عناصر الموضوع
الوحدة
أولًا: المعنى اللغوي:
ترجع لفظة (الوحدة) في معاجم العربية إلى الجذر الثلاثي (وحد)، والناظر في تلك المعاجم يجد أن مادة (و ح د) لها عدة معانٍ؛ قال ابن فارس: « الواو والحاء والدال أصلٌ واحد يدل على الانفراد، ومن ذلك الوحدة، وهو واحد قبيلته، إذا لم يكن فيهم مثله، والواحد: المنفرد » 1.
وفي لسان العرب: الواحد بني على انقطاع النظير وعوز المثل، والوحيد بني على الوحدة والانفراد عن الأصحاب من طريق بينونته عنهم، والعرب تقول: أنتم حي واحدٌ، والوحدة: الانفراد؛ يقال: رأيته وحده، وجلس وحده، وقيل: الواحد هو الذي لا يتجزأ ولا يثنى ولا يقبل الانقسام ولا نظير له ولا مثل، ولا يجمع هذين الوصفين إلا الله عز وجل 2.
«الوحدة الانفراد، والواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة» 3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الوحدة: هي اتحاد الدول أو البلاد والأفراد والجماعات في سائر أمور حياتهم ومعاشهم وسيرتهم وغايتهم، وبموجب هذه الوحدة يصبح الجميع شيئًا واحدًا، أو أمةً واحدةً، يقال: اتحد البلدان، أي: صارا بلدًا واحدًا 4.
ووحدة الأمة الإسلامية هي: توحد المسلمين جميعًا، واجتماعهم على أساس الدين الإسلامي الذي أنزله الله عز وجل، بحيث تلغى بينهم جميع الروابط الأخرى، كالروابط العرقية والقومية وروابط اللغة، ويصبح القاسم المشترك بين أفراد هذه الجماعة هو الدخول في دين الإسلام؛ عقيدة وعبادة ونظام حياة.
وردت مادة (وحد) في القرآن الكريم (٩) مرات 5.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
اسم الفاعل مؤنثًا |
٩ |
(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [يونس:١٩] |
الوحدة في أصلها بمعنى الانفراد، وتستعمل في معنى الاتحاد والتوحد، أو صيرورة الاثنين فما فوقها واحدا6.
الاجتماع:
الاجتماع لغة:
التئام الشيء، وضم بعضه إلى بعض، وهو خلاف التفريق7.
الاجتماع اصطلاحًا:
هو اجتماع الناس، وعدم تفرقهم، واجتماع القلوب بائتلافها، وعدم تفرقها.
الصلة بين الاجتماع والوحدة:
الاجتماع من صور وحدة الأمة الإسلامية، وهو مطلب عزيز، يتجلى مظاهره في أعظم الشعائر التعبدية؛ كالصلاة مع الجماعة، ومناسك الحج.
الاعتصام:
الاعتصام لغة:
العصم: الإمساك، والاعتصام: الاستمساك.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [آل عمران:١٠٣].
أي: تمسكوا بعهد الله8. والاعتصام بحبل الله: هو ترك الفرقة، واتباع القرآن9.
الاعتصام اصطلاحًا:
ولا يختلف معنى الاعتصام في الاصطلاح عن معناه في اللغة.
الصلة بين الاعتصام والوحدة:
الاعتصام: الاستمساك بالشيء، افتعالٌ منه، والمقصود الاستمساك بحبل الله، وهو بهذا الاعتبار وسيلة لوحدة الأمة، وطريق إليها؛ ولهذا يقال: الاستمساك بحبل الله سبب للاجتماع ووحدة الصف، وعصمة من الخلاف والتفرق.
التفرق:
التفرق لغةً:
خلاف التجمع، تفرق القوم وتفارقوا، والاسم الفرقة10.
والتفريق: خلاف التجميع، يقال: فرق الشيء تفريقًا وتفرقة: بدده، وهو متعدٍ، أما التفرق فلازم. والتفريق أبلغ من الفرق؛ لما فيه من معنى التكثير11.
التفرق اصطلاحًا:
لا يخرج معناه عن المعنى اللغوي.
الصلة بين التفرق والوحدة:
التفرق ضد الوحدة، ويعد من أهم أسباب ضعف الأمة، وثمرة من ثمار الاختلاف المذموم بين المسلمين؛ لأن من الاختلاف ما لا يصل إلى حد الافتراق، وهو أكثر أنواع الخلاف بين الأمة.
أولًا: وحدة الخلق:
لقد بين القرآن الكريم أن الناس جميعًا يربطهم رباط واحد، ويشتركون جميعًا بأمر وثيق، يجمعهم كلهم دون استثناء، إنهم جميعًا مخلوقون لخالق واحد، وأصلهم جميعًا أب واحد، قال تعالى مخاطبًا الناس جميعًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النساء: ١].
فهذا خطاب من رب الناس للناس جميعًا، مهما تباعدت أزمانهم وأمصارهم، ومها اختلفت لغاتهم وألوانهم، يذكرهم ربهم بأنه المتوحد المتفرد بخلقهم جميعًا، معرفًا إياهم كيف كان مبتدأ إنشائهم، ومنبهًا لهم على أن جميعهم بنو رجلٍ واحدٍ وأمٍ واحدةٍ، وأن بعضهم من بعض، وأن حق بعضهم على بعض واجبٌ، وجوب حق الأخ على أخيه، لاجتماعهم في النسب إلى أبٍ واحدٍ وأمٍ واحدةٍ، وعاطفًا بذلك بعضهم على بعض؛ ليتناصفوا ولا يتظالموا، وليبذل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف12.
إن هذه الآية العظيمة التي افتتح الله بها سورة النساء، توحي بأن هذه البشرية التي صدرت من إرادة واحدة، تتصل في رحم واحدة، وتنبثق من أصل واحد، وتنتسب إلى نسب واحد؛ ولو تذكر الناس هذه الحقيقة، لتضاءلت في حسهم كل الفروق التي نشأت في حياتهم متأخرة؛ ففرقت بين أبناء النفس الواحدة، ومزقت وشائج الرحم الواحدة، وكلها ملابسات ما كان يجوز أن تطغى على مودة الرحم وحقها في الرعاية، وصلة النفس وحقها في المودة، وصلة الربوبية وحقها في التقوى 13.
إن الناس جميعًا تجمعهم وحدة عقدية ووحدة الجنس؛ أما الوحدة العقدية فإن ربهم جميعًا واحد لا شريك له، هو الذي خلقهم، وهو الذي رزقهم، وهو الذي يميتهم، وهو الذي يحييهم، وهو الذي أوجد أبيضهم وأسودهم، وعربيهم وأعجميهم، وأما الوحدة الجنسية فالناس جميعًا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم قد انحدروا عن أصل واحد وهو آدم عليه السلام 14.
يقول سيد قطب: «إن استقرار هذه الحقيقة كان كفيلًا باستبعاد الصراع العنصري، الذي ذاقت منه البشرية ما ذاقت، وما تزال تتجرع منه حتى اللحظة الحاضرة؛ في الجاهلية الحديثة، التي تفرق بين الألوان، وتفرق بين العناصر، وتقيم كيانها على أساس هذه التفرقة، وتذكر النسبة إلى الجنس والقوم، وتنسى النسبة إلى الإنسانية الواحدة والربوبية الواحدة » 15.
وهناك آيات أخر في القرآن الكريم تؤكد على وحدة الناس جميعًا؛ وحدة الخالق الواحد، ووحدة التناسل من رجل واحد.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)[الأنعام: ٩٨].
وقال في موضع ثانٍ: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأعراف: ١٨٩].
وفي موضع ثالث قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الزمر: ٦].
يمتن سبحانه في هذه الآيات على عباده بنعمة الخلق، ويذكرهم بأنهم جميعًا خلقوا من نفس واحدة.
لقد خلق الله عز وجل الناس من نفس واحدة، ثم جعل من نسلها الشعوب والقبائل (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الحجرات: ١٣].
وإن هذا التمايز بين الناس وتشعبهم إلى شعوب وقبائل مختلفة، لا ينبغي أن يكون مدعاة للتفاخر وتعالي بعض الناس على بعض، فلقد بين الله عز وجل الغاية من ذلك التمايز بقوله: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) فالغاية هي التعارف لا التفاخر؛ التعارف الذي يؤدي إلى تأكيد معاني الوحدة والأخوة الجنسية، لا التفاخر الذي يؤدي إلى الفرقة والتشتت 16.
هذه المعاني العظيمة قد أكد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع إذ قال: (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى) 17.
ثانيًا: وحدة الملة والدين:
لقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه العزيز أن الناس مجتمعون على ملة واحدة ودين واحد.
قال سبحانه: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة: ٢١٣].
واختلف المفسرون في معنى تلك الملة التي كان الناس عليها؛ فذهب بعضهم إلى القول بأن الناس كلهم كانوا على الدين الحق، كانوا على الهدى مجتمعين، وقال بعضهم: كانوا مجتمعين على الكفر والباطل18.
ورجح شيخ المفسرين - الطبري - القول الأول، فقال: « إن دليل القرآن واضحٌ على أن الذين أخبر الله عنهم أنهم كانوا أمة واحدة، إنما كانوا أمة واحدة على الإيمان ودين الحق دون الكفر بالله والشرك به؛ وذلك إن الله عز وجل قال في سورة يونس: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [يونس: ١٩].
فتوعد جل ذكره على الاختلاف لا على الاجتماع، ولا على كونهم أمة واحدة، ولو كان اجتماعهم قبل الاختلاف كان على الكفر ثم كان الاختلاف بعد ذلك، لم يكن إلا بانتقال بعضهم إلى الإيمان، ولو كان ذلك كذلك لكان الوعد أولى بحكمته جل ثناؤه في ذلك الحال من الوعيد لأنها حال إنابة بعضهم إلى طاعته، ومحالٌ أن يتوعد في حال التوبة والإنابة، ويترك ذلك في حال اجتماع الجميع على الكفر والشرك » 19.
ولقد بين لنا ربنا عز وجل في كتابه أيضًا أنه سبحانه قادر على جعل الناس متوحدين على ملة الإسلام، وشريعة الحق الواحدة؛ ولكنه سبحانه يريد أن يبتلى عباده، قال سبحانه: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [المائدة: ٤٨].
ومعنى الآية: لو شاء الله عز وجل أن يجعل الأمم جميعا أمة واحدة، تدين بدين واحد، وبشريعة واحدة لفعل؛ لأنه سبحانه لا يعجزه شيء؛ ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك؛ وإنما شاء أن يجعلكم أمما متعددة ليختبركم فيما آتاكم من شرائع مختلفة في بعض فروعها، ولكنها متحدة في جوهرها وأصولها؛ فيجازي من أطاعة بما يستحقه من ثواب، ويجازي من خالف أمره بما يستحقه من عذاب 20.
وفي ذات المعنى يقول جل وعلا: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النحل: ٩٣].
« أي: ولو شاء الله عز وجل لوفقكم كلكم، فجعلكم على ملة واحدة، وهي الإسلام والإيمان، وألزمكم به، ولكنه سبحانه يضل من يشاء ممن علم منه إيثار الضلال، فلا يهديه عدلا منه، ويهدي من يشاء ممن علم منه إيثار الحق، فيوفقه فضلا منه، وليسألنكم الله جميعًا يوم القيامة عما كنتم تعملون في الدنيا فيما أمركم به، ونهاكم عنه، وسيجازيكم على ذلك» 21.
وكذلك قول الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ, ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [هود: ١١٨- ١١٩].
يخبر سبحانه في هذه الآية أنه لو شاء لجعل الناس كلهم أمة واحدة على الدين الإسلامي، فإن مشيئته غير قاصرة، ولا يمتنع عليه شيء، ولكنه اقتضت حكمته، أن لا يزالوا مختلفين، مخالفين للصراط المستقيم، متبعين للسبل الموصلة إلى النار، إلا من رحم ربك فهداهم إلى العلم بالحق والعمل به، والاتفاق عليه، فهؤلاء سبقت لهم، سابقة السعادة، وتداركتهم العناية الربانية والتوفيق الإلهي 22.
وقوله: (ﭢ ﭣ) أي: اقتضت حكمته، أنه خلقهم، ليكون منهم السعداء والأشقياء، والمتفقون والمختلفون؛ ليتبين للعباد، عدله وحكمته.
قال القرطبي: « وإلى هذا أشار مالك رحمه الله فيما روى عنه أشهب؛ قال أشهب: سألت مالكا عن هذه الآية قال: خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير؛ أي خلق أهل الاختلاف للاختلاف، وأهل الرحمة للرحمة. وروي عن ابن عباس أيضًا قال: خلقهم فريقين، فريقا يرحمه وفريقا لا يرحمه »23.
ومثل هذه الآية قول الله عز وجل: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الشورى: ٨].
ولما بين الله عز وجل أن الناس كانوا على ملة واحدة ودين واحد، وبين أيضًا أنه سبحانه قادر على جمع الناس كلهم على ملة الإسلام، مدح أمة التوحيد المجتمعة على الإيمان، المتوحدة على أساس العقيدة ودين ربها عز وجل، فقال: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأنبياء: ٩٢].
وفي سورة المؤمنين: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [المؤمنون: ٥٢].
فهذه أمة الإسلام ملة واحدة، من عهد آدم عليه السلام إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ دين الأنبياء واحد، وأتباع الرسل ملة واحدة، ومن سار على نهجهم إلى قيام الساعة فهو من أمتهم 24.
والملاحظ: أن كلمة الوحدة مضافة إلى الأمة أي وحدة الأمة لم ترد في القرآن الكريم، ولكن ورد وصف الأمة بأنها أمة واحدة، فالتركيز في القرآن قد جاء على مفهوم الأمة التي توصف بأنها أمة واحدة، وليس على مفهوم الوحدة التي تضاف إلى الأمة، وهذا يعني أن الأمة الواحدة هي الأصل، أما مسألة توحيد الأمة ووحدتها فهي طارئة بعدما حل بالأمة ما حل 25.
أولًا: الأمر بالوحدة:
الآيات التي تأمر بالوحدة وتحث عليها كثيرة في كتاب الله عز وجل، لا تحتاج إلى بذل جهد وإعمال فكر من أجل الوقوف عليها؛ فالقرآن الكريم قد جعل وحدة المسلمين وتآلفهم واجتماع كلمتهم من أصول الدين، وقواعده العظيمة، ولقد تنوعت أساليب القرآن الكريم في الدلالة على وجوب الوحدة؛ وذلك كما يلي:
لقد ورد الأمر بالوحدة صريحًا في كتاب الله عز وجل، كما في قول الله عز وجل: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران: ١٠٣].
فهذه الآية الكريمة تأمر المسلمين بأن يكونوا جميعًا مستمسكين بكتاب الله وبدينه وبعهوده، ولا يتفرقوا، كما كان شأنهم في الجاهلية، بضرب بعضهم رقاب بعض.
قال الطبري: « يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله » 26.
وفي الآية استعارة تمثيلية حيث شبه الله عز وجل الحالة الحاصلة من تمسك المؤمنين بدينه وبكتابه وبعهوده وبوحدة كلمتهم، بالحالة الحاصلة من تمسك جماعة بحبل وثيق مأمون الانقطاع، ألقى إليهم من منقذ لهم من غرق أو سقوط أو نحوهما 27.
وقد روى الطبري بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: « يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة، هو خير مما تستحبون في الفرقة»28.
وقد تعددت آراء المفسرين في معنى (ﭲ ﭳ) الذي أمر الله المؤمنين بالاعتصام به، فقال بعضهم: كتاب الله، وقال بعضهم: دين الله، وقال بعضهم: أمر الله وطاعته، وقال بعضهم: الجماعة29.
قال القرطبي: « والمعنى كله متقارب متداخل؛ فإن الله تعالى يأمر بالألفة، وينهى عن الفرقة؛ فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة»30.
ومن الآيات التي تأمر المسلمين بالوحدة والاعتصام والتكافل قول الله عز وجل: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [المائدة: ٢].
فهذه الآية تأمر المسلمين بالتعاون على كل ما هو خير وبر وطاعة لله عز وجل، وتنهاهم عن التعاون على ارتكاب الآثام، والاعتداء على حدوده؛ فإن التعاون على الطاعات والخيرات يؤدي إلى السعادة، أما التعاون على ما يغضب الله عز وجل فيؤدي إلى الشقاء 31.
وبتعاون المسلمين معًا، ومساعدة بعضهم لبعض، يصبح المجتمع المسلم جسدًا واحدًا، متماسكًا مترابطًا، قال القرطبي: « وهو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى؛ أي ليعن بعضكم بعضًا، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه»32.
يقول السعدي: « يرشد القرآن الكريم المسلمين إلى إقامة جميع مصالحهم، وأنه إذا لم يكن حصولها من الجميع فليشتغل بكل مصلحة من مصالحهم من يقدر على القيام بها، وليوفر وقته عليها لتقوم مصالحهم، وتكون وجهتهم جميعًا واحدة، وهذه من القواعد الجليلة ومن السياسة الشرعية الحكيمة، فإن كثيرًا من المصالح العامة الكلية لا يمكن اشتغال الناس كلهم بها، ولا يمكن تفويتها، فالطريق إلى حصولها ما أرشد الله عباده إليه، قال تعالى في الجهاد والعلم اللذين هما من أعظم مصالح الدين: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [التوبة: ١٢٢].
فأمر أن يقوم بالجهاد طائفة كافية وبالعلم طائفة أخرى، وأن الطائفة القائمة بالجهاد تستدرك ما فاتها من العلم إذا رجعت 33.
وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [آل عمران: ١٠٤].
وقال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [المائدة: ٢].
وقال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ) [الشورى: ٣٨].
إلى غير ذلك من الآيات الدالات على هذا الأصل الجليل والقاعدة النافعة، وبقيام كل طائفة منهم بمصلحة من المصالح تقوم المصالح كلها، لأن كل فرد مأمور أن يراعي المصالح الكلية، ويكون سائرًا في جميع أعماله إليها، فلو وفق المسلمون لسلوك هذه الطريق لاستقامت أحوالهم وصلحت أمورهم وانجابت عنهم شرور كثيرة، فالله المستعان » 34.
لقد أمر القرآن العظيم بأمور عظيمة، من شأنها أن توحد الأمة، وتزيدها ترابطًا وتماسكًا؛ بل ألفة ومحبة؛ لقد أمر ببر الوالدين، وأمر بصلة الأرحام، وأمر بالإحسان إلى أولي القربى واليتامى والمساكين، لقد أمر بحسن معاشرة الزوجة، وأمر بالإحسان إلى الجار والآيات في ذلك معلومة كثيرة، منها تلك الآية الجامعة من سورة النساء، إذ يقول ربنا عز وجل: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [النساء: ٣٦].
يأمر الله عز وجل في هذه الآية بعبادته وحده لا شريك له، ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين - وكثيرا ما يقرن الله سبحانه بين عبادته والإحسان إلى الوالدين - ثم عطف على الإحسان إليهما الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء، ثم أوصى باليتامى؛ وذلك لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم، فأمر الله بالإحسان إليهم، ثم أوصى بالمساكين من ذوي الحاجات، الذين لا يجدون من يقوم بكفايتهم، فأمر الله سبحانه بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم وتزول به ضرورتهم، ثم أوصى بالجار ذي القربى والجار الجنب، يعني: الجار الذي بينك وبينه قرابة، والجار الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل: الجار الجنب يعني الرفيق في السفر، ثم أوصى بالصاحب بالجنب، قيل: يعني المرأة، وقيل: يعني: الضعيف، وقيل: هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر، ثم أوصى بابن السبيل، وهو الضيف، وقيل: هو الذي يمر عليك مجتازًا في السفر، وختم عز وجل تلك الوصايا العظيمة بالوصية بما ملكت اليمين، وهم الأرقاء؛ لأن الرقيق ضعيف الحيلة أسير في أيدي الناس35، ويأخذ حكمهم في زماننا العمال والخدم ونحوهم.
وقد جاءت السنة مؤكدة على أمر القرآن بالوحدة والاعتصام، وذلك في أحاديث كثيرة، يضيق المقام هنا بذكرها، من ذلك الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: (إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا: فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) 36.
لقد وصف القرآن الكريم المؤمنين بأعظم وصف يدل على وحدتهم واجتماعهم، لقد وصفهم بأنهم إخوة؛ فكما أن الإخوة في النسب تربطهم روابط قوية من المحبة والألفة وحرص كل منهم على مصلحة أخيه، فكذلك حال الأخوة بين المؤمنين.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الحجرات: ١٠].
إن هذه الأخوة هي بمثابة عقد عقده الله بين المؤمنين؛ فأينما وجد المؤمن -في مشارق الأرض أو في مغاربها- فإنه أخ للمؤمنين، أخوةٌ توجب أن يحب له المؤمنون ما يحبون لأنفسهم، ويكرهون له ما يكرهون لأنفسهم 37.
قال ابن عاشور: « وجيء في الآية بصيغة القصر، المفيدة لحصر حالهم في حال الإخوة؛ مبالغةً في تقرير هذا الحكم بين المسلمين، وأخبر عنهم بأنهم إخوة مجازًا على وجه التشبيه البليغ، زيادة في تقرير معنى الأخوة بينهم، حتى لا يحق أن يقرن بحرف التشبيه المشعر بضعف صفتهم عن حقيقة الأخوة، وهذه الآية فيها دلالة قوية على تقرر وجوب الأخوة بين المسلمين؛ لأن شأن (إنما) أن تجيء لخبر لا يجهله المخاطب، ولا يدفع صحته، أو لما ينزل منزلة ذلك؛ فلذلك كان قوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ) مفيد أن معنى الأخوة بينهم معلوم مقرر » 38.
إن في تقرير القرآن الكريم للأخوة بين المؤمنين أعظم دليل على حثه واهتمامه بوحدتهم وتماسكهم؛ حتى يكونوا جميعًا إخوانًا، وإن هذه الأخوة التي قررها القرآن الكريم هي أخوة مبنيةٌ على أساس متين؛ فالذي يربط المؤمنين ببعض هو رباط العقيدة والدين، وهذا أقوى من كل رباط يجمع الناس، حتى ولو كان رباط نسب أو رحم، فالمؤمنون بهذا الرباط كالجسد الواحد، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) 39.
ولذلك يكثر في القرآن العظيم إطلاق النفس وإرادة الأخ؛ تنبيهًا على أن رابطة الإسلام تجعل أخا المسلم كنفسه، كقوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النور: ١٢].
أي: بإخوانهم على أصح التفسيرين 40، وقوله: (ﯿ ﰀ ﰁ) [الحجرات: ١١].
أي: لا يعب بعضكم بعضًا، وعبر بالنفس لأن المؤمنين جميعًا كنفس واحدة41.
وقوله: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النساء: ٢٩].
أي: لا يأكل أحدكم مال أخيه، إلى غير ذلك من الآيات. ولذلك ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)4243.
ومن الآيات الدالة على أن الدين والإيمان والعقيدة الخالصة هي الرابطة الحقيقية التي توحد المسلمين جميعًا، وأن تلك الرابطة تتلاشى معها جميع الروابط النسبية والعصبية والقبلية: قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [المجادلة: ٢٢].
فأخوة العقيدة والدين هي الكفيلة بتوحيد أمة الإسلام قاطبة، ولا يجوز لمسلم أن يقدم كافرًا ولو كان ذا قرابة ونسب على مسلم ولو كان الأخير أعجميًا بعيدًا.
فالمؤمنون إخوة متحابون، وإن مناط هذه الأخوة وأساسها إنما هو رابط الإسلام وعقيدته الصحيحة وهي من أهم أسباب وحدة الصف وقوة البنيان بين أفراد الأمة المسلمة وإن التحابب بين المسلمين والحرص على روابط الأخوة المستمدة من الإيمان والعقيدة سر قـوة الأمة ومفتاح نجاحها44.
وسنة النبي صلى الله عليه وسلم عامرةٌ بالأحاديث المؤكدة على ما أقره القرآن الكريم؛ من وجوب الأخوة بين المسلمين عامة، وبيان ما على المسلمين من حقوق لإخوانهم، مما يضمن الحفاظ على تلك الأخوة وتلك المودة، وصيانتها من كل ما يخالف معانيها العظيمة.
فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا) ويشير إلى صدره ثلاث مرات (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)45.
وقد قال صلى الله عليه وسلم ممثلًا حال الإخوة من المؤمنين بأعظم مثال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا)46.
وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه، وليس المقام هنا مقام سرد لتلك الأحاديث العظيمة فنكتفي بما أشرنا إليه.
ولا يخفى على كل مطلع على سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ما قام به صلى الله عليه وسلم من المؤاخاة بين أصحابه الكرام؛ حيث آخى بين المهاجرين أنفسهم، وآخى بين الأنصار أنفسهم، وآخى بين المهاجرين والأنصار جميعًا، وكانت أروع صور المؤاخاة التي عرفها تاريخ البشرية، هذا الإخاء الذي ذابت فيه عصبيات الجاهلية، وسقطت فوارق النسب واللون والوطن، فلا يكون أساس الولاء والبراء إلا الإسلام، وقد امتزجت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة وإسداء الخير في هذه الأخوة، وملأت المجتمع الجديد بأروع الأمثال 47، حتى قال الواحد منهم لأخيه: إني أكثر الأنصار مالًا؛ فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها 48.
ومن أساليب القرآن الكريم في الحث على وحدة المسلمين وتجمعهم، أنه أمر بالمبادرة إلى الإصلاح بين المؤمنين إذا ما نزغ الشيطان بين طائفتين منهم فحصل بينهم نزاع أو اقتتال.
قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الحجرات: ٩].
ففي هذه الآية نهيٌ من الله عز وجل للمؤمنين عن أن يبغي بعضهم على بعض، ويقاتل بعضهم بعضًا، فإن اقتتلت طائفتان منهم، فإن على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير، بالإصلاح بينهم، والتوسط بذلك على أكمل وجه يقع به الصلح، ويسلكوا الطريق الموصلة إلى ذلك، فإن حدث الصلح فبها ونعمت، وإن (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) أي: ترجع إلى ما حد الله ورسوله، من فعل الخير وترك الشر، الذي من أعظمه الاقتتال، وقوله: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) هذا أمر بالصلح، وبالعدل في الصلح، فإن الصلح قد يوجد، ولكن لا يكون بالعدل، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين، فهذا ليس هو الصلح المأمور به 49.
وفي الآية لطائف عظيمة تدل على أن الاقتتال بين المؤمنين شاذ عن الأصل المأمور به من الوحدة والأخوة والتآلف؛ حيث عبرت الآية عن حدوث ذلك الاقتتال بأداة الشرط (إن) التي تفيد ندرة الوقوع وقلته، وفي ذلك إشارة إلى أنه ينبغي أن لا يقع الاقتتال إلا نادرًا، ثم إن الآية الكريمة استعملت لفظة: (ﮚ) ولم تستعمل لفظة: (فرقتان) وذلك للدلالة أيضًا على التقليل؛ لأن الطائفة دون الفرقة، ثم إن الآية قالت: (ﮛ ﮜ) ولم تقل: (منكم) مع أن الخطاب للمؤمنين تنبيهًا على قبح ذلك، وزجرًا لهم عنه، كما يقول السيد لعبده: إن رأيت أحدًا من غلماني يفعل كذا فامنعه، فيصير بذلك مانعًا للمخاطب عن ذلك الفعل بالطريق الحسن، كأنه يقول أنت حاشاك أن تفعل ذلك فإن فعل غيرك فامنعه.
ولا يخفى أيضًا تعبير الآية بالفعل الماضي (ﮝ) بدل الفعل المضارع (يقتتلوا) حتى لا يدل دوام ذلك الاقتتال وكثرته، وكذلك التعبير بقوله: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) في غاية الحسن لأنه يفيد الندرة وقلة الوقوع 50.
ومن اللطائف في الآية أيضًا أن الله تعالى خاطب المؤمنين فيها بقوله: (ﮞ ﮟ) فلا ينبغي لهم أن يسمحوا لغيرهم من الكفار والمنافقين أن يتدخلوا في شؤونهم؛ فإنهم أي الكفار والمنافقين لا يزيدونهم إلا خبالًا وشقاقًا كما نرى في واقع المسلمين اليوم!!
ومن الآيات الكريمات التي تأمر بإصلاح ذات البين 51: قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأنفال: ١].
حيث نزلت هذه الآية عندما وقع خلاف بين المسلمين في غنائم بدر، وفي قسمتها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تقسم؟ ولمن الحكم في قسمتها؟ للمهاجرين أم للأنصار أم لهم جميعًا؟
فكان الجواب من الله عز وجل: قل لهم هي لرسول الله، وهو الحاكم فيها خاصة، يحكم ما يشاء، ليس لأحد غيره فيها حكم، (ﭚ ﭛ) في الاختلاف والتخاصم، وكونوا متآخين في الله، (ﭜ ﭝ ﭞ) يعني: ما بينكم من الأحوال حتى تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق، والبين الوصل أي: فاتقوا الله، وكونوا مجتمعين على ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم 52.
قال ابن كثير: « اتقوا الله في أموركم، وأصلحوا فيما بينكم، ولا تظالموا، ولا تخاصموا، ولا تشاجروا؛ فما آتاكم الله من الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه، (ﭠ ﭡ ﭢ) أي: في قسمه بينكم على ما أراده الله، فإنه إنما يقسمه كما أمره الله من العدل والإنصاف، وقال ابن عباس: هذا تحريج من الله ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم، وكذا قال مجاهد»53.
ولقد رغب القرآن الكريم في الإصلاح بين المسلمين، فقد قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [النساء: ١١٤].
يقول أبو بكر الجزائري مفسرًا لهذه الآية: « يخبر تعالى أنه لا خير في كثير من أولئك المتناجين، ولا في نجواهم؛ لنفاقهم وسوء طواياهم، اللهم إلا في نجوى أمر أصحابها بصدقة تعطى لمحتاج إليها من المسلمين، أو معروف استحبه الشارع أو أوجبه من البر والإحسان، أو إصلاح بين الناس للإبقاء على الألفة والمودة بين المسلمين، ثم أخبر تعالى أن من يفعل ذلك المذكور من الصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس طلبًا لمرضاة الله تعالى فسوف يثيبه بأحسن الثواب؛ ألا وهو الجنة، دار السلام؛ إذ لا أجر أعظم من أجر يكون الجنة»54.
وقد أكدت السنة المشرفة هذا المعنى العظيم، من الحث على إصلاح ذات البين، والترغيب فيه، فعن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة)، قالوا: بلى. قال: (إصلاح ذات البين وفساد ذات البين الحالقة) 55، وغير ذلك من الأحاديث.
إن هذه الآيات الكريمات التي تأمر وتحث على الإصلاح بين المسلمين، لهي آيات تدل على حرص هذا الكتاب العزيز على وحدة صف المؤمنين، وعدم السماح لأي أمر - مهما كان - أن يفرق كلمتهم، أو يشتت شملهم، فالمؤمنون إخوة، وأمة الإسلام أمة واحدة، لها دين واحد، وتعبد ربًا واحدًا.
ثانيًا: النهي عن الفرقة والاختلاف:
كما أن القرآن الكريم أمر بالوحدة وحث عليها، فإنه في مقابلة ذلك نهى عن الفرقة والاختلاف، وحذر منهما تحذيرًا عظيمًا، وذلك في آيات عدة من الكتاب العزيز، فمن ذلك قوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران: ١٠٣].
حيث « أمر الله عز وجل عباده المؤمنين في هذه الآية بما يعينهم على التقوى، وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة، مؤتلفين غير مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم، وتصلح دنياهم، وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم، ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام وفي هذه الآية ما يدل على أن الله يحب من عباده أن يذكروا نعمته بقلوبهم وألسنتهم؛ ليزدادوا شكرا له ومحبة، وليزيدهم من فضله وإحسانه، وإن من أعظم ما يذكر من نعمه نعمة الهداية إلى الإسلام، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقها»56.
ولقد قال الله عز وجل بعد هذه الآية بآية واحدة: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [آل عمران: ١٠٥].
« نهى الله سبحانه في هذه الآية عباده المؤمنين أن يكونوا كأهل الكتاب الذين وقعت بينهم العداوة والبغضاء؛ فتفرقوا شيعًا وأحزابًًا، واختلفوا في أصول دينهم، من بعد أن اتضح لهم الحق، وأولئك مستحقون لعذابٍ عظيم موجع » 57.
وأخرج الطبري عن ابن عباس رضي الله عنه في هذه الآية قال: « في هذا ونحوه من القرآن أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة؛ فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله » 58.
يقول الدكتور وهبة الزحيلي معلقًا على الآية السابقة: « إن التفرق في الدين أمر حرام ومنكر عظيم، مؤذن بتدمير المصلحة العامة، والقضاء على وجود الدولة المسلمة والأمة المؤمنة، وقد عد القرآن الكريم المتفرقين في الدين من الكفار والمشركين، كما في قوله تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷÊ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الروم: ٣١ - ٣٢].
وقوله: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الأنعام: ١٥٩].
ومن ترك الاعتصام بالقرآن والإسلام، ورد الأمر المتنازع فيه إلى غير الكتاب والسنة كان أيضًا من الكافرين»59.
ونظير هذه الآيات التي تنهى عن الفرقة والاختلاف قول الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأنفال: ٤٦].
ففي هذه الآية أمر من الله عز وجل لعباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونهي عن التنازع الذي يؤدي إلى الافتراق واختلاف القلوب، ومن ثم الضعف والجبن والفشل وذهاب الريح والقوة 60.
يقول ابن عاشور: « والنهي عن التنازع أعم من الأمر بالطاعة لولاة الأمور؛ لأنهم إذا نهوا عن التنازع بينهم، فالتنازع مع ولي الأمر أولى بالنهي؛ ولما كان التنازع من شأنه أن ينشأ عن اختلاف الآراء - وهو أمر مرتكز في الفطرة - بسط القرآن القول فيه ببيان سيىء آثاره، فجاء بالتفريع بالفاء في قوله: (ﭖ ﭗ ﭘ) فحذرهم أمرين معلومًا سوء مغبتهما: وهما الفشل وذهاب الريح وإنما كان التنازع مفضيا إلى الفشل؛ لأنه يثير التغاضب ويزيل التعاون بين القوم، ويحدث فيهم أن يتربص بعضهم ببعض الدوائر، فيحدث في نفوسهم الاشتغال باتقاء بعضهم بعضًا، فيصرف الأمة عن التوجه إلى ما فيه نفع جميعهم، ويصرف الجيش عن الإقدام على أعدائهم، فيتمكن منهم العدو؛ وذلك لأن التنازع يفضي إلى التفرق، وهو يوهن أمر الأمة»61.
ومن الآيات التي تحث على الاجتماع، وتذم الفرقة قول الله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الشورى: ١٣].
قال ابن كثير: « أوصى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالائتلاف والجماعة ونهاهم عن الافتراق والاختلاف»62.
لقد أخبرنا القرآن الكريم عن جماعة من المنافقين أرادوا تمزيق وحدة المسلمين، وتفريق صفهم، وبنوا لذلك مسجدًا ضرارًا؛ ففضحهم الله عز وجل، وأبدى عورهم للمسلمين، وقال فيهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [التوبة: ١٠٧].
إن الإسلام يحارب كل طريق تؤدي إلى تمزيق وحدة المسلمين، وإن كانت بناء مسجدٍ، وهذا المسجد لم يرد ببنائه الخير؛ وإنما أريد به أن يكون مقرًا للمنافقين؛ يـدبرون فيه مؤامراتهم ضـد الإسلام والمسلمين، ويشقون بـــه عصا الجماعة، فنهـى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقـوم في هـذا المسجد أبـدًا، (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [التوبة: ١٠٨].
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدمه وتحريقه63.
وللتنفير من التنازع والافتراق واقتتال المسلمين بعضهم مع بعض سمى الله عز وجل تشاجر المسلمين وقتال بعضهم بعضًا كفرًا.
قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [آل عمران: ١٠٠].
لقد ذكر المفسرون أن الآية الكريمة نزلت حينما حاول أحد اليهود الخبثاء الإيقاع بين المسلمين - بتذكيرهم بحروبهم أيام الجاهلية - حتى كادوا أن يقتتلوا 64؛ فنزلت هذه الآية تحذر المسلمين من طاعة المفسدين من أهل الكتاب الذين هدفهم إيقاع العدواة بين صفوف المسلمين.
والسنة النبوية المشرفة مؤازرة للقرآن الكريم في التحذير من الفرقة والشذوذ عن الجماعة، والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن يحصيها بحثنا هذا.
ولكن نشير إلى بعضها: فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، فقال: (أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن) 65.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة فى قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية)66.
ولقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم اقتتال المسلمين كفرًا، حيث قال في حجة الوداع: (لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) 67.
وقال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)68.
إن الناظر في أحكام الإسلام وتشريعاته يجدها حاثة على الوحدة، محذرة للفرقة، وذامة لها، فالإسلام حرم أن يهجر المسلم أخاه المسلم، وأمر بإفشاء السلام من أجل إشاعة المحبة، وأمر بصلاة الجماعة، ونهى أن يسافر الرجل وحده، وأن يبيت وحده، ولو ذهبنا نستقصي شواهد الشريعة التي تفيد وجوب اجتماع كلمة المسلمين، وحرمة الفرقة بينهم لطال بنا المقام.
والخلاصة: أن العمل على تحقيق وحدة المسلمين مما عظمت وصية الله به في كتابه، ووصية النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، ومما عظم ذم تركه، ومما عظمت حاجة المسلمين اليوم إليه، في وقت قد تمزقت فيه دولة الإسلام، وطغت الحزبية والطائفية والمذهبية والوطنية الضيقة على بلاد المسلمين، فما أشد حاجة المسلمين إلى العمل بما فرض الله عليهم، وما أشد حاجة المسلمين إلى وحدة أمتهم، واجتماعهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
الوحدة والعبادات 69
العبادات في الإسلام تمثل جزءًا عظيمًا من الدين؛ بل هي أساس الدين وجوهره، وهي ظاهر الدين وباطنه، وهي الصلة بين العبد وربه، وإن الأصل في العبادات أنها تؤدى امتثالًا لأمر الله عز وجل، وأداءً لحقه سبحانه على عباده، وشكرًا على نعمائه، وليس من اللازم أن يكون لهذه العبادات ثمرات ومنافع في حياة الإنسان المادية، وليس من الضروري أن يكون لها حكمة يدركها عقله المحدود؛ إذ الأصل فيها أنها ابتلاء لعبودية الإنسان لربه، فلا معنى لأن يدرك السر في كل تفصيلاتها؛ فالعبد عبد والرب رب 70.
ومن تأمل في العبادات التي شرعها الإسلام يجد أن كثيرًا من الحكم تظهر في أدائها، وكثيرًا من الثمرات تبرز حينما يقيمها المسلمون على مراد ربهم عز وجل، ومن عظيم هذه الثمرات المترتبة على العبادات توحيد أمة الإسلام، وبناء مجتمع مسلم مترابط متماسك؛ فإن العبادات إذا فهمت فهمًا صحيحًا، وطبقت تطبيقًا دقيقًا، أعطت مجتمعًا قويًا متينًا كالبنيان المرصوص، يسعى بذمته أدناه، ويكون يدًا على من سواه، يسوده العدل والمساواة والإحسان والبر والرحمة والتعاون والإيثار.
وهذه الثمرات نلمسها في جميع العبادات التي شرعها الإسلام، فأصل العبادات توحيد الله عز وجل، والأمة الموحدة لربها لا بد أن تكون أمة واحدة؛ فهي تعبد ربًا واحدًا، ولها شرعة واحدة، وأركان دينها واحدة.
ثم إن جميع العبادات تثمر وحدة المسلمين، من صلاة وزكاة وصيام وحج ودعاء، فليس من الإسلام أن يترهب المسلم وينقطع عن مجتمعه وأمته بحجة العبادة؛ ومن فهم أن العبادة في الإسلام تعني عزلة وانقطاعًا ففهمه خاطئ، صحيح أن في الإسلام بعض العبادات تحتاج إلى اعتزال؛ ولكن ليس كل العبادات كذلك، فغالب العبادات في الإسلام يؤديها المسلم مع إخوانه المسلمين، ويظهر من خلالها وحدة الأمة واجتماعها، وسنعرض في هذا المبحث - بإذن الله - لبعض هذه العبادات وأثرها على وحدة المسلمين.
أولًا: الصلاة وأثرها على وحدة المسلمين:
الصلاة هي الفريضة الأولى بعد الإيمان باﷲ ورسوله، وهي عماد الدين، وهي ثاني أركان الإسلام، ولقد ورد الأمر من الله عز وجل لعباده المؤمنين بإقامة الصلاة، وذلك في آيات كثيرة من الكتاب العزيز، من ذلك قوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة: ١١٠].
وقوله: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النور: ٥٦،].
وقوله: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الروم: ٣١].
وأثنى سبحانه على الذين يقيمون الصلاة في غير موضع: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ)[النساء: ١٦٢].
(ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ)[الأعراف: ١٧٠].
(ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الرعد: ٢٢].
ولقد أمر الله المؤمنين بالمحافظة على الصلوات فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [البقرة: ٢٣٨].
وغير ذلك كثير من الآيات التي تأمر بالصلاة، وتحث عليها، وفي ذلك بيان لعظيم منزلة الصلاة في الإسلام.
والصلاة لا يقتصر دورها على أجر يثاب عليه المؤمن، وعذاب ينجو منه، وإنما هي أيضًا تجميع رباني جميل للمسلمين جميعًا، على درجة واحدة من المساواة؛ فالحاكم والمحكوم، والرئيس والمرؤوس، وأصحاب الثروة والقوة، والنفوذ والسلطان، والذين ليس لهم من ذلك شيء، كل هؤلاء متساوون في الوقوف بين يدي اﷲ والإقبال عليه، لا فضل لأحد منهم على أحد، إلا بمقدار ما في قلبه من تقوى، وما تثمره هذه التقوى من خيرات، وما تحجز عنه من موبقات 71.
إن الإسلام لم يكتف من المسلم أن يؤدي الصلاة وحده في عزلة عن المجتمع الذي يحيا فيه؛ ولكنه دعاه دعوة قوية إلى أدائها في جماعة وبخاصة في المسجد، (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [التوبة: ١٠٨].
والمسجد مكان مشاع عام يتساوى فيه الناس جميعًا؛ الحر منهم والعبد، والحاكم والمحكوم، والغني والفقير، في صورة عظيمة من صور وحدة المسلمين وتآلفهم.
وإذا حضر المؤمن الجماعة، عرف إخوانه وعرفوه، فلو غاب عنهم سألوا عنه؛ فإن كان غائبًا دعوا له، وإن كان مريضًا عادوه؛ فأثيبوا وأجروا، وجبروا خاطره، وأدخلوا السرور عليه، وإن كان حاضرًا زاروه، فتوطدت أواصر الأخوة، وتأكدت أسباب التضامن والمحبة 72.
يتوجه المسلمون في صلاة الجماعة إلى قبلة واحدة، يقصدون ربًا واحدًا، يقتدون بإمام واحد، يكبرون معًا، ويتلون كتابًا واحدًا، ويدعون بدعاء واحد بصيغة الجمع قائلين: (ﭧ ﭨ ﭩ: ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الفاتحة: ٦ - ٧].
ويركعون ويسجدون معًا، ويسلمون منتهين من صلاتهم معًا، ولقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على المحافظة على الجماعة في الصلوات، وجعل الإسلام أجر الصلاة في الجماعة أضعاف صلاة المنفرد؛ بل إن الخطوات إلى الجماعات مأجورة مباركة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعًا وعشرين درجة؛ وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه) 73.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الاهتمام - في صلاة الجماعة - بتسوية الصفوف، كثير الترغيب في إقامتها ووصلها، وسد خللها، شديد الإنكار على الإخلال بها والتفريط فيها، ذلك لأن فوائد الجماعة لا تتحقق ولا تكتمل إلا بالمحافظة عليها، وقيام المسلمين فيها كالبنيان المرصوص، وفي ذلك تهيئة لهم لفريضة الجهاد وبيان لأهمية رص الصف المسلم وعدم تشرذمه (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الصف: ٤]74.
لقد كانت هذه الجماعة عاملًا كبيرًا من عوامل وحدة المسلمين في العبادات، كما كانت سببًا عظيمًا في تضامنهم، وجمع كلمتهم، وبلغ من اهتمام الإسلام بالجماعة أنه رغب في إقامتها، والحرص عليها حتى في أوقات المحن والشدائد، حين يلقى المسلمون عدوهم، ويواجهون خصومهم، لأن الصلاة في ذاتها سبب المعونة الإلهية، ولأن في إقامتها مع الجماعة مزيدا من العون والعطاء، تتضاعف بركاتها، وتكثر خيراتها 75.
قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ)[النساء: ١٠٢].
وهذه الصلاة هي التي تسمى صلاة الخوف.
لقد شرع الله عز وجل صلاة الجمعة، واختصها بشروط وآداب تزيد في جلالها، وترفع من شأنها، وتورث مزيدًا من الاهتمام بها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الجمعة: ٩].
فصلاة الجمعة هي الصلاة الجامعة، التي لا تصح إلا جماعة، وهي صلاة أسبوعية، يتحتم أن يتجمع فيها المسلمون، يلتقي المسلم فيها مع إخوانه، بستمع إلى أخبارهم، ويتفقد أحوالهم، ويستمع معهم إلى خطبة - من إمامهم -تذكرهم باﷲ عز وجل، وهي عبادة تنظيمية على طريقة الإسلام 76.
ثم هناك أيضًا صلاة فيها اجتماع أكبر للمسلمين يتكرر في العام مرتين، إنها صلاة العيد، تلك الصلاة العظيمة التي يخرج إليها أهل البلد جميعًا في أبهى مظاهر الوحدة، وفي أجمل صور الأخوة، جاء في الحديث عن أم عطية قالت: (أمرنا أن نخرج الحيض يوم العيدين، وذوات الخدور؛ فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم، ويعتزل الحيض عن مصلاهن، قالت امرأة: يا رسول الله، إحدانا ليس لها جلباب، قال: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها) 77.
من خلال ذلك نعم أهمية إقامة الصلوات في توحيد المسلمين، وتنمية الألفة والمحبة في قلوبهم، فالمصلي يلتقي بإخوانه كل يوم خمس مرات، يدخل معهم المسجد، ويضع كتفه بجنب كتف أخيه، ويلصق قدمه بقدمه، بين يدي ربهم عز وجل، في أروع صور اللحمة والمحبة.
ثانيًا: الزكاة وأثرها على وحدة المسلمين:
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وقد أمر الله عز وجل بها في كتابه في مواضع كثيرة، وقرن سبحانه الأمر بإيتائها مع الأمر بإقامة الصلاة في آيات كثيرة من الذكر الحكيم، من ذلك قوله عز وجل: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة: ١١٠].
وقوله: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البينة: ٥].
وقوله: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [التوبة: ١١].
ولقد مدح الله سبحانه مؤدي الزكاة: (ﭙ ﭚ ﭛ, ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النمل:٢-٣].
وذم مانعيها: (ﮉ ﮊ] ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [فصلت: ٦-٧].
وليس المجال هنا للحديث عن تفاصيل تلك العبادة المالية العظيمة؛ ولكن الذي يعنينا هنا بيان ما للزكاة من أثر عظيم على وحدة المسلمين وتكافلهم ونشر المودة والمحبة بينهم.
إن للزكاة أثرها العظيم في تحقيق وحدة المسلمين وتكافلهم، إذ إن الزكاة مالٌ يخرجه المسلم الغني من ماله، ويعود به على إخوانه الفقراء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن: (فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة؛ تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم) 78.
ويظهر أثر الزكاة في تحقيق وحدة المسلمين وتآلفهم وتكافلهم - سواء كان ذلك من الناحية المعنوية أم من الناحية المادية - من عدة وجوه:
وليس شيء أجلب لمحبة الناس، وكسب مودتهم من الإحسان إليهم، ومد يد العون لهم، والسعي في مصالحهم، والتخفيف من آلامهم.
فتنمو شخصيته، وتزكو نفسه، وينشرح صدره، ويرتفع كيانه المعنوي، ويشعر بسعادة غامرة وهو يواسي إخوانه، ويقوم بواجبه تجاه مجتمعه.
كما يشعر آخذ الزكاة، بقيمته وقدره، وأنه ليس شيئًا ضائعًا، ولا كمًا مهملًا، وإنما هو في مجتمع كريم يعنى به ويرعاه، ويأخذ بيده، ويعينه على نوائب الدهر؛ فيحمله ذلك على محبة مجتمعه، والتفاعل معه، ويبقى قلبه سليمًا، خاليًا من الحقد والحسد، مقدرًا لإخوانه الأغنياء، معترفًا بفضلهم وبذلهم، داعيًا لهم بالبركة والتوفيق وسعة الرزق.
فالزكاة تستل سخائم الفقراء، وتزكي نفوسهم من الضغينة والبغضاء، والحسد لأهل المال والثراء؛ بل تجعل الفقير يدعو لهم بالبركة والزيادة والنماء، وبهذا يتحول المجتمع إلى أسرة واحدة، تجللها المحبة والوفاء، ويسودها التعاون والإخاء.
أما الآخذ، فإن له في أموال الزكاة مايغنيه، ويجعله آمنًا مطمئنًا، شجاعًا عزيزًا، يواجه المستقبل بنفس راضية، وعزيمة ثابتة، وأما المعطي فإنه مطمئن إلى مستقبله، واثق من عون الله له، وحفظه لماله، ووقايته من الآفات، وأنه إن قدر الله غير ذلك، وتغيرت عليه الأحوال، وأصبح فقيرًا بعد الغنى، فإن له في مال إخوانه ما هو كفيل بجبر كسره، وسد حاجته، فيشعر أن قوة إخوانه قوة له إذا ضعف، وغناهم مددٌ له إذا أعسر.
وأما المجتمع، فإن الزكاة سبب لتماسكه وتآلفه، وتضامنه وتكافله، ووقايته من رياح التفكك والتشرذم، وأعاصير الجريمة والظلم.
وبهذا تكون الزكاة أول تشريع منظم لتحقيق التكافل المادي، أو ما يسمى بالضمان الاجتماعي، الذي لا يعتمد على التبرعات الفردية الوقتية؛ بل يقوم على مساعدات حكومية دورية منتظمة، غايتها تحقيق الكفاية لكل محتاج: الكفاية في المطعم والملبس والمسكن، وسائر الحاجات، بما يكفل له ولعائلته مستوى معيشيًا ملائمًا من غير إسراف ولا تقتير 80.
ولو أن أهل الأموال جميعهم أخرجوا زكاة أموالهم، وصرفوها لمستحقيها، لما بقي في المسلمين فقير. وما حاجة الفقراء إلا بسبب منع الأغنياء، فما احتاج فقير إلا بما منع غني، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: « إن الله عز وجل فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، فإن جاعوا وعروا وجهدوا، فبمنع الأغنياء، وحقٌ على الله عز وجل أن يحاسبهم يوم القيامة، ويعذبهم عليه » 81.
ويقول محمد رشيد رضا: «ولو أقام المسلمون هذا الركن من دينهم لما وجد فيهم - بعد أن كثرهم الله عز وجل، ووسع عليهم في الرزق - فقير مدقع، ولا ذو غرم مفجع؛ ولكن أكثرهم تركوا هذه الفريضة، فجنوا على دينهم وأمتهم، فصاروا أسوأ من جميع الأمم حالًا في مصالحهم المالية والسياسية»82.
ثالثًا: الحج وأثره على وحدة المسلمين:
الحج فريضة فرضها الله عز وجل على عباده (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [آل عمران: ٩٧].
وهو خامس أركان الإسلام، والحج فيه توحيد الله عز وجل (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅV ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الحج: ٢٦ - ٢٧].
وفيه أيضًا توحيد لأمة الإسلام.
إن وحدة المسلمين تتجلى في أبهى صورها ومعانيها في شعيرة الحج، هذا الركن العظيم الذي يتكرر كل عام، ويجتمع له كثير من المسلمين من شتى بقاع المعمورة، ويمثلون فيه أمة الإسلام على اختلاف أجناسها، وبلدانها، وألوانها، ولغاتها؛ يجتمعون في مكان واحد، وفي زمان واحد، وفي لباس واحد، ويؤدون نسكًا واحدًا، ويقفون في المشاعر موقفًا واحدًا، يعلنون فيه توحيدهم لرب العالمين، وخضوعهم لشريعته، وتوحدهم تحت لوائه ورايته.
لقد بين الله عز وجل لعباده المؤمنين أن في الحج منافع لهم، فقال سبحانه: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔe ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الحج: ٢٧ - ٢٨].
ولقد ذكر المفسرون أن هذه المنافع منها منافع دينية من مغفرة للذنوب، ورفعة للأجور، ومنافع دنيوية من تحصيل التجارة والمكاسب 83.
قال ابن عاشور: «وتنكير (ﮗ)للتعظيم المراد منه الكثرة، وهي المصالح الدينية والدنيوية؛ لأن في مجمع الحج فوائد جمة للناس: لأفرادهم ولمجتمعهم» 84.
ومن أعظم المنافع التي ينالها المسلمون من أداء فريضة الحج اجتماع أهل التوحيد في صعيد واحد؛ يتعرف بعضهم على بعض، ويحدث بعضهم بعضًا عن أخبارهم وأخبار المسلمين في بلادهم، ويتبادلون الآراء والمنافع، ويتناصحون فيما بينهم، ويتناقشون مشكلاتهم، ويتعاونون على البر والتقوى، ويظهرون قوتهم، ويعلنون وحدتهم، ويغيظون أعداءهم، وفي ذلك كله من مصلحة لأمة الإسلام مـا لا يخفى 85.
إن توحيد الأمة الإسلامية من خلال العبادات لا يظهر من خلال الصلاة والزكاة والحج فقط؛ ولكنه يظهر من خلال العبادات كلها؛ ففي الصيام توحيد للأمة، حيث يصوم المسلمون في شهر واحد، يمسكون عن الطعام معًا، ويفطرون معًا، ويشعر غنيهم بفقيرهم، ويخرجون صدقة فطرهم معًا، وبعد تمام الصيام يجتمعون في مصلى العيد يهنئ بعضهم بعضًا.
ومن العبادات دعاء المسلم لإخوانه المسلمين، ومن العبادات بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران وتفقد المساكين والأرامل والأيتام، ولا يخفى ما في هذه العبادات من عوامل الوحدة والألفة بين أبناء الإسلام جميعًا.
إن وحدة أمة من الأمم لا بد أن يكون لها أسباب، ولا بد أن يكون لها أسس وأصول تعتمد عليها؛ فإن الذي يوحد الناس أمر مشترك بينهم؛ يجمعهم ويوحدهم، ويجعل هدفهم واحدًا، وغايتهم واحدة، وهمهم واحدًا، وهكذا تتوحد الشعوب والأمم.
وإن أمة الإسلام عندها من أسباب الوحدة ومقوماتها ما هو أكثر وأعظم من غيرها من الأمم؛ فأمة الإسلام تجمعها عقيدة واحدة، وتربطها شريعة واحدة، لها ربٌ واحد، ولها كتاب واحد، ونبي واحد صلى الله عليه وسلم، وقبلة واحدة، وغاية واحدة، وكل ذلك من أسباب وحدتها، ومقومات قوتها.
وسنعرض في النقاط الآتية مجمل أسباب وحدة الأمة الإسلامية:
أولًا: طاعة الله وطاعة رسوله:
إن أمة الإسلام أمةٌ ربانيةٌ، تؤمن بالله عز وجل ربًا، وتؤمن بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا، وتتعبد ربها وتتقرب إليه بطاعته وبطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر هو أعظم ما يجمع هذه الأمة؛ فليس بين أفرادها من يعبد إلاهًا آخر، أو يتبع نبيًا غير محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وليس بين أفرادها من يقدم طاعة مخلوق مهما عظم على طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
إن أصل كلمة الإسلام مأخوذ من الاستسلام لله عز وجل، والانقياد له سبحانه، وهذا أصل الدين؛ بل هذا هو الدين كله، وهذا هو الذي يميز المسلم عن غيره؛ فالمسلم من استسلم لله وانقاد له، فأطاعه وأطاع رسوله صلى الله عليه وسلم (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [النمل: ٩١].
وغير المسلم لم يستسلم لله، ولم يطعه سبحانه، ولم يتبع نبيه صلى الله عليه وسلم.
إن الله عز وجل أمر عباده المؤمنين بالاعتصام بحبله سبحانه فقال: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران: ١٠٣].
فلم يأمر سبحانه بمجرد الاعتصام؛ وإنما بين بماذا يكون الاعتصام، أمرهم أن يعتصموا بحبله؛ وحبل الله هو دينه، أو هو كتابه، أمر الله عز وجل المؤمنين أن يعتصموا ويستمسكوا به، ويعتمدوا عليه؛ لأنه حبل النجاة، وسبب السلامة، أمرهم ربهم أن يفعلوا ذلك جميعًا، كلهم مجتمعين86.
ولقد جاء في الحديث الشريف عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطًا هكذا أمامه، فقال: (هذا سبيل الله عز وجل)، وخطين عن يمينه، وخطين عن شماله، قال: (هذه سبيل الشيطان)، ثم وضع يده في الخط الأسود، ثم تلا هذه الآية: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الأنعام: ١٥٣]87.
لقد أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله في كثير من آيات الذكر الحكيم: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [آل عمران: ١٣٢].
وبين لهم أن في تلك الطـاعة الفلاح والفوز العظيم، قال سبحانه: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [النساء: ١٣].
وقال: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأحزاب: ٧١].
إن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم المتمثلة باتباع الوحي الذي أنزله سبحانه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لهي العاصمة الواقية من كل ضلال، ولم يضمن الله عز وجل لأحد ألا يكون ضالًا في الدنيا، ولا شقيًا في الآخرة إلا لمتبعي الوحي وحده.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [طه: ١٢٣].
وقد دلت هذه الآية على انتفاء الضلال والشقاوة عن متبعي الوحي، ودلت آية البقرة على انتفاء الخوف والحزن عنهم، وذلك في قوله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [البقرة: ٣٨]88.
إن الأمة إذا تمسكت بوحي ربها، واستنارت بالهدى الذي أنزله الله لها، توحدت على ذلك، وأي شيء يوحد الأمة أعظم من ذلك؟!
ثانيًا: التحاكم إلى القرآن والسنة:
إذا كانت أمة الإسلام أمةً متبعةً للوحي الرباني، ومطيعةً لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فلا بد لها أن ترجع دائمًا إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهما مصدرا التشريع بالنسبة لها، وهما المرجع في كل ما يطرأ عليها من أحداث، وبهما تستنير وتسترشد، (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [آل عمران: ٣٢].
وبذلك تتوحد الأمة أعظم توحد؛ حينما يكون لها مرجع واحد ترجع جميعها إليه؛ ترضى بحكمه، ولا تختلف عليه.
لذا فقد أمر الله عز وجل هذه الأمة إن تنازعت في شيء أن ترده إلى القرآن والسنة؛ حتى يزول التنازع، ويظهر الحق من الباطل.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [النساء: ٥٩].
قال ابن كثير: « وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه؛ من أصول الدين وفروعه، أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الشورى: ١٠].
فما حكم به الكتاب والسنة، وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟! ولهذا قال تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) أي: ردوا الخصومات والنزاعات إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنًا بالله ولا باليوم الآخر، وقوله: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) أي: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله والرجوع إليهما في فصل النزاع خير وأحسن تأويلًا، أي: وأحسن عاقبةً ومآلًا»89.
وقال أبو بكر الجزائري: « الآية خطاب عام للولاة والرعية، فمتى حصل خلاف في أمر من أمور الدين والدنيا، وجب رد ذلك إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فما حكما فيه وجب قبوله حلوًا كان أو مرًا، وقوله تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) فيه أن الإيمان يستلزم الإذعان لقضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو يفيد أن رد الأمور المتنازع فيها إلى غير الشرع قادح في إيمان المؤمن.
وقوله: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) يريد ذلك الرد والرجوع بالمسائل والقضايا المختلف فيها إلى الكتاب والسنة هو خير حالًا ومآلًا، لما فيه من قـطع النزاع والسير بالأمـة متحدة متحابة متعاونة » 90.
ولقد أنكر الله عز وجل على عباده المؤمنين أن يقع بينهم الخلاف والاقتتال، وآيات الله تتلى عليهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم.
قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎá ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران: ١٠٠ - ١٠١].
ففي الآية الثانية تعجب وإنكار على المؤمنين أن يقعوا في الكفر، أو أن يتفرقوا بعد وحدتهم، مع أنه قد اجتمع لهم كل الأسباب الداعية إلى الإيمان، الصارفة عن الكفر؛ فآيات الله تتلى عليهم ليل نهار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم؛ يبين لهم الحق، ويبصرهم الهدى والرشاد، وينهاهم عن الغي والضلال، فليس لهم عذر إن ارتدوا على أعقابهم، أو رجعوا إلى أمر جاهليتهم 91.
قال القرطبي: « ويدخل في هذه الآية من لم ير النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ما فيهم من سنته يقوم مقام رؤيته، قال الزجاج: يجوز أن يكون هذا الخطاب لأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم خاصة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيهم، وهم يشاهدونه، ويجوز أن يكون هذا الخطاب لجميع الأمة؛ لأن آثاره وعلاماته صلى الله عليه وسلم والقرآن الذي أوتي باقٍ فينا مكان النبي صلى الله عليه وسلم فينا، وإن لم نشاهده » 92.
إنه لا ينبغي لأمة الإسلام أن تختلف أو تتنازع في حكم أمر من الأمور ما دام بينها كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، تتحاكم إليهما، وترضى بما فيهما، وتذعن وتسلم لحكم ربها عز وجل، فهل يبقى خلاف حينئذ؟!
وبهذا فإن التحاكم إلى القرآن والسنة هو أعظم ما تتوحد عله أمة الإسلام اليوم؛ لأن ذلك هو الذي وحد العرب والناس الذين دخلوا في الإسلام بعد أن كانوا مشتتين ممزقين متناحرين.
ولا بد من التنبيه هنا إلى أن التحاكم إلى القرآن والسنة ليس مجرد شعار يرفع، أو كلام يدعيه الجميع؛ بل لا بد أن يكون هذا التحاكم أمرًا حقيقيًا واقعيًا، ولا بد أن يكون هذا التحاكم مبنيًا على فهم صحيح للقرآن والسنة، وليس فهمًا حسب الأهواء، ولتجتمع الأمة على الفهم الذي فهمه القرن الأول من الصحابة الأخيار الأطهار، فهذا هو الفهم الصحيح الذي نجتمع عليه ولا نفترق.
ثالثًا: الخلق الحسن:
إن من أعظم أسباب الوحدة - بعد الاعتصام بالقرآن والسنة- حسن الخلق؛ إذ الأخلاق الحسنة تجمع ولا تفرق، تنشر الألفة والمحبة وتزيل الضغينة والشحناء، وبالأخلاق الحسنة الكريمة يتحابب المسلمون، ويعفو بعضهم عن بعض؛ فتبقى أمتهم أمة واحدة، ويبقى بينهم الود والوصال.
ولقد أكرم الله عز وجل هذه الأمة بنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ أكرم الناس خلقا، وأعظمهم أدبًا، قال الله عز وجل في شأنه: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [آل عمران: ١٥٩].
«أي برحمة الله لك ولأصحابك، من الله عليك بأن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحسنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك، ولو كنت فظًا سيئ الخلق قاسي القلب لانفضوا من حولك؛ فالأخلاق الحسنة تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبها من المدح والثواب، والأخلاق السيئة تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب» 93.
«إن الناس في حـاجة إلى كنفٍ رحيمٍ، وإلى بشاشةٍ سمحةٍ، وإلى ودٍ يسعهم، وحـلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم، في حاجة إلى قلبٍ كبيرٍ يعطيهم ويحمل همومهم، يجدون عنده دائمًا الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود، وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما غضب لنفسه قط، ولا احتجز لنفسه شيئًا من أعراض هذه الحياة الدنيا؛ بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم، وما من واحدٍ منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه؛ نتيجة لما أفاض عليه صلى الله عليه وسلم من نفسه الكبيرة الرحيبة» 94.
لقد بين الله تعالى أن ثمرة اللين والخلق الحسن هي المحبة والاجتماع عليه صلى الله عليه وسلم، وأن خلافها من الجفوة والخشونة مؤدٍ إلى التفرق والنفور 95؛ لذا أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بأن يعامـل بعضهم بعضًا باللين والعفو والمسامحة، وألا يردوا السيئة بمثلها؛ ولكن يدفعوها بالتي هي أحسن، (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الإسراء: ٥٣].
فهذا أمر من الله عز وجل لعباه المؤمنين بأن يقولوا ويعملوا التي هي أحسن، أمرهم بحسن الأدب، وإلانة القول، وخفض الجناح، وعدم مجاراة نزغات الشيطان؛ فالشيطان ينزغ بين الإخوة بالكلمة الخشنة القاسية تفلت، وبالرد السيئ يتبعها، وحينها ينقلب جو الود والمحبة والوفاق إلى جوٍ مشوبٍ بالخلاف ثم بالجفوة ثم بالعداء96.
إن الشيطان يتربص بالمؤمنين، ويتلمس منهم السقطات التي تقع من أفواههم، والعثرات التي تنطق بها ألسنتهم، لكي يشيع الشر بينهم، ويبذر بذور الخصومة والبغضاء في صفوفهم، ويهيج أعداءهم عليهم، وهذا أمر متوقع من الشيطان؛ لأنه (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) حريص على الإفساد بين الناس، ظاهر العداوة لهم منذ القدم97.
ولقد رغب الله عز وجل عباده المؤمنين في معاملة إخوانهم بالتي هي أحسن فقال سبحانه: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [فصلت: ٣٤].
أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها، ولا في جزائها، ثم أمر سبحانه بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فصله، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلم فيك غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين، وإن هجرك، وترك خطابك، فطيب له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة، (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) أي: كأنه قريب شفيق 98.
إن هذه الآية الكريمة تأمر بأعلى الأخلاق وأكرمها، لا تأمر بالعفو عن المسيء فقط؛ بل تأمر بمقابلة الإساءة بالتي هي أحسن، كما لو أساء إليك رجل إساءة فالحسنة أن تعفو عنه، والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، مثل أن يذمك فتمدحه، أو يقتل ولدك فتفتدي ولده من يد عدوه، وثمرة ذلك الخلق الكريم الرفيع ثمرة عظيمة، إذ إن ثمرة ذلك أن تنقلب العداوة إلى محبة، والشقاق إلى وفاق، ويصير العدو الخصم كأنه وليٌ حميمٌ 99.
ونظير هذه الآية قول الله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [المؤمنون: ٩٦].
« أي إذا أساء إليك أعداؤك، بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإساءة - مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته - ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإن ذلك فضل منك على المسيء، وأدعى لجلب المسيء إلى الحق، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتوبة عما فعل، وليتصف العافي بصفة الإحسان، ويقهر بذلك عدوه الشيطان، وليستوجب الثواب من الرب عز وجل.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الشورى: ٤٠]» 100
رابعًا: الإصلاح بين المتنازعين:
أمر الله عز وجل بالإصلاح بين المتنازعين من المؤمنين، حيث قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ» ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الحجرات: ٩ - ١٠].
فهذه الآية توجب على المؤمنين الإصلاح بين إخوانهم إن حدث نزاع أو قتال بين طائفتين منهم، ولا يخفى ما في الإصلاح بين المتنازعين من ترسيخ لوحدة الأمة المسلمة، وصيانة لها من تشقق بنيانها، وتفكك وحدتها.
إن التنازع بين المؤمنين يمزق صفهم، ويوقع العداوة بينهم، فيوهن قوتهم، ويغري أعداءهم بهم، وهذا كله شرٌ يأباه الإسلام؛ لذا كان الأمر بالمبادرة إلى الإصلاح بين المتنازعين قبل أن يكبر الخلاف، ويعظم النزاع؛ فأمة الإسلام لا يليق بها تنازع أفرادها، وإنما اللائق بها الإخوة والمحبة والألفة بين أفرادها جميعًا.
وقد سبق في المطلب الأول من المبحث الثالث بيان حث القرآن الكريم على الإصلاح بين المتنازعين من المؤمنين فلا داعي لتكرار ذلك هنا.
خامسًا: الإعراض عن الجاهلين:
لا شك أن مجاراة الجاهلين، ومقابلة جهلهم بالمثل من الأمور التي تطعن في خاصرة الأخوة الإيمانية، وتزعزع الوحدة والألفة بينهم، إذ إن مجاراة هؤلاء الجاهلين يزيدهم جهلًا، وينشئ التنازع والخلاف بين صفوف المسلمين، فيشتت شملهم، ويمزق كلمتهم، ولا يخفى ما في الإعراض عن أولئك الجاهلين من مصلحة للمسلمين، بصيانة وحدتهم وإدامة اجتماعهم وتآلفهم.
ولقد أمر الله عز وجل بالإعراض عن الجاهلين فقال سبحانه: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأعراف: ١٩٩].
ففي الإعراض عنهم مصلحة خاصة للمعرض، حيث يسلم من أذيتهم، وفيه مصلحة عامة للمجتمع، حيث يسلم المجتمع المسلم من حدوث النزاعات والخلافات التي لا تحمد عقباها.
والآية السابقة جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم؛ فالذي ينبغي أن يعامل به الناس أن يأخذ منهم العفو، وهو ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يكلفون ما لا تسمح به طبائعهم؛ بل يشكر من كل أحد ما قدمه، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض الطرف عن نقصهم، وليأمروا بكل قول حسن وفعل جميل، وخلق حسن؛ من صلة رحم، أو بر والدين، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية، أما الجاهلون منهم فقد أمر الله تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه، وعدم مقابلته بجهله، فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه، ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك فصله، ومن ظلمك فاعدل فيه 101.
قال القرطبي: « هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات؛ فقوله: (ﭵ ﭶ) دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين، ودخل في قوله: (ﭷ ﭸ) صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار، وفي قوله: (ﭹ ﭺ ﭻ) الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة » 102
إذا كان لوحدة الأمة الإسلامية أسبابٌ ومقوماتٌ عظيمةٌ من شأنها أن تجعل أمة الإسلام أعظم الأمم توحدًا واتحادًا واجتماعًا، فإن هناك عوائق قد تقف حائلًا دون تحقيق تلك الوحدة، فالوحدة إذا وجدت فلا بد من صيانتها من العوامل التي تؤدي إلى تحللها وتفككها، وفي المطالب الآتية بيان لأهم تلك العوائق التي تحول دون وحدة المسلمين.
أولًا: اتباع نزغات الشيطان:
لقد حذرنا ربنا عز وجل من الشيطان تحذيرًا عظيمًا، وبين أنه عدوٌ لنا.
قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [فاطر: ٦].
فلا ينبغي للمؤمنين أن يتبعوا خطواته؛ لأنه لا يأمر إلا بالشر والفحشاء والمنكر، ولا يريد لحزبه إلا أن يكونوا معه من أصحاب السعير.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النور: ٢١].
وقد بين لنا ربنا عز وجل أن عداوة الشيطان لنا قديمة منذ خلق آدم عليه السلام.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأعراف: ٢٧].
والآيات القرآنية التي تحذرنا من الشيطان الرجيم وتبين لنا أساليبه الخبيثة في إضلال من يتبعه كثيرة ليس المجال هنا لحصرهـا.
وإن من أخبث غايات الشيطان وأهدافه أن يوقع الشر والخصومة بين المؤمنين، وأن يبدل محبتهم لبعضهم بغضًا، وأن يقلب أخوتهم عداوة، وإن أسعد لحظات الشيطان الرجيم يوم يرى المؤمن قد رفع سلاحه على أخيه المؤمن، ويرى الخصومات والنزاعات قد اشتعلت نيرانها، وبرز شرها بين أمة الإسلام، حتى إن الشيطان ليفرح بالخصومة التي تقع بين الرجل وزوجه.
ففي الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه؛ فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة؛ يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت)، قال الأعمش: أراه قال: (فيلتزمه)103.
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون فى جزيرة العرب ولكن فى التحريش بينهم) 104.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أصبح إبليس بث جنوده، فيقول: من أضل اليوم مسلما ألبسته التاج، فيجيء أحدهم فيقول: لم أزل به حتى عق والده، فقال: يوشك أن يبره، ويجيء أحدهم فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته، فيقول: يوشك أن يتزوج، ويجيء أحدهم فيقول: لم أزل به حتى أشرك فيقول: أنت أنت، ويجيء أحدهم فيقول: لم أزل به حتى قتل، فيقول: أنت أنت ويلبسه التاج) 105.
إن المسلم إذا اتبع خطوات الشيطان وقع في تلك المهلكات الموبقات، وإن المجتمع المسلم متى اتبع نزغات الشيطان تشققت وحدته، وتصدع صفه، وخارت قوته، واشتغل أفراده بخصومات أشعلها الشيطان الرجيم بينهم.
لذا فإن من أخطر العوائق في طريق تحقيق وحدة الأمة الإسلامية السماح للشيطان أن يوقع بيننا، وأن يشعل فتيل الفتنة المهلكة بين أفراد أمتنا، ومتى أرادت الأمة العودة إلى وحدتها التي كانت عليها في عصورها الأولى فعليها أن تغلق الباب في وجه الشيطان، وأن تفوت عليه الفرصة في التحريش بين المؤمنين، ولو عقل المؤمنون ذلك لزالت كثير من الخصومات والنزاعات التي بينهم.
لقد أرشدنا الله عز وجل إلى كيفية تفويت الفرص على الشيطان الذي يبغي الفساد بيننا، وذلك بالالتجاء إلى الله عز وجل، والاستعاذة به سبحانه من ذلك الرجيم.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [فصلت: ٣٦].
فمتى تعرض للعبد من الشيطان وسوسة تثير غضبه، وتحمله على خلاف ما أمره الله؛ فليستعذ بالله، وليلتجئ إلى حماه؛ فإنه سبحانه هو السميع لدعائه، العليم بكل أحواله، القادر على دفع كيد الشيطان عنه، فالآية الكريمة ترشد المؤمن إلى العلاج الذي يحميهم من وسوسة الشيطان وكيده، ألا وهو الاستعاذة بالله السميع لكل شيء، العليم بكل شيء، القادر على كل شيء106.
وبين لنا ربنا سبحانه أمرًا آخر علينا العمل به لتفويت الفرصة على الشيطان الرجيم، وذلك في قوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الإسراء: ٥٣].
حيث أمرنا سبحانه بأن نتأدب في قولنا وفعلنا، وأن نلين في مخاطبتنا، ولا يخرج منا إلا الكلام الحسن، ففي ذلك حفاظ على المودة بين المؤمنين، وتفويت لغاية الشيطان الرجيم 107.
قال ابن عاشور: «جملة (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) تعليل للأمر بقول التي هي أحسن، والمقصود من التعليل أن لا يستخفوا بفاسد الأقوال؛ فإنها تثير مفاسد من عمل الشيطان، ولما كان ضمير (ﮊ) عائدا إلى عبادي كان المعنى التحذير من إلقاء الشيطان العداوة بين المؤمنين، تحقيقًا لمقصد الشريعة من بث الأخوة الإسلامية»108.
ثانيًا: التنازع والاختلاف:
لا شك أن التنازع والاختلاف من أهم عوائق وحدة الأمة الإسلامية، إذ كيف تتوحد الأمة وأفرادها متنازعون مختلفون؟! وكيف يكون لهم كيان موحد متماسك إذا كانت قلوبهم مختلفة؟! وهذا أمر بدهي لا يحتاج إلى دليل ولا برهان.
إن الرعيل الأول من هذه الأمة كانوا على المنهج الذي جعله الله عز وجل لهم، كانوا متحدين على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ كانت لهم قلوب متآلفة، ولم يكن بينهم نزاع ولا شقاق، فأقاموا أمةً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، ومسلمو اليوم ابتعدوا عن كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وتنافرت قلوبهم، ودب الخلاف بينهم، وتشتتوا إلى دويلات وأحزاب وجماعات، لا تكاد جماعة منهم تتفق مع أختها، وانشغل كل حزب بنفسه، وأصبحت وحدة الأمة الإسلامية حلمًا يتمناه كل مسلم؛ لكنه يراه بعيد المنال، بعد أن كان أمرًا واقعًا.
إن الله عز وجل قد حذر هذه الأمة من الاختلاف والنزاع، وبين لها العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك؛ كي تحذر الأمة وتتجنب كل ما يؤدي إلى الاختلاف بين أفرادها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأنفال: ٤٦].
فأمر سبحانه في هذه الآية بطاعته وبطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك تجنب للنزاع والخلاف، ثم نهى سبحانه عن التنازع تأكيدًا على بيان خطره وشره، (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) نهاهم سبحانه أن يتنازعوا فيما بينهم فيختلفوا فيكون ذلك سببًا لتخاذلهم وفشلهم وذهاب قوتهم ووحدتهم، وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله به، وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم؛ فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقًا وغربًا في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم من الروم والفرس والترك والبربر وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم، قهروا الجميع حتى علت كلمة الله، وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة109.
ولقد سبق الحديث عن نهي القرآن الكريم عن الاختلاف والفرقة والتنازع، وإنما أشرنا إليه هنا لبيان أن التنازع والاختلاف هو أخطر ما يهدد وحدة المسلمين واجتماعهم.
ثالثًا: اتباع الهوى:
إن الخلاف والتنازع إذا وقع بين المسلمين فليس شرطًا أن يكون عائقًا أمام وحدتهم، لأنهم إن ردوا ما اختلفوا فيه إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لم يبق خلاف ولا نزاع؛ ولكن المشكلة تكبر وتعظم إذا كان هذا الاختلاف ناتج عن اتباع الهوى، وصاحب الهوى يرفض الحق، ولا يتحاكم إلى كتاب أو سنة؛ « فإن الهوى يعمى ويصم، وصاحب الهوى يقبل ما وافق هواه بلا حجة توجب صدقه، ويرد ما خالف هواه بلا حجة توجب رده»110.
لذلك حذرنا القرآن الكريم من اتباع الهوى تحذيرًا شديدًا، وبين لنا أن اتباع الهوى يبعد الإنسان عن العدل؛ فالعدل والهوى لا يجتمعان أبدًا.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النساء: ١٣٥].
ففي هذه الآية أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط والعدل، فلا يعدلوا عنه يمينًا ولا شمالًا، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأمرهم سبحانه أن يؤدوا الشهادة ابتغاء وجه الله، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقًا، خالية من التحريف والتبديل والكتمان، وأمرهم أن يؤدوها ولو عاد ضررها على الشاهد أو على والديه أو على قرابته؛ فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجًا ومخرجًا من كل أمر يضيق عليه، وإن الحق حاكم على كل أحد 111.
وقوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ) أي: « فلا تتبعوا شهوات أنفسكم المعارضة للحق، فإنكم إن اتبعتموها عدلتم عن الصواب، ولم توفقوا للعدل؛ فإن الهوى إما أن يعمي بصيرة صاحبه حتى يرى الحق باطلًا والباطل حقًا، وإما أن يعرف الحق ويتركه لأجل هواه، فمن سلم من هوى نفسه وفق للحق وهدي إلى الصراط المستقيم»112.
إن اتباع الهوى مهلك ومضل، يحمل صاحبه على الشهادة بغير الحق، وعلى الجور في الحكم، وعلى غير ذلك من الظلم وتجاوز الحدود.
قال الله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [ص: ٢٦]113.
لقد بين ربنا سبحانه أن من عدل عن الحق واتبع هواه فهو أضل الناس، وفي ذلك تحذير شديد من اتباع الهوى بغير علم.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)[القصص: ٥٠].
يخبر سبحانه في الآية عمن ترك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وما معه من الحق، وأصر على اتباع هواه من غير علم ولا هدى، «فهذا من أضل الناس؛ حيث عرض عليه الهدى، والصراط المستقيم، الموصل إلى الله وإلى دار كرامته، فلم يلتفت إليه ولم يقبل عليه، ودعاه هواه إلى سلوك الطرق الموصلة إلى الهلاك والشقاء فاتبعه وترك الهدى، فهل أحد أضل ممن هذا وصفه؟»114.
قال الألوسي: « (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) استفهام إنكاري للنفي، أي لا أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله؛ لأن من فعل ذلك فهو أضل من كل ضال»115.
إن صاحب الهوى لا حاكم له ولا زمام، ولا قائد له ولا إمام، إلهه هواه، حيثما تولت مراكبه تولى، وأينما سارت ركائبه سار، فلا يسمع لكلام داعية ولا قائد ولا عالم إلا ما وافق هواه، تراه معتزلًا كل من يخالف هواه، وإن كان أهدى منه سبيلًا، مقربًا لكل من هو على شاكلته وإن كان للشيطان قبيلًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما وافق هواه، وهذا الصنف من الناس لا يبقي للمسلمين وحدة، ولا يترك لهم اجتماعًا.
لقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من طائفة من الناس قد اتبعوا أهواءهم، فمزقوا وحدة الأمة، واستباحوا دماء إخوانهم وأموالهم، إنهم الخوارج، الذين خرجوا على علي رضي الله عنه، فعن عبيد الله بن أبى رافع رضي الله عنه أن الحرورية (أهل بلد قرب الكوفة تسمى حروراء) لما خرجت على علي بن أبى طالب رضي الله عنه قالوا: لا حكم إلا لله، قال علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسًا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء (يقولون الحق بألسنتهم، لا يجوز هذا منهم - وأشار إلى حلقه - من أبغض خلق الله عز وجل إليه)116.
إن هؤلاء الخارجين عن طاعة الإمام يرون خروجهم على إمام المسلمين علي رضي الله عنه بتأويل فاسد لآيات ثابتة وصريحة في كتاب الله، إنهم يزعمون بإعلانهم (لا حكم إلا لله) أنهم المنحازون لحكم الله، والإمام خارج عليه؛ قلبًا للحقيقة وتبريرًا لخروجهم، وهذا كله بسب اتباعهم لهواهم، ورفضهم للحق.
إن من اتبع هواه - من فرق أو أحزاب أو جماعات أو أفراد - يشق عصا المسلمين، ويكون عائقًا أمام وحدتهم؛ لأنه لا ينقاد إلى ما توحد المسلمون عليه من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الخطورة، وأصحاب الأهواء يعملون على إحداث الفتن داخل الأمة، وإثارة الشبهات، وكثرة المنازعات، مما يؤدي إلى تبديد القوى، وإنهاك الطاقات، وتشتيت الجهود، وذلك طريق الفشل الذي منيت به الأمة الإسلامية، ولا يمكن أن تتوحد أمة المسلمين اليوم إذا ما تمسك كل فريق بهواه، وأبى أن ينزل على حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا بد من تحاكم الجميع إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم إذا ما أردنا أن تعود للأمة وحدتها المباركة.
وهذا لن يكون إلا بجهود العلماء والعقلاء من كل فرقة من فرق المسلمين، يجتمع هؤلاء العلماء القادة لفرقهم وطوائفهم يتحاورون ويتناصحون ويتباحثون في نقاط الخلاف التي بينهم، ويجتهدوا في الوصول إلى الحق الذي ينصاع إليه الجميع، ولو أخلصوا في عملهم هذا وقصدوا به وجه الله عز وجل لوفقهم الله عز وجل، وجمع كلمتهم على الحق المبين، ومن أصر بعد ذلك على هواه فعلى المسلمين أن يأخذوا على يديه، ولا يتركوه ليهلك ويهلك المسلمين معه.
رابعًا: الإعجاب بالرأي:
بالإضافة إلى العوائق السابقة في طريق وحدة الأمة الإسلامية، هناك عائق آخر لا ينبغي أن يغفل عنه؛ فهو خطير أيضًا، وبوجوده يصعب حصول الوحدة المنشودة، إنه الإعجاب بالرأي، وذلك بأن تأخذ كل فرقة أو جماعة من المسلمين برأي معين تستحسنه وتتمسك به، تظن أنه الحق، وأن الحق معها دون غيرها، ومن خالفها فهو على خطأ؛ بل ربما يصل الأمر عند بعضهم لأن يتجرأ ويخرج غيره ممن لم يوافق رأيه من دائرة الإسلام.
إن الإعجاب بالرأي مثله مثل اتباع الهوى؛ كلاهما يحجب صاحبه عن قبول الحق، وكلاهما يسهم في شق الصف، وإحداث الفرقة، وإعاقة الوحدة، فأنى لمن أعجب برأيه وتعصب له أن يستمع لغيره؟ فضلًا عن أن يتنازل له.
لقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الإعجاب بالرأي والنفس، فعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات؛ فأما المنجيات فالعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية، وأما المهلكات فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه) 117.
إن أمة الإسلام إن أرادت أن تحقق ما أراد لها ربها عز وجل من توحدٍ واجتماعٍ واعتصامٍ، إن أرادت أن تعيد وحدتها المباركة، فلا بد لها من تجاوز كل هذه العقبات والمعوقات، وهذا أمر واجب على جميع أفراد الأمة، على الجميع أن يبذلوا الجهود، ويضحوا بالمصالح الخاصة من أجل المصلحة العامة.
فعلى العلماء والدعاة أن يوعوا المسلمين بأهمية وحدة أمتهم، وأن يرشدوهم إلى دورهم في تحقيق هذه الوحدة، وعليهم أن يتحاوروا فيما بينهم، وينصح بعضهم بعضًا، ويكون الحكم بينهم إذا ما اختلفوا في شيء إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وعلى أولي الأمر أن يتحاوروا معًا، وأن يتصفوا بالشجاعة والقوة، فيمد أحدهم يده إلى إخوانه، ويبادر إلى إزالة ما بينه وبين جيرانه المسلمين من حدود وجدر وضعها الأعداء بيننا، ولتتلاقى الشعوب المسلمة، ولتتقاسم لقمة العيش فيما بينها، ولتستغن عن عدوها، والله معها، (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [التوبة: ٢٨].
إن وحدة الأمة ليست حلمًا بعيد المنال، وليست مجرد أمنية يتمناها المسلمون ولا يجدون لها أثرًا على أرض الواقع؛ بل هي فريضة شرعية، المسلمون قادرون على تحقيقها، عندما تصدق نيتهم، وتكتمل صحوتهم، وسيحدث ذلك بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.
إن لوحدة المسلمين ثمارًا عظيمة، ومنافع جسيمة؛ بل إن وحدتهم كلها منافع وثمار، كلها خير وفائدة، ولا يمكن أن تحصر ثمار الوحدة في وريقات قليلة أو صفحات معدودة؛ لأن من ثمار الوحدة ما لا يمكن أن يعبر عنه بالكلمات؛ ولكنه يلمس في الطيبات التي يجنيها المسلمون في ظل وحدتهم.
وقبل أن نقف على أهم ثمار الوحدة علينا أن نسأل أنفسنا: ما هي الأضرار التي أصابت المسلمين بسبب فرقتهم وتنازعهم؟ فعندما نقف على عظيم تلك الأضرار نعلم علم اليقين ما في الوحدة والاجتماع من ثمار وفوائد.
أليس المسلمون اليوم - بسبب فرقتهم - في غاية الضعف والهوان؟ أليست دماؤهم مستباحة؟ أليست أعراضهم منتهكة؟ أليست ثرواتهم مسلوبة؟ أليست مقدساتهم أسيرة مدنسة؟ هل يحسب للمسلمين حساب؟ هل يقام لهم وزن أم يجعل لهم اعتبار؟ هل يستطيع المسلمون أن ينشروا دين الله أو أن يبلغوا رسالة الأنبياء؟
هذا حال المسلمين عند فرقتهم، وهذا كله يزول عند وحدتهم واجتماعهم.
وإن من أعظم ثمار الوحدة ما يأتي:
موضوعات ذات صلة: |
الاجتماع، الاختلاف، الأمة، السياسة، الضعف، العنصرية، الوهن |
1 مقاييس اللغة ٦/٩٠.
2 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٦/٤٧٨٠، مختار الصحاح، الرازي ص٧٤٠.
3 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٩٤، التوقيف على مهامات التعاريف، المناوي ص٧٢٠.
4 انظر: وحدة الأمة الإسلامية في السنة النبوية، أحمد عمر هاشم ص ٧.
5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٧٤٥، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الواو ص١٤٠٤.
6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٦/٩٠، تاج العروس، مرتضى الزبيدي، ٩/٢٧٤، مقاصد القرآن في السبع المثاني، أم سلمى محمد صالح، ص٣٠٤.
7 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٤٧٩، لسان العرب، ابن منظور ٨/٥٣.
8 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٩/٢٠٥، لسان العرب، ابن منظور ٣/٤١٨.
9 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٦٩.
10 المخصص، ابن سيده ٣/٣٦٠.
11 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ٩١٨.
12 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٥١٢.
13 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٥٧٤.
14 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٣/٢٠.
15 في ظلال القرآن ١/٥٧٤.
16 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٢٦١.
17 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٣٤٨٩.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٦/١٩٩، رقم ٢٧٠٠.
18 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/٢٧٥، لباب التأويل، الخازن ١/٢٠٠.
19 جامع البيان ٤/٢٨٠.
20 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٤/١٨٤.
21 التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص ٢٧٧.
22 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٩٢.
23 الجامع لأحكام القرآن ٩/١١٥.
24 انظر: أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري ٣/٤٤٠.
25 انظر: هموم الأمة الإسلامية، محمود حمدي زقزوق ص ٧١.
26 جامع البيان ٧/٧٠.
27 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٢/١٩٩.
28 جامع البيان ٧/٧٥.
29 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ١/٤٣٣.
30 الجامع لأحكام القرآن ٤/١٥٩.
31 التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٤/٣٢.
32 الجامع لأحكام القرآن ٦/٤٦.
33 والآية تحتمل معنى آخر: وهو أن الطائفة التي قد خرجت مع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الذين شهدوا الوحي الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في مدة الغزو، وعليهم أن يبلغوا ذلك إلى قومهم الذين لم يخرجوا للغزو إذا رجعوا إليهم.
انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣١٨.
34 القواعد الحسان، السعدي ص ١٢٩.
35 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٣.
36 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن منع وهات، ٣/١٣٤٠، رقم ١٧١٥٠.
37 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٠٠.
38 التحرير والتنوير ٢٦/٢٤٣.
39 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، ٨/٢٠، رقم ٦٧٥١.
40 نقل الشوكاني عن الحسن رضي الله عنه: معنى بأنفسهم بأهل دينهم لأن المؤمنين كنفس واحدة، وقال النحاس: بأنفسهم أي بإخوانهم.
انظر: فتح القدير ٤/١٩.
41 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٣٢٧.
42 أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، رقم ١٣، ١/١٢.
43 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٤٣.
44 انظر: تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم، علي الصلابي، ص ٣١٨.
45 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، ح٦٧٠٦، ٨/١٠.
46 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، ح٦٧٥٠، ٨/٢٠.
47 انظر: الروض الأنف، السهيلي ٢/٣٥٠.
48 الحديث: عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، رقم ٣٧٨٠، ٥/٣١.
ولا يخفى ما في مثل هذه المواقف العظيمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بيان لأهمية الإيثار والعفة في تحقيق معاني الوحدة الحقيقية.
49 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٠٠.
50 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/١٠٩.
51 ذات البين: ما بين القوم من القرابة و الصلة والمودة، أو ما بينهم من العداوة والبغضاء.
انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٨٠.
52 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/١٢٦.
53 تفسير القرآن العظيم ٧/١٣.
54 أيسر التفاسير ١/٥٤١.
55 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٧٥٤٨، ٦/٤٤٤وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في إصلاح ذات البين، رقم ٤٩٢١، ٤/٤٣٢.
وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ٢٨١٤.
56 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٤١.
57 التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص٤٠٤.
58 جامع البيان ٧/٩٣.
59 التفسير المنير ٤/٣٦.
60 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٥٧٥.
61 التحرير والتنوير ١٠/٣٠.
62 تفسير القرآن العظيم ١٢/٢٦٢.
63 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام ٢/٥٢٩.
64 روى الطبري بسنده عن مجاهد في هذه الآية، قال: كان جماع قبائل الأنصار بطنين: الأوس والخزرج، وكان بينهما في الجاهلية حربٌ ودماء وشنآنٌ، حتى من الله عليهم بالإسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم، فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم، وألف بينهم بالإسلام. قال: فبينا رجل من الأوس ورجلٌ من الخزرج قاعدان يتحدثان، ومعهما يهودي جالسٌ، فلم يزل يذكرهما أيامهما والعداوة التي كانت بينهم، حتى استبا ثم اقتتلا. قال: فنادى هذا قومه وهذا قومه، فخرجوا بالسلاح، وصف بعضهم لبعض. قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهدٌ يومئذ بالمدينة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يمشي بينهم، حتى رجعوا ووضعوا السلاح، فأنزل الله عز وجل الآية »جامع البيان ٦/٥٩.
65 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، رقم ٢١٦٥، ٤/٣٨.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٩٩، رقم ٢٥٤٦.
66 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة، رقم ٥٤٧، ١/٢١٤.
وحسنه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح، رقم ١٠٦٧.
67 أخرجه مسلم في صحيحه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، كتاب الإيمان، باب لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، رقم ٢٣٤، ١/٥٨.
68 أخرجه مسلم في صحيحه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، رقم ٢٣٠، ١/٥٧.
69 العبادات جمع عبادة وهي لغة من الخضوع والذل.
انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٢/١٣٨.
واصطلاحًا: اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
انظر: العبودية، ابن تيمية، ص٤٤.
70 انظر: العبادة في الإسلام، القرضاوي ص ٢١٧.
71 انظر: العبادات في الإسلام وأثرها في تضامن المسلمين، علي منصور ص١١٧.
72 انظر: المصدر السابق ص١٢٤.
73 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة، رقم ١٥٣٨، ٢/١٢٨.
74 انظر: العبادة في الإسلام، القرضاوي ص ٢٣٦.
75 انظر: تفسير الشعراوي ٥/٢٥٩١.
76 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٥٦٩.
77 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب وجوب الصلاة في الثياب، رقم ٣٥١، ١/٨٠.
78 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم ١٣٠، ١/٣٧.
79 ذكر الدكتور وهبة الزحيلي ما يقارب عشرين فائدة من فوائد الزكاة على المعطي والآخذ، انظر: التفسير المنير ١٠/٢٧٨-٢٨٠.
80 انظر: مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، يوسف القرضاوي ص١٠٥.
81 انظر: السنن الكبرى، البيهقي ٧/٢٣.
82 تفسير المنار ١٠/٤٤٣.
83 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٠/٤٤.
84 التحرير والتنوير ١٧/٢٤٥.
85 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٩/٣٠٣، التفسير المنير، الزحيلي ١٧/١٩٥.
86 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٧٣.
87 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٥٣١٢، ٣/٣٩٧.
وصححه الألباني في ظلال الجنة ١/٨.
88 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٣٠٢.
89 تفسير القرآن العظيم ٤/١٣٧.
90 أيسر التفاسير ١/٤٩٧.
91 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٦١، أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٧٢.
92 الجامع لأحكام القرآن ٤/١٥٦.
93 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٥٤.
94 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٥٠١.
95 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٣/١٠٤.
96 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٧٧، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٣٤.
97 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٨/٣٧٣.
98 انظر:تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٤٩.
99 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٤/١٣٨.
100 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٥٨.
101 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣١٣.
102 الجامع لأحكام القرآن ٧/٣٤٤.
103 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه السرايا لفتنة الناس، رقم ٧٢٨٤، ٨/١٣٨.
104 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه السرايا لفتنة الناس، رقم ٧٢٨١، ٨/١٣٨.
105 أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الحدود، رقم ٨١٤١، ٤/٣٥١.
وقال عنه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ٢٤٤٩.
106 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ١٢/٣٥٣.
107 انظر: التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص٤٧.
108 التحرير والتنوير ١٥/١٣٢.
109 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٩٨.
110 منهاج السنة النبوية، ابن تيمية ٦/١٩٢.
111 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣١٠.
112 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٠٨.
113 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٤١٣.
114 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦١٧.
115 روح المعاني ٢٠/٩٣.
116 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب التحريض على قتل الخوارج، رقم ٢٥١٧، ٣/١١٦.
117 أخرجه الطبراني في الأوسط، رقم ٥٤٥٢، ٥/٣٢٨، والبيهقي في شعب الإيمان، رقم ٧٣١، ٢/٢٠٣.
قال الألباني: رواه البزار واللفظ له والبيهقي وغيرهما، وهو مروي عن جماعة من الصحابة، وأسانيده وإن كان لا يسلم شيء منها من مقال، فهو بمجموعها حسن إن شاء الله تعالى. صحيح الترغيب والترهيب، رقم ٤٢٣، ١/١٠٨.
118 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين، رقم ٦٧٥١، ٨/٢٠.
119 جامع البيان، ٧/١٥٥.