عناصر الموضوع

التعريف بهود عليه السلام

ذكر هود عليه السلام في القرآن الكريم

حديث القرآن عن قصة هود

مظاهر انحراف قوم هود

معالم دعوة هود عليه السلام

موقف عاد من نبيهم ورده عليهم

عاقبة القوم ومصيرهم

هود عليه السلام

التعريف بهود عليه السلام

أولًا: اسمه ونسبه:

يقول الإمام الطبري رحمه الله معرفا بنسب هود عليه السلام بأنه هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح1.

وقال ابن قتيبة عن وهب: «هو هود بن عبدالله بن رياح بن حارث بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح»2.

ثم قال الطبري: «ومن أهل الأنساب من يزعم أن هودا هو عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح»3. وذكره ابن قتيبة على أنه هو المرجح عنده.

والقولان الأول والثاني أوجه من القول الثالث؛ لأن تسميته بما سماه به القرآن الكريم أولى، ولأن الثالث يدل على قرب عهد هود بنوح عليهما السلام، ومثل هذا الزمن القريب يستبعد فيه انتشار الوثنية وعودة الناس إلى الكفر إلى درجة أنهم نسوا ما كان عليه أسلافهم ولم يذكروا إلا أسلافا قد انغمسوا في الكفر، كما أن قبيلة عاد كانت على مستوى من التمكين الذي يقتضي كثرة العدد، ولا يظن أن تكون قد بلغت هذا المبلغ في هذه الفترة الزمنية القصيرة. كما أن هذا القول يخرج نسب هود عليه السلام من قوم عاد ويجعله لا يلتقي معهم إلا في سام بن نوح، والمعلوم أن أخا القوم منهم.

قال تعالى: ( ) [هود:٥٠].

أي: أخوهم في النسب لا في الدين، وأخو القوم واحد منهم، قال الرازي: «واعلم أنه تعالى وصف هودًا بأنه أخوهم ومعلومٌ أن تلك الأخوة ما كانت في الدين، وإنما كانت في النسب، لأن هودًا كان رجلًا من قبيلة عادٍ، وهذه القبيلة كانت قبيلةً من العرب ونظيره ما يقال للرجل: يا أخا تميمٍ ويا أخا سليمٍ، والمراد رجلٌ منهم»4.

لهذا فالأمر يدور بين القول الأول والثاني والاختلاف بينهما في اسم الجد الثاني هل اسمه الخلود أم الحارث، ولا يمكن الترجيح بينهما لعدم وثوق المصادر، ولكنهما يقتضيان رجوع نسب هود عليه السلام إلى عاد، وهذا النسب هو المشتهر عند المؤرخين والنسابين وليس عليه دليل قطعي، إلا أن المقطوع به أنه لا يخرج عن الانتساب إلى نوح عليه السلام الأب الثاني للبشرية لقوله تعالى: ( ) [الصافات:٧٧].

وكان هود عليه السلام رجلا آدم كثير الشعر حسن الوجه5.

وعاد قبيلة من قبائل العرب التي كانت معلومة للعرب قبل نزول القرآن، «وهي من العرب العاربة ومنهم عادٌ وثمود وطسمٌ وجديسٌ وأميمٌ وجرهمٌ والعماليق وأممٌ آخرون لا يعلمهم إلا الله كانوا قبل الخليل وولده إسماعيل عليهما الصلاة والسلام وفي زمانهم أيضًا»6.

وسميت عاد نسبة إلى جدها فهي تنتمي إلى عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح، وهي عاد الأولى7.وأما قبائل ثمود وطسمٌ وجديسٌ وأميمٌ وجرهمٌ والعماليق فتنتمي إلى لاوذ بن إرم بن سام بن نوح8، ومع أن هذه القبائل أقرب إلى نوح عليه السلام في سلسلة النسب إلا إن الإخباريين يقدمون عادا في الذكر، يعلل ذلك الدكتور جواد علي فيقول:« ولكن الإخباريين يقدمون عادًا على غيرهم، ويبدؤون بهم، وهم عندهم أقدم هذه الأقوام، ويضربون بهم المثل في القدم. ومثلهم في ذلك مثل إخباريي العبرانيين الذين عدوا العمالقة أول الشعوب. ولعل هذه النظرية تكونت عند الجاهليين من قدم عاد وثمود وشهرتهما، وتعزز ذلك من كثرة ورود اسم عاد وثمود في القرآن الكريم واقترانهما في سور عديدة، ولهذا صاروا إذا ذكروا «عادا» ذكروا «ثمودا» بعدها في الترتيب. لذا قدما على بقية الأقوام9.

وقد لفت الطبري النظر إلى عدم ذكر عاد عند أهل الكتاب إذ قال: «فأما أهل التوراة، فإنهم يزعمون أن لا ذكر لعاد ولا ثمود ولا لهود وصالح في التوراة، وأمرهم عند العرب في الشهرة في الجاهلية والإسلام كشهرة إبراهيم»، ثم قال:« ولولا كراهة إطالة الكتاب بما ليس من جنسه، لذكرت من شعر شعراء الجاهلية الذي قيل في عادٍ وثمود ما يعلم به صحة ذلك»10.

وقد استدل الإمام الرازي على أن أخبار العرب البائدة والأمم القريبة من بلاد العرب كانت مشهورة متداولة عند العرب، بقوله تعالى: ( ) [الفجر:٦]:أي:« ألم تعلم لأن ذلك مما لا يصح أن يراه الرسول وإنما أطلق لفظ الرؤية هاهنا على العلم لأن أخبار عاد وثمود وفرعون كانت منقولة بالتواتر! أما عاد وثمود فقد كانا في بلاد العرب وأما فرعون فقد كانوا يسمعونه من أهل الكتاب، وبلاد فرعون أيضًا متصلة بأرض العرب وخبر التواتر يفيد العلم الضروري، الذي يجري مجرى الرؤية في القوة والجلاء والبعد عن الشبهة، فلذلك قال:( ) بمعنى: ألم تعلم»11.

ومما يؤكد عدم علم أهل الكتاب بأخبار العرب «أن المسلمين حينما راجعوا اليهود يسألونهم عن عاد وأمثالهم، أخبروهم بعدم وجود ذكرهم في التوراة. والواقع أن التوراة لا علاقة لها فيهم؛ فأحاديث عاد وثمود وهود وصالح إنما هي أحاديث عربية، توارثوها وتحدث بها الجاهليون، وليس لها ذكر في كتب يهود، ولكن أهل الأخبار ربطوا مع ذلك بينها وبين التوراة، وأوجدوا لها صلةً ونسبًا12.«وكانت عاد ثلاث عشرة قبيلة، ينزلون الرمل، وبلادهم أخصب البلاد»13.

ثانيًا: مكانه وزمانه:

المكان والزمان حيزان ضروريان من لوازم الأحداث التي تجري في عالم الإنسان، لأن حياة الإنسان محكومة بالزمان والمكان، ولكن إظهار ذلك وذكره في القصة القرآنية يدور مع الغرض منه. وقد يبينه القرآن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

ولا سبيل إلى تحديد القرن الذي بعث فيه هود عليه السلام ولا الزمن الذي كانت به عاد تعمر الأرض، بلغة الأرقام لعجز المصادر التاريخية عن ذلك، وتجدد التواريخ الرقمية بين الأمم ونسبيتها، فكل أمة تؤرخ بحدث بارز في تاريخها، وأما مصادر أهل الكتاب مع عدم الثقة بها لما لحقها من التحريف والتبديل فإنها لم تتعرض للحديث عن الأمم التي لا صلة لهم بها، والمصدر الوحيد الذي يركن إليه فيما غمض من تاريخ البشرية هو القرآن الكريم، مع أنه ليس كتاب تاريخ يقصد إلى تأريخ الأحداث بقصد التأريخ فهو كتاب هداية وإرشاد.

ولكن ذلك لا يمنع أن يذكر الأحداث التي تهدف إلى الهداية والعبرة مقترنة بأزمنتها محددا لأوقاتها فهو تنزيل ممن يعلم السر وأخفى، والقرآن الكريم لا يلتزم طريقة محددة في ربط الأحداث بأزمنتها فقد يكون ذلك تصريحا أو تلميحا14، كأن يربط الأحداث برباط نسبي كما أخبرنا عن زمن قوم عاد بقوله على لسان هود عليه السلام: ( ) [الأعراف:٦٩].

وهذا التعبير يؤدي أغراضا منها؛ التذكير والعبرة15 ومنها التحديد الزماني من حيث أنهم جاءوا بعد قوم نوح أي: «فإنكم إنما جعلكم ربكم خلفاء في الأرض منهم، لما أهلكهم أبدلكم منهم فيها»16، ومن الطبيعي أن يكون ذلك بعد أجيال مضى أولها على الإيمان والصلاح من ذرية نوح عليه السلام ومن نجا معه في السفينة، ومضت أجيال حتى ذهبت معالم رسالة نوح عليه السلام وخلفهم خلوف ظهر فيهم الكفر وعبادة الأصنام، وجاءت أجيال لم يعرفوا إلا هذه الأصنام حتى قالوا: ( ) [الشعراء:١٣٧].

فلما درست معالم رسالة نوح عليه السلام واحتاجت البشرية إلى من يردها عن الضلال ويهديها إلى الله. وكانت عاد هي القوة المتمكنة ذات النفوذ والسلطان، التي استخلفت في الأرض بعد قوم نوح عليه السلام، عندها أرسل الله تعالى هودا عليه السلام في وسط هذه البيئة التي تمثل في عصرها قمة الحضارة المادية في الأرض.

والمكان كذلك من لوازم الحدث ولكن لا يلتزم القرآن ذكره «إلا إذا كان للمكان وضع خاص يؤثر في سير الحدث أو يبرز ملامحه أو يقيم شواهد العبرة والعظة منه»17.

أما مكان عاد فقد صرح القرآن به في قوله تعالى: ( ) [الأحقاف:٢١].

والأحقاف على قول ابن كثير: «جبال الرمل، وكانت باليمن بين عمان وحضرموت، بأرضٍ مطلةٍ على البحر يقال لها الشحر، واسم واديهم مغيثٌ»18.

وقال الحموي: «الأحقاف: جمع حقف من الرمل. والعرب تسمي الرمل المعوج حقافا وأحقافا، واحقوقف الهلال والرمل: إذا اعوج، فهذا هو الظاهر في لغتهم19 والأحقاف المذكور في الكتاب العزيز: واد بين عمان وأرض مهرة قال ابن إسحاق: الأحقاف رمل فيما بين عمان إلى حضرموت، وقال قتادة: الأحقاف رمال مشرفة على البحر بالشحر من أرض اليمن، وهذه ثلاثة أقوال غير مختلفة في المعنى»20.أي: أنها تلتقي بمعنى الرمل المعوج وإن اختلفت الأماكن.

وذهب كثير من المفسرين إلى أن () في قوله تعالى:( )[الفجر:٧]» اسم موضع، فقالوا: إرم مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن، وقال محمد بن كعب: هي الإسكندرية، وقال سعيد بن المسيب والمقري: هي دمشق، وكذا قال مالك بن أنس بلغني أنها دمشق رواه عنه ابن وهب. وهذان القولان ضعيفان. لدلالة المعنى اللغوي على أن الحقف: ما التوى من الرمل، وليس كذلك دمشق ولا الإسكندرية21.وإنما يستند أصحاب هذا القول إلى قوله تعالى:( ) الدال على وجود أعمدة، وما في كل من المدينتين من أعمدة أثرية، ولا أرى هذا كافيا لتحديد المكان لكثرة المدن الأثرية التي تكثر فيها الأعمدة. هذا مع احتمال أن تكون ذات العماد صفة ل إرم نفسها والمراد: ذات القدود الطوال على تشبيه قاماتهم بالأعمدة22، وأما أن تكون مدينة عظيمة كانت في اليمن ولا تزال آثارها موجودة في هذا الوقت فقريب من حيث موافقتها لمعنى الأحقاف وهو ما التوى من الرمل، وقد يكون بين عمان وحضرموت على ما هو المشهور عند المفسرين، ويتعزز ذلك إذا كانت لهم بقايا آثار من المباني التي كانوا يشيدونها على ما شرف من الأرض تدل على أماكن سكناهم وتكون آية على ما حل بهم لقوله تعالى: ( ) [العنكبوت:٣٨].

وعلى ما ذهب إليه أكثر المفسرين من أن () عطف بيانٍ لعادٍ23 فهو تسمية للقبيلة باسم جدها. ولا تعارض بين ذلك وبين أن تكون إرم اسما لمدينتهم على قول السدي: «إن إرم بيت مملكة عادٍ»24

فيكون التقدير:(أهل إرم)، أو أن تكون المدينة سميت باسم جدهم. أما المدينة التي يذكرها ابن الجوزي في زاد المسير25 فلا يعول على خبرها، إذ لو كان لها وجود على تلك الصفة لاشتهر أمرها وما خفي حالها، ولكانت معلما سياحيا يؤمه الناس من كل مكان26.

ولا بد أن تكون لهم بقايا من المعالم والآثار التي حل عليهم بها العذاب لتكون شاهدة على ما حل بهم كما دل على ذلك قوله تعالى: ( ) [العنكبوت:٣٨].

قال المفسرون: «يعنى ما وصفه من إهلاكهم من جهة مسكنهم إذا نظرتم إليها عند مروركم بها»27، وذلك لظهور آثار العذاب؛ «خرابها وخلاؤها منهم بوقائعنا بهم، وحلول سطوتنا بجميعهم»28، وكانت معلومة حيث «كان أهل مكة يمرون عليها في أسفارهم فيبصرونها»29، أي: أن لهم آثارا من المساكن والمباني التي تعد اليوم من المواقع الأثرية.

وذكر المؤرخون «عن «بطلميوس» أن قوم «عاد»، كانوا يسكنون في الأرضين الشمالية الغربية من جزيرة العرب في منطقة «حسمي»، أي: في أعالي الحجاز، وعلى مقربة من مناطق ثمود30، وقالوا: إن المكان الذي ورد عند «بطلميوس»، وهو «إرم»، أو «إرم ذات العماد». ويقال له الآن «رم» وقد أظهرت الحفريات التي قام بها «المعهد الفرنسي» في القدس، تأييد هذا الرأي؛ إذ ورد في الكتابات «النبطية» التي عثر عليها في خرائب معبد اكتشف في «رم» أن اسم الموضع هو «إرم». فيتضح من ذلك أن هذا الموضع حافظ على اسمه القديم، غير أنه صار يعرف أخيرًا بـ«رم» بدلا من «إرم».

وفي سنة ١٩٣٢ قام هورسفيلد من دائرة الآثار في المملكة الأردنية الهاشمية بحفريات في موضع جبل «رم»، ويقع على مسافة (٢٥) ميلا إلى الشرق من العقبة، ويقع المكان الذي بحث فيه عند وادٍ، وعلى مقربة منه «عين ماء»، ووجد في جانب الجبل آثارًا جاهلية قديمة. وقد حملت اكتشافاته هذه واكتشافات «سافينياك» واكتشافات كليدن على القول: إن هذا المكان هو موضع «إرم» الوارد ذكره في القرآن، والذي كان قد حل به الخراب قبل الإسلام، فلم يبق منه عند ظهور الإسلام غير عين ماء كان ينزل عليها التجار وأصحاب القوافل الذين يمرون بطريق الشام-مصر-الحجاز»31.

وهذا القول يتوافق مع ما نسبه بعض المفسرين إلى ابن عباسٍ والضحاك من القول بأن الأحقاف: جبلٌ بالشام32.

ولعل هذا القول هو الأقرب للواقع لأسباب منها التوافق في المعنى اللغوي فالجبال المجاورة لجبل رم رملية يصدق عليها معنى الأحقاف، ولقربها من ديار ثمود الذين اقترن ذكرهم بعاد في كثير من الآيات، ولذكر ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وناهيك به مرجعا، وللتوافق في الاسم مع المذكور في القرآن الكريم. كما أن مخالفة من يعتد برأيهم للقول الأول كابن عباس والإمام مالك وابن وهب ومحمد بن كعب يدل على عدم القطع به وإن اشتهر بين المفسرين، فمرد شهرته روايته عن ابن اسحق واشتهار كتبه لكونها في بداية عصر التدوين وتعويل من بعده عليها.

ذكر هود عليه السلام في القرآن الكريم

ورد ذكر هود عليه السلام في القرآن الكريم (٧) مرة، في (٣) سور.

وأما قصته عليه السلام فقد وردت في السور الآتية:

السورة

الآيات

الأعراف

٦٥-٧٢

هود

٥٠-٥٨

الشعراء

١٢٤-١٤٠

حديث القرآن عن قصة هود

لم يرد ذكره عليه السلام منفصلًا، بل بسياقات متصلة مع ذكر قومه، كان بعضها بإشارات سريعة، وبعضها بتفصيلات متفاوتة تختلف من سورة إلى سورة، يكمل بعضها بعضا، وبعضها بتعقيبات خاطفة تشير إلى نتائج وخلاصات أو اعتبار، وكل نجم منها جاء متلائما مع سورته متسقا في سياقه، وإليك بيان ذلك في النقاط الآتية:

أولًا: الآيات التي تحمل الإشارات:

أما الإشارات السريعة؛ وهي التي تعطي ملامح موجزة عن القوم وتمهد وتشوق للتفصيل عن أخبارهم، فكانت في سور الفجر والنجم و(ق) والفرقان والعنكبوت، ففي سورة الفجر يقول: ( ) [الفجر:٦-٨].

وفي سورة النجم قوله تعالى: ( ﭷﭸ ) [النجم:٥٠-٥٢].

وفي سورة (ق) قوله تعالى: ( ﯬﯭ ) [ق:١٢-١٤].

وفي سورة الفرقان قوله تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ﮕﮖ ) [الفرقان:٣٥-٣٩].

وفي سورة العنكبوت قوله تعالى: ( ﯣﯤ ) [العنكبوت:٣٨].

ثانيًا: الآيات التي تحمل التفصيلات:

وهي الآيات التي حملت لنا زخما من أخبار القوم، وجاءت تحمل الكثير من التفاصيل لأحداث القصة، وقد وردت في سور عديدة تعطي بمجموعها الصورة المتكاملة لقصة القوم، مع ملاحظة أن كل نجم من هذه الآيات ورد في سورته متناسبا مع موضوعها متوافقا مع سياقه، وهذه السور هي الأعراف، وهود، والشعراء، وفصلت، والأحقاف، وفي سورة المؤمنون على اختلاف اقوال المفسرين فيمن تتحدث عنهم كما سيأتي بيانه، كما وردت آيات تحمل التفصيل لنهاية القوم وصورة العذاب الذي حل بهم في سور الذاريات، والقمر والحاقة.

ففي سورة الأعراف قال تعالى: ( ﯞﯟ ﯨﯩ ﯿ ﭢﭣ ﭯﭰ ﭿ ﮀﮁ ﮑﮒ ﮞﮟ ﮯﮰ ) [الأعراف:٦٥-٧٢].

هذه السورة تعالج موضوع «العقيدة من حيث مساره التاريخي في الحياة البشرية كلها مبتدئة بالجنة والملأ الأعلى، وعائدة إلى النقطة التي انطلقت منها وفي هذا المدى المتطاول تعرض موكب الإيمان الكريم من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو يحمل هذه العقيدة ويمضي بها على مدار التاريخ. يواجه بها البشرية جيلا بعد جيل، وقبيلا بعد قبيل.

ويرسم سياق السورة في تتابعه: كيف استقبلت البشرية هذا الموكب وما معه من الهدى؟ كيف خاطبها هذا الموكب وكيف جاوبته؟ كيف وقف الملأ منها لهذا الموكب بالمرصاد وكيف تخطى هذا الموكب أرصادها ومضى في طريقه إلى الله؟ وكيف كانت عاقبة المكذبين وعاقبة المؤمنين في الدنيا وفي الآخرة»33.

وجاءت قصة هود عليه السلام مع قومه بعد الفراغ من ذكر قصة نوح عليه السلام مع قومه وما حل بهم من العذاب، ثم تبعتها قصة كل من صالح ولوط وشعيب عليهم السلام مع أقوامهم، مشكلة حلقة مهمة من الحلقات الكبرى في تاريخ البشرية مع أنبيائها كما وعد الله تعالى بإرسالهم آمرا بني آدم باتباعهم محذرا من مخالفتهم وعصيانهم بقوله تبارك وتعالى: ( ﯕﯖ ﯨﯩ ) [الأعراف:٣٥-٣٦].

وقد جاءت كل قصة منها باختصار، ليست فيها التفصيلات التي ترد في مواضع أخرى من القرآن في سياق يتطلب تلك التفصيلات، ذلك لأن الهدف هنا هو تصوير المعالم الأساسية لمسار العقيدة من حيث طريقة التبليغ، وطبيعة استقبال القوم لها، وموقفهم منها، وحقيقة مشاعر الرسول، وتحقق النذير وعاقبة كل فريق. وبهذا تكون القصة قد أدت غرضها ودورها في سورتها34.

وفي سورة الشعراء قال تعالى: ( ﯛﯜ ﯿ ﭜﭝ ﭡﭢ ) [الشعراء:١٢٣-١٤٠].

موضوع هذه السورة الرئيسي هو موضوع السور المكية جميعا؛ العقيدة ملخصة في عناصرها الأساسية: توحيد الله، والخوف من الآخرة، والنبوة، ثم التخويف من عاقبة التكذيب، إما بعذاب الدنيا الذي يدمر المكذبين وإما بعذاب الآخرة الذي ينتظر الكافرين.

ولكنها جاء بأسلوب متميز يحمل من اسمها نصيب؛ يتحدى الشعر والشعراء وما يجيش في النفوس من المشاعر والأحاسيس التي تحمل على الزهو والخيلاء، فإذا كان الشعر خفقة قلب وهمسة خاطر فإن الذي يتأمل هذه السورة الكريمة يجد لها من الخصائص التي تذكي المشاعر وترهف الاحساس ما لا يجده لعيون الشعر35.

وتهدف إلى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وتعزيته عن تكذيب المشركين له وللقرآن، وإلى طمأنة قلوب المؤمنين وتصبيرهم على ما يلقون من عنت المشركين وتثبيتهم على العقيدة مهما أوذوا في سبيلها من الظالمين كما ثبت من قبلهم من المؤمنين، ولكن بأسلوبها الذي يتجلى في نبراتها من أولها إلى آخرها في مجابهة الزهو والخيلاء والكبر وأسبابه عند المكذبين وما تبثه في نفوس المؤمنين من مشاعر رحمة الله بهم وعزة النصر على الكافرين والاعتزاز بالله العزيز الرحيم.

«وجسم السورة هو القصص الذي يشغل ثمانين ومائة آية من مجموع آيات السورة كلها. والسورة هي هذا القصص مع مقدمة وتعقيب. والقصص والمقدمة والتعقيب تؤلف وحدة متكاملة متجانسة، تعبر عن موضوع السورة وتبرزه في أساليب متنوعة، تلتقي عند هدف واحد ومن ثم تعرض من كل قصة الحلقة أو الحلقات التي تؤدي هذه الأغراض»36.

وحين تحدثت عن قوم عاد أبرزت ما كان عندهم من الزهو والخيلاء ومظاهر القوة والجبروت مع الترف والتمكين الحامل على التكبر والغرور والإعراض واللامبالاة، وكيف آل أمرهم إلى الهوان والذلة والهلاك بقوة عاتية لا طاقة لهم بمقاومتها أو الصمود أمامها.

وفي سورة هود قال تعالى: ( ﮯﮰ ﯚﯛ ﯥﯦ ﯬﯭ ﯿ ﭗﭘ ﭤﭥ ﭱﭲ ﭹﭺ ﭿ ﮈﮉ ﮐﮑ ﮩﮪ ﯝﯞ ﯣﯤ ) [هود:٥٠-٦٠].

نزلت هذه السورة في مرحلة اشتدت بها المحن على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين بعد وفاة أبي طالب فكانت من أحرج الفترات وأشقها في تاريخ الدعوة بمكة، حيث بلغت الذروة في تحدي قريش وتعديها فجاءت هذه السورة تعالج هذه الحال بتثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه على الحق وهذا ما صرحت به السورة في قوله تعالى: ( ﭸﭹ ﭿ ) [هود:١٢٠].

كما جاءت تسري عنه ما يساور قلبه من الوحشة والضيق والغربة في المجتمع الجاهلي. وذلك من خلال الحقائق التالية37:

استعراض السورة لحركة العقيدة الإسلامية في التاريخ البشري كله، من لدن نوح عليه السلام إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم وتقرير أنها قامت على حقائق أساسية واحدة: هي الدينونة لله وحده بلا شريك، والعبودية له وحده بلا منازع والتلقي في هذه الدينونة والعبودية عن رسل الله وحدهم على مدار التاريخ. مع الاعتقاد بأن الحياة الدنيا إنما هي دار ابتلاء لا دار جزاء وأن الجزاء إنما يكون في الآخرة وأن حرية الاختيار التي أعطاها الله للإنسان ليختار الهدى أو الضلال هي مناط هذا الابتلاء، ولا شك أن دعوة هود عليه السلام تشكل حلقة هامة من حلقات هذا التاريخ البشري، وجولة من جولات الإيمان في أعنف صور صراعه مع الكفر.

عرض مواقف الرسل-صلوات الله وسلامه عليهم-ومن بينهم هود عليه السلام وهم يتلقون أشد ما بلغت إليه صور الإعراض والتكذيب، والسخرية والاستهزاء، والتهديد والإيذاء، بالصبر والثقة واليقين بما معهم من الحق، وفي نصر الله نجاة المؤمنين، وقد عرضت هذه السورة لأشد ما لقيه هود عليه السلام من قومه حيث أنكروا البينات فقالوا:( ) وأعلنوا أشد صور الرفض والعناد والاصرار فقالوا:( )،بهذا الأسلوب القاطع، ولم يكتفوا باتهامه بالسفاهة كما في سورة الأعراف، بل زادوا فقالوا:( ) فأدخلوا الحوار إلى أعنف صور التحدي38.

توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودلالته إلى مفاصلة المكذبين من قومه كما فاصل الرسل الكرام أقوامهم على الحق الذي أرسلوا به والتسرية عنه بما أصاب إخوانه الكرام قبله، وبما أولاهم الله من رعايته ونصره وتوجيهه.

وفي سورة فصلت قال: ( ﭼﭽ ﭿ ﮕﮖ ﮠﮡ ﯓﯔ ﯗﯘ ) [فصلت:١٣-١٦].

وفي سورة الأحقاف قال تعالى: ( ﭿ ﮏﮐ ﮕﮖ ﮥﮦ ) [الأحقاف:٢١-٢٦].

هذه السورة تعالج قضية العقيدة قضية الإيمان بوحدانية الله وربوبيته المطلقة لهذا الوجود ومن فيه وما فيه. والإيمان بالوحي والرسالة وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول سبقته الرسل.

وتسلك السورة بهذه القضية إلى القلوب كل سبيل، وتوقع فيها على كل وتر، وتعرضها في مجالات شتى، مصحوبة بمؤثرات كونية ونفسية وتاريخية. كما أنها تجعلها قضية الوجود كله-لا قضية البشر وحدهم-فتذكر طرفا من قصة الجن مع هذا القرآن كذكرها لموقف بعض بني إسرائيل منه. وتقيم من الفطرة الصادقة شاهدا كما تقيم من بعض بني إسرائيل شاهدا سواء بسواء.

ثم هي تطوف بتلك القلوب في آفاق السماوات والأرض، وفي مشاهد القيامة في الآخرة. كما تطوف بهم في مصرع قوم هود وفي مصارع القرى حول مكة. وتجعل من السماوات والأرض كتابا ينطق بالحق كما ينطق هذا القرآن بالحق على السواء.

ويمضي سياق السورة في أربعة أشواط مترابطة، كأنها شوط واحد ذو أربعة مقاطع»39.

وتشكل قصة عاد الشوط الثالث من هذه السورة حيث يرجع مصرعهم عندما كذبوا بالنذير. ويعرض من القصة حلقة الريح العقيم، التي توقعوا فيها الري والحياة فإذا بها تحمل إليهم الهلاك والدمار، والعذاب الذي استعجلوا به وطلبوه.

«وهذا الشوط جولة في مجال آخر، يخدم القضية التي تعالجها السورة، وتأخذ القلب البشري من جانب غير الجوانب التي عالجها الشوطان الأولان جولة في مصرع عاد ومصارع غيرها وقد وقفوا من رسولهم وأخيهم هود عليه السلام موقف المشركين من رسولهم وأخيهم محمد صلى الله عليه وسلم واعترضوا اعتراضاتهم، وأجابهم نبيهم بما يليق به من أدب النبوة في حدود بشريته وحدود وظيفته. ثم أخذهم ما أخذهم من العذاب المدمر، حين لم يسمعوا النذير. فلم تغن عنهم قوتهم-وكانوا أقوى-ولم يغن عنهم ثراؤهم-وكانوا أغنى-ولم ينتفعوا بسمعهم وأبصارهم وأفئدتهم-وكانوا أذكياء-ولم تغن عنهم آلهتهم التي اتخذوها تقربا-بزعمهم-إلى الله»40.

وبعض السور انفردت بالحديث عن صورة العذاب التي حلت بعاد كما في سور القمر والذاريات والحاقة:

ففي سورة القمر قال تعالى: ( ) [القمر:١٨-٢٢].

وفي سورة الذاريات قال سبحانه: ( ) [الذاريات:٤١-٤٢].

هذه السورة التي حملت صورة تبديد الباطل أمام صولة الحق مهما بدا منتفخا وظهر منتفشا وطغى زبده وطال أمده، فاختصت هذه السورة بذكر الريح العقيم التي حلت بقوم عاد فلا تذر شيئا تأتي عليه إلا بددته وجعلته كالرميم41.

وفي سورة الحاقة: ( ﯿ ) [الحاقة:١-٨].

ومن الملاحظ أن بعض هذه السور تذكر عادا في أمر مشترك مع أمم وقبائل وأقوام، كما في سورة إبراهيم وغافر والحج وص والتوبة، وفي مواطن تذكر معها ثمود وحدها، كما في سورة فصلت والعنكبوت، وفي الحاقة ذكرتا معا، ثم فصلت كل منهما بتفصيل يخصها، ويجمع عادا وثمود أنهم من العرب البائدة، وأن ثمود جاءت بعد عاد، فهم خلفاء قوم عاد كما دل على ذلك القرآن، بقوله تعالى: ( ) [الأعراف:٧٤].

وفي سور أفردت عاد بالذكر وحدها في حكم يخصها، كما في سور الفجر والذاريات والحاقة.

هل الآيات في سورة المؤمنون تتحدث عن هود عليه السلام مع قومه؟

بعد الفراغ من الحديث عن قوم نوح عليه السلام في سورة (المؤمنون) قال الله تعالى: ( ﭿ ﮄﮅ ﯿ ﰄﰅ ) [المؤمنون:٣١-٤١].

لم تذكر هذه الآيات اسم النبي ولا القوم الذين أرسل فيهم، وهذا يحتمل ثلاثة أوجه؛

الأول: أنهم عاد ونبيهم هود عليه السلام وذلك لقوله تعالى: ( ) [الأعراف:٦٩].

وهؤلاء القوم جاءوا بعد قوم نوح عليه السلام، وفي مطلع هذه الآيات بعد الفراغ من الحديث عن قوم نوح يقول: ( )،كما احتجوا بمجيء قصة هود على أثر قصة نوح في الاعراف وهود والشعراء، ونسبه الزمخشري والرازي لابن عباس وهو قول أكثر المفسرين42.

الثاني: أنهم صالحٌ عليه السلام وثمود، لأن قومه الذين كذبوه هم الذين هلكوا بالصيحة، وأما عاد فأهلكوا بالريح، وهو قول الطبري، حيث يقول: «وعنى بالرسول في هذا الموضع: صالحًا، وبقومه: ثمود»43.وبه قال ابن جزي44، ورجحه ابن عاشور للأدلة المذكورة45 ولقوله: ( ﯿ) [المؤمنون:٤٠].

مع قوله في سورة الحجر: ( ) [الحجر:٨٣].

فكان هلاكهم في الصباح وللإجابة عن سؤال متوقع لماذا خصهم بالذكر دون عاد وهم الذين جاءوا بعد قوم نوح فقال:« ولعل تخصيصهم بالذكر هنا دون عادٍ خلافًا لما تكرر في غير هذه الآية لأن العبرة بحالهم أظهر لبقاء آثار ديارهم بالحجر كما قال تعالى: ( )[الصافات:١٣٧-١٣٨].

كما رجحه الشيخ السعدي فقال: «الظاهر أنهم « ثمود » قوم صالح عليه السلام، لأن هذه القصة تشبه قصتهم»46.

وفات هؤلاء العلماء عليهم رحمة الله ما وقع من التشابه في جزء من عقوبة كل من عاد وثمود وهي الصاعقة، لقوله تعالى: ( ) [فصلت:١٣]. مع انفراد كل بما اختصت به.

وذكر القرطبي القولين مع دليل كلٍ ثم قال: «وممن أخذ بالصيحة أيضًا أصحاب مدين قوم شعيبٍ، فلا يبعد أن يكونوا هم، والله أعلم»47.وذكر فريق من المفسرين القولين من غير ترجيح48.

الثالث: جائز أن يكونوا قوما آخرين غير عاد وثمود وذلك لعدم وجود دليل قطعي يرجح أحدهما على الآخر، ولدلالة القرآن على وجود أمم كثيرة لم تذكر أسماؤها في القرآن منتشرين على مر الزمان من لدن نوح عليه السلام إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: ( ﮑﮒ ﮕﮖ ﮚﮛ ) [إبراهيم:٩].

«قوله تعالى: ( ) نفى العلم بهم، وذلك يقتضي نفي العلم بذواتهم»49.

وقال:( ﭿ ) [الفرقان: ٣٧-٣٩].

«وفي قوله تعالى: ( ) إضافة للكثير من الأقوام الضالين، الذين احتواهم الزمن بين قوم نوح، وبين عاد وثمود وأصحاب الرس فهناك كثيرون من الرسل، قد بعثهم الله سبحانه وتعالى إلى أقوام عديدين، في تلك الحقبة، بين نوح، وبين عاد وثمود وأصحاب الرس وأن هؤلاء الأقوام لم يختلف موقفهم مع رسلهم، عن موقف عاد وثمود وأصحاب الرس، من رسلهم»50.

وقال: ( ) [غافر:٧٨].

حيث ترك ذكر أمم كثيرة لم يقص خبرها، وأمم لم يتتبع تفاصيل أحداثها، اكتفاء بما ذكر لتشابه المضامين والمقاصد في دعوات الرسل وتشابه المواقف في ردود أقوامهم ونهاياتهم.

وتتتبع هذه السورة بيان موقف الناس على مر الزمن من دعوة الرسل يقول سيد قطب رحمه الله: «ينتقل في هذا الدرس من دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق، إلى حقيقة الإيمان التي جاء بها الرسل جميعا ويبين كيف كان استقبال الناس لهذه الحقيقة الواحدة التي لا تتبدل على مدار الزمان، وتعدد الرسالات، وتتابع الرسل، من لدن نوح عليه السلام فإذا نحن نشهد موكب الرسل، أو أمة الرسل، وهم يلقون إلى البشرية بالكلمة الواحدة، ذات المدلول الواحد، والاتجاه الواحد، حتى ليوحد ترجمتها في العربية-وقد قيلت بشتى اللغات التي أرسل بها الرسل إلى أقوامهم-فإذا الكلمة التي قالها نوح عليه السلام هي ذاتها بنصها يقولها كل من جاء بعده من المرسلين، فتجيب البشرية جوابا واحدا، تكاد ألفاظه تتحد على مر القرون!51.

ثم يقول: «إن استعراض قصص الرسل في هذه السورة ليس للتقصي والتفصيل إنما هو لتقرير الكلمة الواحدة التي جاء بها الجميع، والاستقبال الواحد الذي لقوه من الجميع. ومن ثم بدأ بذكر نوح عليه السلام ليحدد نقطة البدء وانتهى بموسى وعيسى ليحدد النقطة الأخيرة قبل الرسالة الأخيرة. ولم يذكر الأسماء في وسط السلسلة الطويلة، كي يدل على تشابه حلقاتها بين البدء والنهاية. إنما ذكر الكلمة الواحدة في كل حلقة والاستقبال الواحد، لأن هذا هو المقصود»52.

ولشدة التشابه بين هذه الأمة وكل من عاد وثمود وقعت الحيرة عند المفسرين بأنها هذه أو هذه. ويميل الباحث إلى ترجيح القول الثالث؛ لأن القرآن لو أراد أن يحدد هذه الأمة على وجه التخصيص لنصب من العلامات ما يقطع ببيان هويتها لو كان الغرض من إيرادها لا يتحقق إلا بذلك، كما أن هذه القصة انفردت بالكشف عن منهج المترفين من دعوة الإصلاح، الذين لم يرد التصريح به في قصة كل من عاد وثمود.

ثالثًا: الآيات التي تحمل التعقيبات:

أما التعقيبات ففي سور إبراهيم، وص، والحج، والتوبة.

ففي سورة إبراهيم قال: ( ﭿ ﮑﮒ ﮕﮖ ﮚﮛ ) [إبراهيم:٨-٩].

حيث يحذر موسى عليه السلام قومه من تكذيب الرسل وما يترتب عليه من عواقب وخيمة، جاعلا ما حل بهذه الأقوام عبرة ومثلا.

وفي سورة التوبة قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ﮆﮇ ) [التوبة:٧٠].

حيث تعقب هذه الآية من السورة على موقف المنافقين، وتحمل الظالمين مسؤولية ظلمهم في عدم انتفاعهم بالرسل وبيناتهم، وكانت هذه السورة من أواخر السور المدنية نزولا وهي تتحدث في مقطع منها عن المنافقين وتكشف عما تنطوي عليه نفوسهم من الفسق والحرص على الدنيا والغفلة عن الله تعالى، فيفتنون عن مصدر القوة والنعمة الحقيقية، ويحرمون من الانتفاع بسيد الرسل وما جاء به من البينات القاطعة، فيعقب القرآن على موقفهم جاعلًا لهم عبرة فيمن سبق من الأمم.

فإن «هذه الطبيعة الفاسقة المنحرفة الضالة، ليست جديدة، ففي تاريخ البشرية لها نظائر وأمثال. ولقد حوى تاريخ البشرية من قبل هؤلاء نماذج كثيرة من هذا الطراز. ولقد لاقى السابقون مصائر تليق بفسوقهم عن الفطرة المستقيمة والطريق القويمة، بعد ما استمتعوا بنصيبهم المقدر لهم في هذه الأرض. وكانوا أشد قوة وأكثر أموالًا وأولادًا فلم يغن عنهم من ذلك كله شيء.

والقرآن يذكر القوم بما كان من أسلافهم، ويبصرهم بأنهم يسلكون طريقهم، ويحذرهم أن يلاقوا مصيرهم. لعلهم يهتدون ويلتفت السياق من خطابهم إلى خطاب عام، كأنما يعجب من هؤلاء الذين يسيرون في طريق الهالكين ولا يعتبرون»53.

وفي سورة الحج: ( ﮧﮨ ﮮﮯ ) [الحج:٤٢-٤٤].

حيث ذكرت مع مجموعة من الأمم التي كذبت الرسل في سياق التعقيب على موقف قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من تكذيب ومقاتلة وإخراج للمؤمنين من ديارهم فلم تفلح ووعده بالنصر والغلبة عليهم مسليا له ومعلما بسنة الله في المكذبين في إملائهم ثم أخذهم.

قال الإمام الرازي:« اعلم أنه تعالى لما بين فيما تقدم إخراج الكفار المؤمنين من ديارهم بغير حق، وأذن في مقاتلتهم وضمن للرسول والمؤمنين النصرة وبين أن لله عاقبة الأمور، أردفه بما يجري مجرى التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم في الصبر على ما هم عليه من أذيته وأذية المؤمنين بالتكذيب وغيره، فقال: وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم سائر الأمم أنبياءهم، وذكر الله سبعة منهم»54.

وفي سورة (ص) قوله تعالى: ( ﯳﯴ ﯿ) [ص:١٢-١٤].

مبينا التلازم المطرد بين تكذيب الرسل وتحقق العقاب من الله.

هذه هي السور التي تحدثت عن هود عليه السلام أو عنه وعن قومه، وكلها كما ترى سور مكية، وهو الغالب على قصص الأنبياء عليهم السلام باستثناء تعقيبين في سورة الحج التي جمعت بين المكي والمدني، والتوبة المدنية.

ولا يفوتنا أن نذكر ورود ذكر عاد في سورة غافر على لسان مؤمن آل فرعون محذرا قومه من عاقبة تكذيب المرسلين في قوله تعالى: ( ﯮﯯ ) [غافر:٣٠-٣١].

مظاهر انحراف قوم هود

تحدث القرآن الكريم عن مجموعة من مظاهر الانحراف في قوم هود عليه السلام، والتي منها:

أولًا: تقليد الآباء في عبادة الأصنام:

قال محمد بن إسحاق: «وكان من حديث عادٍ فيما بلغني والله أعلم أنهم كانوا قومًا عربًا، وكانوا أصحاب أوثانٍ يعبدونها من دون الله؛ صنمٌ يقال له: صداءٌ، وآخر يقال له: صمودٌ، وصنمٌ يقال له: الهباء، فبعث الله عز وجل لهم هودًا فأمرهم أن يوحدوا الله، ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن يكفوا، عن ظلم الناس »55.

وقال ابن كثير: «كانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، وكانت أصنامهم ثلاثة: صدا، وصمودا، وهرا»56.

فلما دعاهم هود عليه السلام إلى عبادة الله تعالى وحده أنكروا عليه أن يدعوهم إلى ما يخالف ما كان عليه آباؤهم وقالوا:«( ) أنكروا واستبعدوا اختصاص الله وحده بالعبادة، وترك دين الآباء في اتخاذ الأصنام شركاء معه، حبًا لما نشؤوا عليه، وإلفًا لما صادفوا آباءهم يتدينون به»57. ( ﭿ ﮀﮁ ) [الأعراف:٧٠].

«والمعنى: أجئتنا لأجل أن نعبد الله وحده ونترك ما كان يعبد آباؤنا معه من الأولياء والشفعاء فنحقرهم ونمتهنهم برميهم بالكفر، ونحقر أولياءنا شفعاءنا عند الله بترك التوجه إليهم عند التوجه إليه وهم الوسيلة، وهو المقصود بالدعاء والاستغاثة بهم التعظيم لصورهم وتماثيلهم وقبورهم والنذر لهم وذبح القرابين عندهم؟ وهل يقبل الله عبادتنا مع ذنوبنا إلا بهم ولأجلهم؟ استنكروا التوحيد، واحتجوا عليه بما أبطله الشرع والعقل من التقليد58.

ومما يؤكد اتباعهم للآباء في عقيدتهم قول هود عليه السلام: ( ﮞﮟ ) [الأعراف:٧١].

حيث نسب تسمية الآلهة التي يعبدونها لهم ولآبائهم. وهم من الأمم التي كذبت رسلها جمودا على تقليد الآباء، فلا يقبلون جديدا ولو كان أهدى مما كان عليه آباؤهم، معرضين عن كل حجة ولو كانت مثل وضح الشمس.

قال تعالى: ( ﭯﭰ ﭹﭺ ﭿ ) [الزخرف:٢٣-٢٥].

ثانيًا: الاغترار بالقوة والمال:

قال تعالى مخبرًا عن قول هود عليه السلام لقومه: ( ) [الشعراء:١٢٨-١٣١].

في هذه الآيات يكشف هودٌ عليه السلام عن الأحوال التي كان عليها قومه، منكرا عليهم صنيعهم لما فيها من مظاهر الفساد والعلو والإمعان في الغفلة، وهذه الأعمال وإن كانت في أصلها مشاريع نافعة، ولكن المنكر في تحويلها عن مسارها واستعمالها في غير غايتها وهي ثلاثةٌ:

فأولها قوله: ( ) الريعٍ: وهو المكان المرتفع، ومنه قوله كم ريع أرضك وهو ارتفاعها59.

«قال النحاس: ومعروف في اللغة أن يقال لما ارتفع من الأرض ريع وللطريق ريع»60.أو الفج بين جبلين. والآية: العلم، أو العلامة «وتطلق الآية على المصنوع المعجب لأنه يكون علامةً على إتقان صانعه أو عظمة صاحبه»61.

والمعنى يحتمل أربعة وجوه:

أحدها: الريع هو المكان المرتفع: عن ابن عباسٍ أنهم كانوا يبنون بكل ريع علما، أي: أنهم يبنون في كل مكان مرتفع مشرف بناء شامخا كالقصر ونحوه فيكون بارزا ظاهرا للسائرين أو للناظرين، ولما كانوا مبالغين في هذا الفعل لكثرته وفشوه فيهم كما يدل على ذلك لفظ: (كل)، وكانوا غير محتاجين إليه كان فعلهم عبثا لا طائل منه لا ينتفع به، فلا يقصد به إلا التفاخر والتعالي.

الثاني: الريع: الطريق، لذا ذهب فريق إلى أنهم كانون يبنون على كل الطرق الواقعة تحت سلطانهم بناء يتخذونه مرصدا للمارة يعبثون فيه بمن يمر في الطريق إلى هودٍ عليه السلام، أو يعبثون بمن يمر في الطريق عموما-وهو الأولى:فيسخرون منهم.

والثالث: أخذ من تغليب معنى: () وهي العلامة وحملوها على المعالم التي يهتدي بها السائرون فقالوا: إنهم كانوا ممن يهتدون بالنجوم في أسفارهم فاتخذوا في طريقهم أعلامًا طوالًا فكان ذلك عبثًا لأنهم كانوا مستغنين عنها بالنجوم62.

ذهب ابن عاشور أن هذه المعالم كانت في الأصل لغرض صحيح ثم تحولت عنه إلى العبث فقال: «فمن سابق أعمال عاد أنهم كانوا بنوا في طرق أسفارهم أعلاما ومنارات تدل على الطريق كيلا يضل السائرون في تلك الرمال المتنقلة التي لا تبقى فيها آثار السائرين واحتفروا وشيدوا مصانع للمياه وهي الصهاريج تجمع ماء المطر في الشتاء ليشرب منها المسافرون وينتفع بها الحاضرون في زمن قلة الأمطار، وبنوا حصونا وقصورا على أشراف من الأرض، وهذا من الأعمال النافعة في ذاتها لأن فيها حفظ الناس من الهلاك في الفيافي بضلال الطرق، ومن الهلكة عطشا إذا فقدوا الماء وقت الحاجة إليه، فمتى أريد بها رضى الله تعالى بنفع عبيده كانت جديرة بالثناء عاجلا والثواب آجلا »63.

ثم قال: «فأما إذا أهمل إرضاء الله تعالى بها واتخذت للرياء والغرور بالعظمة وكانوا معرضين عن التوحيد وعن عبادة الله انقلبت عظمة دنيوية محضة لا ينظر فيها إلى جانب النفع ولا تحث الناس على الاقتداء في تأسيس أمثالها وقصاراها التمدح بما وجدوه منها. فصار وجودها شبيها بالعبث لأنها خلت عن روح المقاصد الحسنة فلا عبرة عند الله بها لأن الله خلق هذا العالم ليكون مظهر عبادته وطاعته»64.

الرابع: بنوا بكل ريعٍ: بروج الحمام دليله: () أي: تلعبون، أي تبنون بكل مكانٍ مرتفعٍ آيةً علمًا تلعبون بها على معنى أبنية الحمام وبروجها65.

وإنما صار فعلهم هذا مذمومًا لدلالته إما على السرف، أو على الخيلاء. أقول: وتخصيص البناء ببروج الحمام أخذا من لفظ تعبثون تخصيص بلا مخصص فإن العبث لا يقتصر على اللعب بالحمام.

وثانيها: قوله:( ). «والمصانع: جمع مصنعٍ وأصله مفعلٌ مشتقٌ من صنع فهو مصدرٌ ميميٌ وصف به للمبالغة، و«الصنع: إجادة الفعل ويعبر عن الأمكنة الشريفة بالمصانع»66.

والمصنع ما يصنع لجمع الماء نحو البركة والصهريج والمصنعة بالهاء لغةٌ والجمع مصانع67. فقيل: «هو الجابية المحفورة في الأرض»68وقيل «المصانع مآخذ الماء، وقيل: مآخذ للماء ومجاري تحت الأرض أو برك الماء، وهذه المعاني كلها تتعلق بالماء جمعا وتخزينا وتوزيعا. وقيل القصور المشيدة والحصون المحكمة. ( ) ترجون الخلد في الدنيا أو يشبه حالكم حال من يخلد»69.

ويبدو كذلك من قوله:( ) إذا حملنا معنى مصانع على مدلولها اللغوي دون تخصيصها بما يتعلق بالمياه فإن عادا كانت قد بلغت من الحضارة الصناعية مبلغا يستحق أن يذكر حتى لتتخذ المصانع لنحت الجبال وبناء القصور، وتشييد العلامات على المرتفعات وحتى ليجول في خاطر القوم أن هذه المصانع وما ينشؤونه بوساطتها من البنيان كافية لحمايتهم من الموت، ووقايتهم من مؤثرات الجور ومن غارات الأعداء70.

وإنما صار هذا الفعل مذمومًا لدلالته على الأمل الطويل والغفلة التامة عن الآخرة مع الإقبال على الدنيا ونسيان أنها دار ممرٍ لا دار مقرٍ.

وثالثها: قوله: ( )، «البطش: التناول عند الصولة. والأخذ الشديد في كل شيء: بطش به»71. و«أصل الجبر: إصلاح الشيء بضرب من القهر، يقال: جبرته فانجبر واجتبر والإجبار في الأصل: حمل الغير على أن يجبر الآخر لكن تعورف في الإكراه المجرد والجبار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها، وهذا لا يقال إلا على طريق الذم، كقوله عز وجل: ( ) [إبراهيم:١٥].

وقوله تعالى: ( ) [مريم:٣٢].

وقوله عز وجل: ( ) [المائدة:٢٢].

وقوله عز وجل: ( ) [غافر:٣٥].

أي: متعال عن قبول الحق والإيمان له»72.

فهود عليه السلام يخاطب قومه في هذه الآية زاجرا لهم عن فعل مذموم في طريقة استعمال القوة التي تميزوا بها، قال الرازي:« بين أنهم مع ذلك السرف والحرص فإن معاملتهم مع غيرهم معاملة الجبارين، وهذا الوصف في العباد ذم وإن كان في وصف الله تعالى مدحا فكأن من يقدم على الغير لا على طريق الحق ولكن على طريق الاستعلاء يوصف بأن بطشه بطش جبار73. والمعنى: أنكم إذا بطشتم بآلة من آلات الضرب كسوط أو سيف كان ذلك ظلما وعلوا لا رحمة فيه، استجابة لأتفه دواعي الغضب. مع المبادرة والتعجيل دون إنظار ولا إمهال ولا تثبت في استحقاق المبطوش به، ولا تفكر في العواقب74. وذلك لفرط قوتهم واستهانتهم بالضعفاء من الخلق.

«وحاصل الأمر في هذه الأمور الثلاثة أن اتخاذ الأبنية العالية، يدل على حب العلو، واتخاذ المصانع يدل على حب البقاء، والجبارية تدل على حب التفرد بالعلو، فيرجع الحاصل إلى أنهم أحبوا العلو وبقاء العلو والتفرد بالعلو وهذه صفات الإلهية، وهي ممتنعة الحصول للعبد، فدل ذلك على أن حب الدنيا قد استولى عليهم بحيث استغرقوا فيه وخرجوا عن حد العبودية وحاموا حول ادعاء الربوبية، وكل ذلك ينبه على أن حب الدنيا رأس كل خطيئة وعنوان كل كفر ومعصية»75.

وهكذا يضع هود عليه السلام يده على العلل الجوهرية لفساد القوم وضرورة معالجتها.

معالم دعوة هود عليه السلام

جاءت دعوة هود عليه السلام واضحة المعالم، مكتملة الأصول والفروع، متناسبة مع حال قومه، تعالج واقعهم، وتحمل الدواء الكافي والملائم لعللهم ومظاهر فسادهم، كما كان هود عليه السلام متصفا بصفات تؤهله لمواجهة ما بلغه قومه من العتو والتكبر، وما هم عليه من قدرات عقلية جعلتهم على مستوى عال من القدرة على المناظرة والمحاجة، ولا شك أن الله تعالى أعده وأهله لهذه المهمة الخطيرة؛ فإن النبوة اصطفاء وإعداد رباني، من لوازمها الفطنة والذكاء، ولا يكلف الله تعالى إلا من اصطفاه وأعده ليكون على قدر الموقع الذي وضعه الله تعالى فيه.

قال تعالى: ( ) [الأنعام:١٢٤].

ويمكن أن نبين معالم دعوة هود عليه السلام وأصولها وفروعها وأسلوبه في الدعوة، وقدرته على أداء رسالته من خلال النقاط الآتية:

أولًا: الدعوة إلى الإيمان بالله وحده:

أرسل الله تعالى إلى عاد أخاهم هودا فهو واحد من أنفسهم! مطلع على واقعهم بصير بأعمالهم وابن بيئتهم ليفهموه، ويفهم منهم، فيكون أقدر على معالجة أحوالهم. فهم يعرفونه ويعرفون شمائله وأخلاقه، فيكون ذلك أدعى إلى تصديقه76.

وقد بنيت دعوته عليه السلام على أسس عقائدية ثلاثة هي التي قامت عليها جميع رسالات الأنبياء وهي:

  1. الدعوة إلى الإيمان بالله وعبادته وحده وترك كل ما ابتدعه الناس من آلهة باطلة.

    حمل هود عليه السلام لواء الدعوة إلى الله تعالى في زمانه، متوافقا مع الأساس الذي قامت عليه دعوة الأنبياء من قبله ومن بعده، كما قال تعالى: ( ) [الأنبياء:٢٥].

    ولقد كان هود عليه السلام علما من سلسلة الأنبياء الذين تعاقبوا في تاريخ البشرية داعين إلى الله، سبقه فريق منهم واستمرت قافلة الإيمان من بعده.

    قال تعالى: ( ) [الأحقاف:٢١].

    قال ابن الجوزي في تفسير هذه الآية: «قد مضت الرسل من قبل هود ومن بعده بإنذار أممها ألا تعبدوا إلا الله والمعنى: لم يبعث رسولٌ قبل هود ولا بعده إلا بالأمر بعبادة الله وحده»77.

    وعلى هذه الحقيقة قامت دعوة هود عليه السلام.

    قال تعالى: ( ﯞﯟ ﯨﯩ ) [الأعراف:٦٥]وقال: ( ﮯﮰ ﯚﯛ ) [هود:٥٠].

    وقال: ( ) [الأحقاف:٢١].

    وهي دعوة إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له مصحوبة بدليلها وبرهانها، فقوله ( ) جوهر الحقيقة التي هي مفتاح صلاح حالهم واستقامة أمرهم، ووقوفهم على الحق الذي ما سواه باطل وضلال، فإن العبادة لا تنبغي إلا له وحده، والبرهان على هذه الدعوى قوله: ( ) فهي الحقيقة الواضحة التي لا ينكرها عاقل، ولا تخفى على ذي لب؛، فهل في الوجود إله تفرد بكل خصائص الألوهية من خلق وإيجاد ورعاية وإمداد وتدبير للكون كله سمائه وأرضه غير الله؟ وهل من معبود يصلح أن يعبد سواه؟

    وهذه الدعوة مع برهانها تتضمن ترك كل ما يعبدون من آلهة مفتراة لا تحمل من مقومات الألوهية ومعانيها شيئا، وهي آلهة ظاهرة البطلان مخلوقة عاجزة، عابدها في ضلال مبين، متذلل لما لا يستحق التعظيم غافل عمن يستحقه. «( ): أفلا تخافون عقاب الله بعبادتكم شيئا دونه، وهو الإله الذي لا إله لكم سواه»78.

    قال الإمام الرازي: «اعلم أن هودا عليه السلام دعا قومه إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالدليل القاطع وذلك لأنه بين أن نعم الله عليهم كثيرة عظيمة وصريح العقل يدل على أنه ليس للأصنام شيء من النعم على الخلق لأنها جمادات والجماد لا قدرة له على شيء أصلا وظاهر أن العبادة نهاية التعظيم، ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام، وذلك يدل على أنه يجب عليهم أن يعبدوا الله وأن لا يعبدوا شيئا من الأصنام. ومقصود الله تعالى من ذكر أقسام إنعامه على العبيد هذه الحجة التي ذكرها ثم إن هودا عليه السلام لما ذكر هذه الحجة اليقينية لم يكن من القوم جواب عن هذه الحجة التي ذكرها إلا التمسك بطريقة التقليد فقالوا: ( ﭿ )[الأعراف:٧٠]»79.

    وقد تولى هود عليه السلام كشف ضلالهم وضلال آبائهم وفرط جهالتهم في اتخاذ آلهة ظاهرة البطلان، وأنها مجرد أسماء فارغة مجردة من أي من صفات الألوهية وخصائصها حين قال: ( ) [الأعراف:٧١].

    حيث أنكر عليهم مجادلتهم في آلهة ظاهرة البطلان تحمل أسماء اختلقوها هم وآباؤهم؛ «وذلك لأنهم كانوا يسمون الأصنام بالآلهة مع أن معنى الإلهية فيها معدومٌ، وهذا صنيع الكافرين حيث سموا واحدًا منها بالعزى مشتقًا من العز والله ما أعطاه عزًا أصلًا، وسموا آخر منها باللات وليس له من الإلهية شيءٌ»80.

    وقال ابن جزي:« أتجادلونني في أسماءٍ سميتموها يعني الأصنام: أي تجادلونني في عبادة مسميات أسماء، ففي الكلام حذف، وأراد بقوله: سميتموها أنتم وآباؤكم جعلتم لها أسماء، فدل ذلك على أنها محدثة، فلا يصح أن تكون آلهة، أو سميتموها آلهة من غير دليل على أنها آلهة، فقولكم باطل. فالجدال على القول الأول في عبادتها، وعلى القول الثاني في تسميتها آلهة»81.

    «وقوله:( ) عبارةٌ عن خلو مذاهبهم عن الحجة والبينة»82.

    وقد جعل هود عليه السلام الدعوة إلى عبادة الله تعالى وحده منطلقا إلى عناصر العقيدة، وركيزة إلى منهج الحياة.

    فمرة ربط الدعوة إلى عبادة الله تعالى وحده بالتقوى التي يراد بها الاستقامة على أمر الله بطاعته وطلب رضوانه، والحذر من معصيته المفضية إلى التعرض لغضبه وعقابه، فقال: ( ﯞﯟ ﯨﯩ ) [الأعراف:٦٥].

    وقال: ( ﭿ ﮄﮅ ) [المؤمنون:٣٢].

    ومرة أخرى قرنها بالتحذير من الكذب وجعلها مدخلا للزجر عن الافتراء الذي تقوم عليه حياتهم ومعتقدهم، وهو ادعاء ما لا علم لهم به، ولا دليل عليه مما هو ظاهر بطلانه ومخالفته للحق فقال: ( ﮯﮰ ﯚﯛ ) [هود:٥٠].

    قال الرازي في تفسير هذه الآية: «يعني: أنكم كاذبون في قولكم: إن هذه الأصنام تحسن عبادتها، أو في قولكم: إنها تستحق العبادة، وكيف لا يكون هذا كذبا وافتراء وهي جمادات لا حس لها ولا إدراك، والإنسان هو الذي ركبها وصورها فكيف يليق بالإنسان الذي صنعها أن يعبدها وأن يضع الجبهة على التراب تعظيما لها»83.

    ومرة أخرى جعله مدخلا للدعوة إلى الإيمان باليوم الآخر والتحذير من عواقبه، فقال: ( ) [الأحقاف:٢١].

    وجعلها كذلك المستند لإدراك مفهوم النبوة وقيمتها وفضلها وأهميتها في اعتمادها الطريق الوحيد للفوز برضوان الله فلا سبيل للنجاة إلا بطاعة نبيهم، فهو دليلهم الهادي إلى ما ينجيهم من سخط الله ويوصلهم إلى أبواب رضوانه ورحمته وهي الأساس الثاني من الأسس العقدية لدعوة هود عليه السلام، حيث قال: ( ) [الشعراء: ١٢٥-١٢٦].

    وهكذا يبرز هود عليه السلام أن عقيدة التوحيد هي الأساس الذي يبنى عليه كل صلاح.

  2. الإيمان بالنبوة ولوازمها.

    لقد أرسل الله تعالى هودا رسولا إلى قومه كما أخبر عن ذلك في آيات عديدة منها تصريحا باسمه كما في سورتي الأعراف وهود، حيث قال: ( ) [الأعراف:٦٥].

    عطفا على قوله: ( ) [الأعراف:٥٩].

    أي: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا، وقال: ( ) [هود:٥٠]عطفا على قوله: ( ) [هود:٢٥].

    ومنها بصفته من حيث صلته مع قومه كما في الأحقاف حيث قال: ( ) [الأحقاف:٢١].

    وذكره في عداد الرسل كما في سورة فصلت، حيث قال: ( ) [فصلت:١٣-١٤].

    وجعل هود عليه السلام الدعوة إلى النبوة والرسالة ومقتضياتها من العناصر الأساسية في دعوته لقومه كما هي في دعوة كل نبي إعلانا للحقيقة التي اختاره الله تعالى لها، ولا بد من إعلامهم بهذه الحقيقة بصراحة ووضوح مع إقامة الحجة وإظهار البينة حتى يقع الإلزام بالاستجابة إليه وطاعته فيما يأمر وينهى، فما هو إلا مبلغ عن الله تعالى. وقد جاءت هذه الحقيقة واضحة في آيات عديدة، منها قوله تعالى: ( ﯛﯜ ) [الشعراء:١٢٤-١٢٧].

    وفي موضع الرد على تسفيههم له يقول: ( ) [الأعراف:٦٧-٦٩].

    وقد تضمنت هذه الآيات عدة أمور تتعلق بالرسالة والرسول؛ من حيث حقيقتها ودليلها وصفات الرسول والرد على شبهات القوم حولها.

    فحقيقتها أنه رسول من رب العالمين، أي: الله أرسلني فأتلقى الوحي والعلم منه، فأنا أبلغكم رسالات ربي، وأؤديها إليكم كما أمرني أن أؤديها. وجاءت في سياق الرد على وصفهم له بالسفه فقال:( ) استدراكٌ مما قبله باعتبار ما يستلزمه من كونه في الغاية القصوى من الرشد والأناة والصدق والأمانة، فإن الرسالة من جهة رب العالمين موجبةٌ لذلك حتمًا؛ كأنه قيل ليس بي شيء مما نسبتموني إليه ولكني في غاية ما يكون من الرشد والصدق84( )وما علي إلا أن أبلغكم على أتم وجه رسالات ربي التي أوحاها إلي لما فيها من سوق الخير إليكم ودفع الشر عنكم.

    «وتخصيص ربوبيته تعالى له عليه السلام بعد بيان عمومها للعالمين للإشعار بعلة الحكم الذي هو تبليغ رسالته تعالى إليهم فإن ربوبيته تعالى له من موجبات امتثاله بأمره تعالى بتبليغ رسالته»85.

    «وجمع الرسالات مع أن رسالة الأنبياء واحدة رعاية لاختلاف أوقاتها، أو تنوع المعاني التي فيها، أو باعتبار حاملها، أي: أنه أراد رسالته ورسالة غيره ممن قبله من الأنبياء كإدريس وشيث عليهما السلام»86.

    ( ) «قال الأصمعي: الناصح: الخالص من العسل وغيره، وكل شيءٍ خلص فقد نصح»87.

    فمعنى: ( ) أي: أخلص النية لكم عن شوائب الفساد. وذلك أني أتحرى ما فيه صلاحكم بناء على أن النصح تحري ذلك قولا أو فعلا، وقيل: هو تعريف وجه المصلحة مع خلوص النية من شوائب المكروه، والمعنى هنا: أبلغكم أوامر الله تعالى ونواهيه بصدق وأمانة لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدل، بل أبلغ ما أمرت كما أمرت»88. وأرغبكم في قبولها وأحذركم عقابه إن عصيتموه89.

    وعبر عنها بصيغة اسم الفاعل وذلك؛ «أن القوم رموه بالسفاهة وهي من صفات النفس وصفات النفس ثابتة، يتولد عنها الخفة، والعجلة المذمومتين، وهي ضد الحلم، وهو معنى ثابت، يتولد عنه الأناة المحمودة، فأجابهم بصيغة الاسم الدال على ثبات النصح والاستمرار فيه»90.

    وجيء باللام هنا في: ()لإفادة أنهم مخصوصون بالنصيحة، فالنصح لهم وليس لغيرهم؛ بمعنى: أن نفعه يعود عليهم لا عليه عليه السلام وهذا مبني على أن اللام للاختصاص لا زائدة91.

    واحتج على صدقه في رسالته بتجرده وقطع طمعه عن مكاسب الدنيا أو منازعتهم ومنافستهم على ما في أيديهم من متاعها، فقال: ( ﯥﯦ ﯬﯭ ) [هود:٥١].

    ما من رسول إلا كانت غايته نزيهة سامية نبيلة، وكثير منهم واجه قومه بهذا القول، لأن شأنهم النصيحة، والنصيحة لا يمحصها ولا يمحضها إلا حسم المطامع، وما دام يتوهم شيء منها لم تنجع ولم تنفع، كما أن الدعوة إلى الله تعالى إذا كانت مطهرةً عن دنس الطمع، قوي تأثيرها في القلب.

    ثم وجه إليهم سؤالا إنكاريا بقوله: ( )،داعيا إياهم إلى استعمال عقولهم لمعرفة المحق من المبطل والمصيب من المخطئ92. محذرًا من رد نصيحة من لا يطلب عليها أجرًا إلا من الله، وهو ثواب الآخرة، ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك93.

    ثم دخل إلى إعماق نفوسهم ببراعة فائقة ليطارد فيها أسباب التكذيب والإعراض عن دعوته، كاشفا أن ذلك لا يقوم على مستند أو دليل تقوم به الحجة وإنما هو مجرد الاستبعاد والاستغراب الذي سرعان ما يتبدد أمام الفكر الحر والتدبر السليم لمن كان عاقلا فقال: ( ) [الأعراف:٦٩].

    أي: « استبعدتم وعجبتم أو أكذبتم وعجبتم أو أنكرتم وعجبتم ( ) أي: وحي وموعظة على رجل منكم أي: على لسان رجل منكم تعرفونه، ولم يكن ذلك على لسان من لا تعرفونه أو لا تعرفون لغته، وقيل: () بمعنى: مع، أي: مع رجل منكم لأجل أن ينذركم به () ما يخالفه ( ) بسبب ما يفيده الإنذار لكم والتقوى منكم من التعرض لرحمة الله سبحانه لكم ورضوانه عنكم»94.أو على رجلٍ منكم أي: من جملتكم، أو من جنسكم وكانوا يتعجبون من إرسال البشر ويقولون: ( ) [المؤمنون:٢٤]»95.

    وهكذا جعل هود عليه السلام الدعوة إلى النبوة وإقامة البرهان على ثبوتها هي الخطوة الثانية للإصلاح.

  3. الإيمان باليوم الآخر.

    الإيمان باليوم الآخر وما يترتب على ذلك من حسن الاستعداد له بالعمل الصالح واستثمار الحياة الدنيا فيما يحقق حسن الاستخلاف الذي ابتلي به الإنسان في دار البلاء وأنه سيحاسب على أعماله فيها، وأن الآخرة هي دار الجزاء هو الأساس الثالث لدعوة هود عليه السلام. وقد حذر هود عليه السلام قومه من عاقبة هذا اليوم واصفا إياه بأنه يوم عظيم.

    قال تعالى: ( ) [الأحقاف:٢١].

    وقال: ( ) [الشعراء:١٣٥].

    فما كان منهم إلا التكذيب بهذا اليوم الذي وصفه الله تعالى بالقارعة فقال: ( ) [الحاقة:٤].

    ثم ذكر تكذيبهم الإجمالي المتضمن للتكذيب بكل ما جاء به هود عليه السلام من الإيمان بالله تعالى، وبنبوة هود عليه السلام المتضمنة للتكذيب بالرسل جميعا، ثم التكذيب باليوم الآخر. ( ) [القمر:١٨].

    وكيف جعلهم الله عبرة لكل مكذب بالرسل96.

    ومما يدل على تبليغ هود عليه السلام قومه حقيقة اليوم الآخر والتحذير من عواقبه ما جاء في سورة المؤمنون - عند من يرجح أنها في قوم هود-من تكذيبهم بلقاء الله وعرض شبههم التي تشبثوا بها في تبرير تكذيبهم.

    قال تعالى: ( ) [المؤمنون:٣٣-٣٨].

    فالقوم مكذبون بالآخرة مكذبون بالبعث بعد الموت مستبعدون أن يعودوا للحياة بعد أن يصيروا ترابا وعظاما. وقد تولى الإجابة المترفون من قومه كما هي سنتهم يحملون كبر تكذيب الرسل وتنفير العامة منهم؛ قائلين على سبيل الاستفهام الإنكاري التكذيبي:«أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابًا في قبوركم، وعظاما قد ذهبت لحوم أجسادكم، وبقيت عظامها أنكم مخرجون من قبوركم أحياء، كما كنتم قبل مماتكم؟»97.

    وكل ذلك يدل على أن دعوة هود عليه السلام إلى الإيمان باليوم الآخر وما يجري فيه من حساب كانت واضحة بينة، كذب بها القوم وجحدوها كما فعل من قبلهم ومن بعدهم من الكافرين.

    ومع الجهود المضنية المتواصلة التي بذلها هود عليه السلام واستفرغ لها حياته كلها بما أوتي من فصاحة وحجة لم يؤمن به إلا قليل، وقد استدل الزمخشري على أنه استجاب له بعض أشرافهم من نظم الآية في قوله تعالى: ( ) [الأعراف:٦٦].

    فقال: «فإن قلت: لم وصف الملأ الذين كفروا دون الملأ من قوم نوح؟ قلت: كان في أشراف قوم هود من آمن به، منهم مرثد بن سعد الذي أسلم وكان يكتم إسلامه فأريدت التفرقة بالوصف ولم يكن في أشراف قوم نوح مؤمن»98.

    وهكذا كان الإيمان باليوم الآخر وتهيئة النفوس لتحمل مسؤولية إعمالها وما يترتب على ذلك من الثواب والعقاب هي الركيزة الثالثة للإصلاح.

    ثانيًا: الدعوة إلى الإصلاح:

    تقدم الحديث عن مظاهر الفساد عند عاد من خلال قوله تعالى:( ) [الشعراء: ١٢٨-١٣١].

    وهذه الآيات مع ما تحمله من الدلالة على ما بلغته عاد من الحضارة المادية، فإنها تكشف عن مظاهر الفساد وصورة الانحراف عن المنهج السليم في استثمار المنجزات الحضارية والقوة المادية التي يحققها الإنسان إذا هيأ الله تعالى له أسباب التمكين في الأرض.

    كما تحمل لنا بيان منهج هود عليه السلام في الإصلاح، حيث لم تقتصر دعوته عليه السلام على القضايا الدينية العقدية، وإنما وجه نظره إلى تصويب قومه وتصحيح مسارهم في سائر مرافق الحياة، حيث لا فصل للدين عن الحياة في رسالات الأنبياء عليهم صلاة الله وسلامه.

    «فينكر عليهم الترف في البنيان لمجرد التباهي بالمقدرة، والإعلان عن الثراء، والتكاثر والاستطالة في البناء من غير حاجة إليه، كما ينكر غرورهم بما يقدرون عليه من أمر هذه الدنيا، وما يسخرونه فيها من القوى، كل ذلك مع غفلتهم عن تقوى الله ورقابته، والاستعداد للقائه، حيث قال منكرا عليهم: ( )؟، وكان القصد من ذلك هو التفاخر والتطاول بالمقدرة والمهارة، ومن ثم سماه عبثا. ولو كان لهداية المارة، ومعرفة الاتجاه ما قال لهم: «تعبثون» فهو توجيه إلى أن ينفق الجهد، وتنفق البراعة، وينفق المال فيما هو ضروري ونافع، لا في الترف والزينة ومجرد إظهار البراعة والمهارة»99.

    كما ينكر عليهم اتخاذ المصانع وهي صهاريج المياه مع وسائل جمعها وتصريفها وما تحققه من الرفاهية والنعيم والمتعة بما يجعل همهم منصرف إلى الدنيا مقبلين عليها بكل طاقاتهم مع كمال الغفلة عن الآخرة حيث تنصرف النفوس عن أي عمل خير مجرد عن مطامع الدنيا، أو التقصير فيه، أو محاسبة النفس على فعل الشر، حتى غلب عليهم الوهم بأنهم مخلدون.

    كما أنكر عليهم طريقة استعمالهم لما تميزوا به من قوة فإذا بطشوا بطشوا بطشة الجبارين من غير رحمة ولا حق.

    فهود عليه السلام لم ينكر على قومه المباني التي تكون مظنة النفع في الإيواء وعلامات لهداية المارة في مجاهيل الصحراء لإرشادهم. ولا اتخاذ المصانع التي تحقق جمع الماء عند نزول الأمطار وتخزينه واستثماره وقت الحاجة، فهو سر الحياة وحفظ الأنفس ووسيلة الخصب والنماء.

    ولم ينكر عليهم امتلاك القوة الذي قد يكون أحيانا في موضعه مع من يستحقه، ولكنه ينكر عليهم تحويل مسار هذه المنافع في غير وجهها فلا تكون المباني والإكثار منها لغير حاجة إلا للعبث والإمعان في الغفلة والتفاخر والتباهي، كما ينكر اتخاذ المصانع التي تهيء لهم أسباب الترف والانغماس في التنعم، غافلين عن شكر الله على هذه النعم، ممعنين في الاغترار بالدنيا غافلين عن الآخرة، ليس لهم هدف ولا مطلب شريف، وكذلك استعمال القوة في غير موضعها دون رحمة أو حكمة.

    بهذا يضع يده على العلة الحقيقية التي يعاني منها قومه من انطواء نفوسهم على السوء لا يعرفون إلا التفاخر لا يدركون للحياة هدفا ولا غاية، مع قسوة القلب في التعامل مع من هو أضعف منهم، فلا خيرهم مأمول ولا شرهم مأمون.

    ثالثًا: التذكير بنعم الله:

    لما ذكر هودٌ عليه السلام ما كان عليه قومه من مظاهر الفساد كاشفا لهم عن عللهم وأسقامهم واستخدامهم لنعم الله في غير موضعها قال:( ) أي: احذروا غضب الله في جحود نعمته وعدم شكره، وأطيعون لأبين لكم طريق مرضاته وسبيل زيادة نعمته وذلك توجيها لهم إلى الآخرة؛ وزجرا لهم عن حب الدنيا والاشتغال بالسرف والحرص والتجبر، ثم وصل بهذا الوعظ ما يؤكد القبول؛ وهو التنبيه على نعم الله تعالى عليهم بالإجمال أولًا ثم التفصيل ثانيًا، فأيقظهم عن سنة غفلتهم عنها حيث قال: ( )[الشعراء:١٣٢].

    ثم فصلها من بعد بقوله:( ﯿ ) [الشعراء:١٣٣-١٣٤].

    ثم حذر من عقاب الله في حال التقصير والإعراض فقال:( ) [الشعراء:١٣٥].

    فبلغ في دعائهم بالوعظ والترغيب والتخويف والبيان النهاية. فكان جوابهم ( ) [الشعراء:١٣٦].

    حيث أظهروا قلة اكتراثهم بكلامه، واستخفافهم بما أورده. وعبروا عن قلة مبالاتهم بقولهم: ( ) ولم يكتفوا بالقول أوعظت أم لم تعظ مع أنه أخصر وظاهر المعنى واحدٌ، وذلك لما في تعبيرهم من زيادة إظهار اللامبالاة مع الاستخفاف بوعظه، فالمعنى ليس واحدًا، وبينهما فرق؛ «لأن المراد سواءٌ علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلًا من أهله، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك: أوعظت أم لم تعظ»100.

    والتذكير بالنعم من المداخل المهمة التي يقيم بها الأنبياء الحجة على الخلق في وجوب الشكر، وقد مضت سنة الله تعالى في الخلق أن يزيدهم بالشكر ويعاقبهم على الكفران بالنعم.

    رابعًا: أخذ العبرة من مصير الأقوام المتقدمين:

    مما يعطي الموعظة بلاغة في القول وتأثيرا في النفس تعزيزها بالأمثلة والنظائر، فلم تخل دعوة نبي من ضرب الأمثال، كما قال تعالى: ( ﮕﮖ ) [الفرقان: ٣٨-٣٩].

    والمعنى: «وكلًا ضربنا له الأمثال بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين؛ إنذارًا وإعذارًا، فلما أصروا أهلكوا كما قال:( ) فتتناه تفتيتًا»101، وذلك لما فيه من الكشف عن سنن الله تعالى في الأمم؛ حيث جرت سنة الله تعالى بإرسال الرسل لإصلاح ما فسد من أحوال الأمم، وأيدهم بالآيات القاطعة بصدقهم، الكافية لإقامة الحجة على من عاندهم، فإن استجابوا اهتدوا وصلح حالهم، وإن كذبوا حل بهم ما حل بغيرهم من المكذبين مهما بلغت قوتهم أو طال أمدهم.

    ولما كانت عاد من أوائل الأمم، ولم يذكر القرآن تصريحا قبلهم غير قوم نوح، كانت العبرة من قوم نوح أبلغ العبر؛ حيث حل بهم الطوفان الذي لم ينج منه إلا المؤمنون بنبيهم -أصحاب السفينة- فقال هود عليه السلام مذكرا بما حل بهم: ( ) [الأعراف:٦٩].

    ولا شك أنه يخاطبهم بما لهم به علم، ولا يخفى عليهم خبر قوم نوح.

    وهذا التعبير يؤدي أغراضًا، منها تذكيرهم بما حل بقوم نوح من العذاب؛ إذ عصوا رسولهم، وكفروا بربهم، فليتقوا الله أن يحل بهم نظير ما حل بهم من العقوبة، فيهلكهم ويبدل منهم غيرهم، سنته في قوم نوح قبلهم، على معصيتهم إياه وكفركم به»102.

    ومنها: التحديد الزماني من حيث إنهم جاءوا بعد قوم نوح أي: «فإنكم إنما جعلكم ربكم خلفاء في الأرض منهم؛ لما أهلكهم أبدلكم منهم فيها»103. ولا ينفك عن التحذير أن يصيبهم مثل ما أصابهم.

    خامسًا: الأمر بالاستغفار والتوبة:

    قال تعالى: ( ﯿ ) [هود:٥٢].

    ثم قصد استمالتهم وترغيبهم في الإيمان من باب الإصلاح الجذري لما هم عليه من الفساد، وذلك بالإقلاع عن الباطل والالتزام بالحق الذي عبر عنه بقوله: ( ) آمنوا به ( ) لما يترتب عليه من كثرة المطر وزيادة القوة، فقدم إليهم في باب الدعوة إلى الدين والترغيب فيه من خلال ما تصبوا إليه نفوسهم، وما كانت همتهم معقودة به؛ ليحصل في ضمنه الغرض الكلي والمقصود الأصلي وهو الفوز بالسعادات الأخروية104.

    وذلك من خلال التوجه إلى الله تعالى الذي بيده خزائن كل شيء بالاستغفار؛ وذلك بطلب المغفرة لما مضى من عبادة غيره، والتوبة إليه وذلك بالإقلاع عن ذلك فيما يستقبل، وذلك أن الدين يحقق لهم من المطالب أعز وأنفس مما يطلبونه بغير الدين، حيث يحقق لهم الكثرة والزيادة في الدنيا ويضمن لهم الفوز بالآخرة حين يقبل توبتهم ويغفر لهم.

    وقد بين الإمام الرازي ما بين الاستغفار والتوبة من فروق فقال: «الوجه الأول: أن معنى قوله: وأن استغفروا اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم، ثم بين الشيء الذي يطلب به ذلك وهو التوبة، فقال: ثم توبوا إليه لأن الداعي إلى التوبة والمحرض عليها هو طلب المغفرة، وهذا يدل على أنه لا سبيل إلى طلب المغفرة من عند الله إلا بإظهار التوبة، والأمر في الحقيقة كذلك؛ لأن المذنب معرضٌ عن طريق الحق، والمعرض والمتمادي في التباعد ما لم يرجع عن ذلك الإعراض لا يمكنه التوجه إلى المقصود بالذات، الذي هو محو الأوزار السالفة إلا بالإقلاع عن الأوزار المستقبلة فثبت أن الاستغفار مطلوبٌ بالذات، وأن التوبة مطلوبةٌ لكونها من متممات الاستغفار، وما كان آخرًا في الحصول كان أولًا في الطلب؛ فلهذا السبب قدم ذكر الاستغفار على التوبة.

    الوجه الثاني: في فائدة هذا الترتيب أن المراد: استغفروا من سالف الذنوب، ثم توبوا إليه في المستأنف.

    الوجه الثالث: وأن استغفروا من الشرك والمعاصي، ثم توبوا من الأعمال الباطلة.

    الوجه الرابع: الاستغفار طلبٌ من الله؛ لإزالة ما لا ينبغي، والتوبة سعيٌ من الإنسان في إزالة ما لا ينبغي، فقدم الاستغفار ليدل على أن المرء يجب أن لا يطلب الشيء إلا من مولاه فإنه هو الذي يقدر على تحصيله، ثم بعد الاستغفار ذكر التوبة؛ لأنها عملٌ يأتي به الإنسان ويتوسل به إلى دفع المكروه، والاستعانة بفضل الله تعالى مقدمةٌ على الاستعانة بسعي النفس»105.

    ( ) وكأنه إنما خصص هذين النوعين من السعادات الدنيوية من كثرة المطر وزيادة القوة؛ لأن القوم كانوا حراصًا على جميع الأموال من وجوه العمارة والزراعة، فقد كانوا أصحاب زروع وبساتين وعمارات، حراصًا عليها أشد الحرص، فكانوا أحوج شيء إلى الماء. وكانوا مدلين بما أوتوا من شدة القوة والبطش والبأس والنجدة، مفتخرين بها ومستحرزين بها من العدو، مهيبين في كل ناحية»106.

    وقدم الأول؛ لأنه أصل جميع النعم، والثاني أصل في الانتفاع بتلك النعم»107.

    وفي هذا الأسلوب يسلك هود عليه السلام مع قومه سبيلًا رشدًا؛ حيث يتجنب محاربة مشاعرهم ومهاجمة عواطفهم، فهو يعلم مدى حرصهم على المال واعتزازهم بقوتهم، كما أن هذه الغرائز ليست مذمومة لذاتها وإنما الخلل في طريقة تعاملهم معها، فلو واجههم بطريق الذم والإنكار؛ لأحدث ردة فعل تزيدهم نفورًا، ولكنه سلك سبيلًا يوجههم فيه إلى حسن استخدام هذه المطالب فيما يحقق منافعها ويجنب مفاسدها؛ ترغيبا بزيادتها والمحافظة عليها، بدلًا من سلبها والحرمان منها. وذلك من خلال الإصلاح الذي عبر عنه بالاستغفار والتوبة108.

    وخلاصة هذا المنهج النبوي لهود عليه السلام أنه يسير بخطوات واضحة على بصيرة؛ حيث يحدد أسس البناء السليم الذي يريد إعلاءه، وعلل الفساد التي يريد اجتثاثها، ويدخل إلى النفوس من جميع المداخل المؤثرة بقوة وأسلوب حكيم غير منفر، واضعًا البدائل وما يترتب عليها من الثمرات.

    موقف عاد من نبيهم ورده عليهم

    أولًا: التكذيب والإنكار:

    لم تختلف عاد عن الأمم الذين كذبوا الرسل، حيث ذكرهم القرآن في عداد أمثالهم من المكذبين في مواطن عديدة، منها قوله تعالى: ( ﯬﯭ ) [ق:١٢-١٤].

    وقوله سبحانه: ( ﭿ ﮂﮃ ﮕﮖ ) [الفرقان:٣٧-٣٩].

    وفي سورة إبراهيم قال: ( ﮑﮒ ﮕﮖ ﮚﮛ ) [إبراهيم:٩].

    كما قرن القرآن ذكر عاد مع ثمود في مواطن عديدة مع ما تشابهتا به في جرم التكذيب فقال: ( )[الحاقة:٤].

    وفي مواطن خص عادا بالذكر مبرزًا موقفها من نبيها هود عليه السلام، فقال سبحانه: ( ) [القمر:١٨].

    وأن تكذيبها به تكذيب بالأنبياء جميعًا فقال: ( ) [الشعراء:١٢٣-١٢٥].

    ووصفها هنا بتكذيب المرسلين؛ لأن دعوى المرسلين واحدة وموقفهم منهم جميعًا لا يتغير. وأما صيغة التكذيب كما جاء في السورة نفسها: ( ﭜﭝ ﭡﭢ ) [الشعراء:١٣٦-١٤٠].

    وفي سورة المؤمنون-عند من يرجح أنها في قوم هود- أنكروا النبوة بحجة البشرية والمثلية قال تعالى: ( ) [المؤمنون:٣٣-٣٨].

    أي: يقول الملأ للعامة تنفيرًا من اتباع رسولهم بحجة أنه بشر يماثلهم في البشرية ولوازمها مما يستبعد أن يكون مرسلًا من الله: كيف يبعث الله إلينا رسولًا من جنسنا، ويخصه بالرسالة دوننا، وهو إنسان مثلنا، يأكل مما نأكل منه من الطعام، ويشرب مما نشرب، فليس له فضلٌ ولا مزية علينا؛ لأنه محتاجٌ إلى الطعام والشراب مثلنا؟! وكيف لم يرسل الله ملكا من عنده يبلغنا رسالته؟! وذلك إمعانا منهم في تكذيبه في دعوى الرسالة؛ لتوهمهم أن البشرية تنافي أن يكون صاحبها رسولًا من الله.

    ثم يزيدون في تحذيرهم من اتباع الرسول البشر من عواقب لا تحمد، إذ يعدونهم بأمور مستبعد حصولها فيقولون: ( )، أي: ( ) فاتبعتموه، وقبلتم ما يقول وصدقتموه () أيها القوم ( ) أي: إنكم إذن لمغبونون حظوظكم من الشرف والرفعة في الدنياباتباعكم إياه109 بالعمل ليوم مستبعد الوقوع تاركين العمل لنيل نصيبكم من حاضر دنياكم.

    ويظهر كذلك اقتراحهم نزول الملائكة من خلال قوله تعالى: ( ﭿ ) [فصلت:١٤].

    والمعنى: «لو شاء ربنا أن نوحده، ولا نعبد من دونه شيئًا غيره؛ لأنزل إلينا ملائكة من السماء رسلًا بما تدعوننا أنتم إليه، ولم يرسلكم وأنتم بشر مثلنا، ولكنه رضي عبادتنا وما نعبد؛ فلذلك لم يرسل إلينا بالنهي عن ذلك ملائكة. ثم عقبوا على ذلك بإعلانهم الكفر الصريح قائلين: ( ) أي: قالوا لرسلهم: فإنا بالذي أرسلكم به ربكم إلينا جاحدون غير مصدقين به»110.

    وترتب على دعوى المنافاة بين البشرية والرسالة أن قالوا: ( ) [هود:٥٣].

    أي: وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك ( ) لا يصدق مثلنا مثلك أبدا، فليس قولك حجة تحملنا على طاعتك.

    فأجابهم هود عليه السلام بقوله: ( ) [الأعراف:٦٩].

    أي: أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكرٌ أي: تذكير ووعظ من ربكم على لسان رجلٍ منكم أي: من جملتكم، أو من جنسكم111. مبينًا أنهم لا يملكون حجة على التكذيب ولا دليلًا معتبرًا على الإنكار إلا التعجب والاستبعاد.

    وإنكار بشرية الرسول، وطلب نزول الملائكة أمور تتكرر عند المكذبين، وقد وقع الجواب عليه في مواطن كثيرة من القرآن منها قول الأنبياء: ( ) [إبراهيم:١١].

    والمعنى: «أن الأنبياء سلموا أن الأمر كذلك، لكنهم بينوا أن التماثل في البشرية والإنسانية لا يمنع من اختصاص بعض البشر بمنصب النبوة لأن هذا المنصب منصبٌ يمن الله به على من يشاء من عباده، فإذا كان الأمر كذلك فقد سقطت هذه الشبهة»112.

    كما جاء على لسان نوح عليه السلام قوله: ( ﯿ ) [هود:٢٨].

    ردًّا على قول الملأ من قومه: ( ) [هود:٢٧].

    أي: إن خفاء الأمر عليكم لا ينفيه ولا يبطله فلا يصلح حجة لرفضه.

    وفي الرد على طلب نزول الملائكة يكشف القرآن عن أن هذا الطلب لا يعدو أن يكون مغالطة منهم لأنفسهم؛ حيث أورد شبهتهم وأجاب عنها بوجهين فقال سبحانه: ( ﯰﯱ ) [الأنعام:٨-٩].

    أما الوجه الأول: ( ): اي :بهلاكهم بعذاب الاستئصال إن كذبوا بعد ظهور آية باهرة. أما الثاني: فإذا نزل الملك فإما أن يظهر بصورته الملائكية وعندها ستزهق أرواحهم؛ لعدم تحمل حواسهم رؤية الملك، وإما أن يظهر بصورة بشر وعندها سيقع الالتباس فيقولوا: إن أنت إلا بشر113.

    ثانيًا: إنكار البينة:

    لم يدخر هود عليه السلام جهدًا في دعوة قومه، سواء في محاورتهم العقلية من طرح الحجج والأدلة التي تهدف إلى الإقناع، وإزالة الشبهات التي يثيرونها أو الإتيان بالمعجزات التي تقطع دابر الشبهة وتقطع اللجاجة، إلا أن القوم أنكروا ظهور البينات وذلك مبالغة منهم في إنكار دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث قابلوها بالجحود والاستكبار، وإنما يأتي الجحود من شدة الغفلة، ويكون الإصرار بعد معرفة الحقيقة ( ﮩﮪ ) [هود:٥٩].

    ( ) [هود:٥٣] فجحدوا هودًا ( )، كما قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم[: ( ) [الرعد:٢٧].

    «ولم يشتهر منه معجزة ولكن العلماء قالوا: إظهار الدعوة مع أولئك الأقوام من غير مبالاة وتوان آية من الآيات»114.

    وكان ذلك الإنكار مكابرة منهم وجحودًا لنزول البينات، فقد جاءتهم البينات الظاهرة والمعجزات الباهرة، وإن لم يعين لنا بعضها115 كما دل على ذلك قوله تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ﮆﮇ ) [التوبة:٧٠].

    وفي سورة إبراهيم ذكر عادًا مع أقوام آخرين فقال: ( ) [إبراهيم:٩].

    «بالبينات: يعني بحججٍ ودلالاتٍ على حقيقة ما دعوهم إليه من معجزاتٍ»116.

    كل ذلك يؤكد تأييد الله تعالى لهود عليه السلام بالبينات، ومما يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)117.

    ومعنى: ( ): «ردوا عليهم قولهم وكذبوهم»118.

    ثالثًا: الغفلة والغرور:

    في كثير من المواضع التي فصل القرآن فيها الحديث عن قوم هود كشف عما كانوا عليه من الإيغال في الغفلة، والبعد عن الانتفاع بتحذيرات نبيهم عليه السلام، وقد جاءت هذه الآيات كاشفة عن صورة الغفلة ومظاهرها، مبينة أسبابها ودوافعها: أما أسبابها فيمكن أن نبينها بالنقاط الآتية:

  1. الإعجاب والغرور بما هم عليه من القوة.

    قال تعالى: ( ﮕﮖ ﮠﮡ ) [فصلت:١٥].

    أي: فأما عادٌ فمنعهم من قبول الهدى استكبارهم. والاستكبار: المبالغة في الكبر، أي التعاظم واحتقار الناس وكان الحامل لهم على هذا الكبر قوتهم، التي عبروا عنها بقولهم: ( )«فتعظموا فيها على أهلها من غير استحقاق، وغلب عليهم الشعور بأنه لا قوة تقف أمام قوتهم، وقد اعتادوا أن يستهينوا بالآخرين، ولا يبالوا بحقوقهم مما حملهم على البطش بلا رحمة.

    فلما جاءهم هودٌ بإنكار ما هم عليه من الشرك والطغيان عظم عليهم ذلك؛ لأنهم اعتادوا العجب بأنفسهم وأحوالهم فكذبوا رسولهم. وبلغ بهم التمادي أنهم غفلوا عن قوة الله التي لا تقهر، والتي جاء نبيهم يذكرهم بها.

    وفي قوله: ( ) استفهام إنكاري أيِ: إنه ينكر عليهم عدم علمهم بأن الله أشد منهم قوةً؛ حتى أعرضوا عن رسالة رسول ربهم، وعن إنذاره إياهم إعراض من لا يكترث بعظمة الله تعالى؛ حتى بلغ بهم الغرور أنهم اعتقدوا أنهم يمتنعون بها من بأس الله! لأنهم لو حسبوا لعجزهم عن ذلك حسابه؛ لتوقعوا عذابه فلأقبلوا على النظر في دلائل صدق رسولهم 119.

  2. الإيغال في الترف والتنعم.

    حيث كان حاملًا على التكذيب والانصراف عن سماع دعوة الأنبياء، أو التفكر فيها والانهماك في محاربتها وصرف الناس عنها.

    قال تعالى: ( ) [المؤمنون:٣٣].

    «فالترف يفسد الفطرة، ويغلظ المشاعر، ويسد المنافذ، ويفقد القلوب تلك الحساسية المرهفة التي تتلقى وتتأثر وتستجيب ومثل هؤلاء لا يمكن أن يدركوا حكمة الحياة الكبرى ودقة التدبير في أطوارها للوصول بها إلى غايتها البعيدة. هذه الغاية التي لا تتحقق بكمالها في هذه الأرض. فالخير لا يلقى جزاءه الكامل في الحياة الدنيا مثل هؤلاء لا يدركون هذه المعاني ولا يستدلون من أطوار الحياة الأولى على أطوارها الأخيرة ولا ينتبهون إلى أن القوة المدبرة لتلك الأطوار التي لا تقف بالحياة عند مرحلة الموت والبلى كما يظنون»120.

    لقد كان هذا الحال شاغلًا لهم عن التفكير الجاد مستغرقًَا منهم كامل جهدهم واهتماماتهم، حملهم على التباهي والتفاخر في البناء، والتوسع في المعايش، كما سبق بيانه من خلال الحديث عن مظاهر الانحراف والفساد من خلال قوله تعالى: ( ) [الشعراء:١٢٨-١٢٩].

  3. التقليد الأعمى.

    حيث هو من أكبر الصوارف عن قبول دعوة الإصلاح والتجديد حيث قالوا: ( )[الشعراء:١٣٦-١٣٧].

    أي: «ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا خلق الأولين وعادتهم، كانوا يدينونه ويعتقدونه، ونحن بهم مقتدون»121.

  4. تزيين الشيطان.

    قال تعالى: ( ) [العنكبوت:٣٨].

    أي: حسن بوسوسته وإغوائه، فأراهم أعمالهم القبيحة حسنة فغرر بهم. فصدهم عن السبيل وهي طريق الإيمان بالله ورسله. وذلك أن الشيطان أتاهم من هذه الثغرة المكشوفة، وهي غرورهم بأنفسهم، وإعجابهم بما يأتونه من الأعمال، وانخداعهم بما هم فيه من قوة ومال ومتاع122.

    ( ) أي: « معدودين بين الناس من البصراء العقلاء جدًا؛ لما فاقوهم به مما يعلمون من ظاهر الحياة الدنيا»123.

    أما مظاهر هذه الغفلة وصورها فتظهر في كثير من أقوالهم وأعمالهم فمن الأقوال:

    • ( ) [الشعراء:١٣٦]
    • ( ) [الأحقاف:٢٢]. وقد سبق بيان معاني هذه الآيات.
    • ومنها ما جاء في سورة المؤمنون على لسان الملأ بعد أن بثوا ما في جعبتهم من الشبهات، عقبوا عليها بما يدل على غاية التكذيب والاستبعاد، الدال على انطماس القلوب، وشدة الإمعان في الغفلة والإعراض فقالوا: ( ) [المؤمنون:٣٦-٣٨].

      «عن ابن عباس في قوله: ( ) يقول: بعيد بعيد»124.

      «استبعد القوم بعثهم بعد الموت؛ إغفالًا منهم للتفكر في بدو أمرهم، وقدرة الله على إيجادهم، وأرادوا بهذا الاستبعاد أنه لا يكون أبدًا، ( ) يعنون: ما الحياة إلا ما نحن فيه، وليس بعد الموت حياة»125.

      أما الأفعال التي تدل على الإمعان في الغفلة فهي:

    1. الجحود وإنكار الآيات.

      الذي دل عليه قوله تعالى: ( ) [فصلت:١٥].

      وقوله: ( ) [هود:٥٣].

      ( ﮩﮪ ) [هود:٥٩].

    2. التكذيب.

      الذي دل عليه قوله تعالى: ( ﭜﭝ ﭡﭢ )[الشعراء:١٣٧-١٣٩].

    3. عدم الانتفاع بأدوات الفهم والعلم.

      الذي دل عليه قوله تعالى: ( ) [الأحقاف:٢٦].

    4. البقاء في حمأة الجهل.

      كما وصفهم نبيهم عليه السلام بعد أن بذل أقصى ما في وسعه من التبليغ والبيان قال تعالى: ( ﭿ ) [الأحقاف:٢٣].

    5. الاستمرار على ما هم عليه.

      وعدم الاكتراث بكل ما جاء به هود عليه السلام: ( ) [هود:٥٣].

      فأكدوا عدم إيمانهم بالجملة الاسمية مع زيادة الباء، وتقديم المسند إليه المفيد لتقوية جوابهم، دلالة على أنهم لا يرجى منهم ذلك بوجه من الوجوه126.

      وقال: ( ) [الأعراف:٧٢].

      رابعًا: الاتهام بالجنون والسفه والكذب:

      وجهت عاد إلى نبيها هود عليه السلام عدة اتهامات أظهرها الاتهام بالسفه والجنون والكذب، وإليك بيان ذلك من خلال الآيات التي دلت عليه:

      قال تعالى: ( ﯿ ) [الأعراف:٦٦-٦٨].

      بينت هذه الآيات الاتهام الأول وهو السفه بقولهم: ( ). والسفاهة: مصدر يعبر به عن الحال المهلهلة الرقيقة التي لا ثبات لها ولا جودة، والسفه في الثوب خفة نسجه127، أي: «متمكنا في خفة عقل راسخًا فيها؛ حيث فارقت دين آبائك»128. حيث «جعلوا قوله: ( )[الأعراف:٦٥] كلامًا لا يصدر إلا عن مختل العقل؛ لأنه من قول المحال عندهم»129.

      وقولهم: ( ) في دعوى الرسالة، وظن على بابه؛ لأنهم لم يكن عندهم إلا ظنون وتخرص130.

      «وفي تعبيرهم ( ) جعلوا السفاهة ظرفا على طريق المجاز، أرادوا أنه متمكن فيها غير منفك عنها131.

      وفي أسلوب الإجابة الذي واجههم به، بطريق الحلم والإغضاء مع رميهم له بالسفاهة، وترك المقابلة بما قالوه مع علمه بما هم عليه من السفاهة أدب حسن وخلق عظيم، وحكاية الله عز وجل ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويحلمون عليهم»132.

      واكتفى بنفي السفاهة عن نفسه بإثبات ما يضادها فقال: ( ﯿ ) حيث يستحيل أن يرسل الله سفيهًا.

      وفي مضمون الإجابة بقوله: ( )« أي: عرفت فيما بينكم بالنصح والأمانة، فما حقي أن أتهم. أو أنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه»133.

      ولما كانت السفاهة من صفات النفس وهي ضد الحلم، وهو معنى ثابت يولد الخفة والعجلة المذمومتين، والحلم معنى ثابت يولد الأناة المحمودة، فقد أجابهم هود عليه السلام بما يتناسب مع قولهم وينفي عن نفسة ما رموه به بإثبات صفة ثابتة في النفس تبطلها134.

      فوصف نفسه بأن ناصح بصيغة اسم الفاعل الدال على الثبوت، ولم يقل أنصح بصيغة الفعل الدال على الحدوث. وفي هذه الإجابة ما يدل على بطلان قولهم من المقال، ومن واقع الحال، فإن الناصح الأمين لا يكون سفيهًا أبدًا وفي طريقة إجابته لهم بنفي السفه عن نفسه دون أن ينسبهم إلى السفاهة ولو كان حقًا، فلو قال: بل أنتم السفهاء لكان صادقًا ولكنه أعرض عن مواجهة السفهاء بأسلوبهم، وكان في غاية الرزانة حيث لم يستثيروه ولم يستفزوه؛ ليخرج عن حدود الحلم والحكمة والأدب، وهذا من أبلغ الأحوال الدالة على نزاهته من السفاهة.

      وفي جوابه ترفق بهم وتجرد عن حظ نفسه لا يخفى، فلم يستثرهم بما يحملهم على النفور ولم يذمهم بوصفهم بالسفه انتصارًا لنفسه؛ كي لا يتحول الحوار إلى مساجلات شخصية.

      أما الاتهام الثاني وهو الجنون فقد ورد في قوله تعالى: ( )[هود:٥٤].

      أي: لا نجد قولًا نقوله فيك إلا أن بعض آلهتنا أصابك بمس من جنون أو خبل؛ لإنكارك لها؛ وصدك إيانا عن عبادتها، والمراد أن أصنامهم كافأته على سوء فعله بسوء الجزاء أي: إن ما تقوله لا يصدر إلا عمن أصيب بشيء اقتضى خروجه عن قانون العقل، فلا يعتد به؛ لأنه من قبيل الخرافات والهذيانات التي لا تصدر إلا عن المجانين فكيف نؤمن بك؟!135.

      وأوردوا تعبيرهم بصيغة الحصر الموهم أنهم قد سبروا غور كل الاحتمالات المتوقعة التي تناسب حاله فما وجدوا أصوب ولا أمثل ولا أجدر في إصابة الحق من هذا القول.

      الاتهام الثالث: الكذب حيث ادَّعوا أنه يفتري عليهم الكذب فقالوا: ( ) [الأحقاف:٢٢].

      « الإفك: كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه، وفي قوله تعالى: ( )، استعملوا الإفك في ذلك لما اعتقدوا أن ذلك صرف من الحق إلى الباطل فاستعمل ذلك في الكذب»136.

      أي: أنهم أتهموا نبيهم بأنه يريد إزالتهم عن عبادة آلهتهم بالإفك. ولما عقبوا عليه بقولهم ( ) [الأحقاف:٢٢].

      أضمروا الإصرار، أي: لن ننصرف عن آلهتنا، فأتنا بالعذاب الذي تتوعد به، ونزلوا الوعيد منزلة الوعد استهزاء وإمعانا في التكذيب. فقال لهم هود عليه السلام ( ) [الأحقاف:٢٣].

      أي: لا علم لي بالوقت الذي عيَّنه الله لتعذيبكم، فلا معنى لاستعجالكم ( ﭿ ) [الأحقاف:٢٣].

      وما علي إلا أن أبلغ رسالة ربي، فالأمر كله بيده وحده وما على الرسول إلا البلاغ، ثم استدرك عليه السلام فأعلن ما استقر في إدراكه من حالهم قائلا: ( ) [الأحقاف:٢٣].

      أي: أعلمكم علمًا هو كالرؤية () ليعم الحكم جميعهم () جهلًا متجددًا، لم يحدد مفعوله ليشمل كل ما يستدعي الأمر علمه من استبانة ضلالهم من إصرار على آلهة باطلة، وتكذيب لنبي صادق، واستعجال بعذاب مستحق دون الاحتراز منه، وجهل في ادعاء قدرة النبي على العذاب ونحوه، ولا تعلمون أن الرسل بعثوا مبلغين منذرين لا معذبين مقترحين137.

      وأي جهل أعظم من الشرك بالله ونسبة نبي الله إلى الكذب. ومن ترك طريقة الاحتياط واستعجال ما فيه الهلاك 138.

      ومن علائم جهلهم إصرارهم على طلب العذاب ولم تظهر لهم بينة على كونه كاذبًا، فالإقدام على الطلب الشديد لهذا العذاب جهل عظيم139.

      خامسًا: التعجيز والتحدي:

      قال تعالى: ( )[هود:٥٣-٥٤].

      جمعت هذه الآيات خلاصة موقف عاد من نبيهم هود عليه السلام وأجوبتهم له« ودلت على أن القوم كانوا جفاة غلاظ الأكباد، لا يبالون بالبهت، ولا يلتفتون إلى النصح. ولا تلين شكيمتهم للرشد. وهذا يدل على جهل مفرط وبله متناه، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم، ولعلهم حين أجازوا العقاب كانوا يجيزون الثواب»140، واشتملت إجابتهم على أربعة أمور:

      الأول: الإنكار والجحود للبينات.

      الثاني: الإصرار على ما هم عليه بالتمسك بآلهتهم.

      الثالث: عدم الاكتراث بقوله حيث لا تقوم به الحجة عليهم وهو إنكار للنبوة.

      الرابع: ادعوا أن لآلهتهم تأثيرا عليه، وأنه قد أصابه بعضها بسوء بلغ به حد الجنون. وهذا القول يتضمن التهديد والتخويف، فهذا فعل بعضها فكيف لو اجتمعت إذا لدكته دكا141.

      فكل ما بذله من جهد وبيان لا يبلغ حد الاعتبار في نظرهم، مع التهديد والتخويف من آلهتهم، وهذا يستدعي تصعيد المواجهة بما تقوم به الحجة وهي المعجزة التي تظهر بالتحدي وإثبات تفاهة آلهتهم وعجزها الذي دلت عليه الآيات الآتية: ( ﭤﭥ ﭱﭲ ﭹﭺ ﭿ ﮈﮉ ﮐﮑ ) [هود:٥٤-٥٧].

      ففي هذه الآيات أجاب هود عليه السلام إجابة جامعة ترد على الأمور الأربعة التي أعلنوها، وتبدد كل أباطيلهم حيث أعلن نبي الله براءته من آلهتهم مشهدا لله تعالى، معلنا عن ذلك بصيغة الجملة الخبرية وهي في المعنى إنشائية بمعنى(اللهم اشهد) «لأن كل إنشاءٍ لا يظهر أثره في الخلق من شأنه أن يقع بصيغة الخبر، لما في الخبر من قصد إعلام السامع بما يضمره المتكلم»142.ومشهدا لهم على هذه البراءة استخفافا بهم وبآلهتهم، وإعلاما لهم بعجزها، مؤيدا ذلك بالتحدي الذي يقيم البرهان على إثبات عجزها وقصورها فضلا عن أن تعتريه بسوء، وذلك بقوله: ( ) أي: «كيدوا لي، وخذوني بما تستطيعون من كيد، والكيد: إعمال الحيلة، وإحكام التدبير، لما يراد من الأمور ويستعمل الكيد غالبا في الشر، ( ): أي: لا تتوانوا في إعمال كيدكم لي، والمبادرة به»143.

      وفي قوله: ()رد على قولهم: ()أي: أنه أمرهم بالاجتماع والاحتشاد مع آلهتهم جميعًا دون بعضٍ منها مبالغة في التحدي144.

      وجعل هذا التحدي ردًا عمليًا على قولهم ( ) وعلى قولهم: ( ) «ووجه الخطاب لقومه لئلا يكون خطابه لما لا يعقل ولا يسمع، فأمر قومه بأن يكيدوه. وأدخل في ضمير الكائدين أصنامهم مجاراةً لاعتقادهم واستقصاءً لتعجيزهم، أي: أنتم وأصنامكم، كما دل عليه التفريع على البراءة من أصنامهم»145.

      والنتيجة الحتمية لهذا التحدي الذي أثبت جدواه بعجزهم وعجز آلهتهم عن إيذائه بأي شيء دليل على صدقه وحجية قوله وأنه نبي مرسل يلزمهم ترك آلهتهم طاعة له، وهي دليل على عظمة إلهه الذي حماه وأيده ورد الكيد عنه في مثل هذا الوسط مع كثرتهم وقوتهم وشدة بأسهم، وحرصهم على تكذيبه وهو فرد ليس له نصير إلا مولاه الذي يدعو إليه.

      سادسًا: استعجال العذاب:

      قال تعالى: ( ﭿ ﮀﮁ ) [الأعراف:٧٠].

      وقال: ( ) [الأحقاف:٢٢].

      وذلك أنهم طلبوا الإتيان بالعذاب إمعانا في التكذيب وتماديا في الضلال، واستهانة بوعد نبيهم عليه السلام، ويدل على أنهم كانوا يستبعدون العذاب ويكذبون بكل ما جاءهم به نبيهم قولهم: ( ) [الشعراء:١٣٨].

      وبينما هم غارقون في غفلتم متمادون في تكذيبهم إذ جاءتهم بوادر العذاب بصورة يتوهمون فيها البشارة بالغيث بعد سنين من القحط ليكون وقع العذاب أنكى وأشد. قال تعالى: ( ﮏﮐ ﮕﮖ ) [الأحقاف:٢٤].

      قال ابن كثير: «كان أول ما ابتدأهم العذاب، أنهم كانوا ممحلين مسنتين146، فطلبوا السقيا فرأوا عارضًا في السماء وظنوه سقيا رحمةٍ، فإذا هو سقيا عذابٍ147.

      أي: فلما رأوا العذاب في صورة سحاب يوهم بالغيث، حسبوه سحابًا يمطرهم، وكان المطر قد أبطأ عنهم، فلما رأوه عارضًا ظاهرا في عرض السماء ( ) فرحوا واستبشروا. وكان قد جاءهم من وادٍ جرت العادة أن يأتي منه الغيث148.

      قيل لهم ردًّا على توهمهم: ( ) يعني: من العذاب الذي استعجلوه بقولهم:( ) وذلك استبعادًا منهم لوقوعه، ثم بين ماهيته فقال: ( ) ثم وصف تلك الريح بأوصاف مفزعة كما سيأتي بيانه.

      أخرج الإمام أحمد عن الحارث بن يزيد البكري، قال: (خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررت بالربذة، فإذا عجوزٌ من بني تميمٍ منقطعٌ بها، فقالت لي: يا عبد الله، إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجةً، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها، فأتيت المدينة فإذا المسجد غاصٌ بأهله، وإذا رايةٌ سوداء تخفق، وبلالٌ متقلدٌ السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهًا، قال: فجلست، قال: فدخل منزله-أو قال: رحله-فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت، فسلمت فقال: (هل كان بينكم وبين بني تميمٍ شيءٌ؟) قال: فقلت: نعم، قال: وكانت لنا الدبرة عليهم، ومررت بعجوزٍ من بني تميمٍ منقطعٌ بها، فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب فأذن لها فدخلت، فقلت: يا رسول الله، إن رأيت أن تجعل بيننا وبين بني تميمٍ حاجزًا، فاجعل الدهناء، فحميت العجوز، واستوفزت، قالت: يا رسول الله، فإلى أين تضطر مضرك؟ قال: قلت: إنما مثلي، ما قال الأول: معزاةٌ حملت حتفها، حملت هذه، ولا أشعر أنها كانت لي خصمًا أعوذ بالله، ورسوله أن أكون كوافد عادٍ قال: (هيه، وما وافد عادٍ؟) وهو أعلم بالحديث منه، ولكن يستطعمه، قلت: إن عادًا قحطوا فبعثوا وافدًا لهم، يقال له: قيلٌ، فمر بمعاوية بن بكرٍ، فأقام عنده شهرًا يسقيه الخمر، وتغنيه جاريتان يقال لهما: الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج جبال تهامة، فنادى: اللهم إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريضٍ فأداويه، ولا إلى أسيرٍ فأفاديه، اللهم اسق عادًا ما كنت مسقيه، فمرت به سحاباتٌ سودٌ فنودي منها: اختر، فأومأ إلى سحابةٍ منها سوداء، فنودي منها: خذها رمادًا رمددًا ولا تبق من عادٍ أحدًا، قال: فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح، إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا، حتى هلكوا، قال أبو وائلٍ: وصدق قال: (فكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدًا لهم، قالوا: لا تكن كوافد عادٍ)149.

      وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به) قالت: (وإذا غيبت السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر. فإذا أمطرت سري عنه، فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عادٍ: (فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا)150.

      فكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشية لله ويعلم من حاله ومقاله كيف يحذر المرء من غضبه ليكون حذرا من الخروج عن طاعته، غير آمن من مكره أمنا يدفع إلى الاستهانة بحق الله قال تعالى: ( ﭺﭻ ﭿ ) [الأعراف:٩٩].

      [انظر: عاد: موقفهم من رسولهم ومعجزاته]

      عاقبة القوم ومصيرهم

      أولًا: المقدمات التي سبقت العذاب:

      جاءت المقدمات التي سبقت العذاب بصور من التحذير والوعيد والإمهال ثم حلول الرجس والغضب؛ ففي مشهد من المشاهد الأخيرة من الحوار بين هود عليه السلام وقومه يقول: ( ﮈﮉ ﮐﮑ ) [هود:٥٧].

      محذرًا لهم من النهاية التي لا تدع منهم أحدا لهوانهم على الله واقتداره عليهم. أي: إن تتولوا أهلككم الله، ويستبدل قومًا غيركم أطوع منكم يوحدونه ويعبدونه. ( ) بتوليكم وإعراضكم، إنما تضرون أنفسكم، وذلك أن إهلاككم لا ينقص من ملكه شيئًا؛ لأن وجودكم وعدمكم عنده سواء151.

      ثم إنه عليه السلام ذكر لهم وعيدًا مجددًا فقال: ( ) [الأعراف:٧١].

      أي: فانتظروا ما يحصل لكم من عبادة هذه الأصنام إني معكم من المنتظرين. وهو أمر يتضمن الوعيد والإمهال152، وقال: ( ﮮﮯ ) [الحج:٤٤].

      «أي: أمهلتهم إلى الوقت المعلوم عندي ( ) عاقبتهم»153، وهذه سنة إلهية ماضية في المكذبين يمهلهم إلى آجالهم، ثم يأخذهم بجميع ما صدر منهم.

      وذكر استحقاقهم للعذاب وحلول النقمة من الله عليهم بجحودهم لوحدانية الله ( )[الأعراف:٧٠].

      استبعدوا توحيد الله مع اعترافهم بربوبيته، ولذلك قال لهم هود عليه السلام: ( ) [الأعراف:٧١].

      أي: حق عليكم ووجب عذاب من ربكم وغضب.

      أي: «أنه تعالى أخبره في ذلك الوقت بنزول العذاب عليهم فلما حدث الإعلام في ذلك الوقت لا جرم قال هودٌ في ذلك الوقت: وقع عليكم من ربكم رجسٌ وغضبٌ، أو أنه جعل التوقع الذي لا بد من نزوله بمنزلة الواقع. ونظيره قولك لمن طلب منك شيئًا قد كان ذلك بمعنى أنه سيكون ونظيره قوله تعالى: ( ) [النحل:١].

      بمعنى: سيأتي أمر الله»154.

      «الرجس لا يمكن أن يكون المراد منه العذاب؛ لأن المراد من الغضب العذاب فلو حملنا الرجس عليه لزم التكرير وأيضًا الرجس ضد التزكية والتطهير. قال تعالى:( ) [التوبة:١٠٣].

      وقال في صفة أهل البيت: ( ) [الأحزاب:٣٣].

      والمراد التطهر من العقائد الباطلة والأفعال المذمومة وإذا كان كذلك وجب أن يكون الرجس عبارةً عن العقائد الباطلة والأفعال المذمومة»155. ويدخل فيه: الرين على القلب بزيادة الكفر156.

      «وحاصل الكلام في الآية: أن القوم لما أصروا على التقليد وعدم الانقياد للدليل زادهم الله كفرًا وهو المراد من قوله:( ) ثم خصهم بمزيد الغضب وهو قوله: ()»157 وهو ما يوجب العذاب.

      ثانيًا: صورة العذاب:

      تحدثت الآيات القرآنية عن العذاب الذي حل بقوم عاد بأساليب متنوعة وصيغ متعددة، تعرض لحقيقته وصورته من عدة وجوه لا تعارض بينها؛ فأحيانا يذكر العذاب بإجمال كما في قوله تعالى: ( ﭜﭝ ﭡﭢ ) [الشعراء:١٣٩].

      فرتب على التكذيب إهلاكهم دون أن يفصل في بيان طريقة الإهلاك الذي تولت بيانه سور أخرى.

      ( ﯿ) [ص:١٤] «فوجب أو لزم وثبت أن أعاقبهم»158.

      ( ) [الفجر:٦].

      إلى قوله: ( )[الفجر:١٣].

      أي: أفرغ عليهم أشد أنواع العذاب. فالصب يعبر به عن الكثرة، والسوط يعبر به عن الشدة.

      وقال كذلك على سبيل الإجمال: ( ) [النجم:٥٠].

      وقال: ( ﮮﮯ ) [الحج:٤٤].

      وأحيانًا يذكر ما حل بهم على جهة التفصيل كما في قوله تعالى: ( ) [الذاريات:٤١-٤٢].

      وقوله: ( ﯓﯔ ﯗﯘ ) [فصلت:١٦].

      وقوله: ( ) [القمر:١٨-٢٠].

      وقوله: ( ﯿ ) [الحاقة:٦-٨].

      فبين في هذه الآيات أن العذاب الذي حل بهم كان بالريح الشديدة المهلكة التي وصفها بأوصاف عديدة تدل على ما جمعت من خصائص العنف والنكال.

      فمرة وصفها بالعقيم «وأصل العقم: اليبس المانع من قبول الأثر، والريح العقيم: وهي التي لا تلقح سحابا ولا شجرا وهي التي لا تقبل أثر الخير، وإذا لم تقبل ولم تتأثر لم تعط ولم تؤثر»159. وهي التي لا رأفة فيها ولا رحمة160.

      كما وصفها بصرصر وهذا اللفظ يجمع ثلاثة معاني هي الصوت والبرد161 والعزم162.فيكون وصفها أنها «الريح العاصفة الشديدة الهبوب التي يسمع لهبوبها صوتٌ شديدٌ، وعلى هذا، فالصرصر من الصرة التي هي الصيحة المزعجة. ولا يمنع أن يكون بردها واصلا درجة الإحراق مأخوذ من قوله تعالى: ( ) [آل عمران:١١٧]. أي: فيها بردٌ شديدٌ محرقٌ»163.

      ووصفها كذلك بالعاتية، وأصلها من «عتا يعتو عتوًا وعتيًا: استكبر وجاوز الحد»164 الريح العاتية: «أي: مبالغة في الشدة»165 أو «شديدة الهبوب»166.

      أما دوامها على هذه الحال بما جمعت من أوصاف الشدة فقد استمرت طيلة أيامٍ وصفت في سورة فصلت بأنها ()دون ذكر عددها، وقال المفسرون في معنى () قولين أحدهما: الشديدة البرد والآخر: أنها المشؤومة167.

      ولا تعارض بين المعنيين، فإن شدة البرد سبب من أسباب الشؤم. وفي سورة القمر وصف النحس بأنه مستمر للدلالة على تواصله بلا توقف ولا فتور طوال هذه المدة، مما يزيد الأمر شؤما، وفي سورة الحاقة ذكر عددها ووصفها بالحسوم فقال: ( ) قال الفراء: «الحسوم: التباع إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوله عن آخره»168.

      وقال الزجاج: «حسوما أي: تحسمهم حسوما أي: تذهبهم وتفنيهم»169.

      وقال ابن كثير:«كوامل متتابعاتٍ»170.

      أما عن فعل هذه الريح وآثارها فقال عن فعلها بالأشياء عموما: ( )[الأحقاف:٢٥].

      أي: تهلك كل شيء من الحيوان والناس، أي: تخرب كل شيءٍ مرت عليه من رجال عادٍ وأموالها. أو من بلادهم، مما من شأنه الخراب قال ابن عباسٍ: أي كل شيءٍ بعثت إليه. والتدمير: الهلاك. وكذلك الدمار ( ) ومعناه أن هذا ليس من باب تأثيرات الكواكب والقرانات171 بل هو أمر حدث ابتداءً بقدرة الله تعالى لأجل تعذيبكم172.

      أما عما فعلته هذه الريح بالناس على وجه الخصوص فقال: ( ) [القمر:٢٠].

      أي: كأنهم «أصول نخل منقلع عن مغارسه»173.

      وتنزعهم نزعا حيث كانت «تقلعهم عن أماكنهم وكانوا يصطفون آخذًا بعضهم بأيدي بعض ويتداخلون في الشعاب ويحفرون الحفر فيندسون فيها فتنزعهم وتكبهم وتدق رقابهم»174.

      فتصرعهم وتسقطهم على الأرض فأصبحوا مع طول قاماتهم وضخامة أجسامهم كأنهم أسافل نخل منقلع من أصله، قد سقط على الأرض. قال ابن كثير: «فكانت تحمل الرجل منهم فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه فتثلغ رأسه حتى تبينه من بين جثته»175.

      فهذا صنيعها بأجساد القوم المسلطة عليهم في بداية هبوبها.

      ومع هبوب الريح بصفاتها العاتية من برد شديد وجفاف ودوام لهذه المدة الطويلة جديرة بأن تفعل بأجسادهم فعلها حتى تركتهم في نهاية أمرهم كأعجاز نخل خاوية، أي: بالية نخرة176.

      قال تعالى: ( ) [الحاقة:٧].

      فتشبيههم بأعجاز نخل منقعر تصف حالهم عند بداية العذاب وهبوب الريح، وتشبيههم بأعجاز نخل خاوية عند نهاية الأمر وانتهاء المدة حيث بليت أجسادهم ونخرت.

      وهكذا جاءت هذه الريح بهذه الأوصاف على القوم وهم غارقون في غفلتهم يعرضون عضلاتهم ويتباهون بقوتهم. فأتاهم المصرع المناسب لهذا العجب المرذول الغافل عن قوة الله وقدرته( ) [فصلت:١٦].

      إنها العاصفة الهوجاء المجتاحة الباردة في أيام نحس عليهم. وإنه الخزي في الحياة الدنيا. الخزي اللائق بالمستكبرين المتباهين المختالين على العباد ذلك في الدنيا وليسوا بمتروكين في الآخرة: ( ) [فصلت:١٦]177.

      وفي وسط تلك الرياح العاتية المدمرة كان هود عليه السلام ومن معه في رعاية الله بأمن وسلام ( ) [هود:٥٨].

      قال ابن إسحاق: «واعتزل هودٌ عليه السلام-فيما ذكر لي-في حظيرةٍ هو ومن معه من المؤمنين، ما يصيبهم إلا ما تلين عليه الجلود، وتلذ الأنفس، وإنها لـتمر على عادٍ بالظعن فيما بين السماء والأرض، وتدمغهم بالحجارة»178.

      وقال تعالى في وصف العذاب الذي حل بعاد وثمود ( ) [فصلت:١٣].

      قال ابن قتيبة: الصعق: الموت.

      قال تعالى: ( ) [الزمر:٦٨].

      وقال تعالى: ( ) [الأعراف:١٤٣]. أي: ميتا179.

      وقال الراغب: «الصاعقة والصاقعة يتقاربان، وهما الهدة الكبيرة، إلا أن الصقع يقال في الأجسام الأرضية، والصعق في الأجسام العلوية. قال بعض أهل اللغة: الصاعقة على ثلاثة أوجه:

      • الموت، كقوله: ( ) [الزمر:٦٨]. وقوله: ( ) [النساء:١٥٣].
      • العذاب، كقوله: ( ) [فصلت:١٣].
      • النار، كقوله: ( ) [الرعد:١٣]»180.

        ثم قال «وما ذكروه فهو أشياء حاصلة من الصاعقة، فإن الصاعقة هي الصوت الشديد من الجو، ثم يكون منها نار فقط، أو عذاب، أو موت، وهي في ذاتها شيء واحد، وهذه الأشياء تأثيرات منها»181.

        وما ذهب إليه يتفق مع قول المبرد بأن الصاعقة «الثائرة المهلكة لأي شيءٍ كان»182.

        وفي خصوص قوم عاد فإن الصاعقة التي حلت هي الثائرة المهلكة ذات الصوت الشديد كما قال الشنقيطي: «وهذه الريح الصرصر هي المراد بصاعقة عادٍ»183.

        ثالثًا: آثار العذاب:

        وعقب القرآن الكريم على ما حل بعاد من العذاب بعبارات متنوعة تحمل الكثير من العبر والدلالات فمنها قوله تعالى:( ) [الأحقاف:٢٥].

        أي: «تدمر ما من شأنه أن تدمره الريح من الإنسان والحيوان والديار»184. فأصبحوا «لا ترى من بقايا عادٍ أشياء إلا مساكنهم»185.

        وهذا لأن السكان هلكوا، وهلك كل شيء يملكونه فقيل: أصبحوا وقد غطتهم الريح بالرمل فلا يرون186.

        ولم يبق ظاهرًا على وجه الأرض إلا مساكنهم أطلالا خربة تدل على من كان فيها، وتحمل في مظهرها ما يدل على ما حل بالقوم من العذاب. ليكونوا عبرة لكل معتبر. وتعقب الآيات على مشهد الدمار والخراب الذي حل بهذه الأمة التي بلغت من القوة والتمكين ووسائل الإدراك ما لم ينفعها أو يدفع عنها العذاب إذ كانت تجحد بآيات الله ( ) [الأحقاف:٢٦].

        وقوله تعالى: ( ﮯﮰ ) [الأعراف:٧٢].

        وهنا بين أن العذاب الذي حل بهم كان شاملا لهم جميعا لم يبق لهم بقية ولا عقب حيث استؤصلوا عن آخرهم والدابر: الآخر. والمعنى هنا قطع خلفهم من نسلهم وغيرهم فلم تبق لهم باقيةٌ. والمراد به الاستئصال، «قال قطربٌ: يعني أنهم استؤصلوا وأهلكوا»187.

        وقوله سبحانه: ( ﯝﯞ ﯣﯤ ) [هود:٦٠].

        فلما قضى الأمر أتبعوا باللعنة «أي: أردفوا لعنة تلحقهم، وتصاحبهم في الدنيا وفي الآخرة. واللعنة: هي الإبعاد، والطرد عن الرحمة»188.

        «قال السدي: ما بعث نبيٌ بعد عادٍ إلا لعنوا على لسانه»189.

        وخذلتهم آلهتهم التي كانوا يدعون لها التأثير فلم تغن عنهم شيئا، بل حل بهم ونزل الذي كانوا منه يسخرون وبه يستهزئون، ( ).

        وهكذا حل العذاب بعاد على وفق سنة الله تعالى في المكذبين بعد استيفاء البيان والحجة والإمهال، فأتاهم على أشد الصور حيث بدأ على صورة غمام يوهم بنزول الغيث وكانوا مسنتين فاستبشروا، ولكن يا لهول المفاجأة فإذا هي ريح ذات صوت مرعب وهبوب شديد مع برد وجفاف محرق تدمر كل شيء، تتبعتهم في منازلهم وأماكن احتمائهم فنزعتهم نزعا وصرعتهم صرعا كأنهم أصول نخل قلع من مغرسه وألقتهم جثثا بلا رؤوس، ودامت عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتابعة بلا فتور حتى نخرت أجسادهم وبليت فأصبحت كأعجاز نخل خاوية، ولم تدع منهم أحدا فقد استأصلتهم عن آخرهم.

        وجعل الله في إهلاكهم آية فقابلهم بجنس ما كان سبب طغيانهم، حيث جاءهم بقوة عاتية لا طاقة لهم بمقاومتها أو الوقوف في وجهها، وهم الذين كانوا يتبجحون بقوتهم ويقولون من أشد منا قوة؟!


1 تاريخ الرسل والملوك، الطبري ١/٢١٦.

2 المعارف، ابن قتيبة ص٢٨.

3 تاريخ الرسل والملوك، الطبري ١/٢١٦.

4 مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/٣٦٢.

5 المعارف، ابن قتيبة ص٢٨.

6 البداية والنهاية، ابن كثير ٢/١٨٧.

7 انظر: تاريخ الرسل والملوك الطبري ١/٢١٦.

8 انظر: جمهرة أنساب العرب، ابن حزم الأندلسي ١/٤٦٢.

9 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الدكتور جواد علي ١/٢٩٩. بتصرف.

10 تاريخ الرسل والملوك، الطبري ١/٢٣٢.

11 مفاتيح الغيب، الرازي ٣١/١٥٢.

12 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الدكتور جواد علي ١/٢٩٩. بتصرف.

13 المعارف، ابن قتيبة ص٢٨.

14 انظر: القصص القرآني في منطوقه ومفهومه، عبد الكريم الخطيب ص٨٦.

15 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٥٠٥.

16 المصدر السابق.

17 القصص القرآني في مفهومه ومنطوقه، عبدالكريم الخطيب ص٩٢.

18 قصص الأنبياء، ابن كثير ١/١٢٠.

19 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٩ /٥٢.

20 معجم البلدان، ياقوت الحموي ١/١١٥.

21 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٤٧٧، إعراب القرآن، أبو جعفر النحاس ٥/١٣٧.

22 روح المعاني، الألوسي ١٥/٣٣٧.

23 مفاتيح الغيب، الرازي ٣١/١٥٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٩٤.

24 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٩٥. وقال: وهذا قولٌ حسنٌ جيدٌ قويٌ.

25 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٤٤١- ٤٤٢.

وقد أعرضت عن ذكرها لعدم ثبوتها فهي مروية عن عبد الله بن قلابة ولم أجد له ذكرا في كتب التراجم والرجال، وابن منبه يكثر من الإسرائيليات، ويعزز ذلك قول ابن كثير: فإن هذا كله من خرافات الإسرائيليين، من وضع بعض زنادقتهم، ليختبروا بذلك عقول الجهلة من الناس أن تصدقهم في جميع ذلك» ثم قال بعد أن اشار إلى هذه القصة: فهذه الحكاية ليس يصح إسنادها، ولو صح إلى ذلك الأعرابي فقد يكون اختلق ذلك، أو أنه أصابه نوع من الهوس والخبال فاعتقد أن ذلك له حقيقة في الخارج، وليس كذلك. وهذا مما يقطع بعدم صحته». تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٩٦.

26 قصص الأنبياء، ابن كثير ص١٢٠.

27 الكشاف، الزمخشري ٣/٤٥٤.

28 جامع البيان، الطبري ٢٠ /٣٤.

29 الكشاف، الزمخشري ٣/٤٥٤.

30 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الدكتور جواد علي ١/٣٠١- ٣٠٥.

31 المصدر السابق ١/٣٠٥-٣٠٦.

32 انظر: جامع البيان الطبري ٢٢/١٢٣، تفسير ابن أبي حاتم ١٠/٣٢٩٦، رقم ١٨٥٧٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٢٠٤.

33 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢٤٤، بتصرف.

وانظر: التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم ٣/٣.

34 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣ /١٣٠٨.

35 انظر: قصص القرآن الكريم، فضل حسن عباس ص١٨٠.

36 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٥٨٣.

37 حيث يفهم من زمن نزول هذه السورة التي نزلت في أواخر العهد المكي بعد سورة الإسراء ويونس أنها نزلت في الفترة التي اشتدت بها المحن على النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك بعد وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها.

انظر: البرهان في علوم القرآن، الزركشي ١/١٩٣، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/١٨٤١-١٨٤٣.

38 انظر: قصص القرآن الكريم، فضل حسن عباس ص٢١٧.

39 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٢٥٢.

40 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٢٦٥.

41 انظر: قصص القرآن الكريم، فضل حسن عباس ص٢٢١.

42 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/١٨٥، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٢٧٥.

43 جامع البيان، الطبري ١٩ /٢٨.

44 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٥١.

45 انظر: التحرير والتنوير ١٨/٤٩-٥٠.

46 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٥١.

47 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٢١.

48 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٨٦.

49 مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٦٨.

50 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب ١٠/٢٦.

51 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٤٦٤.

52 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٤٦٦.

53 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٦٧٣- ١٦٧٤.

54 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٢٣١.

55 تفسير ابن أبي حاتم ٥/١٥٠٨، رقم ٨٦٤٦.

56 قصص الأنبياء، ابن كثير ص١٢١.

57 الكشاف، الزمخشري٢/١١٧.

58 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٨/٤٤٣.

59 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٢٢.

60 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/١٢٣.

61 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/١٦٧.

62 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٢٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/١٢٣.

63 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/١٢٦.

64 انظر: المصدر السابق.

65 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٢٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/١٢٣.

66 المفردات، الراغب ص ٤٩٣.

67 المصباح المنير، الفيومي ٣/٣٤٨.

68 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/١٦٧.

69 الكشاف، الزمخشري ٣/٣٢٦.

70 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٦٠٩.

71 العين، الفراهيدي ٦/٢٤٠.

72 المفردات، الراغب الأصفهاني ص١٨٤.

73 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٢٣.

74 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٣٢٦.

75 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٢٣.

76 انظر: التفسير الواضح، محمد الحجازي ١/٧٢٩.

77 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١١٠.

78 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٨.

79 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٣٠٢.

80 المصدر السابق ١٤/٣٠٣. بتصرف.

81 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٢٩٣.

82 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٣٠٣.

83 المصدر السابق ١٨/٣٦٣.

84 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٣٨.

85 روح المعاني، الألوسي ٤/٣٩٠- ٣٩١.

86 فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٤٧. بتصرف.

87 الصحاح، الجوهري ١/٤١١.

88 جامع البيان، الطبري ١٢/٥٠٤.

89 روح المعاني، الألوسي ٤/٣٩٠-٣٩١.

90 درة التنزيل وغرة التأويل، الإسكافي ٢/٦٠٥. بتصرف.

91 روح المعاني، الألوسي ٤/٣٩١.

92 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٣٨.

93 الكشاف ٢/٤٠٢.

94 فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٤٧.

95 البحر المديد، ابن عجيبة ٢/٢٢٩.

96 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٨٥.

97 المصدر السابق ١٩/٢٩.

98 الكشاف، الزمخشري ٢/١١٦.

99 في ظلال القرآن، سيد قطب٥/٢٦٠٩.

100 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٢٣.

101 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٢٥.

102 جامع البيان، الطبري ١٢/٥٠٥.بتصرف

103 المصدر السابق.

104 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٤/٣١.

105 مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/٣١٥.

106 الكشاف، الزمخشري ٢/٤٠٢.

107 غرائب القرآن، النيسابوري ٤/٣١، بتصرف.

108 انظر: قصص القرآن الكريم، فضل حسن عباس ٢٢٤- ٢٢٥.

109 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٩٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٢١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٥٢.

110 جامع البيان، الطبري ٢١/٤٤٣.

111 البحر المديد، ابن عجيبة ٢/٢٢٩.

112 مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٧٤.

113 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/٢٦٧، الكشاف، الزمخشري ٢/٧، مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٨٦.

114 غرائب القرآن،النيسابوري ٤/٣٢.

115 انظر: روح المعاني، الألوسي ٦/٢٧٩.

116 جامع البيان، الطبري ١٦/٥٣٠.

117 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي، رقم ٤٩٨١، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان بما نزل على نبينا، رقم ٢٣٩.

118 جامع البيان، الطبري ١٦/٥٣٤.

119 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/٢٥٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٦٩، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٦٩، في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣١١٧.

120 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٤٦٧.

121 الكشاف، الزمخشري ٣/٣٢٧.

122 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٧٣٥.

123 نظم الدرر، البقاعي ١٤/٤٣٧-٤٣٨.

124 جامع البيان، الطبري ١٩/٣٠.

125 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٢٦٢.

126 روح المعاني، الألوسي ٦/٢٨٠.

127 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٤١٧.

128 روح البيان ٣/١٨٥.

129 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٢٠٢.

130 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٤١٧.

131 الكشاف، الزمخشري ٢/١١٧.

132 المصدر السابق بتصرف.

133 المصدر السابق.

134 انظر: درة التنزيل وغرة التأويل، الإسكافي ٢/٦٠٥- ٦٠٦.

135 نظم الدرر، البقاعي ١٢/٤٩.

136 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٧٩.

137 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٠٥/١١٥، نظم الدرر، البقاعي ١٨/١٦٧.

138 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٦/١٢٤.

139 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٧/٤٠٥.

140 الكشاف، الزمخشري ٢/٤٠٣.

141 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٩٨.

142 المصدر السابق ١٢/٩٩.

143 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب ٦/١١٥٦.

144 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٢١٨.

145 التحرير والتنوير ابن عاشور ١٢/١٠٠.

146 ممحلين: أصابهم المحل وهو الشدة وانقطاع المطر.

انظر: الصحاح، الجوهري ٥/١٨١٧.

ومسنتين من السنة، أي: أسنتت أرضهم: لم يصبها مطر فلم تنبت.

انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٢/٢٦٧.

147 قصص الأنبياء، ابن كثير ١/١٣٤.

148 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٢٠٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٨٦.

149 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٥٩٥٣.

قال ابن كثير في تفسيره ٧/٢٨٦: وهو غريبٌ جدًا من غرائب الحديث وأفراده.

150 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة الاستسقاء، باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم، رقم ٨٩٩.

151 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٠/٥٠٩٩، بتصرف.

152 انظر: المصدر السابق ٩/١٩٠.

153 المصدر السابق ١٤/١٠٧.

154 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٣٠٣.

155 المصدر السابق.

156 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢٣٧.

157 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٣٠٣.

158 جامع البيان، الطبري ٢١/١٦٠.

159 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٧٩.

160 تفسير مقاتل بن سليمان، ٣/١٣٤.

161 العين، الفراهيدي ٧/٨٢.

162 تهذيب اللغة، الأزهري ١٢/٧٦.

163 أضواء البيان، الشنقيطي ٧/١٦.

164 لسان العرب، ابن منظور ١٥/٢٧.

165 الفروق اللغوية، العسكري ص٢٣٠.

166 قصص الأنبياء، ابن كثير ١/١٣٩.

167 المخصص، ابن سيده ٢/٣٩٨.

168 انظر: معاني القرآن، الفراء ٣/١٨٠، تهذيب اللغة، الأزهري ٤/١٩٩.

169 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/٢١٤.

170 قصص الأنبياء، ابن كثير ١/١٣٩.

171 أي: اقتران الثريا بالبروج السماوية وما كان يعتقده الجاهليون من تأثير ذلك على الأحداث.

انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٢٢٩-٢٣٠.

172 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٧/٤٠٧.

173 مدارك التنزيل، النسفي ٣/٤٠٣.

174 المصدر السابق.

175 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٣٥.

176 غريب القرآن، ابن قتيبة ص٤١٢.

177 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣١١٨.بتصرف.

178 قصص الأنبياء، ابن كثير ١/١٣٦-١٣٧.

179 تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة ص٢٧١.

180 المفردات، الراغب ص٤٨٤- ٤٨٥.

181 المفردات، الراغب ص ٤٨٥.

182 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٥٥١.

183 أضواء البيان ٧/١٧.

184 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٥٠.

185 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/٢٥.

186 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١١١.

187 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٤٢٧.

188 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٠/٥١١.

189 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٣١.