق الوسط والعدل، فالشارع الحكيم يبغي لنا اليسر ورفع الحرج ودفع المشقة، ويتدرج بنا صاعدًا في مدارج الرقي شيئًا فشيئًا، ويسير بنا من السهل إلى الأسهل، ومن الصعب إلى الأصعب أحيانًا تدريبًا لنا على احتمال صنوف الحياة في شتى صورها، أو يسير بنا من تكليف إلى تكليف آخر مساو له؛ لابتلائنا وامتحان قلوبنا، فتظهر طاعة المطيع وعصيان العاصي40.

وكلما كان العمل بعيدًا عن الإفراط والتفريط وافق أحكام الشرع التي تدعو إلى اليسر ورفع الحرج «وإن رفع الحرج والسماحة والسهولة راجع إلى الاعتدال والوسط، فلا إفراط ولا تفريط، فالتنطع والتشدد حرج من جانب عسر التكليف، والإفراط والتقصير حرج فيما يؤدي إليه من تعطيل المصالح، وعدم تحقيق مصالح الشرع»41.

فالوسطية في اليسر ورفع الحرج، وليس في التكليف والمشقة والعنت، وهذا هو ديدن رسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه) 42.

وهذا هو منطق الإسلام في التعامل مع الواقع، فإننا لا نجد في الشريعة أمرًا إلا وهو رحمة وتيسير وتسهيل، ولا نهيًا إلا وهو عن عنت وضنك وحرج.

ومن أدلة القرآن الكريم على اليسر ورفع الحرج والسماحة السماح لمن أصابه مرض، أو لحقه أذى أثناء حجه بفعل ما كان ممنوعًا عليه في حالة الصحة، والفدية عنه مقابل الرخصة التي رخص بها الحق تعالى تيسيرًا وتخفيفًا، وتعرف هذه الفدية بفدية الأذى.

قال تعالى: ( ﯵﯶ ﯿ ﰁﰂ ﰍﰎ ﰚﰛ ) [البقرة:١٩٦] 43.

وعلى أساس قاعدة اليسر ورفع الحرج التي تميز بها الإسلام، نزل قوله تعالى: ( ﭺﭻ)[البقرة:١٩٨].

قال السعدي: «لما أمر تعالى بالتقوى، أخبر تعالى أن ابتغاء فضل الله بالتكسب في مواسم الحج وغيره، ليس فيه حرج إذا لم يشغل عما يجب إذا كان المقصود هو الحج، وكان الكسب حلالًا منسوبًا إلى فضل الله، لا منسوبا إلى حذق العبد، والوقوف مع السبب، ونسيان المسبب، فإن هذا هو الحرج بعينه»44.

وقال تعالى: ( ﮡﮢ ) [البقرة:١٧٣].

وهذه القاعدة ليست مقصورة على محرمات المطاعم، بل عامة لكل ما يتحقق الاضطرار إليه لأجل الحياة واتقاء الهلاك، ولم يعارضه مثله أو ما هو أقوى منه45.

لقد بنى الدين الاسلامي عباداته وغيرها على أساس اليسر، ورفع الحرج والعسر كما علل تعالى به رخصة الفطر في رمضان بقوله تعالى: ( )[البقرة:١٨٥].

وقال تعالى: ( ﮡﮢ ﮧﮨ | ) [التوبة:٩١ - ٩٢].

فهؤلاء أصحاب أعذار ظاهرة، ينطق بها لسان الحال قبل أن ينطق بها لسان المقال؛ ولأن الشريعة الإسلامية قائمة على اليسر، ورفع الحرج عن المؤمنين، بدون تعنت ولا مشقة أو عسر في تكاليفها، فهؤلاء جميعًا ومن في حكمهم لا حرج عليهم في أن يتخلفوا عن ركب المجاهدين والجهاد في سبيل الله، الذي هو ذروة سنام الإسلام، وقد قال تعالى: ( ﯜﯝ)[البقرة:٢٨٦]46.

وفي هذا يقول الله تعالى: ( ) [التغابن:١٦].

أي: في حدود ما تحتمل، ففي هذه الآية تخفيف وعافية ويسر47.

وبين تعالى جانبًا آخر من مظاهر اليسر ورفع الحرج في تشريعاته، فقال تعالى: ( ﮰﮱ )[الأحزاب:٥].

فمن رحمة الله أنه لم يجعل أي حرج أو إثم فيما قمتم به من خطأ غير مقصود بنسبتكم بعض الأبناء الأدعياء إلى غير آبائهم، ولكننا نؤاخذكم ونعاقبكم فيما تعمدته قلوبكم من نسبة الأبناء إلى غير آبائهم الشرعيين48.

وإذا عدم المسلم الماء أو تضرر باستعماله، فإن الله قد أباح له التطهر بما ينوب عنه، وهو التراب، وذلك للتيسير ورفع الحرج.

قال تعالى: ( ) [المائدة:٦].

وأخيرًا ومن الأدلة على أن الإسلام دين اليسر قول الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة)49.

مجالات الوسطية

للوسطية في القرآن مجالات عدة، فلقد ظهرت وتجلت عظمة الإسلام العظيم، والقرآن القويم في التوازن المستقيم في جميع مجالات الدين، حيث العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات وحتى في التشريعات، فلا إفراطٌ ولا تفريط، وفيما يلي عرض لوسطية القرآن في تلك المجالات.

أولًا: الوسطية في العقيدة:

تظهر الوسطية في العقيدة أشد الوضوح، وهي من أبرز خصائص العقيدة الإسلامية، والتي يعبر عنها بالتوازن، ويتجلى ذلك في قوله تعالى: ( ) [الرحمن:٧-٩].

وفيما يلي بعض مظاهر الوسطية في العقيدة.

أولًا: وسط بين الخرافيين الذين يسرفون في الاعتقاد، فيصدقون بكل شيء، ويؤمنون بغير دليل ولا برهان، وبين الماديين الذين ينكرون كل ما وراء الحس، ولا يستمعون لصوت الفطرة، ولا نداء العقل، فالإسلام يدعو للاعتقاد والإيمان مقرونًا بالدليل القطعي والبرهان اليقيني، ويرفض كل ما خلا الدليل والبرهان مصداقًا لقوله تعالى: ( ﯰﯱ ﯳﯴ ) [البقرة:١١١].

قال الزمخشري: «هاتوا برهانكم هلموا حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة إن كنتم صادقين في دعواكم، وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين. وأن كل قول لا دليل عليه فهو باطل غير ثابت»50.

ثانيًا: وسط بين الذين يؤلهون الإنسان ويعتبرونه ربًا يفعل ما يشاء، وبين الذين جعلوه أسير جبرية اقتصادية أو اجتماعية أو دينية، فهو كالريشة في مهب الريح، أو دمية يحرك خيوطها المجتمع، أو الاقتصاد أو القدر، فالإنسان في نظر الإسلام مخلوق مكلف مسؤول، سيد في الكون، عبد لله، قادر على تغيير ما حوله بقدر ما يغير ما بنفسه؛ لقوله تعالى: ( ) [الرعد:١١].

ثالثًا: وسط بين الملاحدة الذين لا يؤمنون بإله قط، كاتمين لصوت الفطرة في صدورهم، متحدين منطق العقل في رؤوسهم، وبين الذين يعددون الآلهة حتى عبدوا الأغنام والأبقار، وألهوا الأوثان والأحجار، فلإسلام يدعو إلى الإيمان بإله واحد لا شريك له، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وكل ما عداه مخلوقات لا تملك ضرًا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، فتأليهها شرك وظلم وضلال مبين.

قال تعالى: ( ) [الأحقاف:٥].

قال الرازي: «إن القول بعبادة الأصنام قول باطل، من حيث إنها لا قدرة لها البتة على الخلق والفعل والإيجاد والإعدام والنفع والضر، فأردفه بدليل آخر يدل على بطلان ذلك المذهب، وهي أنها جمادات فلا تسمع دعاء الداعين، ولا تعم حاجات المحتاجين، وبالجملة فالدليل الأول كان إشارة إلى نفي العلم من كل الوجوه، وإذا انتفى العلم والقدرة من كل الوجوه لم تبق عبادة معلومة ببديهة العقل، فقوله: ( ) استفهام على سبيل الإنكار، والمعنى أنه لا امرًا أبعد عن الحق، وأقرب إلى الجهل ممن يدعو من دون الله الأصنام»51.

رابعًا: وسط في أمر النبوة، لم ترفع الأنبياء إلى مقام الألوهية فيتجه الناس بالعبادة إليهم، كما اعتقد النصارى وغيرهم، ولم تنزل بهم إلى مستوى السفلة من الناس؛ فتنسب إليهم ارتكاب الموبقات، وفعل المنكرات كما افترى اليهود في توراتهم المحرفة، وإنما الأنبياء في العقيدة الإسلامية المتزنة هم خيرة خلقه وخصهم بوحيه وكلفهم تبليغ رسالته إلى الناس، وجعلهم قدوة وأسوة لأتباعهم، قال تعالى: ( ﯿ ) [الأحزاب:٢١]52.

قال ابن عاشور: «في الآية دلالة على فضل الاقتداء بالنبيء صلى الله عليه وسلم وأنه الإسوة الحسنة لا محالة»53.

ثانيًا: الوسطية في العبادة:

إن الناظر نظرة تمعن في العبادات الإسلامية الواجبة والمستحبة على المسلم يجد أنها تتسم بالوسطية والاعتدال، وأنها بعيدة كل البعد عن الغلو، فلا إفراط فيها ولا تفريط.

وقد جاء التوسط في العبادات الإسلامية منسجمًا مع نعمة الله تعالى على هذه الأمة المحمدية بأن جعلها أمة وسطًا، قال الله تعالى: ( ) [البقرة:١٤٣].

فبما أنها أمة وسطًا، فكذلك العبادات المفروضة عليها تتسم بالوسطية والاعتدال، فلا إفراط فيها كالنصارى، ولا تفريط كاليهود.

ويمثل النصارى منهج الإفراط؛ حيث ابتدعوا عبادات قاسية على النفس، تحرم الزواج، وتكبت الغرائز، وترفض كل أشكال الزينة، وطيبات الحياة، وبالغوا في ذلك حتى أصبحت العبادة في نظرهم لا تخرج عن تعذيب البدن.

وقد ذمهم الله تعالى حيث قال: ( ﮟﮠ ﮥﮦ ) [الحديد:٢٧].

قال المراغي: «فقد انقطعوا عن الناس في الفلوات والصوامع معتزلين الخلق، وحرموا على أنفسهم النساء، ولبسوا الملابس الخشنة؛ تبتلًا إلى الله وإخباتًا له، وما فرضناها عليهم ولكنهم استحدثوها»54.

ويمثل اليهود منهج التفريط، ووصف القرآن بعدهم عن العبادة في قوله تعالى: ( ﮮﮯ ) [مريم:٥٩].

قال الزمخشري: «هم اليهود، تركوا الصلاة المفروضة، وشربوا الخمر، واستحلوا نكاح الأخت من الأب»55.

وقال ابن كثير: «وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع؛ لأنها عماد الدين وقوامه، وخير أعمال العباد، وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها؛ فهؤلاء سيلقون غيًا أي: خسارة يوم القيامة»56.

وقد جاء الإسلام وسطًا إزاء المنهجين، منهج التفريط في العبادة، ومنهج الإغراق في العبادة ونسيان حق البدن؛ ليعطي كل ذي حق حقه.

قال تعالى: ( ﯭﯮ ﯳﯴ ﯹﯺ ﯿﰀ ) [القصص:٧٧].

«أي: اطلب الآخرة فيما آتاك الله من الثروة والغنى بأن تتصدق، وتصل الرحم، ولا تنس أن تبقي لنفسك شيئًا يقيك العوز، ويمنعك من إراقة ماء وجهك»57.

وقال تعالى: ( ) [التغابن:١٦].

قال ابن كثير: « أي: جهدكم وطاقتكم، وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: ( ) [آل عمران:١٠٢].

وقال: لما نـزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم، وتقرحت جباههم فأنـزل الله هذه الآية؛ تخفيفًا على المسلمين ( ) فنسخت الآية الأولى»58.

ثالثًا: الوسطية في الأخلاق:

جاء الإسلام وسطا في أخلاقياته، فلم ينظر إلى الإنسان باعتباره خيرًا محضًا أو شرًا محضًا، أي: لم يكن تعامله مع الإنسان على أنه ملك أو شيطان، وإنما تعامل معه بما يتوافق مع أصل فطرته وطبيعة تكوينه، فهو مخلوق مكلف مختار، صالح للطاعة أو المعصية، فيه الجانب المادي والجانب الروحي.

فلقد أمرنا الله برد الاعتداء الظالم علينا في قوله تعالى: ( ﮖﮗ ) [البقرة:١٩٤].

وقال: ( ) [الشورى:٤٠].

قال النسفي: «والحرمات قصاصٌ أي: وكل حرمة يجري فيها القصاص، من هتك حرمة أي حرمة كان اقتص منه بأن تهتك له حرمه، فحين هتكوا حرمة شهركم فافعلوا بهم نحو ذلك ولا تبالوا»59.

قال تعالى: ( ﭛﭜ ) [النساء:١٤٨].

قال السمعاني: « يجوز له أن يشتم، ولكن بمثل ما شتم، لا يزيد عليه، بما لم يكن قذفًا»60.

فالإسلام يبيح لك رد الاعتداء، بينما النصارى بالغوا في العفو والتسامح، جاء في إنجيلهم: «وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم»61.

ولا شك أنها نظرة مثالية محمودة، ولكنها ليست متوازنة؛ لأن الإنسان بطبيعته وفطرته يميل إلى الدفاع عن نفسه، ورد الاعتداء الواقع عليه، والانتقام ممن أهانه أو غض من كرامته، فإذا وقع الاعتداء، وطلب منه إلزامًا أن يعفو ويصفح، فلا شك أنه سيكبت غضبه وغيظه على كره ومضض، وسيحاول التنفيس عن غضبه وغيظه حينما تسنح الفرصة المناسبة، بينما الإسلام رغم أنه لم يذكر السف في القرآن إلا أنه لا يقبل التهاون الذي يصل إلى حد المذلة، والتفريط المهين.

والقرآن أظهر الوسطية في الأخلاق في كثير من الآيات، وقد ظهر ذلك واضحًا جليًا في ذمه للكبر، وذمه للذلة والمهانة، وكان وسطًا في ذلك.

قال تعالى في ذم الكبر: ( ) [غافر:٢٧].

قال الطبري: «إني استجرت أيها القوم بربي وربكم، من كل متكبر عليه، تكبر عن توحيده، والإقرار بألوهيته وطاعته، لا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه خلقه»62.

قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ) [النحل:٢٩].

( ﭻﭼ ﭿ ) [الزمر:٦٠].

وقال أيضًا: ( ﰅﰆ ) [الإسراء:٣٧].

يقول السمعاني: «وفي المعنى وجهان: أحدهما: أن الإنسان إذا مشى مختالًا، فمرة يمشي على عقبيه، ومرة يمشي على صدور قدميه. فقال: لن تثقب الأرض إن مشيت على عقبيك، ولن تبلغ الجبال طولًا إن مشيت على صدور قدميك»63.

وفي مقابل الكبر نجد الذل والضعف والخور، وبخاصة أمام أعداء الله، فإنه خلق لا يرضاه الله تعالى؛ فلذلك قال واصفًا المؤمنين بما هم عليه من خلق رفيع: ( ) [المائدة:٥٤].

وفي هذا دلالة على أن الذل مسبة وعار، وليس خلقًا رفيعًا وسيرة محمودة؛ ولذلك فقد جعله الله عقوبة لمن عصاه، وتكبر على رسله وهداه، فقال: ( ) [البقرة:٦١]64.

قال سيد قطب مبينًا أثر الذل على هؤلاء اليهود: «إن فترة الإذلال التي قضوها تحت حكم فرعون الطاغية قد أفسدت فطرتهم إفسادًا عميقًا، وليس أشد إفسادًا للفطرة من الذل الذي ينشئه الطغيان الطويل، والذي يحطم فضائل النفس البشرية، ويحلل مقوماتها، ويغرس فيها المعروف من طباع العبيد، استخذاء تحت سوط الجلاد، وتمردًا حين يرفع عنها السوط، وتبطرًا حين يتاح لها شيء من النعمة والقوة»65.

لقد اتصف اليهود بالكبر والتعالي والغطرسة حتى على أنبيائهم ورسلهم عليهم السلام، بل على ربهم حيث قالوا: ( ) [النساء:١٥٣].

وقوله: ( ) [المائدة:٢٤].

على الرغم من أن الله قد وصفهم في مواضع أخرى بالذل والجبن، لكنهم يتجبرون ويتغطرسون إن سنحت لهم الفرصة، بينما اتصف النصارى بالذل والجبن.

وخلاصة الأمر: أن هذه الآيات تدل على أن تلك الأخلاق مما لا يقره الشرع لمخالفتها للمنهج الحق والطريق السوي؛ ولذلك جاءت الآيات تبين ما يجب أن يكون عليه المسلم من خلق صادق، بعيدًا عن الخلق الذميم سواء كان إفراطًا أو تفريطًا، وهذه الآيات هي التي ترسم المنهج الوسط في الأخلاق والمعاملة.

رابعًا: الوسطية في المعاملات:

لقد تجلت وسطية القرآن في المعاملات، حيث البعد عن التشدد والغلو من جهة، والتسيب والتميع من جهة أخرى، فللقرآن منهج وسطي يضبط جميع المعاملات من طعام وشراب، وبيع وشراء، وطلاق وزواج، حتى في معاملاتنا مع غير المسلمين.

قال تعالى: ( ﮯﮰ ﯘﯙ ﯝﯞ ﯠﯡ ) [المائدة:٨].

قال الطبري: «يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمد، ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام لله شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم فتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعدواتهم لكم، ولا تقصروا فيما حددت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم لكم، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدي، واعملوا فيه بأمري»66.

فقد نهي الله سبحانه عن ترك الطيبات تنسكًا وعبادة، وطلب عدم تجاوز الحد إلى الإسراف الضار بالجسد، والإسراف الضار بالمال، وطلب عدم الاسترسال في الشهوات من مطعم ومشرب وغيرهما، حتى لا تكون اللذات هي السهم الأكبر في الحياة، فإن للمؤمن في الحياة قصدًا أسمى هو العلم والمعرفة والعبادة، والإحسان إلى الناس، والنفع العام للجماعة، وإذا كانت اللذات مشغولًا بها إلى حد البحث والطلب والانتظار والألم عند فقدها كان ذلك صارفًا عن المقاصد السامية للمؤمن.

وقد بين الله تعالى ذلك فقال تعالى: ( ﮜﮝ ) [المائدة:٨٧].

قال الزمخشري: «لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم، أو لا تقولوا: حرمناها على أنفسنا، مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدًا منكم وتقشفًا»67.

وفي هذه الآية ردٌ على من حرم زينة الله التي أخرجها لعباده، فإن التحريم والتحليل حق الله لا يشاركه أحد فيه، قال المراغي: «بعد أن مدح سبحانه النصارى بأنهم أقرب الناس مودة للمؤمنين، وذكر من أسباب ذلك أن منهم قسيسين ورهبانًا، ظن المؤمنون أن في هذا ترغيبًا في الرهبانية، وظن الميالون للتقشف والزهد أنها منزلة تقربهم إلى الله، ولن تتحقق إلا بترك التمتع بالطيبات من الطعام واللباس والنساء، إما دائما كامتناع الرهبان من الزواج، وإما في أوقات معينة كأنواع الصيام التي ابتدعوها، فأزال الله هذا الظن وقطع عرق هذا الوهم بذلك النهى الصريح»68.

كما أمر الله عز وجل بالتوسط حتى في المأكل والمشرب وعدم المغالاة في ذلك فقال: ( ﭜﭝ ) [الأعراف:٣١].

قال ابن عاشور: «والإسراف تجاوز الحد المتعارف في الشيء أي: ولا تسرفوا في الأكل بكثرة أكل اللحوم والدسم؛ لأن ذلك يعود بأضرار على البدن وتنشأ منه أمراض معضلة»69.

كما أظهر القرآن منهج الوسطية وعد المغالاة في المعاملات المالية أمرًا مذمومًا.

قال تعالى: ( ﯽﯾ ﯿ ) [الإسراء:٢٦-٢٧].

قال السعدي: « ( ) لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير، والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها، ويمدح عليه»70.

وقال تعالى: ( ) [الإسراء:٢٩].

قال الزمخشري: «هذا تمثيلٌ لمنع الشحيح وإعطاء المسرف، وأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير ( ) فتصير ملومًا عند الله؛ لأن المسرف غير مرضي عنده وعند الناس، يقول المحتاج: أعطى فلانًا وحرمني، ويقول المستغني: ما يحسن تدبير أمر المعيشة»71.

وقال تعالى: ( ﯿ ) [الفرقان:٦٧].

يقول سيد قطب: «وهذه سمة الإسلام التي يحققها في حياة الأفراد والجماعات، ويتجه إليها في التربية والتشريع، يقيم بناءه كله على التوازن والاعتدال، والمسلم مع اعتراف الإسلام بالملكية الفردية المقيدة ليس حرًا في إنفاق أمواله الخاصة كما يشاء كما هو الحال في النظام الرأسمالي، وعند الأمم التي لا يحكم التشريع الإلهي حياتها في كل ميدان، إنما هو مقيد بالتوسط في الأمرين الإسراف والتقتير، فالإسراف مفسدة للنفس والمال والمجتمع، والتقتير مثله حبس للمال عن انتفاع صاحبه به وانتفاع الجماعة من حوله، فالمال أداة اجتماعية لتحقيق خدمات اجتماعية، والإسراف والتقتير يحدثان اختلالًا في المحيط الاجتماعي والمجال الاقتصادي، وحبس الأموال يحدث أزمات ومثله إطلاقها بغير حساب، ذلك فوق فساد القلوب والأخلاق»72.

وأما في معاملات الزواج والطلاق فكان المنهج الوسطي بارزًا بروز الشمس في رابعة النهار، فلقد حث الإسـلام علـى الزواج ورغب فيـه، وذلـك حفاظًا على النوع البشري، وقد ذكر القرآن الكريـم أسس هذا الاختيار.

يقول تعالى: ( ﮖﮗ ) [الروم:٢١].

فأسس هـذه العلاقة قائمة على السكن والمودة والرحمة.

كذلك وضع لنا الشرع الحكيم صفات الزوجة الصالحة، فقال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)73.

عند غير المسلمين منهم من لا يتزوج كالنصارى الذين ابتدعوا الرهبانية، ومنهم من يتجاوز حدود شرع الله، فيقع بالإباحية بانتهاك الحرمات وضياع الأنساب.

يقول تعالى: ( ﮟﮠ ﮥﮦ ) [الحديد:٢٧].

كذلـك وضـع الشرع الحكيم صفات الزوج الصالح، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)74.

هـذه الأسس في اختيار الزوج الصالح غير متوفرة في الأمم غير الإسلامية، فاختيار الزوج يكون فقط للمتعة الجنسية، دون مراعاة تلك الضوابط والأسس التي وضعها الشرع الحكيم.

خامسًا: الوسطية في التشريع:

جاء الإسلام وسطًا في التحليل والتحريم بين اليهودية التي أسرفت في التحريم، وكثرت فيها الـمحرمات مما حرمه إسرائيل على نفسه، ومما حرمه الله على اليهود جزاء بغيهم وظلمهم قال تعالى: ( ) [النساء:١٦٠].

وبين المسيحية التي أسرفت في الإباحة حتى أحلت الأشياء المنصوص على تحريمها في التوراة.

فالإسلام قد أحل وحرم، ولكنه لم يجعل التحليل والتحريم من حق بشر، بل هو من حق الله وحده، ولم يحرم إلا الخبيث الضار، كما لم يحل إلا الطيب النافع.

وفي التشريع الإسلامي موازنة دقيقة بين التكليف وبين الاستطاعة، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، والمشقة تجلب التيسير، والضرورات تبيح المحظورات.

ولقد وردت آيات كثيرة تبين أن الله لا يكلف نفسًا فوق طاقتها، ولا يكلف نفسًا إلا وسعها وقدرتها، قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٨٦].

وقال: ( ) [الطلاق:٧].

وقال أيضًا: ( ) [البقرة:٢٣٣].

وقال تعالى: ( ﭠﭡ ) [الأنعام:١٥٢].

وقال: ( ) [الأعراف:٤٢].

وقال تعالى: ( ﭨﭩ ) [المؤمنون:٦٢].

قال الطبري: «يعني بذلك جل ثناؤه: لا يكلف الله نفسًا فيتعبدها إلا بما يسعها، فلا يضيق عليها ولا يجهدها»75 فهناك تكليف وأمر بالتعبد، لكن في حدود الوسع والطاقة، قال الزمخشري: «أي: لا يكلفها إلا ما يتسع فيه طوقه، ويتيسر عليه دون مدى الطاقة والمجهود، وهذا إخبار عن عدله ورحمته كقوله تعالى: ( )[البقرة:١٨٥] لأنه كان في إمكان الإنسان وطاقته أن يصلي أكثر من الخمس، ويصوم أكثر من الشهر، ويحج أكثر من حجة»76.

وخلاصة القول: إن هذه الآيات تقرر منهج الوسطية في التكليف، فهناك أوامر ونواه، ولكنها في حدود الوسع، وعدم المشقة، وليس فيها تضييق وعسر وإحراج.

ولقد ظلمت بنو إسرائيل نفسها وبغت، فشدد الله عليهم.

قال تعالى: ( ﯩﯪ ﯺﯻ ﯾﯿ ) [الأنعام:١٤٦].

قال المراغي: «أي: إنما حرم الله ذلك عليهم عقوبة بغيهم فشدد عليهم بذلك»77.

وقال ابن عاشور: «والمقصود من ذكر هذا الأخير: أن يظهر للمشركين أن ما حرموه ليس من تشريع الله في الحال، ولا فيما مضى، فهو ضلال بحت»78.

ولقد امتن الله على هذه الأمة في الكتاب العزيز بأن وضع عنها الإصر والأغلال التي كانت على من قبلها، ولم يحملها ما حمل من قبلها، فكان ذلك مظهرًا من مظاهر وسطية هذا الدين.

قال تعالى: ( ) [الأعراف:١٥٧].

قال الطبري: ويضع النبي الأمي العهد الذي كان قد أخذه الله على بني إسرائيل، من إقامة التوراة والعمل بما فيها من الأعمال الشديدة، كقطع الجلد من البول، وتحريم الغنائم، ونحو ذلك من الأعمال التي كانت عليهم مفروضةً، فنسخها حكم القرآن79.

وتظهر وسطية التشريع في بيان كفارة اليمين.

قال تعالى: ( ﯝﯞ ﯬﯭ ﯳﯴ ﯹﯺ ﯼﯽ ﯿ ) [المائدة:٨٩].

والوسطية في هذه الآية من ثلاثة وجوه:

  1. إن إطعام المساكين يراعى منه نوعية الطعام أو الكسوة الوسط، وجعل المقياس الذي يرجع إليه في اختيار هذا الوسط إطعام الرجل لأهله أو كسوتهم، فينظر في ذلك ويخرج الوسط منه.
  2. إنه جعل الكفارة تدور على أحد ثلاثة أمور: إما الإطعام، أو الكسوة، أو الإعتاق، والحالف مخير بينها دون إلزام بواحد منها، وهذا فيه من التوسعة والتيسير ما لا يخفى.
  3. إذا لم يجد الحالف أو لم يستطع على أي نوع من هذه الثلاثة انتقل إلى الصيام، وهذه رحمة من الله وتوسعة على عباده.

    وبهذا اجتمعت أطراف الوسطية في هذه القضية، وهي قضية جزئية يسيرة، فلا شك أن ما كان أعلى منها وأشد كلفة تكون مراعاة الوسطية فيه من باب أولى؛ لأن الله غني عنا وعن أعمالنا، ولكن التشريع ميدان للامتحان والابتلاء، والله بنا رؤوف رحيم80.

    أثر الوسطية على الفرد والمجتمع

    إن المجتمع الصالح يتكون من الأفراد الصالحين، وبصلاح الفرد صلاح للأمة والدولة والمجتمع، فإذا ما صلح المجتمع سادت السكينة والمودة والمحبة وشعر الناس بنعمة الإخاء الإيماني، وانطلقوا يبحثون عن موارد الرزق، وترقي الأحوال، وتجنب المفاسد والمضار.

    وإذا كان هناك شيء من التكاليف الشاقة للأفراد، واختل ميزان الحق والعدل والتوسط في الأمور، وانعدمت الحريات التي هي تعبير عن الوسطية، وقع المجتمع فريسة الأمراض الفتاكة، والانحرافات القاتلة، فتأتي الوسطية بآفاقها البعيدة، فهي إيجابية النفع، فتكاد السلبيات أو الأخطاء تنعدم، أو تكون في طريقها إلى الذوبان والنسيان.

    وذلك لما تفرزه من آثار اجتماعية ملموسة من إشاعة المحبة، وتنامي المودة، والابتعاد عن التعصب، والأحقاد، وتوافر الثقة للآخرين وإحسان التعامل معهم، وصارت أحوال الأسرة والمجتمع في طمأنينة وشعور بالاستقرار، وتفرغ للإنجاز والعطاء، والتزام الحق والعدل، والبعد عن الشر والفتنة والفساد في الأرض؛ فما من مشكلة اجتماعية تثور إلا وكان سببها شذوذًا في التخطيط والعمل، أو انحرافًا عن المقصد الشريف.

    أما حال الوسطية فتكون من أهم الأسباب الداعية إلى الاستقرار والوئام، وإسعاد الفرد والجماعة، وتقدم المدنية وازدهار الحضارة81.

    ويظهر أثر الوسطية في الخطاب الديني على الفرد والمجتمع فيما يأتي:

  1. انتشار التقارب والتعايش بين الناس: فالوسطية مطلوبة في الخطاب الديني بعيدًا عن التشدد والغلو وتحريض الناس، فالرسول صلى الله عليه وسلم خاطب جميع الفئات وعاش معها، فعاش في مكة مع الكفار، وكذلك في المدينة أبرم عهدًا مع اليهود، وتعايش معهم تحت سقف دولة واحدة.
  2. نبذ العصبية والدعوة إلى الحوار وتقبل الآخر: فهذا الأمر مطلوب بين التيارات والجماعات والفئات الإسلامية لجمع كلمتهم وتوحيد صفهم، وقد نبذ الرسول العصبية القبلية الضيقة حيث قال لأبي ذر رضي الله عنه: (إنك امرؤ فيك جاهلية)82 ولقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحوار كما حصل مع اليهود، حيث قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ) [آل عمران:٦٤]. قال الرازي: «واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أورد على نصارى نجران أنواع الدلائل وانقطعوا، ثم دعاهم إلى المباهلة فخافوا وما شرعوا فيها وقبلوا الصغار بأداء الجزية، وقد كان عليه السلام حريصًا على إيمانهم، فكأنه تعالى قال: يا محمد اترك ذلك المنهج من الكلام واعدل إلى منهج آخر يشهد كل عقل سليم وطبع مستقيم أنه كلام مبني على الإنصاف وترك الجدال»83، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستخدم الحجة والبرهان في الخطاب، وكذلك اللين والرحمة شعاره: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)84.
  3. التعايش السلمي داخل المجتمع المسلم: فالوسطية في الخطاب الديني تنشر المحبة بين المجتمع والطوائف المختلفة تحت شعار: (لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه)85، ولكن النجاح في ذلك لا يكون إلا بالرجوع إلى مرجعٍ أصيل ألا وهو الكتاب والسنة، تحت هذا الدستور الواضح البين الصالح إلى قيام الساعة القائم على منهج الوسطية.
  4. ترشيد الخطاب الديني: وهو المبتغى تحقيقًا لشعار يسروا ولا تعسروا و بشروا ولا تنفروا، ومن ثم يتم قبول الخطاب من الناس، ويترجم إلى عمل بعيدًا عن المناكفات المذهبية والطائفية، ويبدأ الناس بداية جادة بالبحث عن الخير للبشرية جمعاء.
  5. انتشار القيم والمبادئ العظيمة الداعية إلى التسامح، وحب الخير للآخرين، ونشر ثقافة التسامح ونبذ الأحقاد والغل فيما بيننا مصداقًا لقوله تعالى: ( ) [الحشر:١٠].
  6. انتشار الأمن والأمان بين المجتمع، إذ إن محاربة الأفكار الهدامة الداعية إلى الإخلال بالأمن والسلم المجتمعي مطلب لبقاء البشرية، ومطلب للبناء والتعمير للأرض، ونشر الدين وتعليم البشرية دين ربها تعالى، حيث شدد الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم إيواء المحدث فقال: (من أحدث فيها حدثًا، أو آوى محدثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)86، وكذلك جعل في الإسلام حد الحرابة للمفسدين في الأرض قال تعالى: ( ﭿ ﮒﮓ ﮘﮙ ) [المائدة:٣٣].
  7. التكافل الاجتماعي والتراحم بين المجتمعات على اختلاف مذاهبها ومشاربها الفقهية والطائفية؛ فبالخطاب الديني المعتدل الوسطي المنهج ينتشر التعايش بين الناس والتراحم والتعاطف، فكل واحد يسعى إلى الأجر والمثوبة من الله، وتقديم يد المساعدة للآخرين اقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم؛ فإذا التزم الناس والدعاة وأصحاب الخطاب الديني بما سبق كان أدعى للناس إلى التطبيق والتنفيذ ونشر الخير بين الناس. 87.

    الأمة الوسط

    لقد امتن الله على أمة الإسلام بجعلها أمة وسطًا؛ لقوله تعالى: ( ) [البقرة:١٤٣].

    ولقد اختلف مفهوم الوسط عند أهل اللغة والمفسرين اختلاف تنوعٍ وليس تضاد، ونعرض مفهوم الأمة الوسط، وبيان أثرها بين الأمم، وذلك فيما يأتي.

    أولًا: مفهوم الأمة الوسط:

    تميزت الأمة الإسلامية بخاصية منفردة لم تكن لأمة من الأمم السابقة، وهي ميزة الوسطية التي جعلها الله خصيصة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم في قوله تعالى: ( ) [البقرة:١٤٣].

    فأمة الوسط هي المقياس الشرعي الدقيق، والصفة القرآنية الجليلة، والمصطلح القرآني الهام، والذي لم يعد في هذا الزمان يحظى بتلك الأهمية في حياة الناس، إذ اختلط أمره على الكثيرين، بل وأفسد معناه الكثيرون، فأخرج البعض مضامينه الحقيقية منه، وأدخلوا إليه مضامين جديدة لا تخضع للشرع، وإنما تخضع لحكم العقل ومقاييس الهوى.

    لقد فسره البعض تفسيرات حديثة مسايرة للواقع، ونابعة من فقه الهزيمة وثقافة الاستسلام، فقالوا بأن الوسط هو ما بين التطرف والاعتدال، وأقام البعض الآخر حزبًا متوسطًا أسموه بحزب الوسط، بحيث يتوسط بين العلمانية والتدين، وهكذا اختلط أمر هذا المصطلح على الناس، واختلط فيه الحابل بالنابل، فأصبح أمره بحاجة إلى إعادة توضيح وبلورة، وتسليط الضوء عليه؛ لمعرفة واقعه معرفةً واضحةً، ولإدراك معناه إدراكًا صحيحًا بحيث تتضح صورته في الذهن فتكون دقيقة ومبلورة وقاطعة تزيل كل التباس.

    قال تعالى: ( ) [البقرة:١٤٣].

    في هذه الآية الكريمة يقترن معنى الوسط الذي وصفت به أمة الإسلام بمعنيين إضافيين هما: شهادة الأمة على الأمم الأخرى، وشهادة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم على الأمة الإسلامية.

    والوسط من ناحية لغوية يتضمن ثلاثة معانٍ:

  1. العدالة.

    فعن أبي سعيدٍ الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (قال في قوله تعالى: ( ) قال: عدلًا)88.

  2. الخيار والأجود.

    قال ابن كثير: «والوسط هاهنا: الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسبًا ودارًا، أي: خيرها»89.

  3. الاعتدال والتوسط.

    قال الطبري: «وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط؛ لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلوٍ فيه، غلو النصارى الذين غالوا بالترهب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه ولا هم أهل تقصير فيه، تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه. فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها»90.

    ولا تعارض بين هذه المعاني الثلاثة، فكلها صحيحة، والآية صالحة، وهي متلازمة مترابطة.

    فالآية تعني أن الله جعلهم خيارًا عدولًا؛ ليشهدوا على الأمم أن رسلهم بلغتهم، ولا يشهد إلا العدل من الناس91.

    وقال الرازي: «إن الوسط هو العدل والدليل عليه الآية والخبر والشعر والنقل والمعنى»92.

    وقال المراغي: «والوسط العدل والخيار، والزيادة على ذلك إفراط، والنقص عنه تفريط وتقصير، وكلاهما مذموم، والفضيلة في الوسط»93.

    ويقول السعدي: «يقتضي أنهم إذا شهدوا على حكم أن الله أحله أو حرمه أو أوجبه، فإنها معصومة في ذلك. وفيها اشتراط العدالة في الحكم، والشهادة، والفتيا، ونحو ذلك»94.

    ولتطبيق هذا المعنى على أرض الواقع فإنه يتطلب من الأمة الإسلامية إذا ما أرادت الالتزام بمعنى الوسط أن تتصدر العالم، وأن تكون في مركز الصدارة والقيادة فيه؛ لكي تقيم الحجة على الناس.

    فمعنى الوسط إذًا ليس له أي علاقة بالتطرف أو بالتنازل، أو بالحل الوسط، فالوسط كما ورد في الآية هو ذلك العدل والخير الذي على الأمة الإسلامية أن تقترن به، فلا دخل له بالتطرف أو بالتنازل، أو بالتسوية بين المتناقضات، وإنما علاقته واضحة بالعدل الذي يستلزم الشهادة على الناس، وبالخير الذي يتطلبه حمل الهداية إلى العالم، فالخيرية هي صنو العدل، وهما معًا صفتان مطلوبتان للتبليغ، وللأمر بالمعروف وللنهي عن المنكر. ويعضد هذا المعنى قوله تعالى: ( ) [آل عمران:١١٠].

    وقوله تعالى: ( ﮠﮡ ) [آل عمران:١٠٤].

    فهذه الأمور تتناسب مع معنى الوسط الشرعي، وتتناسب مع معنى الشهادة على الناس الوارد في قوله تعالى: ( ) فتبين جوهر علاقة الشهادة مع الوسط بمعنى العدل.

    ومن هنا كانت محاولة تلبيس معنى الوسط الوارد في الآية الكريمة بمصطلحات غربية وضعية هي محاولة مرفوضة؛ لأنها تفضي إلى تقسيم الأمة إلى تيارات متنازعة، وتؤدي إلى اقتتال هذه التيارات، ووقوع الفتنة ونشوب الحرب الأهلية. فمعنى الوسط الوارد في الآية يخص كل المسلمين بكل تياراتهم، ولا يجوز أن ينفرد به أي تيار أو حزب أو مذهب، فهو ثابت من الثوابت الإسلامية، ويجب أن يعمل ليكون وصفًا للأمة بكليتها، وأما إلصاق هذا الوصف بمجموعة، ونزعه عن مجموعة أخرى، فهذا معناه ضرب الأمة ببعضها، وخضوعها لأعدائها؛ ولذلك كان الواجب على فئات الأمة وعلمائها ومذاهبها أن يقتصر في تعريف الوسط على العدل فقط كما فسره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكما فسره كبار المفسرين، وأن لا ينجر البعض بحسن نيةٍ أو بسوئها إلى منـزلق اقتباس المعاني الغربية وتنـزيلها على المصطلحات الإسلامية بلي أعناقها والتأول المصطنع في تفسيرها95.

    ثانيًا: أثر الأمة الوسط بين الأمم:

    إن الأمة الإسلامية كونها أمة وسطًا لها مسؤولية ربانية، فهي مكلفة بأن تحمل أكمل منهج وأقومه في العقيدة والأخلاق والتشريع إلى بقية المجتمعات الإنسانية، مكلفة بدعوة الأمم الأخرى إلى الصراط المستقيم، منهج الإسلام الذي يضمن للإنسان والمجتمع الحق والخير ويحقق له السعادة، حتى تتحقق الخيرية لها؛ لقوله تعالى: ( ﭩﭪ ﭱﭲ ) [آل عمران:١١٠].

    ومنهج الإسلام هو منهج الوسط والاعتدال، وتقدير الأحوال والظروف والنتائج، ومراعاة الاستطاعة والقدرة.

    لقد قامـت الدعوة إلى الـله على منهاج الوسطية، وكانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا أعلى في تطبيق هذا المنهج، الذي سار على هديه الخلفاء الراشدون والتابعون لهم بإحسان.

    وفي هذه الفترة القليلة من الزمن في حياة الأمم دخل الناس في دين الله أفواجًا، وتكون المجتمع المسلم الواحد في عقيدته وشريعته وسلوكه الاجتماعي، على الرغم من امتداد الإسلام إلى أقاليم خارج شبه الجزيرة العربية، مثل: مصر والعراق والشام، وكانت الدعوة إلى الله وفق منهج الوسطية القرآنية، وكانت السبيل الأول لانتشار الإسلام ودعوته، وذلك بالأساليب والطرق الحكيمة الرشيدة التي أرشدها الله تعالى في قوله: ( ﮬﮭ ) [النحل:١٢٥].

    وكذلك بالقدوة ليصبح المجتمع الإسلامي مجتمعًا سليمًا يحقق لأهله وللبشر جميعًا الحق والخير والسعادة والاستقرار، لاسيما في الأوقات والظروف التي يزداد فيها الانحراف والبعد عن المنهج الرباني، ويكثر فيها العنف والتطرف وتشويه صورة الإسلام الحقيقية والنيل منه96.

    لقد دخل الإسلام وانتشر في بلاد الكفر عن طريق أحد أمرين هامين: إما عن طريق الجهاد، فيتعرف أهل تلك البلاد على سماحة الإسلام وسماحة أهله وكمال شرائعه، وإما عن طريق تجار المسلمين الذين كانوا ينشرون وسطية الإسلام في تلك البلاد ويتخلقون بخلق الإسلام الوسطي، مما أثر في أهلها، فدخلوا في دين الله أفواجًا.

    وبالنظر إلى عدد المسلمين في أندونيسيا ألا وهو٢٠٢،٨٦٧،٠٠٠ مسلم، أي ٨٨.٢٪ من عدد سكان أندونيسيا و ١٢.٩٪ من نسبة المسلمين في العالم97 لم يسجل لنا التاريخ أن هناك غزوة اسمها غزوة أندونيسيا، فهذه الدولة فتحها المسلمون عن طريق التجار المسلمين الدعاة بمنهجهم الوسطي، ومنذ أن دخلها الإسلام وهى من أكبر البلاد والممالك الإسلامية وانتشر الإسلام منها ليصل إلى الفلبين وماليزيا وجميع دول جنوب شرق آسيا، هذا الأمر يقودنا إلى أهمية نشر هذا الدين الوسط لما له من أثر في انتشار الإسلام.

    وخلاصة القول أن لأمة الوسط أثرًا كبيرًا في نشر دين الله، ودخول الناس فيه أفواجًا، حيث إن خيرتها وعدلها منة من الله وليس من البشر، وهي بالتالي لا تتلقى من الناس تصوراتها وقيمها، وهي شهيدة على الناس، وفي مقام الحكم العدل بينهم، وبينما هي تشهد على الناس فإن الرسول هو الذي يشهد عليها ويزن ما يصدر عنها، ويقول فيها الكلمة الأخيرة، ولكي تضطلع الأمة بهذا الدور فإنها لا تغلو في التجرد الروحي ولا الارتكاس المادي، بل تتبع الفطرة، وهي كذلك في التوازن بين التفكير والشعور، والفرد والجماعة.


1 انظر: الصحاح، الجوهري ٣/١١٦٧، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد عمر ٣/٢٤٣٦، المصباح المنير، الفيومي ٢/٦٥٨، لسان العرب، ابن منظور ٧/٤٢٦، المغرب في ترتيب المعرب، الخوارزمي، ص٤٨٤، مختار الصحاح، الرازي، ص ٣٣٨، مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١٠٨، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٨/٥٩٤، شمس العلوم، نشوان الحميري ١١/٧١٥٦، مجمل اللغة، ابن فارس، ص ٩٢٤.

2 انظر: مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية، عثمان ضميرية، ص ١٥٦.

3 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٧٥٠، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الواو ص١٤١١.

4 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٤٦٤، ٤٦٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٥/٢٠٩ عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٤/٣٠٩.

5 انظر: العين، الفراهيدي ٤/٤٤٦، جمهرة اللغة، الأزدي ٢/٩٦١، مجمل اللغة، ابن فارس، ص٦٨٣.

6 تاج العروس، الزبيدي ٣٩/١٧٨.

7 انظر: مجمل اللغة، ابن فارس، ص ٧١٦، لسان العرب، ابن منظور ٧/٣٦٩، شمس العلوم، الحميري ٨/٥١٦٨، مختار الصحاح، الرازي، ص ٢٣٧.

8 التعريفات، الجرجاني، ص ٣٢.

9 انظر: أساس البلاغة، الزمخشري ٢/١٨، مقاييس اللغة، ابن فارس٤/٤٩٠، شمس العلوم، الحميري ٨/٥١٧١، المطلع على ألفاظ المقنع، البعلي، ص ١٧٩.

10 التعريفات، الجرجاني، ص٣٢.

11 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد عمر ٢/١٢٨٨، مختار الصحاح، الرازي ص١٧٥.

12 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة ٣/١٨٧٥.

13 انظر: المصدر السابق٣/١٨٧٨.

14 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص ٢٣٧، جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، النكري ٢/٢٢٠.

15 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/١٤٢.

16 انظر: المصدر السابق ٧/٥٨٤.

17 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/١١٠.

18 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١٨٣.

19 انظر: جامع البيان، الطبري٢٢/٢٩٢، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/١٣٥.

20 انظر: لباب التأويل، الخازن ٤/٨٧.

21 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/١٣.

22 تفسير القرآن، السمعاني ٢/٤٦٣.

23 مدارج السالكين ٢/١٠٦.

24 انظر: التيسير في أحاديث التفسير، المكي ٦/٣٢٦.

25 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/١٧١.

26 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في حفظ اللسان، ٤/٦٠٥، رقم ٢٤٠٧.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/١٢٤، رقم ٣٥١.

27 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٤/٥٦١.

28 تفسير ابن رجب الحنبلي ٢/٢٦٢.

29 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٢٤٦.

30 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح ٧/٢، رقم ٥٠٦٣.

31 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٢٤٣.

32 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٢٦.

33 انظر: تفسير القرآن العظيم ١/١٤٠.

34 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٣٢.

35 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٣١٢.

36 انظر: مدارج السالكين، ابن القيم ٢/٤٧٩.

37 انظر: المصدر السابق ٢/٤٧٨.

38 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٣/٥١١.

39 انظر: المعجزة الكبرى القرآن، أبو زهرة، ص ٣٢٥.

40 انظر: الموسوعة القرآنية المتخصصة، مجموعة مؤلفين ١/٦٤٩، بتصرف.

41 رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، صالح بن حميد، ص ١٣.

42 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله عند انتهاك حرماته، ٤/١٣١٨، رقم ٢٣٢٧.

43 انظر: التيسير في أحاديث التفسير، المكي ١/١٢٠.

44 تيسير الكريم الرحمن ص٩٢.

45 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١/٩٦.

46 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٥/٨٦٦.

47 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٦٨.

48 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ١١/١٧٤.

49 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، ١/١٦، رقم ٣٩.

50 الكشاف ١/١٧٨.

51 مفاتيح الغيب ٢٨/٧.

52 انظر: دراسات في العقيدة، سعد عاشور، ص ٤٥.

53 التحرير والتنوير ٢١/٣٠٣.

54 نظم الدرر ٢٧/١٨٥.

55 الكشاف ٣/٢٦.

56 تفسير القرآن العظيم ٥/٢٤٣.

57 أوضح التفاسير، محمد الخطيب ١/٤٧٩.

58 تفسير القرآن العظيم ٨/١٤٠.

59 مدارك التنزيل ١/١٦٦.

60 تفسير السمعاني ١/٤٩٦.

61 إنجيل متى ٥: ٤٤.

62 جامع البيان ٢١/٣٧٥.

63 تفسير القرآن ٣/٢٤٢.

64 انظر: الوسطية في ضوء القرآن الكريم، ناصر العمر، ص٢٨٣.

65 في ظلال القرآن ١/٧٢.

66 جامع البيان ١٠/٩٥.

67 الكشاف ١/٦٧٠.

68 نظم الدرر ٧/٩.

69 التحرير والتنوير ٨/٩٥.

70 تيسير الكريم الرحمن، ص ٤٥٦.

71 الكشاف ٢/٦٦٢.

72 في ظلال القرآن ٥/٢٥٧٩.

73 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، ٥/١٩٨٥، رقم ٥٠٩٠.

74 أخرجه الترمذي في صحيحه، كتاب النكاح، باب إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه، ٣/٣٩٥، رقم ١٠٨٤.

75 جامع البيان ٦/١٢٩.

76 الكشاف ١/٣٣٢.

77 نظم الدرر ٨/٥٩.

78 التحرير والتنوير ٨/١٤٢.

79 جامع البيان ١٣/١٦٨ بتصرف.

80 انظر: الوسطية في ضوء القرآن الكريم، ناصر العمر، ص ١٩٧.

81 انظر: مجلة الوعي الكويتية، مقال لوهبة الزحيلي ٥٣٢/٣٢.

82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، ١/١٥، رقم ٣٠.

83 مفاتيح الغيب ٨/٢٥١.

84 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأضاحي، باب لعن الله من ذبح لغير الله، ٦/٨٥، رقم ٥١٦٨.

85 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ١/١٢، رقم ١٣.

86 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب تحريم المدينة وفضلها، ٤/١١٦، رقم ٣٣٠٩.

87 انظر: الوسطية في الخطاب الديني وأثره على المجتمع، عبدالسلام حمود غالب، ص ٧.

88 أخرجه ابن حبان، في الإحسان، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، باب فضل الأمة، ١٦/١٩٩، رقم ٧٢١٦، وصححه الألباني.

89 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٥٤.

90 جامع البيان ٣/١٤٢.

91 انظر: الأمة الوسط والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله، عبد الله التركي ص٣٠.

92 مفاتيح الغيب ٤/٨٤.

93 نظم الدرر ٢/٤.

94 تيسير الكريم الرحمن، ص٧١.

95 انظر: مجلة الوعي، أحمد الخطيب ٢٢٨/٤٣.

96 انظر: الأمة الوسط والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله، عبد الله التركي ص٩٠.

97 انظر:، التاريخ المعاصرالأقليات الإسلامية، محمود شاكر ٢٢/١٢.