عناصر الموضوع

مفهوم الوحي

الوحي في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الموحى به في القرآن

مقامات الوحي

الموحى إليهم في القرآن

التعامل مع الوحي

موقف المعرضين من الوحي

الوحي

مفهوم الوحي

أولًا: المعنى اللغوي:

ورد في كتب اللغة أن الواو والحاء والياء: أصل يدل على إلقاء علم من طرف لآخر في خفاء1، فالإشارة، والكتابة، والإيماء، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك من علم2.

ويأتي الوحي بمعنى السريع، ويأتي بمعنى الصوت، وحاة الرعد: هو صوته الممدود الخفي، واستوحيناهم: استصرخناهم. والوحى: السرعة، يمد ويقصر. ويقال: الوحى الوحى: يعني البدار البدار، وتوح يا هذا: أسرع، ووحاه توحيةً: عجله. والوحي على فعيل: السريع3.

وقد ذكر الشيخ مناع القطان في تعريفه لغة أنه:«الإعلام الخفي السريع الخاص بمن يوجه إليه بحيث يخفى على غيره»4.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

وذكر السمين الحلبي تعريفًا آخر له: «إلقاء معنى الكلام إلى من يريد إعلامه، والوحي يكون بالرمز والإشارة»5.

وقال الشيخ مناع القطان: «ووحي الله إلى أنبيائه قد عرَّفوه شرعًا بأنه: كلام الله تعالى المُنَزَّلُ على نبي من أنبيائه. وهو تعريف له بمعنى اسم المفعول أي الموحى.

والوحي بالمعنى المصدري اصطلاحًا: هو إعلام الله تعالى مَن يصطفيه من عباده ما أراد من هداية بطريقة خفية سريعة»6.

الوحي في الاستعمال القرآني

وردت مادة (وحي) في القرآن الكريم (٧٨) مرة7.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٤٤

( ﭿ ) [النجم:١٠]

الفعل المضارع

٢٨

( ) [النحل:٤٣]

المصدر

٦

( ) [الأنبياء:٤٥]

وجاء الوحي في القرآن على خمسة أوجه8:

الأول: الإرسال: ومنه قوله تعالى: ( ) [النساء:١٦٣]. يعني: أرسلنا.

الثاني: الإشارة: ومنه قوله تعالى: ( ) [مريم:١١]. يعني: أشار إليهم.

الثالث: الإلهام: ومنه قوله تعالى: ( ) [النحل: ٦٨]. يعني: ألهمها.

الرابع: الأمر: ومنه قوله تعالى: ( ) [الزلزلة: ٥]. يعني: أمرها أي: الأرض.

الخامس: الوسوسة: ومنه قوله تعالى: ( ) [الأنعام: ١٢١]. يعني: يوسوسون لهم.

الألفاظ ذات الصلة

السنة:

السنة لغةً:

الطريقة، والسيرة المعتادة للإنسان، سواء كانت حسنة أو قبيحة9.

السنة اصطلاحًا:

كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خلقية أو خلقية، أو سيرة10، قبل البعثة أو بعدها.

الصلة بين السنة والوحي:

الوحي أعم وأوسع من السنة، فالسنة هي الفرع الثاني للوحي، حيث إن الوحي فرعان:

الأول كلام الله المنزل على رسله، والثاني السنة وهو ما لم يكن من كلام الله، بل من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه من عند الله، ومن السنة ما لا يكون وحيًا، باعتبار ما كان صفة خلقية، أو ما كان قبل البعثة.

الرسالة:

الرسالة لغةً:

العبارات المؤلفة والمعاني المدونة المبعوثة من شخص لآخر بواسطة ناقل11.

الرسالة اصطلاحًا:

هي ما يبعث الله به من شاء من عباده من أحكام تكليفية وأخبار يلزمهم تصديقها.

الصلة بين الوحي والرسالة:

الوحي هو المصدر الذي تستمد منه الأحكام والأخبار، موجه للنبي أو الرسول، ويكون في الوحي أيضًا ما ليس تشريعًا، بينما الرسالة فهي شريعة موجهة للناس بواسطة الرسول.

الموحى به في القرآن

خلق الله عباده عالمًا بما طبعهم عليه من صفات، وما ركبه فيهم من غرائز، وما توعدهم به عدوهم الألد إبليس من الإضلال والإغواء، وتزيين الانحراف عن الحق، وما يترتب على ذلك من تضاؤل شعورهم بالحقائق التي جعل علمها والعمل بمقتضاها واجبًا عليهم، وهي الحقائق التي جعلها سببًا للثواب والعقاب، إنها الحقائق التي ما خلقهم إلا لأجلها، ولعلاج هذا التضاؤل والوقاية مما يترتب عليه من الإعراض عن المقصد الذي خلقوا من أجله وتركه تكفل الله لهم بأن يبعث لهم من يذكرهم بهذه الحقائق، وما يسعى فيه عدوهم من الكيد لهم، وقد كانت وسيلة ذلك هي الوحي الذي أنزله الله على رسله وأنبيائه12.

وقد نزل القرآن منبهًا على هذه الحقائق، وهي العقائد، والتشريع، وأخبار الأنبياء، والسنن الربانية، وبيانها فيما يلي:

أولًا: العقائد:

لما كانت العقيدة هي المحور الأساس، والمحرك الأقوي للتأثير في السلوك والاتباع، ولما كان المعول في النجاة على استقامتها، والمودي إلى الهلاك فسادها وانحرافها، جعل الله عز وجل لها الحظ الأوفر من القرآن الكريم، وبين أن هذه سنته في الرسالات كلها، يقول الله جل جلاله: ( ﭿ ﮊﮋﮌ ﮑﮒ ﮘﮙ ) [الشورى: ١٣].

والدين الذي شرعه الله لنا وكان وصيته لنوح ولإبراهيم وموسى وعيسى هو عبادة الله وحده، وفيه قال تعالى: ( ) [الأنبياء: ٢٥].

وعبادة الله مبناها الإيمان بكل ما جاء به الرسل من أخبار وعقائد، وهي دين الإسلام الذي ارتضاه تعالى لعباده، قال تعالى: ( ﭼﭽ) [آل عمران: ١٩].

ولايصح إسلام العبد إلا أن يؤمن بأصول الدين والإيمان، وهي كما أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في إجابته على سؤال جبريل: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) 13، فهذا هو الدين الذي أمر الله رسله وأنبياءه، وأمرنا أن نقيمه، ونهانا عن التفرق فيه14، لايتم لنا إقامة الدين إلا بالإيمان بهذه الأصول على النحو الآتي:

  1. أن الله واحد لا شريك له15.

    وذلك في:

    • ألوهيته: قال تعالى: ( ﯿﰀ ) [البقرة: ١٦٣].
    • ربوبيته: قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮜﮝ ﮡﮢ ) [الأعراف: ٥٤].
    • أسمائه وصفاته: قال تعالى: ( ) [الإخلاص: ١ - ٤].

      وقد جمع هذه الأمور الثلاثة في قوله تعالى: ( ﭘﭙ ) [مريم: ٦٥].

  2. الإيمان بالملائكة.

    وقد أمر الله عز وجل بالإيمان بهم في غير موضع من كتابه.

    يقول تعالى: ( ) [البقرة: ١٧٧].

    والإيمان بهم يستدعي الإيمان بأنهم عباد لله تعالى، وأن لهم وظائفهم التي كلفهم الله بها، كما بين ذلك في مواضع كثيرة من كتابه، وأنهم لايعصونه في أمر مهما كان، وأنه خلقهم على هيئات تليق بما كلفوا به من وظائف، فالرسل منهم ليسوا كصاحبي القبر، والذين يتوفون المؤمنين ليسوا كمن يتوفون الكافرين، وخزنة الجنة ليسوا كخزنة النار، وغير ذلك مما جاء في بيان أوصافهم في الكتاب والسنة16.

  3. الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله.

    وأنها كلامه الذي أوحى به لرسله لهداية عباده وإخراجهم من الظلمات إلى النور.

    قال تعالى: ( ﭿ ﮊﮋﮌ ) [النساء: ١٣٦].

  4. الإيمان بالأنبياء والرسل.

    يقول الله تعالى: ( ﮞﮟ ﮫﮬ ﮯﮰ ) [البقرة: ٢٨٥].

    ولايجوز التفريق بينهم فيما جاءوا للدعوة إليه من توحيد الله جل جلاله 17، وإن كان الله تعالى قد جعل لكل واحد منهم شريعته الخاصة به وبأمته.

    يقول تعالى: ( ﮞﮟ ) [المائدة: ٤٨].

    والإيمان بأن الله أرسلهم ليطاعوا فيما جاءوا به.

    يقول تعالى: ( ﮩﮪ ) [النساء: ٦٤]18.

  5. الإيمان بالله واليوم الآخر.

    وكثيرًا ما قرن الله بين الإيمان به والإيمان باليوم الآخر في كتابه.

    يقول تعالى: ( ) [البقرة: ٦٢].

    وأن الله جامع الناس في ذلك اليوم؛ لتجزى كل نفس ما كسبت19.

    يقول تعالى: ( ﮞﮟ ) [الشورى: ٧].

  6. الإيمان بقضاء الله وقدره.

    وذلك بأن يؤمن أن الله تعالى 20:

    • علم الأشياء قبل حدوثها، قال تعالى: ( ﯲﯳ ﯸﯹ ﯿ ) [الأنعام: ٥٩].
    • وأنه كتب ذلك في اللوح المحفوظ، قال تعالى: ( ) [يس: ١٢]
    • وأنه أراد إيجاد مخلوقاته من العدم، قال تعالى: ( ) [يس: ٨٢].
    • وأنه هو الخالق البارئ لكل شيء، قال تعالى: ( ﮒﮓ ) [الزمر: ٦٢].

      ثانيًا: التشريع:

      والتشريع هو البناء الذي أقيم على أصول الإيمان، من العبادات، والمعاملات، والأقضية، والحدود، والسياسات، والأخلاق، والأحوال الشخصية، والحقوق وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله بفهم الصحابة رضي الله عنهم.

      والقرآن هو المصدر الأول في التشريع، والسنة هي المصدر الثاني للتشريع، ولم تستقل السنة بتقرير التشريع بمعزل عن القرآن؛ وذلك أن الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هو مما أوحي به إلينا في القرآن.

      يقول الله تعالى: ( ) [الأنفال:٢٠].

      كما أن القرآن لم يستقل عن السنة ببيان التشريع.

      يقول الله تعالى: ( ﮧﮨ ﮪﮫ ) [الحشر: ٧].

      وقال أيضًا: ( ﯿ) [الأحزاب: ٢١].

      وحتى لا تشتط الأهواء بالناس؛ جعل الله جل جلاله لفهم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة من تشرعات منضبطة بفهم الصحابة رضي الله عنهم، ومن سار على نهجهم وأصولهم وقواعدهم المستقرأة في تطبيقاتهم للدين في عهد النبي وبعد وفاته21.

      يقول جل جلاله: ( ﭿﮀ ) [النساء: ١١٥].

      والتشريع بذلك ينظم علاقة الإنسان مع غيره من خلال الآتي:

    1. العبادات.

      وهي عبارة عن علاقة الإنسان بربه، كالصلاة والزكاة والصوم والحج22.

      عن ابن عمر، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)23.

      وقد جاء القرآن آمرًا بهذه الأركان.

    2. المعاملات.

      التي اشتملت التعاقدات على جميع صور التعاقدات بين الناس، وبينت أحكامها، وأجازت ما كان قائمًا على العدل، ومنعت وجرمت ما يفضي إلى الخصومات والشقاق.

      قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٧٥].

    3. الأخلاق النفسية.

      بتنظيم سلوكه في الأطعمة والأشربة واللباس والزينة ونحوها24.

      قال الله جل جلاله: ( ﭼﭽ ﭿ ﮁﮂ ) [الأعراف: ٢٦].

    4. الأحوال الشخصية.

      ببيان الحقوق على كل فرد تجاه أفراد أسرته، من خلال الأمر بقوامة الآباء، ورعايتهم للزوجة والأبناء، والأم من حيث بيان حق الزوج، وبيان دورها في رعاية الأبناء، والأبناء بالأمر بالبر بالوالدين، والأرحام من جهة وجوب صلتهم25.

      قال الله تعالى: ( ) [التحريم: ٦].

    5. الأخلاق الاجتماعية.

      باحترام حقوق الآخرين، والحث على التراحم والتعاون، ودفع الأذى، والإحسان26.

      قال الله عز وجل: ( ﯰﯱ ﯶﯷ ﯹﯺ ) [المائدة: ٢].

    6. القضاء.

      من خلال فض النزاعات والخصومات التي تحدث بين المواطنين، سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، على حد سواء في إعطاء كل ذي حق حقه، أو دفع العدوان، أو رفع الظلم27.

      قال الله جل جلاله: ( ﭮﭯ ﭲﭳ ) [الأنعام: ١٥٢]

    7. السياسات.

      ببيان وجوب السمع والطاعة للحاكم، والنصح والإعانة له على الخير، وعدم الخروج عليه، والأمر للحاكم بالعدل والرأفة، وعلاقة المسلمين بغير المسلمين، سواء أكانوا داخل حدود دولة المسلمين، كالمعاهد والمستأمن والمستجير، أو خارجها، سواء أكانوا مسالمين أو محاربين28.

      قال الله تعالى: ( ﯾﯿ ﰍﰎ ) [النساء: ٥٩].

      ثالثًا: أخبار الأنبياء والأمم السابقة:

      لم يكن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بدعًا من الرسل، وكذلك لم تكن أمتنا أيضًا بدعًا من الأمم، بل سبقه رسل وأنبياء كثر، وكذلك سبقت هذه الأمة سابقات من الأمم، ولم تكن سيرة هذه الأمة مع نبيها صلى الله عليه وسلم بمنأى عن سير الأمم السالفة مع أنبيائها؛ لذلك كان في قصصهم عبر، وفي أخبارهم خطر، لا يستغني عن معرفتة ذوو البصائر والنظر، لذلك أورد الله تعالى من أخبارهم في كتابه ما فيه مواعظ ونذر، وقد كان منهج القرآن في إيراد القصص منهجًا ربانيًّا، ليس الغرض فيه من إيرادها التفكه بالحديث أو التلذذ والمسامرة29، بل كان مراده من عرضها:

      • التثبيت لقلب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، يقول الله جل جلاله: ( ﭸﭹ ﭿ ) [هود: ١٢٠].
      • إيقاظ وتنبيه من الغفلة، يقول الله تعالى: ( ) [يوسف: ٣].
      • إنذار بما حدث لمن لم يستجيبوا لرسلهم أن يصيب هذه الأمة ما أصابهم، يقول الله عز وجل: ( ) [فصلت: ١٣].
      • الاعتبار بأحوال من سبقها من الأمم، يقول تعالى: ( ﯱﯲ ﯿ ) [يوسف: ١١١].

        كما لم يكن أسلوب القرآن في إيراد قصص الأنبياء مع أممهم أسلوبًا سرديًا تفصيليًا يحوى التفاصيل الدقيقة للأحداث؛ مما يجعله مملًا، ومفضيًا إلى ضياع المعاني، كما في الكتب المحرفة، وإنما كان عرضه لها بذكر مواطن التفكر والاعتبار والانتفاع، وذلك على سبيل الإجمال- وهذا ما يغلب عليه- لا على سبيل التفصيل، إلا فيما دعت الحاجة إلى التفصيل فيه، ويحصل بدونه فوات معرفة أو ذهاب منفعة بالذكرى والعبرة.

        رابعًا: السنن الربانية:

        ربط الله جل جلاله بين سننه القدرية واستجابة العباد لأوامره الشرعية، يقول الله تعالى فيمن أنزل الله عليهم التوراة الإنجيل: ( ﭭﭮ ﭱﭲ ) [المائدة: ٦٦].

        يقول الله تعالى: ( ﯿ ) [الروم: ٤١].

        وقد ذكر الله عز وجل من هذه السنن في كتابه على وفق هذا الناموس الرباني مع سابق الأمم ما كان فيه النذير والتذكير، يقول الله تعالى: ( ) [آل عمران: ١٣٧].

        وهذا ما تمت الإشارة إليه في السابق، ومن أمثلة ذلك:

      • ما كان من شأن قوم نوح عليه السلام، يقول الله عز وجل: ( ﭿ ﮋﮌ ) [القمر: ٩ - ١٤].
      • ما حدث لقوم عاد وثمود، يقول الله تعالى في نبئهم: ( ) [الحاقة: ٤ - ٦].
      • حديث قوم لوط عليه السلام، يقول الله تعالى: ( ﭿ ﮁﮂ ) [القمر: ٣٣- ٣٤].
      • ما كان من فرعون، يقول الله عز وجل: ( ) [القمر: ٤١- ٤٢].
      • ما ذكره الله من شأن بني إسرائيل مطلع سورة الإسراء، يقول الله جل جلاله: ( ﮋﮌ ﮛﮜ ﮰﮱ ﯕﯖ ) [الإسراء: ٤ - ٧].

        وعلى العكس من ذلك، نجد أن الله تعالى يؤيد رسله وأتباعهم، ويغير لهم نواميس الكون، يقول الله عز وجل: ( ) [غافر: ٥١].

        ومن أمثلة ذلك:

      • نوح عليه السلام، يقول الله عز وجل: ( ﯓﯔ ) [الأعراف: ٦٤].
      • إبراهيم عليه السلام، يقول الله جل جلاله: ( ) [الأنبياء: ٦٨ - ٧٠].

        والقرآن مليء بمثل هذا، من بيان السنن الربانية القدرية المعلقة على استجابة العباد الشرعية وعدمها.

        مقامات الوحي

        عز الله سبحانه أن يراه أحد في الدنيا، وهذا ما قضاه تعالى، وكان لابد لعباده من معرفته ومعرفة ما يريده منهم، وما من طريقة تصلح لوصول مراده إليهم إلا منه، فقدر أن يكون ذلك بالوحي، وهذا الوحي له صور متعددة، بحسب الحكمة الإلهية، وقد كانت كما أخبر ربنا بواحدة من ثلاث حالات، بينها الله في قوله تعالى: ( ﯿ ﰋﰌ ) [الشورى: ٥١].

        ولها مقامات، فتكليم الله لعبده هو مقام أشرف من الوحي بواسطة، وبيان ذلك فيما يأتي:

        أولًا: التكليم من وراء حجاب:

        إن تكليم الله جل جلاله أحدًا من عباده لهو مقام شريف، ومنزلة عظيمة، يختص الله بها بعض رسله، يقول المولى عز وجل: ( ﭗﭘ ﭜﭝ ) [البقرة: ٢٥٣].

        وهي صفة لله على الحقيقة من غير تعرض لكيفيتها، أثبتها لنفسه مؤكدًا لذلك بالمصدر؛ حتى يدمغ قول من قال: إن الكلام هنا مجازي وليس على الحقيقة30، فقال جل جلاله: ( ﭷﭸ ) [النساء: ١٦٤].

        وفي إتيان الوحي بهذه الصورة ما يزيد من يقينهم، ويقوي من عزمهم، ويرفع من معنوياتهم، لذلك نجد أن ممن اختصهم الله تعالى بهذه المنزلة من كانت له مواقف شاقة ومتعبة مع أقوامهم، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، كما كان الحال مع موسى عليه السلام، فإن بني إسرائيل قد خالفوه كثيرًا، واختلفوا على ما جاءهم به، وتعنتوا معه في كثير من المسائل، من أمثلة ذلك قصة البقرة، واتخاذهم العجل من بعده، وملالهم من المن والسلوى، وطلب جعل الآلهة، وغير ذلك كثير.

        وقد أكرم الله عز وجل نبينا محمدًا بهذه المنزلة في مواطن نذكر منها حينما عرج به إلى السماء وفرض الله تعالى عليه عبادة الصلاة، وهذا فيما يكون في الحياة الدنيا قبل الموت، أما بعد الموت، فإن المؤمنين يتنعمون بتكليم الله لهم ورؤيتهم له، كما حدث مع الصحابي الشهيد عبد الله بن حرام رضي الله عنه.

        فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: (يا جابر، ما لي أراك منكسرًا؟) قلت: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالًا ودينًا. قال: (أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟) قال: بلى يا رسول الله. قال: (ما كلم الله أحدًا قط إلا من وراء حجابٍ، وأحيا أباك فكلمه كفاحًا. فقال: يا عبدي، تمن علي أعطك. قال: يا رب، تحييني فأقتل فيك ثانيةً. قال الرب عز وجل: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون) قال: وأنزلت هذه الآية: ( ) [آل عمران:١٦٩]31.

        ثانيًا: إرسال الرسول الملكي إلى الرسول البشري:

        والغالب من أحوال الوحي أن يأتي الرسول الملكي وهو جبريل إلى النبي، وهذا الذي ذكره الله جل جلاله في قوله: ( ) [الشورى: ٥١].

        وفي قوله: ( ) [النجم: ٣ - ٥].

        والدليل على أنه أكثر الوحي هو إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، حينما سئل عن الوحي كيف يأتيه، فقال صلى الله عليه وسلم: (أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول)32.

        فإجابة النبي صلى الله عليه وسلم على السؤال بهاتين الصورتين هو من باب التغليب لا من باب الحصر33.

        وهو بهذا يصف الطريقة التي يأتيه جبريل عليه السلام بها في الغالب، وإلا فإنه قد رآه على صورته الحقيقية، وأحيانًا كان يأتيه الوحي منامًا، وغيرها من الصور التي لم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث.

        ثالثًا: القذف في روع الرسول:

        والمقام الثالث من مقامات الوحي الذي كان يأتي الوحي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم هو ما جاء ذكره في قول الله تعالى: ( ﯿ ) [الشورى: ٥١].

        وهو إما أن يكون إلهامًا أو منامًا أو قذفًا في القلب34.

        وقد جاء عن أبي أمامة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصيةٍ فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته)35.

        والشاهد هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي)، وهو مقام قد يشارك فيه بعض الناس الأنبياء، ولايصح التعبير عنه بالوحي، ولا يجب العمل أو التشريع بمقتضاه إلا إن كان لنبي، أما إن كان لغير نبي؛ فإنه يستأنس به ولايستدل به.

        فمثاله من الرؤيا المنامية للأنبياء رؤيا إبراهيم عليه السلام في قول الله تعالى: ( ﯿ ﰇﰈ ﰍﰎ ) [الصافات: ١٠٢].

        فعبر عنها ولده إسماعيل عليه السلام بأنها أمر إلهي، ومثاله من رؤيا غيرهم من الناس رؤيا صاحبي يوسف عليه السلام في السجن في قول الله تعالى: ( ﯘﯙ ﯟﯠ ﯫﯬ ﯮﯯ ) [يوسف: ٣٦].

        ومنها أيضًا ما يراه الناس، ويبحثون عمن يعبره لهم، ولا يصح أن يتخذ من رؤيا الصالحين أو الشيوخ دليلًا على أمر شرعي أو حدث غيبي، كما يفعله كثير من الصوفية، ويزعمون أنه من جنس الكرامات.

        الموحى إليهم في القرآن

        تبين فيما سبق أن الوحي يتفاضل بين ثلاث مقامات، وهذا باعتبار الوحي إلى الأنبياء، أما إذا تغاير الوحي باعتبار الموحى إليهم؛ فإن جنسه يختلف باختلافهم، فلا يصح أن يذكر فيه تفاضل، فوحي الله إلى الأنبياء والرسل يختلف عن وحيه للملائكة، كما يختلف عن وحيه لأهل الإيمان، أيضًا يختلف عن وحيه لغير الأحياء، فكل وحي يختلف في حقيقته عن الآخر، وإن كان ثمة تداخل بين بعضها من حيث المراد. وبيان ذلك في النقاط الآتية:

        أولًا: الرسل والأنبياء:

        الوحي إلى الأنبياء والرسل هو الوحي الذي قال الله جل جلاله فيه: ( ﯿ ﰋﰌ ) [الشورى: ٥١].

        وهو المتضمن لبيان العقائد، والتشريع، وأخبار الغيب، والسنن الربانية.

        كما أن له مقامات ثلاث متفاضلة باعتبار تفاضل الرسل والأنبياء الذين أوحي إليهم به، أو الأحوال والتشريعات، وقد كان فيه الرسل والأنبياء واسطة في البيان والتبليغ بين الله وعباده بهذا الوحي، ومنه ما يكون قاصرًا علمه على الأنبياء فقط، فلم يكلفوا بتبليغه للناس، كالوحي المنزل على الخضر عليه السلام، وبعض ما لا تطيقه عقول الناس مما أوحي به إلى الرسل والأنبياء، فلقد أرى الله أنبياءه ورسله من الآيات ما يجعل اليقين عندهم كافيًا لأن يؤمنوا بما لا يستطيعه غيرهم، وهم بينهم في ذلك اختلاف، كالذي كان بين موسى عليه السلام والخضر عليه السلام، ومن التفاوت في قوة اليقين، فمنهم أولو العزم ومنهم من ليس كذلك، وإنما كان لهم هذا العزم بما قد خصهم الله به من العلم والإطلاع على الآيات ما لم يطلع عليه غيرهم.

        يقول الله تعالى: ( ﭗﭘ ﭜﭝ ) [البقرة: ٢٥٣].

        ثانيًا: الملائكة:

        وهو وحي ليس على سبيل التشريع والإخبار، وإنما على سبيل التكليف، فالملائكة مسخرون لطاعة أوامر الله تعالى، وليس لديهم خيار بين الاستجابة والرفض، فقد سخرهم الله جل جلاله لتلقي ما أمرهم بالقبول والانقياد من غير تردد، فمنه أمر الله لهم بالسجود لآدم، كما قال الله تعالى: ( ) [البقرة: ٣٤].

        فذكر الله تعالى بعد عدم استجابة إبليس للأمر الإلهي أنه من الجن؛ ليكون كالتعليل لعدم استجابته لما أمر به، وأنه ليس كالملائكة في ذلك، حيث إن الله عز وجل وصف الملائكة بأنهم لا يعصونه في أمر.

        يقول تعالى: ( ) [التحريم: ٦].

        وهو لا يأمرهم إلا بالوحي أو من وراء حجاب، على سبيل التكليف لا على سبيل التشريع.

        أما ما جاء من عرض الله عليهم إرادته لخلق آدم وما كان منهم من استفهام، كما جاء في قوله تعالى: ( ﭙﭚ ﭧﭨ ) [البقرة: ٣٠].

        فلم يكن هذا الاستفهام على سبيل الاعتراض36، وإنما كان من باب عدم رغبتهم في وجود من يعصي الله في الوجود، وقد ظهر هذا في قولهم: ( ).

        فهو من باب غيرتهم على مقام وحدانية الله تبارك وتعالى، ولذلك لم يوبخهم الله تعالى على ذلك، بل عرض آدم عليهم؛ ليبين لهم الحكمة من خلقه، لذلك لما تبين لهم هذا الأمر؛ اعترفوا لله بجهلهم، ومجدوه بالعلم والحكمة، وذلك في قوله تعالى: ( ﭿ ﮇﮈ ﮋﮌ) [البقرة: ٣١- ٣٢].

        فأكد لهم ما ظهر لهم من علمه وحكمته، وبين لهم أن هناك من العلم والحكمة أيضًا ما لم يظهر لهم، فقال: ( ﮑﮒ ) [البقرة: ٣٣].

        ومما أوحى الله به إلى الملائكة أمرهم بنصر المؤمنين وتثبيتهم، فقال جل جلاله: ( ﮋﮌ ﮒﮓ ) [الأنفال: ١٢].

        ومنه الأمر بحفظ بني آدم، قال تعالى: ( ﭬﭭ ) [الأنعام:٦١].

        ومنه الأمر بقبض الأرواح، قال جل جلاله: ( ) [الأنعام: ٦١].

        ولهم الكثير من الوظائف التي أوحى الله لهم بها، ليس المقام هنا مقام الوقوف عليها وحصرها، إنما هذه أمثلة عليها.

        ثالثًا: أهل الإيمان:

        إن الله تعالى كريم رحيم رؤوف بعباده لطيف بهم، ومن كمال لطفه جل جلاله أن يعلمهم بأمور قد يكون لها وقع خطير في حياتهم، ولكن كيف يكون هذا والواسطة بين الله وعباده منقطعة؟!

        إنه وحي من الله لهم ولكن من نوع آخر غير وحي النبوة، ومن هذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة بقوله: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات) قالوا: وما المبشرات؟ قال: (الرؤيا الصالحة)37.

        وليس معنى هذا أن الوحي قد انقطع بجميع صوره التي ورد ذكرها في القرآن، وإنما خص الرؤيا بالذكر؛ لأنها تكون لآحاد المسلمين بكثرة، وإلا فإن الإلهام يرد عليه، ويكون بعد النبوة، لكنه بحسبه منه ما يكون لخواص المسلمين38.

        وهو كالذي روى أبو هريرة رضي الله عنه فيه حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، فإن يك في أمتي أحدٌ فإنه عمر)39.

        فكان عمر رضي الله عنه ممن اختصهم الله تعالى بذلك، ومنه ما يكون عامًّا للمسلمين جميعًا، وذلك بإلهام الله لهم الإيمان برسله وأنبيائه وما جاؤوا به من الأخبار الغيبية والتكاليف الشرعية.

        وكان الإلهام الذي ذكر في الحديث فيما كان قبلنا من الأمم، ومنهم من ورد ذكره في القرآن، وهم ثلاثة:

      1. أم موسى عليه السلام: أوحى الله إليها بوحي من قبيل الإلهام، يقول الله عز وجل: ( ﭣﭤ ﭮﭯ ) [القصص: ٧]. يقول السمعاني: والوحي: هو الإعلام في خفية، فأكثر المفسرين على أن معنى قوله: ( ) هو إلهامها40، وكان ذلك وحيًا جاءها من الله؛ فقذف في قلبها، وليس بوحي نبوة41.
      2. مريم رضي الله عنها: فقد اصطفاها الله لأمر عظيم، واختصها به، وهو أن تحمل وتلد من غير بعل، معجزة منه تعالى لعبده ورسوله عيسى عليه السلام، وهذا أمر يصاحبه من الابتلاء بوقوع التهمة والفرية ما يترتب عليه هم وغم عظيمان، فأعلم الله جل جلاله مريم رضي الله عنها به وحيًا من غير نبوة، بأن أرسل لها جبريل عليه السلام، الذي ينزله الله عز وجل بالشرائع على الرسل والأنبياء؛ ليبلغوها للناس، وقد جاءها؛ ليخبرها هذا الخبر فحسب، ولينفذ المهمة التي كلف بها من نفخ الروح في درعها؛ لتدخل في جوفها وتستقر في رحمها؛ ويخلق الله جل جلاله منها عيسى عليه السلام 42، وليس على سبيل التكليف بالنبوة والرسالة، يقول الله تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ) [مريم: ١٦ - ١٩].
      3. الحواريين رضي الله عنهم: إنهم الذين كانوا مع نبي الله عيسى عليه السلام، فقد كانوا في شدة وبلاء وكرب من بني إسرائيل، كما هو حال أتباع الأنبياء، فقد كان بنو إسرائيل يفتنونهم فتنًا تزلزل الجبال الرواسي، كيف لا وهم أعداء الأنبياء وقتلتهم؟! يقول الله جل جلاله في سياق عد مننه ونعمه وآلائه على عبده عيسى عليه السلام: ( ) [المائدة: ١١١]. يقول السعدي: «واذكر نعمتي عليك إذ يسرت لك أتباعا وأعوانًا، فأوحيت إلى الحواريين، أي: ألهمتهم، وأوزعت قلوبهم الإيمان بي وبرسولي»43، وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، فقد قال بعضهم: إن المراد هنا أن الله عز وجل أوحى إليهم على لسان عيسى عليه السلام، أي: «أمرتهم بالوحي الذي جاءك من عند الله، فأجابوا لذلك وانقادوا»44، فالوحي من هذا القبيل على ألسنة الأنبياء والرسل إنما هو لعموم الناس، وليس للمتبعين فقط، ثم إن المنة بذلك تكون ضعيفة حين يتبعه اثنا عشر رجلًا وتخالفه الأمة بأسرها، لكن المنة تكمن في أن الأمة كلها مخالفة له، فألهم الله جل جلاله الحواريين أن يؤمنوا به؛ ففعلوا وانقادوا، فقرت بهم عين نبيه عليه السلام واستكانت لذلك نفسه.

        رابعًا: السموات والأرض:

        يوحي الله تعالى إلى مخلوقاته من ألوان الوحي بحسب ما يليق به من حيث: الطاقة، أو الكيفية، أو الوظيفة المناطة به، والمهام التي كلف بها، فوحيه للرسل يختلف عن وحيه للملائكة، وعن وحيه للمؤمنين، ومن باب أولى أن يختلف عن ذلك وحيه لغيرها من الكائنات غير الحية، كوحيه إلى السماوات، فإنه وحي يتناسب مع هذه المخلوقات.

        فوحيه للرسل يتضمن رسالة محتواها الأخبار الغيبية والتكاليف الشرعية التي لا صلاح للبشر إلا بها، وكان وحيه للملائكة متضمنًا أخبارًا وأوامر، لايستقيم لهم أن يقوموا بما خلقوا له من التكاليف إلا به، حيث إنهم كما قالوا عن أنفسهم فيما ذكره الله عز وجل عنهم: ( ﮇﮈ ﮋﮌ) [البقرة: ٣٢]، وكيف يتسنى لهم أن يعرفوا أوامر الله لهم من غير وحي يوحي الله جل جلاله لهم به؟!

        وكذلك الحال مع بني الإنسان، فإن الهداية لم تكن طوع أيديهم، وليس لهم أن يتناولوها بعقولهم، أو يكتسبوها بالتأمل؛ إن لم يكن ذلك مؤيدًا بتوفيق الله تبارك وتعالى، كما قال تعالى في كتابه: ( ﭿ ﮂﮃ ) [الكهف: ١٧].

        وكما قال عز وجل في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم: (يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم)45.

        وكذلك كان وحيه للسماوات يتناسب مع الطبيعة التي طبعت عليها والهيئة التي خلقت بها، فكان وحي الله -تبارك وتعالى- لها بأن تكون مسخرة، وذلك بقوانين ونواميس خاصة لا تصلح الحياة الدنيا إلا بها.

        يقول عز وجل: ( ﭚﭛ ﭠﭡ ) [فصلت: ١٢].

        فإذا أراد الله تعالى لها الخراب أوحى إليها وحيًا تتغير فيه تلك القوانين، وتتبدل النواميس حتى إن الإنسان الذي ألفها على تلك الحال التي كانت مستقيمة بقوانينها ونواميسها ليتساءل عما اعتراها من خلل، فيقول فيما أخبرنا الله عز وجل: ( ) [الزلزلة: ١ - ٥].

        فهي مسخرة لطاعة الله جل جلاله طوعًا، ولو لم يكن كذلك لسخرها كرهًا، يقول الله تعالى: ( ) [فصلت: ١١].

        فأطاعته ولانت وخضعت وأذعنت على عظمتها؛ لعلمها بأن الذي أمرها لا يتعاظمه شيء، جل جلاله وعز شأنه، غلب بسلطانه وقهر بجبروته، وأذهل بقدرته تعالى.

        خامسًا: النحل:

        إن المتأمل في حياة النحل وطريقة معيشتها ورحلاتها وصناعتها ليعلم أن ما تقوم به هذه المخلوقات ليست بالاكتساب ولا بالتعلم، وإنما هي الغريزة التي غرزها الله تعالى فيها، والإلهام الذي جعل من هذا الكائن الصغير ذلك الصانع القدير، فقد هيأ الله عز وجل فيها ولها من الأسباب والقوانين الطبيعية والكيميائية التي صارت صناعتها كالسجية، والمطلع على آليات العمل في خلية النحل ليبهره ما سيراه من نظام، ويسحره ما يشاهده من تعاون، ويأخذ لبه مايراه من التزام كل عامل بعمله الخاص به دون أدنى تدخل أو تطفل.

        ثم هي بعد شعوب وقبائل، فمنها شعوب قد سخرها الله للمعيشة في بيئة الجبال؛ فتتخذ من كهوفها وشقوقها البيوت، ومنها قبائل هيأها الله ليكون بيتها في الشجر، وطائفة أخيرة جعلها الله تأنس بما يصنعه الإنسان لها من بيوت، ويسر لها الأرزاق من كل الثمرات وأزهارها، حلوها ومرها؛ لتصنع بعد ذلك شرابًا شهيًا فيه شفاء للناس46.

        وفي هذا جاء قوله تعالى: ( ﮋﮌ ﮝﮞ ﮧﮨ ) [النحل:٦٨- ٦٩].

        ليكتمل بذلك للإنسان أنواع الأشربة التي يأخذها الناس، فمنه ما كان أصله المطر، وهو الماء، ومنها ما أصله الشجر وهو العصائر والخمور، ومنها ما أصله بطون الضأن والجمال والبقر، وكان العسل رابعها، الذي يأتي به من الكائنات الصغيرة، التي جعلت مثلًا للرأي الصحيح، في قول الشاعر47:

        لا تحقر الرأي يأتيك الحقير به

        فالنحل وهو ذبابٌ طائر العسل

        جعل الله جل جلاله العسل رزقًا لعباده في الدنيا الذي سيشربون منه في الآخرة، وقد جمع بين هذه الأشربة في كتابه في موضعين:

        الأول: في سورة النحل على أنها شراب لهم في الدنيا، فقال جل جلاله: ( ﭚﭛ ﭧﭨ ﭾﭿ ﮋﮌ ﮝﮞ ﮧﮨ ) [النحل: ٦٥ - ٦٩].

        والثاني: في سورة محمد صلى الله عليه وسلم على أنها شراب لهم في الجنة، بقوله عز وجل: ( ﮊﮋﮌ ﮠﮡ ) [محمد: ١٥].

        والأشربة الثلاثة الأولى يستخرجها الناس، ولهم في ذلك وسائل هيأها الله تعالى، أما الرابع فلا حيلة لهم يستخرجونه بها، إلا بأن يكون ذلك بالوحي الغريزي لهذا المخلوق الصغير الشرس، وهذا ما أوحى الله به للنحل، فكانت مسخرة له بأمره تعالى، وليس هذا المقام مقام التفصيل في التفريق بين هذه الأشربة وطرق استخراجها.

        التعامل مع الوحي

        إن ذكر الله تعالى لوحيه لهذه المخلوقات في كتابه الكريم جاء لأمر حكيم، ألا وهو بيان كيفية استجابة هذه المخلوقات التي أوحى الله عز وجل، من أنبياء ورسل كرام عليهم الصلاة والسلام، وملائكة عظام عليهم السلام، وسماوات وأراضٍ، وما فيهما من خطير الأجرام، وحتى الصغير الحقير من الهوام، كلها كان شأنها الامتثال لما أمرها الله جل جلاله به في وحيه إليها، شرعيًّا كان الوحي أو كونيًا، كلها خضعت وأذعنت واستجاب ولانت لأمر ربها.

        فحري بهذا المخلوق الذي سخر الله له هذه الكائنات أن يكون على سنتها وناموسها، مستجيبًا خاضعًا مذعنًا مستسلمًا منقادًا معظمًا لما جاءه من وحي ربه تبارك وتعالى، متدبرًا متعقلًا متفهمًا لما يتلوه منه، خائفًا مما فيه من تهديد ووعيد، راجيًا لما فيه من وعدٍ بالثواب والمزيد، سائرًا على هديه الرشيد، وذلك ينتظم أمورًا ثلاثة تمت الإشارة لها، وفيما يلي -بإذن الله تعالى- تفصيلها:

        أولًا: تلاوة الوحي:

        إن تعظيم ما جاء من عند الله جل جلاله آمرًا بتعميمه لهو من تمام عبادة العبد لربه تبارك وتعالى، وإن الله ما أمر بتعظيم شيء مثل ما أمر بتعظيم كلامه، الذي ما شرف شريف ولا عظم عظيم إلا به، وهو ما أوحى الله به؛ لتستقيم أمورهم، هذا لا يتيسر لهم إذا كانوا يقرءونه طربًا، أوينثرونه هذرًا، أو يهذونه شعرًا، بل كان لابد لهم من تلاوته وتدبره وتفهمه وتعقله، ولكي يتسنى لهم ذلك؛ كان لابد من مراعاة أمور قبل قراءته وأثناءها وبعدها، باستحضار ما يأتي:

      1. إن الله تعالى هو من تكلم بهذا القرآن، يقول الله تعالى: ( ﯲﯳ ) [التوبة: ٦].
      2. إن القرآن هو خطاب من الله لمن يقرؤه، يقول الله تعالى: ( ) [الأعراف: ٢٠٤].
      3. إن الله جل جلاله أخبرنا فيه بأمور:
        • ماضية للاعتبار، يقول الله تعالى: ( ﯱﯲ ﯿ ) [يوسف:١١١].
        • معاصرة للاستحضار، يقول الله تعالى: ( ﯿ ) [الروم: ٤١].
        • مستقبلة للتبشير والإنذار، يقول الله تعالى: ( ﮙﮚ ﮦﮧ ﯡﯢ ) [إبراهيم: ٤٧ - ٥٢].
      4. إن الله عز وجل أمرنا فيه بأوامر لامتثالها، ونهانا فيه عن نواهٍ لاجتنابها، يقول الله تعالى: ( ﯾﯿ ) [الطلاق: ٥].
      5. جمع القلب، واستحضار الذهن، والتدبر لما يقرؤه جيدًا، يقول الله تعالى: ( ) [الأعراف: ٢٠٤].
      6. إن صلاحنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة إنما بالقرآن والقيام بحقه، يقول الله تعالى: ( ﯥﯦ ) [الأنبياء: ١٠].
      7. أن نبتغي بقراءته الأجر والثواب من الله تبارك وتعالى، يقول الله تعالى: ( ﯿﰀ ) [فاطر: ٢٩- ٣٠].
      8. توطين النفس والعزم على تصديق أخبار القرآن، والاستجابة لما فيه من الأوامر والنواهي، يقول الله تعالى: ( ﭟﭠ ﭿ ﮃﮄ ) [المائدة: ٨٣ - ٨٥].

        وقد أفاض كثير من أهل العلم في كتابة ما ينبغي أن يكون عليه قارئ القرآن، مثل: التبيان في الأداب في حملة القرآن للنووي، فضائل القرآن للمقدسي، وغيرها.

        ثانيًا: التخويف بالوحي:

        النفس البشرية تركيب من مزيج من الشهوات الداعية إلى الجموح والعصيان والطغيان، فهي ترغب في فعل مايحلو لها من غير قيد أو ضابط، حتى وإن كان ذلك القيد أو الضابط ما وضع إلا لمصلحتها، وقالوا قديمًا: من أمن العقوبة أساء الأدب. لذلك كان من مقاصد الوحي الذي أنزله الله تعالى من أجلها التخويف بالوعيد والنذر، يقول الله عز وجل في كتابه عن هذا المقصد: ( ﭔﭕ ) [الأنبياء: ٤٥].

        وقال أيضًا: ( ) [الإسراء: ٥٩].

        وقد جاء التخويف بالوحي على صور مختلفة، منها:

      1. ذكر قصص الأمم التي عصت رسلها، وهذا قد كثر ذكره في القرآن الكريم حتى إن سورًا كاملة جاءت على هذا المنوال، أو كان أغلب السورة عليه، مثل سورة هود، الشعراء، القمر، الفجر، نوح، وغيرها.
      2. بيان أحوال العصاة والكفار في النار، يقول تعالى: ( ﮋﮌ ﮐﮑ ﮖﮗ ) [الزمر: ١٦].
      3. ذكر العقوبات على المعاصي، يقول تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ﮒﮓ ﮘﮙ ) [المائدة: ٣٣].
      4. التهديد على المعصية بانتقام الله من فاعلها، يقول تعالى: ( ﭵﭶ ) [آل عمران: ٤].
      5. بيان أن في المعصية تعدِّيًا لحدود الله، يقول تعالى: ( ) [النساء: ١٤].
      6. بيان أن فاعل المعصية مستحق لغضب الله، يقول تعالى: ( ﮋﮌ ) [النحل: ١٠٦].
      7. الجمع بين أكثر من عقوبة لفاعل المعصية، يقول تعالى: ( ) [النساء: ٩٣].
      8. وصف فعل المعصية أو فاعلها بالخسران، أو الفسق، أو الفجور، أو الكبر، أو الظلم، أو الكفر، وغيرها مما يعاب به العاصي في القرآن، يقول تعالى: ( ﯗﯘ ) [البقرة: ٢٧].
      9. بيان أن فعل المعصية اتباع للشيطان، يقول تعالى: ( ﯲﯳ ﯿ ) [البقرة: ١٦٨- ١٦٩].
      10. بيان أن فعل المعصية عداوة لله وأولياء الرحمن، يقول تعالى: ( ) [البقرة: ٩٨].
      11. إعلان الحرب على فاعل المعصية من الله، يقول تعالى: ( ﯛﯜ ) [البقرة: ٢٧٨- ٢٧٩].
      12. بيان أن المؤمنين يجتنبون المعاصي ولا يقتربون منها، يقول تعالى: ( ) [الفرقان: ٦٣]. إلى قوله: ( ﭡﭢ ) [الفرقان: ٦٨]. إلى قوله: ( ) [الفرقان: ٧٢-٧٣].

        ثالثًا: اتباع الوحي والاستمساك به:

        إن موقف الناس من الوحي بين أمرين: إما الاتباع، وإما الإعراض، أما أهل الإعراض فيحتاجون إلى وقفة معهم -وستأتي إن شاء الله عز وجل - ذلك أن أسباب الإعراض وسبله متعددة، وليس هو من باب التعامل المطلوب بيانه والدعوة إليه، بل المطلوب هو بيانه والتحذير منه، وأما الاتباع فهو مندرج تحت عنوان هذا القسم، وإن كان كلٌّ من الأمرين يحتاج إلى إفراده في بحث خاص كامل، فالناس جميعًا بين مستمسك بالوحي، أو معرض عنه، أو متمسك ببعضه ومعرض عن بعضه الآخر، والمستمسك به بين مجتهد في ذلك، وبين مقصر فيه، والذي أراده الله تعالى من عباده تجاه الوحي هو الاتباع والاستمساك به، ويظهر هذا من خلال كثير من الآيات التي دعا الله عز وجل العباد فيها إلى التمسك بما أنزله إليهم، وثناؤه على ما أنزله إليهم، وثناؤه على المستمسكين به، ووصفه لما أنزله عليهم بأفضل ما يوصف به منهج، وبيان فضله عليهم فيه، وبيان أثره في حياتهم وآخرتهم، وتفصيل ذلك كما يأتي:

      1. دعوة الله جل جلاله العباد للتمسك بالوحي.

        ومثال ذلك في الآتي:

        • إن أول ما يطالعنا في كتاب الله -تبارك وتعالى- سورة الفاتحة، التي قسمها الله تعالى بينه وبين عبده، فكان القسم الأول هو الثناء على الله بما هو أهله، والقسم الثاني هو الذي قال عز وجل فيه هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل، كما ثبت ذلك عن رب العزة في الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ( )، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ( )، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: ( )، قال: مجدني عبدي، وقال مرةً: فوض إلي عبدي، فإذا قال: ( )، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ( )، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)48، فهذا فيه دعوة للتمسك بالوحي، من خلال بيان أن ذلك هو نصيب العبد في أعظم سورة، والتي من أسمائها التوقيفية السبع المثاني، ومن أسمائها الاجتهادية الثناء، حيث إن فيها ثناء على الله جل جلاله بما هو أهله في أولها، بقوله تعالى: ( ) [الفاتحة: ٢ - ٤].
        • وثناء على العبد المتمسك بكتاب الله في آخرها، بقوله تعالى: ( ) [الفاتحة: ٦-٧].
        • فكون العبد متمسكًا بصراط الله؛ يجعله من الذين أنعم الله عليهم، ونفى الضلال عنهم، وإخراجهم من طائفة المغضوب عليهم، فهو ثناء عليهم من الله تبارك وتعالى49.
        • يأمر الله عز وجل عبده ونبيه صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: ( ﮮﮯ ) [الزخرف:٤٣].
        • وهذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه كذلك، وثناء عليه وعلى من اتبعه بكونهم على صراط مستقيم، ويؤكد ذلك عليهم بتوجيه الخطاب لهم مباشرة بقوله جل جلاله: ( ﭫﭬ ) [الأعراف: ٣].
      2. ثناء الله تعالى على ما أنزله إليهم.

        ومن أمثلة ذلك:

        • السورة الثانية بعد سورة الفاتحة جاء مطلعها بالثناء على كتاب الله تبارك وتعالى، يقول الله عز وجل: ( ﭖﭗ ﭘﭙ ) [البقرة: ٢]. حيث يثني الله جل جلاله على كتابه بأن فيه الهدى لمن أراد أن يتقي غضب الله وعقابه.
        • أثنى الله عز وجل على كتابه ببيان أنه يهدي لأعدل منهج في الحياة وأقوم الطرق في التعامل مع كل شيء، يقول الله تعالى: ( ) [الإسراء: ٩].
      3. بيان فضل الوحي عليهم.

        ومن أمثلة ذلك:

        • يمن الله عز وجل على المؤمنين بما أنعم عليهم به من الألفة والمحبة بعد العداوة والشقاق، يقول تعالى: ( ﭶﭷ ﭿ ﮋﮌﮍ ) [آل عمران:١٠٣].
        • فما هي النعمة التي أصبح بها المؤمنون عباد الله إخوانًا؟ إنها نعمة إنزال القرآن، وإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم بهديه النبوي في التعامل مع القرآن.
        • يقول الله جل جلاله: ( ﯙﯚ ) [الزخرف:٤٤].
        • يقول أهل البلاغة: إن أقوى مصراع من مصاريع الشعر بلاغة هو قول امرئ القيس50:

          قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل

          وهو مصراع51 قصيدته المعلقة، ذلك أنه مكون من ست كلمات، تضمنت ستة أمور، فقد وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الحبيب، وذكر المنزل، وجاءت هذه الآية -ومثلها كثير- لتثبت تهاوي كلام العرب أمام إعجاز القرآن البياني، فهي أيضًا من ست كلمات لكنها تضمنت أمورًا عديدة تفوقت بها على المصراع المذكور، وقد وقف المفسرون والبلاغيون منها على الآتي52:

        • المصراع جملة فعلية، والآية جملة اسمية؛ فهي أثبت وأدوم.
        • المصراع جملة طلبية، والآية جملة خبرية، فالأولى يحتمل وقوعها وعدمه، أما الآية فهي صادقة متحققة الوقوع؛ حيث إنها تحتمل الصدق والكذب، والثبوت والانتفاء، وهي من كلام الله جل جلاله فهي حتمًا صادقة.
        • ليس في المصراع ما يؤكده من الكلام، والآية مؤكدة بتأكيدات عديدة، فهي اسمية، وهو تأكيد لها، مبدوءة بالقسم المضمر، الممهد له بالواو، مؤكدة بإن، ومؤكدة باللام المزحلقة.
        • جاء بكلمة ذكر نكرة؛ ليتسع لجميع أنواع الذكر، ذكر القرب من الله، وذكر العقل بالرشاد، وذكر الشرف بين العباد بقوله تعالى: ( ).
        • فصل بين الذكر المتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم وبين الذكر المتعلق بقومه، وذلك أن الذكر له صلى الله عليه وسلم ثابت بهذا القرآن، بينما الذكر لقومه معلق على مدى استجابتهم له بقوله تعالى: ( ﯙﯚ).
        • وفيها تعريض بالمعرضين عنه، إذ حين يثني على المستجيب؛ يفهم من ذلك أن المعرض مذموم بعدم استحقاقه لهذا الثناء.
        • أشار إلى عاقبتهم على حسب استجابتهم لهذا الذكر، بقوله تعالى: ( )، فهي إشارة إلى إثبات اليوم الآخر، وبيان أن السؤال كائن للجميع، يسأل الرسول عن استجابة قومه له، ويسأل المرسل إليهم عن مدى استجابتهم له، والعمل به، وهو سؤال تقرير، ويسأل المعرضون سؤال توبيخ وتهديد وتقريع.
      4. بيان أثره في حياتهم وآخرتهم.

        وصف الله تعالى ما أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بالروح.

        يقول المولى جل جلاله: ( ﭖﭗ ﭧﭨ ) [الشورى:٥٢].

        وهو كذلك لمن اهتدى به، فقد كانوا قبل أن يوحي به الله عز وجل إليهم أموات القلوب، عمي الأبصار، صم الآذان عن الحق الذي خلقوا من أجله؛ فبعث الله به إليهم؛ فأحيا به قلوبًا ميتة، وفتح به أعينًا عميًا، وأسمع به آذانًا صمًا، ثم دعاهم تبارك وتعالى أن يثبتوا على الاستجابة له؛ لأنه به تكمل وتجمل حياتهم الإيمانية53.

        فقال تعالى: ( ﯤﯥ ) [الأنفال: ٢٤].

        وإن في هذه الآية تحذيرًا لهم من عقاب الله لهم إذا لم يستجيبوا، أن يعيد الموت إلى قلوبهم، فهم يعتقدون أنهم بما عرفوه من حقائق الإيمان فقط ودراستهم لها دراسة نظرية أنهم أحياء، ظانين أن العلم فقط، أو التحلي ببعض مظاهر الدين ينفعهم ولايضرهم معه مخالفة ما دعاهم الله جل جلاله إليه من الاستقامة على الإسلام كله.

        يقول تعالى: ( ﯘﯙ ) [البقرة: ٢٠٨].

        فإنها تبدأ بخطوات ثم تنتهي بالمهلكات الموبقات المبعدات عن رحمة الله عز وجل.

        موقف المعرضين من الوحي

        إن الإعراض عن وحي الله تبارك وتعالى هو حال أغلب الناس، ذلك لما يغلب عليهم من الأهواء والشهوات ودواعي الإعراض عن الوحي، وقد كانت صور إعراضهم عن الوحي ومظاهره مختلفة، بحسب اختلاف الدواعي لذلك؛ فكانت عاقبة إعراضهم عليهم وخيمة، ونتائجه أليمة، وبيان ذلك فيما يأتي:

        أولًا: دواعي الإعراض:

        إن دواعي الإعراض عن الوحي متعددة ومتنوعة، فهي ما يأتي الشيطان للعبد من خلالها فيدعوه لأن يعرض عما أنزله الله إليه، وهي صفات شارك إبليس كثير من الناس فيها، فهو إمامهم وقائدهم؛ وهم إضافة إلى ذلك عمي الأبصار، لا يرون أين يصار بهم، ومن هذه حاله فهو لا يرى السلامة إلا في كمال الانقياد والتسليم لمن أمسك بزمام الغل الذي في رقبته.

        يقول الله تعالى: ( ) [يس: ٨].

        فلا يقاوم خشية الاختناق، ولا يترك؛ فينتهي به مصيره إلى الضياع، وما هي إلا أوهام وخيالات، سببها الاستكبار الذي فيه اغترارهم وحرمانهم، والإعراض الذي أنساهم أنفسهم، والريبة التي في قلوبهم؛ فكانت سببًا لشقائهم وعنادهم الذي أورثهم الخسران المبين، وحب الرياسة الذي أطغاهم54؛ فعادوا بعده في الذل المهين؛ فهل أمثال هؤلاء سيعبؤون بالإنذار؟ فهي الموانع والقواطع التي منعتهم الهداية؛ لأنها أغلال وضعت في أعناقهم، وبيان هذه الدواعي فيما يأتي:

      1. الحسد.

        فهذا شقيهم أبو جهل، وما جاء من خبره فيما رواه الإمام البيهقي: «أن أبا جهل -عليه لعنة ربه- وأبا سفيان رضي الله عنه والأخنس بن شريق رضي الله عنه خرجوا ليلة؛ ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته، وأخذ كل رجل منهم مجلسًا؛ ليستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق؛ فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم؛ لأوقعتم في نفسه شيئًا.

        ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا.

        فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه؛ فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود. فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا.

        فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد. فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها، وأعرف ما يراد بها. فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به. ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء. فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه. فقام عنه الأخنس بن شريق»55.

        فما منع أبا جهل من الاهتداء بهدى النبي صلى الله عليه وسلم وتصديقه بالقول والعمل بعد أن صدقه بالقلب إلا الحسد، فقد شهد بنبوته، لكنه رفض كل الرفض اتباعه، والداعي لذلك التنافس في العلو في الدنيا، والعصبية العمياء، ووراء ذلك كله الحسد.

      2. اتباع دين الآباء والأجداد.

        ومشهد آخر مع من كان مدافعًا عنه صلى الله عليه وسلم، مع عمه أبي طالب لما حضرته الوفاة، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: (يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمةً أشهد لك بها عند الله). فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)، فأنزل الله تعالى فيه: ( ) [التوبة:١١٣]الآية56.

        والداعي الذي منع أبا طالب من الاستجابة لما دعاه إليه النبي صلى الله عليه وسلم رغم حبه الشديد لابن أخيه ومبادلة النبي صلى الله عليه وسلم له هذا الحب وهو يعلم اتباع دين الآباء والأجداد وتقديس عوائدهم، والهيبة من ذم الناس يعتبر من الدواعي المعيقة والمغلقة عليه طريق الهداية.

      3. العنصرية.

        مثال آخر وهو ما رواه أبو نعيم عن صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها أنها قالت: «كنت أحب ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه، قالت: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل فناء بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين، قالت: فلم يرجعا حتى كان مع غروب الشمس، قالت: فأتيا كالين، كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا، قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله، ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الهم، قالت: فسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي -حيي بن أخطب-: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت أبدًا»57.

        وهذا هو عين ما وصف الله تعالى به اليهود في قوله عز وجل: ( ) [المائدة: ٨٢].

        فكانت القومية والعرقية والعنصرية مانعة من الاتباع، فهم يرون أنهم أحق الناس بالنبوة، ولكنها فضل الله يؤتيه من يشاء سبحانه، وخسئوا هم وما منوا به أنفسهم.

      4. حب الرياسة.

        حادثة أخرى مع رأس النفاق، من حديث أسامة: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة يعوده من شكوٍ58 أصابه على حمار عليه ألحاف59 فوقه قطيفة، فركبه فخطمه60 بحبل من ليف، وأردفنى خلفه، فمر بعبد الله بن أبي وحوله رجال من قومه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تذمم أن يجاوزه حتى ينزل، فنزل فسلم ثم جلس فتلا القرآن، ودعا إلى الله وذكر به وحذر وبشر وأنذر، وعبد الله زام لا يتكلم، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا هذا، إنه لا أحسن من حديثك هذا إن كان حقًا، فاجلس في بيتك فمن جاءك فحدثه إياه، ومن لم يأتك فلا تغشه به ولا تأته في مجلسه بما يكره. قال: وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على سعد بن عبادة وفى وجهه ما قال عدو الله بن أبي، فقال: والله يا رسول الله، إني لأرى في وجهك شيئًا، لكأنك سمعت شيئًا تكرهه؟ قال: (أجل). ثم أخبره بما قال ابن أبي، فقال سعد: يا رسول الله، أرفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه، فإنه ليرى أن قد سلبته ملكًا61!!

        ومنها يظهر المانع والقاطع الذي حال دون إعلان صدق النبي من عبد الله بن أبي مع استعذابه لكلامه؛ إنه الرياسة وحب المنصب، أغلال بيد إبليس يقود بها أتباعه وأولياءه، ومن زاوية ما أثرت هذه الأغلال، فهي جعلت رقابهم مقمحة؛ ليبرز ما فيهم من الكبر الناتج عن وجود هذه الأغلال في أعناقهم، ومن زاوية حالهم في الآخرة، فهي صورة لحالهم وهم يسحبون بها في الآخرة، كما قال تعالى: ( ) [غافر: ٧١- ٧٢].

        فتقمح جراء ذلك الأغلال بأعناقهم ورؤوسهم من شدة السحب، فما أعظمه من أسلوب، وما أحكمه من منهاج في التنفير من تكذيب الرسل، لكن الحق أعقب ذكر حالهم في هذه الآيات بقوله: ( ﯗﯘ ) [يس: ١١]62.

        ثانيًا: عاقبة الإعراض:

        إن الإعراض عن الاهتداء بوحي الله جل جلاله هو أمر في حد ذاته غاية في الخسران وإن لم يترتب عليه العذاب الذي توعد الله عز وجل المعرضين به، فكيف إذا ترتب عليه العذاب الأليم الشديد المهين في الآخرة؟!

        ما هو حال المعرضين؟ إجابة هذا السؤال تظهر من خلال آيات ذكرها الله تعالى في كتابه، نستعرض بعضًا منها فيما يأتي:

      1. المعيشة الضنك في الحياة الدنيا.

        يقول الله جل جلاله: ( ) [طه: ١٢٤].

        ما هي المعيشة الضنك؟!

        قال الثعلبي: «كل مال أعطيته عبدًا من عبادي قل أو كثر لا يتقيني فيه فلا خير فيه، وهو الضنك في المعيشة، وإن قومًا ضلالًا أعرضوا عن الحق، وكانوا أولي سعة من الدنيا مكثرين؛ فكانت معيشتهم ضنكًا، وذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس بمخلف لهم معائشهم من سوء ظنهم بالله والتكذيب به، فإذا كان العبد يكذب بالله ويسيء الظن به اشتدت عليه معيشته، فذلك الضنك»63.

      2. حياة اليأس.

        يقول الله تعالى: ( ﯚﯛ ) [الإسراء: ٨٣].

        والمعنى: «إ( )، بأن وصل إلى مطلوبه () أي: اغتر وصار غافلًا عن طاعة الله، ( )أي: تباعد من أهل الحق ولم يقتد بهم؛ تعظمًا لنفسه كديدن المستكبرين، ( ) أي: أصابه بلاء؛ ( ) أي: قنوطًا من رحمة الله حزينًا، ولم يتفرغ لذكر الله تعالى»64.

      3. التعرض لانتقام الله عز وجل بسبب ما اقترفوا من الظلم.

        يقول الله جل جلاله: ( ﭣﭤ ) [السجدة: ٢٢].

        جاء الخبرعلى صورة الاستفهام؛ لتأكيد الكلام، وهكذا أخرج الحق سبحانه الخبر إلى الاستفهام وترك لنا الجواب؛ لنقول نحن: لا أحد أظلم ممن فعل ذلك،والإقرار سيد الأدلة، فالإعراض عن هدي الله تعالى،ليس هناك ما هو أشد ظلمًا منه، أي: ممن ذكره الله بآياته القرآنية ومعجزات رسله ثم أدبر عنها وهجرها وجحدها، كأنه لا يعرفها، لذا فإن الله سبحانه ينتقم أشد الانتقام من هؤلاء الكفار الذين كفروا بالله واقترفوا المنكرات والموبقات.

        إن القرآن الكريم هدى ورحمة، لما فيه من بيان سابق قبل المفاجأة بألوان العقاب أو العذاب في الآخرة، كما أوضحت هذه الآيات65.

      4. يأتي يوم القيامة أعمى يحمل ثقل ذنب الإعراض.

        يقول الله تعالى: ( ) [طه: ١٠٠].

        ويقول جل جلاله أيضًا: ( ) [طه: ١٢٤].

        وآتيناك من لدنا قرآنا فيه ذكر للرحمن، وذكرى وموعظة للإنسان، ومن أعرض عن القرآن وذكره وما فيه فإنه يحمل يوم القيامة حملا ثقيلا من الآثام والأوزار خالدين في عذابه، وبئس الحمل حملهم يوم القيامة، وهم فوق ذلك عمي الأبصار كما كانوا في الدنيا عمي البصائر 66.

        إذن هي ألوان مركبة من الشقاء في الدنيا والآخرة جراء إعراضهم عما أوحى ربهم جل جلاله به إليهم، نعوذ بالله من حالهم، ونسأله أن يحفظ علينا إقبالنا على كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٦/٩٣.

2 انظر: الصحاح، الجوهري، ٦/٢٥١٩، لسان العرب، ابن منظور، ١٥/٣٧٩، الكليات، الكفوي، ص٩١٨.

3 انظر: الصحاح، الجوهري، ٦/٢٥٢٠، المصباح المنير، الفيومي، ٢/٦٥٢، لسان العرب، ابن منظور، ١٥/٣٨٢.

4 مباحث في علوم القرآن، ص٢٨.

5 الدر المصون ٣/١٧٣.

6 مباحث في علوم القرآن، ص٢٩.

7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٧٤٦-٧٤٧.

8 انظر: نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٦٢١-٦٢٢.

9 انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده، ٨/٤١٧، تاج العروس، الزبيدي، ٣٥/٢٣٠، لسان العرب، ابن منظور، ١٣/٢٢٥.

10 انظر: السنة قبل التدوين، محمد عجاج ص١٦.

11 انظر: الكليات، الكفوي، ص ٤٧٦.

12 انظر: تفسير المراغي ٢٥/٢٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧١٧.

13 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإيمان والإسلام والإحسان، ١/٢٩، رقم ١.

14 انظر: الهداية الى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب، ٢/٩٧٦.

15 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي، ٣/١٧.

16 انظر: مراح لبيد، محمد بن عمر الجاوي، ٢/٢٧٥.

17 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي، ١/٦٥٩.

18 انظر: تفسير المراغي، ٢٥/٢٤.

19 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٦/٦.

20 انظر: شرح العقيدة الواسطية، سعيد القحطاني، ص ٤٧.

21 انظر: السنة ومكانتها، السباعي، ١/٣٧٩.

22 انظر: زاد المسير ابن الجوزي، ٢/١١٢.

23 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمسٍ، ١/١١، رقم ٨.

24 انظر: زاد المسير ٢/١١٢.

25 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي، ٣/٢٣.

26 انظر: المصدر السابق، ٣/٣٠.

27 انظر: المصدر السابق، ٣/٣٢.

28 انظر: المصدر السابق، ٣/٤٢.

29 انظر: منهجيات التغيير والإصلاح في سور يس، الصافات، إياد أبو سعدة، ص٢٤٦.

30 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي، ١/١٥٤.

31 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة آل عمرن، ٥/٢٣٠، رقم ٣٠١٠.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٤٩٠٥.

32 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء ،الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، ١/٦، رقم ٢.

33 انظر: فتح الباري، ابن حجر، ١/٢٠.

34 المحرر الوجيز، ابن عطية، ٥/٤٣.

35 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء، ١٠/٢٧.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤١٩، رقم ٢٠٨٥.

36 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي، ١/٩٣.

37 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب المبشرات، ٩/٣١، رقم ٦٩٩٠.

38 انظر: فتح الباري، ابن حجر، ١٢/٣٧٦.

39 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب عمر ابن الخطاب، ٥/١٢، رقم ٣٦٨٩.

40 انظر: تفسير القرآن، السمعاني، ٤/١٢٢.

41 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٩/٥١٩.

42 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٨/١٦٥، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٥/٢٦١.

43 تيسير الكريم الرحمن، ص٢٤٨.

44 معالم التنزيل، البغوي، ٣/١١٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٢٤٨.

45 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب تحريم الظلم، ٨/١٦، رقم٦٦٦٤.

46 انظر: التفسير البياني لما في سورة النحل من دقائق المعاني، سامي القدومي، ص١٣٧.

47 انظر: جواهر الأدب، الهاشمي، ٢/٤٣٢، من قصيدة لابن أبي بكر المقري المتوفى سنة ١٠٠١ هـ.

48 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، ٢/٩، رقم ٨٠٧.

49 انظر: تفسير القرآن الكريم، الفاتحة والبقرة، ابن عثيمين، ١/١٧.

50 وشطره الثاني يقول فيه: بسقط اللوى بين الدخول فحومل.

51 انظر: المصراع في الشعر هو أحد شقي البيت الذي يكون في أول القصيدة، بحيث يكون الشطر الثاني منه على قافية الشطر الأول فيه، ويكونا متماثلين، كمصراعي الباب الذي له ضلفتان متساويتان.

52 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٥/٢٢٠.

53 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري، ٤/٦٢٤.

54 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٧/١٦٠، التفسير المنير، الزحيلي، ٢٢/٢٩٢.

55 دلائل النبوة، البيهقي، جماع أبواب المبعث، باب اعتراف مشركي قريش بما في كتاب الله تعالى من الإعجاز، ٢/٢٠٦.

56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب إذا قال المشرك لا إله إلا الله، ٢/٩٥، رقم ١٣٦٠.

57 دلائل النبوة، أبو نعيم الأصبهاني، ص٧٧.

58 مرض، انظر: العين، الفراهيدي، ٥/٣٨٨.

59 غطاء، انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٩/٣١٤.

60 جعل على أنفه خطامًا، وهو حبل يربط على مقدم وجه الدابة وفكيها، ليمنعها من العض.

انظر:المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٢٤٥.

61 انظر: الاكتفاء، الكلاعي الحميري، ١/٣٠٩.

62 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٢/٨٤٣.

63 الكشف والبيان، ٦/٢٦٥.

64 انظر: مراح لبيد، محمد بن عمر الجاوي، ١/٦٣٥.

65 انظر: تفسير الشعراوي، ١٤/٨٩٤٣، التفسير الوسيط، الزحيلي، ٣/٢٠٤٨.

66 انظر: التفسير الواضح، الحجازي، ٢/٥٠٥.