عناصر الموضوع

مفهوم الوراثة

الوراثة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الوراثة في حق الله تعالى

أنواع الوراثة

أسباب الوراثة

مقاصد الوراثة

الوراثة

مفهوم الوراثة

أولا: المعنى اللغوي:

الوراثة أصلها: ورث، والواو والراء والثاء: كلمةٌ واحدةٌ، هي الورث، وهو أن يكون الشيء لقومٍ ثم يصير إلى آخرين بنسبٍ أو سببٍ1.

قال في الصحاح: الميراث أصله موراثٌ، انقلبت الواو ياءً لكسرة ما قبلها2.

وقال أبو عبيد: الإرث أصله من (الميراث) إنما هو (ورثٌ) فقلبت الواو ألفا مكسورة لكسرة الواو كما قالوا للوسادة: إسادة وللوكاف: إكاف.

ويقال: ورثت فلانا من فلان: أي جعلت ميراثه له، وأورث الميت وارثه ماله، أي تركه له 3.

ثانيا: المعنى الاصطلاحي:

الوراثة في الاصطلاح: هو حوز الإنسان ما كان يملكه آخر بعد موت هذا الآخر4.

وإذا أطلق في اصطلاح الفقهاء فيراد به: أنه حق قابل للتجزئة، ثبت لمستحقه بعد موت من كان له ذلك، لقرابة بينهما، أو نحوها5. والمعنى بينهما قريب.

بهذا يظهر أن المعنى الاصطلاحي توضيح للمعنى اللغوي وتفصيل له.

الوراثة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (ورث) في القرآن الكريم (٣٥) مرة6.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١٣

( ) [النساء:١١]

الفعل المضارع

١٢

( ) [النساء:١٧٦]

اسم الفاعل

٦

( ) [المؤمنون:١٠]

الاسم

٤

( ) [الحديد:١٠]

وجاءت الوراثة في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، وهو أن يكون الشيء لقوم ثم يصير إلى آخرين، والوراثة الحقيقية هي أن يحصل للإنسان شيء لا يكون عليه فيه تبعة، ولا عليه محاسبة7.

الألفاظ ذات الصلة

الوصية:

الوصية لغةً:

الإيصال، مأخوذة من وصيت الشيء أصيه إذا وصلته، وسميت الوصية وصية؛ لأن الميت لما أوصى بها وصل ما كان فيه من أمر حياته بما بعده من أمر مماته8.

الوصية اصطلاحًا:

هي تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وسميت وصية لاتصالها بأمر الميت9، والمراد بها ما جاء في مثل قوله تعالى: ( ﯩﯪ ) [البقرة: ١٨٠].

الصلة بين الوصية والميراث:

أن الوصية قد تكون حقًا واجبًا مثل الدين، وقد تكون تبرعًا بإرادة الموصي، والميراث حق واجب في مال الموروث وبغير إرادته، والوصية عطية من المالك، والميراث عطية من الله تعالى10.

التركة:

التركة لغةً:

بفتح التاء وكسر الراء، وفي اللغة: هي ما يتركه الشخص ويبقيه11.

التركة اصطلاحًا:

هو ما يتركه الميت من ممتلكاته بعد موته، وتخفف بكسر التاء وسكون الراء12.

الصلة بين التركة والميراث:

لما كان الميراث مما يتركه الميت سمي تركة، وقد ورد اللفظ بهذا المعنى في قوله تعالى: ( ) [النساء: ١١].

وفي الآية التي تليها، وفي آخر سورة النساء.

الوراثة في حق الله تعالى

أخبر الباري جل جلاله أنه الوارث، وهو اسم من أسمائه الحسنى جل وعلا.

قال الزجاجي: « الله وراث الخلق أجمعين لأنه الباقي بعدهم وهم الفانون، كما قال عز وجل: ( ) [مريم: ٤٠]»13.

قال الخطابي: الوارث هو الباقي بعد فناء الخلق، والمسترد أملاكهم وموارثهم بعد موتهم، ولم يزل الله باقيا مالكا لأصول الأشياء14.

وقد ورد الاسم في القرآن في مواضع متعددة وصيغ شتى:

فجاء الإخبار عن ذلك بصيغة الجمع فقال جل جلاله: ( ) [الحجر: ٢٣].

قال الطبري: « ونحن نرث الأرض ومن عليها بأن نميت جميعهم فلا يبقى حي سوانا إذا جاء ذلك الأجل»15.

وقال: ( ﯟﯠ ﯨﯩ ) [القصص: ٥٨].

وجاء في دعاء زكريا: ( ) [الأنبياء: ٨٩].

وجاء بصيغة الفعل في قوله تعالى: ( ) [مريم: ٤٠].

وجاء التعبير بصيغة المصدر في قوله جل وعلا: ( ﯽﯾ ﯿ ﰂﰃ ﰉﰊ ﰎﰏ ) [آل عمران: ١٨٠].

وفي قوله: ( ﯱﯲ ﯻﯼ ﯿ ﰅﰆ ﰊﰋ ) [الحديد: ١٠].

قال الطبري: « فإن قال قائل: فما معنى قوله: ( ﯱﯲ) والميراث المعروف هو ما انتقل من ملك مالك إلى وارثه بموته ولله الدنيا قبل فناء خلقه وبعده؟

قيل: إن معنى ذلك ما وصفنا من وصفه نفسه بالبقاء، وإعلام خلقه أنه كتب عليهم الفناء وذلك أن ملك المالك إنما يصير ميراثا بعد وفاته، فإنما قال جل ثناؤه: ( ) إعلاما بذلك منه عباده أن أملاك جميع خلقه منتقلة عنهم بموتهم، وأنه لا أحد إلا وهو فان سواء، فإنه الذي إذا هلك جميع خلقه فزالت أملاكهم عنهم لم يبق أحد يكون له ما كانوا يملكونه غيره» 16.

والمتأمل في سياق الآيات التي وردت في لفظ الوراثة في حق الله يتلمس ما يورثه هذا الاسم من آثارٍ ومعانٍ تزيد في إيمان العبد، ومن ذلك:

  1. الملك الحقيقي لله الواحد القهار.

    الذي ما من ملك ملكٍ طال ملكه أم قصر إلا وهو راجع إليه سبحانه، وهذا المعنى يورث في النفس تعظيم الله وتقديره حق قدره، وما أعظم هذا الموقف يوم يرث الله الأرض ومن عليها ويجمع الملوك والمملوكين في موقف واحد ثم ينادي فيهم: (لمن الملك اليوم) كما قال تعالى: ( ﯯﯰ ﯶﯷ ﯺﯻ ﯿ ﭖﭗ ﭚﭛ ) [غافر: ١٦ - ١٧].

    ويبين هذا المعنى ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)17.

  2. السعي في الدنيا للتقرب إلى الله تعالى بما يرضيه ويقرب إليه.

    فإن كان ملوك الدنيا يملكون ملكًا نسبيًّا في الدنيا، فيوم القيامة ملك الله الذي اختص به لنفسه فقال: ( ) [الفاتحة: ٤].

    وهو سبحانه يورث جنته في ذلك اليوم المتقين من عباده كما قال تعالى: ( ﯿ ) [مريم: ٦٣].

  3. تهيئة النفس وتربيتها أن تكون من الذين يورثهم الله الأرض فيعملون فيها بتحقيق العبودية.

    فما من جيل يقدم إلا وقد أورثه الله ديار وتراث من سبقه، فهل سيعمل فيها بما يرضي الله تبارك وتعالى.

    وقد حذر الله عباده من ذلك فقال: ( ﯘﯙ ﯟﯠ ) [المائدة: ٥٤].

    ولا شك أن هذا الإبدال نوع من أنواع الوراثة التي يورثها الله تعالى لعباده. ومن التهيئة كذلك التهيئة لخلافة الأرض وعمارتها وسياستها كما يريد الله تعالى، ومن تأمل ما قصه الله تعالى بين موسى وقومه يجد هذا المعنى واضحًا جليا، كما سيأتي بيانه، فالإيمان بأن الله هو الوارث وهو الذي يورث من يشاء من عباده تجعل العبد بل الأمة جمعاء على قدر من التأهيل الإيماني والاستعداد العملي لحمل هذه الأمانة إذا ورثوها.

  4. عدم الاغترار بقوة الباطل وانتفاشه.

    فإن الله تعالى له بالمرصاد، وسيأتي الوقت الذي يزهقه الله فيه ويورث عباده المؤمنين ديار الكافرين ويمكنهم فيها.

    قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [الأنبياء: ١٠٥].

    فقد يغلب على الأرض جبارون وظلمة وطغاة، وقد يغلب عليها همج وغزاة، وقد يغلب عليها كفار فجار يحسنون استغلال قوى الأرض وطاقاتها استغلالا ماديا ولكن هذه ليست سوى تجارب الطريق، فلا يغتر العبد بهذه القوة، فالوراثة الأخيرة هي للعباد الصالحين الذين يجمعون بين الإيمان والعمل الصالح. فلا يفترق في كيانهم هذان العنصران ولا في حياتهم18.

    ويقول تعالى: ( ﯠﯡ ﯪﯫ ) [الأعراف: ١٣٧].

  5. عدم الاغترار بالدنيا والحذر من الركون إليها.

    لأن مآلها إلى فناء ولا يبقى إلا ما قدمه العبد لنفسه يوم القيامة 19، وما أشد ارتباط هذا المعنى بقول الحق تبارك وتعالى ( ﯟﯠ ﯨﯩ ) [القصص: ٥٨]!

  6. الحث على الإنفاق في سبيل الله.

    فقد جاء الإخبار عن وراثة الله للسماوات والأرض في موطنين، الأول: في ذم الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله وحبسه وعدم الإنفاق منه، وبيان مالهم في الآخرة من العقوبة، كما قال تعالى: ( ﯽﯾ ﯿ ﰂﰃ ﰉﰊ ﰎﰏ ) [آل عمران: ١٨٠].

    وفي ذلك يقول الراغب: «ونبه بقوله: ( ﰎﰏ) على انتقال ما في أيديهم إليه، كما قال: ( ) [الأنعام: ٩٤].

    ونبه أن ما خولهم لو أنفقوا على ما يجب وكما يجب لاستحقوا ثوابًا، فلما لم يفعلوا ذلك؛ انتقل عنهم، وصار عقوبة لهم، وكأنه إلى مقتضى معناه أشار من أوصى فقال: اكتبوا: هذا ما خلف فلانٌ، يسوؤه وبنوه، انتقل عنه نفعه، وخفي عليه وزره، وبين أنه عالم ببخلهم، وما يؤول إليه حالهم »20.

    والموطن الثاني: في الحث على الإنفاق والدعوة إليه وأنه المال الذي أورثه الله إياه إن لم يدخره المؤمن لنفسه بالإنفاق، فإنه صائر إليه سبحانه، وذلك في قوله: ( ﮘﮙ ) [الحديد: ٧].

    وقوله: ( ) [الحديد: ١٠].

  7. التوجه إلى الله بسؤال الذرية الصالحة21.

    فكان من دعاء زكريا عليه السلام ( ) [الأنبياء: ٨٩].

    فاستجاب الله دعاءه فقال: ( ﯤﯥ ﯭﯮ ) [الأنبياء: ٩٠].

    قال القاسمي: وقوله: ( ) ثناء مناسب للمسألة22.

    ومن أوجه المناسبة:

    • الثناء على الله بما يقتضي المقام، فهو سبحانه خير الباقين، وخير من يخلف بخير، وهو أرحم بعباده من أنفسهم.
    • النية الصالحة في طلب الذرية، وأنه كما يسأل الله الذرية فيسأله أن يورثه من يخلفه بخير، ولذا جاء في سورة مريم: ( ﭽﭾ ﭿ ﮀﮁ ) [مريم: ٦].
    • الرضا بالله وبما قسم، وفإنه قال: إن لم ترزقني ولدًا يرثني فأنت خير الوارثين فحسبي أنت.
  8. الإيمان بهذا الاسم فيه الرد على المشركين في إنكارهم البعث والجزاء.

    ففي قول الله تعالى: ( ) [مريم: ٤٠].

    قال ابن عاشور: «وتأكيد جملة إنا نحن نرث الأرض بحرف التوكيد لدفع الشك؛ لأن المشركين ينكرون الجزاء، فهم ينكرون أن الله يرث الأرض ومن عليها بهذا المعنى»23.

    أنواع الوراثة

    أولًا: الوراثة الدنيوية:

    ١. وراثة الدين.

    من الحقائق القرآنية المسلمة حقيقة الاصطفاء، فالله تبارك وتعالى يصطفي من خلقه من يشاء ويصطفي لدينه من يشاء، كما قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٣٢].

    أي: إن الله اختار لكم هذا الدين الذي عهد إليكم فيه واجتباه لكم، فاتقوا الله ولا تفارقوا الإسلام فتأتيكم مناياكم وأنتم على غير الدين الذي اصطفاه لكم ربكم فتموتوا وربكم ساخط عليكم فتهلكوا24.

    ومن الوراثة الدينية التي أخبر عنها القرآن الكريم:

  1. وراثة النبوة.

    من المقرر أن الله تبارك وتعالى يختار من صفوة خلقه من يشاء فيجعلهم رسلًا كما قال تعالى: ( ﭺﭻ ﭽﭾ ﭿ ) [النمل: ٥٩].

    وقال: ( ﭽﭾ ﭿ ﮂﮃ ) [الحج: ٧٥].

    فالله تبارك وتعالى يختار من رسله من أزكى الخلق وأجمع لصفات الخير وأحق بالاصطفاء، فهو تعالى سميع بأقوال عباده بصير بمن هو أحق بالاصطفاء.

    وكما اصطفى تعالى من رسله من يشاء فقد فضل الله تعالى بحكمته وفضله بعض النبيين على بعض فقال تعالى: ( ﭗﭘ ﭜﭝ ﭠﭡ ) [البقرة: ٢٥٣].

    ومن هذا الاصطفاء أن يصطفى تعالى رسلًا فيجعل في ذريتهم النبوة والكتاب ولذا قال تعالى: ( ) [آل عمران: ٣٣].

    وإنما خص الله تعالى هؤلاء الأنبياء الكرام بالذكر لأن الأنبياء والرسل من نسلهم25.

    وكما قال تعالى: ( ﮚﮛ ) [مريم: ٥٨].

    فجعل الله تعالى من ذرية آدم نوحًا وإدريس، وجعل من ذرية نوح إبراهيم، و وجعل من ذرية إبراهيم إسماعيل وإسحاق، وجعل من ذرية إسرائيل موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى، وقال تعالى عن نوح وإبراهيم عليهما السلام: ( ) [الحديد: ٢٦].

    وقال عن إبراهيم: ( ) [العنكبوت: ٢٧].

    وكون النبوة في ذرية هؤلاء الأنبياء عليهم السلام فهو نوع من أنواع الوراثة في الدين، وليس المراد بالإرث هنا إرث الاستحقاق، وإنا هو إرث خاص بالنبوة يهبه الله تعالى لمن يشاء من عباده من ذريته من اصطفاهم جل وعلا.

    ولذا فإن زكريا عليه السلام حين خشي ألا يكون من عصبته من يكون صالحًا لوراثة العلم والنبوة، وكان يرجو أن يكون من ذريته من يخلفه في ذلك دعا ربه فقال: ( ﭽﭾ ﭿ ﮀﮁ ) [مريم: ٥ - ٦].

    والوراثة التي كان يرجوها عليه السلام هي وراثة النبوة والدين 26.

    قال البغوي: «والمعنى: أنه خاف تضييع بني عمه دين الله وتغيير أحكامه على ما كان شاهده من بني إسرائيل من تبديل الدين وقتل الأنبياء، فسأل ربه وليا صالحا يأمنه على أمته ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع الدين»27.

    وكما أجاب الله دعاء زكريا عليه السلام فقد أنعم الله على سليمان بأن ورث النبوة من أبيه دون سائر ولده، فقال تعالى: ( ﭱﭲ ﭼﭽﭾ ﭿ ) [النمل: ١٦].

    مما يبين أن وراثة النبوة فضلٌ يهبه الله لمن يشاء، فقد خصه الله بها دون سائر ولد أبيه، ولذا قال بعدها: ( ﭿ ) وقال قبلها: ( ) [النمل: ١٥].

  2. وراثة الكتاب والعلم.

    لما كان الدين قائمًا على الرسل وعلى أتباع الرسل وكانت النبوة فيمن اجتبى الله واختار من عباده، فكانت وراثة الكتاب لأتباع الرسل ومن يخلفهم دون وراثة النبوة.

    ولما كانت وراثة النبوة اصطفاء واختيارًا من الله تبارك وتعالى، فقد جعل وراثة العلم والكتاب اختبارًا وابتلاء، ليعلم الله تبارك وتعالى، من يأخذ عن الأنبياء حمل هذا الدين بقوة وحق ومن يفرط فيه ويضيعه، فإن ضيعوه كانوا أبعد الناس عنه، وإن حفظوه وقاموا به كان أحق الناس به وشملهم الاصطفاء الذي جاء في قوله تعالى: ( ) [آل عمران: ٣٣].

    إذ إن «الآل: في ( ) تشمل من اتبع هؤلاء الأنبياء بإحسان فيكون من ورث الكتاب بحق من المــصطفين من أتباع الأنبياء.

    والآيات التي جاء الحديث فيها عن وراثة الكتاب تدل على هذا المعنى، فقد قال تعالى عن بني إسرائيل بعد ذكر خبر نبي الله موسى وهارون عليهما السلام: ( ﯟﯠ ﯯﯰ ﯵﯶ ) [الأعراف: ١٦٩].

    فيخبر الله تعالى عن قومٍ خلفوا من قبلهم ورثوا الكتاب، أي: انتقل إليهم انتقال الميراث، من سلفٍ إلى خلف28.

    فعهد الله إليهم بهذا الكتاب عملًا وتطبيقًا، ولكنهم خالفوا ذلك واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير فكانوا خلف سوء، كما قال قتادة: « والله لخلف سوء، ورثوا الكتاب بعد أنبيائهم ورسلهم، ورثهم الله وعهد إليهم، فتمنوا على الله أماني وغرة يغترون بها، لا يشغلهم شيء عن شيء، ولا ينهاهم شيء عن ذلك، كلما هف لهم شيء من أمر الدنيا أكلوه، ولا يبالون حلالا كان أو حراما» 29.

    وهذا هو معنى قوله: ( ﯟﯠ).

    وقال ابن زيد: « ( ) قال: الكتاب الذي كتبوه، وإن يأتهم المحق برشوة، فيخرجوا له كتاب الله ثم يحكموا له بالرشوة. وكان الظالم إذا جاءهم برشوة أخرجوا له المثناة، وهو الكتاب الذي كتبوه، فحكموا له بما في المثناة بالرشوة، فهو فيها محق، وهو في التوراة ظالم، فقال الله: ( ﯯﯰ)»30.

    فهذا صنف من الأصناف الذين ورثوا الكتاب فضلوا وحادوا ولم ينفعهم ذلك الميراث شيئًا مع شرفه وفضله، والسياق في هذه الآيات يتحدث عن بني إسرائيل، ولشناعة هذا الأمر وقبحه أمر الله نبيه أن يقص قصة رجل ورث الكتاب وآتاه الله آياته فانسلخ من هذا الميراث عياذا بالله، فقال تعالى: ( ﯓﯔ ﯞﯟ ﯥﯦ ) [الأعراف: ١٧٥-١٧٦].

    وهذا بلا شك أنموذج في غاية السوء فبعد أن علمه الله الكتاب فصار العالم الكبير والحبر النحرير انسلخ من الاتصاف الحقيقي بالعلم بآيات الله الذي يصير صاحبه متصفا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال،، فترك كتاب الله وراء ظهره، ونبذ الأخلاق التي يأمر بها الكتاب، وخلعها كما يخلع اللباس.

    فلما انسلخ منها أتبعه الشيطان، أي: تسلط عليه حين خرج من الحصن الحصين، وصار إلى أسفل سافلين، فأزه إلى المعاصي أزًّا بعد أن كان من الراشدين المرشدين، وهذا لأن الله تعالى خذله ووكله إلى نفسه، ولكنه فعل ما يقتضي الخذلان، فأخلد إلى الأرض، أي: إلى الشهوات السفليةوالمقاصد الدنيوية. واتبع هواه بترك طاعة مولاه31.

    والآية وإن كان الحديث فيها عمن جاء من بني إسرائيل ممن أوتوا التوراة إلا أن حكمها عامٌّ فيمن ورث كتاب الله فضيعه.

    ولذا حكى ابن الجوزي في قوله: (ورثوا الكتاب) ثلاثة أقوال:

    الأول: أنه التوراة.

    والثاني: الإنجيل.

    والثالث: القرآن32.

    وقال ابن كثير بعد أن ذكر أن المراد بالكتاب أنه التوراة: «وقد يكون اللفظ أعم من ذلك»33.

    ولذا قال الله تعالى عن اليهود والنصارى محذرًا أتباع النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع فيما وقعوا فيه: ( ) [الشورى: ١٤].

    أما الصنف الآخر من الذين يرثون الكتاب فقد جاء في قوله تعالى: ( ﭩﭪ ﭴﭵ ) [فاطر: ٣٢].

    وهذا الصنف من الذين ورثوا الكتاب فعملوا بما ورثوا وما أوتوا - على تفاوتٍ بينهم - فأخبر الله تعالى أنهم من أهل الاصطفاء.

    وفي ذلك يقول السعدي: «فكلهم اصطفاه الله تعالى لوراثة هذا الكتاب، وإن تفاوتت مراتبهم وتميزت أحوالهم، فلكل منهم قسط من وراثته، حتى الظالم لنفسه، فإن ما معه من أصل الإيمان وعلوم الإيمان وأعمال الإيمان من وراثة الكتاب، لأن المراد بوراثة الكتاب وراثة علمه وعمله، ودراسة ألفاظه، واستخراج معانيه»34.

    وقد جاءت الوراثة في سياق التكريم بأن نسب الله الإيراث لنفسه جل وعلا، فهو الذي أورث، بخلاف السياق في سورة الأعراف والشورى، وفي هذا تكريم لأمة محمد وبيان للصورة التي ينبغي أن يكونوا عليها، ومع التفاوت الموجود بينهم، شريطة أن لا يرتكسوا في الهاوية ويستبدلوا عرض الدنيا بكتاب الله وينسلخون مما آتاهم الله، وفي ذلك يقول سيد قطب « وهي كلمات جديرة بأن توحي لهذه الأمة بكرامتها على الله كما توحي إليها بضخامة التبعة الناشئة عن هذا الاصطفاء وعن تلك الوراثة. وهي تبعة ضخمة ذات تكاليف، فهل تسمع الأمة المصطفاة وتستجيب؟! »35.

    وقد عد الشنقيطي هذه الآية من أرجى الآيات في القرآن الكريم حيث قال: «ثم إنه تعالى بين أن إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير منه عليهم، ثم وعد الجميع بجنات عدن وهو لا يخلف الميعاد في قوله: ( ) إلى قوله: ( ) والواو في () شاملة للظالم والمقتصد والسابق على التحقيق، ولذا قال بعض أهل العلم: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين، فوعده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة، وأولهم الظالم لنفسه، يدل على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن»36.

    وهكذا كل من ورث الكتاب فقام به حق قيام كان له الفضل الكبير والأجر من الله، ولقد أثنى الله على من ورث الكتاب من بني إسرائيل فحفظ هذا الميراث فقال: ( ﯿ ) [الأعراف: ١٧٠].

    وبهذا يتبين أن وراثة الكتاب لغير الأنبياء إنما هي وراثة اختبار وابتلاء، فمن ضيعها ضيعه الله، ومن حفظها وعمل بما ورث من هذا العلم فهو من المصطفين من عباده.

    وفي ختام هذا النوع نلحظ أن الآيات التي جاء الحديث فيها عن وراثة الدين تدعو إلى مايلي:

    • أن الله تعالى سمى أخذ الكتاب والعلم ميراثًا، وهذا الاسم يستدعي المحافظة على هذا العلم وعدم التفريط فيه بلا شك.
    • اتباع سنن الأنبياء وهديهم الذين اجتباهم الله واصطفاهم لحمل رسالته، ولما ذكر الله في سورة الأنعام الأنبياء وذريتهم ممن أورثهم النبوة والكتاب قال: ( ﯯﯰ ) [الأنعام: ٩٠].
    • أن العبد كما يحرص أن يترك ورثته أغنياء فليحرص أن يترك ورثته على دين وصلاح فيرثون الخير والصلاح والعبادة وهكذا تكون ذريته أهل دين وصلاح، فهذا نبي الله زكريا يقول: ( ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ) [مريم: ٥-٦]، فكان حرصه عليه السلام أن يكون من ورثته ذرية صالحة طيبة. والذي يتأمل آيات القرآن يرى أن الدعاء للذرية حاضر في القرآن، كما جاء من دعاء الأنبياء والصالحين في القرآن الكريم، والملاحظ في هذه الآيات أن الدعاء للذرية شمل الذرية القريبة ومن يأتي بعدهم، وهذا تأكيد على أن العبد يرجو من ربه أن تستمر ذريته في وراثة الصلاح والتقوى وعمارة الأرض بما يحبه الله ويرضاه.
    • أن وراثة الدين بعد النبوة ليست تشريفًا محضًا، وإنما هو ابتلاء واختبار، فليست القضية بالتمني، فالدعاوى ما لم يصدقها العمل تغدو هباءً، ولذا قال تعالى مخاطبًا عامة الناس: ( ﭮﭯ ﭽﭾ ﭿ ﮜﮝ ) [النساء: ١٢٣ - ١٢٥].
    • وهذه الآية قاطعة أن المعيار الحقيقي هو اتباع ملة إبراهيم حنيفًا، وهذا هو معنى وراثة الدين على الحقيقة، لا المحاجة في دين إبراهيم وأن يدعي كل فريق أن إبراهيم عليه السلام كان منهم.

      ومن الادعاء في وراثة الدين والكتاب دراسة مسائله دراسة ظاهر دون العمل به والتمسك بما فيه، ولذا بين الله أن حقيقة الوراثة هو الاستمساك بالكتاب لا دراسته فقط فقال: ( ﯯﯰ ﯵﯶ ) [الأعراف: ١٦٩].

      «فهم درسوا هذا الكتاب وعرفوا ما فيه! بلى! ولكن الدراسة لا تجدي ما لم تخالط القلوب. وكم من دارسين للدين وقلوبهم عنه بعيد. إنما يدرسونه ليتأولوا ويحتالوا، ويحرفوا الكلم عن مواضعه، ويجدوا المخارج للفتاوى المغرضة التي تنيلهم عرض الحياة الدنيا، وهل آفة الدين إلا الذين يدرسونه دراسة ولا يأخذونه عقيدة ولا يتقون الله ولا يرهبونه؟!»37.

      أما التشريف الحقيقي: أن تكون وراثة الدين وراثة حقيقية بالاستمساك به والعمل، وهذا ظاهر من اللفظ القرآني حيث حذف الفاعل حين جاء الحديث في سياق الذم لمن ورث الكتب ولم يعمل به كما في سورة الأعراف: ( ) وفي سورة الشورى: ( ) [الشورى: ١٤].

      ولما جاء الحديث في سياق المدح جاء ذكر الفاعل كما في آية سورة فاطر: ( ) [فاطر: ٣٢]38

      تذكر الدار الآخرة من أعظم ما يعين على وراثة الدين، وقد ختم الله جل وعلا الآية السابقة بقوله: ( ﯵﯶ ) [الأعراف: ١٦٩].

      وكما ذكر ابن القيم في معرض حديثه على الذي آتاه الله الآيات فانسلخ منها: «إنما كان لشدة لهفه على الدنيا لانقطاع قلبه عن الله والدار الآخرة»39.

      ويقول سيد: « لا شيء يثبت على الغير والأحداث وتقلبات الأحوال في هذا الخضم الهائج وفي هذه المعركة الكبرى إلا اليقين في الآخرة، وإنها خير للذين يتقون، ويعفون، ويترفعون، ويثبتون على الحق والخير في وجه الزعازع والأعاصير والفتن، ويمضون في الطريق لا يتلفتون مطمئنين واثقين، ملء قلوبهم اليقين»40.

      ٢. وراثة الأرض.

      سبق الحديث عن الوراثة في حقِّ الله تعالى، وأنَّ لله تعالى ميراث السماوات والأرض كما في قوله: ( ) [آل عمران: ١٨٠].

      وإذا كان الله جلَّ وعلا هو وارث أملاك الخلائق بعد فنائهم، وكلُّ ما في الأرض صائر إليه، فالله تعالى هو مالكها من حيث الابتداء، وهو يورثها من يشاء من عباده، ولذا قال تعالى: ( ) [الأعراف: ١٢٨].

      ومن ثَمَّ يمكن تقسيم وراثة الأرض كما وردت في القرآن إلى ثلاثة أقسام:

      القسم الأول: تملك الكافرين والظالمين واستخلافهم.

      وقد جاءت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: ( ﮐﮑ ﮞﮟ ﮪﮫ ) [الأعراف: ١٠٠ - ١٠١].

      والآية وإن كانت عامة فالسياق يدل على أنهم خلف سوء، ولذا ختمت الآية بقوله: ( ) وقال السدي: أولم يتبين للذين يرثون الأرض من بعد أهلها هم المشركون 41، وكما قال تعالى في حديثه عن الظالمين: ( ﭽﭾ ﭿ ) [إبراهيم: ٤٥].

      وقد تضمنت الآية معنى الوراثة بلا شك، فدلت الآيات على ما يحصل من تسلط الكافرين والظالمين في هذه الأرض، وقد قصَّ الله تعالى علينا من قصصهم في القرآن ما فيه عبرة وتذكرة للمعتبرين.

      ومن الأمثلة التي ضربها الله وقصها وصرفها في القرآن علو فرعون وتكبره، فقد أخبر الله تعالى عن شدة عتوه أن قال: ( ﭽﭾ ﭿ ﮂﮃ ) [الزخرف: ٥١].

      ولذا قال تعالى مبينا شدة ظلمه: ( ﯝﯞ ) [القصص: ٤].

      لقد بلغ من عتوِّ فرعون وعلوه في الأرض من درجات الإفساد أشدها وأعظمها ومن تلك المفاسد:

      أولًا: التكبر والتجبر؛ فإنه مفسدة نفسية عظيمة تتولد منها مفاسد جمة من احتقار الناس والاستخفاف بحقوقهم وسوء معاشرتهم وبث عداوته فيهم.

      ثانيًا: أنه جعل شعبه شيعًا، فقرب بعضهم وأبعد بعضهم، وتولدت بينهم مفاسد عظيمة من الحقد والحسد والوشاية والنميمة.

      ثالثًا: أنه جعل طائفة من أهل مملكته في ذلِّ وصغار واحتقار، عذبهم ونكل بهم ومنعهم من حقوقهم وجعلهم عبيدًا للطائفة المقربة لديه.

      رابعًا: اجتهد في قتل أطفال الطائفة المعذبة من الذكور حتى لا يكون لبني إسرائيل قوة من رجال قبيلتهم وحتى يكون النفوذ في الأرض لقومه خاصة.

      خامسًا: كان يستحيي النساء، أي: يستبقى على حياة الإناث من الأطفال حتى يصبحن بغايا إذ ليس لهن أزواج، وكان قوم فرعون يحتقرونهن ويأنفون أن يتزوجوا بهن، ولم يبق لهن حظٌّ من رجال القوم إلا قضاء الشهوة، فانقلب استحياء البنات إلى مفسدة عظيمة تصل إلى منزلة تذبيح الأبناء42.

      إن هذا مثال صارخ لنوع من وراثة الأرض، ولكنها وراثة بالظلم والقهر والإفساد في الأرض والقتل والبغي بغير الحق و وبما لا يرضي الله تعالى فكان جزاؤهم كما أخبر الله: ( ) [الأعراف: ١٣٦].

      ضربة واحدة، فإذا هم هالكون، ومن التعالي والتطاول والاستكبار، إلى الهوي في الأعماق والأغوار، جزاء وفاقًا بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين«43 وهذا جزاء كل وارث يبدل دين الله، ويظلم الناس ويقتلهم.

      القسم الثاني: توريث المستضعفين وتمليكهم.

      وهذه من سنن الله في وراثة الأرض كما قال تعالى: ( ﮏﮐ ﮚﮛ ) [إبراهيم: ١٣ - ١٤].

      فلا يمكن للظلم أن يستمر، ومهما طال الظلم وانتفش، فقد اقتضت سنة الله أن يورث الأرض من بعده من وقع عليهم الظلم وذاقوا ويلاته.

      وقد أخبر الله تعالى عن إرادته التي لا راد لها أنه سيورث الأرض من بعد فرعون لبني إسرائيل فقال: ( ) [القصص: ٥ - ٦].

      لقد كان بنو إسرائيل ينتظرون هذه الوراثة ويترقبونها، فمما كانوا يتدارسونه في قول إبراهيم الخليل عليه السلام حين ورد الديار المصرية وجرى له مع جبارها ما جرى حين أخذ سارة ليتخذها جارية فصانها الله منه ومنعه منها بقدرته وسلطانه، فبشر إبراهيم عليه السلام ولده أنه سيولد من صلبه وذريته من يكون هلاك مصر على يديه ومع هذا الوعد الذي كانوا يتناقلونه ومع خروج نبي الله موسى بينهم كان العذاب والاضطهاد والإيذاء الذي يجدونه من فرعون يكاد ينسيهم هذا الوعد، حتى قال لهم موسى عليه السلام مذكرًا ومصبرًا: ( ﮭﮮ ﯗﯘ ) [الأعراف: ١٢٨].

      فما كان منهم إلا أن قالوا: ( ﯥﯦ ) [الأعراف: ١٢٩].

      وتأمل قوة يقين موسى عليه السلام وفقهه السنني، فهو لا يحمل هم وراثة الأرض والاستخلاف، فهو وعد الله جل وعلا، إنه يحمل هم العمل بعد وراثة الأرض، إنه يحمل هم التمكين بعد التوريث، ولذا قال لهم: ( ).

      ويستمر الاضطهاد والتعذيب حتى يأتي وعد الله ويتحقق ما أراد الله: ( ﯠﯡ ﯪﯫ ) [الأعراف: ١٣٧].

      أي: بني إسرائيل الذين كانوا خدمة لآل فرعون، يسومونهم سوء العذاب44، وكما قال تعالى: ( ) [الشعراء: ٥٧-٥٩].

      وقد جاء الحديث عن بعض مظاهر هذه الوراثة في مثل قوله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮌﮍ ) [طه: ٨٠-٨٢].

      وقوله تعالى: ( ﭕﭖ ﭠﭡ ﭦﭧ ﭬﭭ ﭴﭵ ﭺﭻ ﭽﭾ ﭿ ) [الأعراف: ١٦٠].

      والذي يظهر من هذه الوراثة أنها وراثة تمليك وتقلب، جزاء صبرهم وما لاقوه من الأذى والاضطهاد، وهي كذلك وراثة تمحيص وابتلاء كما هو ظاهر من تذييل الآيات السابقة، وقد روى الطبري في ذلك: « أن الله جعل أرض الشام لبني إسرائيل مساكن بعد أن أخرجهم من مصر، وإنما ابتلاهم بالتيه بامتناعهم على موسى في حرب الجبابرة إذ قال لهم: ( ) [المائدة: ٢١].

      إلى قوله: ( ﭙﭚ ) [المائدة: ٢٤].

      فحرم الله جل وعز على قائل ذلك فيما ذكر لنا دخولها حتى هلكوا في التيه وابتلاهم بالتيهان في الأرض أربعين سنة، ثم أهبط ذريتهم الشام، فأسكنهم الأرض المقدسة، وجعل هلاك الجبابرة على أيديهم مع يوشع بن نون بعد وفاة موسى بن عمران. فرأينا الله جل وعز قد أخبر عنهم أنه كتب لهم الأرض المقدسة ولم يخبرنا عنهم أنه ردهم إلى مصر بعد إخراجه إياهم منها»45.

      من خلال ما سبق يتبين أن هذه الوراثة وراثة تمليك وتقلب في البلاد لجيلٍ ذاق الظلم والاضطهاد والاستضعاف، حتى خرج من بوتقة العبودية وظلام الاستعباد إلى رحابة الحرية ونور الاستخلاف، وهذه نعمة وأي نعمة كما قال تعالى: ( ﭜﭝ ) [البقرة: ٤٩].

      ولكن هذه الوراثة لا تؤهله بعد لوراثة التمكين، لقد خرج من الاستعباد نعم ولكنه خرج مثقلًا بآثار الاضطهاد والاستضعاف، وليس أفسد للنفس البشرية من الذل والخضوع للطغيان طويلًا، ومن الحياة في ظل الإرهاب والخوف والتخفي والالتواء لتفادي الأخطار والعذاب والحركة في الظلام، مع الذعر الدائم والتوقع الدائم للبلاء!

      ولقد عاش بنو إسرائيل في هذا العذاب طويلًا، فأورثهم الله الأرض ليمحصهم ويهذبهم ويستصلح نفوسهم من هذه الآثار حتى يكون فيهم أو منهم جيل الوراثة التي يريدها الله، وهو النوع الثالث من أنواع وراثة الأرض.

      القسم الثالث: وراثة التمكين في الأرض.

      وهذه الوراثة تفهم من عمومات الآيات التي تحدث عن وراثة الأرض كقوله تعالى: ( ) [القصص: ٥].

      وقوله تعالى: ( ﯗﯘ ) [الأعراف: ١٢٨].

      فالوراثة عامة تشمل النوع الثاني وهذا النوع.

      كما دل على هذا النوع قوله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [الأنبياء: ١٠٥].

      أي: أرض العدو، يورثها الله المؤمنين في الدنيا46، كما قال تعالى في مبينا نعمته على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومبشرًا لهم بقوله: ( ﮢﮣ ) [الأحزاب: ٢٧].

      ومن الآيات الدالة على ذلك كذلك قوله: ( ﭽﭾ ﭿ ﮅﮆ ﮋﮌ ) [النور: ٥٥].

      وحقيقة هذه الوراثة يبينها سيد قطب بقوله: «لقد استخلف الله آدم في الأرض لعمارتها وإصلاحها، واستخدام الكنوز والطاقات المرصودة فيها، والبلوغ بها إلى الكمال المقدر لها في علم الله.

      وفي الطريق لبلوغ ذلك التوازن والتناسق تشيل47 كفة وترجح كفة، وقد يغلب على الأرض جبارون وظلمة وطغاة، وقد يغلب عليها همج ومتبربرون وغزاة، وقد يغلب عليها كفار فجار يحسنون استغلال قوى الأرض وطاقاتها استغلالا ماديا، ولكن هذه ليست سوى تجارب الطريق، والوراثة الأخيرة هي للعباد الصالحين الذين يجمعون بين الإيمان والعمل الصالح، فلا يفترق في كيانهم هذان العنصران ولا في حياتهم.

      وحيثما اجتمع إيمان القلب ونشاط العمل في أمة فهي الوارثة للأرض في أية فترة من فترات التاريخ، ولكن حين يفترق هذان العنصران فالميزان يتأرجح، وقد تقع الغلبة للآخذين بالوسائل المادية حين يهمل الأخذ بها من يتظاهرون بالإيمان، وحين تفرغ قلوب المؤمنين من الإيمان الصحيح الدافع إلى العمل الصالح، وإلى عمارة الأرض والقيام بتكاليف الخلافة التي وكلها الله إلى هذا الإنسان.

      وما على أصحاب الإيمان إلا أن يحققوا مدلول إيمانهم، وهو العمل الصالح، والنهوض بتبعات الخلافة ليتحقق وعد الله، وتجري سنته: ( ) فالمؤمنون العاملون هم العباد الصالحون»48.

      وقد ضرب الله لنا في القرآن أنموذجًا لهذه الوراثة في قصة ذي القرنين، فقال: ( ﰄﰅ ) [الكهف: ٨٣ - ٨٤].

      وتأمل قوله: ( ) أي: بتذليل الطرق وتسهيل السير فيها، وقوله: ( ) أي: أعطيناه من كل شيء يحتاج إليه الخلق، وفيهما من الدلالة على قوة التمكين والتسخير بلوغه غاية عظيمة في ذلك حتى قال بعض المفسرين: معالم الأرض ومنازلها وأعلامها وآثارها. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يعني: تعليم الألسنة كان لا يغزو قوما إلا حدثهم بلغتهم.

      وقص الله لنا كيف سخر هذه الإمكانات التي آتاه الله إياها في عمارة الأرض حتى بلغ من الأرض ما انتهى إليه ولا يمكن لأحد أن يتجاوزه، فلما بلغ تلك الجهة ورأى مغرب الشمس، ذكر تعالى أنه حكم في تلك الناحية: ( ﭽﭾ ﭿ ) [الكهف: ٨٦-٨٧].

      فيجتمع عليه عذاب الدنيا والآخرة، وبدأ بعذاب الدنيا لأنه أزجر عند الكافر ( ﮎﮏ ) [الكهف: ٨٨].

      فبدأ بالأهم وهو ثواب الآخرة وعطف عليه الإحسان منه إليه وهذا هو العدل والعلم والإيمان، ثم انتقل بعد ذلك راجعًا إلى المشرق فرأى في تلك الجهة قومًا ليس لهم بيوت ولا أكنان يستترون بها من حر الشمس حتى قيل: إنهم كانوا يأوون إذا اشتد عليهم الحر إلى أسراب قد اتخذوها في الأرض شبه القبور.

      ولما كان سيره ووراثته للأرض وراثة إعمار وطاعة، كان محفوظًا بحفظ الله وستره وعنايته في مسيره كله، وذلك قول الله: ( ) [الكهف: ٩١].

      ( )، فذكروا له أن يأجوج ومأجوج قد تعدوا عليهم، وأفسدوا في بلادهم، وقطعوا السبل عليهم.

      وبذلوا له خراجًا على أن يقيم بينهم وبينهم حاجزا يمنعهم من الوصول إليهم، فامتنع من أخذ الخراج اكتفاءً بما أعطاه الله من الأموال الجزيلة ( ) [الكهف: ٩٥].

      ثم طلب منهم أن يجمعوا له رجالًا وآلات ليبني بينهم وبين يأجوج ومأجوج ردمًا، وهو الحاجز الحصين الموثق بعضه فوق بعض، مع التلاصق المتلاحم الموجب لأن لا يميز بعضه من بعض، وكانوا لا يستطيعون الخروج إليهم إلا من بينهما، وبقية ذلك بحار مغرقة وجبال شاهقة، فبناه كما قال تعالى من الحديد والقطر وهو النحاس المذاب، فجعل بدل اللبن حديدا وبدل الطين نحاسا، ولهذا قال تعالى: ( ) [الكهف: ٩٧].

      أي: يعلو عليه بسلالم ولا غيرها وما استطاعوا أن ينقبوه بمعاول ولا فؤوس ولا غيرها.

      وبعد هذا قال: ( ) [الكهف: ٩٨].

      أي: قدر الله وجوده ليكون رحمة منه بعباده أن يمنع بسببه عدوان هؤلاء القوم على من جاورهم في تلك المحلة49.

      ولما وصف الله ورثة هذا النوع بأنهم الصالحون، وضرب الله لنا أنموذجًا واقعيا من هؤلاء الصالحين، فيمكن لنا أن نتلمس أبرز سمات هؤلاء الوارثين:

      أولًا: الإيمان بالله واليوم الآخر، وهذا ظاهر في طريقة حكمه، حيث جعل الميزان هو ميزان الحق تبارك وتعالى، وأن حكمه الدنيوي لا يساوي شيئًا أمام حكم ملك الملوك جل وعلا في الإساءة والإحسان على السواء، ( ﭽﭾ ﭿ ﮎﮏ ) [الكهف: ٨٧-٨٨].

      وهذا يدل على مدى إيمانه بالله وتذكره الدار الآخرة، ولم ينسه ما هو فيه من الملك والتمكين هذه الحقيقة.

      ثانيًا: الجد والاجتهاد والسعي قدر الطاقة، فقد جد ذو القرنين حتى بلغ ما انتهى إليه علمه من جهة المغرب، ثم سار إلى الجهة المقابلة حتى بلغ منتهاها ولا يقدر على مثل ذلك إلا من اجتهد وجد بكل ما آتاه الله من قوة، دون تضييع لها أو تفريط.

      ثالثًا: بذل الخدمة وتقديم النصح والمساعدة، وهكذا هم الوارثون يبذلون الخدمة والمساعدة لمن يحتاج، وخصوصًا إذا بلغت الحاجة حد الضعف الذي يجرؤ الأعداء عليهم، وحد الجهل الذي يورثهم العجز وسوء التدبير، وهذا كان واقع الذين طلبوا من ذي القرنين بناء السد، فقد تسلط عليهم يأجوج ومأجوج ظلمًا وبغيا، ومع ذلك فهم لا يكادون يفقهون قولا.

      رابعًا: استغلال الثروات والموارد البشرية: فالوارثون هم من يستثمرون الثروات في تنمية الأوطان وازدهارها، فحين طلب القوم من ذي القرنين بناء السد، لم يكن منه إلا أن أحسن إدارة الثروات والاستفادة منها، فقد كان الحديد والنحاس بين أيديهم، وهم الذين بنوا وشاركوا وعاونوا كما دل على ذلك واو الجماعة في: () () () ( )، فالوارث على الحقيقة هو من يستطيع أن يسخر الناس في خدمة أوطانهم وبلدانهم، وأن يستثمر ثرواتهم في تنميتها، أما الظالم فهو الذي يجعل من الثروات طريقًا للجشع ونهب ثروات البلاد بغير حق، ويستغل جهل الناس وضعفهم في إذلالهم واستعبادهم.

      خامسًا: تذكر نعمة الله ونسبة الفضل له، وهذا ظاهر من قول ذي القرنين بعد اكتمال السد: ( ) [الكهف: ٩٨].

      وفي ختام هذا المبحث نلحظ أن الآيات التي جاء الحديث فيها عن وراثة الأرض تضمنت ما يلي:

    1. أن الظلم والفساد والعمل بمعصية الله في المجتمعات سبب في نزع هذه الوراثة.

      وقد قال تعالى: ( ﮐﮑ ) [الأعراف: ١٠٠].

      وهذا الآية عامة، وقد أخبرنا الله بما حصل لبني إسرائيل بسبب ذنوبهم وكيف نزعت منهم الوراثة أبد الآبدين فقال تعالى: ( ﮑﮒ ﮖﮗ ) [الأعراف: ١٦٧].

      ومن ذلك ما أخبر الله عنهم في قوله تعالى: ( ﮛﮜ ) [الإسراء: ٤ - ٥].

      وذلك أنهم لما بغوا وطغوا سلط الله عليهم عدوهم، فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم وأذلهم وقهرهم، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد؛ فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء 50.

      والعموم في الآية الأولى هو تحذير لكل من دخل في هذا العموم، وقد جاء التحذير باستبدال الوراثة صريحًا في قوله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮂﮃ ﮈﮉ ﮝﮞ ) [التوبة: ٣٨ - ٣٩].

      وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته، بأن ضياع الدين وترك شرائعه سبب في الذب وتسلط الأعداء، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)51.

      قال سيد قطب: «وليس العذاب الذي يتهددهم هو عذاب الآخرة فقط، بل عذاب الدنيا والآخرة، عذاب الذل الذي يصيب القاعدين عن الجهاد، عذاب الحرمان من الخيرات التي يستفيد منها العدو الكافر ويحرمها أهلها، وهم مع ذلك كله يخسرون من النفوس والأموال أضعاف ما يخسرون في الجهاد، ويقدمون على مذابح الذل أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة لو قدموا لها الفداء، وما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب الله عليها الذل فدفعت مرغمة صاغرة أضعاف ما كان يتطلبه منها جهاد الأعداء»52.

    2. تسليط الظالمين وعلوهم في الأرض بين الله تعالى بعض أسبابه ومقاصده.

      منها: الابتلاء، كما قال تعالى: ( ﮠﮡ ) [محمد: ٤].

      فإنه تعالى على كل شيء قدير، وقادر على أن لا ينتصر الكفار في موضع واحد أبدا، حتى يبيد المسلمون خضراءهم، ولكن الله سبحانه له الحكمة في إدالة الكفار في بعض الأوقات على المسلمين إدالة غير مستقرة، ( ﮠﮡ) فيعلم المجاهدين منكم والصابرين فيثيبهم، ويبلوهم بكم، فيعاقب بأيديكم من شاء منهم حتى ينيب إلى الحق53.

      ومنها: الرجوع إلى الله تعالى والتوبة، كما قال تعالى: ( ﯿ ﰅﰆ ﰋﰌ ) [آل عمران: ١٦٥].

      فقوله تعالى: ( ) دعوة للمحاسبة والمراجعة في تخلف أسباب النصر من النزاع أو مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.

      ومنها: تمييز الخبيث من الطيب، ومعرفة من يتبع الدين رضًا وقناعة ممن يتبعه حال الرخاء، فإذا حصلت الشدائد انقلب على عقبيه، نسأل الله العافية.

      قال تعالى: ( ﭝﭞ ﭧﭨ ﭭﭮ ﭴﭵ ﭻﭼ ﭽﭾ ﭿ ) [آل عمران: ١٦٦-١٦٧].

      وقال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٧٩].

    3. أن توريث الله تعالى لعباده المستضعفين والمسلمين بعد تسلط الظالمين، منة ونعمة منه سبحانه كما في قوله: ( ) [البقرة: ٤٩].

      وقال: ( ) [القصص: ٥].

      ثم تأتي مرحلة الاختبار والابتلاء ( ) [الأعراف: ١٢٩].

      فإن قاموا بما أمر الله من العمل والعبادة والصلاح حصل لهم التمكين والوراثة التامة التي أخبر الله تعالى عنها بقوله: ( ﯗﯘ ) [الأعراف: ١٢٨].

      وقوله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [الأنبياء: ١٠٥].

    4. أهمية النظر في القصص التي قصها الله تعالى من قصص الوارثين على تنوعها والاعتبار بها.

      تمثل قصة ذي القرنين نموذجًا مشرقًا من وراثة الأرض كما يحب الله ويرضى حيث جمع بين أداء حق الله في الأرض بالإيمان والعمل الصالح، والقيام بحقوق المخلوقين، واستثمار الموارد والثروات في تكثير الخير وتقليل الشر.

      ٣. وراثة الميت.

      جاء الحديث عن وراثة الميت في سورة النساء، وكان أول ما نزل في المورايث قوله تعالى: ( ﭡﭢ ) [النساء: ٧].

      وكانت هذه الآية ممهدة وموطئة لما يليها من الأحكام، فقد أصبح من المسلمات لدى العرب في الجاهلية أن المرأة لا حق لها من الميراث وقضوا على ذلك العقود بعد العقود، فإذا جاء تشريع المواريث مبينا الأحكام التفصيلية ومقدار ما يستحقه كل من الذكر والأنثى، سيشق ذلك على الناس وقد لا تقبله النفوس مباشرة.

      فكان من الحكمة أن تأتي آية تشريع المواريث ممهدة لبيان الأحكام التفصيلية، لتهيئ النفوس لقبول حكم الله والإذعان له54.

      فقوله تعالى: ( ﭡﭢ ) [النساء: ٧].

      إجمال لما سيتبع من البيان، وإبطال لما قد كان.

      وكان التمهيد في هذه الآية بما يلي:

      أولًا: أن تقدير المواريث حق لله تبارك وتعالى، وفريضة من الفرائض التي يجب الالتزام فيها بأحكام الله، وإبطال أحكام الجاهلية وإلغائها، وقد ختمت الآية بقوله: ( ) تقريرًا لهذا المعنى.

      ثانيًا: إثبات حق المرأة في الميراث، لا كما يفعله أهل الجاهلية، وحماية حقها وتفصيل هذا في الحكمة الثالثة من حكم المواريث كما سيأتي بيانه.

      ثالثًا: بيان علة الميراث وهي: القرابة، كيفما تصرفت من قريب أو بعيد.

      رابعًا: أن نصيب كل من الرجل أو المرأة محدد معين لامجال فيه للآراء أو العادات55.

      وفي هذه التوطئة من تثبيت القلب وتخفيف التكليف الذي يخالف عادة الجاهلية ما يرفع الحرج ويزيل المشقة، وهذا من رحمة الله وإرادته الخير لعباده حتى يذعنوا ويطيعوا، فهو سبحانه لا تضره معصية العاصين ولا تنفعه طاعة الطائعين، وما هذا التيسير إلا من اصطفاء الله واختياره لهذه الأمة.

      ثم جاء الحديث عن المواريث ومقاديرها مفصلة في قوله تعالى: ( ﮖﮗ ﮛﮜ ﮥﮦ ﮫﮬ ﯘﯙ ﯢﯣ ﯩﯪ ﯱﯲ ﯺﯻ ﯾﯿ ﭛﭜ ﭤﭥ ﭬﭭ ﭶﭷ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮇﮈ ﮗﮘ ﮡﮢ ﮫﮬ ﮯﮰ ) [النساء: ١١-١٢].

      ثم جاء بيان بعض أحكامها في آخر سورة النساء بقوله: ( ﭖﭗ ﭣﭤ ﭫﭬ ﭳﭴ ﭽﭾ ﭿ ﮃﮄ ) [النساء: ١٧٦].

      كما جاء في آخر سورة الأنفال قوله تعالى: ( ﯿ ﰀﰁ ) [الأنفال: ٧٥].

      وقد تضمنت هذه الآيات جملة من مسائل المورايث موضعها في كتب الفقه، وأحكام القرآن56.

      وقد تضمنت الآيات من الحكم العظيمة والغايات الجليلة ما يدعو إلى الامتثال والتطبيق وربطها بمقاصد الشريعة وغاياتها ومن ذلك:

    1. تقوى الله تعالى.

      ورد النص القرآني صريحا مبينا أن امتثال التقوى يقود إلى الصواب والرشاد، فقال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [النساء: ٩].

      فجاء الأمر بالتقوى الذي في امتثاله صلاح العبد وتوفيقه إلى القول السديد، سواء في ذلك المورث حال وصيته أو من حضره حال الوصية.

      فإن كان يخشى إن هو أوصى بماله للفقراء والمساكين أن يضر بورثته وأولاده، فعليه أن يتقي الله في هؤلاء الورثة وألا يدعهم فقراء57، وهذا من السداد.

      كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: (الثلث والثلث كثيرٌ، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تدعهم عالةً يتكففون الناس في أيديهم وإنك مهما أنفقت من نفقةٍ فإنها صدقةٌ حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك وعسى الله أن يرفعك فينتفع بك ناسٌ ويضر بك آخرون) ولم يكن له يومئذٍ إلا ابنةٌ58.

      وكذلك فإن من حضر الميت أثناء وصيته ورأى في وصية الميت ما يضر بورثته، فعليه أن يتقي الله ويجعل ورثة الميت مكان أولاده، فهل يرضى لهم ما يرضى لأولاده، فإذا رآه أوصى بما يضر بورثته فعليه نصحه وتوجيهه إلى الهدي النبوي والشرع الإلهي.

      قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذا في الرجل يحضره الموت، فيسمعه الرجل يوصي بوصية تضر بورثته، فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله، ويوفقه ويسدده للصواب، ولينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة59.

      أما إن غلب على ظنه أنه لو أوصى للفقراء والمساكين ألا يضر بورثته، فإن ذلك من التقوى، فكما أنه يحب أن يحسن إلى ذريته فعليه أن يتقي الله في الفقراء والمساكين.

    2. بيان عدل الله تعالى.

      فإن الله - جلت حكمته- فرض عند اجتماع الذكور والإناث في الميراث أن للذكر مثل حظ الأنثيين سواء كانوا أولادا أو إخوة فقال تعالى: ( ﮖﮗ ﮛﮜ) الآية [النساء: ١١].

      وقال: ( ﭽﭾ ﭿ ﮃﮄ ) [النساء: ١٧٦].

      وفي هاتين الآيتين تتجلى مظاهر العدل للقارئ المتبصر في أمرين:

      الأول: التسوية بين الذكور فيما بينهم من الميراث، وبين الإناث كذلك.

      فلقد كان أهل الجاهلية يورثون من الذكور الأكبر فالأكبر ولا يعطون الصغير شيئا، معللين ذلك بأن الكبير أنفع لهم من الصغير، فأبطل الله هذا الحكم وأمر بالتسوية بين الذكور فيما بينهم ملغيا في ذلك أي علة يراد منها تغيير فرض الله الذي فرضه 60 فقال: ( ﯺﯻ ﯾﯿ) [النساء: ١١].

      ولذلك فقد جاء التعبير بلفظ: (الذكر والأنثى) دون ذكر (الرجال والنساء) في هذه الآية للتنصيص على استواء الصغار والكبار من الفريقين في الميراث دون البلوغ 61.

      وهذا عدل منه جل وعلا، فلئن كان الكبار أحوج إلى المال لحملهم السلاح في نظر قوم فإن الصغار الذين لا يستطيعون التكسب والحصول على المال هم أحوج في نظر آخرين فكان العدل في ذلك هو ما حكم به أحكم الحاكمين.

      الثاني: تفضيل الذكر على الأنثى في هذه الحالة.

      فإن من عدل الله تبارك وتعالى عدم التسوية بين الرجال والنساء في الميراث، وكيف يسوى بمن فرق الله بينهما وفضل بعضهما على بعض فقال:( )[آل عمران: ٣٦].

      وقد بين الله تبارك وتعالى أن هذه القسمة أعدل قسمة وأقومها، وأن من رام غيرها فهو في ضلال كما ذكر في آخر سورة النساء.

      وإذا وجد من يعترض على توريث النساء لضعفهن وعدم قيامهن بما يقوم به الرجل ووجد من يعترضون على عدم التسوية بين الرجل والمرأة فقد رد الله جل جلاله عليهم جميعا بقوله: ( ﮧﮨ ﮬﮭ ﮱﯓ ﯗﯘ ) [النساء: ٣٢].

      فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله: تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث! فنزلت: ( ﮧﮨ ﮬﮭ ﮱﯓ) 62.

      فالله تبارك وتعالى هو العدل ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

      وتتجلى مظاهر العدل لنا في هذه القسمة الربانية بما أخبر الله تعالى عن الرجال والنساء في قوله: ( ﭞﭟ) [النساء: ٣٤]

      فإن الله تبارك وتعالى جعل الرجال أكمل من النساء، ولما كان ضعف النساء ونقصهن جبلة وطبيعة خلقهن الله عليها، فقد كلف الرجال بما لم يكلف به النساء، وجعل المرأة الضعيفة تحت نظر الرجل، ولذلك فإن الرجل مكلف بالإنفاق عليها والقيام على حوائجها دون أن يطلب منها ذلك، فالرجل أحوج منها للمال لما يجب عليه من النفقة وتكلف معاناة التكسب والتجارة، ولذلك كان من العدل أن يكون ميراثه ضعفي ميراث الأنثى.

      ثم إن هذا المال الذي ورثاه لم يتعبا في جمعه، وليس هو حق من أحدهما أعطي للآخر، بل هو فضل من الله وتمليك منه سبحانه ملكهما إياه تمليكا جبريا، فاقتضت حكمته سبحانه أن يضاعف للرجل لأنه مترقب النقص بالنفقة ودفع المهور، والبذل على نوائب الدهر.

      بينما المرأة مترقبة للزيادة بدفع المهر والميراث لها، والنفقة عليها، وإيثار مترقب النقص دائمًا على مترقب الزيادة دائمًا لجبر بعض نقصه المترقب، حكمة ظاهرة واضحة لا ينكرها إلا من أعمى الله بصيرته بالكفر والمعاصي 63.

      ومن كمال عدل الله أنه لم يطرد في الميراث تفضيل الذكر على الأنثى، بل هناك من الأحوال ما يتساوى فيه الذكر والأنثى، كما في قوله: ( ) [النساء: ١١].

      وقوله: ( ﮗﮘ ) [النساء: ١٢].

      كما ذكر العلماء حالة اختلف فيها العلماء، وظاهر النص يقتضي تفضيل الأنثى على الذكر في الميراث، في حال ماتت امرأة وتركت زوجًا وأبوين وبنتًا أو بنتين.

      والعجب ممن يتهم الإسلام بظلم المرأة، وهو الذي أنقذها من أن تورث كما يورث المال، كما قال تعالى: ( ) [النساء: ١٩].

      «وإذا نظرنا إلى النظام الشائع خارج العالم الإسلامي نرى أنه يعطي المورث الحق في توزيع تركته بين من يخلفه من أولاده وغيرهم وفق رأيه ورغبته، وفي الغالب أن المورث يفضل إيثار الذكور من أولاده بالميراث، أما بقصد عدم خروج المال عن العائلة أو بقصد آخر، وهذا أمر يظهره الواقع.

      فالإرث في الإسلام يحمي المساواة بين الذكر والأنثى بأن يكون لكل منهما نصيب من الإرث يقدره العليم الحكيم لعوامل مختلفة ويحصنها من أهواء أو رغبات المورثين ويستجيب بذلك لمقتضيات المنطق والعدل، فالنظام الإسلامي كما هو ظاهر يحمي المساواة بين الذكر والأنثى ولا ينتهكها» 64.

      ومن كمال عدل الله تعالى في المواريث: أن رفع مكانة المرأة بأن جعل لها نصيبًا مقدرًا، وقد كانت لا ترث، بل إن سبب نزول آيات المواريث هي في حماية حقوق المرأة حين اشتكت امرأة سعد بن الربيع في أخذ مال ابنتيها.

      ومن كمال حفظ حقها: أن الله تعالى بين مقادير الإرث في القرآن فذكر النصف والربع والثلثين والثلث والسدس ونحو ذلك، ولم يذكر عدد ركعات الصلوات، ولا مقادير الزكاة ولا أنصبتها في القرآن، مع أن الصلاة في الإسلام هي أعلى شأنًا من المواريث، وهذا فيه بيان لشأن الميراث، وأن الظلم فيه إثم عظيم وخطر كبير، فكيف يقال إن المرأة في الإسلام ظلمت في ميراثها؟!

      بل جعل نصيب المرأة في الميراث هو الأصل، فقال جل وعلا: ( ﮖﮗ ﮛﮜ) [النساء: ١١].

      ولم يقل للأنثى نصف حظ الذكر، وهذا يبين أن المرأة أخذت حقها تمامًا غير منقوص.

    3. النهي عن الضرر.

      وقد ورد في آيات المواريث النهي عن الضرر في الوصية، فإن الله تعالى لما بين ما للورثة من حق وما للموصى لهم من حق ختم الآية بالنهي عن الضرر فقال: ( ﮫﮬ) [النساء: ١٢].

      أي: لا يدخل الضرر على الورثة بالوصية التي يوصي بها الميت، وذلك أنه لما كان الموصى لهم والورثة شركاء فيما بقي من التركة بعد أداء الدين نهى الله عما يضر الورثة في مال مورثهم لما يلحقهم من المشقة والحرج.

      ثانيًا: الوراثة الأخروية:

      تبين في المباحث السابقة سنة الله في وراثة الحياة الدنيا، قرون تليها قرون، وأجيال ترثها أجيال، وأحياء يرثون أمواتًا، وهكذا تمضي الحياة منذ خلق الله آدم حتى يأتي اليوم الذي أخبر الله عنه: ( ) [مريم: ٤٠].

      فلا بقاء في الدنيا ولا خلود، وهذه الحقيقة التي حاول الكفار التشكيك فيها، فكان هذا الرد قاطعًا للأطماع مؤيسًا للآمال.

      هذا هو الجزء الأول من الحقيقة، أما الشطر الثاني وهو الأعظم ألا وهو: ( )

      وهذه هي الحقيقة التي تمايز فيها أهل الكفر وأهل الإيمان، إنها حقيقة اليوم الآخر.

      فأما الكافرون والمعاندون فكان حالهم التشكيك والتكذيب والاستهزاء كما جاء خبرهم في غير آية، كقوله تعالى: ( ) [الصافات: ١٥-١٧].

      وكقوله: ( ﯔﯕ) [التغابن: ٧].

      وكقوله: ( ) [القيامة: ٣-٤].

      والآيات كثيرة في بيان حال الكافرين في استهزائهم وتكذيبهم باليوم الآخر.

      وأما الصالحون الأبرار فكان إيمانهم باليوم الآخر من أعظم الدوافع للسعي إلى ما يرضي الله، وتحمل المشاق والأذى في سبيل مرضاته، كقوله تعالى: ( ) [الإنسان: ٨ - ١٠].

      كما جاء الحديث عن اليوم الآخر في القرآن متكاثرًا متنوعًا، فتارة يرد في وصف المتقين، وتارة يأتي في سياق الشرط المقتضي للقيام بأمر من أوامر الله، وتارة يأتي في سياق النفي في ذم الأعمال التي تغضب الله تعالى، لما للإيمان بهذا اليوم العظيم من الأثر البالغ في التقرب إلى الله، وقد جاء تصوير حال أهل الكفر وأهل الإيمان في الدنيا ثم حالهم في الآخرة وأثر الإيمان بهذا اليوم من عدمه على الفريقين، وهو تصوير بليغ يبين عظم منزلة هذا اليوم، وأن الفوز الحقيقي هو الفوز به.

      فقال تعالى: ( ﯿ ) [المطففين: ٢٩-٣٦].

      والمعنى: هل جازينا الكفار على عملهم الذي كان من جملته ضحكهم بكم واستهزاؤهم بطريقتكم، كما جازيناكم على أعمالكم الصالحة؟ فيكون هذا القول زائدا في سرورهم، لأنه يقتضي زيادة في تعظيمهم والاستخفاف بأعدائهم، 65، وما أعظم هذه الكلمة وأشدها على الكفار، فجمع لهم بين العذاب الحسي والعذاب النفسي، حين يتذكرون صنيعهم وتكذيبهم، فإذا هم قد عاينوا العذاب ووقع بهم.

      وقد جاءت الآيات متكاثرة في وصف ما أعد الله للمتقين وما أعد للكافرين في الآخرة، والملاحظ في التعبير القرآني أن هناك بعض الألفاظ التي جاءت مشتركة في بيان ما أعد الله لأهل الجنة وأهل النار، وهناك ألفاظ اختصت بما أعد الله لأوليائه في الجنة، ومن هذه الألفاظ: لفظ الوراثة، فقد اختص بما أعد الله لأهل الإيمان كما في قوله: ( ) [الأعراف: ٤٣].

      وكقوله: ( ) [الزخرف: ٧٢].

      وقوله: ( ﯿ ) [مريم: ٦٣].

      وقوله: ( ) [المؤمنون: ١٠-١١].

      وسر اختصاص هذا اللفظ بأهل الجنة والله أعلم أن لفظ الوراثة يفيد استحقاق أهل التوحيد للجنة بأكمل أنواع الاستحقاق، فالوراثة أقوى لفظ يستعمل في التملك والاستحقاق من حيث إنها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع، ولا تبطل برد ولا إسقاط66.

      قال الزمخشري: الجامعون لهذه الأوصاف هم الوارثون الأحقاء بأن يسموا وراثا دون من عداهم67.

      وقال ابن الجوزي: « قال بعضهم: لما سمي الكفار أمواتًا بقوله: ( ) وسمى المؤمنين أحياء بقوله: ( ) أورث الأحياء الموتى»68.

      يتضح مما سبق أن الوراثة الأخروية هي وراثة تكريم ورفعة اختص الله بها أهل الجنة نسأل الله أن نكون من أهلها، وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عند قوله تعالى: ( ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحدٍ إلا له منزلان: منزلٌ في الجنة، ومنزلٌ في النار، فإذا مات، فدخل النار، ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى: ( )) 69.

      أسباب الوراثة

      أولًا: أسباب الوراثة الدنيوية:

      من أسباب الوراثة الدنيوية:

      أولًا: تعاقب الأجيال، ومن خلال التأمل في آيات الورثة يظهر لنا أن تعاقب الأجيال سبب في وراثة الكتاب، ووراثة الأرض، ووراثة الميت.

      فأما وراثة الكتاب فقد قال تعالى: ( ) [الأعراف: ١٦٩].

      فقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «الخلف من بعد ستين سنة»، وعن قتادة قال: «ورثوا الكتاب بعد أنبيائهم ورسلهم، أورثهم 70.

      وأما ورثة الأرض، ففي قول الله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٠٠].

      قال البغوي: «من بعد هلاك أهلها الذين كانوا فيها قبلهم»71.

      وأما ورثة الميث، فقد أخبر الله الإرث لمن يخلفه الميت بعد وفاته من أولاده وقرابته، وقد قسم العلماء أسباب الإرث من خلال آيات المواريث إلى أقسام وهي:

    1. النكاح، وهو عقد الزوجية الصحيح بشاهدين وولي، ولو لم يحصل به وطء ولا خلوة، لعموم قوله تعالى( ) [النساء: ١٢].
    2. النسب، أي القرابة من الميت، وهي: الاتصال العضوي بين إنسان وآخرين بولادة قريبة أو بعيدة، وتشمل الأصول، والفروع، والحواشي. فالأصول: هم الآباء والأجداد وإن علوا بمحض الذكور، والفروع: هم الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا، والحواشي: هم الإخوة وبنوهم وإن نزلوا، والأعمام وإن علوا، وبنوهم وإن نزلوا.
    3. الولاء، وهو رابطة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، ولا يرث العتيق معتقه بالإجماع، فانحصرت أسباب الإرث في اثنين: النسب، والزواج الصحيح.

      ثانيًا: العمل الصالح، فالصلاح من أسباب وراثة الأرض كما ذكر تعالى في قوله تعالى ( ﭽﭾ ﭿ ) [الأنبياء: ١٠٥].

      وهذه الوراثة هي: وراثة التمكين، وما مكن الله لهم إلا بسبب صلاحهم وتقواهم كما قال تعالى في الآية الأخرى: ( ﯗﯘ ) [الأعراف: ١٢٨].

      ثانيًا: أسباب الوراثة الأخروية:

      جاء الحديث عن أسباب الوراثة الأخروية في القرآن الكريم على ضربين: حيث جاء الحديث عنها إجمالًا في عامة الآيات التي تحدثت عن وراثة الآخرة فأجملت الآيات أن سبب هذه الوراثة هي الأعمال المتعلقة بوصف الإيمان والتقوى، وهذا معنى رحب وواسع في الدلالة على تعدد الطرق الموصلة إلى هذه الوراثة وتنوع أسبابها.

      قال ابن كثير: « أعمالكم الصالحة كانت سببا لشمول رحمة الله إياكم، فإنه لا يدخل أحدا عمله الجنة، ولكن بفضل من الله ورحمته. وإنما الدرجات تفاوتها بحسب عمل الصالحات»72.

      كما أن التعبير بالمضارع « تعملون» فيه الدلالة على الاستمرار والتجدد اللذان يفيدان أن العمل الصالح كائن منهم ومستمرون عليه إلى وفاتهم 73.

      وجاء الحديث عن هذه الأسباب مفصلًا في سورة المؤمنون، فقد فصلت الآيات في ذكر بعض الأسباب وذلك في قوله: ( ﭽﭾ ﭿ ) [المؤمنون: ١-١١].

      وهذه الصفات هي كما يلي:

    1. الخشوع في الصلاة بحضور القلب مع الاستحضار لما يقوله العبد في صلاته من أولها إلى آخرها.
    2. الإعراض عن اللغو، وهو الكلام الذي لا فائدة فيه، ولا خير يرجى منه، وهذا فيه دلالة على إعراضهم عما هو أشد منه من سائر المحرمات التي رتب عليها العذاب.
    3. أداء الزكاة، طهرة لأموالهم وتزكية لأنفسهم، وقد جمعوا في ذلك بين عدم إيذاء الناس بالإعراض عن اللغو، والإحسان إليهم.
    4. حفظ الفرج عما لا يحل له، كالزنا ومقدماته من النظر واللمس ونحوهما، وتحصين أنفسهم بما يحول دون وقوع ذلك بابتغاء الحلال من النكاح، والإماء المملوكات.
    5. رعاية الأمانة والعهد، بحفظهما والحرص على أدائها، وهو لفظ عام يشمل العهد الذي بينهم وبين الله و والعهد الذي بينهم وبين الناس.
    6. المداومة على الصلاة في أوقاتها حفظًا لها، مما يدل على أنها حاضرة نصب أعينهم لا يتطرق لغليها السهو أو النسيان.

      وإيثار هذه الصفات دون غيرها فيها دلالة على ما يلي:

      • أهمية هذه الصفات وعظم منزلتها.
      • أنها صفات متضمنة لغيرها من الصفات أو مستلزمة لصفات معها، فالخشوع في الصلاة يتضمن الانتهاء عن الفحشاء والمنكر كما في قوله: ( ﯨﯩ) [العنكبوت: ٤٥].
      • ، والإعراض عن اللغو، يلزم من الإعراض عن غيره من باب أولى كالغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء وغيرها من المحرمات أو الكبائر.
      • أنها صفات جامعة، كصفة الإيمان الجامع لأعمال البر القولي والعملي والقلبي، وصفة رعاية العهد الجامع للعهد بين العبد وبين ربه والعهد بين العبد وبين غيره.

        وهذه الأسباب مما ذكر مجملًا أو مفصلًا، ترجع إلى سبب واحد وتتفرع عنه ألا وهو فضل الله ورحمته، وهو السبب الأعظم، والمتأمل للآيات يلاحظ أن الآيات التي أرجعت السبب فيها إلى العمل جاء السياق فيها خبرًا عن الله جل جلاله، أو وصفًا منه تعالى لعباده المؤمنين.

        وهذا تفضل منه جل وعلا، ولذا لما جاء الحديث على لسان أهل الجنة أرجعوا السبب إلى الله تعالى مسبب الأسباب وإلى فضله ورحمته فقالوا: ( ) [فاطر: ٣٥].

        وهذا دليل على كمال إيمانهم، وتعظيمهم لله ومعرفتهم بقدر أعمالهم التي لولا فضل الله ورحمته لما اغنت عنهم شيئًا.

        وفي ذلك يقول الشنقيطي: «إن العمل لا يكون سببا لدخول الجنة إلا إذا تقبله الله تعالى، وتقبله له فضل منه »74.

        ويقول الخازن: « إن دخول الجنة بسبب الأعمال والتوفيق للإخلاص فيها وقبولها برحمة الله تعالى وفضله فيصح أنه لم يدخل الجنة بمجرد العمل»75.

        وعن عبد الله بن مسعود قال: (تجوزون الصراط بعفو الله وتدخلون الجنة برحمة الله وتقتسمون المنازل بأعمالكم) 76.

        مقاصد الوراثة

        تتعدد مقاصد الوراثة وتختلف باختلاف أنواعها:

        فوراثة النبوة والكتاب هي اصطفاء من الله لعباده، كما قال: ( ﭽﭾ ﭿ ﮂﮃ ) [الحج: ٧٥].

        وكان من دعاء داود وسليمان عليهما السلام ( ﭢﭣ ) [النمل: ١٥].

        وما هذا إلا استشعار هذا الاصطفاء من بين عباد الله المؤمنين.

        وأما وراثة العلم، فقد جعلها الله اختبارًا وابتلاء، ليعلم الله تبارك وتعالى من يستحق هذا الإرث بحقه فيكرمه به في الدنيا ويجازيه عليه في الآخرة أو من يفرط فيه ويضيعه، فيكون وبالًا عليه نسأل الله السلامة والعافية.

        وكذلك الأمر في وراثة الأرض، فقد جعلها الله تبارك وتعالى اختبارًا لينظر من يعمرها بالطاعة أو من يفسدها بالمعصية، كما دل على ذلك قوله تعالى: ( ﯥﯦ ) [الأعراف: ١٢٩].

        ومن مقاصد وراثة الأرض كذلك الاعتبار بتقلب الأحوال، وتمكين المستضعفين وإهلاك الجبابرة المكذبين كما قال تعالى في سورة القصص: ( ) [القصص: ٥].

        أما وراثة الميت فمن مقاصدها: الرضا بحكم الله وامتثال أمره: ويتضح ذاك في قوله: ( ﮫﮬ ﯿ ) [النساء: ١١].

        وهذه الآية هي آية المواريث التي بين الله فيها ميراث الأولاد والوالدين وقدر نصيبهم من تركة الميت، وقد ختمها الله عز وجل بقوله: ( ).

        وحكمة ختم الآية بهذين الاسمين المشتملين على صفتي: العلم والحكمة لله تعالى، لما في ذلك من إرشاد الخلق إلى امتثال أمر الله جل وعلا في تقديره للمواريث وفرضها على عباد الله لكونها تشريع من هو أعلم بعباده إذ هو خالقهم، وهو الحكيم الذي أحكم هذه القسمة، وله الحكمة البالغة في تقدير ما يصلح العباد وما ينفعهم، فلا مجال لمن آمن بذلك إلا التسليم والرضى.

        ولربما خطرت للنفس خاطرة بأن التركة لو قسمت على غير هذا الوجه لكانت أنفع وأولى، كما كان أهل الجاهلية يورثون الرجال دون النساء، أو يورثون من الرجال من يحمل السلاح أو نحو هذا، فبين الله -جلت حكمته- شيئًا من هذه الحكم حتى تطمئن النفس وتسلم لأمر الله فقال: ( ).

        فأنكر عز وجل علمهم بما هو أنفع لهم وبين أنهم لا علم لهم بحقيقة النفع، فبعضهم قد يرى النفع كما كان يراه أهل الجاهلية، وبعضهم قد يغلب جانب الأبوة أو جانب البنوة، واعتمدوا في ذلك على أسباب غير منضبطة فرد الله عليهم أنهم لا يدرون من هو أنفع لهم77.

        وهذه حكمة واحدة من حكم العليم الحكيم تعالى، ولذلك فقد تكفل الله فرض هذه الفرائض بنفسه تعالى وكفانا مؤونة الاجتهاد وأمرنا بما يصلحنا وهو الانقياد له سبحانه78.

        ومن مقاصد وراثة الميت كذلك: تقوية وشائج الرحمن والقرابة: وقد نص الله على ذكر الوالدين والأقربين في بداية ذكر الميراث فقال: ( ) [النساء: ٧].

        ولما كانت جهة القرابة متفاوتة، فمنهم القريب ومنهم البعيد، قسم الله تبارك وتعالى المواريث حسب الأقرب فالأقرب كما هو بين في قوله تعالى: ( ﮖﮗ ) [النساء: ١١].

        وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)79.

        والمعنى أن الرجال من العصبة بعد أهل الفروض إذا كان فيهم من هو أقرب إلى الميت استحق دون من هو أبعد فإن استووا اشتركوا80.

        وبهذا يتبين ما للتوريث من تقوية لأواصر القرابة والرحم، وما يحصل بسببها من النفع في الدنيا والآخرة.

        فإن الله تعالى قال: ( ﯺﯻ) [النساء: ١١].

        فإن صاحب الميراث قد يعطي أحد أبنائه زيادة على الآخر ظنا منه أنه أنفع له، فنفى الله الدراية عنهم بمن هو أنفع من الآخر وجعل النفع عامَّا في الدنيا والآخرة81.

        ومن أعظم النفع ما يحصل بسبب تقسيم التركة على الجميع من صلة للرحم بين الأولاد فيما بينهم وبين الأولاد والآباء أو الآباء والأولاد بعد وفاة أحدهم، كما أن في ذلك قطعا للنزاع والخلاف بين الأقرباء82.

        أما الوراثة الأخروية، فلما كان الإيمان والعمل الصالح بجميع شعبه من أسباب وراثة الآخرة بعد رحمة الله وفضله، فلا شك أن من مقاصد هذه الوراثة التمايز بين المؤمنين والكافرين، والأبرار والفجار.

        قال تعالى: ( ﯔﯕ ﯪﯫ ) [السجدة: ١٨-٢٠].

        نسأل الله تعالى أن يورثنا جنته.


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١٠٥.

2 الصحاح، الجوهري ١/٢٩٥.

3 تهذيب اللغة، الأزهري ١٥/٨٥.

4 المعجم الاشتقاقي المؤصل، محمد حسن جبل، ص ٧٥٤.

5 القاموس الفقهي ص ٣٧٧.

6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ٧٤٨.

7 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١٠٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٥/١٩٤، ١٩٥، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٨٦٣-٨٦٤، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي ٤/٢٩٨-٣٠٠.

8 انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/٦٦٢، تاج العروس، الزبيدي ٤٠/٢٠٧.

9 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ٢٥٢، تاج العروس، الزبيدي ٤٠/٢٠٩.

10 انظر: تفسير آيات الأحكام، السايس ص ٦٥، المعجزة الكبرى القرآن، أبو زهرة ص ٣٣٢.

11 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ٥٦.

12 انظر: المصباح المنير ١/٧٤.

13 اشتقاق الأسماء ص ١٧٣.

14 شأن الدعاء ص٩٦.

15 جامع البيان ١٤/٤٧.

16 المصدر السابق ٦/٢٧٧.

17 أخرجه البخاري في صحيحه، باب قول الله تعالى: (لما خلقت بيدي)، رقم ٧٤١٢، ومسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، رقم ٢٧٨٨.

18 انظر: في ظلال القرآن ٤/٢٤٠٠.

19 انظر: ولله الأسماء الحسنى، عبد العزيز الجليل ص١٨٤.

20 تفسير الراغب الأصفهاني ٣/١٠١٣.

21 انظر: النهج الأسمى ٢/٢٩١.

22 محاسن التأويل ٧/٢١٩.

23 التحرير والتنوير ١٦/١١٠.

24 جامع البيان ٢/٥٨٤.

25 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٩.

26 جماهير المفسرين على أن الوراثة هنا وراثة النبوة والدين، واختلفوا هل يدخل في ذلك وراثة المال كذلك أم لا، وقد لخص ابن الجوزي هذه الأقوال فقال: وفي المراد بهذا الميراث أربعة أقوال: أحدها: يرثني مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة، أخرجه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال أبو صالح. والثاني: يرثني العلم، ويرث من آل يعقوب الملك، فأجابه الله تعالى إلى وراثة العلم دون الملك، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا. والثالث: يرثني نبوتي وعلمي، ويرث من آل يعقوب النبوة أيضًا، قاله الحسن. والرابع: يرثني النبوة، ويرث من آل يعقوب الأخلاق.

انظر: زاد المسير ٣/١١٨.

ويرجح البغوي ٥/٢١٩ وابن كثير ٥/٢١٢ والشنقيطي أن وراثة المال غير داخلة في مفهوم الآية، وعلى فرض دخولها فلا تنافي بينها وبين حديث: ( لا نورث ما تركناه صدقة) فيكون ذلك من خصائصه التي أكرمه بها.

انظر: فتح الباري، ابن حجر١٢/٩.

27 معالم التنزيل ٥/٢١٩.

28 انظر: معالم التنزيل ٣/٢٩٦، زاد المسير ٢/١٦٥.

29 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٩٨.

30 جامع البيان، الطبري ١٠/٥٣٩.

31 انظر: تيسير الكريم الرحمن بتصرف ص ٣٠٩.

32 زاد المسير ٢/١٦٥.

33 تفسير القرآن العظيم ٣/٤٩٨.

34 تيسير الكريم الرحمن ص ٦٨٩.

35 في ظلال القرآن ٥/٢٩٤٤.

36 أضواء البيان ٥/٤٨٩.

37 في ظلال القرآن ٣/١٣٨٧.

38 انظر: التفسير القيم ص ٦٢٠.

39 التفسير القيم ص ٢٩٠.

40 في ظلال القرآن ٣/١٣٨٨.

41 جامع البيان ١٠/٣٣٥.

42 انظر: التحرير والتنوير ٢٠/٦٨.

43 في ظلال القرآن، بتصرف ٣/١٣٦٠.

44 انظر: تيسير الكريم الرحمن ص ٣٠١.

45 جامع البيان ٢/٢٣.

46 انظر: أضواء البيان ٤/٢٥٠.

وفي الآية قول آخر تحتمله الآية: أن الوراثة هي وراثة الجنة.

47 أي: تخف كفة، تقول العرب: شال الميزان، إذا ارتفعت إحدى كفتيه لخفتها.

انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١١/٢٨٢.

48 في ظلال القرآن، بتصرف ٤/٢٤٠٠.

49 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير ٢/١٢٦.

50 تفسير القرآن العظيم، ابن كثر ٥/٤٨.

51 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب في النهي عن العينة، رقم ٣٤٦٢.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/١٣٦، رقم ٤٢٣.

52 في ظلال القرآن ٣/١٦٥٥.

53 انظر: تيسير الكريم الرحمن ص ١٤٦٩، محاسن التأويل، القاسمي ٨/٤٦٨.

54 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ١/٣٢٨.

55 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٤٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/٢٤٩.

56 انظر: الفقه الميسر من الكتاب والسنة، مجموعة مؤلفين ١/٣٢٨.

57 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/١٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٢٢، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٥٠٧.

58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس، رقم ٢٥٩١، ومسلم في صحيحه، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، رقم ١٦٢٨.

59 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/١٩.

60 انظر: جامع البيان ٧/٣٢، تفسير القرآن العظيم ٢/٢٢٦، روح المعاني ٤/٢٢٨.

61 انظر: روح المعاني ٤/٢١٧.

62 أخرجه الطبري في تفسيره ٨/٢٦١، وابن أبي حاتم في التفسير ٤/١٣٢، والترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب سورة النساء رقم ٣٠٢٢، والإمام أحمد في المسند رقم ٢٦٧٧٩، والحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، باب تفسير سورة النساء برقم٣١٩٥، كلهم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.

قال الترمذي: هذا حديث مرسل.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، إن كان سمع مجاهد من أم سلمة.

63 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٢٥، روح المعاني، الألوسي ٤/٢١٧، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢٢٢.

64 انظر: مقالات وأبحاث، صالح الحصين ص ١١١.

65 مفاتيح الغيب، الرازي ٣١/٩٥.

66 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٥.

67 الكشاف ٣/١٧٧

68 زاد المسير ٢/١٢٢

69 أخرجه الطبري في التفسير ١٧/١٥ وابن ماجه في سننه، باب صفة الجنة، رقم ٤٣٤١ ٢/١٤٥٣.

قال البوصيري في مصباح الزجاجة ٤/٢٦٦: صحيح على شرط الشيخين.

70 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٥/١٦٠٧.

71 معالم التنزيل ٣/٢٦١.

72 تفسير القرآن العظيم ٧/٢٣٩.

73 انظر: التحرير والتنوير ٢٥/٢٥٦.

74 أضواء البيان ٣/٣٥٤.

75 لباب التأويل ٣/٧٥.

76 انظر: الدر المنثور ٧/٣٩٤.

77 انظر: مفاتيح الغيب ٩/٢٢٥، روح المعاني ٤/٢٢٨، التحرير والتنوير ٤/٢٦٢.

78 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٦/١٢٥.

79 أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس، كتاب الفرائض، باب ميراث الولد من أبيه وأمه، رقم ٦٣٥١، ومسلم في صحيحه، كتاب الفرائض، باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر، رقم ١٦١٥.

80 فتح الباري ١٢/١٦.

وانظر شرح صحيح مسلم، النووي ١١/٥٣.

81 انظر: جامع البيان ٧/٤٨، الجامع لأحكام القرآن ٦/١٢٥، تفسير القرآن العظيم ٢/٢٢٩.

82 انظر: محاسن الإسلام، البخاري ص ٣٩.